المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

التاريخ
عدد المواضيع في هذا القسم 6779 موضوعاً
التاريخ والحضارة
اقوام وادي الرافدين
العصور الحجرية
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
العهود الاجنبية القديمة في العراق
احوال العرب قبل الاسلام
التاريخ الاسلامي
التاريخ الحديث والمعاصر
تاريخ الحضارة الأوربية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



حروب الدولة البابلية الحديثة(626-539 ق.م)  
  
2709   11:41 صباحاً   التاريخ: 31-10-2016
المؤلف : هديب حياوي عبد الكريم
الكتاب أو المصدر : دور حضارة العراق القديمة في بلاد الشام
الجزء والصفحة : ص201- 217
القسم : التاريخ / الامبراطوريات والدول القديمة في العراق / بابل /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-10-2016 1069
التاريخ: 31-10-2016 1750
التاريخ: 31-10-2016 1620
التاريخ: 31-10-2016 1149

ينتهي حكم الامبراطورية الاشورية لبلاد الرافدين اثر التحالف البابلي الميدي(1) الذي اسقط العاصمة نينوى عام 612 ق.م، وكان ذلك ايذانا بسيادة البابليين على البلاد بقيادة ملكهم نابوبلاصر الذي ينتمي الى القبائل الكلدية وتأسيس دولة جديدة سميت بالدولة الكلدية او البابلية الحديثة (626-539 ق.م)(2).

لقد اعتبر البابليون انفسهم ورثاء الاشوريين في السيادة على بلاد الشام(3)، لكنهم كانون يدركون ان مسالة الاحتفاظ بالبلاد السورية صعبة. اذ انه اذا كان بالإمكان اكراه شمال سوريا على التسليم بالامر الواقع، فليس من السهل ان يقبل الفينيقيون او الفلسطينيون التبعية الى الدولة الجديدة بعد ان تخلصوا من الاشوريين الذين وجهوا لهم ضربات متلاحقة وموجعة(4).اما الاشوريون فان قوتهم العسكرية لم تنته تماما حتى بعد سقوط عاصمتهم نينوى، اذ انسحب ما تبقى من الجيش الاشوري الى مدينة عنه ليستعيد تنظيم صفوفه تحت قيادة اشور- اوبالط الثاني (611-609 ق.م) الذي قاده الى مدينة حران ليتخذها مقرا له بانتظار مساعدة من المصريين(5) الذين تحركوا الى ساحة المعركة في محاولة منهم لفرض انفسهم كقوة سياسية عسكرية امام القوات البابلية- الميدية التي كانت تطارد الاشوريين مستهدفين من ذلك اعادة بعض نفوذهم على البلاد السورية(6).

لقد ادرك الفرعون المصري بسماتيك الاول (663-609 ق.م)ان هناك دولة قوية جديدة ستحل محل الامبراطورية الاشورية المتداعية في بلاد الشام، لذلك تقدم لمعارضة القوة الجديدة التي غدت الوارثة للأملاك الاشورية في غرب اسيا اذا استحوذ بسماتيك على عسقلان واشدود في فلسطين وتقدم مسرعا لنجدة الاشوريين(7). وكان يبغى من خطوته هذه الوقوف امام القوة البابلية- الميدية المتعاظمة والتي تشكل خطرا كبيرا على المصالح المصرية في بلاد الشام، مقابل هذا فقد شهد شهر اذار من عام 611 ق.م استيلاء نابوبلاصر على مدينة روكوتي (Rugguti) الواقعة في شمال سوريا اذ اتخذها قاعدة لضرب مدينة حران التي كانت مركزا للجيش الاشوري(8)، ولكن حران شهدت عام  610 ق.م هجوما عسكريا من قبل الاومان ماندا (Ummanmanda )(9) وهو جيش الميديين الذين التحق بهم الجيش البابلي(10).

إزاء هذا الموقف انسحب الجيش الاشوري بقيادة اشور- اوبالط الثاني باتجاه الجنوب الغربي حيث دخل مدينة كركميش بانتظار وصول المساعدة المصرية ومن ثم القيام بهجوم مضاد على حران وفعلا فانهم حققوا ذلك بعد وصول الجيش المصري فقاموا بضرب الحامية البابلية في المدينة(11).

ويبدو ان الاشوريين بعد نجاحهم المؤقت في حران بمساعدة المصريين قرروا الانسحاب ثانية منها بعد وصول انباء تحرك الملك نابوبلاصر اليها فانسحبوا من المدينة قبل وصول نابوبلاصر. ولعل هذا يفسر لنا عدم ذكر وثيقة الاخبار البابلية حدوث أي صدام بين الطرفين وواصل العاهل البابلي تقدمه حتى وصل الى مدينة ايزاللا (Izalla) الواقعة ضمن منطقة اورارطو(12).

بعد هذا الحدث لم تعد تصلنا اية معلومات عن الملك الاشوري وجيشه وبهذا يمكننا اعتماد عام(610-609 ق.م) تاريخا لنهاية الامبراطورية الاشورية سياسيا وعسكريا(13)، اما الجيش المصري الذي بقى في كركميش قتم القضاء عليه فيما بعد من قبل نبوخذنصر الثاني (604-562 ق.م)عام 605 ق.م(14).

لقد ادى غياب الدولة الاشورية التي هيمنت على مناطق واسعة من الشرق الادنى القديم ووصلت بحدودها الغربية العاصمة المصرية طيبة الى ظهور قوى دولية جديدة لأقوام كانت قبل نهاية القرن السابع وبداية القرن السادس ق.م خاضعة للسيادة الآشورية(15). فكون الميديين قوة داخل بلاد ايران(16)، في حين تمكن المصريون بقيادة بسماتيك الأول من تأسيس السلالة السادسة والعشرين (663-525 ق.م) الطموحة في مد نفوذها الى بلاد الشام(17)، فكانت المدن الفينيقية تتأرجح وسط الصراع البابلي-المصري على المنطقة، غير ان ولائها نحو جارتها الجنوبية مصر كان واضحاً(18).

ان الأهمية الستراتيجية لمناطق بلاد الشام لم تغب عن بال البابليين فكانت محط اهتمامهم الكبير عبر كل سنوات حكمهم وهذا ما نستشفه من تكرار حملاتهم العسكرية عليها، فقد سجل شهر تشرين الاول من عام 607 ق.م قيام نابوبلاصر بحملة عسكرية على منطقة كيموخو (Kimuhu)(19) الواقعة على الفرات جنوب كركميش والتي تتميز بموقعها المهم حيث انها تتحكم بالطريق التجاري الذي يصل ما بين شمالي سوريا بجنوبها ماراً بحماه الى كركميش ونجح العاهل البابلي بالاستيلاء على هذه المدينة في تشرين الثاني من نفس العام وترك فيها حامية عسكرية(20).

وتتأكد أهمية كيموخو الستراتيجية من معرفة رد الفعل المصري اثر احتلالها، فبعد عودة نابوبلاصر الى بابل في شهر شباط من عام 606 ق.م بدأ المصريون بقيادة نيخو الثاني (609-594 ق.م) في حصار الحامية البابلية التي تركت فيها(21).

