المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7505 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
واجبات الوضوء
2024-06-17
مستحبات التخلي ومكروهاته
2024-06-17
ما يحرم ويكره للجنب
2024-06-17
كيفية تطهير البدن
2024-06-17
تعريف الحيض وأحكامه
2024-06-17
تعريف الاستحاضة وأحكامها
2024-06-17

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


قاعدة « القرعة »  
  
2495   10:37 صباحاً   التاريخ: 18-9-2016
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج1 ص323 – 381 .
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / القرعة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 18-6-2018 7521
التاريخ: 23-3-2022 1150
التاريخ: 5-4-2022 1542
التاريخ: 29-3-2022 1392

وهي من القواعد المعمول بها في كثير من أبواب الفقه عند اشتباه حال الموضوعات وعدم معرفتها على ما هي عليها، وهذه القاعدة- مثل كثير من القواعد الفقهية الأخر- برغم شدة ابتلاء الفقيه بها لم تنقح في كلماتهم حق التنقيح، ولم يبحث عنها بحثا وافيا يليق بها، ولذا يرى في العمل بها في مجاريها تشويشا واضطرابا ظاهرا، يعمل بها في موارد، وتترك في موارد اخرى مشابهة لها ظاهرا من دون ان يبينوا لهذه التفرقة دليلا يعتمد عليه.

ومن هذه الناحية استشكل كثير منهم على عمومات هذه القاعدة، حتى قالوا بعدم جواز العمل بها إلا في موارد عمل الأصحاب بها! فهل كانت عند أصحابنا الأقدمين قرائن آخر تكشف لهم النقاب عن وجه هذه القاعدة وحدودها لم يتعرضوا لذكرها في كتبهم على كثرتها وتنوعها واحتوائها على دقائق الفقه وعمدة مداركه؟! وهذا أمر بعيد جدا عند التأمل الصادق.

أو انهم فهموا من نفس هذه المدارك غير ما نفهم منها؟! فما هو ذاك المعنى الذي فهموا عنها؟

ولعل عمدة الإشكال نشأت فيما ذكرنا، من عدم أداء القاعدة حقها من البحث والتنقيب.

فنحن- بعون اللّه وهدايته- نأخذ في البحث عن مهمات هذه القاعدة الشريفة بما يسع المجال، لعلنا نوفيها شيئا من واجب حقها ونوضح معضلاتها ان شاء اللّه ونجعل البحث في مقامات‌

الأول: في بيان مدارك مشروعية القرعة على إجمالها.

الثاني: في مفادها وما يستحصل من ملاحظة مجموعها على التفصيل.

الثالث: في شرائط جريانها من حيث المورد والمجرى.

الرابع: في كيفية إجراء القرعة عند الحاجة إليها.

الخامس: في ان إجرائها في مواردها أمر جائز أو واجب وعلى تقدير الجواز فهل يجب العمل بها بعد إجرائها أو يجوز ذلك؟

الأول- في مدارك مشروعية القرعة :

ويدل عليها أمور:

أولها- آيات من الكتاب العزيز:

منها - قوله تعالى : {وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ } [آل عمران: 44] وهي واردة في قصة ولادة مريم وما رامته امه، امرأة عمران، حيث انها بعد ما وضعتها أنثى لفتها في خرقة وأتت بها الى الكنيسة ليتكفلها عباد بني إسرائيل وقد مات أبوها من قبل، فقالت دونكم النذيرة فتنافس فيها الأحبار- لأنها كانت بنت امامهم عمران، فوقع التشاح بينهم فيمن يكفل مريم حتى قد بلغ حد الخصومة-- كما قال تعالى إِذْ يَخْتَصِمُونَ- فما وجدوا طريقا لرفع التنازع إلا القرعة، فتقارعوا بينهم، فألقوا أقلامهم التي كانوا يكتبون بها التوراة في الماء؛ وقيل قداحهم للاقتراع؛ جعلوا عليها علامات يعرفون بها من يكفل مريم.

فارتز قلم زكريا ثمَّ ارتفع فوق الماء، ورسبت أقلامهم، وقيل ثبت قلم زكريا وقام طرفه فوق الماء كأنه في الطين وجرت أقلامهم مع جريان الماء، فوقعت القرعة على زكريا- وقد كانوا تسعة وعشرون رجلا- فكفلها زكريا وكان خير كفيل لها وقد كان بينهما قرابة، لان خالة أم مريم كانت عنده.

هذا ولكن في الآية نفسها إبهام فإن كون جملة «إِذْ يُلْقُونَ أَقْلٰامَهُمْ» بمعنى الافتراع غير واضح، الا ان بعض القرائن الداخلية والخارجية رافعة للإبهام عنها، منها قوله تعالى «أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ» وقوله «إِذْ يَخْتَصِمُونَ» وغير واحد من الروايات الواردة في تفسير الآية التي تأتي الإشارة إليها، وذهاب المفسرين إليه.

ففي الآية دلالة على ان القرعة كانت مشروعة لرفع النزاع والخصومة في الأمم السالفة ويمكن إثباتها في هذه الأمة أيضا بضميمة استصحاب الشرائع السابقة، مضافا الى ان نقله في القرآن من دون إنكار دليل على ثبوتها في هذه الشريعة أيضا والا لوجب التنبيه على بطلانها في هذه الشريعة.

هذا ولكن في كون المورد من قبيل التشاح في الحقوق إبهاما، لعدم ثبوت حق لعباد بني إسرائيل على مريم، اللهم الا ان يقال ان نذرها للّه ولبيته يوجب ثبوت حق لهم عليها في حضانتها؛ ولما لم يكن هناك طريق آخر الى تعيين من هو أحق بحضانتها انحصر الطريق في القرعة (فتأمل) ولا يخفى ان مورد القرعة في الآية ليس له واقع محفوظ، يراد استكشافه بها، فليكن هذا على ذكر منك.

ومنها - قوله تعالى :

{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ } [الصافات: 139 - 141] والمساهمة هو الاقتراع، قال الراغب في مفرداته «فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ» «استهموا اقترعوا» وقال أيضا: السهم ما يرمى به وما يضرب به من القداح ونحوه.

وقال في القاموس: السهم الحظ. والقدح يقارع به.

والظاهر ان كون المساهمة أو الاستهام بمعنى المقارعة والاقتراع من جهة كون الغالب في مقارعتهم ان تكون بسهام مخصوصة يكتب عليها ما يعين المقصود عند خروجها‌ ثمَّ أطلق على المقارعة ولو بغير السهم «المساهمة».

وأدحضه أي أسقطه وازاله، فقوله فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ اما بمعنى من «المقروعين» بسبب وقوع السهم عليه أو بمعنى «الملقين في البحر»، وقال بكل قائل ولكن الظاهر هو الأول.

فمن هنا يستفاد من الآية ان يونس لما هرب من قومه وركب الفلك المشحون، اى المملوئة من الناس والأثقال، قارع فوقعت القرعة عليه؛ وهذا المعنى على إجماله المستفاد من الآية يدل على مشروعية القرعة في الأمم السالفة إجمالا، ويمكن استفادة مشروعيتها في شرعنا أيضا بالبيان الذي ذكرناه آنفا.

وتفصيل الحال في مورد الآية على ما يستفاد من بعض الاخبار والتواريخ وكلمات المفسرين ان يونس عليه السّلام لما غضب على قومه دعا عليهم بالعذاب فاستجيب له، فوعده اللّه ان يعذبهم وعين له وقتا ففر يونس منهم مخافة ان يأخذه العذاب بغتة، وظن ان اللّه لا يقدر عليه- اى لا يضيق عليه حاله- ولكن اللّه أراد التضييق عليه لتركه ما كان أولى في حقه وهو عدم الدعاء عليهم، والصبر أكثر مما صبر.

وفي بعض الروايات عن الصادق عليه السّلام انه كان في قومه رجلان: عالم وعابد فكان العابد يشير على يونس بالدعاء عليهم، وكان العالم ينهاه ويقول لا تدع عليهم، فان اللّه يستجيب لك ولا يحب هلاك عباده فقبل قول العابد ولم يقبل من العالم» «1» فلعل التضييق عليه كان من هذه الناحية.

ثمَّ انه لما اتى ساحل البحر فإذا بسفينة شحمت، وأرادوا أن يدفعوها؛ فسألهم يونس ان يحملوه فحملوه، فلما توسط البحر بعث اللّه حوتا عظيما فحبس عليهم السفينة من قدامها، وقيل ان السفينة احتبست بنفسها، فقال الملاحون «ان هاهنا عبدا آبقا وان من عادة السفينة إذا كان فيها آبق لا تجرى» وقيل انهم أشرفوا على الغرق فرأوا انهم ان طرحوا واحدا منهم‌ في البحر لم يغرق الباقون.

وعلى كل حال اقترعوا فوقعت القرعة على يونس ثلاث مرات، فعلموا انه المطلوب فألقوه في البحر، وفي رواية ان أهل السفينة لما رأوا الحوت قد فتح فاه قدام السفينة قالوا فينا عاص، فتساهموا فخرج سهم يونس فألقوه في البحر فالتقمه الحوت «2» ثمَّ لا يخفى ان الفاعل في قوله تعالى «فَسٰاهَمَ» هو يونس فهو دليل على تسليمه للقرعة واشتراكه في فعلها وعدم الإنكار عليهم، فلو لم يكن في شرعه جائزا لما أقدم هو عليها.

وفي تفسير العياشي عن الثمالي عن ابى جعفر عليه السّلام ان يونس لما آذاه قومه دعا اللّه عليهم- الى ان قال- فساهمهم فوقعت السهام عليه فجرت السنة بأن السهام إذا كانت ثلث مرات انها لا تخطى الحديث «3» وهذا دليل واضح على إمضاء هذا الحكم في شرعنا أيضا ولكن هنا أمران:

أحدهما- أن القرعة في هذه الواقعة لو كانت لاستكشاف آبق أو عاص أو مطلوب بين أهل السفينة، كما في غير واحد من الروايات والتفاسير الواردة من طرق أهل البيت عليه السّلام، فهو من الأمور المشكلة التي لها واقع ثابت مجهول، اما لو كانت العلة فيها عدم وجود مرجح في إلقاء بعضهم لتخفيف السفينة بعد ان ثقلت عليهم وأشرفوا على الغرق، فهو من الأمور المشكلة التي لا واقع لها مجهول، ولكن الأظهر بحسب الروايات والتفاسير هو الأول.

ثانيهما- ان ظاهر الآية جواز الاقدام على هلاك احد بالقرعة عند الضرورة أو شبهها، فهل هذا أمر جائز يمكن الحكم بمقتضاه حتى في هذه الشريعة ولو اجتمع فيه جميع الشرائط التي اجتمعت في أمر يونس عليه السّلام أولا؟ والمسئلة لا تخلو عن اشكال. وتحتاج بعد إلى تأمل.

الثاني - السنة :

وهي العمدة من بين أدلتها، وهي روايات كثيرة واردة في أبواب مختلفة، بين عام يشمل جميع موارد القرعة؛ وخاص ورد في قضايا خاصة، وأحسن ما رأيت في هذا الباب ما افاده المحقق النراقي في «عوائده» فقد جمع من الروايات العامة والخاصة ما يربو على أربعين حديثا وان لم يستقص أحاديث القرعة مع ذلك.

وقد عقد صاحب الوسائل (قده) لهذه القاعدة بابا في كتاب القضاء وأورد فيها روايات كثيرة، بينها وبين ما استقصاه المحقق النراقي عموم من وجه.

وعلى اى حال نذكر هنا «جميع» ما ظفرنا بها من الروايات العامة و«نبذا» من الروايات الخاصة الواردة في القضايا الجزئية المبثوثة في الأبواب المختلفة، مما له دخل في توضيح حال القاعدة ورفع ما فيها من الإبهام والاجمال، وانما لم نستقص هذا القسم من الروايات لعدم فائدة مهمة في ذكر جميعها.

اما الأول [الروايات العامة] :

فهي روايات :

1- ما رواه الصدوق بإسناده عن عاصم بن حميد عن ابى بصير عن ابى جعفر عليه السّلام قال بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم عليا عليه السّلام الى اليمن فقال له حين قدم حدثني بأعجب ما ورد عليك فقال يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم أتاني قوم قد تبايعوا جارية فوطئها جميعهم في طهر واحد، فولدت غلاما، فاحتجوا فيه كلهم يدعيه، فأسهمت بينهم فجعلته للذي خرج سهمه وضمنته نصيبهم فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم ليس من قوم تقارعوا ثمَّ فوضوا أمرهم الى اللّه الا خرج سهم المحق «4» ورواه في التهذيب والاستبصار عن عاصم بن حميد عن بعض أصحابنا عن ابى- جعفر عليه السّلام الا انه قال «ليس من قوم تنازعوا ثمَّ فوضوا» (الى آخر).

ولعله الأصح فإن «التفويض الى اللّه» انما يكون بعد التنازع وقبل القرعة كما في هذه النسخة، لا بعد القرعة كما في نسخة «الفقيه».

وعلى كل حال هذه الرواية عامة في جميع موارد التنازع والحكومة الشرعية واما بالنسبة إلى غيرها فلا دلالة لها. فليكن هذا على ذكر منك.

وموردها يكون من الأمور المشكلة التي لها واقع مجهول يراد كشفه، وليكن هذا أيضا على ذكر منك.

كما ان ظاهر الفقرة الواردة في ذيلها عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم كون القرعة- مع شرائطها ومع التفويض الى اللّه- كاشفة عن ذاك الواقع المجهول، وعلى هذا تكون منسلكة في سلك الامارات لو كان خروج سهم المحق غالبيا ولو كان دائميا كانت القرعة أعلى من الامارات المعمولة، ثمَّ انه هل يمكن المساعدة على هذا الظهور الابتدائي أم لا بد من توجيهه وتفسيره بغير هذا المعنى- وسنتلو ان شاء اللّه عليك منه ذكرا.

وهذه الرواية المصححة «المروية عن الكتب الأربعة» من أحسن ما ورد في هذا الباب.

2- ما رواه الصدوق في الفقيه والشيخ في التهذيب عن محمد بن حكيم قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن شي‌ء؟ فقال لي «كل مجهول ففيه القرعة» قلت له: ان القرعة تخطئ وتصيب؟ قال: كلما حكم اللّه به فليس بمخطئ!.

ومضمون هذه أعم من سابقها، لعدم تخصيص الحكم هنا بالمنازعة بل عنوانه «كل مجهول».

