ملاحظات على الهجرة السامية إلى مناطق الشرق الأدنى:

إن ما سنعدده من هجرات أو موجات للقبائل السامية إلى أنحاء الشرق الأدنى المختلفة تقتصر كما ذكرنا على تلك الهجرات التأريخية المأثورة التي دون التأريخ احداثها ونتج عنها في الغالب قيام دول وسلالات حاكمة مشهورة، مؤكدين ملاحظاتنا السابقة من أن تغلغل القبائل السامية من أطراف الجزيرة إلى مراكز الحضارات والعمران في الشرق الأدنى كان عملية مستمرة تقريباً منذ عصور ما قبل التأريخ ولا تزال مستمرة في بعض الاجزاء إلى يومنا هذا ما دامت البداوة في الوجود(1).

1. الساميون الشرقيون:

في وادي الرافدين ما بين الألفين الخامس والرابع ق.م، قامت من هؤلاء الساميين في العراق في منتصف الألف الثالث ق.م الدولة الآكدية المشهورة، نسبة إلى العاصمة آكد(2)، فأطلق اسم الآكديين واللغة الآكدية على الساميين الشرقيين، وهذه تسمية متأخرة لاحقة لوجود الساميين في العراق(3).

2. الساميون الغربيون:

اشتهر من هؤلاء الساميين الغربيين القبائل الأمورية، وهم الكنعانيون الشرقيون في وادي الرافدين وبلاد الشام والكنعانيون الغربيون ومنهم الفينيقيون في سورية وفلسطين كذلك، ما بين الألفين الثالث والثاني ق.م وسيمر بنا في كلامنا على تأريخ العراق في العصر البابلي القديم (الألف الثاني ق.م) كيف أسس الأموريون في العراق دولاً وسلالات كثيرة في فترتين من هجراتهم (4)،  كانت أولاهما في أواخر الألف الثالث ونتج عنها تحطيم أمبراطورية "أور" وإقامة عدة دويلات على أنقاضها مما سنفصل فيه القول في الفصول التالية، وأعقبتها من بعد نحو مائة عام هجرة أمورية ثانية قامت منها أيضاً عدة دويلات ومشيخات أشهرها سلالة بابل الأولى (1595 – 1894ق.م) التي اشتهرت بملكها السادس حمورابي (1750 – 1792 ق.م).

3. الآراميون:

انتشرت القبائل الآرامية في كثيرة من مناطق الهلال الخصيب ما بين القرنين الرابع عشر والثاني عشر ق.م، في بلاد الشام وبواديها وفي جزيرة ما بين النهرين (أرض ما بين النهرين العليا)، وقامت منها عدة دويلات، ولكنها دخلت في صراع مميت مع الآشوريين. وكان الضغط الآشوري في مقدمة الأسباب التي حالت دون قيام دولة كبرى من الآراميين، وسيمر بنا تفصيل العلاقات ما بين الآشوريين وبين الآراميين في القسم المخصص لتأريخ الآشوريين. وتدفقت القبائل الآرامية أيضاً إلى وادي الفرات الأعلى والأسفل وقامت منهم عدة مشيخات ودويلات، آخرها وأشهرها الدولة الكلدانية التي اشتهرت بملكها نبوخذ نصر الثاني (562 – 605 ق.م).

4- القبائل العربية: انتشرت القبائل العربية منذ الألف الأول ق.م إلى جهات ما بين النهرين، وقد أخذ اسم "عرب" يظهر في أخبار الملوك الآشوريين في حروبهم مع بعض تلك القبائل في بوادي الشام والعراق ولعله في شمالي الحجار(4).

ونذكر أيضاً القبائل النبطية في تدمر وطور سيناء وشمالي الحجاز وهي على الأكثر قبائل عربية تكلمت أو كتبت باللغة الآرامية. وهناك القبائل العربية مما قبل الإسلام ما بين القرن الثاني ق.م والقرن السادس الميلادي . وتعد الفتوح العربية منذ القرن السابع الميلادي من جملة الموجات العربية الكبرى التي نتج عنها التركيب الحالي لغالبية سكان البلاد العربية....... .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حول القبائل السامية بوجه عام ولا سيما قبائل بوادي الشام والعراق وما بين النهرين في الألف الثاني ق.م انظر:

J. R. Kupper, Les nomads en Mesopotamie au temps des rois de Mari (1957).

(2) راجع الفصل الخاص بالأكديين.

(3) راجع الفصل الخاص بالكديين.

(4) أحسن مرجع عن موضوع هجرات الأموريين إلى العراق والسلالات التي أقاموها فيها المرجع المرموز له بــ ZZB.