ازاء هذا الموقف سار العاهل البابلي في تشرين اول من نفس السنة لصد المصريين وعسكر في جنوب المنطقة على نهر الفرات عند قوراماتي (Quramati) المحمية بثلاث قرى هي سوناديري (Sunadiri) وايلامو (Elammu) ودخامو (Dahammu) حيث تم الاستيلاء عليها(22)، ولكن وللمرة الثانية عند انسحاب الملك البابلي هوجمت الحامية البابلية الجديدة من قبل المصريين الذين عبرو الفرات عند كركميش التي كانت بحوزتهم انذاك(23)، عندئذ قامت القوات البابلية في قوراماتي بانسحاب ستراتيجي صوب بابل(24).

في سنة 605 ق.م عُهد بقيادة الجيش البابلي الى نبوخذنصر الثاني في حين بقي والده في بابل حيث كان البابليون يخططون لحملة واسعة ضد كركميش ازاء التهديدات الخطيرة من قبل المصريين لمصالح الدولة البابلية في المنطقة(25). وبالفعل فقد تقدم البابليون بقيادة نبوخذنصر باتجاه كركميش عن طريق نهر الفرات ليلاقي الجيش المصري الذي كان بقيادة نيخو فاحتدم القتال بينهما واسفر عن اندحار الجيش المصري ومطاردة فلوله المهزومة الى مدينة حماه حيث الحقت به خسائر فادحة(26). وقد وصف هذا النصر في العهد القديم بما نصه:

((قد نادوا هناك فرعون مصر هالك وقالوا بان الفرعون ملك مصر هو مجرد ضوضاء))(27)

لقد حقق نبوخذ نصر الثاني من خلال هذا النصر الساحق نفوذاً على منطقة حماه بكاملها اذ سيطر على قادش الواقعة على نهر العاصي (اورنتس) كما امتد نفوذه الى ربلا (35 كم جنوب غربي حمص) التي كانت تحت سيطرة المصريين واصبحت المركز الرئيس للجيش البابلي في سوريا لموقعها المتميز وسهولة الدفاع عنها وسيطرتها على الطريق الرئيسة الذاهبة الى الفرات، اضافة الى ذلك تميز موقع ربلا بتوفر الغابات ووجود وديان خصبة على مقربة منها وهذا يسهل الحصول على الوقود والطعام للجيش لذلك اصبحت هذه المدينة في وقت لاحق قاعدة للعمليات العسكرية البابلية المتوجهة نحو القدس، واستمرت في كونها مقراً للجيش البابلي حتى زمن الملك الاخير للدولة البابلية نبونائيد (556-539 ق.م)(28). واضافة الى سيطرته على ربلا فان نبوخذنصر ضم فلسطين ودويلات شرق الاردن (ايدوم وموآب وعمون) فضلاً عن الساحل الفينيقي(29).

ان هذه المعركة الحاسمة والانتصار الكبير الذي حققه الجيش البابلي على الجيش المصري كان فرصة مواتية لنبوخذنصر للتقدم في الاراضي المصرية لملاحقة فلول الجيش المهزوم، الا ان خبر وفاة والده استدعى حضوره الى بابل لتبوء عرش البلاد(30)، ومن المحتمل ان نبوخذنصر كان في ربلا حينما سمع بخبر الوفاة فليس هناك دليل اكيد على ان الملاحقة قد وصلت في ذلك الوقت الى حدود مصر(31).

عهد نبوخذنصر الثاني:

وصل نبوخذنصر بابل ليتوج ملكاً على البلاد في 23 ايلول عام 604 ق.م ودام حكمه فترة طويلة (604-562 ق.م) وكان من العهود المتميزة في تاريخ العراق القديم(32). أهتم هذا العاهل بالجبهة الغربية، لذلك فقد تتابعت حملاته العسكرية عليها وكان معظمها عرض للقوة العسكرية الكبيرة هادفاً من ذلك ضمان الطاعة والولاء، كذلك معاقبة بعض المدن المتمردة. ويمكن القول ان البابليين قلدوا في ذلك سياسة اشورية لقيت نجاحاً كبيراً في المنطقة بتكرار حملاتهم العسكرية السنوية عليها(33). ويمكن ان نعلل أسباب الأهتمام المتزايد للعاهل البابلي بالجبهة الغربية بما يأتي:

1. التصدي للمشاكل التي كانت تسببها مصر في المنطقة بسبب منافستها مع البابليين على النفوذ في البلاد السورية.

2. ضمان سلامة الخطوط التجارية ومراكزها في البلاد السورية لأجل استمرار تدفق الاموال والمواد التجارية المختلفة التي كانت تتطلبها حياة الترف في بلاد بابل ابان حكم نبوخذنصر.

3. تحقيق البعد الستراتيجي للدولة البابلية في توحيد البلاد السورية وجعلها وحدة متكاملة مع بلاد الرافدين(34).

ولما تقدم فقد تلاحقت حملات نبوخذنصر الثاني باتجاه سوريا. فقد شهدت سنة حكمه الأولى حملة كان من نتائجها دخوله المدن السورية واستلامه هدايا الطاعة والولاء منها دون مقاومة تذكر(35)، باستثناء مدينة اشكلونا (عسقلان الحالية) التي امتنعت عن الخضوع للسلطة البابلية. وعلى اثر ذلك تم القاء القبض على حاكمها واسره والاستيلاء على الكثير من الغنائم والاسرى الذين رُحًلوا الى بابل التي شهدت عودة العاهل البابلي اليها في شهر شباط من نفس السنة(36). وتفيد النصوص التأريخية الى ان مصر كانت تلعب دور المحرض لمدينة عسقلان في تمردها بدليل العثور على رسالة أرامية في مصر موجهة من حاكم عسقلان الى الفرعون المصري نيخو الثاني (609-594 ق.م) يطلب فيها العون والمساعدة منه ضد قوات نبوخذنصر(37).

ان نجاح تلك الحملة على البلاد السورية جعل يهوياكيم (608-597 ق.م) ملك المملكة الجنوبية في فلسطين والموالي للفرعون المصري نيخو الثاني يدرك الخطر الذي يحدق بمملكته، ولهذا فانه دعا الى الصيام في جميع انحاء المملكة وعلى جميع الأقوام التي جاءت لاجئة الى القدس من المدن الأخرى وقام بتقديم فروض الطاعة والولاء للملك البابلي(38).