واما إيهام كلمة «شي‌ء» واحتمال كون السؤال عن شي‌ء خاص متنازع فيه فالحق انه لا يضر بإطلاق قوله «كل مجهول ففيه القرعة». لأن ورود السؤال في مورد خاص لا يضر‌ بعموم الحكم إذا كان اللفظ عاما فتأمل. «5»

واما قوله «كلما حكم اللّه به فليس بمخطئ» فقد ذكر فيه احتمالان :

أحدهما - ان يكون المراد خروج سهم المحق واقعا- كما هو ظاهر الرواية السابقة- فهو ردع لقول السائل ان القرعة تخطى وتصيب وإثبات لعدم خطائها- وهذا المعنى بعيد عن ظاهر الرواية.

ثانيهما - وهو الأنسب بظاهرها ان يكون المراد عدم الخطأ في الحكم بحجية القرعة، فإنه لو لم يكن هناك مصلحة في العمل بالقرعة والحكم بحجيتها، لما حكم به اللّه، فالمعنى ان خطاء القرعة عن الواقع أحيانا لا يمنع عن كون نفس الحكم بحجيتها صوابا ومشتملا على المصلحة، فحكم اللّه ليس بخطاء.

والذي يؤيد هذا المعنى بل يدل عليه ان قوله «كلما حكم اللّه به» بمعنى نفس الحكم، فعدم الخطاء فيه لا في متعلقه الذي هو القرعة. هذا مضافا الى ان العلم بوقوع الخطاء في كثير من الامارات الشرعية مع انها أيضا مما حكم اللّه بها يمنع عن حمل الحديث على هذا المعنى لو فرض ظهوره فيه بدء الأمر.

3- ما رواه الشيخ عن جميل قال : قال الطيار لزرارة ما تقول في المساهمة، أليس حقا؟

فقال زرارة بل هي حق. فقال الطيار: أليس قد ورد انه يخرج سهم المحق؟ قال: بلى. قال: فتعال حتى ادعى انا وأنت شيئا ثمَّ نساهم عليه وننظر هكذا هو؟ فقال له زرارة:

انما جاء الحديث بأنه ليس من قوم فوضوا أمرهم الى اللّه ثمَّ اقترعوا إلا خرج سهم المحق، فاما على التجارب فلم يوضع على التجارب. فقال الطيار أرأيت ان كانا جميعا مدعيين ادعيا ما ليس لهما من اين يخرج سهم أحدهما؟ فقال زرارة إذا كان كذلك جعل معه سهم مبيح، فان كانا ادعيا ما ليس لهما خرج سهم المبيح. «6»

وهذا الحديث الشريف يدلنا على أمور هامة :

منها- كون حجية القرعة أمرا واضحا لا يمكن إنكاره، وقد كان مشهورا بين بطانة أهل البيت عليهم السّلام حتى وقع المباحثة فيه بين زرارة والطيار، وقد كان زرارة من كبراء أصحاب الصادق عليه السّلام ومن أفقه فقهاء زمانه، والطيار- وهو محمد بن عبد اللّه أو ابنه حمزة بن محمد- فان كلا منهما يلقب بهذا اللقب وان كان الأشهر فيه هو الأب- من أجلاء صحابته وكان متكلما فاضلا يباهي به الصادق عليه السّلام كما في بعض الروايات؛ وكان نظره في هذا البحث الاستفادة من غزارة علم صاحبه، ولقد أجاد في ما أجاب عنه زرارة في الفقرتين، فقد ذكر في الاولى ان إطلاق ما ورد في خروج سهم المحق ناظر إلى صورة إرادة كشف الواقع فهو منصرف عما إذا كان على التجارب.

وفي الثانية انه لو احتمل كذب المتداعيين جميعا لم يكف إلقاء سهمين بل لا بد من ثلثة أسهم: سهم لهذا وسهم لذاك، وسهم مبيح ليس لهما، فلا يكون هناك ما ينافي ما ورد في الحديث من خروج سهم المحق.

ومنها- كون القرعة كاشفا عن الواقع كشفا دائميا لا يقع التخلف فيه، ولكن هذا ليس من كلام النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم أو الإمام عليه السّلام بل هو ما استنبطه زرارة عن الحديث المشهور النبوي الوارد في هذا الباب ما من قوم فوضوا أمرهم إلخ ثمَّ بنى عليه ما بنى.

ولكن قد مر آنفا إمكان حمله على الإصابة الغالبية وسيأتي مزيد بحث فيه ان شاء اللّه.

ومنها- انه لا بد من إلقاء سهم مبيح إذا احتمل كذب المتداعيين.

4- ما رواه البرقي عن منصور بن حازم قال سأل بعض أصحابنا أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مسألة فقال هذه تخرج في القرعة ثمَّ قال: فأي قضية أعدل من القرعة إذا فوضوا أمرهم الى الله عز وجل أ ليس اللّه يقول فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ. «7»

ويستشم من قوله عليه السّلام «اى قضية أعدل من القرعة» ثمَّ استشهاده بقضية يونس، انها عامة في أمور المشكلة ولا تختص بالمورد الذي سأله الراوي، ولكن في شموله لغير موارد «التنازع» اشكال ظاهر.

5- ما أرسله الشيخ (قدس سره) في «النهاية» قال: روى عن ابى الحسن موسى بن جعفر وعن غيره من آبائه وأبنائه عليهم السلام: من قولهم كل مجهول ففيه القرعة، فقلت له ان القرعة تخطئ وتصيب؛ فقال كل ما حكم الله به فليس بمخطئ. «8»

وهذا وان كان متحدا مع ما مر من رواية محمد بن حكيم عن ابى الحسن عليه السّلام، ولكن قول الشيخ (ره) دليل على ان هذا المضمون بعينه مروي عن غير ابى الحسن من أئمة أهل البيت من آبائه وأبنائه عليهم السلام. والكلام فيه من حيث المعنى هو الكلام في حديث محمد بن حكيم.

6- ما رواه الشيخ في التهذيب عن «سيابة» و«إبراهيم بن عمر» جميعا عن ابى عبد اللّه (عليه السلام) في رجل قال أول مملوك أملكه فهو حر فورث ثلثة قال يقرع بينهم فمن أصابه القرعة أعتق قال والقرعة سنة «9» وهذا الحديث وان كان واردا في مورد خاص ولكن قوله «القرعة سنة» يدل إجمالا على عموم الحكم وعدم اختصاصه بالمقام، ولكن فيه إبهام ظاهر من حيث عنوان الحكم، لأنه لم يبين فيه ان القرعة سنة في أي موضوع.

وفي هذا الحديث دلالة واضحة على عدم اختصاص القرعة بماله واقع مجهول، فان موردها ليس من هذا القبيل قطعا.

7- ما رواه العياشي في تفسيره عن ابى جعفر عليه السّلام في حديث يونس قال: فساهمهم ، فوقعت السهام عليه؛ فجرت السنة ان السهام إذا كانت ثلاث مرات انها لا تخطى «10» وهو أيضا دليل على عموم الحكم في الأمور المشكلة إجمالا؛ واصابة القرعة للواقع وكونه دليلا عليه، ولكن من غير تصريح بعنوان الموضوع وانها سنة في أي موضوع واى عنوان.

8- ما رواه في التهذيب عن عباس بن هلال عن ابى الحسن الرضا عليه السّلام قال ذكر «ابن ابى ليلى» و«ابن شبرمة» دخلا المسجد الحرام فأتيا محمد بن على عليه السّلام فقال لهما: بما تقضيان؟

قالا بكتاب اللّه والسنة. قال: فما لم تجداه في الكتاب والسنة؟ قالا نجتهد رأينا. قال: رأيكما أنتما؟! فما تقولان في امرأة وجاريتها كانتا ترضعان صبيين في بيت فسقط عليهما فماتتا وسلم الصبيان قالا: القافة. قال؛ القافة تلحقهما بهما. قالا فأخبرنا. قال: لا. قال ابن داود مولى له جعلت فداك قد بلغني ان أمير المؤمنين عليه السّلام قال: ما من قوم فوضوا أمرهم الى الله عز وجل وألقوا سهامهم الا خرج السهم الأصوب، فسكت. «11»

و فيه أيضا دلالة على ان عموم القرعة كان امرا مشهورا بين صحابة أهل البيت عليهم السّلام ومواليهم، وسكوت الباقر عليه السّلام بعد ما رواه ابن داود مولى له، عن أمير المؤمنين عليه السّلام دليل آخر على ثبوت هذه القاعدة عندهم. فكلما كان الأمر فيه مشكلا مثل مورد الرواية جاز الرجوع فيه الى القرعة ؛ اللهم الا ان يقال ان سكوته أعم من رضاه بذلك.

9- ما رواه في التهذيب عن عبد اللّه بن مسكان قال: سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام وانا عنده عن مولود ليس بذكر ولا بأنثى ليس له إلا دبر كيف يورث؟ فقال يجلس الامام ويجلس عنده أناس من المسلمين، فيدعون اللّه ويجيل (و يجال) السهام عليه على اى ميراث يورثه؛ ثمَّ قال: وأي قضية أعدل من قضية يجال عليها بالسهام يقول اللّه تعالى فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ «12».

وفيه أيضا دليل على عموم الحكم وان لم يصرح فيه أيضا بعنوانه المأخوذ فيه.

وصدره دليل آخر على اعتبار القرعة من حيث كشفها عن الواقع المجهول فان جلوس‌ الامام وأناس من المسلمين ودعائهم انما يكون لاراءة الواقع المجهول والا لم يكن وجه ظاهر للدعاء، ولكن ذيله كبعض آخر من الروايات دليل على ان اعتبار القرعة من جهة كونه أقرب الى «العدالة» في موارد الحقوق المشكوكة وسيأتي مزيد توضيح له ان شاء اللّه‌ .

10- ما رواه الشيخ (قده) أيضا في التهذيب، والكليني في الكافي ، عن ثعلبة بن ميمون عن بعض أصحابنا عن ابى عبد اللّه عليه السّلام ثمَّ ذكر مثل الحديث السابق ثمَّ أضاف قوله :

ما من أمر يختلف فيه اثنان الا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال «13» وهذا دليل على ان أصل القرعة- كحكم عام- مأخوذ من كتاب اللّه من قضية يونس فهو جار في جميع الموارد التي يشكل فيها الأمر وان لم يصرح فيه أيضا بعنوان «المشكل» وشبهه.

11- ما رواه أيضا في الكافي والتهذيب عن عبد اللّه بن مسكان عن إسحاق العرزمي (كما في محكي الكافي) أو إسحاق المرادي (كما في محكي التهذيب) عن ابى عبد اللّه عليه السّلام ثمَّ ذكر مثل الروايتين السابقتين، الا انه لم يذكر فيها التذييل الأخير. «14»

12- ما ورد في «فقه الرضا» في باب الشهادات وكل ما لا يتهيأ فيه الاشهاد عليه قال :

الحق فيه ان يستعمل فيه القرعة وقد روى عن ابى عبد الله عليه السّلام انه قال: فأي قضية أعدل من القرعة.

والظاهر ان المرسلة المروية فيها من قول الصادق عليه السّلام هي بعينها ما نقلناها سابقا تحت الرقم الرابع، ولكن في نفس عبارة فقه الرضا- سواء كان حديثا أو فتوى لبعض كبراء أصحابنا الأقدمين؛ على خلاف فيه- دلالة على ان القرعة جارية في كل ما لا يتهيأ الإشهاد عليه؛ وان لم يدل على اختصاصها به.

هذا ما ظفرنا به من الروايات العامة، وهناك روايات مرسلة عن الصدوق أو غيره متحدة مع تلك الروايات لم نذكرها بعنوان مستقل، لاتحادها معها.

وغير خفي ان فيها غنى وكفاية في إثبات القاعدة بعمومها، ولا سيما مع كونها مروية في الكتب المعتبرة، وقد رواها جمع من أجلاء الأصحاب؛ وفيها دليل على كونها مشهورة منذ أعصار الأئمة (عليهم السلام).

الروايات الخاصة :

وهناك روايات خاصة مبثوثة في مختلف أبواب الفقه تؤيد عموم القاعدة وعدم اختصاصها بمورد معين وان لم يكن فيها تصريح بالعموم ولكن ورودها وانبثاثها في تلك الأبواب المختلفة من المؤيدات القوية على المقصود وإليك نبذا منها مما يشتمل على نكت خاصة تفيدنا في حل معضلات القاعدة وهي طوائف:

الطائفة الأولى ما ورد في باب تعارض الشهود وانه إذا تساويا في العدد والعدالة يرجع الى القرعة مثل ما يلي :

1- ما رواه في الكافي والتهذيب عن داود بن ابى يزيد العطار عن بعض رجاله عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في رجل كانت له امرأة فجاء رجل بشهود ان هذه المرأة امرأة فلان وجائت آخر ان فشهدا انها امرأة فلان، فاعتدل الشهود، وعدلوا، فقال يقرع بينهم فمن خرج سهمه فهو المحق وهو اولى بها.

2- ما رواه في الفقيه والتهذيب والاستبصار عن سماعة قال ان رجلين اختصما الى على عليه السّلام في دابة فزعم كل واحد منهما انها نتجت على مذوده واقام كل واحد‌ منهما بينة سواء في العدد فأقرع بينهما سهمين فعلم السهمين كل واحد منهما بعلامة، ثمَّ قال: اللهم رب السموات السبع ورب الأرضين السبع ورب العرش العظيم، عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم، أيهما كان صاحب الدابة وهو اولى بها فأسئلك ان يقرع ويخرج سهمه فخرج سهم أحدهما فقضى له بها.

3- ما رواه في الكافي والتهذيب والاستبصار والفقيه عن داود بن سرحان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في الشاهدين شهدا على أمر واحد، وجاء آخر ان فشهدا على غير الذي شهدا عليه واختلفوا قال يقرع بينهم فأيهم قرع، فعليه اليمين وهو اولى بالقضاء.

الى غير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب التي جمعها صاحب الوسائل في كتاب القضاء من المجلد الثالث في باب عقده لحكم «تعارض البينتين وما ترجح به أحدهما» وبعضها وان كانت مطلقة وبعضها مقيدة الا ان طريق الجمع بينهما بالتقييد واضح.

