المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

تفسير الاية (1-11) من سورة القارعة
7-10-2020
التمسك بالعــــــــام لتعيين مشكوك المصداقية
29-8-2016
الاهمية الاقتصادية واستعمالات التنباك Tunback
2023-06-27
مفهوم اللغة الإعلامية
31-8-2021
3- عبد العزيز بن موسى
22-11-2016
Topoisomerases
25-7-2020


قاعدة « التقيّة » (*)  
  
631   12:57 مساءاً   التاريخ: 16-9-2016
المؤلف : آية الله العظمى السيد محمد حسن البجنوردي
الكتاب أو المصدر : القواعد الفقهية
الجزء والصفحة : ج5 ص49 – 82 .
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / القواعد الفقهية / التقية /

ومن جملة القواعد الفقهيّة عند الإماميّة الاثني عشريّة « قاعدة التقيّة » وهي قاعدة مشهورة معروفة.

والبحث فيها من جهات :

الجهة الأولى

في المراد منها :

أقول : التقيّة اسم مصدر من تقى يتقي أو من اتّقى يتّقى ، وعلى كلّ تقدير سواء كان من الثلاثي أو من المزيد أصل المادة من اللفيف المفروق ، والحرف الأوّل واو ، والثالث ياء فقلبت الواو تاء كما في تجاه وتراث ، فبناء على هذا لا فرق من حيث المعنى بين التقيّة والاتّقاء إلاّ ما هو من الفرق بين المصدر واسمه.

وعلى أيّ واحد من التقديرين هي عبارة هذا بناء على أن تكون التقيّة اسم المصدر ، وأمّا بناء على أن تكون هي المصدر الثاني لاتّقى فلا فرق بينهما أصلا.

عن إظهار الموافقة مع الغير في قول أو فعل أو ترك فعل يجب عليه حذرا من شرّه الذي يحتمل صدوره بالنسبة إليه ، أو‌ بالنسبة إلى من يحبّه مع ثبوت كون ذلك القول أو ذلك الفعل أو ذلك الترك مخالفا للحقّ عنده.

إذا تبيّن المراد من التقيّة ، فنقول :

تارة : نتكلّم في التقيّة من حيث الحكم التكليفي وأنّه يجوز أم لا يجوز.

وأخرى : من حيث ترتّب آثار ما هو الواقع والحقّ على هذا الفعل أو الترك بواسطة إذن الشارع في الإتيان أو الترك المخالفين للواقع.

وثالثة : في أنّه هل تترتّب على ذلك الفعل أو الترك المخالفين للحقّ الآثار الشرعيّة التي رتّبها الشارع عليهما لو صدرا عنه بالاختيار وبميله من دون تقيّة ، أو صدورها تقيّة يوجب رفع تلك الآثار.

فالتكلّم في التقيّة في مقامات ثلاث :

المقام الأوّل

في بيان حكمها التكليفي وأنّه يجوز أو لا يجوز‌ :

أقول : لا شكّ في جوازه ، بل وجوبه في بعض الأحيان. وجوازه من القطعيّات واليقينيّات إجماعا وكتابا وسنّة.

أمّا الإجماع ، فوجوده وعدم حجيّته معلوم ؛ لكون اعتمادهم على تلك المدارك القطعيّة ، فليس من الإجماع المصطلح.

وأمّا الكتاب ، فقوله تعالى {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ } [آل عمران: 28،] وقوله تعالى : {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106].

أمّا الروايات ، ففوق حدّ الاستفاضة بل لا يبعد تواترها معنى ، وقد عقد في الوسائل أبوابا لها في كتاب الأمر بالمعروف نذكر بعضها :

منها : ما في الكافي عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله عليه السلام : « إنّ قول الله عزّ وجل {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا} [القصص: 54] قال : بما صبروا على التقيّة {وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ } [القصص: 54] قال : الحسنة التقيّة والإساءة الإذاعة » (1).

وأيضا في الكافي أيضا عن هشام بن سالم ، عن أبي عمرو ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال لي أبو عبد الله عليه السلام : « يا أبا عمرو تسعة أعشار الدين التقيّة ، ولا دين لمن لا تقيّة له » (2).

أيضا عن الكافي عن معمّر بن خلاّد قال : سألت أبا الحسن عليه السلام عن القيام للولاة؟ فقال : قال أبو جعفر : « التقيّة من ديني ودين آبائي ، ولا إيمان لمن لا تقيّة له » (3).

أيضا عن الكافي عن محمّد بن مروان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال عليه السلام : « كان أبي عليه السلام يقول : وأيّ شي‌ء أقرّ لعيني من التقيّة ، إنّ التقيّة جنّة المؤمن » (4).

أيضا عن الكافي عن عبد الله بن أبي يعفور ، قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : « التقيّة ترس المؤمن ، والتقيّة حذر المؤمن ، ولا إيمان لمن لا تقيّة له » (5).

أيضا عن الكافي عن عبد الله بن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « اتّقوا على دينكم واحجبوه بالتقيّة ، فإنّه لا إيمان لمن لا تقيّة له » (6).

أيضا عن الكافي عن حبيب بن بشير قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : « سمعت أبي يقول : لا والله ما على وجه الأرض شي‌ء أحبّ إلى من التقيّة ، يا حبيب إنّه من كانت له تقيّة رفعه الله ، يا حبيب من لم تكن له تقيّة وضعه الله ، يا حبيب إنّ الناس إنّما هم في هدنة ، فلو قد كان ذلك كان هذا » (7).

أيضا عن الكافي عن حريز ، عمن أخبره ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} [فصلت: 34] قال عليه السلام : « الحسنة التقيّة والإساءة الإذاعة » (8).

أيضا عن الكافي عن هشام بن سالم ، عن أبي عمرو الكناني ، عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث أنّه قال : « يا أبا عمرو أبى الله إلاّ أن يعبد سرّا ، أبى الله عزّ وجلّ لنا ولكم في دينه إلاّ التقيّة » (9).

أيضا عن الكافي عن محمّد بن مسلم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « كلّما تقارب هذا‌ الأمر كان أشدّ للتقيّة » (10).

أيضا عن الكافي عن ابن مسكان عن حريز عن أبي عبد الله عليه السلام قال : « التقيّة ترس الله بينه وبين خلقه » (11).

ولا يحتاج دلالة هذه الأخبار على جواز التقيّة إلى البيان والشرح والإيضاح ؛ لكونه في غاية الوضوح.

نعم ذكر شيخنا الأعظم الأنصاري في رسالته المعمولة في التقيّة أنّها تنقسم إلى الأحكام الخمسة (12).

وخلاصة كلامه في تصوير انقسامها إلى الأحكام الخمسة : أنّ الواجب ما يكون لدفع ضرر متوجّه إليه من النفس أو العرض بحيث يكون دفعه واجبا ، ولا يدفع ذلك الضرر الواجب الدفع إلاّ بالتقيّة ، فتكون واجبة.

والمستحبّ ما كان موجبا للتحرّز عن كونه معرضا للضرر ، بمعنى أنّه من الممكن أن يكون تركها مفضيا إلى الضرر تدريجا ، كترك المداراة مع المخالفين ، وهجرهم في المعاشرة في بلادهم ، فإنّه ينجرّ غالبا إلى حصول المباينة الموجبة للمعاداة التي تترتّب عليها الضرر غالبا ، فالحضور في جماعاتهم والعمل على طبق أعمالهم تقيّة مستحبّ لأجل هذه الغاية ، وإن لم يكن ضرر فعلا في تركها.

والمباح ما كان التحرّز عن الضرر بالتقيّة وتركه بعدم التقيّة متساويان في نظر الشارع ؛ لكون مصلحة التقيّة وتركها متساويتين ، كما قيل في إظهار كلمة الكفر حيث أنّ في فعل التقيّة مصلحة ، وفي تركها أيضا مصلحة إعلاء كلمة الإسلام ، وفرضنا أنّ‌ مصلحة حفظ النفس التي في التقيّة مع مصلحة إعلاء كلمة الإسلام التي في تركها متساويتان.

والمحرّم كما في الدماء ، فقتل المؤمن في مورد لا يستحقّ القتل تقيّة حرام بلا كلام.

والمكروه ما يكون ضدّه أفضل.

هذا ما ذكره الشيخ الأعظم الأنصاري في انقسام التقيّة إلى الأحكام الخمسة.

وفي بعضها خصوصا الأخير تأمّل واضح ؛ لأنّ ترك المستحبّ ليس بمكروه ، مع أنّ نقيضه أفضل ، فلو كانت الحركة من بلد أفضل من الوقوف فيه ، فهذا لا يلازم كون الوقوف مكروها ، فالأولى التمثيل للمكروه بما ذكره الشهيد وهو التقيّة بإتيان ما هو مستحبّ عندهم ، مع عدم خوف الضرر لا عاجلا ولا آجلا إذا كان ذلك الشي‌ء مكروها واقعا ، وإلاّ لو كان حراما فالتقيّة بإتيانه لموافقتهم حرام.

هذا ما ذكروه ، ولكن الذي يظهر من الأخبار المستفيضة بل المتواترة هو استحباب التقيّة بل وجوبها ـ بموافقتهم عملا بل فتوى ـ فيما إذا احتمل ترتّب ضرر على نفسه ، أو على إخوانه المؤمنين.

وهذا الذي قلنا من استحباب التقيّة أو وجوبها كان في الأزمنة السابقة في أيّام سلاطين الجور الذي ربما كان تركها ينجر إلى قتل الإمام عليه السلام أو إلى قتل جماعة من المؤمنين ، وأمّا في هذه الأزمنة بحمد الله حيث لا محذور في العمل بما هو الحقّ ومقتضى مذهبه في العبادات والمعاملات ، فلا يوجد موضوع للتقية.