واجه نبوخذنصر مقاومة عنيفة في البلاد السورية خلال السنة الثانية من حكمه بحيث انه اضطر الى تنظيم حملة عسكرية كبيرة. اذ تخبرنا وثيقة الاخبار البابلية انه حمل معه ابراج الحصار التي كان ينوي استخدامها لمحاصرة احدى المدن التي اظهرت العصيان، ولكن اسم المدينة مخروم في النص البابلي، ويذهب دونالد وايزمن ان تلك المدينة ربما كانت القدس(39)، ولكن لم ترد في العهد القديم اية اشارة بصدد تمرد يهوياكيم ضد الحكم البابلي في هذه السنة. وهناك رأي يفيد بان المدينة المقصودة هي عسقلان او احدى مدن الساحل الفينيقي (جبيل، صيدا، صور)، ذلك ان نبوخذنصر ترك نصاً تأريخياً على وجه صخرة تشرف على منبع نهر الليطاني شمالي صور يوصف عدوه في ذلك النص بانه (الملك المعادي الاجنبي) الذي يسيطر على المنطقة وثرواتها، وربما كان المقصود به أحد ملوك المدن الفينيقية(40). اما سنة حكم نبوخذنصر الثاني الثالثة (602 ق.م) فقد اقتصرت حملته فيها على استلام هدايا الطاعة والولاء السنوية من المدن السورية. ويرد في نص الوثيقة البابلية الخاصة بهذه الحملة والمحفوظ في المتحف البريطاني برقم (21946) وهو بحالة سيئة اسم نبو-شوم-ليشير (Nabu-Sum-Lisir) وهو الاخ الاصغر للملك البابلي بوصفه أحد المرافقين له في حملته تلك، دون ان نعرف طبيعة عمله او مهامه بسبب تلف النص فيما يلي اسمه(41).

لم يستمر الوضع السياسي العام في البلاد السورية على هذا الحال فترة طويلة، فقد كانت سيطرة البابليين على المدن السورية والفلسطينية تثير قلق المصريين وتهدد مصالحهم التجارية في المنطقة، لهذا أخذت مصر تحرض بعض المدن ولا سيما الفلسطينية على التمرد 

والعصيان ضد الحكم البابلي(42). ازاء هذا الموقف قام العاهل البابلي بحملة عسكرية على مصر نفسها في عام 601 ق.م والتقى الجيشان البابلي والمصري في معركة عنيفة تكبد خلالها الطرفان خسائر كبيرة حسبما ورد في رواية العهد القديم(43). ولم تكن المعركة حاسمة، اذ اضطر الجيش البابلي على اثرها الى الانسحاب الى بلاده. ويرد في النص الخاص بتلك الحملة ما نصه:

((تقاتلا في اشتباك قريب ودمرا بعضهما))

ومن الجدير بالذكر ان الوثيقة البابلية لم تذكر مكان اشتباك الجيشين(44). كما لم نجد لهذه المعركة أي صدى في النصوص الكتابية المصرية القديمة(45).

لقد ادى انسحاب الجيش البابلي من تلك المعركة الى تشجيع يهوياكيم ملك المملكة الجنوبية الفلسطينية لأعلان عصيانه ضد الحكم البابلي عام 600 ق.م وامتنع عن دفع هدايا الولاء على الرغم من تحذير النبي أرميا من عاقبة ذلك العمل الذي وقفت خلفه مصر(46). ازاء موقف يهوياكيم هذا اوعز العاهل البابلي الى بعض الأقوام القاطنة في شرق الأردن من الايدوميين والمؤابيين والعمونيين(47)، فضلاً عن بعض حامياته المتواجدة في المدن السورية، بالتقدم لمهاجمة المملكة الجنوبية قبل توجهه اليها(48)، وتؤكد لنا بعض النصوص المدونة بالعبرية على ان تحالفاً قد نشأ بين الأيدوميين والبابليين وذلك من خلال وثيقة عثر عليها في مدينة أراد (Arad) الواقعة على بعد 17 ميل جنوب شرق الخليل (حبرون) في فلسطين وهي عبارة عن رسالة موجهة من حاكم القدس الى القائد العسكري في قلعة مدينة اراد يطلب منه ان يقوم حالاً بجمع عدد من الجنود ويرسلهم تحت قيادة مالكياهو (Malkiyaho) الموجود في الياشا (Elisha) الى قائد قلعة راموث نقب من اجل التصدي الى زحف الايدوميين نحو القلعة(49)، وتبرز أهمية هذه الوثيقة لأننا نستشف منها حقيقة ما كان يجري في عام 600 ق.م، كما انها وثقت لنا التحالف الايدومي- البابلي الذي استمر اثناء حصار القدس اذ سكنوا بعدها فلسطين واتخذو من مدينة الخليل عاصمة لهم(50).

ويمكن تعليل مساعدة الايدوميين للبابليين برغبتهم في استعادة بعض الاراضي التي انتزعت منهم في ايام يوشع حاكم القدس السابق في حين كان هدف نبوخذنصر من تحالفه معهم يتعدى التعاون العسكري الى الهدف الاقتصادي اذ ان وقوف الايدوميين معه يمكنه من السيطرة على خط التجارة الى الساحل الغربي لفلسطين وميناءه الرئيس على البحر المتوسط(51).

لقد جنب هذا التحالف الايدوميين حملات الجيش البابلي على جيرانهم (موآب وعمون) الذين تلقوا ضربات موجعة من الجيش البابلي في وقت لاحق بعد ان غيروا ولائهم باتجاه حاكم المملكة الجنوبية وتضامنوا معه في اعلان العصيان والتمرد(52). ويذهب بعض الباحثين، واستناداً لدراسة بعض الوثائق العبرية والاختام التي عثر عليها في الطبقة الرابعة من تل خليفة، الى عدم تعرض ايدوم الى أي تخريب او هجوم حتى منتصف القرن السادس ق.م(53). وفي السنة السادسة من حكم نبوخذنصر (599 ق.م) توجه ثانية الى البلاد السورية مستهدفاً من حملته تلك القبائل العربية التي لم تكن مواليه للحكم البابلي، فكسب ولائها وغنم الكثير من ممتلكاتها واحرق خيامها ونقل تماثيل الهتها الى عاصمته(54) وجاء ذكر اسماء بعض من تلك القبائل في العهد القديم ومنها (قيدار) و(حاصور) و(بني المشرق)(55).

تحرير القدس:

مكث العاهل البابلي في البلاد السورية اثناء حملته عام (599 ق.م) حوالي أربعة اشهر ثم عاد الى بابل دون ذكر لعودة جيشه معه(56) وتوضَّحَ هدف ابقاء الجيش هناك في  السنة التالية (598 ق.م) اذ انه عاد ليقود الجيش صوب القدس في حملة ضد ملكها يهوياكيم الذي امتنع عن تقديم هدايا الولاء السنوية لبلاد بابل(57). وتشير النصوص التأريخية الى ان يهوياكيم قد توفي قبل شهر من بدء العملية العسكرية البابلية ضده(58). وتم تنصيب ابنه يهوياكبن خلفاً له. ولم يمض الأخير لمدة ثلاثة اشهر على العرش حتى شهد هجوم العاهل البابلي على المدينة(59) التي فتحها عام 597 ق.م بعد أن ضمن مسبقاً مساعدة الايدوميين فقد احتلت قلعة راموث نقب اثر الهجوم الايدومي-البابلي الذي اشرنا اليه سابقاً بدليل الوثيقة العبرية وبذلك غدت راموث-نقب منطقة حاجزة بين مصر والمملكة الجنوبية في فلسطين لقطع أي اتصال او مساعدة محتملة من مصر وعزلها تماماً عن المناطق المحيطة بها(60).