وقد افتى بمضمونها مشهور المتأخرين وجمع من أكابر القدماء (رضوان اللّه عليهم) فقالوا: «إذا لم يكن العين في يد واحد من المتداعيين قضى بأرجح البينتين عدالة، فإن تساويا قضى لأكثرهما شهودا، ومع التساوي عددا وعدالة يقرع بينهما فمن خرج اسمه احلف وقضى له» واستنادهم في ذلك الى هذه الروايات التي عرفت أنموذجا منها، وان كان فيها بعض ما ينافيها وقد ذكروا له توجيهات فراجع وتمام الكلام في نفس هذه المسألة في محلها.

الطائفة الثانية: ما ورد في باب عتق المملوك أو نذر عتقه وانه إذا اشتبه أخرج بالقرعة مثل ما يلي :

4- ما رواه الكليني في الكافي والشيخ في التهذيب عن يونس قال في رجل كان له عدة مماليك فقال أيكم علمني آية من كتاب اللّه فهو حر، فعلمه واحد منهم ثمَّ مات المولى ولم يدر أيهم الذي علمه؟ قال: يستخرج بالقرعة، قال لا يستخرجه إلا الإمام لأن له على‌ القرعة كلاما ودعاء لا يعلمه غيره «15» ومورد الرواية من الأمور المجهولة التي لها واقع ثابت في الخارج وان لم نعلمه، وقوله لا يستخرجه إلا الإمام سيأتي الكلام فيه ان شاء اللّه، وعدم وجوب الدعاء، معلوم، غاية ما فيه انه مستحب، والرواية مقطوعة لعدم استناده الى الامام عليه السّلام ولكن نقلها في الكتب الأربعة وغير ذلك من القرائن تؤيد رجوع الضمير في قوله: «قال يستخرج بالقرعة» الى الامام عليه السّلام فتأمل.

5- ما رواه الشيخ عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام في رجل قال أول مملوك أملكه فهو حر فورث سبعة جميعا، قال يقرع بينهم ويعتق الذي قرع «16» .

6- ما رواه الشيخ أيضا عن عبد اللّه بن سليمان قال سألته عن رجل قال أول مملوك أملكه فهو حر فلم يلبث ان ملك ستة أيهم يعتق؟ قال يقرع بينهم ثمَّ يعتق واحد «17» وهاتان الروايتان وان لم يصرح فيهما بمسئلة النذر الا ان القرائن تشهد على حمله عليه ولذا أوردهما صاحب الوسائل أيضا في باب عقده تحت عنوان النذر في كتاب العتق.

و من الجدير بالذكر انه ليس في مورد الروايتين واقع مجهول يراد استكشافه بالقرعة وهذا دليل آخر على عدم اختصاصها بما له واقع ثابت في نفس الأمر.

هذا وفي نفس المسألة خلاف والمحكى عن الشيخ في النهاية والصدوق وجماعة بل نسب إلى الأكثر هو القول بالرجوع إلى القرعة، وقيل بعدم وجوب الرجوع إليها وانه يتخير في عتق واحد منها الا ان يموت الناذر فرجع الى القرعة لخبر الحسن الصيقل قال:

سألت أبا عبد اللّه عن رجل قال أول مملوك أملكه فهو حر؛ فأصاب ستة؛ قال انما كانت نيته على واحد فليختر أيهما شاء فليعتقه «18» .

وقد يجمع بينهما تارة بحمل الأمر بالقرعة على الاستحباب، واخرى بأن طريق اختيار واحد منهم هو القرعة، فكان الرواية الأخيرة ناظرة إلى نفى وجوب عتق ما عدا واحد واما طريق اختيار الواحد فهو مسكوت عنه فيها، فيرجع الى الروايتين السابقتين فتأمل.

الطائفة الثالثة - ما ورد في باب الوصية بعتق بعض المماليك وانه يستخرج بالقرعة مثل ما يلي:

7- ما رواه الصدوق في الفقيه عن محمد بن مهران عن «الشيخ» يعنى موسى بن جعفر عليه السّلام عن أبيه عليه السّلام قال: ان أبا جعفر عليه السّلام مات وترك ستين مملوكا فأعتق ثلثهم فأقرعت بينهم وأعتقت الثلث «19» ورواه الكليني والشيخ في كتابيهما أيضا.

8- ما رواه الشيخ عن محمد بن مسلم قال: سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الرجل يكون له المملوكون فيوصي بعتق ثلثهم قال كان على عليه السّلام يسهم بينهم، ومورد الروايتين أيضا من الأمور التي لا واقع لها في الخارج مجهول عندنا كما هو واضح- والظاهر ان المراد من عتق الثلث في الرواية الأولى الوصية بعتقهم وان لم يصرح فيها بالوصية وهذا الحكم مما لا خلاف فيه كما ذكره في الجواهر في كتاب «العتق».

الطائفة الرابعة ما ورد في باب اشتباه الحر بالمملوك وانه يستخرج بالقرعة مثل ما يلي :

9- ما رواه الشيخ في التهذيب عن حماد عن المختار قال دخل أبو حنيفة على ابى عبد اللّه عليه السّلام فقال له أبو عبد اللّه عليه السّلام ما تقول في بيت سقط على قوم فبقي منهم صبيان: أحدهما حر والأخر مملوك لصاحبه، فلم يعرف الحر من العبد؟ فقال أبو حنيفة: يعتق نصف هذا ونصف هذا، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام ليس كذلك ولكنه يقرع بينهما فمن أصابته القرعة فهو‌ الحر ويعتق هذا فيحصل مولى له «20» .

10- ما رواه الشيخ أيضا عن حماد عن حريز عمن أخبره عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال قضى أمير المؤمنين عليه السلام باليمن في قوم انهدمت عليهم دارهم وبقي صبيان أحدهما حر، والأخر مملوك فأسهم أمير المؤمنين عليه السّلام بينهما فخرج السهم على أحدهما فجعل له المال وأعتق الأخر.

والمستفاد من هاتين الروايتين لزوم العمل بالقرعة في تشخيص «الحر» عن «العبد» فيرث التركة كلها ولكن يجب إعتاق الأخر، اما من جهة بناء العتق على التغليب ولزوم ترجيح جانب الحرية مهما دار الأمر بينها وبين الرقية، واما من جهة الاحتياط فان محذور استرقاق الحر المحتمل هنا أشد من محذور المال.

ومع كون القرعة حكما عاما لمثل هذه الموارد المشكوكة لا يبقى مجال لما ذكره أبو حنيفة من الرجوع الى قاعدة «العدل والانصاف» والحكم بكون نصف كل منهما حرا، الذي فيه محذور المخالفة القطعية لما علم بالإجمال، بل قد يلزم منه مخالفة قطعية للعلم التفصيلي كما قد ذكر في محله فتدبر.

الطائفة الخامسة ما ورد في ميراث الخنثى المشكل الذي لا طريق إلى إثبات رجوليتها وأنوثيتها ، وان المرجع فيه هو القرعة، وقد عقد له في الوسائل بابا خاصا في كتاب الميراث تحت عنوان :

«ان المولود إذا لم يكن له ما للرجال ولا ما للنساء حكم في ميراثه بالقرعة».

وقد مر عند ذكر عمومات القرعة غير واحد منها، مثل رواية «عبد اللّه بن مسكان» ومرسلة «ثعلبة بن ميمون» و«إسحاق المرادي» وهي تدل على هذا الحكم خصوصا وعلى‌ اعتبار القرعة عموما.

وفي نفس الباب بعض الروايات الخاصة يدل على الحكم في خصوص المورد مثل :

11- ما رواه في الكافي؛ والفقيه، والمحاسن، عن فضيل بن يسار قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مولود ليس له ما للرجال ولا له ما للنساء؟ قال يقرع الامام عليه السّلام أو المقرع، يكتب على سهم عبد اللّه، وعلى سهم امة اللّه، ثمَّ يقول الإمام أو المقرع: اللهم أنت اللّه لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة تحكم بين عبادك يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون، بين لنا أمر هذا المولود كيف يورث ما فرضت له في الكتاب ثمَّ تطرح السهام (السهمان) في سهام مبهمة ثمَّ تجال السهام، على ما خرج ورث عليه «21» هذا ولكن في العمل بهذه الروايات خلاف بين الأصحاب مذكور في كتاب الميراث فقد ذهب الشيخ في الخلاف، وبعض آخر إلى انه إذا لم يكن هناك امارة على احد الأمرين يعمل بالقرعة بل ادعى الشيخ (قدس سره) الإجماع عليه؛ ولكنه كما ترى.

وذهب كثير من الأصحاب منهم المفيد والصدوقان والشيخ في النهاية وابن حمزة وابن زهرة والمحقق الطوسي والشهيدان والعلامة وولده وغيرهم على ما حكى عنهم، بل هو المشهور، إلى انه يعطى نصف ميراث الرجل ونصف ميراث المرأة وقد حكى الإجماع عليه أيضا ويدل عليه غير واحد من الروايات.

وذهب بعض آخر كالمفيد والمرتضى فيما حكى عنهما (قدس سرهما) الى وجوب عد أضلاعه فإن استوى جنباه فهي امرأة وان اختلفا فهو ذكر ولكن مستندهم في ذلك ضعيف.

وكيف كان فالمسئلة خلافية والمشهور عدم العمل بروايات القرعة هنا.

الطائفة السادسة ما ورد في اشتباه حال الولد وانه من اى واحد ممن واقعوا امه بالشبهة مثل:

12- ما رواه في التهذيب والفقيه عن معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال إذا وطأ رجلان أو ثلثة جارية في طهر واحد فولدت فادعوا جميعا أقرع الوالي بينهم فمن قرع كان الولد ولده ويرد قيمة الولد على صاحب الجارية الحديث «22» .

13- ما رواه الشيخ في التهذيب أيضا عن الحلبي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال إذا وقع الحر والعبد والمشرك (والمشترك) على امرأة في طهر واحد وادعوا الولد أقرع بينهم وكان الولد للذي يقرع «23» .

14- ما رواه الشيخ أيضا عن سليمان بن خالد عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال قضى على عليه السّلام في ثلثة وقعوا على امرأة في طهر واحد وذلك في الجاهلية قبل ان يظهر الإسلام فأقرع بينهم فجعل الولد للذي قرع وجعل عليه ثلثي الدية للآخرين، فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم حتى بدت نواجده قال: وما اعلم فيها شيئا إلا ما قضى به على عليه السّلام «24».

15- ما أرسله المفيد في «الإرشاد» قال بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم عليا الى اليمن فيرفع اليه رجلان بينهما جارية يملكان رقها على السواء، قد جهلا خطر (حظر) وطيها معا، فوطئاها معا في طهر واحد، فحملت ووضعت غلاما، فقرع على الغلام باسميهما فخرجت القرعة لأحدهما فالحق به الغلام وألزمه نصف قيمته ان لو كان عبدا لشريكه، فبلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم القضية فأمضاها وأقر الحكم بها في الإسلام «25» الى غير ذلك من الروايات الدالة على هذا الحكم وقد مر في الروايات العامة أيضا بعض ما يدل عليه.

ولا يخفى ان ما ورد فيه من إطلاق الحكم فيما إذا وقع رجال متعددون على امرأة في طهر واحد اما محمول على ما إذا كان ذلك لشبهة حصلت لهم، أو لعدم الاطلاع على الحكم كما كانت في الجاهلية أو لغير ذلك وفي نفس الروايات مضافا الى القرائن الخارجية، ما يشهد‌ لهذا المعنى .

أو محمول على ما ذكروه في كتاب «النكاح» من ان الأمة المشتركة إذا اوطأها احد الشركاء اثم ووجب تعزيره؛ لكن لا يعد زانيا فلا ينفى عنه الولد؛ بل يكون عاصيا ويلحق به الولد وتكون الجارية أم ولد ويغرم حصة الشريك من الام والولد- ولعل الأقرب هو هذا المعنى فان لسان بعض هذه الروايات يأبى عن الحمل على الوطي بالشبهة.

وعلى كل حال فالرجوع إلى القرعة في المقام مشهور بين الأصحاب بل لم نجد فيه مخالفا؛ الا ان هنا إشكالا في إلزام من يلحق به الولد بالقرعة، بالغرامة للباقين، وهو انه كيف يلزم بذلك مع انهم مدعين للولد ولازم هذه الدعوى عدم استحقاقهم للقيمة أخذا بمقتضى إقرارهم فهم غير مستحقين للقيمة لقاعدة إقرار العقلاء على أنفسهم.

والظاهر ان هذا الإشكال ألجأ بعضهم على حمل الغرامة في الروايات على غرامة الأم لأنها تصير أم ولد لمن لحق به الولد فعليه الغرامة للباقين.

وهذا الحمل عجيب فإنه مضافا الى كونه منافيا لصريح بعض روايات الباب مثل رواية معاوية بن عمار «26» المصرح فيها ب‍ «قيمة الولد» لا يدفع الاشكال لجريان نفس الإشكال في الأم أيضا لأن كل واحد منهم يدعى انه لم ولد له فكيف يحل له أخذ سهمه من قيمتها؟! هذا ولكن قد يجاب عن الاشكال بوجهين آخرين:

أحدهما- ان هذه الإقرارات مسموعة إذا لم يكن هناك امارة تدل على بطلانها فاذا دلت القرعة على إلحاق الولد بواحد منهم ونفيه عن آخرين كان كما إذا علم بكون الولد ولدا له وامه أم ولد له يجب العمل بمقتضى الامارة وسقطت الإقرارات.

ثانيهما- ان المراد من ادعاء الولد هنا ليس ادعاء العلم بأنه من نطفته لعدم إمكان حصوله عادة لأحد بعد مواقعة الجميع لها في طهر واحد، بل المراد ارادة كل واحد أخذ‌ الولد والحاقه بنفسه، لأنه يحتمل انعقاده من نطفته، فان وقوع مثل هذه الدعوى- لا سيما بين عوام الناس- أمر شائع في أمثال المقام الذي يدور أمر شي‌ء بين عدة منهم مع تساوى الاحتمال بالنسبة إلى الجميع، فاذن لا يكون هناك إقرار من احد منهم بكون الولد ولدا له واقعا وامه أم ولد كذلك وهذا الوجه أقوى من سابقة وأوفق بمورد الروايات، وعلى كل حال العدول عما ذكره الأصحاب في المسئلة لمثل هذا الاشكال مما لا وجه له.