نعم إذا تحقّق موضوع التقيّة في زمان أو مكان ، فالواجب منها لا يعارض بأدلّة الواجبات والمحرّمات ، وذلك لحكومة دليل وجوب التقيّة على تلك الأدلّة كما هو الشأن في سائر أدلّة العناوين الثانوية بالنسبة إلى أدلّة العناوين الأوّلية ، وذلك كأدلّة نفي العسر والحرج والضرر بالنسبة إلى الأدلّة الأوّلية حيث أنّها حاكمة على الأدلّة الأوّلية بالحكومة الواقعية ، إلاّ في حديث الرفع بالنسبة إلى خصوص ما لا يعلمون ، فإنّ حكومته على الأدلة الأوّلية حكومة ظاهريّة.

المقام الثاني‌ :

وهو المهمّ في المقام ، وهو أنّه هل تترتّب آثار الواقع والحقّ على هذا الفعل أو الترك المخالف للحقّ بواسطة إذن الشارع في ذلك الفعل الذي يفعله لأجل التقيّة أو إذنه في ترك أمر لأجلها ، أو لا تترتّب؟

ثمَّ التكلّم في ترتّب آثار الواقع وما هو الحقّ تارة بالنسبة إلى خصوص أثر القضاء والإعادة ، وأنّ ذلك الفعل المخالف للواقع والحقّ هل هو مجز ولا إعادة عليه لو ارتفعت التقيّة في الوقت ، ولا قضاء إذا ارتفعت في خارج الوقت ، أم ليس بمجز بل تجب الإعادة بعد ارتفاع التقيّة في الوقت ، بحيث يمكن إتيان ما هو الواقع في الوقت ، ويجب القضاء لو ارتفعت التقيّة في خارج الوقت.

وأخرى : بالنسبة إلى سائر آثار الصحّة ، مثل أنّه لو توضّأ بالوضوء تقيّة من الأسفل إلى الأعلى في غسل اليدين أو غسل الرجلين بدل مسحهما ، فهل يترتّب عليه أثر الوضوء الصحيح والواقعي من رفع الحدث بحيث لو ارتفعت التقيّة لا يحتاج إلى الوضوء ثانيا على نهج الحقّ للصلوات الأخر ، أم لا؟

أمّا القسم الأوّل : أي ترتّب الأثر عليه من حيث الإجزاء وسقوط الإعادة والقضاء.

فالتحقيق فيه : أنّ كلّ فعل واجب من الواجبات إذا أتي به موافقا لمن يتّقيه وكان مخالفا للحقّ في بعض أجزائه وشرائطه ، بل وفي إيجاد بعض موانعه ، فإن كان مأذونا من قبل الشارع في إيجاد ذلك الواجب بعنوان أنّه واجب للتقيّة فهو مجز عن الواقع ، ولا يجب عليه الإعادة إذا ارتفع الاضطرار في الوقت ، ولا القضاء إذا ارتفع في خارج‌ الوقت ؛ وذلك لما حقّقنا في كتابنا « منتهى الأصول » (13) في مبحث الإجزاء أنّ الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الثانوي مجز عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي ، سواء كان رفع الاضطرار في الوقت ، أو في خارج الوقت.

ولا فرق في كونه مأذونا بين أن يكون الرخصة والإذن بعنوان ذلك الواجب بخصوصه ، كما أنّه ورد الإذن في خصوص المسح على الخفّين في صحيح أبي الورد : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إنّ أبا ظبيان حدّثني أنّه رأى عليا عليه السلام أنّه أراق الماء ثمَّ مسح على الخفيّن ، فقال عليه السلام : « كذب أبو ظبيان ، أما بلغك قول عليّ عليه السلام فيكم : سبق الكتاب المسح على الخفين؟ » فقلت : هل فيهما رخصة؟ فقال عليه السلام : « لا إلاّ من عدوّ تتّقيه ، أو ثلج تخاف على رجليك » (14).

أو كان بعنوان عامّ يشمل جميع الواجبات ، كقوله عليه السلام : « التقيّة من ديني ودين آبائي » (15) وكذلك قوله عليه السلام : « التقيّة في كلّ شي‌ء إلاّ في ثلاث : شرب النبيذ ، والمسح على الخفّين ، ومتعة الحجّ » (16).

ودلالة هذه الروايات الكثيرة التي هي فوق حدّ الاستفاضة على الإذن والرخصة في امتثال الواجبات موافقة للمخالفين تقيّة منوطة بأن يكون المراد من التقيّة الواردة فيها هو العمل الذي يأتي به تقيّة ، أي ما يتّقى به.

وظهور لفظ « التقيّة » في هذا المعنى لا يخلو من نظر ؛ لأنّ التقيّة كما تقدّم مصدر أو‌ اسم مصدر وبمعنى الاتّقاء ، فكون الاتّقاء من الدين أي : يجب الاتّقاء.

وهكذا قوله عليه السلام : « لا دين لمن لا تقيّة له » أي : لا دين لمن ترك التقيّة ويلقى نفسه في الهلكة ، وهذا غير أن يكون ما يتّقى به من العمل الموافق لهم المخالف للحقّ من الدين.

ويمكن أن يكون نظر المحقّق الثاني (17) في التفصيل الذي ذكره ـ بين الإذن في إتيان واجب بخصوصه تقيّة ، أي موافقا مع من يخاف منه وإن كان مخالفا للحقّ في نظره ، فيكون مجزيا فلا إعادة عليه ولا القضاء بعد رفع الخوف ؛ وبين ما إذا كان الواجب الذي يأتي به تقيّة لم يرد في إتيانه بذلك الوجه المخالف للحقّ إذن ورخصة بالخصوص ، بل ليس في البين إلاّ تلك الأخبار العامّة الآمرة بلزوم التقيّة بقوله عليه السلام : « التقيّة من ديني ودين آبائي » ، ورواية المعلّى بحذف « من » ، وهي رواية أخرى ، والرادعة عن تركها بقوله عليه السلام : « لا دين لمن لا تقيّة له » (18) ـ إلى هذا الذي ذكرنا من كون نظر الأخبار العامّة إلى لزوم الاتّقاء ووجوبه وحرمة تركه وإلقاء نفسه في الهلكة ، وإلاّ فأيّ فرق بين أن يكون الإذن والرخصة بصورة القضيّة الشخصيّة الخارجيّة ، بصورة القضيّة الكلّية الحقيقيّة.

والإنصاف : أنّه لا يمكن إسناد مثل هذا إلى مثل ذلك المحقّق الذي هو من أعاظم أساطين الفقه.

وعلى كلّ حال إذا صدر إذن من قبل الشارع بإتيان واجب بخصوصه أو الواجبات عموما بصورة عامّة موافقا معهم ، وإن كان مخالفا للحقّ من جهة الخوف‌ على نفسه ، أو عرضه ، أو ماله ، أو الخوف على غيره كذلك ، يكون إتيانه مجزيا عن الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي ثانيا لما ذكرنا.

هذا كلّه إذا صدر الإذن بامتثال الواجب الموسّع موافقا للمخالفين بمجرّد تحقّق التّقية ، وأمّا لو لم يصدر إذن من قبله بذلك ، فهل يشمل الأوامر المطلقة الأوّلية المتعلّقة بالواجبات لمثل هذا الفرد المخالف للحقّ والواقع ، بضميمة أوامر وجوب استعمال التقيّة في مقام الامتثال وحرمة تركها ، أم لا؟

فإن قلنا بالأوّل وشمولها لمثل ذلك الفرد ، فيكون أيضا مجزيا ، ولا يحتاج إلى القضاء والإعادة بعد ارتفاع الخوف والاضطرار ، ويكون حاله حال ما ورد الإذن بفعله موافقا لهم ، بل هو هو.

وأمّا إن قلنا بعدم شمولها له ، فما أتى به تقيّة ليس بمجز قطعا ؛ لأنّه لم يأت بما هو المأمور به ، وجواز التقيّة أو وجوبه لا أثر له في هذا المقام.

نعم لو ورد دليل خاصّ على أنّ هذا الفاقد للشرط أو الجزء ، أو هذا العمل وجه فيه المانع مجز عن الواقع فهو ، وإلاّ فصرف جواز الإتيان بواسطة الخوف لا يوجب سقوط الإعادة والقضاء إذ مقتضى إطلاق دليل ذلك الجزء ، أو ذلك الشرط ، أو ذلك المانع عدم اختصاصه بحال الاختيار ، بحيث إذا لم يتمكّن من إتيانه في الجزء أو الشرط أو من تركه في المانع يسقط التكليف لعدم القدرة شرعا على إتيان ما هو المأمور به واقعا.

نعم لو لم يكن لدليل ذلك الشرط أو الجزء أو ذلك المانع إطلاقا يثبت جزئيّته أو شرطيّته أو مانعيّته في ذلك الحال ، أو كان مفاد أدلّتها تقييدها بحال التمكّن ، وكان لدليل ذلك العمل المركّب إطلاق بالنسبة إلى حالتي وجود ذلك القيد وعدمه ، وتعذّره وعدمه ، فنفس دليل ذلك الواجب المركّب يوجب صحّة ذلك العمل الذي هو فاقد الجزء أو الشرط أو هو واجد للمانع.

ولا فرق بين أن يكون تعذّر القيد فعلا أو تركا من جهة التقيّة ، أو من جهة أخرى من أنواع الاضطرار إلى الفعل أو الترك ؛ لأنّ المناط في الجميع واحد ، وهو عدم القدرة على الإتيان بالمأمور به الواقعيّ. وقد حرّرنا المناط في كتابنا « منتهى الأصول » (19) إن شئت فراجع.

