المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 8200 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

حزن الزهراء على فقد أبيها (صلى الله عليه واله)
16-12-2014
اهمية التغذية الصحيحة للاغنام
29-1-2016
عدم اشتراط الطهارة من الحدثين في التلبية.
13-4-2016
هودوجراف hodograph
29-2-2020
الإطّراد علامة الحقيقة
9-9-2016
Claisen Condensation Mechanism
25-11-2019


قاعدة منجزية العلم الاجمالي  
  
1379   12:48 مساءاً   التاريخ: 4-9-2016
المؤلف : محمد باقر الصدر
الكتاب أو المصدر : دروس في علم الاصول
الجزء والصفحة : ح3 ص 51- 70.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية /

والكلام في هذه القاعدة يقع في ثلاثة امور:

الامر الاول: في اصل منجزية العلم الاجمالي ومقدار هذه المنجزية بقطع النظر عن الاصول الشرعية المؤمنة.

والامر الثاني: في جريان الاصول في جميع اطراف العلم الاجمالي وعدمه ثبوتا او اثباتا.

والامر الثالث: في جريانها في بعض الاطراف ومرجع البحث في الامرين الاخيرين إلى مدى مانعية العلم الإجمالي بذاته او بتنجيزه عن جريان الاصول بإيجاد محذور ثبوتي او اثباتي يحول دون جريانها في الاطراف كلا او بعضا. وسنبحث هذه الامور الثلاثة تباعا:

1 - منجزية العلم الاجمالي بقطع النظر عن الاصول المؤمنة الشرعية:

والبحث في اصل منجزية العلم الاجمالي انما يتجه بناء على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان، حيث ان كل شبهة من اطراف العلم مؤمن عنها بالقاعدة المذكورة فيحتاج تنجز التكليف فيها إلى منجز ولابد من البحث حينئذ عن حدود منجزية العلم الاجمالي ومدى اخراجه لأطرافه عن موضوع القاعدة. واما بناء على مسلك حق الطاعة فكل شبهة منجزة في نفسها بقطع النظر عن الاصول الشرعية المؤمنة، وينحصر البحث على هذا المسلك في الامرين الاخيرين.

وعلى اي حال فنحن نتكلم في الامر الاول على اساس افتراض قاعدة قبح العقاب بلا بيان، وعليه فلا شك في تنجيز العلم الاجمالي لمقدار الجامع بين التكليفين لانه معلوم وقد تم عليه البيان سواء قلنا بان مرد العلم الاجمالي إلى العلم بالجامع او العلم بالواقع. اما على الاول فواضح، واما على الثاني فلان الجامع معلوم ضمنا حتما وعليه يحكم العقل بتنجز الجامع، ومخالفة الجامع انما تتحقق بمخالفة كلا الطرفين لان ترك الجامع لا يكون الا بترك كلا فرديه، وهذا معنى حرمة المخالفة القطعية عقلا للتكليف المعلوم بالإجمال. وانما المهم البحث في تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية عقلا، فقد وقع الخلاف في ذلك فذهب جماعة كالمحقق النائيني والسيد الاستاذ إلى ان العلم الاجمالي لا يقتضي بحد ذاته وجوب الموافقة القطعية وتنجيز كل اطرافه مباشرة، وذهب المحقق العراقي وغيره إلى ان العلم الاجمالي يستدعي وجوب الموافقة القطعية كما يستعدي حرمة المخالفة القطعية، ويظهر من بعض هؤلاء المحققين ان المسألة مبنية على تحقيق هوية العلم الاجمالي وهل هو علم بالجامع او بالواقع؟ وعلى هذا الاساس سوف نمهد للبحث بالكلام عن هوية العلم الاجمالي والمباني المختلفة في ذلك، ثم نتكلم في مقدار التنجيز على تلك المباني.

الاتجاهات في تفسير العلم الاجمالي

ويمكن تلخيص الاتجاهات في تفسير العلم الاجمالي في ثلاثة مبان:

الاول: - المبنى القائل بان العلم الاجمالي علم تفصيلي بالجامع مقترن بشكوك تفصيلية بعدد اطراف ذلك العلم وهذا ما اختاره المحققان النائيني والاصفهاني، وهذا المبنى يشتمل على جانب ايجابي - وهو اشتمال العلم الاجمالي على العلم بالجامع - وهذا واضح بداهة.