الطائفة السابعة - ما ورد في اشتباه الشاة الموطوئة وانها إذا اشتبهت استخرجت بالقرعة مثل ما يلي :

16- ما رواه الشيخ في التهذيب عن محمد بن عيسى عن «الرجل» انه سئل عن رجل نظر الى راع نزاعلى شاة ؟ قال ان عرفها ذبحها وأحرقها وان لم يعرفها قسمها نصفين ابدا حتى يقع السهم بها فتذبح وتحرق وقد نجت سائرها «27» .

17- ما رواه حسن بن على بن شعبة في «تحف العقول» عن ابى الحسن الثالث عليه السّلام في جواب مسائل يحيى بن أكثم قال: واما الرجل الناظر إلى الراعي وقد نزا على شاة فإن عرفها ذبحها وأحرقها وان لم يعرفها قسم الغنم نصفين وساهم بينهما فاذا وقع على احد النصفين فقد نجا النصف الآخر ثمَّ يفرق النصف الأخر فلا يزال كذلك حتى يبقى شاتان فتقرع بينهما فأيهما وقع السهم بها ذبحت وأحرقت ونجا سائر الغنم «28» .

ولا يبعد ان يكون المراد بالرجل المروي عنه في الرواية الأولى أبا الحسن الثالث عليه السّلام كما في الرواية الأخيرة ومضمون الحديثين كالفاظهما قريب جدا فمن هنا يظن قويا اتحاد الروايتين لاتحادهما في الراوي والمروي عنه والمضمون فتدبر.

وعلى كل حال الحكم بالقرعة في هذه المسئلة معروف بين الأصحاب رضوان اللّه عليه‌ بل قال في الجواهر: «بلا خلاف فيه؛ للخبرين المنجبرين بذلك».

وعلة الحاجة الى الانجبار في حديث تحف العقول واضح من جهة إرساله. واما في رواية الشيخ في التهذيب فلكون محمد بن عيسى- الظاهر كونه هو محمد بن عيسى بن عبيد المعروف بالعبيدي- محلا للكلام بينهم؛ فقد وثقه بعضهم واثنى عليه كمال الثناء، وضعفه بعض آخر وقال لا أثق بما يتفرد به- مضافا الى عدم التصريح باسم المروي عنه فيه.

وقد عثرت بعد ما ذكرت على كلام جامع حول سند الحديث للعلامة المجلسي (قدس سره) أحببنا إيراده لما فيه من التأييد لما نحن بصدده قال: في أواخر المجلد الرابع عشر من بحار الأنوار في باب الأسباب العارضة المقتضية لتحريم الحيوان بعد ذكر حديث محمد ابن عيسى ما هذا نصه :

«الظاهر ان الرجل أبو الحسن عليه السّلام وهذا مختصر من الحديث الذي رويناه أولا (أشار بذلك إلى مرسلة تحف العقول) ثمَّ قال: في المسالك: بمضمون الرواية عمل الأصحاب مع انها لا تخلو عن ضعف وإرسال؛ لأن راويها محمد بن عيسى عن الرجل، ومحمد بن عيسى مشترك بين الأشعري الثقة واليقطيني وهو ضعيف، فان كان المراد بالرجل الكاظم عليه السّلام كما هو الغالب فهي مع ضعفها بالاشتراك مرسلة لان كلا الرجلين لم يدرك الكاظم عليه السّلام وان أريد به غيره كان مبهما كما هو مقتضى لفظه فهي مع ذلك مقطوعة (انتهى كلام المسالك).

ثمَّ قال المجلسي: وأقول: يرد عليه ان الظاهر انه اليقطيني كما يظهر من الامارات والشواهد الرجالية لكن الظاهر ثقته (و وثاقته) والقدح فيه غير ثابت؛ وجل الأصحاب يعدون حديثه صحيحا، وكون المراد بالرجل الكاظم عليه السّلام غير معروف بل الغالب التعبير بالرجل والغريم وأمثالهما عند شدة التقية بعد زمان الرضا عليه السّلام وهنا بقرينة الراوي يحتمل الجواد والهادي والعسكري (عليهم السلام) لكن الظاهر هو الهادي‌ بقرينة الرواية الأولى فظهر ان الخبر صحيح مع انه لم يرده احد من الأصحاب» انتهى «29» وعلى كل حال قد عرفت ان أصل الحكم هنا مما لا غبار عليه لعدم نقل الخلاف عن احد منهم وانجبار الروايتين لو كانا ضعيفتين بعملهم.

ثمَّ انه لا يبعد ان يكون وجه إجراء القرعة فيها وجعل المورد من الأمور المشكلة مع ان قاعدة الاحتياط في أطراف الشبهة المحصورة تقتضي الاجتناب عن الجميع، هو ان ذبح الجميع وإحراقها اما ضرر أو حرج، فاذا انتفى الاحتياط لذلك ولم يمكن الرجوع الى البراءة كما هو ظاهر فلم يبق هنا طريق الى المجهول إلا القرعة.

ثمَّ لا يخفى عليك ان مورد هذه المسئلة المتفق فيها ليس من حقوق الناس ولا من الأمور المتنازع فيها ولا يحتاج إلى إقامة الدعوى والقضاء الشرعي- فما قد يقال من ان روايات القرعة مخصوصة بباب القضاء والتنازع مما لا وجه له.

الطائفة الثامنة ما ورد في طريق إجراء القرعة وكيفيتها وشرائطها مما يدل على مشروعية القرعة في الجملة وهي روايات :

18- ما رواه الشيخ في التهذيب عن حماد عمن ذكره عن أحدهما عليه السّلام قال: القرعة لا تكون إلا للإمام عليه السّلام «30» وسيأتي إنشاء اللّه ان هذا الشرط ليس على نحو الوجوب.

19- ما رواه ابن طاوس في كتاب «أمان الاخطار» وفي الاستخارات نقلا عن كتاب عمرو بن ابى المقدام عن أحدهما عليه السّلام في المساهمة يكتب :

«بسم اللّه الرحمن الرحيم- اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة‌ الرحمن الرحيم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اسئلك بحق محمد وآل محمد ان تصلى على محمد وآل محمد؛ وان تخرج لي خير السهمين في ديني ودنياي وآخرتي وعاقبة امرى في عاجل امرى وآجله انك على كل شي‌ء قدير، ما شاء اللّه لا قوة إلا باللّه صلى اللّه على محمد وآله»- ثمَّ تكتب ما تريد في الرقعتين وتكون الثالثة عقلا، ثمَّ تجيل السهام، فأيما خرجت عملت عليه؛ ولا تخالف؛ فمن خالف لم يصنع له، وان خرج العقل رميت به «31» وسيأتي الكلام ان شاء اللّه في استحباب هذا الدعاء- الى غير ذلك.

الطائفة التاسعة ما يدل على وقوع القرعة أو مشروعيتها في الأمم السالفة مما يستشم منها رائحة الرضا بها وإمضائها مثل ما يلي :

20- ما رواه الصدوق في «الفقيه» و«الخصال» عن حريز عن ابى جعفر عليه السّلام قال أول من سوهم عليه مريم بنت عمران وهو قول اللّه عز وجل وَمٰا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلٰامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ، والسهام ستة- ثمَّ استهموا في يونس لما ركب مع القوم فوقفت السفينة في اللجة فاستهموا فوقع على يونس ثلث مرات قال فمضى يونس الى صدر السفينة فإذا الحوت فاتح فاه فرمى نفسه- ثمَّ كان عند عبد المطلب تسعة بنين فنذر في العاشر إن رزقه اللّه غلاما ان يذبحه فلما ولد عبد اللّه لم يكن يقدران يذبحه ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم في صلبه، فجاء بعشر من الإبل فساهم عليها وعلى عبد اللّه فخرجت السهام على عبد اللّه، فزاد عشرا فلم تزل السهام تخرج على عبد اللّه ويزيد عشرا، فلما ان خرجت مائة خرجت السهام على الإبل فقال عبد المطلب ما أنصفت ربي فأعاد السهام ثلثا، فخرجت على الإبل، فقال الان علمت ان ربي قد رضى فنحرها «32» .

وفي الرواية جهات من البحث:

الاولى- يظهر من سياق عبارة الإمام عليه السّلام إجمالا ارتضائه بما نذر جده عبد المطلب عليه السّلام من ذبح ولده عبد اللّه فإنه لو كان ذلك امرا منكرا كان من البعيد ذكره مع السكوت عليه، مع انا نعلم بان هذا النذر غير ماض قطعا، لا في هذه الشريعة ولا في الشرائع السابقة، لإنكار العقل له، مضافا الى ورود التصريح به عنهم عليهم السلام فقد روى الشيخ (قده) عن عبد الرحمن بن ابى عبد اللّه قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حلف ان ينحر ولده؟ قال ذلك من خطوات الشيطان «33» ومن المعلوم انه لا فرق في ذلك بين الحلف والنذر بل الأمر في الحلف أوسع.

و يمكن ان يقال بان نذر عبد المطلب ذبح ولده كان بمعناه الأعم من ذبحه أو أداء ديته في سبيل اللّه، ومن المعلوم ان المنذور إذا كان كليا له مصاديق محللة ومحرمة جاز النذر فتدبر.

أو يقال بان هذا النذر وان لم يكن منعقدا من أصل ولكن مقتضى تعظيم اسم اللّه هو ان يفدى عنه بشي‌ء أما ثمن ديته أو بشي‌ء آخر ويشهد له ما رواه الشيخ أيضا عن السكوني عن جعفر عن أبيه عن على (عليهم السلام): انه أتاه رجل فقال انى نذرت ان انحر ولدي عند مقام إبراهيم عليه السّلام ان فعلت كذا وكذا ففعلته فقال عليه السّلام: اذبح كبشا سمينا تتصدق بلحمه على المساكين «34» الثانية - ان ظاهر الرواية كون مريم أول من سوهم عليه واقترع في حقه، وكون مساهمة يونس بعده؛ مع ان يونس بن متى عليه السّلام- كما تشهد به التواريخ- كان قبل مريم بمئات من السنتين، ففي بعض التواريخ انه كان قبل ميلاد عيسى عليه السّلام به 825 سنة وفي بعضها الأخر انه كان قبله بأكثر من ذلك، كيف وهو من أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا‌ قبل عيسى عليه السّلام.

وغاية ما يمكن ان يقال في حل هذا الاشكال ان المراد بالأولية، تقدم ذكرها في القرآن الكريم فإن قضية مساهمة مريم واردة في سورة «آل عمران» ومساهمة يونس في سورة «الصافات» فتأمل.

الثالثة- الظاهر من قضية نذر عبد المطلب شيخ الحجاز ان القرعة التي جعلها طريقا لحل مشكلة ومجهوله كانت في الشبهات الحكمية، فإنه لم يكن هناك موضوع خارجي مشتبه أراد كشفه بها، بل المجهول كان هو رضا الرب جل وعلى ؛ ولا شك انه من سنخ الشبهات الحكمية، مع انه لا إشكال في عدم جواز الاتكال على القرعة في الأحكام الشرعية ولم يقل احد بها، بل الكلام في حدود جريانها في الموضوعات فقط.

و يمكن الجواب عنه بان ذلك منه انما كان من جهة عدم إمكان كشف مرضات ربه في تلك القضية الخاصة بغير هذا الطريق وهذا بخلاف ما بأيدينا من الاحكام فان أمرها من ناحية الأدلة الخاصة أو العامة أو الأصول العملية الجارية فيها ظاهر واضح.

و الانصاف ان قضية نذر عبد المطلب كانت قضية خاصة واردة في واقعة خاصة مبهمة من جهات شتى ولكن لا يضرنا إبهامها، لا سيما مع عدم ظهور إمضائها بتمامها في الإسلام، بل لعله إشارة إلى نقل تاريخى يدل على ان القرعة كانت قبل الإسلام في الأمم السالفة، أو في العرب والأمر في ذلك سهل.

21- ما رواه المجلسي في البحار عن الأمالي عن ابن عباس في قصة يوسف بعد مجي‌ء اخوته إليه وهم له منكرون فقال لهم يوسف:

«انى احبس منكم واحدا يكون عندي وارجعوا الى أبيكم واقرأوه منى السلام وقولوا له يرسل الى بابنه الذي زعمتم انه حسبه عنده ليخبرني عن حزنه ما الذي أحزنه؟ وعن سرعة الشيب اليه قبل أوان مشيبه، وعن بكائه وذهاب بصره»، فلما قال هذا اقترعوا بينهم فخرجت‌ القرعة على شمعون فأمر به فحبس الحديث «35» وهذا الحديث وان لم يكن مرويا الا عن ابن عباس ولا يتصل سنده بالمعصوم الا ان الظاهر ان ابن عباس وهو حبر الأمة أخذه من النّبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم أو الوصي عليه السلام وهو تلميذه أو من منبع آخر يعبابه من الكتب، وهو دليل على ان الاقتراع كان معمولا في ذاك العصر، لترجيح ما لا ترجيح فيه واقعا دفعا للفساد والنزاع، وكان ذلك بمرأى ومسمع من يوسف بعد ما أتاه اللّه علما وحكما.

22- ما رواه هو (قدس سره) في استعلام موسى بن عمران عليه السّلام النمام الذي كان في أصحابه بالقرعة بتعليم اللّه إياه، عن عثمان بن عيسى عن بعض أصحابه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال:

«ان اللّه اوحى الى موسى عليه السّلام ان بعض أصحابك ينم عليك فأحضره؛ فقال: يا رب لا أعرفه» فأخبرني به حتى أعرفه، فقال يا موسى عبت عليك النميمة وتكلفني ان أكون نماما؟ قال: يا رب فكيف اصنع قال اللّه تعالى فرق أصحابك عشرة عشرة. ثمَّ تقرع بينهم فان السهم يقع على العشرة التي هو فيهم، ثمَّ تفرقهم وتقرع بينهم فان السهم يقع عليه قال فلما رأى الرجل ان السهام تقرع قام فقال يا رسول اللّه انا صاحبك، لا واللّه لا أعود أبدا» «36» لا شك ان هذه الرواية تشير إلى قضية وردت في واقعة خاصة كانت لها مساس ببعض نواحي حياة موسى عليه السّلام ولم يكن موضوعا لحكم شرعي خاص، ولو كانت لم يكن الرجوع الى القرعة من هذه الجهة، وهو دليل على كون القرعة طريقا قطعيا لكشف الواقع المجهول ومن الواضح انه لا يتعدى منها الى غيرها.