نعم سنتكلّم في أنّ أمر التعذّر من جهة التقيّة أوسع من التعذّر من الجهات الأخر ، وعمدة ذلك هو أنّ التقيّة شرّعت لأجل حفظ دماء المتّقين ، ولذلك لا يعتبر فيها عدم وجود المندوحة ، كما سنبيّن إن شاء الله تعالى.

وعلى كلّ حال الذي يسهل الخطب ويثبت إجزاء فاقد الشرط أو الجزء أو واجد المانع هو عمومات بعض أخبار التقيّة ، كقوله عليه السلام : « التقيّة ديني ودين آبائي » في رواية المعلّى أو : « من ديني ودين آبائي » كما في سائر الطرق ، بناء على أن يكون المراد من التقيّة هو العمل الموافق لهم المخالف للحقّ ، أي ما يتّقى به ، لا الاتّقاء كما هو ظاهر اللفظ.

وأمّا الاستدلال للإجزاء برواية مسعدة بن صدقة بقوله عليه السلام فيه : « فكلّ شي‌ء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد فإنّه جائز » (20) لا يخلو من تأمّل ؛ لأنّ ظاهر قوله عليه السلام « فإنّه جائز » هو الجواز تكليفا ، وهذا لا ربط له بالإجزاء ، وإلاّ فهذا المعنى قطعيّ ولا كلام فيه من أحد ، نعم قيّد عليه السلام الجواز بما لا يؤدّي إلى الفساد ، وإلاّ لو أدّى إليه فلا يجوز حتّى تكليفا.

فالعمدة في دلالة روايات التقيّة على الإجزاء هو الذي قلنا من كون التقيّة دينا أنّه يرجع إلى أنّه حكم واقعي ثانوي ، وقد أثبتنا كونه مجزيا في مبحث الإجزاء في‌ الأصول (21) ، وقلنا إنّه متوقّف على أن يكون المراد من التقيّة هو العمل الذي يتقى به ، لا الاتّقاء بالعمل ، ولا يبعد ذلك ، فيكون كالوصيّة بمعنى ما أوصى به ، فكما أنّ الوصيّة اسم مصدر للإيصاء وقد يجي‌ء بمعنى الموصى به ، فلتكن التقيّة أيضا كذلك.

وخلاصة الكلام : أنّ الأخبار العامّة والخاصّة تدلّ على أنّ إتيان الواجبات موافقة للمخالفين وإن كانت مخالفة للحقّ قد أذن ورخّص فيه الشارع ، فلا ينبغي الشكّ في أنّها مجزية عن الواقع الأوّلي ، ولا يجب إعادتها ولا قضاؤها بعد ارتفاع الخوف وحصول الأمن.

ولكن هذا الذي قلنا ـ بأنّ الإتيان بالواجبات موافقة لمذهبهم مع كونها مخالفة للحقّ للتقيّة مجز عن الإتيان بما هو الحقّ بعد ارتفاع الخوف وحصول الأمن ـ يكون فيما إذا كانت المخالفة في المذهب ، بمعنى أنّ الاختلاف يكون بين المذهبين في أجزاء الواجبات ، أو شرائطها ، أو موانعها ، أو كيفيّة أدائها ، وإن شئت قلت : فيما إذا كان الاختلاف في نفس الحكم الشرعي ، لا فيما إذا كان الاختلاف فيما هو مصداق لموضوع الحكم الشرعي.

مثلا لا خلاف بينهما في وجوب الإفطار في يوم أوّل شوّال ، أي يوم عيد الفطر.

فإذا وقع الاختلاف في مصداق هذا اليوم فحكم حاكمهم بأنّ يوم الجمعة مثلا عيد استنادا إلى ثبوت رؤية الهلال ليلتها ، فإذا علمنا بعدم مطابقة هذا الحكم للواقع وخطأ الحاكم أو الشهود ، فلا تشمل أدلّة إجزاء التقيّة مثل هذا المورد.

فإذا قامت حجّة شرعيّة من علم أو علمي ـ وإن كان هو الاستصحاب ـ على أنّ هذا اليوم من شهر رمضان ، فالإفطار في ذلك اليوم وإن كان جائزا إذا كان لخوف الضرر على نفسه أو ماله أو عرضه ، أو كان في الصوم فيه حرج ، ولكن لا يكون مجزيا ، فيجب قضاء ذلك اليوم ، كما هو الظاهر من مرسلة رفاعة عن رجل عن أبي‌ عبد الله عليه السلام قال : « دخلت على أبي العبّاس بالحيرة فقال : يا أبا عبد الله ما تقول في الصيام اليوم؟ فقلت : ذاك إلى الإمام. ان صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا ، فقال : يا غلام علىّ بالمائدة ، فأكلت معه وأنا أعلم والله أنّه يوم من شهر رمضان ؛ فكان إفطاري يوما وقضاؤه أيسر علىّ من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله » (22). وبهذا المضمون أيضا أخبار أخر (23).

فعلى هذا يجب عليه القضاء وإن قلنا بالإجزاء في المأتيّ به تقيّة ، وذلك لما ذكرنا أنّ ظاهر أدلّة التقيّة هو أنّ إتيان الواجب على وفق مذهب من يتقى عنه يكون مجزيا ، وفي المورد ليس الإفطار موافقا لمذهبهم ؛ لأنّ مذهبهم أيضا أنّه لا يجوز الإفطار في نهار رمضان ، وإنّما هو خطأ في التطبيق ، ولا ربط له بأدلّة التقيّة.

هذا ، مضافا إلى أنّه في المورد لم يأت بالواجب تقيّة ، وإنّما تركه تقيّة ، وأدلّة التقيّة بناء على دلالتها على الإجزاء أتى يكون فيما إذا بالواجب موافقا لمذهبهم ، لا أنّه يترك إتيان الواجب رأسا لأجل التقيّة.

وكذلك لو حكم حاكمهم بأنّ يوم الجمعة مثلا هو اليوم التاسع من ذي الحجّة الذي يقال له يوم عرفة وهو يوم الوقوف في عرفات ، وعلم المكلّف بأنّه ليس اليوم التاسع ، أو قامت حجّة شرعيّة على أنّه اليوم الثامن مثلا ، وهو مضطرّ في الوقوف في اليوم الذي يعلم بأنّه ليس يوم عرفة ، لعلمه بتقدّمه على ذلك اليوم أو تأخّره عنه ، ولا يمكنه الوقوف في اليوم الذي قامت عنده الحجّة الشرعيّة على أنّه يوم عرفة ، ففات عنه الوقوف في يوم عرفة ، فلا يمكن القول بإجزاء ذلك الحجّ ؛ لفوت الوقوف في عرفات يوم عرفة ، وإن قلنا بأنّ إتيان الواجب موافقا لمذهبهم مجز ؛ لأنّ الوقوف في‌ يوم غير عرفة ليس موافقا لمذهبهم ، وإنّما هو خطأ في التطبيق.

نعم يمكن تصحيح مثل هذا الحجّ بوجه آخر ، وهو أنّ حاكمهم لو حكم بثبوت الهلال بشهادة من يكون شهادته معتبرة عندهم ، وليست معتبرة بحسب الواقع لفسقه أو لنصبه أو لجهة أخرى راجعة إلى الشبهة الحكميّة ، بحيث يكون الحكم في مذهب الحقّ عدم قبول تلك الشهادة ، وكان القبول في مذهب الحاكم ، فحينئذ يكون عدم العمل بحكمهم قدحا في مذهبهم ، فترك العمل يرجع إلى الاختلاف في المذهب.

فالعمل على وفق مذهبهم بالجري على طبق حكمهم للخوف من الضرر يكون كسائر موارد التقيّة التي أذن الشارع ورخّص فيها بعنوان ترخيص التقيّة ، فلا فرق بين أن يأتي بالصلاة الناقصة تقيّة ، أو يأتي بالحجّ الناقص تقيّة ، فكما أنّه في الأوّل يكون ذلك العمل مجزيا عن الإتيان بالواقع ثانيا بعد ارتفاع الخوف وحصول الأمن ، فكذلك الأمر في الثاني.

نعم يبقى الكلام في أنّه هل نفوذ حكم الحاكم عندهم ولزوم الجري على طبقه وعدم جواز مخالفته مخصوص بصورة الشكّ والجهل بمطابقته للواقع ، أو مطلق ويجب العمل على طبقه ولو كان مع العلم بمخالفته للواقع.

فبناء على الأوّل يكون إجزاؤه مختصّا بصورة الشكّ في ثبوت الهلال ، ولا تشمل صورة العلم بالخلاف ، وعلى الثاني يكون ذلك الحجّ الناقص مجزيا حتّى مع العلم بالخلاف.

وقد نسب إليهم نفوذ الحكم حتّى مع العلم بالخلاف والقول بالموضوعيّة التابعة للحكم ، ولكنّه ينبغي أن يعدّ في جملة المضحكات ، كما أنّه حكى أنّ أحد القضاة حكم بموت شخص كان غائبا مسافرا بشهادة الشهود ، فلمّا رجع عن سفره رفع أمره إلى ذلك القاضي فحكم أن يدفن ؛ لأنّه ثبت موته وميّت المسلم يجب دفنه. وأنت خبير بأنّ أمثال هذه الحكايات بالمزاح أشبه ، وكيف يمكن أن يتفوّه المسلم بهذا الكلام ، مع‌ أنّه صحّ عن رسول الله صلى الله عليه واله سيّد ولد آدم وخير الخلائق أجمعين أنّه صلى الله عليه واله قال : « إنّما أنا بشر وأنّه يأتيني الخصم فلعلّ بعضهم أن يكون أبلغ ـ وفي بعض طرق الحديث « ألحن » بدل « أبلغ » والمعنى واحد ـ من بعض فأحسب أنّه صادق فأقضي له ، فمن قضيت له بحقّ مسلم فإنّما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها » (24).