ان من اهم نتائج تحرير القدس اسر يهوياكين مع عائلته وحاشيته ورؤساء قبائل المدينة فضلاً عن اجلاء اعداد كبيرة من السكان مع الكثير من الغنائم الى بلاد بابل وتم تنصيب متينيا (Mattaniah) الذي غير اسمه الى صدقيا حاكماً على المدينة(61). لقد ساهم استسلام يهوياكين لنبوخذنصر عند دخوله القدس مساهمة كبيرة في انقاذها من دمار محقق وهذا ما يمكن ان نستنتجه من خلال معاملة العاهل البابلي للمدينة برفق نسبي(62). وقبل عودة نبوخذنصر الى عاصمته اقسم صدقيا له باسم الهه (يهوه) على ان يبقى مخلصاً وموالياً للبابليين، ولكنه حنث بهذا القسم فيما بعد(63).

سجل عام 596 ق.م عودة ثانية لنبوخذنصر الى سوريا حيث وصل الى كركميش شمالاً وربما كان ذلك لحدوث بعض الاضطرابات فيها(64). ويرد في العهد القديم ان دويلات شرق الاردن (موأب وعمون وايدوم) قد تغير موقفها تجاه الحكم البابلي بعد ان كانت تقدم له فروض الطاعة والولاء حيث انضم ممثلون من هذه الدويلات الى مؤتمر عقد في القدس في السنة الرابعة من حكم صدقيا (594/593 ق.م) ضم كل المتمردين على السلطة البابلية(65)، في حين تحالفت صور مع صدقيا من أجل اقامة علاقات تجارية عبر النقب التي وضعها نبوخذنصر تحت سيطرة ايدوم من قبل(66).

ان من اهم الاسباب التي دعت الى هذا التحالف اثنان: اولهما انشغال العاهل البابلي بالقضاء على تمرد حصل في صفوف جيشه عام 594 ق.م، والثاني تولى بسماتيك الثاني (594-588 ق.م) حكم مصر حيث كانت له رغبة شديدة في التصدي للنفوذ البابلي سواء بالاصطدام العسكري المباشر او في تحريض الدويلات التي كانت تدين بالطاعة والولاء للحكم البابلي بالتمرد والعصيان(67). وقد فشل هذا الحلف في تحقيق النوايا التي كان يبيتها بسبب قوة الجيش البابلي التي جعلتهم يترددون عن القيام باي عمل من شأنه ان يثير غضب العاهل البابلي فاعلنوا موقف السلام والولاء لبابل(68). ويعتقد البعض ان من بين أسباب فشل هذا الحلف هو عدم التوصل الى اتفاق بين اطرافه حيث انسحب الايدوميين وواصلوا ولائهم للحكم البابلي(69). اما صدقيا فقد بقي على ولائه وخضوعه لنبوخذنصر، ولكنه ناصبه العداء فيما بعد مستجيباً لرغبة بعض زعماء بلاطه ومعتمداً كالعادة على مساعدة مصر له في التمرد ة والعصيان(70).

اعلن صدقيا تمرده الصريح ضد الحكم البابلي عام 589 ق.م ولكن هذا التمرد لاقى معاضة شديدة من النبي حزقيال (الذي كان اسيراً في بابل) والذي لم يوافق على نقض صدقيا للعهد تجاه نبوخذنصر ومحالفة المصريين وحذره من عاقبة ذلك العمل الخياني(71). اضافة الى ذلك فان صدقيا تلقى تحذيراً من النبي ارميا بان مصيره سيكون الهلاك على يد القوات البابلية(72) وقد اثبتت الاحداث ان تقدير ارميا للموقف كان احكم من السياسيين(73).

من خلال ما تقدم نرى ان هناك موقفين مختلفين حول عصيان صدقيا، فالبلاط كان يؤيده ويحرضه على اعلان التمرد، بينما تعارضه فئة أخرى، وهي التي كانت بزعامة أرميا. ولم تكن هذه الفئة تقبل بالانحياز الى المصريين والمشاركة في تحريضاتهم المستمرة ضد

البابليين(74). تميز رد فعل نبوخذنصر على تصرفات صدقيا بسرعته وقوته حيث حشد قوة عسكرية كبيرة ليبدأ معركة القدس في يوم 15 كانون ثاني سنة 588 ق.م، فأقام حواجز الحصار حول المدينة لمنع أي حركة دخول او خروج وهذا ما يشابه الى حد ما حصار سنحاريب للمدينة عام 701 ق.م(75). وبناءاً على طلب الملك العبراني صدقيا استجاب فرعون مصر هوقرع (ابريس) (588-568 ق.م) لمساعدته. ذلك ان صدقيا تمكن من ارسال مبعوث له، وكان هذا المبعوث هو قائد الجيش كوريا هو ابن ايلناثان كما ورد في احدى رسائل لاخيش(76) والذي اوكلت اليه هذه المهمة بعد مضي سنة على بدء حصار المدينة، بعد ان منع نبوخذنصر لاخيش من تقديم أي اسناد وكذلك عزل القلاع الواقعة الى الجنوب الغربي من القدس(77).

لقد كانت استجابة المصريين لطلب صدقيا للعون نتيجة لرغبتهم في ابعاد تهديد مصالحهم التجارية في الموانئ الفينيقية والفلسطينية من قبل الجيش البابلي، وكان من نتيجة تقدم الجيش المصري هو الاستيلاء على غزة ومحاصرة صور وصيدا(78). اما الجيش البابلي فقد تسرب الملل في نفوسه من جراء طول مدة بقائهم في اراضي بعيدة عن بابل حيث سيطر عليهم الحنين اليها، ولذلك اتخذ نبوخذنصر الثاني الذي كان في ربلا خطوة تكتيكية بان اوعز الى قائد جيشه نبو-زير-ايدينا (Nabu-Zer-Iddina) الذي ورد اسمه في العهد القديم (نبوزردان) بالانسحاب المؤقت الى بابل، في حين اعتقد صدقيا ان ذلك الانسحاب كان نهائياً(79).

كانت عملية رفع الحصار المؤقتة عن القدس، والتي لا تعرف مدتها فرصة استغلها العديد من سكان المدينة للهرب منها الى عمون وموآب وأدوم(80)، في حين حاول النبي أرميا الهروب الى قبيلة بنيامين العبرانية ولكنه فشل في ذلك حيث القي القبض عليه ووجهت اليه تهمة التجسس لصالح البابليين واودع السجن من قبل صدقيا(81). ويمكننا القول ان انسحاب الجيش البابلي ربما كان بقصد من نبوخذنصر لتجديد قواته وتنظيم صفوفها بعد طول مدة بقائهم خارج البلاد ولرفع روحهم المعنوية ومن ثم القيام بحملة اخرى اتجاه القدس(82). ولا نستطيع هنا ان نغفل سبباً أخراً كان وراء ذلك الانسحاب الا وهوم وصول الجيش المصري للمنطقة ونجاحه في تحقيق بعض الانتصارات(83).

