أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-9-2016
302
التاريخ: 10-9-2016
884
التاريخ: 10-9-2016
302
التاريخ: 10-9-2016
732
|
يعرّف التواتر عادة بأخبار جماعة يمتنع تواطؤهم على الكذب كما يمتنع اتّفاق خطئهم واشتباههم.
وهذا التعريف ـ كما أفاد السيّد الصدر رحمه الله يستبطن قياسا منطقيا مكونا من صغرى وكبرى، أما الصغرى فهي تكثّر عدد المخبرين للخبر ، وأمّا الكبرى فهي انّ هذه الكثرة من المخبرين يمتنع تواطؤهم على الكذب واتفاق اشتباههم.
وهذه الكبرى قضيّة عقليّة أوليّة ، ومن هنا اعتبروا المتواترات من القضايا الضروريّة الست ، والتي تؤدي الى قطعية النتيجة المستفادة عن القياس المشتمل على احدى هذه القضايا الست ، واذا كان هناك خلل فهو من الصغرى ، إذ وقع الخلاف فيما هي حدود الكثرة التي تقع صغرى لكبرى امتناع التواطؤ على الكذب.
فقطعية الخبر المتواتر إذن ناشئ عن يقينيّة الكبرى التي يتألّف منها القياس المنطقي وعن تكثر عدد المخبرين ، فهو إذن عين الوسيلة التي يتوسّل بها المناطقة لإثبات يقينيّة القضايا التجريبيّة، وهي أيضا من القضايا العقليّة الاوليّة الست من قضايا البرهان ، حيث يعتمد المناطقة لإثبات يقينيّة القضايا التجريبيّة على تأليف قياس منطقي صغراه اقتران حادثة بأخرى في حالات متعدّدة وكثيرة ، وكبراه هي انّ الصدفة لا تكون أكثريّة ودائميّة ، إذ انّ اتّفاق الاقتران بين الحادثتين قد يكون صدفة في المرّة الاولى والثانية إلاّ انّه الصدفة لا تتثنى ولا تتكرّر الى حد الكثرة ، ومن هنا يكون الاقتران الدائمي أو الأكثري بين الحادثتين يعبّر عن علاقة العليّة والمعلوليّة بين الحادثتين أو علاقة التلازم.
ولو لاحظتم لوجدتم انّ الكبرى التي تعتمدها القضايا المتواترة في الوصول للنتيجة القطعيّة هي عينها التي تعتمدها القضايا التجريبيّة في الوصول الى النتيجة القطعيّة ، وذلك لأنّ افتراض كذب المخبر لمصلحة شخصيّة دعته لذلك أو اشتباهه لظرف خاص قد يتفق إلاّ انّ هذا الاتفاق لا يكون أكثريا ، لأنّ معناه ان تقترن مصلحة المخبر الاول مع مصلحة المخبر الثاني وهكذا الثالث والرابع صدفه ، بحيث تكون تلك المصالح الشخصيّة مجتمعة صدفة على نقل خبر ذي مضمون واحد بالرغم من تفاوت الظروف والمشارب والأحوال ، وبهذا تثبت قطعية القضايا التجريبيّة والمتواترة.
هذا حاصل ما قرّب به المناطقة ـ أمثال ابن سنيا ـ كيفيّة إثبات قطعيّة القضايا المتواترة والتجريبيّة إلاّ انّ السيد الصدر رحمه الله لم يرتض هذه الطريقة ، وتبنّى وسيلة اخرى لإثبات قطعيّة القضايا المتواترة وعبّر عنها باليقين الموضوعي الاستقرائي الناتج عن حساب الاحتمالات ، والذي هو عبارة عن تراكم القرائن الاحتماليّة لدرجة ينشأ عن هذا التراكم اليقين الاستقرائي ، والذي هو في مقابل اليقين الرياضي ، إذ لا يبقى مع اليقين الرياضي احتمال منافاة الواقع مهما كان هذا الاحتمال ضئيلا بخلاف اليقين الاستقرائي فإنّه لا يتمكن من إلغاء احتمال المنافاة للواقع ، نعم هو يتمكن من تحجيمه وايصاله الى مستوى لا يحتفظ معه العقل البشري ، وهذا هو مبرّر اطلاق اليقين على ما ينتج من حساب الاحتمالات.
وحاصل ما أفاده السيد الصدر رحمه الله في ذلك :
انّ مسار الوصول للنتيجة القطعيّة في القضايا المتواترة ينشأ عن تراكم الاحتمالات الحاصلة من كلّ خبر ، إذ انّ كل خبر فهو يحتمل المطابقة للواقع كما يحتمل المنافاة مع الواقع بسبب انّ
اخبار المخبر قد يكون بدافع الكذب لمصلحة شخصيّة دعته لذلك أو بسبب الاشتباه إلاّ انّ احتمال الكذب والاشتباه يبدأ في التضاؤل كلّما تعدّد المخبرون للخبر ، ومعه ترتفع نسبة احتمال الصدق والمطابقة ، إذ انّ العلاقة بين الاحتمالين المتعاكسين طرديّة ، فكلّما تضاءل احتمال الكذب والاشتباه كلّما تصاعد احتمال الصدق والمطابقة ، وهذا هو معنى تراكم القرائن الاحتماليّة للصدق والمطابقة.