وخلاصة الكلام : أنّ القول بالموضوعيّة التامّة ووجوب نفوذ الحكم حتّى مع العلم بالخلاف لا ينبغي أن يسند إلى فقيه ، ولا بدّ وأن يؤوّل إذا كان هذا ظاهر كلامه.

وأمّا في صورة الشكّ ، فإن حكم الحاكم حجة عندنا وعندهم فإذا حكم حاكمهم بأنّ هذا اليوم مثلا يوم عرفة ، فالموافقة معهم بالوقوف في عرفات في ذلك اليوم من جهة الخوف عنهم يصدق عليه أنّه الجري على طبق الحجّة عندهم ، ولزوم الجري على طبق حكم حاكمهم هو من أحكام مذهبهم ، كما كذلك عندنا أيضا ، غاية الأمر أنّ هذا الحكم ليس واجدا لشرائط النفوذ عندنا ، ولكن واجد لها عندهم ، فيكون كسائر موارد التقيّة في الحكم الشرعي.

وأمّا الإيراد عليه : بأنّ الروايات الواردة في لزوم القضاء في مسألة الإفطار تقيّة مع أنّه في مورد حكم الحكم بأنّه يوم العيد ينفى الإجزاء ، وذلك كمرسلة رفاعة عن الصادق عليه السلام قال : « دخلت على أبي العباس بالحيرة فقال : يا أبا عبد الله ما تقول في الصيام؟ فقلت : ذاك إلى الإمام إن صمت صمنا وإن أفطرت أفطرنا ، فقال : يا غلام عليّ بالمائدة فأكلت معه وأنا أعلم والله أنّه يوم من شهر رمضان ، فكان إفطاري يوما وقضاؤه أيسر من أن يضرب عنقي ولا يعبد الله » (25) وروى بطرق أخر أيضا.

ففيه : أنّ قوله عليه السلام : « وأنا أعلم بالإجزاء والله أنّه يوم من شهر رمضان » صريح‌ أنّه في مورد العلم بالخلاف وعدم مطابقة الحكم للواقع ، وهذا الصورة بيّنّا أنّ الحكم ليست بحجّة عندهم أيضا ، فلا يشمل مورد كلامنا الذي هو الشكّ.

فالإنصاف : أنّ القول بالإجزاء في مورد الشكّ في مطابقة حكمهم للواقع لا يخلو عن قوّة ، وإن كان الاحتياط ما لم يبلغ إلى درجة الحرج الشديد والعسر الأكيد حسن على كلّ حال.

وممّا استدلّ به على الإجزاء في مورد الشكّ هي السيرة المستمرّة من زمان الأئمّة : إلى زماننا هذا في موافقة أصحابنا معهم في الوقوف في المشاعر العظام ، مع وجود الشكّ في أغلب السنين ، ولم يراجعوا إليهم : في هذه المسألة ، ولم يسألوا عن حكم الجري على طبق حكمهم ، ولم ينقل عنهم إعادة حجهم ، وهذا يدلّ على أنّ الإجزاء كان عندهم مفروغا عنه.

وأمّا ادّعاء أنّهم سألوا ولكن لم يصل إلينا فقول بلا دليل ، بل لو كان لبان كسائر القضايا والأحكام.

والقدر المتيقّن من هذه السيرة هو مورد الشكّ في مطابقة حكم الحاكم للواقع ، فلا يشمل مورد العلم بالخلاف.

ولكن في ثبوت هذه السيرة تأمّل.

وربما يستدلّ للإجزاء برواية أبي الجارود ، قال : سألت أبا جعفر عليه السلام أنّا شككنا سنة في عام من تلك الأعوام في الأضحى ، فلمّا دخلت على أبي جعفر عليه السلام وكان بعض أصحابنا يضحى فقال : « الفطر يوم يفطر الناس ، والأضحى يوم يضحى الناس ، والصوم يوم يصوم الناس » (26).

وتقريب الاستدلال بهذه الرواية أنّ قوله عليه السلام : « الأضحى يوم يضحى الناس » ‌لا يمكن أن يكون إخبارا ؛ لأنّ اليوم الذي يضحّى الناس قد يكون أضحى وقد لا يكون ، مضافا إلى أنّه جواب سؤال الراوي عن حكم يوم الشكّ ، فهو عليه السلام بصدد الجواب عن هذا السؤال ، فلا بدّ وأن يكون تنزيلا ـ من قبيل « الطواف بالبيت صلاة » (27) ـ فيكون مفاده أنّ يوم يضحى الناس يكون بمنزلة الأضحى الواقعي ، يترتّب عليه آثار الأضحى الواقعي ، فيكون إمضاء لحكمهم ، فيجب ترتيب آثار الواقع على ما حكموا به.

ولكن أنت خبير بأنّ هذه الرواية وإن كانت ظاهرة في هذا المعنى ، إلاّ أنّ سنده ضعيف ، فإنّ أبا الجارود زياد بن منذر زيدي ينسب إليه الجارودية ، وسمّى سرحوبا وسماّه بذلك أبو جعفر عليه السلام ، وسرحوب اسم شيطان أعمى يسكن البحر ، وكان أبو الجارود مكفوفا أعمى القلب ، هكذا ذكر العلامة في الخلاصة (28) وقد قيل في حقّه : إنّه كان كذّابا كافرا ، فلا يمكن الاعتماد على هذه الرواية للخروج عن مقتضى القواعد الأوّلية.

وأمّا القسم الثاني : أي ترتيب آثار الصحّة غير الإجزاء وعدم لزوم الإعادة والقضاء ، سواء كان في العبادات كالوضوء تقيّة ـ فهل يترتّب عليه رفع الحدث وحصول الطهارة الواقعيّة كي لا يحتاج إلى وضوء جديد بعد رفع الخوف وحصول الأمن ـ أو كان في المعاملات ، فإذا أوقع معاملة موافقة لهم ومخالفة للواقع تقيّة فهل يترتّب عليها آثار الصحّة بعد ارتفاع التقيّة ، أم لا؟

أقول : مقتضى القواعد الأوّليّة هو عدم ترتّب آثار الصحّة على تلك المعاملة أو ذلك الوضوء ؛ وذلك لأنّ موضوع الأثر شرعا هي العبادة أو المعاملة الصحيحتان ، والمفروض أنّهما ليستا صحيحتين ؛ إذ لا شكّ في أنّ الموضوع للطهارة الواقعيّة هو الوضوء الصحيح بحسب الواقع ، والوضوء تقيّة ليس وضوءا صحيحا بحسب الواقع ، وإنّما أذن الشارع في إتيانه لأجل دفع الضرر عن نفسه أو ماله أو عرضه أو عن غيره ممّن يخصّه ذلك ، فإذا ارتفع الخوف ولم يكن احتمال ضرر في البين ، فلا وجه لاحتمال وجود الأثر الذي هو للوضوء الواقعي على هذا الفعل المسمّى بالوضوء عندهم ، وهو ليس بالوضوء واقعا.

وكذلك لو أوقع نكاحا أو طلاقا على وفق مذهبهم تقيّة مع بطلانهما عندنا ، فمع ارتفاع التقيّة وحصول الأمن لا وجه لاحتمال وجود آثار النكاح أو الطلاق الصحيحين ، وهل الحكم بوجود أثرهما مع عدم صحّتهما إلاّ من قبيل وجود الأثر بدون المؤثّر. وإن شئت قلت : هل هذا إلاّ من قبيل وجود الحكم بدون الموضوع.

وأمّا جواز التقيّة بل لزومها في بعض الموارد على فرض أن يكون الفعل أتى به تقيّة مجزيا عن إتيان الواقع ثانيا بعد رفع التقيّة ، لا يثبت وجود موضوع ذلك الأثر.

نعم لو كان موضوع الأثر هو الأعمّ من الوضوء الواقعي الأوّلي والوضوء تقيّة مثلا ، فلا شبهة في ترتّب ذلك الأثر لوجود موضوعه. لكن هذا خلاف الفرض ، وكذلك لو كان الموضوع للأثر امتثال ذلك الأمر الثانوي.

ثمَّ إنّ ما ذكرنا في القسم الأوّل من إجزاء ما أتى به تقية عن إتيان المأمور به بالأمر الواقعي ثانيا ، هل يشترط فيه عدم وجود المندوحة ، أم لا؟

الظاهر هو الثاني.

بيان ذلك : أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة : قول بعدم الاعتبار مطلقا ، وذهب إليه الشهيدان في البيان (29) والروض (30).

وقول بالاعتبار مطلقا ، وذهب إليه صاحب المدارك (31) ‌.

وقول بالتفصيل بين ما إذا كان الفعل الذي يتقى به مأذونا بالخصوص ، كالصلاة معهم ، أو الوضوء مع المسح على الخفّين وأمثال ذلك فقال بعدم الاعتبار ، وبين ما لم يأذن الشارع فيه بالخصوص فقال بالاعتبار.

والمراد من المندوحة هو تمكّن المكلّف من الإتيان بالفرد التامّ الأجزاء والشرائط الفاقد للموانع ، وذلك بأن يأتي إمّا في زمان آخر من مجموع الوقت ، وذلك لا يكون إلاّ في الواجب الموسّع ، أو يأتي به في مكان آخر لا يخاف من عدوّ كي يتّقيه ، أو يوهم الإتيان بشكلهم مع أنّه واقعا يأتي بما هو الحقّ عنده.