عاد الجيش البابلي بعد فترة الانسحاب هذه الى القدس وسجل لنا يوم 9 آب من سنة 587 ق.م اختراق السور الشمالي للمدينة، وفي الاسبوع التالي دمر معبد المدينة وثم فتحها بحدود شهر واحد من بعد ذلك(84). وكان العاهل البابلي يتابع الاحداث من مقر عملياته العسكرية في ربلا(85). ومن الجدير بالذكر ان الفترة ما بين اختراق السور الخارجي للمدينة وبين الفتح الكامل لها، والتي امتدت شهراً كاملاً، ربما كانت بسبب محاولة الجيش البابلي لأقناع سكان المدينة بالتفاوض والاستسلام(86).

أما صدقيا فقد حاول الهرب مع قواده باتجاه نهر الاردن فتبعهم الجيش البابلي والقى القبض عليه في سهول اريحا واقتيد مع اولاده الى العاهل البابلي في ربلا ومن هناك ارسل الى بابل والقي في السجن بعد ان سُملت عيناه(87). كما تم اجلاء اعداد كبيرة من سكان المدينة قدر عددهم بـ (40000) كأسرى الى بابل(88). بعد هذه الاحداث تم تنصيب العبراني جداليا بن اخيقام بن شافان حاكماً على من بقي من سكان المدينة، ولكنه سرعان ما اغتيل من قبل بعض اتباع صدقيا بعد عودتهم من مصر التي فروا اليها خوفاً من انتقام الجيش البابلي منهم(89). غير ان هذا العمل لقي رد فعل عند البابليين اذ قاموا في عام 582 ق.م بمعاقبة الفاعلين واجلاء سبعمائة وخمسة واربعين عبرانياً من قبل القائد البابلي نبو-زير-ايدينا اسرى الى بلاد بابل بعد أن ضرب العمونيين والمؤابيين الذين أووا الهاربين من القدس اثناء حصارها وكانت لهم يد في تدبير مقتل جداليا(90). في حين بقي الايدوميين على ولائهم السابق لنبوخذنصر اثناء حصار القدس(91).

لقد تم العثور خلال التنقيبات الاثارية التي جرت في مواقع فلسطينية عديدة، على عدد من طبعات الاختام المنبسطة وهذه اشارة واضحة الى التشتت الذي اصاب افراد الطبقة البيروقراطية العبرية التي كانت تمتلك تلك الأختام والتي كان من بينها ختم جائزانيا (Jaazaniah) وهو احد موظفي البلاط الملكي في القدس، اذ عثر عليه في تل النصبة (Nispah)، وهو الموقع الذي اتخذه جداليا مقراً له عند تعيينه من قبل نبوخذنصر حاكماً على المملكة الجنوبية ثم التحق به أرميا الذي مال الى جانب البابليين(92). كذلك عثر على مثل هذه الطبعات في مواقع خارج القدس مثل لاخيش وغيرها وكلها تعود الى موظفين كبار(93).

ان اجلاء العبرانيين عن مناطقهم من قبل نبوخذ نصر الثاني يشبه الى حد كبير السياسة الاشورية التي تميزت بترحيل سكان المناطق المحتلة لردع المتمردين على السلطة واحلال سكان من منطقة اخرى بدلاً عنهم. وقد اسكن البابليون اكثر اسراهم في عاصمتهم بابل وفي مدنهم الرئيسة(94)، ومنها نفر التي كانت مركزاً رئيسياً لاستيطان العبرانيين(95)، ولكن البابليين لم يعمدوا الى نقل جماعات بديلة لأسكانهم في اماكن المرحلين(96).

ويمكن القول ان سبب اسكان هؤلاء العبرانيين في العاصمة والمدن الرئيسية لبلاد بابل ربما كان للحاجة الى خدماتهم في البناء وخاصة في العاصمة اذ عرف عن هؤلاء الاسرى انهم كانوا من الحرفيين والصناع المهرة الذين لهم دراية في امور الأعمار والبناء، خصوصاً وان نبوخذنصر قد عُرف باهتمامه بهذا الجانب(97).

بعد التحرير الكامل للقدس واصل الجيش البابلي تقدمه حتى وصل جبال لبنان وخلف لنا كتابات في وادي بريسا(98) مع منحوتتين صخريتين عند مصب نهر الكلب حيث يظهر نبوخذنصر في النصب الاول واقفاً امام شجرة ارز وفي الثاني يقاتل اسداً يهاجمه(99). وقد تحدث لنا العاهل البابلي في الكتابات التي خلفها لنا عن حملته العسكرية الى لبنان بقوله:

((ثقة مني بقوة الالهين نابو ومردوخ قمت بحملة عسكرية ضد لبنان وقد جلبت المسرة والبهجة الى تلك البلاد بطردي كل عدو والقضاء عليه في طول البلاد وعرضها وقد اجتزت وديانا عميقة، وفتحت لجيشي مسالك في الصخر وحيث اعترضني الصخر كنت افتته، وهكذا انشأت طريقاً مستقيماً ممهداً لنقل خشب الأرز، وقد وفرت لأهل لبنان الطمأنينة والسلام وأزلت عنهم كل ما من شأنه ان يعكر عليهم صفو الحياة، ولكي يقبر كل طامح طامع في ارضهم فلا تحدثه نفسه بالاعتداء عليهم فاني قد اقمت نصباً عليه تمثالي شاهداً انني الملك على هذه المنطقة الذي لا زوال لملكه))(100).

حصار صور وفتحها:-

رغم كل ما تحدث عنه العاهل البابلي من انتصارات حققها في المنطقة، بقيت مدينة صور، زعيمة التحالف الفينيقي عصية عليه لذلك توجه الى هذه المدينة بعد عام من تحرير القدس، وكان يحكمها ايتوبعل الثالث(589- 574ق.م) ittobaal III))(101) الذي نصبه الفرعون المصري بسماتيك الثاني (593-588 ق.م) عندما قام بغزو وصور وصيدا عام 590 قوم(102).

