أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-7-2020
2344
التاريخ: 6-9-2016
1077
التاريخ: 5-9-2016
1969
التاريخ: 5-9-2016
818
|
[بعد البحث عن كبرى حجّية ظواهر الألفاظ]...تصل النوبة إلى بحث صغروي، وهو إثبات صغرى الظهور وأنّ هذا اللفظ ظاهر في هذا المعنى أو لا؟ فبأيّ شيء يثبت الظهور؟ وما هو المرجع عند الشكّ فيه؟
فنقول: للمسألة خمس صور لا بدّ من التمييز بينها والبحث عن كل منها مستقلا:
الاُولى: إذا كان الشكّ في مادّة اللغة كمادّة الكنز أو الغنيمة.
الثانية: إذا كان الشكّ في هيئة المفرد، كما إذا شككنا في معنى الطهور، فهل هي بمعنى الطاهر في نفسه والمطهّر لغيره، أو بمعنى شديد الطهارة في نفسه بمقتضى صيغة المبالغة.
الثالثة: إذا كان الشكّ في هيئة الجملة كالشكّ في الجملة الشرطيّة وأنّها هل تدلّ على العلّية المنحصرة حتّى يكون لها المفهوم أو لا؟
الرابعة: إذا كان الشكّ في وجود قرينة توجب الاختلاف في الظهور.
الخامسة: إذا كان الشكّ في قرينيّة الموجود كقرينيّة الاستثناء بألاّ للجمل السابقة فيما إذا تعقّبت الجمل المتعدّدة باستثناء واحد.
ونبدأ في الجواب بالأخيرتين ونقول:
أمّا الصورة الرابعة: فلا إشكال ولا كلام في أنّ الأصل فيها عدم وجود القرينة، إنّما الكلام في أنّ أصالة عدم القرينة هل هي أصل تعبّدي وحجّة تعبّداً، أو أنّها ترجع إلى أصالة الظهور فتكون حجّيتها من باب حجّية أصالة الظهور؟ فعلى الأوّل يكون الأصل عدم وجود قرينة في البين فيؤخذ بالمعنى الظاهر العرفي، وأمّا على الثاني فلا بدّ من ملاحظة ظهور الكلام وأنّه هل يوجب احتمال وجود القرينة إجمال اللفظ أو الظهور باق على حاله؟ فالملاك كلّه حينئذ هو الظهور اللفظي وعدمه، ولكن لا فرق بين المبنيين بالنسبة إلى هذه الصورة فإنّ النتيجة واحدة.
أمّا الصورة الخامسة: وهي ما إذا شكّ في قرينية الموجود كالإستثناء المتعقّب للعمومات المتعدّدة فهي مبنيّة على ما مرّ من النزاع آنفاً، فبناءً على كون أصالة عدم القرينة حجّة تعبّداً فلا إشكال في الأخذ بالعمومات السابقة على العام الأخير، وبناءً على أصالة الظهور يصبح الكلام مجملا وتسقط العمومات السابقة عن الحجّية لإحتفافها بما يحتمل القرينية، وبما أن بناء العقلاء استقرّ على حجّية الظواهر فقط فلا بدّ لإثبات حجّية أصالة عدم القرينة تعبّداً من دليل يدلّ عليها وإلاّ لزم الرجوع إلى أصالة الظهور لا محالة.
أمّا الصورة الثالثة: وهي الشكّ في هيئة الجملة فالمرجع فيها هو علم النحو والمعاني والبيان، ولكن بما أن عدداً كثيراً من هيئات الجمل لم يبحث عنها في هذه العلوم بحثاً كافياً لابدّ من البحث عنها في مباديء علم الاُصول، والمتداول اليوم التكلّم عنها في مباحث الألفاظ.
وأمّا الصورة الثانية: وهي الشكّ في هيئة المفردات فالمرجع فيها هو علم الصرف كالبحث عن الفرق بين اسم الفاعل واسم المفعول، أو بين اسم الفاعل والصفة المشبهة، أو الفرق بين أبواب الثلاثي المزيد.
