أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-04-30
1107
التاريخ: 4-10-2016
4686
التاريخ:
1523
التاريخ: 4-10-2016
1603
|
الكنعانيون الفينيقيون:
كان الكنعانيون الذي سماهم اليونان بالفينيقيين ثاني جماعة سامية لعبت دورا هاما في التاريخ؛ والكنعانيون والأموريون ينتسبون إلى موجة الهجرة نفسها، والاختلاف الحضاري بينهما ناشئ عن أن مركز الآموريين الأصلي كان في شمال سورية فتعرضوا لتأثيرات سومرية بابلية، بينما كان مركز الكنعانيين الجغرافي في الساحل، ولذلك كانوا متجهين نحو مصر.
وقد أطلق اسم كنعان في أول الأمر على الساحل، وغرب فلسطين ثم أصبح الاسم الجغرافي المتعارف عليه لفلسطين، وقسم كبير من سورية؛ وكان هذا أول اسم لفلسطين؛ وفي وثائق العهد القديم الأول أطلق اسم كنعاني بمعناه الواسع على جميع سكان البلاد بدون أي مدلول عرقي، سادت الديانة واللغة الكنعانيتان بالظهور من غياهب العصور السامية القديمة حوالي مطلع الألف الثاني ق. م. غير أن أسلاف الذين سمو كنعانيين كانوا غالبا يحتلون البلاد قبل ذلك بألف سنة أو أكثر.
الوجه الثقافي والديني للحضارة الفينيقية:
كان الفينيقيون أول أمة بحرية في التاريخ، وكان البحر لا يخيفهم والعالم المجهول يفتنهم بدلا من أن يلقي الرعب في قلوبهم، وكان الفينيقيون أول من قدم أربع موادٍّ هامة مفقودة في كثير من بلاد البحر المتوسط وهي "الأخشاب، والقمح، والزيت، السكر" وأصبح البحر المتوسط بحيرة فينيقية قبل أن يكون بحيرة يونانية أو رومانية بوقت كبير، وفي بلاد اليونان يشهد وجود أسماء سامية للمواقع، والآلهة إلى جانب وجود الأساطير الخرافية الكثيرة بنشاط فينيقي، ومن الجزر اليونانية التي لها صلة بالاستعمار الفينيقي ساموس، وكريت، وكانت لهما مكانة بارزة في هذه الناحية، إن السفن كالقوافل -فوق ما تحمل ن شحنات البضائع- تحمل أمورا غير ملموسة تساويها في أهميتها إن لم تفقها بالنسبة للتقدم البشري، وهذه الأمور غير المادية هي المؤثرات الحضارية المتنوعة، التي أتى بها التجار الفينيقيون، ونشروها بين الشعوب التي احتكوا بها، وبخاصة اليونان الذين أصبحوا تلامذتهم في شئون الملاحة؛ وأخذوا عنهم أشياء مختلفة في ميادين الأدب والدين، والفن الزخرفي، وكان الفينيقيون يلعبون دور الوسطاء من الناحيتين الفكرية، والروحية؛ كما كانوا من الناحية التجارية.