وعلى جانب سلبي - وهو عدم تعدي العلم من الجامع - وبرهانه: انه لو فرض وجود علم يزيد على العلم بالجامع فهو اما ان يكون بلا متعلق، او يكون متعلقا بالفرد بحده الشخصي المعين، او بالفرد بحد شخصي مردد بين الحدين او الحدود. والكل باطل اما الاول فلان العلم صفة ذات الاضافة فلا يعقل فرض انكشاف بلا منكشف.

واما الثاني فلبداهة ان العالم بالإجمال لا يعلم بهذا الطرف بعينه ولا بذاك بعينه، واما الثالث فلان المردد ان اريد به مفهوم المردد فهذا جامع انتزاعي والعلم به لا يعني تعدي العلم عن الجامع. وان اريد به واقع المردد فهو مما لا يعقل ثبوته فكيف يعقل العلم به لان كل ما له ثبوت فهو متعين بحد ذاته في افق ثبوته.

الثاني: - المبنى القائل بأن العلم في مورد العلم الاجمالي يسري من الجامع إلى الحد الشخصي ولكنه ليس حدا شخصيا معينا لوضوح ان كلا من الطرفين بحده الشخصي المعين ليس معلوما بل حدا مرددا في ذاته بين الحدين. وهذا ما يظهر من صاحب الكفاية اختياره حيث ذكر في بحث الواجب التخييري من الكفاية: ان احد الاقوال فيه هو كون الواجب الواحد المردد، واشار في تعليقته على الكفاية إلى الاعتراض على ذلك بان الوجوب صفة وكيف تتعلق الصفة بالواحد المردد مع ان الموصوف لا بد ان يكون معينا في الواقع، واجاب على الاعتراض بان الواحد المردد قد يتعلق به وصف حقيقي ذو الاضافة كالعلم الاجمالي فضلا عن الوصف الاعتباري كالوجوب.

ويمكن الاعتراض عليه بان المشكلة ليست هي مجرد ان المردد كيف يكون لوصف من الاوصاف نسبة واضافة اليه، بل هي استحالة ثبوت المردد ووجوده بما هو مردد، وذلك لان العلم له متعلق بالذات وله متعلق بالعرض، ومتعلقه بالذات هو الصورة الذهنية المقومة له في افق الانكشاف، ومتعلقه بالعرض هو مقدار ما يطابق هذه الصورة من الخارج، والفرق بين المتعلقين ان الاول لا يعقل انفكاكه عن العلم حتى في موارد الخطأ بخلاف الثاني، وعليه فنحن نتسأل ما هو المتعلق بالذات للعلم في حالات العلم الاجمالي؟.

فان كان صورة حاكية عن الجامع لا عن الحدود الشخصية رجعنا إلى المبني السابق وان كان صورة للحد الشخصي ولكنها مرددة بحد ذاتها بين صورتين لحدين شخصيين فهذا مستحيل لان الصورة وجود ذهني وكل وجود متعين في صقع ثبوته وتتعين الماهية تبعا لتعين الوجود لانها حد له.

الثالث: - ما ذهب اليه المحقق العراقي من ان العلم الاجمالي يتعلق بالواقع بمعنى ان الصورة الذهنية المقومة للعلم والمتعلقة له بالذات لا تحكى عن مقدار الجامع من الخارج فقط بل تحكي عن الفرد الواقعي بحده الشخصي فالصورة شخصية ومطابقها شخصي ولكن الحكاية اجمالية فهي من قبيل رؤيتك لشبح زيد من بعيد دون ان تتبين هويته فان الرؤية هنا ليست رؤية للجامع بل للفرد ولكنها رؤية غامضة. ويمكن ان يبرهن على ذلك بان العلم في موارد العلم الاجمالي لا يمكن ان يقف على الجامع بحده لان العالم يقطع بان الجامع لا يوجد بحده في الخارج وانما يوجد ضمن حد شخصي فلابد من اضافة شئ إلى دائرة المعلوم فان كان هذا الشئ جامعا وكليا عاد نفس الكلام حتى ننتهي إلى العلم بحد شخصي ولما كان التردد في الصورة مستحيلا كما تقدم تعين ان يكون العلم متقوما بصورة شخصية معينة مطابقة للفرد الواقعي بحده ولكن حكايتها عنه اجمالية.