نعم يبحث عن عدّة منها في علم الاُصول كالبحث عن المشتقّ.
بقيت الصورة الاُولى وهي الشكّ في مادّة اللغة، فالمعروف والمشهور أنّ المرجع فيها هو قول اللغوي وأنّه حجّة فيها بل ادّعى فيه إجماع العلماء، لكن خالف فيه المحقّق الخراساني (رحمه الله)وقال بعدم حجّية قول اللغوي، وسيأتي أنّ شيخنا الأعظم الأنصاري(رحمه الله) مال إلى الحجّية مع تأمّله فيها أخيراً، فعلينا أن نلاحظ الأدلّة وأنّه ما هو مقتضى الدليل؟
استدلّ للحجّية بوجوه ثلاثة:
الوجه الأوّل: إجماع العلماء (بل جميع العقلاء) على ذلك، فانّهم قديماً وحديثاً يرجعون في استعلام اللغات إلى كتب أهل اللغة، ولذلك ينقلون في الفقه أقوال اللغويين بالنسبة إلى موضوع من موضوعات الأحكام كالغنيمة والكنز حتّى من أنكر حجّية قولهم كالمحقّق الخراساني(رحمه الله)، كما يرجعون إليهم في فهم الحديث وتفسير الكتاب الكريم.
لكن يرد عليه: أنّ الإجماع هذا لا يكون كاشفاً عن قول المعصوم (عليه السلام) بما أنّه دليل تعبّدي خاصّ قبال الأدلّة الاُخرى التي استدلّوا بها في المقام لإمكان نشوئه منها فلا بدّ من الرجوع إليها.
الوجه الثاني: بناء العقلاء وسيرتهم قديماً وحديثاً وفي كلّ عصر وزمان ومكان على الرجوع إلى أهل الخبرة، وهذا أهمّ الوجوه في المقام.
لكن أُورد عليه إشكالات عديدة:
الأول: أنّ اللغوي ليس من أهل الخبرة، أي أهل الرأي والاجتهاد بالنسبة إلى تشخيص المعاني الحقيقيّة عن المعاني المجازيّة، وإن شئت قلت: ليس شأن اللغوي إلاّ بيان موارد الاستعمال لا تعيين المعنى الحقيقي من بين المعاني التي يستعمل اللفظ فيها.
ويمكن الجواب عنه: بأنّ المهم في تعيين مراد المتكلّم هو تشخيص ظهور اللفظ كما مرّ، ولا ريب في أنّ اللغوي يبيّن المعنى الظاهر للفظ سواء كان حقيقة أو مجازاً مشهوراً.
الثاني: ما اُشير إليه في بعض كلمات المحقّق النائيني (رحمه الله) من أنّه يمكن أن يكون رجوع العقلاء إلى كتب اللغويين من جهة حصول الوثوق والاطمئنان من قولهم في بعض الأحيان لا من جهة حصول الظن فقط وحجّية قولهم مطلقاً، ولا إشكال في أنّ الاطمئنان منزّل منزلة العلم أو أنّه علم عرفي فيكون حجّة(1).
قلنا: الإنصاف أنّ رجوعهم إلى أهل الخبرة ليس متوقّفاً على حصول الاطمئنان كما في الرجوع إلى قول المجتهد فإنّ المقلّد مع الإلتفات إلى اختلاف آراء الفقهاء في كثير من الموارد التي لا يحصل الإطمئنان والوثوق فيها عادةً بقول المجتهد ـ مع ذلك لا يتوقّف عن الرجوع كما أنّه كذلك في باب القضاء ورجوع القضاة إلى المتخصّصين والعارفين بالموضوعات التي هي محلّ الدعوى كالغبن والتدليس وغيرهما، مع أنّه لا يحصل لهم الاطمئنان بتشخيصهم في كثير من الأحيان.