لقد ابدى ايتوبعل الثالث عزماً على مجابهة نبوخذنصر فأقام الحصون والقلاع(103) فضلاً عن ذلك فان موقع المدينة نفسه يوفر لها حصانة ومنعه، فهي في الاساس مدينتين احداهما ساحلية والاخرى تقع فوق جزيرة تقابل الساحل يلجأ اليها السكان عند تعرضهم لأي خطر خارجي، وهذا ما حدث ايام تعرضها للحصار من قبل الاشوريين(104). ولهذا فان هذه المدينة قاومت حصاراً فرضه البابليون عليها واستمر مدة ثلاثة عشر عاماً(105). وهناك اسباباً اخرى ساعدت صور على المقاومة الطويلة للحصار ومنها قلة خبرة الجيش البابلي في بناء السفن والقتال البحري وفتح المدن الساحلية التي تتخذ من البحر حاجزاً واقياً ومنيعاً لها لصد أي هجوم تتعرض له. لذلك فقد واجه نبوخذنصر مقاومة عنيفة من الاسطول البحري للمدينة وهو الاسطول المعروف بخبرته الطويلة في مجال ركوب البحر واسراره(106). فضلاً على ذلك فان المدينة كانت تمتلك قنوات توصل المياه من البحر الى مناطقها الداخلية، اذ كانت تلك القنوات توفر المياه الى سكان المدينة دون عون خارجي(107). ولا يمكن اغفال المساعدات المصرية التي قدمت لها اثناء حصارها والتي كان لها اثر كبير في اطالة مدته(108). ويمكن اضافة سبب آخر ساعد صور على تلك المقاومة الطويلة الا وهو اعتمادها في حياتها اليومية على البحر في ممارسة التجارة وصيد السمك، ولهذا فانها تمتعت بثراء اقتصادي(109) قاومت به حصاراً طويلاً كانت نهايته بحدود عام 572 ق.م ففي ذلك العام تم اقتحامها وخلع حاكمها ايتوبعل وعين في مكانه بعل الثاني (Baal II) (572-564)(110)، والذي ربما كان من الرهائن الذين احتجزهم الجيش البابلي اثناء حصاره للمدينة، ولعله ابن ملكها المخلوع، وقد بقي بعل الثاني مخلصاً لنبوخذنصر(111) الذي دخل بنفسه المدينة حيث يرد في نص كُتبَ في صور:

((الملك والرجال الذين كانو بمعيته ذهبوا الى صور وقد زود بعضهم بثياب دافئة وردية من نوع صيرو (siru) من الوركاء))(112).

وهناك رأي يشير الى ان فتح نبوخذنصر لمدينة صور قد تم دون قتال، اذ تم التوصل الى اتفاق بينه وبين ملكها ايتوبعل الثالث يقضي بتخلي ملك صور عن عرشه مع الاحتفاظ بالنظام الملكي والاستقلال الداخلي للمدينة مقابل تقديم ضمانات للبلاط البابلي، ومقابل هذا يؤمن البابليون حماية المدينة(113)، ويبدو ان هذا الاحتمال مقنع اذا ما أخذنا بنظر الاعتبار طول المدة التي حاصر فيها الجيش البابلي المدينة مما اضطرها الى التسليم بعد ان يئست من مقاومة البابليين والتصدي لهم طيلة ثلاثة عشر عاماً من الحصار(114). ولم يحصل فيما بعد رد فعل في المدينة باستثناء تمرد ضعيف حدث في السنة الاخيرة من حكم بعل الثاني وتم دخول المدينة من جديد من قبل الجيش البابلي(115).

وبإخضاع صور اصبحت جميع بلاد الشام تحت سيادة الدولة البابلية. وبعد وفاة بعل الثاني عام 564 ق.م لم ينصب نبوخذنصر ملكاً جديداً محله بل عين حكاماً حكموا المدينة بصفة موظفين بابليين مسؤولين عن ادارة المدينة التي بقيت في ظل الحكم البابلي مع بقية مناطق بلاد الشام حتى بعد وفاته عام 562 ق.م ودخول الملك البابلي نرجال-شار-اوصر (560-556 ق.م) البلاد السورية في سنة حكمه الثالثة(116).

أما الملك الأخير للدولة البابلية الحديثة نبونائيد (556-539 ق.م) فقد سجل لنا نشاطاً له في الجبهة الغربية في سنة حكمه الثالثة حيث وصل الى جبال الامانوس في الشمال الغربي من سوريا ثم دخل الصحراء ليحاصر مدينة (ايدوم)(117) وقام بقتل ملكها(118) الذي ربما تمرد عليه(119)، ثم وضع حاميات عسكرية كانت مهمتها حماية المصالح التجارية البابلية في المنطقة وتسهيل عملية نقل اخشاب الارز الى بابل(120) وهو يقول بصدد ذلك:

((قام شعب اكد وبلاد حتي بتأمين الحراسة لي وحققوا سلطتي على المسارات المعزولة البعيدة وعلى الطريق المنعزلة التي تنقلت فيها))(121).

وهناك لوح كتابي محفوظ في متحف اللوفر يرجع بتأريخه الى السنة الخامسة من حكم نبونائيد يذكر فيه انه كان يجلب النحاس من جبال الامانوس والحديد من جبل لبنان الى عاصمته(122)، مما يدل على العلاقة الطيبة بين بلاد الرافدين والبلاد السورية في هذه المرحلة الزمنية(123) التي مثلت آخر عهود الحكم الوطني للعراق القديم لتشهد بعدها بابل في عام 539 ق.م الغزو الاخميني، وكان مصير بلاد الشام مع مصير بلاد الرافدين اذ ان السيطرة على بابل ادى الى فتح ابواب بقية مناطق الشرق الادنى القديم التي تمكن الاخمينيون من غزوها ومن ضمنها البلاد السورية حتى مصر(124).

ومع كل ما اسلفنا ذكره من فعاليات عسكرية عديدة قام بها ملوك العصر البابلي الحديث في البلاد السورية، وخصوصاً في عهد نبوخذنصر الثاني، الا انه لم يعثر لحد الان على شواهد لأعمالهم العمرانية في المنطقة مثل ما خلفه الاشوريون فيها، كما لم تدرس الطبقات الاثرية العائدة لهذه الحقبة الزمنية من تاريخ بلاد الشام دراسة مرضية(125). واعتماداً على ما عثر عليه لعدد من الاواني الفخارية فقد تم تشخيص الطبقات الاثارية في بعض المواقع السورية التي تعود لهذا العصر وهي:

1. المرحلة C  من الطبقة الخامسة في تل مرديخ.

2. الطبقة الخامسة من موقع عين دارا (7 كم جنوب بلدة عفرين في حلب).

3. المرحلتان B  وC  من الطبقة الثانية من تل ابو ضنة (25 كم شرق حلب)(126).

كما تم العثور في دور-كاتليمو (تل الشيخ حمد) على اربعة الواح مسمارية في الزاوية الشمالية الغربية لأحدى الغرف وقد أرخت تلك الالواح ما بين السنوات الثانية والخامسة من عهد الملك نبوخذنصر الثاني(127). وتلك الألواح تمثل عقود بيع وشراء اراضي وقد كتب اثنان منها بالخط الاشوري وهذا دليل على ان بعض الوثائق الكتابية بقيت تكتب بالآشورية في بعض المناطق التي كانت تحت السيادة الاشورية حتى بعد نهاية حكمهم لها(128). ويمكن القول ان البابليين اتبعوا طريقة الادارة الاشورية المعروفة بدقة تنظيمها في ادارة المنطقة اذ اتخذوا من مدينة دور-كاتليمو مركزاً لحكمهم(129) فقد تم العثور على بناء جديد بني فيها اتخذه البابليون مقراً لهم في المنطقة وعرف هذا البناء من قبل المنقبين باسم (البيت الأحمر) وذلك بسبب طلاء جدرانه باللون الاحمر الفاتح(130).