يبدو أن الفينيقيين الذين كانوا أول من استعمل نظامًا أبجديًّا راقيًا في الكتابة، ونشروه في العالم، قد أخذوا أساس أسلوبهم من مصادر مصرية هيروغليفية بطريق سيناء؛ والرموز الهيروغليفية كانت في الأصل صورا للأشياء التي أرادت الدلالة عنها، ولكنها أنشأت من وجهة صوتية أربعين إشارة كانت حروفا ساكنة؛ غير أن المصريين المحافظين لم يذهبوا إلى حد استخدام هذه العلامات الساكنة وحدها؛ ولذلك فإن العلامات ظلت بدون أهمية حتى حوالي نهاية القرن السابع عشر حين اتفق لأحد الأسر الكنعانية، أو لأحد العمال في مناجم الفيروز في سيناء -كما يظن- أن يتجاهل الرموز الهيروغليفية المصرية؛ لعدم تمكنه من حل ما فيها من تعقيد، وأن يستعمل العلامات الساكنة، وكان المكان الذي ربما حصل فيه ذلك -هو سرابيط الخادم؛ وقد أعطيت للعلامات الساكنة أسماء سامية، وقيم سامية؛ فقد اتخذ الساميون مثلًا علامة رأس الثور بدون أن يهتموا ماذا يعني رأس الثور في اللغة المصرية، سموا العلامة "ألف" باسمها السامي؛ ثم طبقوا المبدأ الذي بموجبه يعطى الحرف الصوت الأول في اسم الشيء الذي يمثله؛ وفي هذه الحالة استعملوا علامة الألف لأجل صوت "أ"، وعملوا الشيء نفسه بالنسبة للعلامة الدالة على "بيت" فسموها "بيت"، واستعملوها لأجل صوت "ب"، وعلى ذلك فإن العامل في سيناء استخدم فقط الفكرة الأبجدية، الموجودة في العلامات الساكنة المصرية، وشكل لنفسه مجموعة بسيطة من العلامات التي يمكن أن تتهجى بها الكلمات؛ والفينيقيون الذين كانت لهم علاقات تجارية مع سيناء اقتبسوا على الغالب هذه الإشارات وأضافوا إليها، وجعلوا منها نظاما أبجديا تاما مؤلفا من اثنتين وعشرين علامة، بدون حروف صوتية، بسبب تأثير الهيروغليفية المصرية؛ وهكذا حصل ما سموه بحق أعظم اختراع أتى به الإنسان، ونظام الكتابة الأبجدية الخطية بحروفها الاثنين والعشرين، والمكتوبة من اليمين إلى اليسار، كانت غالبا من عمل الفينيقيين في بيبلوس؛ وقد اخترع فينيقيون آخرون، وهم الذي عاشوا في أوغاريت نظاما أبجديا آخر على أساس مختلف فقد كتبوا الأبجدية بقلم على ألواح من الطين؛ ولذلك اتخذت شكل علامات مسمارية أو اسنينية (1).
ومثل هذه الأبجدية، وتطور الكتابة على يدي الفينيقيين لا تترك مجالا للشك، بأن العصر كان عصر تنوع، وتلقيح حضارات تمازجت فيه بحرية الأفكار العلمية، والدينية من بلاد الرافدين، ومصر وسورية، وجرى التبادل فيما بينها؛ وظلت اللغة الفينيقية في شكلها المعروف بالبوني تستعمل حتى العصر الإسلامي.
ديانة الكنعانيين:
ديانة الخصب الأمر الأساسي في الديانة الكنعانية كما تظهره لنا المكتشفات الأثرية الحديثة هو عبارة عن قوى النمو، والتوالد التي يعتمد عليها كيان مجتمع زراعي يهتم بتربية الماشية في أرض أمطارها قليلة، وغير مؤكدة، ويصدق هذا إلى حد كبير على جميع الديانات السامية القديمة؛ والصفات البارزة في ديانة الخصب السامية هذه هي الحزن على موت إله النبات وإجراء طقوس للتمكين من الفوز على خصمه "إله الموت"، و"العالم الأسفل"، حتى يضمنوا كمية كافية من المطر الضروري لإنتاج موسم العام الجديد، والفرح عند عودة الإله الذي يموت، ثم يبعث تصبح جزءا هاما من الأعراف المسيحية؛ ويتصل بفكرة جفاف النبات الدوري بسبب حرارة الصيف، وعودته إلى الحياة في الربيع عنصر القوة المتجددة للشمس المنتصرة، عندما تظهر في الشتاء؛ وسمى الكنعانيون هذا الإله "أدون" بمعنى سيد(2)، ثم اقتبس اليونان هذا الاسم، وجعلوا منه "أودنيس" وجعل فيما بعد معادلا للإله المصري "أوزيريس"، وأصبح "أودنيس" أشهر الآلهة السورية؛ وأقيمت عبادته في اليونان في القرن الخامس، وجعل الفينيقيون حادثته مع "عشتار"، أو سيدة "بيبلوس" عند منبع النهر الذي يسمى اليوم: نهر إبراهيم في لبنان(3).