الثالث: أنّ قول اللغوي من مصاديق خبر الواحد، وحجّيته في الموضوعات منوطة بحصول شرائط الشهادة.
أقول: إنّ اللغوي من أهل الخبرة، وحجّية أهل الخبرة لا تتوقّف على شرائط الشهادة كما في مرجع التقليد.
وإن شئت قلت: الحسّ على نوعين: حسّ دقيق، وحسّ غير دقيق، ولا ريب في أنّ الشهادة والإخبار عن حسّ دقيق تحتاج إلى التخصّص والخبرويّة نظير إخبار الطبيب وشهادته على أنّ هذا المريض كذا وكذا، وما نحن فيه من هذا القبيل لأنّ تشخيص الظهور وتعيين المتفاهم عرفاً بين المعاني والاستعمالات المتعدّدة أمر مشكل دقيق يحتاج إلى دقّة وخبرويّة، وحينئذ يرجع قول اللغوي إلى قول أهل الخبرة لا إلى الشهادة عن حسّ.
هذا ـ مضافاً إلى ما أثبتناه في القواعد الفقهيّة(2) من أنّه لا يعتبر التعدّد في الإخبار عن الموضوعات بل في غير باب القضاء يكفي خبر الواحد الثقة.
رابعها: ما ورد في تهذيب الاُصول من «أنّ مجرّد بناء العقلاء على الرجوع في هذه القرون لا يكشف عن وجوده في زمن المعصومين حتّى يستكشف من سكوته رضاهم، مثل العمل بخبر الواحد وأصالة الصحّة ... (إلى أن قال): والحاصل: أنّ موارد التمسّك ببناء العقلاء إنّما هو فيما إذا اُحرز كون بناء العقلاء بمرأى ومسمع من المعصومين (عليهم السلام) ولم يحرز رجوع الناس إلى صناعة اللغة في زمن الأئمّة بحيث كان الرجوع إليهم كالرجوع إلى الطبيب»(3).
قلنا: لا حاجة في حجّية خصوص قول اللغوي الذي هو من مصاديق كبرى بناء العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة إلى وجود خصوص هذا المصداق في زمن المعصومين (عليهم السلام) بل مجرّد وجود الكبرى في ذلك الزمان كاف، وإلاّ يلزم من ذلك عدم جواز الرجوع إلى أهل الخبرة بالنسبة إلى المصاديق المستحدثة. هذا أوّلا.
وثانياً: أنّه لا ريب في رجوع غير أهل اللسان في زمن المعصومين إلى أهل اللسان في حاجاتهم اليوميّة التي كانت مربوطة بتعيين معاني اللغات والألفاظ المتداولة في ذلك اللسان كرجوع أعجمي إلى أهل لسان العرب في تشخيص رسائل الوصايا والأوقاف وأسناد المعاملات والمراسلات العادية التي كانت مكتوبة باللغة العربيّة، وعلى الأقلّ في فهم ما يتعلّق بالقرآن والحديث في توضيحهما وتفسيرهما وتبيين مفرداتهما فلا تتوقّف إثبات إتّصال سيرة العقلاء إلى زمن المعصومين (عليهم السلام) على تدوين كتب في اللغة في ذلك الزمان ورجوع الناس إليها كذلك.