فتضاؤل احتمال الكذب والاشتباه ينشأ عن ضرب القيم الاحتماليّة للكذب والاشتباه في بعضها ، فلو كان احتمال الكذب والاشتباه في الخبر الاول هو 50% واحتمال الكذب والاشتباه في الخبر الثاني ـ المتّحد مضمونا مع الخبر الاول ـ هو 50% أيضا لكان قيمة الاحتمال في الخبر الاول تساوي الكسر 2 / 1 وكذلك الخبر الثاني فإنّ قيمة احتماله تساوي الكسر 2 / 1 ، فلو ضربنا قيمة كلّ من الاحتمالين في الآخر لوجدنا انّ مستوى الاحتمال للكذب والاشتباه يتضاءل هكذا
2 / 1 * 2 / 1 ـ 4 / 1 فإنّ نسبة الكسر 4 / 1 الى الواحد أقلّ كما هو واضح من نسبة الكسر 2 / 1 الى الواحد ، وهكذا ينخفض احتمال عدم المطابقة ويرتفع معه مستوى احتمال مطابقة الخبر للواقع ، إذ انّ العلاقة بين الاحتمالين ـ كما قلنا ـ طرديّة.
ولو تعدّد الخبر ذو المضمون الواحد الى أكثر من الاثنين فإنّ القيم الاحتماليّة الناشئة عن الإخبارات المتعدّدة تضرب في بعضها ، وسنجد انّ مستوى الاحتمال لعدم المطابقة يتضاءل أكثر كلما كان العدد أكبر ، فإذا بلغ العدد حدا يكون احتمال عدم المطابقة ضئيلا جدا بحيث لا يحتفظ العقل بهذا المستوى من الاحتمال لعدم المطابقة فعندئذ يكون الخبر قد بلغ حدّ التواتر.
والذي يعبّر عن انّ يقينيّة الخبر المتواتر تنشأ عن تراكم القيم الاحتماليّة ما نجده من تفاوت الحالات في الأخبار المتواترة ، بمعنى انّه لا ضابط في الخبر المتواتر من جهة عدد المخبرين، فقد يحصل اليقين من عدد قليل من المخبرين ، وقد لا يحصل من عدد أكبر ، وما ذلك إلاّ لأنّ القيمة الاحتماليّة للصدق والمطابقة في الحالة الاولى كبيرة بخلاف في الحالة الثانية ، إذ انّه عند ما تكون القيم الاحتماليّة لكلّ خبر كبيرة فإنّ حصول اليقين من تراكم الاحتمالات أسرع منه عند ما تكون القيمة الاحتماليّة لكلّ خبر ضعيفة.
وبتعبير آخر : عند ما تكون القيم الاحتماليّة لعدم المطابقة لكلّ خبر ضئيلة فإنّ الوصول الى اليقين الاستقرائي سريعة بخلافه عند ما تكون القيم الاحتماليّة لعدم المطابقة لكلّ خبر كبيرة فإنّ الوصول الى اليقين يكون أبطأ ، ولهذا نحتاج الى عدد أكبر من المخبرين.
فلو كانت قيمة الاحتمال لعدم المطابقة في كلّ خبر من الأخبار الثلاثة مثلا هي قيمة الكسر 100 / 1 فإنّ ضرب كلّ قيمة من هذه القيم الثلاثة في بعضها ينتج ضئالة الاحتمال الى حدّ لا يعتدّ العقلاء بمثل هذا المستوى من الاحتمال ، وهذا بخلاف ما لو كانت قيمة الاحتمال هي الكسر 2 / 1 فإنّ ضربها في مثلها ثلاث مرات يساوي الكسر 8 / 1 ، ومن الواضح انّ مستوى الاحتمال الناتج عن الكسر 8 / 1 مما يعتني العقلاء بمثله ، فلذلك نحتاج في تكوين التواتر الى عدد أكبر من المخبرين.
والتفاوت في القيم الاحتماليّة من حيث الضعف والقوة يخضع لمجموعة من المبرّرات تتصل تارة بحالة كلّ مخبر ، فقد يكون المخبر ثقة وقد لا يكون كذلك ، وقد يكون ضبطا وقد لا يكون كذلك. وتتّصل تارة اخرى بمضمون الخبر ، فقد يكون غريبا وقد يكون مألوفا. ويتّصل كذلك بالصياغة اللفظيّة للخبر ، فقد تكون الإخبارات متّحدة لفظا وقد تتفاوت الألفاظ مع اتّحاد المضمون وقد تكون المضامين متفاوتة إلاّ انّها متّحدة من حيث اشتمالها على خصوصيّة مشتركة.
فلو كان المخبر ثقة ضبطا وكان مضمون الخبر مألوفا ومتوقعا وكان منافيا لمذهب المخبر وكانت صياغته متحدة لفظا مع خبر المخبر الآخر فإنّ القيمة الاحتماليّة لعدم المطابقة تكون ضعيفة ، فيكون العدد الذي يحتاجه لتكوين التواتر أقل ، ويكون الوصول الى مرحلة اليقين معه أسرع.
والمتحصل ممّا ذكرناه انّ تفاوت القيم الاحتماليّة التي ينشأ عنها التفاوت في مقدار الكثرة التي نحتاجها لتكوين التواتر ناتج عن عوامل نوعيّة تتّصل تارة بالمخبر واخرى بمضمون الخبر وثالثة بصياغته.
هذا حاصل ما أفاده السيد الصدر رحمه الله ، وقد أجملناه خشية الإطالة على القارئ الكريم.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|