الطائفة العاشرة ما ورد في عمل النبي الأعظم صلّى اللّه عليه وآله وسلم بالقرعة في غير مورد من القضايا التي حدثت في حياته‌ مما كانت مظنة للتنازع ومثارا للبغضاء والفساد مثل ما يلي :

23- ما رواه في البحار في قصة افك عائشة عن الزهري عن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وغيرهما عن عائشة انها قالت: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه فأيتهن خرج اسمها خرج بها الحديث «37» ودلالتها، مع قطع النظر عن سندها، واضحة على استمرار سيرته في غزواته وأسفاره باختيار بعض نسائه بالقرعة.

24- ما رواه في البحار أيضا عن إرشاد المفيد (قدس سره) في باب غزوة ذات السلاسل من انه صلّى اللّه عليه وآله وسلم أقرع بين أصحاب الصفة (بعد ما قام جماعة منهم وقالوا نحن نخرج إلى أعداء اللّه) فخرجت القرعة على ثمانين رجلا منهم ومن غيرهم الحديث «38» .

25- ما رواه هو أيضا في باب غزوة حنين من انه صلّى اللّه عليه وآله وسلم لما كلمته أخته الرضا عي «شيماء» بنت حليمة السعدية في الغنائم التي أخذها المسلمون قال: «اما نصيبي ونصيب بنى عبد المطلب فهو لك واما ما كان للمسلمين فاستشفعي بي عليهم، فلما صلوا الظهر قامت فتكلمت وتكلموا فوهب لها الناس أجمعون إلا الأقرع بن حابس وعيينة بن حصين، فإنهما ابيان ان يهبا وقالوا يا رسول اللّه ان هؤلاء قد أصابوا من نسائنا فنحن نصيب من نسائهم مثل ما أصابوا- فأقرع رسول الله بينهم الى ان قال: فأصاب أحدهما خادما لبني عقيل وأصاب الأخر خادما لبني نمير فلما رأيا ذلك وهبا ما منعا» إلخ «39» وفي هذا الحديث دلالة على جواز الرجوع الى القرعة عند قسمة الغنائم وشبهها.

هذا تمام الكلام في «الأحاديث العامة» الدالة على حكم القرعة بعمومها أو إطلاقها، و«الخاصة» الواردة في قضايا معينة معلومة، يستأنس منها لإثباتها إجمالا، وقد ذكرنا منها عشر طوائف وقد بلغ عدد الأحاديث التي ذكرناها سبعة وثلاثين حديثا بعد حذف المكررات منها؛ ولعل المتتبع يعثر على احاديث آخر في طي أبواب أخرى.

وقد تحصل من جميعها ان أصل الحكم والعمل به في هذه الشريعة بل الشرائع السابقة مما لا شك فيه على إجماله وسنبحث في تفاصيله ان شاء اللّه تعالى.

الثالث- بناء العقلاء على القرعة في أمورهم المشكلة :

قد جرت عادة العقلاء من جميع الأقوام من أرباب المذاهب وغيرهم على الرجوع الى القرعة عند التشاح والتنازع أو ما يكون مظنة له في الحقوق الدائرة بين افراد مختلفة؛ أو من الأمور التي لا بد لهم من فعلها ولها طرق متعددة يرغب كل شخص في نوع منها، ولا مرجح هناك، ويكون إبقاء الأمر بحاله مثار للتنازع والبغضاء.

ففي ذلك كله يتوسلون إلى القرعة ويرونها طريقا وحيدا لحل هذه المشكلات لا محيص عنها.

ونشير هنا الى بعض ما تداول فيه القرعة بينهم توضيحا لهذا الكلام :

منها- قسمة الأموال المشتركة بين شخصين أو أشخاص؛ سواء حصلت من ناحية التجارة أو الإرث أو غير ذلك إذا لم يتراضوا بنحو خاص من القسمة وكان هناك أموال متشاكلة في القيمة مختلفة من حيث الرغبات، فإنه لا شك في رجوعهم إلى القرعة في مثلها.

وهكذا في تقسيم البيوت أو الدور أو قطعات من الأرض المتشابهة بين أشخاص متعددة التي يكون إيكال الأمر إلى اختيارهم فيها مظنة للتشاح ووقوع الخلف والنزاع.

وكذلك تقسيم مياه الأنهار المشتركة بين الفلاحين إذا لم يكن هناك مقياسا يرجح به بعضهم على بعض، ففي كل ذلك يرجع الى القرعة.

ومنها- ما إذا كان وظيفة خاصة يكفي في القيام بها عدد محصورون وكان هناك جمع كثيرون صالحون له وكان تخصيص بعضهم بها دون بعض، تحميلا بغير دليل ومثارا للفتنة، يرجع الى القرعة؛ وكذلك حال الموظفين من العسكريين وغيرهم بالنسبة إلى بعثهم الى امكنة مختلفة وغيرها إذا لم يكن هناك معين أو مرجح.

ومنها- إذا كان هناك أمر يجب قيام كل واحد به؛ ولكن تدريجا وكان تقديم بعض وتأخير آخر بلا دليل ظلما وإجحافا وجلبا للضغائن، ولم يكن هناك طريق آخر يرجع اليه فلا شك في رجوعهم إلى القرعة. الى غير ذلك من أشباهه.

وبالجملة لا شك في اعتبار القرعة بين العقلاء إجمالا ورجوعهم إليها وفصل النزاع أو ما يمكن ان يقع النزاع فيه بها.

والظاهر ان هذا ليس امرا مستحدثا في عرفنا، بل كان متداولا بينهم من قديم الأيام، والظاهر ان رجوع أهل السفينة إليها في تعيين من يلقى في البحر- في قضية يونس- وكذلك رجوع عباد بني إسرائيل إليها، في أمر مريم لم يكن استنادا الى حكم شرعي، وضع في شرائعهم بل استنادا الى حكم عقلائي كان متداولا بينهم من قديم الأزمنة، وهكذا الكلام في رجوع شيخ البطحاء عبد المطلب إليها في تعيين فداء ولده عبد اللّه والظاهر انه أيضا من هذا الباب.

كما انه لا شك في ان رجوعهم إليها ليس لكشفها عن الواقع، وارائتها شيئا مجهولا لهم، فإنه لا كاشفية فيها عندهم أصلا، وانما يعتبرونها للفرار عن الترجيح بالميول والأهواء وما يكون مثارا للفتنة والبغضاء، لكونه ترجيحا بلا مرجح.

الرابع- «الإجماع» :

ويمكن التمسك لإثبات حجية القرعة بالإجماع واتفاق العلماء عليها في أبواب كثيرة من الفقه يظهر لمن راجعها؛ وقد أشرنا إلى بعضها عند نقل احاديث الباب وعملهم بها.

وناهيك في ذلك ما ذكره المحقق النراقي في المقام حيث قال: «اما الإجماع فثبوته في مشروعية القرعة وكونها مرجعا للتميز والمعرفة في الجملة مما لا شك فيه؛ ولا شبهة تعتريه، كما يظهر لكل من تتبع كلمات المتقدمين والمتأخرين في كثير من أبواب الفقه فإنه يراهم مجتمعين على العمل بها وبناء الأمر عليها طرا». «40»

وقال المحقق الآشتيانى في كلام له في المقام: «اما أصل مشروعية القرعة فهو مما لا خلاف فيه بين المسلمين؛ بل إجماعهم عليه، بحيث لا يرتاب فيه ذو مسكة. ويكفي في القطع بتحقق الإجماع ملاحظة الإجماعات المتواترة المنقولة في ذلك من زمان الشيخين الى زماننا هذا، كما هو واضح لمن راجع كلماتهم بل يمكن دعوى الضرورة الفقهائية عليه» «41» هذا ولكن يمكن الإيراد على جعل الإجماع دليلا مستقلا في المسئلة، بناء على ما هو المعروف بين المتأخرين من اعتبار الإجماع من جهة الكشف عن قول المعصوم عليه السّلام فان الظاهر ان مستندا لمجمعين كلهم أو جلهم هو الأدلة الثلاثة السابقة ولا سيما الأخبار التي هي عمدة أدلة المسئلة ؛ ولا أقل من احتمال ذلك، ومعه لا يستفاد من الإجماع أزيد مما استفيد منها.

هذا تمام الكلام في الأدلة التي أقاموها أو يمكن إقامتها لا ثبات هذه القاعدة وقد عرفت ان مجموعها كافية في إثباتها وتحكيم أساسها، فلنرجع الى بيان مفادها وما يستفاد منها عموما أو خصوصا، وحدودها وشرائطها.

الثاني- في مفاد القاعدة وحدودها لقد تحصل من جميع ما ذكرنا من الأدلة ان مشروعية القرعة على إجمالها مما لا شك فيها، وانما الكلام في أمور:

1- هل هي عامة لكل أمر مشكل- وما المراد من المشكل؟- أو يختص ببعض الأبواب؟ وانها هل تختص بأبواب المنازعات وتزاحم الحقوق أو تجري في غيرها أيضا.

2- انه هل يشترط في العمل بها في كل مورد عمل الأصحاب بها فيه كما قيل أولا؟

3- انها من الامارات، أو من الأصول العملية، أو فيها تفصيل؟

4- نسبتها مع غيرها من الامارات والأصول.

فنقول - ومن اللّه سبحانه نستمد التوفيق والهداية- اما الأول فالحق انه ليس في عناوين الأدلة من عنوان «المشكل» عين ولا اثر، وانما المذكور فيها عنوان «كل مجهول» كما في رواية محمد بن حكيم عن ابى الحسن موسى عليه السّلام وكما في مرسلة الشيخ في «النهاية» عنه عليه السّلام وعن غيره من آبائه وأبنائه (عليهم السلام)- قال المحقق النراقي (قده) ان الرواية الأولى حكى الإجماع على ثبوتها وعلى روايتها.

وقد ورد في مرسلة فقه الرضا- بناء على كونها رواية عن المعصوم- «و كل مالا يتهيأ فيه الاشهاد عليه».

والظاهر ان المراد بالمجهول هو المجهول المطلق، اعنى ما لا طريق إلى معرفة حاله لا من الأدلة القطعية ولا الظنية، ولا من الأصول العملية بان لا يكون مجراها أو كان ولكن كان في العمل بها فيه محذور، كما في مورد الغنم الموطوئة المشتبهة في قطيع غنم، فإن الأصل العملي فيها وان كان هو الاحتياط بالاجتناب عن الجميع الا انه مستلزم‌ للعسر والحرج والضرر الكثير فالغاه الشارع؛ فصار مجهولا مطلقا، فأمر بالرجوع فيها إلى القرعة.

وعلى هذا كل ما كان حاله معلوما بأحد الطرق والموازين الموازين الشرعية، قطعية كانت أو ظنية، أمارة كانت أو أصلا، لم يكن داخلا تحت عنوان «المجهول» الوارد في اخبار الباب.

ويؤيد ذلك جدا ان مجرى القرعة عند العقلاء أيضا ما لا يمكن حله بشي‌ء من- الطرق والأصول الدائرة بينهم، بحيث كان ترجيح بعض الاحتمالات على بعض من قبيل- الترجيح بلا مرجح، وقد عرفت ان الشارع المقدس امضى طريقتهم وان أضاف إليها بعض ما سيأتي الإشارة اليه ان شاء اللّه.

ثمَّ انه لا اشكال ولا كلام في اختصاص القاعدة بالشبهات الموضوعية وعدم جريانها عند الشك في الأحكام الكلية الشرعية، لاختصاصها عند العقلاء والعرف بها، كما انه ليس في شي‌ء من الموارد الخاصة التي ورد في الشرع إجراء القرعة فيها غير الشبهات- الموضوعية كما عرفت، نعم الظاهر من قضية عبد المطلب واستكشاف مقدار فداء ولده بالقرعة جريانها في الشبهات الحكمية أحيانا ولكن لا بد من توجيهها، بما ذكرناه عند نقل روايات الباب عند ذكر هذا الحديث، أو بغيره.

ثمَّ ان الظاهر انها لا تختص بأبواب المنازعات وتنازع الحقوق وان كان أكثر مواردها من هذا القبيل؛ حتى ظن بعضهم انها من مدارك «القضاء الشرعي» لا غير، وانه لا يعتمد على القرعة في غيره، وذلك لما رآه من ورود جل رواياتها في هذا الباب.

ولكن الإنصاف ان هذا القول ضعيف جدا (و مثله في الضعف ما حكاه في القواعد عن بعض العامة ان مورد القرعة هو خصوص ما يجوز التراضي عليه) لأنه يرد عليه:

أولا- ان فيها ما لا ربط له بباب التنازع والقضاء، وذلك مثل ما نقلناها‌ في الطائفة السابعة من الاخبار الخاصة الواردة في اشتباه «الشاة الموطوئة» وانها إذا اشتبهت استخرجت بالقرعة.

وقد عرفت ان الأصحاب عملوا بها حتى قال في الجواهر: «انه لا خلاف في هذا الحكم؛ للخبرين المنجبرين».

ومن الواضح ان مسئلة اشتباه الشاة الموطوئة بغيرها ليست من أبواب المنازعات المحتاجة إلى القضاء الشرعي بل هي من الأمور المجهولة المطلقة، وقد عرفت ان اجراء القرعة فيها وجعلها من الأمور المشكلة، (بتعبير القوم) مع ان الحكم في أمثالها من الشبهات المحصورة هو الاحتياط ولا فرق ظاهرا بين المقام وبين غيرها من الشبهات المحصورة التي نحكم فيها بالاحتياط بمقتضى العقل والنقل، لعله من جهة ان الاحتياط بذبح جميع الشياة الواقعة في أطراف الشبهة ضرر أو حرج عظيم على صاحبها، وارتكاب الجميع وعدم الاحتياط في شي‌ء منها مخالف للعلم الإجمالي.

فإذا انتفى طريق «الاحتياط» و«البراءة» وكذا «الاستصحاب» (كما هو ظاهر) انحصر الطريق في التخيير، ولكن الشارع المقدس ألغى التخيير هنا، لأن القرعة وان لم تكن امارة على نحو سائر الأمارات الشرعية والعقلائية، الا ان فيها نوعا من الكاشفية (كما يظهر من اخبارها وسيأتي شرحه ان شاء اللّه) وهي توجب ترجيح احد الطرفين على الأخر فتكون مانعا عن التخيير، مضافا الى ما فيها من رفع الحيرة وسكون النفس مما ليس في الحكم بالتخيير كما لا يخفى.

اما القول بجريانها في المقام تعبدا، واختصاصها بمسئلة الشاة الموطوئة وعدم جريانها في غيرها من أشباهها من الأمور المشكلة كما ترى، لعدم خصوصية فيه.