تخريجات وجوب الموافقة القطعية:

إذا اتضحت لديك هذه المباني المختلفة فاعلم: انه قد ربط استتباع العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية اثباتا ونفيا بهذه المباني بدعوى انه اذا قيل بالمبني الاول مثلا فالعلم الاجمالي لا يخرج عن موضوع قاعدة قبح العقاب بلا بيان المزعومة سوى الجامع لانه المعلوم فقط والجامع بحده لا يقتضي الجمع بين الاطراف بل يكفي في موافقته تطبيقه على احد افراده،

وإذا قيل بالمبنى الثالث مثلا فالعلم الاجمالي يخرج الواقع المعلوم بتمام حدوده عن موضوع البراء ة العقلية ويكون منجزا بالعلم وحيث انه محتمل في كل طرف فيحكم العقل بوجوب الموافقة القطعية للخروج عن عهدة التكليف المنجز. ولكن الصحيح هو ان المبني الثالث لا يختلف في النتيجة المقصودة في المقام عن المبنى الاول، لان الصورة العلمية الاجمالية - على الثالث - وان كانت مطابقة للواقع بحده ولكن المفروض على هذا المبنى اندماج عنصري الوضوح والاجمال في تلك الصورة معا وبذلك تميزت عن الصورة التفصيلية، وما ينكشف ويتضح للعالم انما هو المقدار الموازي لعنصر الوضوح في الصورة وهذا لا يزيد على الجامع ومن الواضح ان البراء ة العقلية انما يرتفع موضوعها بمقدار ما يوازي جانب الوضوح لا الاجمال لان الاجمال ليس بيانا، وعليه فالمنجز مقدار الجامع لا اكثر على جميع المباني المتقدمة وعليه فالعلم الاجمالي لا يقتضي بذاته وجوب الموافقة القطعية.

ويوجد تقريبان لإثبات ان العلم الاجمالي يستتبع وجوب الموافقة القطعية:

 الاول: - ما قد يظهر من بعض كلمات المحقق الاصفهاني وحاصله مركب من مقدمتين: الاولى: - ان ترك الموافقة القطعية بمخالفة احد الطرفين يعتبر مخالفة احتمالية للجامع لان الجامع ان كان موجودا ضمن ذلك الطرف فقد خولف والا فلا. والثانية: ان المخالفة الاحتمالية للتكليف المنجز غير جائزة عقلا لأنها مساوقة لاحتمال المعصية وحيث ان الجامع منجز بالعلم الاجمالي فلا تجوز مخالفته الاحتمالية. ويندفع هذا التقريب بمنع المقدمة الاولى فان الجامع اذا لوحظ فيه مقدار الجامع بحده فقط لم تكن مخالفة احد الطرفين مع موافقة الطرف الآخر مخالفة احتمالية له لان الجامع بحده لا يقتضي اكثر من التطبيق على احد الفردين والمفروض ان العلم واقف على الجامع بحده وان التنجز تابع لمقدار العلم فلا مخالفة احتمالية للمقدار المنجز اصلا.

الثاني: - ما ذهبت اليه مدرسة المحقق النائيني (قدس الله روحه) فانها مع اعترافها بان العلم الاجمالي لا يستدعي وجوب الموافقة القطعية بصورة مباشرة لانه لا ينجز ازيد من الجامع. قامت بمحاولة لإثبات استتباع العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية بصورة غير مباشرة وهذه المحاولة يمكن تحليلها ضمن الفقرات التالية.

اولا: - ان العلم الاجمالي يستدعي حرمة المخالفة القطعية.

ثانيا: - يترتب على ذلك عدم امكان جريان الاصول المؤمنة في جميع الاطراف لانه يستوجب الترخيص في المخالفة القطعية.

ثالثا: - يترتب على ذلك ان الاصول المذكورة تتعارض فلا تجري في اي طرف لان جريانها في طرف دون آخر ترجيح بلا مرجح وجريانها في الكل غير ممكن.

رابعا: - ينتج من كل ذلك ان احتمال التكليف في كل طرف يبقى بدون اصل مؤمن، وكل احتمال للتكليف بدون مؤمن يكون منجزا للتكليف، فتجب عقلا موافقة التكليف المحتمل، في كل طرف باعتبار تنجزه لا باعتبار وجوب الموافقة القطعية للعام الاجمالي بعنوانها.