_______________

(1) الميديون: من القبائل الهندو-اوربية التي دخلت بلاد ايران في الالف الاول ق م واستوطنت اقليم همدان بمحاذاة بلاد اشور تقريبا ولم يكن أي دور سياسي في المنطقة بسبب ضغط الاشوريين عليهم ويردنا اول ذكر لهم في كتابات الملك شلمنصر الثالث في عام حكمه السادس عشر والرابع والعشرون أي في عام 843 و 835 ق م. انظر:

بورتر ، هارفي ، موسوعة مختصر التاريخ القديم ، ص84 وما بعدها.

(2) باقر، طه، مقدمة… ،ج1 ، ص548.

(3) حتي، فيليب، لبنان في التاريخ، ص180.

(4) رو، جورج، العراق القديم ، ص507.

(5) Thompson, G., and, Lite, D. , “The New Babylonian Empire”, CAH, III ,(Chambridge, 1971), p. 207.

(6) محمد، حياة ابراهيم، نبوخذنصر الثاني، (بغداد،1983)، ص47.

(7) الاحمد، سامي سعيد، تاريخ فلسطين القديم، ص233.

(8) Wiseman, D. J., Chronicles of Chaldean King 626-556 B.C, (London, 1956), P.18.

(9) من المحتمل ان هذا الجيش مكون من تحالف يضم الميديين والسكيثيين الذين اندفعوا من جنوبي روسيا وذكروا في الحوليات الاشورية باسم اشكوزيين(Iskuzai ) اضافة الى بعض قبائل شمال ايران. انظر:

Zawadzki, S., the fall of Assyria, (Poznan 1988), P. 101

ومعنى الاومان ماندا هو (القوى المهاجمة). انظر AHw, 15, 1979, P. 1413 

(10) ساكز، هاري، قوة اشور، ص174.

(11) Grayson, A. K., Assyrian and Babylonion Chronicles, P. 96.

(12)  ibid.

(13) محمد، حياة ابراهيم، نبوخذنصر الثاني، ص50.

(14)   Wiseman, D. J., Chronicles of Chaldean ..., P. P.68-69.

(15) عبد الله، محمد صبحي، العلاقات العراقية المصرية في العصور القديمة، ص 163.

(16) باقر، طه، مقدمة…، ج1، ص548.

(17) حسن، سليم، مصر القديمة، ج12، (القاهرة، 1957)، ص 26 وما بعدها.

(18) حتي، فيليب، لبنان في التاريخ، ص 180.

(19) تعرف حاليا باسم سمست (Samsat) وتقع على بعد 38 كم جنوب شرقي اديمين (Adiyemen) في الاراضي التركية. انظر:

وايزمن، دونالد، نبوخذنصر وبابل، ترجمة نائل حنون، (بغداد، 1988)، ص 25.

(20) Wiseman, D. J. Chronicles…., p. 56.

(21) وايزمن، دونالد، نبوخذنصر وبابل، ص 27.

(22) Wiseman, D. J. Chronicles…., p.67.

(23) وايزمن، دونالد، نبوخذنصر وبابل، ص 27.

(24) محمد، حياة ابراهيم، نبوخذنصر الثاني، ص52.

(25) وايزمن، دونالد، نبوخذنصر وبابل، ص 27.

(26) Wiseman, D. J. Chronicles…., p.69.

(27) أرميا 46: 17.

(28) وايزمن، دونالد، نبوخذنصر وبابل، ص 28.

(29) محمد، حياة ابراهيم، نبوخذنصر الثاني، ص 62.

(30) كلينغل، هورست، تاريخ سورية السياسي، ص 257.

(31) وايزمن، دونالد، نبوخذنصر وبابل، ص 28.

(32) باقر، طه، مقدمة…، ج1، ص 549.

(33) اوتس، جون، بابل تأريخ مصور، ص 196.

(34) محمد، حياة ابراهيم، نبوخذنصر الثاني، ص 36.

(35) Groyson, A. K. Assyrian and Babylonian, P. 100.

(36) ANET. 1969, P. 307.

(37) Wiseman, D. J. Chronicles…, p. 28.

(38) أرميا 36: 9

(39) وايزمن، دونالد، نبوخذنصر وبابل، ص 32.

(40) المصدر نفسه، ص 32-33.

(41) Wiseman, D. J. Chronicles…, p. 29.

(42) غزالة، هديب، الدولة البابلية الحديثة، (دمشق، 2001)، ص 72-73.

(43) أرميا 46: 12.

(44) Wiseman, D. J. Chronicles…, p. 71.

(45) محمد، حياة ابراهيم، نبوخذنصر الثاني، ص 65.

(46) باقر، طه، مقدمة…، ج1، ص 547.

(47) حول تلك الاقوام انظر:

المومني، احمد محمد خير، العمونيون، رسالة ماجستير غير منشورة، (الجامعة الاردنية، 1996).

(48) غزالة، هديب، الدولة البابلية الحديثة، ص 73.

(49) Aharroni, Y., “Three Hebrow Ostracta from Arad”, BASOR, 197, 1970, P. 20f.

(50) الأحمد، سامي سعيد، تأريخ فلسطين القديم، ص 235.

(51) محمد، حياة ابراهيم، نبوخذنصر الثاني، ص 66.

(52) غزالة، هديب، الدولة البابلية الحديثة، ص 82.

(53) Albright, W., “Ostraca No. 6043 from Ezion geber”, BASOR, 82, 1941, P. 11f.

(54) غزالة، هديب، الدولة البابلية الحديثة، ص 74.

(55) أرميا 49: 28.

 (56)Wiseman, D. J. Chronicles…, p. 31-32.

 (57)Groyson, A. K. Assyrian and Babylonian, P.102.

(58) وايزمن، دونالد، نبوخذنصر وبابل، ص 35.

(59) ملوك 2/ 24: 8.

(60) محمد، حياة ابراهيم، نبوخذنصر الثاني، ص 68.

(61) كلينغل، هورست، تارخ سورية السياسي، ص 528.

(62) ابراهيم، نجيب ميخائيل، مصر والشرق الادنى القديم، ج3، ط1، (القاهرة، 1959)، ص 297.

(63) وايزمن، دونالد، نبوخذنصر وبابل، ص 35.

(64) المصدر نفسه، ص 36.

(65) ارميا 27: 3.

(66) وايزمن، دونالد، نبوخذنصر وبابل، ص 33.

(67) محمد، حياة ابراهيم، نبوخذنصر الثاني، ص 71.

(68) حتي، فيليب، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، ص 220.

(69) محمد، حياة ابراهيم، نبوخذنصر الثاني، ص 71.

(70) حتي، فيليب، تاريخ سورية ولبنان وفلسطين، ص 220.

(71) حزقيال 17: 11-21.

(72) أرميا 37: 1-10.

(73) ساكز، هاري، عظمة بابل، ص172.

(74) غزالة، هديب، الدولة البابلية الحديثة، ص 78.

(75) وايزمن، دونالد، نبوخذنصر وبابل، ص 38.

 (76)Olmosted, A., History of Palestine And Syria, P. 511.

تعرف لاخيش اليوم باسم تل الدوير الذي يقع على بعد 40 كم جنوب غرب القدس. انظر:

RLA, 6, P. 413.