ثانيا- ان الروايات الخاصة الواردة في غير واحد من الأبواب، وان كانت واردة في موارد تزاحم الحقوق؛ الا انه ليس فيها من التنازع عين ولا اثر، مثل ما ورد فيمن قال أول مملكوك أملكه فهو حر، فورث سبعة، قال: يقرع بينهم ويعتق الذي قرع .

فإن إطلاقها يشمل ما إذا لم يطلع العبيد على نذره ولم يقع التشاح بينهم ابدا بل لعلها ظاهرة في خصوص هذا الفرض، فأراد السائل استكشاف حكمه فيما بينه وبين اللّه.

ومثلها غيرها.

وكذا ما ورد في باب الوصية بعتق بعض المماليك وانه يستخرج بالقرعة فإن إطلاقها أيضا يشمل ما إذا لم يقع التنازع بينهم أصلا لو لم نقل بظهورها في ذلك فيكون السؤال لاستكشاف الحكم الشرعي للمسئلة لا حكمه في مقام القضاء.

فهذه الروايات وشبهها وان كانت واردة في أبواب تزاحم الحقوق المحتملة الا ان مجرد وقوع التزاحم في شي‌ء لا يلازم التنازع والتشاح فيه، حتى يحتاج الى القضاء، وليس دائما مظنة له، فهي أيضا دليل على عدم اختصاص القرعة بأبواب القضاء.

لا سيما ومورد هذه الطائفة من الروايات يكون مما لا واقع له مجهول، بل هناك حق متساوي النسبة إلى الجميع، ولا يمكن إعطائه إلا واحدا منهم ولكن لما كان إيكال الأمر إلى التخيير مظنة للاجحاف وترجيح بلا مرجح أو ترجيح بالميول والأهواء أو كل الأمر فيها إلى القرعة التي لا يكون فيها شي‌ء من ذلك.

ثالثا- إطلاق بعض الاخبار العامة غير الواردة في أبواب التنازع أيضا دليل على‌ عدم اختصاص القرعة بباب القضاء مثل قوله: «كل مجهول ففيه القرعة» فإن ظاهره يشمل المجهولات كلها وقع فيها التشاح أم لا، بل الروايات العامة التي وقعت عقيب السؤال عن بعض مسائل التنازع أيضا ظاهرة في ذلك، فان المورد لا يكون مخصصا فتدبر.

رابعا- الظاهر ان بناء العقلاء عليها أيضا لا يختص بأبواب المنازعات بل يعتمدون عليها في مطلق تزاحم الحقوق وان لم يكن مظنة للتنازع فتأمل. بالجملة القول باختصاص هذه القاعدة بها مع انه مخالف لظواهر كلمات الأصحاب وإطلاقات روايات الباب، بل صريح بعضها. لا دليل عليه يعتد به كما عرفت.

الثالث- في شرائط جريانها :

قد يقال ان عمومات القرعة لا يجوز العمل بها الا فيما عمل به الأصحاب، قال المحدث الخبير الشيخ الحر (قدس سره) في «الفصول المهمة» على ما حكى عنه، بعد نقل بعض روايات القرعة وعموماتها: «و معلوم ان هذا العموم له مخصصات كثيرة» وزاد بعضهم انه لو لم يكن كذلك لجاز لنا ترجيح الحكم في المسائل الشرعية بالقرعة، وقال العلامة الأنصاري (قدس سره): «ان أدلة القرعة لا يعمل بها بدون جبر عمومها بعمل- الأصحاب أو جماعة منهم».

وكان الوجه فيه انه لا يمكن العمل بظاهر عموماتها في كل مجهول، حتى مع وجود أمارات أو أصول عملية، من البراءة والاستصحاب وغيرهما، فإنه لم يقل به احد.

فلا بد من تخصيصها بإخراج جميع هذه الموارد منها.

وان شئت قلت انها مخصصة بتخصيصات كثيرة بلغت حد تخصيص الأكثر، مع ان التخصيص كذلك أمر مستهجن غير جائز، فهذا يكشف عن وجود قرينة أو مخصص متصل معها وصلت الى أصحابنا الأقدمين ولم تصل إلينا؛ ولما كان عنوان المخصص مبهما عندنا والقرينة مجهولة لنا لم يجز العمل بعموماتها لان إبهامها يسرى إليها (كما ذكر في محله) لا يجوز العمل بها الا فيما عمل الأصحاب به. هذا ويرد عليه :

أولا- ان احتمال وجود قرائن عندهم غير ما بأيدينا وغير ما أودعوه في كتبهم مما يرشدهم الى مغزى هذه العمومات، ضعيف جدا، ولو كان كذلك فلما ذا أهملوا ذكرها في كتبهم المعدة للرواية؟ ولما ذا لم يستندوا إليها في كتبهم الفقهية الاستدلالية بل استندوا الى نفس هذه الروايات التي بأيدينا؟ وهل هذا الا إغراء بالجهل في مورد يجب الاهتمام به‌ فحاشاهم ثمَّ حاشاهم.

ثانيا- قد عرفت سابقا ان المراد من «المجهول» الوارد في عمومات الباب، بقرينة شأن ورود رواياتها، وما ثبت عند العقلاء في أمر القرعة، ليس كل مشكوك بل ما ليس طريق إلى إثباته، لأمن الأمارات الشرعية والعقلائية ولا من الأصول العملية العقلية والنقلية لا يرد عليها تخصيصات كثيرة كما هو ظاهر.

وكان منشأ توهم كثرة التخصيص هو ما يظهر من عنوان «المجهول» بادي الأمر، ولكن بعد ما عرفت هنا وفيما سبق في تحقيق المراد منه، لا يبقى وجه لهذا التوهم فراجع وتدبر.

والحاصل ان موارد وجود الامارات، والأصول العملية خارجة عن تحت عمومات القرعة بالتخصص لا بالتخصيص فإنها ليس من المجهول بما عرفت له من المعنى.

هل القرعة من الامارات أو الأصول العملية؟

ظاهر كثير من رواياتها انها من الامارات بل يظهر من بعضها أنها أمارة قطعية في مواردها لا تخطى عن الواقع المجهول ابدا، مثل ما روى عنه صلّى اللّه عليه وآله وسلم: ليس من قوم تقارعوا ثمَّ فوضوا أمرهم الى اللّه الا خرج سهم المحق وما روى في مناظرة الطيار وزرارة الدال على ان القرعة على طبق رأى زرارة فقيه أهل البيت عليهم السّلام كانت كاشفة عن الواقع كشفا دائما لا يقع التخلف فيه، ولذا لو احتمل كذب المتداعيين جميعا لا بد من إلقاء سهم لهذا وسهم لذاك وسهم مبيح والظاهر ان تفويض الأمر الى اللّه والدعاء عندها أيضا لا يكون إلا لكشف الواقع المجهول.

ويؤيده ما ورد في قضية شيخ البطحاء عبد المطلب وقرعته لكشف مرضات ربه بالفداء عن عبد اللّه .

وما ورد في تفسير العياشي في حديث يونس من قوله: «فجرت السنة ان السهام إذا كانت ثلث مرات لا تخطى» .

وما روى عن أمير المؤمنين عليه السّلام ما من قوم فوضوا أمرهم الى اللّه عز وجل وألقوا سهامهم الا خرج السهم الأصوب» .

هذا ولكن يظهر من بعض اخبارها ان حجيتها ليست بملاك كشفها عن الواقع المجهول بل بملاك أنها «أقرب الى العدالة» وأبعد من العمل بالميول والأهواء في موارد جريانها، مثل ما ورد في رواية ابن مسكان عن الصادق عليه السّلام: «وأي قضية أعدل من قضية يجال عليها بالسهام يقول اللّه فَسٰاهَمَ فَكٰانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ» .

ويؤيد هذا استشهاده بقضية يونس، بناء على كفاية إلقاء واحد غير معين منهم عند الحوت لدفع شره فتأمل.

ويؤيده أيضا ما ورد في غير واحد من اخبارها من قوله «كل ما حكم اللّه فليس بمخطئ» في مقام الجواب عن قول السائل: «ان القرعة تخطى وتصيب» بناء على ان المراد منه عدم الخطاء في الحكم بحجية القرعة، وانه إذا حكم اللّه سبحانه بشي‌ء ففيه مصلحة لا محالة، فخطاء القرعة عن الواقع أحيانا لا يمنع عن صحة هذا الحكم واشتماله على المصلحة، واما لو قلنا ان المراد منه عدم خطاء القرعة عن الواقع المجهول كان دليلا آخر على كونها امارة قطيعة.

هذا ويمكن ان يقال انه لا منافاة بين الملاكين ولا مانع من كون حجيتها بكليهما :

ملاك الإصابة وملاك العدالة، واما حمل الأول على ماله واقع ثابت مجهول، والثاني على ما ليس كذلك فيدفعه الاستشهاد بملاك العدالة في ذيل مسئلة خنثى المشكل وكيفية ميراثه بناء على عدم خروج الخنثى عن الجنسين في الواقع كما هو المشهور.

والانصاف انه لا يمكن رفع اليد عن تلك الروايات الكثيرة الظاهرة في كونها امارة على الواقع؛ اما دائما أو غالبا ولا مانع منه عقلا إذا انحصر الطريق فيها وفوض الأمر الى اللّه تبارك وتعالى، العالم بخفيات الأمور اللطيف بعبادة. ولقد جربنا هذا الأمر في باب الاستخارة؛ التي هي من القرعة على ما اختاره بعضهم وسيأتي الإشارة اليه ان شاء اللّه في آخر المسئلة، ورأينا منها عجائب جمة في إصابة الواقع وكشف المجهول إذا استعملت في محلها وفوض الأمر الى اللّه وقرنت بالإخلاص والابتهال.

ثمَّ اعلم ان كون القرعة امارة على الواقع وكاشفا عنه دائما أو غالبا لا يوجب تقدمها على أصول العملية ولا معارضتها لسائر الامارات، وذلك لما عرفت من ان أماريتها انما هي فرض خاص ومنحصر بالأمور المجهولة المشكلة التي لا طريق الى حلها لا من الامارات ولا من الأصول العملية.

وبعبارة أخرى موضوعها مختص بموارد فقد الأدلة والأصول الأخر؛ وعليه لا تعارض شيئا منها ولا يقدم عليها بل إنما تجري في موارد فقدها.

ثمَّ ان من المعلوم ان الكلام في أماريتها وعدمها انما هو في خصوص ماله واقع ثابت مجهول، واما ما ليس كذلك من موارد تزاحم الحقوق أو المنازعات التي يرجع فيها إلى القرعة كما في قضية زكريا وتشاح احبار بني إسرائيل في كفالة مريم؛ وكما في قضية يونس على احتمال مضى ذكره، وكذلك فيمن نذر أو اوصى بعتق أول مملوك فملك سبعة في زمان واحد، وأشباهها، فلا موقع لهذا النزاع فيها كما هو ظاهر.

فالرجوع إليها انما يكون بملاك اقربيتها إلى العدالة وابعديتها عن الترجيح بلا مرجح‌ الذي يكون منشأ للتشاح والبغضاء غالبا.

هل تختص القرعة بالإمام أو تائبه ؟

بقي هنا شي‌ء وهو ان اجراء القرعة هل يجوز لكل أحد؛ أو يختص بحكام الشرع أو خصوص الامام عليه السّلام؟

اما الأخير فالظاهر انه لا يقول به أحد، فإن لازمه تعطيل القرعة بتا عند عدم حضوره عليه السّلام وكلمات الأصحاب متفقة على خلافه، فهم يعتمدون عليها في كثير من المسائل الفقهية، وكتبهم مشحونة بذلك.

واما الثاني فقد ذهب اليه بعضهم كالمحقق النراقي في عوائده، فقال باختصاصها به عليه السّلام أو بنائبه الخاص أو العام؛ لعموم أدلة النيابة عنه عليه السّلام الا انه قال. ويستثنى منه ما خرج بالدليل كمسئلة الشاة الموطوئة.

وفصل المحدث الكاشاني (قدس سره) فيما حكى عنه من كتابه «الوافي» بين ما كان له واقع ثابت مجهول فيختص بالإمام عليه السّلام وما ليس كذلك فهو عام.

وما افاده مع انه لا دليل عليه مخالف أيضا لكلمات الأصحاب وفتاواهم، لأنا نراهم معتمدين عليها عند عدم حضوره عليه السّلام فيما له واقع مجهول وما ليس له على حد سواء. هذا بحسب الأقوال.

واما الروايات الواردة في القرعة فالسنتها مختلفة : يظهر من بعضها اختصاصها بالإمام عليه السّلام مثل رواية ثعلبة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سئل عن مولود ليس بذكر ولا أنثى ليس له إلا دبر كيف يورث قال يجلس الامام ويجلس عنده ناس من المسلمين فيدعون اللّه ويجال السهام عليه اى ميراث يورثه أ ميراث الذكر أو ميراث الأنثى؟ فأي ذلك خرج عليه ورثه (الحديث).

وما في مرسلة حماد عن أحدهما عليه السّلام: القرعة لا تكون إلا للإمام .

وما في رواية يونس قال: في رجل كان له عدة مماليك فقال أيكم علمني آية من كتاب اللّه فهو حر، فعلمه واحد منهم؛ ثمَّ مات المولى ولم يدر أيهم الذي علمه ؟ قال يستخرج بالقرعة؟ قال لا يستخرجه إلا الإمام لأن له على القرعة كلاما ودعاء الا يعلمه غيره وظاهر هذه الروايات لا سيما الأخيرتين اختصاصها بالإمام عليه السّلام.

ويظهر من بعضها الأخر كونها من وظائف الوالي، مثل ما في مصححة معاوية بن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال إذا وطأ رجلان أو ثلثة جارية في طهر واحد، فولدت، فادعوه جميعا، أقرع الوالي بينهم فمن قرع كان الولد ولده الحديث .

ويظهر من طائفة ثالثة منها ان أمرها بيد الإمام أو المقرع (اى شخص كان) مثل ما رواه الفضيل قال سئلت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مولود ليس له ما للرحال ولا له ما للنساء؟ قال يقرع الإمام أو المقرع، يكتب على سهم عبد اللّه وعلى سهم امة اللّه ثمَّ يقول الإمام أو المقرع :

اللهم. الحديث .