فالأوّل يسمّى بالمندوحة الطوليّة ، والثاني والثالث بالمندوحة العرضيّة. والطوليّة والعرضيّة في المقام بحسب الزمان ، وقد عرفت أنّ هذا التقسيم لا يأتي إلاّ في الواجب الموسّع.

إذا عرفت هذا فنقول :

أمّا التفصيل الذي ذهب إليه المحقّق الثاني (32) فقد تقدّم أنّه لا وجه له أصلا ؛ لأنّه أيّ فرق بين أن يكون إتيان الواجب موافقا لهم مأذونا بالخصوص ، أو كان مأذونا بعنوان عامّ ؛ لأنّ المناط في كلتا الصورتين صيرورته واقعيّا ثانويّا ، ولذلك قلنا بالإجزاء وعدم الاحتياج إلى إعادته بعد ارتفاع التقيّة وحصول الأمن ، فإن كان الإذن الخاصّ غير مشروط بعدم المندوحة ، فليكن الإذن بعنوان العامّ أيضا كذلك.

أمّا تعليله للفرق بأنّ الإذن في التقيّة من جهة الإطلاق لا يقتضي أزيد من إظهار الموافقة مع الحاجة.

ففيه : أنّ الإذن في العمل الذي يتّقى به إن كان أمرا بالامتثال بتلك الصورة فيكون فردا اضطراريّا لطبيعة المأمور به ، فيكون مجزيا عن الإعادة بعد رفع الاضطرار كما هو الشأن في الأوامر الواقعيّة الثانوية ، فلا فرق بين الإذن بالخصوص وبين الإذن بالعموم‌ في ذلك.

وأمّا لو كان الإذن في العمل لأجل الفرار والخلاص من شرّهم فقط ، فالإذن الخاصّ أيضا لا يثبت به الإجزاء ، وعلى كلّ حال الفرق بين الإذن الخاصّ والعامّ لا أثر له في هذا المقام ، بل المناط كلّ المناط في المقام ـ بعد الفراغ عن أنّ الأمر بإتيان الواجب تقيّة مجز عن الإعادة والقضاء ـ هو أنّ هذا الأمر سواء كان بعنوان خاصّ أو عامّ هل هو مقيّد بعدم المندوحة وكونه مضطرّا إلى إيجاده تقيّة ، أم لا بل مطلق من هذه الجهة.

فإن كان هناك دليل على التقييد يؤخذ به ، وإلاّ فمقتضى عمومات التقيّة والإذن فيها ـ كقوله عليه السلام : « التقيّة ديني ودين آبائي » وأمثالها ممّا تقدّم ذكرها ، بناء على ما ذكرنا من أنّ المراد من التقيّة هو الفعل الذي يأتي به تقيّة ـ هو عدم اعتبار عدم المندوحة.

نعم لا بدّ من صدق التقيّة في الأمر بها ، وهو أن يكون إتيان الواجب الواقعي الأوّلي مظنّة الضرر ، بحيث يخاف على نفسه أو ماله أو عرضه ؛ وذلك لعدم تحقّق موضوع الأمر بها بدونه.

ولذلك لا بأس بالقول بالتفصيل بين ما يمكن له إيجاد المأمور به الأوّلى ، بأنّ يوهمهم الموافقة من دونها ، وبين ما لا يمكن ذلك ، ففي الصورة الأولى يقال بالاعتبار دون الثانية. ولكن في الحقيقة هذا ليس تقييدا في التقيّة ، بل محقّق لموضوعها.

وعلى كلّ حال هذه المطلقات تدلّ على مشروعيّة التقيّة وإن كان يمكن له أن يأتي بالفرد التامّ بانتقاله إلى مكان آخر ، أو بتأجيل الإتيان به إلى زمان آخر ، فليس جواز التقيّة ولا إجزاؤها عن الإعادة والقضاء مشروطا بعدم المندوحة العرضيّة ، أي التمكّن من الإتيان بالفرد التامّ الأجزاء والشرائط الفاقد للموانع المأمور به بالأمر‌ الواقعي الأوّلي في عرض التقيّة ، بأن ينتقل إلى مكان آخر لا خوف عليه ، كما إذا انتقل من السوق إلى داره التي ليس فيها أحد يخاف منه ، ولا مشروطا بعدم المندوحة الطوليّة ، أي التمكّن من الإتيان بالمأمور به الواقعي الأوّلي في الزمان المتأخّر يرتفع التقيّة فيه.

فظهر ممّا ذكرنا أنّ القول الأوّل وهو عدم اعتبار عدم المندوحة مطلقا الذي ذهب إليه الشهيدان في البيان (33) والروض (34) هو الصحيح وهو المشهور.

ويدلّ على عدم اعتبار عدم المندوحة في جواز التقيّة وإجزائها عن إتيان الواقع الأوّلي بعد ارتفاع الخوف وحصول الأمن ، بعض الروايات :

منها : ما رواه العيّاشي بسنده عن صفوان ، عن أبي الحسن عليه السلام في غسل اليدين ، قلت له يردّ الشعر؟ قال عليه السلام : « إن كان عنده آخر فعل ». (35) والمراد بالآخر من يتّقيه.

تقريب الاستدلال بهذه الرواية على عدم اعتبار عدم المندوحة هو تجويزه للتقيّة بصرف وجود شخص من هؤلاء الذين يخاف منهم ، وإن كان يمكن أن يتستّر عنه ، أو ينتقل إلى مكان آخر ليس هناك من يخاف منه ، أو يوهمه الإتيان بمثل مذهبهم مع الإتيان بما هو الحقّ ، أو يؤجّل العمل إلى زمان آخر لا موضوع للتقيّة فيه ، ولا شكّ في إطلاق الرواية من هذه الجهات ولا مقيّد له في البين ، فيجب الأخذ بإطلاقه.

ولا يخفى أنّ ردّ الشعر كناية عن الوضوء المنكوس ؛ لأنّ ردّ الشعر من لوازمه ، فالسؤال عن أنّ له ردّ الشعر ، معناه أنّ له الوضوء المنكوس؟ فيجيب عليه السلام بالجواز بدون أيّ تقييد. وأمّا قوله عليه السلام : « إن كان عنده آخر » هو محقّق موضوع التقيّة ، لا أنّه تقييد فيها.

ومنها : ما رواه مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث ، وفيه : « وتفسير ما يتقى مثل أن يكون قوم سوء ظاهر حكمهم وفعلهم على غير حكم الحق وفعله ، فكلّ شي‌ء يعمل المؤمن بينهم لمكان التقيّة ممّا لا يؤدّي إلى الفساد في الدين فإنّه جائز » (36).

فقوله عليه السلام « فإنّه جائز » حكم بجواز كلّ شي‌ء يعمل لأجل التقيّة ، وهو مطلق غير مقيّد بعدم المندوحة ، بل ظاهره جواز كلّ شي‌ء يعمل لمكان التقيّة وإن كان الفرار والتخلّص منها ممكنا بأحد الوجوه المتقدّمة.

ومنها : ما ورد في الحثّ والترغيب في حضور جماعتهم في الروايات الكثيرة ، كرواية حمّاد بن عثمان عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال : « من صلّى معهم في الصفّ الأوّل كان كمن صلّى خلف رسول الله صلى الله عليه واله في الصفّ الأوّل » (37). وغيرها ممّا هو بهذا المضمون.

ولا شكّ في أنّ الروايات المطلقة الدالّة على جواز التقيّة وإجزاء ما يأتي به تقيّة عن الواجب الواقعي الأوّلي من دون تقييدها بعدم وجود المندوحة كثيرة ، فلا يحتاج إلى تطويل المقام بذكر تلك الأخبار والتكلّم فيها ، بل لا يمكن التقييد فيها بصورة عدم التمكّن من إيجاد صلاته في جميع وقتها إلاّ في مكان يجب فيه التقيّة.

فالإنصاف : أنّه ليست التقيّة من قبيل سائر الموارد التي ينقلب التكليف فيها بواسطة الاضطرار ، بل الأمر فيها أوسع ؛ للمصالح التي فيها من حفظ النفوس والأموال والأعراض لشخصه ولجميع الشيعة ، بل وللإمام عليه السلام ، ولعلّه لذلك أفردوها بالذكر عن سائر أقسام الاضطرار.

ولكن للأخبار المذكورة معارضات ظاهرها أنّ جواز التقيّة وإجزاءها عن الواقع الأوّلي منوط بعدم وجود المندوحة.

منها : رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر المعروف بالبزنطي ، عن إبراهيم بن شيبة قال : كتبت إلى أبي جعفر الثاني عليه السلام أسأله عن الصلاة خلف من تولّى أمير المؤمنين وهو يمسح على الخفّين؟ فكتب عليه السلام : « لا تصلّ خلف من يمسح على الخفيّن ، فإن جامعك وإيّاهم موضع لا تجد بدّا من الصلاة معهم ، فأذّن لنفسك وأقم ، فإن سبقك إلى القراءة فسبّح» (38).

ومنها : رواية معمّر بن يحيى : « كلّما خاف المؤمن على نفسه فيه ضرورة فله فيه التقيّة » (39).

ومنها : المرسل المحكى عن الفقه الرّضوي عن العالم : « لا تصلّ خلف أحد إلاّ خلف رجلين أحدهما من تثق به وبدينه وورعه ، والآخر من تتّقي سيفه وسوطه وشرّه وبوائقه وشنعته ، فصّل خلفه على سبيل التقيّة والمداراة » (40).

ومنها : ما عن دعائم الإسلام بسنده عن أبي جعفر عليه السلام : « لا تصلوا خلف ناصب ولا كرامة إلاّ أن تخافوا على أنفسكم أن تشهروا ويشار إليكم ، فصلّوا في بيوتكم ، ثمَّ صلوا معهم ، واجعلوا صلاتكم معهم تطوّعا » (41).