والتحقيق: ان المقصود بتعارض الاصول المؤمنة في الفقرة الثالثة ان كان تعارض الاصول بما فيها قاعدة قبح العقاب بلا بيان على اساس ان جريانها في كل من الطرفين غير ممكن وفي احدهما خاصة ترجيح بلا مرجح.

فهذا غير صحيح لان هذه القاعدة نجريها ابتداء فيما زاد على الجامع.

وبعبارة اخرى: اننا عندما نعلم اجمالا بوجوب الظهر او وجوب الجمعة يكون كل من الوجوبين بما هو وجوب لهذا الفعل او لذاك بالخصوص موردا للبراء ة العقلية وبما هو وجوب مضاف إلى الجامع خارجا عن مورد البراء ة فيتنجز الوجوب بمقدار اضافته إلى الجامع لان هذا هو المقدار الذي تم عليه البيان ويؤمن عنه بما هو مضاف إلى الفرد، وهذا التبعيض في تطبيق البراء ة العقلية معقول وصحيح بينما لا يطرد في البراء ة الشرعية لانها مفاد دليل لفظي وتابعة لمقادر ظهوره العرفي وظهوره العرفي لا يساعد على ذلك. وان كان المقصود التعارض بين الاصول المؤمنة الشرعية، خاصة فهو صحيح ولكن كيف يرتب على ذلك تنجز التكليف بالاحتمال مع ان الاحتمال مؤمن عنه بالبراء ة العقلية على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان.

وصفوة القول انه على هذا المسلك لا موجب لافتراض التعارض في البراء ة العقلية بل لا معنى لذلك إذ لا يعقل التعارض بين حكمين عقليين فان كان ملاك حكم العقل وهو عدم البيان تاما في كل من الطرفين. استحال التصادم بين البراء تين، والا لم تجر البراء ة لعدم المقتضي لا للتعارض.

وهكذا يتضح انه على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا يمكن تبرير وجوب الموافقة القطعية للعلم الاجمالي وهذا بنفسه من المنبهات إلى بطلان القاعدة المذكورة نعم إذا نشأ العلم الاجمالي من شبهة موضوعية تردد فيها مصداق قيد من القيود المأخوذة في الواجب بين فردين وجبت الموافقة القطعية حتى على المسلك المذكور، كما اذا وجب اكرام العالم وتردد العالم بين زيد وخالد فان كون الاكرام اكراما للعالم قيد للواجب فيكون تحت الامر وداخلا في العهدة ويشك في تحققه خارجا بالاقتصاد على اكرام احد الفردين، ومقتضى قاعدة ان الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني وجوب الاحتياط حينئذ. هذا كله فيما يتعلق بالأمر الاول.

2 - جريان الاصول في جميع الاطراف وعدمه:

واما الامر الثاني وهو في جريان الاصول الشرعية في جميع اطراف العلم الاجمالي فقد تقدم الكلام عن ذلك بلحاظ مقام الثبوت ومقام الاثبات معا في مباحث القطع، واتضح: ان المشهور بين الاصوليين استحالة جريان الاصول في جميع الاطراف لأدائه إلى الترخيص في المعصية للمقدار المعلوم اي في المخالفة القطعية، وأن الصحيح هو امكان جريانها في جميع الاطراف عقلا غير ان ذلك ليس عقلائيا. ومن هنا كان الارتكاز العقلائي موجبا لانصراف ادلة الاصول عن الشمول لجميع الاطراف.

وينبغي ان يعلم: ان ذلك انما هو بالنسبة إلى الاصول الشرعية المؤمنة، واما الاصول الشرعية المنجزة للتكليف فلا محذور ثبوتا ولا اثباتا في جريانها في كل اطراف العلم الاجمالي بالتكليف اذا كان كل طرف موردا لها في نفسه، حتى ولو كان المكلف يعلم بعدم ثبوت اكثر من تكليف واحد كما إذا علم بوجود نجس واحد فقط في الاناء ات المعلومة نجاستها سابقا فيجري استصحاب النجاسة في كل واحد منها. ومنه يعلم انه لو لم تكن النجاسة الفعلية معلومة اصلا امكن ايضا اجراء استصحاب النجاسة في كل اناء ما دامت اركانه تامة فيه، ولا ينافي ذلك العلم اجمالا بطهارة بعض الاواني وارتفاع النجاسة عنها واقعا لان المنافاة اما ان تكون بلحاظ محذور ثبوتي بدعوى المنافاة بين الاصول المنجزة للتكليف والحكم الترخيصي المعلوم بالإجمال. او بلحاظ محذور اثباتي وقصور في اطلاق دليل الاصل.