الوجه الثالث: من الأدلّة هو التمسّك بالانسداد الصغير، وهو انسداد باب العلم والعلمي في بعض الموضوعات مقابل الانسداد الكبير الذي هو عبارة عن انسداد باب العلم والعلمي بالنسب إلى معظم الأحكام، ولذا يعتمد على قول المرأة في الطهر والحيض وشبههما ممّا لا يعلم إلاّ من قبلها، كما أنّ قول من يكون وكيلا لعدّة من الأشخاص حجّة في تعيين نيّته وأنّه باع هذا المتاع مثلا من جانب أي موكّل من موكّليه لأنّ النيّة أيضاً ممّا لا يعلم إلاّ من قبله، كذلك في ما نحن فيه حيث إن الحاجة بقول اللغوي في المسائل الفقهيّة كثيرة جدّاً لأنّه (كما أفاد شيخنا الأعظم الأنصاري(رحمه الله) في رسائله) «يمكن الوصول الإجمالي إلى معاني اللغات بطريق العرف والتبادر والقواعد العربيّة المستفادة من الاستقراء القطعي واتّفاق أهل العربيّة بضميمة أصالة عدم القرينة إلاّ أنّه لا مناصّ من الرجوع إلى أهل اللغة في فهم تفاصيل المعاني وجزئياتها» كما في لفظ الكنز مثلا فنعلم إجمالا أنّه اسم لأمر مستند مخفي، ولكن هل يعتبر فيه أن يكون مستتراً تحت الأرض، أو يعمّ مثلا المخفيّ في جوف الجدار أيضاً؟
وحينئذ يأتي الإشكال الذي بيّن في الانسداد الكبير، وهو محذور جريان الاحتياط مطلقاً أو جريان البراءة مطلقاً، فالأوّل يوجب العسر والحرج واختلال النظام، والثاني يوجب تفويت المصالح الكثيرة الواقعيّة التي نعلم أنّ الشارع لا يرضى بتفويتها.
أقول: وإشكاله واضح ما لم يرجع إلى الانسداد الكبير، لأنّ الاحتياط في موارد الشكّ هنا ممكن أن لا يوجب اختلال النظام ولا العسر والحرج.
فالأولى أن يقال: إنّ المهمّ والأساس في المقام هو الدليل الثاني، أي بناء العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة، فأنّ فلسفة كثير من بناءات العقلاء في كثير من الموارد ومنها بناؤهم في الرجوع إلى الخبرة هو هذا الانسداد الصغير، ففي باب الأمارات مثلا منشأ بنائهم على حجّية قول ذي اليد وأماريتها على الملك، أو حمل فعل الناس على الصحّة كحمل فعل الوكيل في المعاملة على صحّة العقد هو الانسداد الصغير كما لا يخفى.
فمنشأ بناء العقلاء في المقام هو هذا النوع من الانسداد كما أنّ منشأ اتّفاق العلماء على الرجوع إلى أهل الخبرة أيضاً لعلّه يكون هذا المعنى، وعلى هذا الأساس يرجع الدليل الأوّل والثالث إلى الدليل الثاني.
وكان ينبغي للشيخ الأنصاري (رحمه الله) أن يتمسّك بهذا الوجه الثاني لا الوجه الأوّل والثالث
حتّى ينفي أوّلا حجّية قول اللغوي ويجيب عن استلزامه الانسداد الصغير، ثمّ يرجع أخيراً ويقبل الحجّية بنحو قوله «لعلّ» ثمّ يأمر بالتأمّل في النهاية، وإليك نصّ كلامه: «هذا ولكن الإنصاف أنّ موارد الحاجة إلى قول اللغويين أكثر من أن يحصى في تفاصيل المعاني بحيث يفهم دخول الافراد المشكوكة أو خروجها وإن كان المعنى في الجملة معلوماً من دون مراجعة قول اللغوي كما في مثل الفاظ الوطن والمفازاة والتمر والفاكهة والكنز والمعدن والغوص وغير ذلك من متعلّقات الأحكام ممّا لا يحصى وإن لم تكن الكثرة بحيث يوجب التوقّف فيها محذوراً، ولعلّ هذا المقدار مع الاتّفاقات المستفيضة كاف في المطلب فتأمّل»(4).
هذا كلّه في تعيين الظهور وتشخيصه.
________________
1. راجع فوائد الاُصول: ج3، ص142، طبع جماعة المدرّسين.
2. راجع القواعد الفقهيّة: المجلّد الثاني، ص81، الطبعة الثانية.
3. تهذيب الاُصول: ج2 ص97، طبع جماعة المدرّسين.
4. راجع هامش الرسائل: ص47، الطبع القديم.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|