ودلالة هذه الروايات على أنّ جواز التقيّة وإجزاءها عن الإعادة والقضاء بعد‌ رفع التقيّة وحصول الأمن مشروط بعدم المندوحة في كمال الوضوح.

ولكن مقتضى الجمع عرفا بين هذه الأخبار والأخبار المتقدّمة هو حمل هذه الأخبار على إمكان التخلّص في نفس وقت التقيّة ، بدون التأجيل وتأخير امتثال الواجب إلى زمان ارتفاع التقيّة ، أو بدون انتقاله إلى مكان آخر للفرار عن التقيّة ، بل يمكن في نفس المكان والزمان أن يأتي بالواقع الأوّلى ، ففي مثل هذا المورد لا يجوز أن يتّقى بإتيان الواجب موافقا لهم.

فاشتراط عدم المندوحة بهذا المعنى ممّا لا بدّ منه ، بل هو المشهور ، خصوصا إذا كان من الممكن إيهامهم أنّه يوافقهم ويأتي بالواجب على طبق مذهبهم ، مع أنّه لا يأتي إلاّ على طبق ما هو الحقّ عنده.

ويشير إلى هذا المعنى بعض الروايات ، كرواية عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قلت : إنّي أدخل المسجد وقد صلّيت فأصلّي معهم فلا أحتسب بتلك الصلاة؟ قال : « لا بأس ، وأمّا أنا فأصلّي معهم وأريهم أنّي أسجد وما أسجد » (42).

وخلاصة الكلام : هو أنّ الشارع اهتمّ بأمر التقيّة كثيرا للمصالح المهمّة في نظره ، ولذلك أمر المؤمنين بمعاشرتهم ، والحضور في مجامعهم ، وعيادة مرضاهم كي لا يعرفوهم بالرفض فيؤذوهم ، وبيّن لهم ما يترتّب على فعلهم الذي هو موافق معهم من الأجر العظيم والثواب الجزيل كي يرغبوا في العمل موافقا لهم في الكمّ والكيف لأجل حفظ دمائهم وأعراضهم وأموالهم.

فوسّع عليهم في أمر التقيّة بما لم يوسّع في غيرها من أنواع الاضطرار ، بل أمرهم أن يحضروا مساجدهم ويصلّون معهم في الصفّ الأوّل ، وقال عليه السلام : « من حضر صلاتهم وصلّى معهم في الصف الأوّل كان كمن صلّى مع رسول الله في الصفّ الأوّل ».

فلا يمكن حمل الأخبار الظاهرة في اعتبار عدم المندوحة على ظاهرها ، بل لا بدّ من رفع اليد عن ظاهرها والتصرّف فيها بأحد التصرّفات ، مثل حمل « أذّن لنفسك وأقم » في رواية أحمد بن محمّد بن أبي نصر البزنطي ، و « صلّوا في بيوتكم » فيما رواه دعائم الإسلام وأمثال ذلك على الاستحباب ، وإلاّ فالقول باعتبار عدم المندوحة مطلقا في جواز التقيّة ينافي ذلك الاهتمام الذي ظهر من طرف الشارع في أمر التقيّة.

ففي رواية زيد الشحّام : « صلّوا في مساجدهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم وإن استطعتم أن تكونوا الأئمّة والمؤذّنين فافعلوا » الحديث (43).

وفي رواية هشام الكنديّ عن أبي عبد الله عليه السلام قال فيها : « صلّوا في عشائرهم ، وعودوا مرضاهم ، واشهدوا جنائزهم » الحديث (44).

نعم الذي يصحّ أن يقال هو أنّه لو كان متمكّنا حال الاشتغال بإيجاد الواجب موافقا لهم من تلبيس الأمر عليهم ، وإيهامهم أنّه يفعل بمثل فعلهم وإن كان لم يفعل كفعلهم بنحو لا يكون منافيا للتقيّة ولا يترتّب عليه ضرر ، لا عاجلا ولا آجلا ، لا على نفسه ولا على غيره من طائفته ، يجب عليه ذلك ، ولا يجوز له أن يأتي بما هو خلاف الواقع الأوّلي.

فعدم المندوحة بهذا المعنى معتبر في التقيّة. لكن تقدّم أنّ هذا محقّق موضوع التقيّة ، لا أنّه تقيّة أو تخصيص فيها ، فالحقّ أنّ عدم المندوحة ليس معتبرا وقيدا في موضوع التقيّة.

المقام الثالث‌ :

في أنّه هل تترتّب على ذلك الفعل أو الترك المخالفين للحقّ الآثار الشرعيّة التي رتّبها الشارع عليهما لو صدرا عنه بميله واختياره ، أم لا بل صدورهما من باب يوجب رفع تلك الآثار؟

مثلا بناء على أنّ الفقّاع خمر استصغره الناس ، وأنّ الخمر نجس ، يكون الفقّاع نجسا ، فإذا استعمله تقيّة ، أو توضأ به تقيّة بناء على جواز الوضوء بالمائع المضاف عندهم ، فهل استعماله يوجب رفع أثر تنجيسه ، فبعد ارتفاع الخوف وحصول الأمن لا يجب غسل موضع ملاقاته للمشروط بالطهارة ، أم لا ؛ لأنّ التقيّة لا يرفع الأثر الوضعي المترتّب على هذا الفعل؟

الظاهر هو ترتّب أثره عليه وعدم ارتفاع أثر ذلك الفعل بواسطة التقيّة ، فينجّس ملاقي الفقّاع والنبيذ ، وإن كان شربهما يجوز للتقيّة.

نعم لو جوّزنا الوضوء به تقيّة ، فلا يجب إعادة الصلاة التي صلاّها بذلك الوضوء.

نعم لو شرب الفقّاع أو النبيذ تقيّة لا يحدّ ، وذلك من جهة أنّ هذا الأثر أخذ في موضوعه التعمّد والاختيار.

فالضابط الكلّي هو أنّه لو كان موضوع الأثر في الفعل الذي يتّقى به هو ذلك الفعل مطلقا ، سواء كان مختارا أو مضطرا ، فيترتّب عليه ذلك الأثر ، وإلاّ لو كان مخصوصا بحال الاختيار ، فلا يترتّب عليه إذا أتى به تقيّة ، فتعمّد الأكل والشرب في نهار رمضان موجب لبطلان صوم من وجب عليه الصوم وإن صدر منه تقية ؛ وذلك من جهة أنّ بطلان الصوم أثر تعمد الأكل والشرب ، سواء كان مختارا أو مضطرّا.

ثمَّ إنّ هاهنا أمورا يجب التنبّه عليها :

الأوّل : لا فرق في مشروعيّة التقيّة بين أن يكون من يتّقيه من المخالفين أو من غيرهم ؛ وذلك من جهة وحدة المناط والأدلّة فيهما ، لأنّ الدليل على مشروعيّة التقيّة إمّا قاعدة الضرر أو الحرج ، ومعلوم أنّ كون امتثال الواجب موجبا للضرر أو الحرج لا فرق بين أن يكون الضرر والحرج من ناحية المخالفين ، أو من ناحية غيرهم من الطوائف المسلمة ، أو من ناحية الكفّار ؛ لأنّ مفاد دليل نفي الضرر والحرج هو أنّ الحكم الذي يأتي من ناحيته الضرر أو الحرج منفيّ وغير مجعول في الإسلام.

وذلك لما حقّقنا في محلّه أنّ دليل نفي الضرر والحرج حاكم على أدلّة الأحكام الأوّليّة بالحكومة الواقعيّة في جانب المحمول. والمسألة نقّحناها في قاعدتي اللاضرر واللاحرج مفصلا.

وأمّا الآيات كقوله تعالى { إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: 28] ، وقوله تعالى {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106] وأمثال ذلك ، فلا فرق بين كون من يتقى منه من الفرق المسلمة ، أو كان من الكفّار.

وأمّا مفاد الروايات فهو مطلق من يخاف من ضرره ؛ لأنّه قد تقدّم أن التقيّة هي الوقاية ، وأصلها « وقيّة » كالوصيّة ؛ فهو الاتّقاء ، سواء كان من يتّقى منه كافرا أو مسلما.

وأمّا حكم العقل بلزوم حفظ النفس عن الهلكة ، فمعلوم أنّه لا فرق بين أنّ يكون من يخاف منه على نفسه أو عرضه أو ماله في نظر العقل من الفرق المسلمة أو الكافرة.

نعم الآيات الواردة في حكم التقيّة غالبا تكون في مورد الكفّار ، كما أنّ الأخبار الواردة في هذا الموضوع غالبا تكون في مورد الخوف من السلاطين الجائرة أو ولا تهم ، ولكن العبرة بعموم الدليل ، وخصوصيّة المورد لا توجب تخصيص الدليل ، كما‌ هو المحقّق في الأصول ، وإن كان الأحوط تخصيصها بالمخالفين ؛ لاحتمال الانصراف.

الثاني : أنّ ما ذكرنا من أنّ إتيان الواجب تقيّة موافقا لهم مجز عن الإتيان به ثانيا موافقا لما هو الحقّ ـ كما إذا صلّى متكتّفا ، أو مع المسح على الخفّين ، أو مع غسل الرجل بدل مسحها ، بدون بسم الله في القراءة وأمثال ذلك ـ إنّما يكون فيما إذا أتى بالعمل الناقص موافقا لهم.