اما الاول فقد يقرب بوقوع المنافاة بين الإلزامات الظاهرية والترخيص الواقعي الثابت في مورد بعضها على سبيل الاجمال جزما. والجواب: ان المنافاة بينها وبين الترخيص الواقعي ان كانت بملاك التضاد بين الحكمين فيندفع بعدم التضاد ما دام احدهما ظاهريا والآخر واقعيا، وان كانت بملاك ما يستتبعان من تحرك او اطلاق عنان فمن الواضح ان الترخيص المعلوم اجمالا لا يستتبع اطلاق العنان الفعلي لعدم تعين مورده فلا ينافي الاصول المنجزة في مقام العمل.

واما الثاني: فقد يقرب بقصور في دليل الاستصحاب بدعوى انه كما ينهي عن نقض اليقين بالشك كذلك يأمر بنقض اليقين باليقين والاول يستدعي اجراء الاستصحاب في تمام الاطراف والثاني يستدعي نفي جريانها جميعا في وقت واحد لان رفع اليد عن الحالة السابقة في بعض الاناء ات نقض لليقين باليقين.

والجواب اولا: ان هذا انما يوجب الاجمال في ما اشتمل من روايات الاستصحاب على الامر والنهي معا لا فيما اختص مفادة بالنهي فقط. وثانيا: ان ظاهر الامر بنقض اليقين باليقين ان يكون اليقين الناقض متعلقا بعين ما تعلق به اليقين المنقوض وهذا غير حاصل في المقام لان اليقين المدعي كونه ناقضا هو العلم الاجمالي بالحكم الترخيصي ومصبه ليس متحدا مع مصب اي واحد من العلوم التفصيلية المتعلقة بالحالات السابقة للاناءات.

وعليه فالأصول المنجزة والمثبتة للتكليف لا بأس بجريانها حتى مع العلم اجمالا بمخالفة بعضها للواقع. وهذا معنى قولهم: ان الاصول العملية تجري في اطراف العلم الإجمالي اذا لم يلزم من جريانها مخالفة عملية لتكليف معلوم بالإجمال.

3 - جريان الاصول في بعض الاطراف وعدمه:

واما الامر الثالث: فهو في جريان الاصول الشرعية المؤمنة في بعض اطراف العلم الاجمالي، والكلام عن ذلك يقع في مقامين ثبوتي واثباتي: اما الثبوتي فنبحث فيه عن امكان جريان الاصول المؤمنة في بعض الاطراف ثبوتا وعدمه، ومن الواضح انه على مسلكنا القائل بإمكان جريان الاصول في جميع الاطراف، لا مجال لهذا البحث اذ لا معنى لافتراض محذور ثبوتي في جريانها في بعض الاطراف.

واما على مسلك القائلين باستحالة جريان الاصول في جميع الاطراف فكذلك ينبغي ان نستثني من هذا البحث القائلين بان العلم الاجمالي لا يستدعي وجوب الموافقة القطعية مباشرة، فانه على قولهم هذا لا ينبغي ان يتوهم امتناع جريان الاصل المؤمن في بعض الاطراف اذ يكون من الواضح عدم منافاته للعلم الاجمالي، واما القائلون بان العلم الاجمالي يستدعي بذاته وجوب الموافقة القطعية فيصح البحث على اساس قولهم، لان جريان الاصل المؤمن في بعض الاطراف يرخص في ترك الموافقة القطعية فلا بد من النظر في امكان ذلك وامتناعه، ومرد البحث في ذلك إلى النزاع في ان العلم الاجمالي هل يستدعي عقلا وجوب الموافقة القطعية استدعاء منجزا على نحو استدعاء العلة لمعلولها او استدعاء معلقا على عدم ورود الترخيص الشرعي على نحو استدعاء المقتضي لما يقتضيه فان فعليته منوطة بعدم وجود المانع.