وأما الختان الذي كان عادة سامية قديمة، فقد كان بمثابة علامة قبلية، والديانة الكنعانية تؤكد على دورة الحياة أي تتابع الحياة، والموت؛ ونتج عن ذلك التأكيد على الناحية الجنسية من الحياة؛ وقد تجلى ذلك في البغاء المقدس، الذي كانوا يمارسونه، بمناسبة إقامة الطقوس في الأماكن المقدسة وبعض مظاهر هذه الطقوس، استعارها العبرانيون كما يظهر، وكان لديهم ما يسمى "بمومسات المعبد"(4).
الآلهة:
إن ديانة كنعان القديمة، وبقية العالم السامي، باعتبار أنها بالدرجة الأولى تقوم على عبادة الطبيعة، كانت تضم إلهتين رئيستين تعرفان بأسماء مختلفة؛ ولكنهما في جوهرهما الجو الأب الأرض الأم.
وفي أوغاريت، كان إله الجو يعرف باسم "إيل"؛ بينما الإله الأعلى للعالم الكنعاني العبراني؛ وبعده يأتي عليان الذي أصبح كبعل له مكان معين، واعتبر حاميا لإحدى المدن؛ وكانت الأمطار والغلال تحت مراقبته؛ والأعياد كانت تقام؛ لإرضائه، والتقدمات تعطي؛ لاستعطافه؛ والذبيحة، أو التقدمة كانت بجوهرها احتفالا يشترك فيه العابد، والمعبود، أو حفلة اشتراك، ولعدم وجود أية صورة محفورة؛ كانوا يرمزون إلى الإله بعمود أو حجر، والإله "ملخ" الذي تقدم له الأولاد كضحايا يعتبر أنه نفس "ملقارت" أي سيدة المدينة "مدينة صور" كانت رفيقة "إيل" تسمى "عاشرة" وكانت توجد الإلهة الأخرى اسمها "عشتارت"؛ وعند اليونان "أسنارت" ودمجها اليونان "بأفروديت" فأصبحت أشهر آلهات الخصب وصارت باعتبارها بعلة، أو سيدة متصلة بمكان معين، وأصبحت حامية المدينة؛ وكان اسم "عشتار" هو الذي تتسمى به الإلهات المحلية، المقرونة "بالبعليم" في الأماكن المرتفعة، الكنعانية التي كان لها تأثيرها، وجاذبيتها الخاصة بالنسبة للقوم العبرانيين؛ حتى إن الأنبياء اضطروا لمهاجمتها مرارًا(5)، وبالإضافة إلى لقب "بعلة" فقد كانت "عشتار" تلقب "ملكة" وتظهر "عشتار" كشقيقة "عليان بعل"، وتعطي لقب عذراء؛ وكانت لإلهة "عنات عشتار" تهب الحياة، وتبيدها، ومن أوصافها البارزة: الحب، الحرب.
الهياكل:
كانت الفكرة الأساسية في بناء الهيكل: تزويد الآلهة بمسكن لها؛ فهناك كان الإله يسكن كما يسكن أي كائن بشرى في بيته الخاص وبواسطة الهيكل كان يتاح مجال للاتصال بينه وبين البشر، بحيث يتمكن الكائن البشري من تأسيس علاقات شخصية مع الكائن الإلهي، وأقدم الهياكل الكنعانية، المكتشفة ترجع إلى مطلع الألف الثالث، وكانت في "أريحا، ومجدو" وكان هذا النموذج القديم يتألف من غرفة واحدة، لها باب على الجانب الطويل من البناء، ويصبح البناء متكاملا أكثر بعد منتصف الألف الثاني، وأهم صفات هذا الهيكل كما ظهرت في الأماكن المكتشفة كانت: المذبح الصخري، والنصب المقدس، والعمود المقدس، والغرف تحت الأرض، وكان المذبح الذي تقدم عليه الذبيحة، أهم هؤلاء بدون شك (6).