(77) وايزمن، دونالد، نبوخذنصر وبابل، ص 38.

(78) ساكز، هاري، عظمة بابل، ص 172.

 (79)Thompson, G., and Lite, D., CAH, III, P. 213.

(80) أرميا- 11:40.

(81) أرميا، 37: 11-21.

(82) غزالة، هديب، الدولة البابلية الحديثة، ص 79.

(83) محمد، حياة ابراهيم، نبوخذنصر الثاني، ص 73.

(84) وايزمن، دونالد، نبوخذنصر وبابل، ص 38.

(85) Olmosted, A., History of Palestine and Syria, P. 507.

(86) وايزمن، دونالد، نبوخذنصر وبابل، ص 38.

(87) Olmosted, A., History of Palestine and Syria, P. 527.

(88) الملوك الثاني 25: 6-7.

الايام الثاني 36: 13-20.

(89) الملوك الثاني 25: 22.

(90) أرميا 52: 30.

(91) الأحمد، سامي سعيد، سلالة بابل الحديثة، العراق في التاريخ،(بغداد، 1983)، ص166.

(92) وايزمن، دونالد، نبوخذنصر وبابل، ص 38.

(93) المصدر نفسه.

(94) محمد، حياة ابراهيم، نبوخذنصر الثاني، ص 79.

 (95)Daiches, S., The jons In Babylonian In The Time of EZRA and Nehemiah According To Babylonia Insecriptions, (London, 1919), P. 4.

(96) محمد، حياة ابراهيم، نبوخذنصر الثاني، ص 79.

(97) ساكز، هاري، عظمة بابل، ص 174.

(98)Lambert, W. G., Nebuchadnezzer king of JUSTICE, IRAQ, vol. 27,(London, 1965), P.3.

(99) حتي، فيليب، لبنان في التاريخ، ص 182.

(100) ANET, 1969, P. 307.

(101) حتي، فيليب، لبنان في التاريخ، ص 181.

(102) Olmosted, A., History of Palestine and Syria, P. 523.

(103) حتي، فيليب، لبنان في التاريخ، ص 181.

(104) بورتر، هارفي، موسوعة مختصر التأريخ القديم، ص75.

(105) باقر، طه، مقدمة…، ج1، ص 550.

(106) غزالة، هديب، الدولة البابلية الحديثة، ص 83-84.

(107) عرب، معن، صور حاضرة فينيقيا، (بيروت، 1970)، ص 23.

(108) Olmosted, A., History of Palestine and Syria, P. 535.

(109) ساكز، هاري، عظمة بابل، ص 172.

(110) رو، جورج، العراق القديم، ص 509.

(111) حتي، فيليب، لبنان في التاريخ، ص 183.

(112) وايزمن، دونالد، نبوخذ نصر وبابل، ص 33.

(113) الحوراني، يوسف، لبنان في قيم تأريخه، (بيروت، 1972)، ص 156.

(114) غزالة، هديب، الدولة البابلية الحديثة، ص85.

(115) باقر، طه، مقدمة…، ج1، ص 296.

(116) كلينغل، هورست، تأريخ سورية السياسي، ص 260.

(117) هي مدينة الجوف الواقعة على بعد 280 ميل شرق ميناء العقبة. انظر:

رو، جورج، العراق القديم، ص 515.

(118) Groyson, A. K. Assyrian and Babylonian, P 105-106.

(119) الأحمد، سامي سعيد، العراق في التاريخ، ص 173.

(120) كلينغل، هورست، تأريخ سورية السياسي، ص 260.

 (121)Gadd C. J. “The Harran Inscriptions of Nabonadus”. AnSt. vol. 8, (London, 1958), P. 85.

(122) كونتنيو، جورج، الحضارة الفينيقية، ص 320.

(123) كلينغل، هورست، تأريخ سورية السياسي، ص 260.

(124) خليفة، أمين، تاريخ سورية قبل الفتح الاسلامي، (بيروت، 1930)، ص 182.

(125) ابو عساف، علي، اثار الممالك القديمة، ص 511.

(126) المصدر نفسه.

(127) كونه، هـ، معرض الآثار السوري-الاوربي، ص99.

(128) بوناتز، دومينيك وآخرون، الانهار والبوادي، ص 125-126.

(129) المصدر نفسه، ص 132.

(130) المصدر نفسه.




العرب امة من الناس سامية الاصل(نسبة الى ولد سام بن نوح), منشؤوها جزيرة العرب وكلمة عرب لغويا تعني فصح واعرب الكلام بينه ومنها عرب الاسم العجمي نطق به على منهاج العرب وتعرب اي تشبه بالعرب , والعاربة هم صرحاء خلص.يطلق لفظة العرب على قوم جمعوا عدة اوصاف لعل اهمها ان لسانهم كان اللغة العربية, وانهم كانوا من اولاد العرب وان مساكنهم كانت ارض العرب وهي جزيرة العرب.يختلف العرب عن الاعراب فالعرب هم الامصار والقرى , والاعراب هم سكان البادية.



مر العراق بسسلسلة من الهجمات الاستعمارية وذلك لعدة اسباب منها موقعه الجغرافي المهم الذي يربط دول العالم القديمة اضافة الى المساحة المترامية الاطراف التي وصلت اليها الامبراطوريات التي حكمت وادي الرافدين, وكان اول احتلال اجنبي لبلاد وادي الرافدين هو الاحتلال الفارسي الاخميني والذي بدأ من سنة 539ق.م وينتهي بفتح الاسكندر سنة 331ق.م، ليستمر الحكم المقدوني لفترة ليست بالطويلة ليحل محله الاحتلال السلوقي في سنة 311ق.م ليستمر حكمهم لاكثر من قرنين أي بحدود 139ق.م،حيث انتزع الفرس الفرثيون العراق من السلوقين،وذلك في منتصف القرن الثاني ق.م, ودام حكمهم الى سنة 227ق.م، أي حوالي استمر الحكم الفرثي لثلاثة قرون في العراق,وجاء بعده الحكم الفارسي الساساني (227ق.م- 637م) الذي استمر لحين ظهور الاسلام .



يطلق اسم العصر البابلي القديم على الفترة الزمنية الواقعة ما بين نهاية سلالة أور الثالثة (في حدود 2004 ق.م) وبين نهاية سلالة بابل الأولى (في حدود 1595) وتأسيس الدولة الكشية أو سلالة بابل الثالثة. و أبرز ما يميز هذه الفترة الطويلة من تأريخ العراق القديم (وقد دامت زهاء أربعة قرون) من الناحية السياسية والسكانية تدفق هجرات الآموريين من بوادي الشام والجهات العليا من الفرات وتحطيم الكيان السياسي في وادي الرافدين وقيام عدة دويلات متعاصرة ومتحاربة ظلت حتى قيام الملك البابلي الشهير "حمورابي" (سادس سلالة بابل الأولى) وفرضه الوحدة السياسية (في حدود 1763ق.م. وهو العام الذي قضى فيه على سلالة لارسة).