وكثير منها مطلقة لا يختص بالإمام أو غيره أو وقع التصريح فيها بعنوان «القوم»؛ كما يظهر لمن راجع الأحاديث السابقة.

وظاهر روايات الشاة الموطوئة ان المقرع هو صاحب الشياة قال: «ان عرفها ذبحها وأحرقها وان لم يعرفها قسمها نصفين» (الحديث) .

والانصاف ان اختلاف هذه التعابير لا يدل على اختلاف في الحكم فان غالب موارد جريانها هو موارد التنازع المحتاجة إلى القضاء الشرعي ومن المعلوم ان أمرها الى الامام عليه السّلام أو من هو منصوب من قبله عموما أو خصوصا من الوالي والقاضي، من العلماء العدول وروات أحاديثهم، فالقرعة في هذه المقامات تكون كإقامة البينة والإحلاف لا يعتبر الا عند من بيده أمر القضاء.

واما في غير هذه المقامات فظاهر إطلاقات الأدلة ان أمرها بيد مالك البهيمة في مثل الشاة الموطوئة أو من هو منصوب من قبله، أو بيد الوصي فيما إذا كان الشك في أموال الموصى، أو كل مكلف لو لم يختص الأمر بشخص خاص، ولكن لا يبعد ان يكون هذا القسم الأخير داخلا في الحسبة ويكون أمرها أيضا بيد الحاكم لو كان والا فبيد عدول المؤمنين.

هذا ما يقتضيه قواعد القوم.

والظاهر انه لا يستفاد من روايات الباب ما ينافي ذلك فان قوله: القرعة لا تكون إلا للإمام في مرسلة حماد، مع ضعفها بالإرسال، قابلة للحمل على موارد الدعاوي والتنازع التي يكون أمرها بيد الإمام أو من نصبه خصوصا أو عموما (فتأمل).

واما رواية يونس الحاصرة لمستخرج القرعة بالإمام، لأن له كلاما ودعاء لا يعلمه غيره، فشاذ جدا، لعدم دليل يعتد به على لزوم الدعاء عندها وإطلاق جل- الروايات خالية عنها؛ مع انه لم ينقل من الفقهاء قول بوجوب الدعاء، وقد صرح- المحقق النراقي في العوائد باستحباب الدعاء من دون نقل خلاف؛ فلا بد من حمل الرواية على ضرب من الندب والفضيلة.

هذا مع انه لم يعهد من رواياتها دعاء لا يعلمه غيره بل المذكور فيها دعاء مأثور في رواية «فضيل بن يسار» يقرئها الإمام أو المقرع كما صرح به فيها.

والحاصل ان رواية يونس مع مخالفتها لصريح أو إطلاق جميع روايات الباب لا يمكن الاعتماد على ظاهرها من وجوه شتى.

واما ما دل على كونها من وظائف الوالي فموردها من الدعاوي التي أمرها بيده، فلا يمكن رفع اليد عن مقتضى القواعد الأولية بها في غير هذه الموارد.

الأمر الرابع - كيفية إجراء القرعة :

قد عرفت ان القرعة كانت متداولة بين العقلاء من قديم الزمان، ولم تكن مقيدة بكيفية خاصة عندهم .

بل كان كيفيتها جعل علامات لكل واحد من أطراف الدعوى أو ذوي الحقوق المتزاحمة أو غيرها؛ مما كان طرفا للاحتمال، ثمَّ الرجوع الى ما يخرج صدفة من بينها، بحيث لا يحتمل فيه اعمال نظر خاص، بل كان استخراج واحد معين من بين أطراف- الاحتمال مستندا الى مجرد الصدفة والاتفاق؛ كي يكون حاسما للنزاع والتشاح.

ومن الواضح ان هذا المقصود يؤدى بكيفيات عديدة لا تحصى، فلا فرق فيها عندهم بين «الرقاع» و«السهام» و«الحصى» وغيرها، ولا خصوصية في شي‌ء منها بعد اشتراكها جمعيا في أداء ذاك المقصود.

ومن هنا اختلفت عادة الأقوام في اقتراعاتهم، فكل يختار نوعا أو أنواعا منها، من غير ان يكون نافيا للطرق الأخر، ولكن الكتابة والرقاع أكثر تداولا اليوم، لسهولتها وإمكان الوصول إليها في جل موارد الحاجة، مع بعدها عن احتمال اعمال الميول والأهواء الخاصة.

وقد تستخرج الرقاع بيد صبي أو بسبب ماكينة مخصوصة ليكون أبعد من سوء الظن وأقرب الى العدالة في استخراجها. هذا ما عند العقلاء.

واما الروايات الواردة في هذه القاعدة فهي مختلفة: أكثرها مطلقة خالية عن تعيين كيفية خاصة للاقتراع وهي دليل على إيكال الأمر الى ما كان متداولا بين العقلاء وأهل العرف، وإمضاء طريقتهم في ذلك.

ولكن ورد في غير واحد منها طرق خاصة للقرعة من دون نص على حصرها فيه (على الظاهر).

منها- الاقتراع بالسهام كما في الرواية الحادية عشرة من الروايات الخاصة التي ذكرناها عند بيان مدركها من السنة، الواردة في باب ميراث الخنثى قال: يكتب على سهم عبد اللّه وعلى سهم امة اللّه، الى ان قال ثمَّ تطرح السهام (السهمان) في سهام مبهمة ثمَّ تجال السهام، على ما خرج ورث عليه .

وقد ورد في غيرها التعبير بالسهم أيضا، وكانّ هذا النحو كان أكثر تداولا في تلك الأيام.

ومنها- الاقتراع بالخواتيم كما ورد في أبواب قضايا أمير المؤمنين عليه السّلام في قضية شاب خرج أبوه مع جماعة في سفر فرجعوا ولم يرجع أبوه، وشهدوا جميعا بموته، ولم يقبل الشاب ذلك فشكى الى أمير المؤمنين عليه السّلام فقضى بينهم بطريق بديع عجيب اثبت فيه كذبهم؛ فاعترفوا بقتلهم إياه، وفي ذيله ان الفتى والقوم اختلفوا في مال المقتول كم كان فأخذ أمير- المؤمنين عليه السّلام خاتمه وجميع خواتيم من عنده ثمَّ قال: أجيلوا بهذه السهام فأيكم أخرج خاتمي فهو صادق في دعواه لأنه سهم اللّه وسهم اللّه لا يخيب.

ويظهر منه إطلاق السهم على الخواتيم وكل ما يعين به حق أحد طرفي الدعوى.

هذا ولكن هل يمكن الاعتماد على الحكم المذكور فيها من حيث ان المدعى لزيادة المال مدع، والمدعى للنقصان منكر، فلا بد من اجراء القواعد المعهودة في باب القضاء للمدعي والمنكر، أو لا بد من العمل بهذا الحكم في خصوص مورده، أو ان مثل هذا النحو‌ من القضاء يختص بالإمام عليه السّلام؟ وتمام الكلام فيه في محله.

ومنها- الافتراع بالكتابة على الرقاع كما روى انه صلّى اللّه عليه وآله وسلم أقرع بالكتابة على الرقاع .

ومنها- الاقتراع بالبعرة والنوى كما روى انه صلّى اللّه عليه وآله وسلم أقرع في بعض الغنائم بالبعرة وانه أقرع مرة أخرى بالنوى .

ومنها- الاقتراع بالأقلام كما ورد في قضية زكريا وقد مر معناه.

وليس في شي‌ء من ذلك تصريح بانحصار الطريق فيه، فمن هنا يعلم ان الشارع امضى ما لدى العرف والعقلاء لعدم خصوصية في شي‌ء من طرقها.

واما الدعاء بالمأثور الوارد في بعض احاديث الباب؛ أو مطلق الدعاء كما يظهر من بعضها الأخر، فقد عرفت انه لا دليل على وجوبه بعد خلو جل الروايات وكلمات- الأصحاب عنه. ولكن لا ينبغي الريب في رجحانه.

هذا ولكن في رجحانه عند عدم ثبوت واقع مجهول في موارد القرعة، يراد استخراجه بها، تأملا واشكالا؛ نظرا الى ان قوله: «اللهم رب السموات السبع أيهم كان الحق له فأده اليه» الوارد في رواية «البصري» في باب تعارض البينتين المتساويتين أو قوله:

«اللهم أنت اللّه لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون فبين لنا أمر هذا المولود» الوارد في رواية «الفضيل» في باب ميراث الخنثى؛ ظاهر في اختصاص الدعاء بما إذا كان له واقع مجهول فيسئل اللّه تعالى إخراج الحق بالقرعة اللهم الا ان يقال انه ليس دائما بقصد الإنشاء بل بعنوان التأسي، ولكنه بعيد.

الأمر الخامس هل القرعة واجبة في مواردها أو جائزة؟

قد وقع البحث في ان إجرائها في مواردها واجبة أو جائزة ؟ وبعبارة أخرى هل هي رخصة أو عزيمة أو تختلف باختلاف المقامات ؟ وعلى تقدير الجواز فهل يجب العمل بها بعد إجرائها أولا ؟ فهنا مقامان :

اما المقام الأول فلم أظفر على كلام صريح للقوم فيه عدا ما أفاده العلامة النراقي (قدس سره) في «العوائد» فقد ذكر في كلام طويل له هناك تفصيلا حاصله :

ان موارد القرعة مختلفة:

فتارة تجب بمقتضى الأمر الوارد في أحاديثها كما في الشاة الموطوئة.

واخرى تجب تعيينا لتوقف الواجب؛ وهو تعيين الحق، عليها؛ وذلك فيما إذا كان له واقع معين وجب الوصول اليه اما لرفع التنازع كما في الولد المتداعي فيه أو شبه ذلك، ولم يكن هناك طريق آخر للتعيين، أو فيما إذا لم يكن له واقع ثابت ولم يكن هناك دليل على التخيير؛ كما إذا اوصى بعتق اربع رقبات من عشرين رقبة مثلا ولم يكن هناك دليل على تخيير الموصي فإنه أيضا يجب الرجوع فيه الى القرعة.

وثالثة يجب تخييرا بينها وبين الرجوع الى التخيير، كالمسألة السابقة (أعني مسئلة الوصية) إذا كان هناك إطلاق في كلام الموصى يدل على تخيير الوصي في ذلك؛ وكما في تعيين حق القسم للزوجات إذا لم يكن هناك مرجح.

ورابعة ما لا يجب لا تعيينا ولا تخييرا وذلك فيما لا يجب التعيين فيه كتقديم احد المتعلمين في علم مستحب أو تقديم احدى الزوجتين المتمتع بهما في الليلة (انتهى مخلصا).

أقول: يرد عليه أولا: ان حمل الأمر في القسم الأول (أعني مسئلة الشاة الموطوئة) على الأمر المولوي الوجوبي غير معلوم، بل الأظهر انه إرشادي للتخلص عن الشاة المحرمة وعن الاحتياط اللازم في أطراف الشبهة المحصورة، فلو كان هناك آثار لا تترتب على حلية لحمها وأراد الانتفاع بها، فقط لم يبعد الحكم بعدم وجوب إجراء القرعة فيها وكذلك إذا أراد الانتفاع بلحمها بعد برهة طويلة من الزمان فان وجوب إجراء القرعة فيها فعلا غير معلوم (فتأمل).

وثانيا: إذا لم ينحصر الطريق في القرعة، بل أمكن الرجوع الى «التخيير» كما في مثال الوصية المطلقة فلا بد من الرجوع اليه فقط ولا دليل على مشروعية القرعة هناك، وكذا فيما إذا لم يكن هناك أمر يجب تعيينه كما في مثال المتعة أو المتعلمين لغير الواجب، وذلك لعدم دلالة أدلتها على مشروعيتها في هذه الموارد.

والحاصل ان المستفاد من أدلتها، مشروعيتها فيما إذا كان هناك أمر لازم التعيين (سواء كان له واقع ثابت مجهول؛ أم لا) ولم يكن طريق آخر للتعيين، واما في غيره مما ليس هناك أمر لازم التعيين فالقرعة كالعدم، بمعنى ان الأخذ بمقتضى القرعة فيها والعمل بها انما هو من باب انه احد الأطراف المخير فيها لا من باب انه استخرج بالقرعة.

ان قلت: ان ظاهر إطلاق أدلة مشروعيتها في كل مجهول جواز الرجوع إليها حتى في موارد لا يجب التعيين فيها.

قلنا: قد عرفت ان المجهول في اخبار الباب- كما تشهد به قرائن كثيرة- هو الأمر المشكل الذي لا طريق الى تعيينه مع لزوم تعيينه.

المقام الثاني- في انه هل يجب العمل بها بعد إجرائها أو يجوز العدول عنها الى غيرها، وحاصل القول فيه انه لا إشكال في وجوب العمل بما يستخرج بالقرعة في موارد يجب إجرائها فإن وجوب إجرائها مقدمة لوجوب العمل بها من غير فرق بين ما له واقع ثابت أو غيره وان كان في الأول أظهر نظرا الى ان ما يستخرج منها هو الحق كما ورد في روايات الباب فإذا أجريت في تعيين ميراث الخنثى مثلا فوقعت على سهم المذكر أو الأنثى؛ أو أجريت في تعيين من يجب عتقه من بين العبيد الموصى بعتق بعضهم من دون تعيين، فعلى الحاكم أو الوصي العمل بها ولا يجوز له إهمالها والعدول إلى قرعة أخرى (و المفروض عدم طريق آخر هناك غير القرعة).

نعم يجوز لصاحب الحق غمض النظر عن حقه بعد ما خرج السهم له، كما ان للمتقارعين التصالح على حقوقهم بعد خروج السهم لأحدهما أو لهما في مثل تقسيم الأموال المشتركة، والتراضي على أمر خاص.

و لكن هذا يختص بما إذا كان من «الحقوق» مثل ما عرفت من تقسيم الشركاء أموالهم، أو تقسيم الغنائم وغيرها، واما إذا كان من سنخ «الاحكام» كما في مسئلة الولد المتنازع فيه وشبهه فلا يجوز ذلك أصلا، لعدم جواز تغييره بالتراضي والتصالح وشبههما كما هو واضح.

وكذلك مسئلة الشاة الموطوئة فان خروج القرعة على واحدة من الشياة تجعلها بحكم الموطوئة. لو لم تكن موطوئة واقعا لا معنى لتغييرها وجعل غيرها في محلها بقرعة أخرى أو غيرها.