النصب أو الحجر المقدس:
كان يمثل الإله المذكر، وربما كان لأصله علاقة بعضو التناسل؛ وبجانبه كان العمود المقدس، أو الشجرة المقدسة، وكانت تمثل النبات الدائم الخضرة، الذي تسكنه إلهة الخصب، وفي بيت "شأن" كان هذا العمود يقوم في مدخل الحرم الداخلي؛ والغرف الكائنة تحت الأرض كانت غالبا تستخدم؛ لتلقي النبوءات؛ وكانت الأواني المستخدمة في إراقة السوائل، والمزخرفة بالحيات، وطاسات البخور والمباخر التي وجدت تشير إلى الأعمال التي استخدمت لأجلها هذه الأشياء؛ وتفيد بقايا المعابد، التي كانت لها مصاطب يغسل عليها العابدون أقدامهم قبل الصلاة؛ إن الوضوء الذي يشكل جانبا لا بد منه في الصلاة عند اليهود، والمسلمين لم يكن مجهولا عند الكنعانيين، والمباخر الكنعانية اقتبسها اليونان، وفي "بيت شأن" كان يقوم مكان مرتفع في مؤخرة المعبد؛ حيث كان يوضع غالبا تمثال الإله؛ ويدل على بدء المكان المعروف "بقدس الأقداس".
الأصنام:
اكتفى الكنعانيون عامة بالنصب، والعمود المقدس؛ واستغنوا بها عن صنع الأصنام، والصور، والتماثيل الصغيرة البرونزية التي تمثل بعل واقفا يلوح بالصاعقة بيده اليمني، المرفوعة؛ كانت شائعة، والآلهة كانت عارية، ويداها على جانبيها، أو تمسكان بثدييها، كما لو كانت تعطي الغذاء؛ وقد وجدت تماثيل صغيرة، متعددة من هذا النوع، مصنوعة من المعدن أو الطين؛ ولكنها كلها تبدو أنها كانت تستخدم في المنازل، وليس في الهياكل، وكانت تحترم بسبب قدرتها السحرية، وكان المتعبد المتعلم يعتبر التمثال مسكن الآلهة؛ أما العامي فربما اعتبر التمثال نفسه هو الإله، وكانوا يمثلون الإلهة السورية "أتارغاتس" عادة في أواخر الألف الثاني بشكل امرأة عارية أيضا، وترفع إحدى يديها ممسكة بساق نبات الزنبق، أو الحيات؛ وهناك إلهة سورية أخرى وهي: "قادش" تتخذ شكل امرأة عارية واقفة على أسد، وكان الأسد، أو الثور رمزا للحيوية والقوة، أما لماذا اتخذت الحية رمزا للخصب فإن ذلك غير واضح؛ كانت عبادة الحية شائعة في مصر القديمة، وكريت، وغيرهما من بلاد الشرق، "وبيت شأن" التي كان التأثير المصري ظاهرا في هياكلها الأربعة المكتشفة، كانت من مراكز عبادة الحية(7).
__________
(1) تاريخ سورية ص118، ص119.
(2) تاريخ سورية جـ1 ص123.
(3) سفر حرفيال 8: 14.
(4) تاريخ سورية جـ1 ص127.
(5) سفر القضاء 2: 13؛ أرميا 32: 35، الملوك الثاني 23: 13.
(6) تاريخ سوريةجـ1 ص128.
(7) تاريخ سورية جـ1 ص132.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|