كما إذا صلّى بأحد الوجوه المذكورة ، أو صام وأفطر قبل ذهاب الحمرة المشرقيّة أو قبل انتشارها فوق الرأس ، أو حجّ ووقف في الموقفين موافقا لهم من دون استناده إلى أمارة شرعيّة أو عقليّة هلال ذي الحجّة في يوم كذا إذا كان شاكّا ، لا أن يكون قاطعا بعدم كون الوقوف في يوم عرفة كما ذكرنا مفصّلا.

وذلك لما ذكرنا أنّه أتى بما هو المأمور به بالأمر الواقعي الثانوي ، وهو مجز ، كما حقّقنا المسألة في الأصول في مبحث الإجزاء.

وأمّا لو ترك الإتيان بالمأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي ، ولم يكن إتيان المأمور به بالأمر الواقعي الثانوي في البين ، بل صرف ترك للأوّل لأجل التقيّة ، فلا وجه للإجزاء ؛ لأنّه لم يأت بشي‌ء كي يكون مجزيا. وإفطار الإمام الصادق عليه السلام في الحيرة لأجل الخوف عن أبي العبّاس العباسي ـ الذي تقدّم ذكره ـ الظاهر أنّه من هذا القبيل ، فلا معنى لأن يكون مجزيا ، ولعلّه لأجل ذلك قال عليه السلام : « لأن أفطر يوما من رمضان فأقضيه » فالقضاء في هذا المورد لا بدّ منه ، ولا يدلّ هذا على عدم كون التقيّة مجزيا.

الثالث : أنّه لا شكّ في ثبوت موضوع التقيّة مع الخوف الشخصي ، بمعنى أنّه يخاف على نفسه أو عرضه أو ماله لو ترك الموافقة معهم ، إذ هذا هو القدر المتيقّن من أدلّة‌ التقيّة.

وأمّا لو يعلم أنّ من تركه التقيّة والموافقة معهم لا يترتّب عليه ضرر على نفسه أو ماله أو عرضه ، ولكن يوجب فعله المخالف للتقيّة معرفة المخالفين مذهب الشيعة ، وأنّهم يطعنون بعد ذلك عليهم بأنّ مذهبهم كذا وكذا.

والظاهر أنّ هذا أيضا يجب فيه التقيّة ؛ لأنّ هذا ربما يكون موجبا لورود الضرر على نفس الإمام أو على الطائفة جميعا ، ولعلّ هذا هو المراد من الإذاعة في أخبار التقيّة ، فجعل عليه السلام الإذاعة مقابل التقيّة ، وقد تقدّم في ذيل رواية عبد الله بن أبي يعفور : « اتّقوا على دينكم واحجبوه بالتقيّة » (45).

وكما في ذيل رواية حريز عن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير قول الله عزّ وجلّ {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ} [فصلت: 34] قال عليه السلام : « الحسنة التقيّة ، والإساءة الإذاعة » (46).

ويظهر من هذه الروايات أنّ حجبهم عن معرفة الأحكام المختصّة بالمذهب وسترها عنهم مطلوب. ولعلّه إلى هذا يشير قوله عليه السلام : « ليس منّا من لم يجعلها شعاره ودثاره » (47).

والحاصل أنّه يفهم من الأخبار الكثيرة أنّه ليس أمر التقيّة دائرا مدار الخوف الفعلي.

الرابع : إذا خالف التقيّة وأتى بالفعل المخالف معهم ، كما أنّه لو صلّى مرسلا من دون التكفير ، أو صلّى على التربة الحسينية، أو غير ذلك ممّا ينكرونها فهل يكون ذلك العمل باطلا ؛ لأنّه خلاف التقيّة ومنهيّ عنه ، والنهي في العبادة يوجب الفساد ، أم لا ؛ لأنّه أتى بما هو المأمور به واقعا بقصد القربة ، فحصل الامتثال والإجزاء عقلي.

وإن أثم بتركه للتقيّة ، ولكنّه خارج عن الصلاة ، فيكون من قبيل النظر إلى الأجنبيّة حال الصلاة ، حيث أنّه لا هو جزء للصلاة المأمور بها ، ولا مركّب معها تركيبا اتّحاديّا ، ولا انضماميّا ، فليس لا من باب النهي في العبادة ولا من باب الاجتماع.

والذي ينبغي أن يقال في المقام : هو أنّ ما يتحقّق به المخالفة للتقيّة ويكون مصداقا حقيقيّا للمخالفة معهم ، ليس على نسق واحد ، بل قد يكون جزءا للعبادة ، فيأتي بذلك الجزء المخالف معهم باعتبار أنّه جزء للمأمور به بالأمر الواقعي الأوّلي ، فيكون النهي متعلّقا بذلك الجزء ، فتكون العبادة المشتملة على ذلك الجزء المنهي عنه فاسدة. والمسألة محرّرة في الأصول ، وقد أوضحنا وجهه في الجزء الأوّل من كتابنا « منتهى الأصول » (48) في مسألة النهي المتعلّق بالعبادة.

وقد لا يكون كذلك ، بل يكون من قبيل إدخال ما ليس من العبادة فيها ، ويكون من قبيل التشريع المحرّم بالأدلّة الأربعة ، فيكون النهي متعلّقا بأمر خارج عن العبادة ، فلا وجه لأن يكون ترك ذلك الشي‌ء موجبا للبطلان ؛ لما قلنا من أنّه أتى بالمأمور به على وجهه ، والإجزاء عقليّ ، نعم أثم بذلك الترك وتلك المخالفة ؛ لأنّه منهيّ.

فبناء على ما ذكرنا ترك التكتّف وقول « آمين » في مورد وجوبهما تقية لا يوجب بطلان الصلاة ، وإن كان آثما بذلك الترك.

تنبيه‌ :

هذا الذي ذكرنا وتقدّم كان في الإتيان بالواجبات بل المستحبّات تقيّة ، بأن يدخل فيها ما ليس بجزء أو شرط ، أو يترك ما هو جزء أو شرط ، أو يأتي بما هو‌ مانع ، أو يأتي بكيفيّة خلافها واجب أو مستحب.

وأمّا التقيّة في مقام الإفتاء كأن يفتي المجتهد بحرمة ما ليس بحرام ، أو بوجوب ما ليس بواجب ، أو بالعكس فيهما ، أو بالنسبة إلى سائر الأحكام التكليفيّة أو الوضعيّة ، فالأمر فيها أعظم ، ولعلّ أغلب عمومات التقيّة وإطلاقاتها لا تشملها ، ومنصرفة عنها ، فلا يجوز له الإفتاء بمجرّد خوف الضرر ، كما كان له ذلك في مقام العمل ، خصوصا إذا كان المفتي ممّن يتّبعة العموم ، وخصوصا إذا كان طول حياته لا يمكن له الرجوع عن فتواه ، فيبقى هذا الحكم والفتوى الباطلة محلّ الاعتبار، ومورد عمل العموم على مرّ الدّهور.

ففي مثل هذا يجب الفرار والتخلّص عن الإفتاء بأيّ وجه ممكن. وكذا إذا كان الفتوى موجبا لتلف النفوس ، أو هتك الأعراض، ففي الأوّل لا يجوز له أن يفتي وإن كان ترك الفتوى موجبا لهلاكه وقتله.

وأمّا الأئمّة المعصومون وإن صدر منهم الفتوى بعض الأحيان على خلاف الحكم الواقعي الأوّلي ، ولكن كانوا ينبّهون الطرف بعد ذلك بأنّها كانت على خلاف الواقع إمّا لأجل حفظ نفسه عليه السلام أو لأجل حفظ نفس المستفتي. وقضيّة فتوى الإمام الكاظم عليه السلام لعليّ بن يقطين في مسألة تثليث غسلات الوضوء صريحة فيما ذكرناه (49).

والحاصل : أنّ الفتوى على خلاف ما أنزل الله للتقيّة أمره مشكل ، ويختلف كثيرا من حيث المفتي ومقبوليّة رأيه عند العموم وعدمها ، ومن حيث إمكان إخبار الناس التابعين له أنّ هذه الفتوى لم تكن حكما واقعيّا وإنّما صدرت تقيّة ، وعدم إمكانه ، ومن حيث أهميّة المفتي به ، ومن حيث كونه موجبا لهلاك الأنفس وعدمه.

ففي بعض صور المسألة لا يجوز له الإفتاء ، وإن كان يعلم أنّه يقتل لو ترك ولم‌ يفت ؛ ولذلك ترى في الأخبار الصادرة عن أهل بيت العصمة إصرارهم : بأنّ « ما خالف كتاب الله » أو قولهم : « ما خالف قول ربّنا لم نقله ، أو زخرف ، أو باطل ، أو أطرحه على الجدار » (50) وأمثال ذلك ، أو قولهم في الخبرين المتعارضين : « خذ بما خالف العامّة » (51) كلّ ذلك لأجل أن لا يتوهّم أحد أنّ كلّ ما تضمنّه الأخبار الصادرة عنهم : بصدد بيان الأحكام الواقعيّة ، بل جملة كثيرة منها أعطيت من جراب النورة حسب اصطلاحهم ، وكان الرواة الفقهاء من أصحابهم : يعرفون أنّ هذا الذي قال عليه السلام لهذا الراوي هل هو حكم واقعيّ أوّلى ، أو صدر تقيّة ؛ ولذلك كانوا يقولون للراوي بعد ما يسمعون روايته : أعطيت من جراب النورة. هذا حال التقيّة في الفتوى.

وأمّا التقيّة في الحكم مثل أن يحكم على خلاف ما أنزل الله خوفا ، فهل يجوز أم لا؟

أمّا لو كان الحكم موجبا لقتل المسلم فلا يجوز قطعا ، ففي الكافي والتهذيب : « إنّما جعلت التقيّة ليحقن بها الدم ، فإذا بلغ الدم فلا تقيّة » (52).