هذا كله في موارد وجوب القرعة اما إذا قلنا بمشروعيتها في موارد لا يجب فيها إجرائها كما في مسئلة المتعلمين لغير الواجب وشبهها فكما أن إجرائها غير واجب في هذه الموارد، كذلك العمل بها بعد إجرائها أيضا غير واجب؛ فله العدول عما خرج بالقرعة إلى غيره إذا لم يكن هناك محذور آخر (فتأمل).

هذا تمام الكلام في قاعدة القرعة.

هل الاستخارة من أنواع القرعة ؟

الظاهر ان الاستخارة بالرقاع والحصى والبندقة والسبحة وما شاكلها، مما ورد في روايات مختلفة، نوع من القرعة، وانه إذا أشكل على الإنسان أمر يفوضه الى اللّه تعالى، ثمَّ يدعو ببعض الدعوات المأثورة ثمَّ يستخرج السهم أو الرقعة أو البندقة أو غيرها مما كتب عليه فعل شي‌ء أو تركه؛ أو علم عليه بعلامة؛ فيعمل على طبقه.

الا انها يتفاوت مع القرعة المعروفة في ان القرعة تكون في موارد لا يعلم حكمها الشرعي الجزئي، لاشتباه موضوعها، وفي الغالب مما تزاحم فيه الحقوق، بينما تكون الاستخارة فيما يعلم حكمها الشرعي وموضوعه وتدور الأمر بين أمور مباحة ولكن يشك في صلاحها وفسادها للفاعل، في عاجلة أو آجله؛ فاذا لم ينته امره الى طريق بين، يتوسل إليها للكشف ما هو صلاحه ورفع تحيره.

وقد عقد العلامة المجلسي (قدس اللّه سره) في أواخر المجلد الثامن عشر من «بحار الأنوار» أبوابا أورد فيها كثيرا من الروايات الدالة على جواز الاستخارة بالدعاء ثمَّ العمل بما يقع في قلبه؛ أو بالاستشارة بعد الدعاء ثمَّ العمل بما يجرى على لسان من يستشيره، أو بالرقاع والبنادق والسبحة والحصى والقرآن الكريم.

وقد وقع الكلام في مشروعية الاستخارة بغير الدعاء والاستشارة، والمحكى عن أكثر الأصحاب جواز وعن ابن إدريس وبعض آخر إنكاره أو التردد فيه.

وذكر العلامة المجلسي (قده) في آخر ما أورده في هذا الباب كلاما أحببنا إيراده هنا لما فيه من الفائدة ومزيد بصيرة فيما نحن بصدده، قال ما نصه:

«ان الأصل في الاستخارة الذي يدل عليه أكثر الأخبار المعتبرة هو ان لا يكون‌ الإنسان مستبدا برأيه، معتمدا على نظره وعقله، بل يتوسل بربه تعالى ويتوكل عليه في جميع أموره، ويقر عنده بجهله بمصالحه، ويفوض جميع ذلك اليه، ويطلب منه ان يأتي بما هو خير له في أخراه وأولاه، كما هو شأن العبد الجاهل العاجز مع مولاه العالم القادر، فيدعو بأحد الوجوه المتقدمة مع الصلاة أو بدونها، بل بما يحضر بباله من الدعاء ان لم يحضره شي‌ء من ذلك، للأخبار العامة، ثمَّ يرضى بكل ما يترتب على فعله من نفع أو ضر.

وبعد ذلك، الاستخارة من اللّه سبحانه ثمَّ العمل بما يقع في قلبه، ويغلب على ظنه أنه أصلح له.

وبعده الاستخارة بالاستشارة بالمؤمنين.

وبعده الاستخارة بالرقاع أو البنادق أو «القرعة بالسبحة» والحصا أو التفأل بالقرآن الكريم.

والظاهر جواز جميع ذلك، كما اختاره أكثر أصحابنا وأوردوها في كتبهم الفقهية والدعوات وغيرها، وقد اطلعت هاهنا على بعضها» ثمَّ قال :

«و أنكر ابن إدريس الشقوق الأخيرة، وقال انها من أضعف أخبار الاحاد وشواذ الاخبار، لان رواتها فطحية ملعونون، مثل زرعة وسماعة، وغيرهما فلا يلتفت الى ما اختصا بروايته ولا يعرج عليه، قال: والمحصلون من أصحابنا ما يختارون في كتب الفقه الا ما اخترناه، ولا يذكرون «البنادق» و«الرقاع» و«القرعة» إلا في كتب العبادات دون كتب الفقه، وذكران الشيخين وابن البراج لم يذكروها في كتبهم الفقهية.

ووافقه المحقق (قده) فقال: اما الرقاع وما يتضمن افعل ولا تفعل ففي حيز- الشذوذ فلا عبرة بهما.

وأصل هذا الكلام من المفيد (ره) في المقنعة حيث أورد أولا أخبار الاستخارة بالدعاء، والاستشارة وغيرهما مما ذكرنا أولا، ثمَّ أورد استخارة ذات الرقاع وكيفيتها‌ ثمَّ قال: قال الشيخ وهذه الرواية شاذة ليست كالذي تقدم لكنا أوردناها للرخصة دون تحقيق العمل بها».

ثمَّ ذكر المجلسي (قده) بعد كلام له مما يدل على اختلاف نسخ المقنعة في ذلك ما نصه :

«قال الشهيد (رفع اللّه درجته) في الذكرى: «و إنكار ابن إدريس الاستخارة بالرقاع لا مأخذ له مع اشتهارها بين الأصحاب وعدم راد لها سواه ومن أخذ مأخذه كالشيخ نجم الدين؛ قال وكيف تكون شاذة وقد دونها المحدثون في كتبهم والمصنفون في مصنفاتهم» . «42»

هذا ولكن الأمر في جوازها سهل بعد كون موردها أمورا مباحة يتردد بينها، ثمَّ يتوكل على اللّه ويعمل بما يخرج من الرقاع وشبهها رجاء الوصول الى المطلوب، ولعل عدم ذكر كثير منهم لها في الكتب الفقهية مستند الى هذا المعنى.

وعلى كل حال فمما يدل على ان الاستخارة بهذه الأمور نوع من القرعة أمور:

منها- التعبير عنها في بعض رواياتها بالمساهمة- التي هي القرعة كما عرفت سابقا عند ذكر الايات الدالة عليها- مثل رواية عبد الرحمن بن سيابة قال. خرجت إلى مكة ومعى متاع كثير فكسد علينا فقال بعض أصحابنا ابعث به الى اليمن فذكرت ذلك لأبي عبد اللّه عليه السّلام فقال لي: ساهم بين مصر واليمن ثمَّ فوض أمرك الى اللّه، فأي البلدين خرج اسمه في السهم فابعث اليه متاعك فقلت: كيف أساهم؟ قال: اكتب في رقعة بسم اللّه الرحمن الرحيم انه لا إله إلا أنت عالم الغيب والشهادة أنت العالم وانا المتعلم فانظر في أي الأمرين خيرا لي حتى أتوكل عليك فيه، فاعمل به، ثمَّ اكتب مصرا ان شاء اللّه، ثمَّ اكتب في رقعة أخرى مثل ذلك، ثمَّ اكتب يحبس ان شاء اللّه ولا يبعث به الى بلدة منهما، ثمَّ اجمع الرقاع فادفعها الى من يسترها عنك، ثمَّ ادخل يدك فخذ رقعة‌ من الثلث رقاع، فأيها وقعت في يدك فتوكل على اللّه فاعمل بما فيها ان شاء اللّه».

وفيها من الدلالة على ان الاستخارة نوع من القرعة من وجوه شتى لا يخفى على- المتأمل. ومثله غيره.

ومنها- اتحاد كيفية العمل والدعاء فيهما؛ روى ابن طاوس في كتاب «أمان- الاخطار» وفي «الاستخارات» نقلا عن كتاب عمرو بن ابى المقدام عن أحدهما عليهما السّلام في- المساهمة يكتب :

«بسم اللّه الرحمن الرحيم اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة الرحمن الرحيم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اسئلك بحق محمد وآل محمد ان تصلى على محمد وآل محمد؛ وان تخرج لي خير السهمين في ديني ودنياي وآخرتي، وعاقبة امرى، في عاجل امرى وآجله انك على كل شي‌ء قدير؛ ما شاء اللّه لا قوة إلا باللّه؛ صلى اللّه على محمد وآله- ثمَّ تكتب ما تريد في الرقعتين وتكون الثالثة غفلا «43» ثمَّ تجيل السهام، فأيما خرجت عملت عليه، ولا تخالف؛ فمن خالف لم يصنع له، وان خرج الغفل رميت به» «44» وهذه الرواية بإطلاقها شاملة لموارد القرعة وهو ما يشك في حكمه الشرعي الجزئي ولا طريق إلى إثباته، وموارد الاستخارة وهو ما يشك في صلاحه وفساده للفاعل مع العلم بجوازه فعله وتركه؛ كما فهمه ابن طاوس (قده).

وقد مر في كلام العلامة المجلسي قده قوله: «أو القرعة بالسبحة» وهذا أيضا دليل على إطلاقها عليها.

وببالي انه (قدس سره) تمسك على مشروعية الاستخارة بالرقاع وشبهها؛ بإطلاقات - القرعة التي مضى ذكرها ؛ وانها لكل أمر مشكل ، وان كان في الاستدلال بها ما لا يخفى فإنها بقرينة فهم الأصحاب والموارد الخاصة التي وردت هذه العمومات فيها مختصة بما يشك في حكمه الشرعي الجزئي من جهة اشتباه موضوعه ، ولا أقل من أنها منصرفة إليها ؛ وعلى كل حال؛ كونها من أنواع القرعة مما لا ينبغي الشك فيها.

هذا تمام الكلام فيما يلحق بقاعدة القرعة ... وكان الفراغ منه ليلة الخميس الثاني عشر من شوال المكرم سنة 1388 (و الحمد للّه أولا وآخرا)

_________________

(1) روى العلامة المجلسي في البحار في المجلد 5 ص 360.

(2) رواه العلامة المجلسي في البحار في المجلد 5 ص 360.

(3) رواه في البحار عن تفسير العياشي في المجلد 5 ص 364.

(4) رواه في الوسائل في باب القرعة من كتاب القضاء.

(5) رواه في الوسائل في كتاب القضاء في باب القرعة.

(6) رواه في الوسائل في ج 3 في كتاب القضاء في باب القرعة.

(7) رواه في الوسائل في ج 3 في كتاب القضاء في باب القرعة.

(8) رواه في الوسائل في ج 3 في كتاب القضاء في باب القرعة.

(9) رواه في الوسائل في ذاك الباب بعينه.

(10) رواه في الوسائل في كتاب الميراث في أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم في الباب 4.

(11) رواه في الوسائل في كتاب الميراث في أبواب ميراث الغرقى والمهدوم عليهم في الباب 4.

(12) رواه في الوسائل كتاب الميراث في أبواب ميراث الخنثى.

(13) رواه في الوسائل في كتاب الميراث في ذاك الباب بعينه.

(14) رواه في الوسائل في أبواب ميراث الخنثى في نفس ذاك الباب.

(15) رواه في الوسائل في كتاب العتق في باب «من أعتق مملوكا ثمَّ مات واشتبه»

(16) رواهما في الوسائل في كتاب العتق من المجلد الثالث في باب «من نذر عتق أول مملوك يملكه».

(17) رواهما في الوسائل في كتاب العتق من المجلد الثالث في باب «من نذر عتق أول مملوك يملكه».

(18) رواهما في الوسائل في كتاب العتق من المجلد الثالث في باب «من نذر عتق أول مملوك يملكه».

(19) رواه في الوسائل في أواخر المجلد الثاني في أبواب الوصية.

(20) رواه في الوسائل في المجلد الثالث في الباب 65 من كتاب العتق.

(21) رواه في الوسائل في كتاب الميراث في الباب 4.

(22) رواه في الوسائل في كتاب القضاء في باب القرعة وفي الباب الآتي.

(23) رواها في الوسائل في كتاب النكاح في أبواب نكاح العبيد والإماء في باب «ان كان الشركاء في الجارية إذا وقعوا عليها في طهر واحد حكم بالقرعة في إلحاق الولد».

(24) رواها في الوسائل في كتاب النكاح في أبواب نكاح العبيد والإماء في باب «ان كان الشركاء في الجارية إذا وقعوا عليها في طهر واحد حكم بالقرعة في إلحاق الولد».

(25) رواها في الوسائل في كتاب النكاح في أبواب نكاح العبيد والإماء في باب «ان كان الشركاء في الجارية إذا وقعوا عليها في طهر واحد حكم بالقرعة في إلحاق الولد».

(26) وقد نقلناها تحت الرقم 12 فيما مر.

(27) رواهما في الوسائل في كتاب الأطعمة والأشربة من المجلد الثالث في أبواب الأطعمة المحرمة في باب «تحريم البهيمة التي ينكحها الآدمي».

(28) رواهما في الوسائل في كتاب الأطعمة والأشربة من المجلد الثالث في أبواب الأطعمة المحرمة في باب «تحريم البهيمة التي ينكحها الآدمي».

(29) بحار الأنوار المجلد 14 ص 794.

(30) رواه في الوسائل في كتاب القضاء في باب «القرعة» من المجلد الثالث.

(31) رواه في الوسائل في كتاب القضاء في باب «القرعة» من المجلد الثالث.

(32) رواه في الوسائل في كتاب القضاء في باب «القرعة» من المجلد الثالث.

(33) رواه في الوسائل في أواخر كتاب النذر والعهد في باب «من نذر ان ينحر ولده لم ينعقد» من المجلد الثالث.

(34) رواه في الوسائل في أواخر كتاب النذر والعهد في باب «من نذر ان ينحر ولده لم ينعقد» من المجلد الثالث.

(35) رواه في المجلد الخامس من بحار الأنوار ص 180.

(36) رواه في المجلد الخامس من البحار ص 308.

(37) رواه في المجلد السادس منه ص 551.

(38) رواه في المجلد السادس ص 590.

(39) رواه في المجلد السادس من البحار ص 615.

(40) العوائد ص 226.

(41) بحر الفوائد ص 218 من الاستصحاب.

(42) بحار الأنوار المجلد 18 طبعة أمين الضرب ص 941 و942.

(43) الغفل بالضم كما عن القاموس من لا يرجى خيره ولا يخشى شره، وما لا علامة فيه من القداح.

(44) رواه في الوسائل في أبواب القرعة، من كتاب القضاء، من المجلد الثالث.

 

 

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.