 

وأمّا فيما عداه ، فإن كان الضرر الذي يخاف منه هو أنّه يقتل لو لم يحكم ، فيكون حاله حال الفتوى بغير ما أنزل الله فيه.

وفيه صور كثيرة من حيث أهميّة ما يحكم به ، أو ترتّب الفساد عليه ، ففي بعضها أيضا لا يجوز قطعا ، وعلى كلّ حال المسألة مشكل جدّا ، أعاذنا الله منه ، وقد قال الله‌ عز وجل في كتابه العزيز {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: 44] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [المائدة: 45] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة: 47] .

وأمّا إن لم يكن الضرر الذي يخاف منه هو القتل ، فلا يجوز الحكم لعدم جواز دفع الضرر عن نفسه بإضرار الغير. والله ولىّ التوفيق.

والحمد لله أوّلاً وآخراً ، وظاهراً وباطناً.

______________

* « القواعد والفوائد » ج 2 ، ص 155 ـ 157 ؛ « الأقطاب الفقهيّة » ص 98 ؛ « الأصول الأصليّة والقواعد الشرعيّة » ص 317 ؛ « الرسائل الفقهيّة » ( الشيخ الأنصاري ) ص 71 ؛ « مناط الأحكام » ص 26 ؛ « أصول الاستنباط بين الكتاب والسنّة » ص 121 ؛ « القواعد » ص 93 ؛ « القواعد الفقهيّة » ( مكارم الشيرازي ) ج 1 ، ص 383 ؛ « ما وراء الفقه » ج 1 ، ص 108.

(1) « الكافي » ج 2 ، ص 217 ، باب التقيّة ، ح 1 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 459 ؛ أبواب الأمر والنهى ، باب 24 ، ح 1.

(2) « الكافي » ج 2 ، ص 217 ، باب التقيّة ، ح 2 ؛ « المحاسن » ص 259 ، ح 309 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 460 ، أبواب الأمر والنهى ، باب 24 ، ح 3.

(3) « الكافي » ج 2 ، ص 219 ، باب التقيّة ، ح 12 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 460 ، أبواب الأمر والنهى ، باب 24 ، ح 3.

(4) « الكافي » ج 2 ، ص 220 ، باب التقيّة ، ح 14 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 460 ، أبواب الأمر والنهى ، باب 24 ، ح 4.

(5) « الكافي » ج 2 ، ص 221 ، باب التقيّة ، ح 23 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 461 ، أبواب الأمر والنهى ، باب 24 ، ح 6.

(6) « الكافي » ج 2 ، ص 218 ، باب التقيّة ، ح 5 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 461 ، أبواب الأمر والنهي ، باب 24 ، ح 7.

(7) « الكافي » ج 2 ، ص 217 ، باب التقيّة ، ح 4 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 461 ، أبواب الأمر والنهي ، باب 24 ، ح 8.

(8) « الكافي » ج 2 ، ص 218 ، باب التقيّة ، ح 6 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 461 ، أبواب الأمر والنهي ، باب 24 ، ح 9.

(9) « الكافي » ج 2 ، ص 217 ، باب التقيّة ، ح 3 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 462 ، أبواب الأمر والنهي ، باب 24 ، ح 10.

(10) « الكافي » ج 2 ، ص 220 ، باب التقيّة ، ح 17 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 462 ، أبواب الأمر والنهي ، باب 24 ، ح 11.

(11) « الكافي » ج 2 ، ص 220 ، باب التقيّة ، ح 19 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 462 ، أبواب الأمر والنهى ، باب 24 ، ح 12.

(12) « المكاسب » ص 320.

(13) « منتهى الأصول » ج 1 ، ص 242.

(14) « تهذيب الأحكام » ج 1 ، ص 362 ، ح 1092 ، باب صفة الوضوء والفرض منه ، ح 22 ؛ « الاستبصار » ج 1 ، ص 76 ، ح 236 ، باب جواز التقية في المسح على الخفّين ، ح 1 ؛ « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 322 ، أبواب الوضوء ، باب 38 ، ح 5.

(15) « الكافي » ج 2 ، ص 219 ، باب التقيّة ، ح 12 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 460 ، أبواب الأمر والنهي ، باب 24 ، ح 3.

(16) « الكافي » ج 3 ، ص 32 ، باب مسح الخف ، ح 2 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ؛ ص 469 ، أبواب الأمر والنهي ، باب 25 ، ح 5.

(17) « رسائل المحقق الكركي » ج 2 ، ص 51.

(18) « الكافي » ج 2 ، ص 223 ، باب الكتمان ، ح 8 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 485 ، أبواب الأمر والنهي ، باب 32 ، ح 6.

(19) « منتهى الأصول » ج 1 ، ص 244.

(20) « الكافي » ج 2 ، ص 168 ، باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الإيمان وينقضه ، ح 1 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 469 ، أبواب الأمر والنهي ، باب 25 ، ح 6.

(21) « منتهى الأصول » ج 1 ، ص 249.

(22) « الكافي » ج 4 ، ص 83 ، باب اليوم الذي يشكّ فيه ... ، ح 7 ؛ « وسائل الشيعة » ج 7 ، ص 95 ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ، باب 57 ، ح 5.

(23) راجع : « وسائل الشيعة » ج 7 ، ص 94 ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ، باب 57 : باب جواز الإفطار للتقيّة والخوف من القتل ونحوه.

(24) « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 169 ، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، باب 2 ، ح 3 ؛ « مستدرك الوسائل » ج 17 : ص 366 ، أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ، باب 3 ، ح 4.

(25) « الكافي » ج 4 ، ص 83 ، باب اليوم الذي يشكّ فيه ... ، ح 7 ؛ « وسائل الشيعة » ج 7 ، ص 95 ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ، باب 57 ، ح 5.

(26) « تهذيب الأحكام » ج 4 ، ص 317 ، ح 966 ، باب الزيادات ، ح 34 ؛ « وسائل الشيعة » ج 7 ، ص 95 ، أبواب ما يمسك عنه الصائم ، باب 57 ، ح 6.

(27) « عوالي اللئالي » ج 1 ، ص 214 ، ح 70 ؛ وج 2 ، ص 167 ، ح 3.

(28) « الخلاصة » ص 223.

(29) « البيان » ص 48.

(30) « روض الجنان » ص 37.

(31) « مدارك الأحكام » ج 1 ، ص 231.

(32) « رسائل المحقق الكركي » ج 2 ، ص 51.

(33) « البيان » ص 48.

(34) « روض الجنان » ص 37.

(35) « تفسير العيّاشي » ج 1 ، ص 300 ، ح 54.

(36) « الكافي » ج 2 ، ص 168 ، باب فيما يوجب الحق لمن انتحل الإيمان وينقضه ، ح 1 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 469 ، أبواب الأمر والنهي ، باب 25 ، ح 6.

(37) « الفقيه » ج 1 ، ص 382 ، باب الجماعة وفضلها ، ح 1125 ؛ « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 381 ، أبواب صلاة الجماعة ، باب 5 ، ح 1.

(38) « تهذيب الأحكام » ج 3 ، ص 276 ، ح 807 ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ، ح 127 ؛ « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 427 ، أبواب صلاة الجماعة ، باب 33 ، ح 2.

(39) « مستدرك الوسائل » ج 12 ، ص 258 ، أبواب الأمر والنهي ، باب 24 ، ح 2.

(40) « فقه الرضا » ص 14 ؛ « مستدرك الوسائل » ج 6 ، ص 457 ، أبواب صلاة الجماعة ، باب 5 ، ح 3.

(41) « دعائم الإسلام » ج 1 ، ص 151 ؛ « مستدرك الوسائل » ج 6 ، ص 458 ، أبواب صلاة الجماعة ، باب 6 ، ح 1.

(42) « تهذيب الأحكام » ج 3 ، ص 269 ، ح 774 ، باب فضل المساجد والصلاة فيها ، ح 94 ؛ « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 385 ، أبواب صلاة الجماعة ، باب 6 ، ح 8.

(43) « الفقيه » ج 1 ، ص 383 ، باب الجماعة وفضلها ، ح 1128 ؛ « وسائل الشيعة » ج 5 ، ص 477 ، أبواب صلاة الجماعة ، باب 57 ، ح 1.

(44) « الكافي » ج 2 ، ص 219 ، باب التقيّة ، ح 11 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 471 ، أبواب الأمر والنهي ، باب 26 ، ح 2.

(45) « الكافي » ج 2 ، ص 218 ، باب التقيّة ، ح 5 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 461 ، أبواب الأمر والنهي ، باب 24 ، ح 7.

(46) « الكافي » ج 2 ، ص 218 ، باب التقيّة ، ح 6 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 461 ، أبواب الأمر والنهي ، باب 24 ، ح 9.

(47) « الأمالي » للطوسي ج 1 ، ص 299 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 466 ، أبواب الأمر والنهي ، باب 24 ، ح 28.

(48) « منتهى الأصول » ج 1 ، ص 411.

(49) « الإرشاد » للمفيد ص 294 ؛ « وسائل الشيعة » ج 1 ، ص 312 ، أبواب الوضوء ، باب 32 ، ح 3.

(50) راجع : « وسائل الشيعة » ج 18 ، ص 75 ، أبواب صفات القاضي ، باب 9 : باب وجوه الجمع بين الأحاديث المختلفة وكيفيّة العمل بها.

(51) « الاحتجاج » ص 195.

(52) « الكافي » ج 2 ، ص 220 ، باب التقيّة ، ح 16 ؛ « تهذيب الأحكام » ج 6 ، ص 172 ، ح 335 ، باب النوادر ، ح 13 ؛ « وسائل الشيعة » ج 11 ، ص 483 ، أبواب الأمر والنهي ، باب 31 ، ح 1 و 2.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.