فعلى الاول يستحيل اجراء الاصل المؤمن في بعض الاطراف لانه ينافي حكم العقل الثابت بوجوب الموافقة القطعية، وعلى الثاني يمكن اجراؤه إذ يكون الاصل مانعا عن فعلية حكم العقل ورافعا لموضوعه. وعلى هذا الاساس وجد اتجاهان بين القائلين باستدعاء العلم بالإجمالي لوجوب الموافقة القطعية: احدهما: القول بالاستدعاء على نحو العلية وذهب اليه جماعة منهم المحقق العراقي. والآخر: القول بالاستدعاء على نحو الاقتضاء وذهب اليه جماعة منهم المحقق النائيني على ما هو المنقول عنه في فوائد الاصول.

وقد ذكر المحقق العراقي (رحمه الله) في تقريب العلية: انه لا شك في كون العلم منجزا لمعلومه على نحو العلية فاذا ضممنا إلى ذلك ان المعلوم بالعلم الاجمالي هو الواقع لا مجرد الجامع، ثبت ان الواقع منجز على نحو العلية ومعه يستحيل الترخيص في اي واحد من الطرفين لاحتمال كونه هو الواقع وبكلمة اخرى: ان المعلوم بالعلم الاجمالي ان كان هو الجامع فلا مقتضي لوجوب الموافقة القطعية اصلا وان كان هو الواقع فلا بد من افتراض تنجزه على نحو العلية لان هذا شأن كل معلوم مع العلم.

واعترض عليه المحقق النائيني (رحمه الله) بان العلم الاجمالي ليس اشد تأثيرا من العلم التفصيلي والعلم التفصيلي نفسه يعقل الترخيص في المخالفة الاحتمالية لمعلومه كما في قاعدتي الفراغ والتجاوز، وهذا يعني عدم كونه علة لوجوب الموافقة القطعية فكذلك العلم الاجمالي.

 

وأجاب المحقق العراقي على هذا الاعتراض بان قاعدة الفراغ وامثالها ليست ترخيصا في ترك الموافقة القطعية لتكون منافية لافتراض علية العلم لوجوبها بل هي إحراز تعبدي للموافقة، اي موافقة قطعية تعبدية، وافتراض العلية يعني علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية وجدانا او تعبدا.

وبهذا يظهر الفرق بين اجراء قاعدة الفراغ واجراء إصالة البراء ة في احد طرفي العلم الاجمالي فان الاول لا ينافي العلية بخلاف الثاني.

والتحقيق: ان قاعدة الفراغ واصالة البراء ة وان كانتا مختلفتين في لسانيهما الا ان هذا مجرد اختلاف في اللسان والصياغة واما واقعهما وروحهما فواحد لان كلا منهما نتيجة لتقديم الاغراض الترخيصية على الاغراض اللزومية عند الاختلاط في مقام الحفظ، غير ان هذا التقديم تارة يكون بلسان الترخيص واخرى بلسان الاكتفاء بالموافقة الاحتمالية وافتراضها موافقة كاملة فلا معنى للقول بان احد اللسانين ممتنع دون الآخر.

والصحيح: هو عدم علية العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعية لان الترخيص الظاهري في بعض الاطراف له نفس الحيثيات المصححة لجعل الحكم الظاهري في سائر الموارد، هذا كله بحسب مفاد الثبوت.

واما بحسب مقام الاثبات فقد يقال: ان ادلة الاصول قاصرة عن إثبات جريان الاصل في بعض الاطراف لان جريانه في البعض ضمن جريانه في كل الاطراف باطل، لاننا فرغنا عن عدم جواز الترخيص في المخالفة القطعية، وجريانه في البعض المعين دون البعض الآخر ترجيح بلا مرجح، لان نسبة دليل الاصل إلى كل من الطرفين على نحو واحد وجريانه في البعض المردد غير معقول إذ لا معنى للمردد.

وبكلمة اخرى: انه بعد العلم بعدم جريان الاصل في كل الاطراف في وقت واحد يحصل التعارض بين اطلاق دليل الاصل لكل طرف واطلاقه لسائر الاطراف ومقتضى التعارض التساقط.

وهناك اعتراض مشهور يوجه إلى هذا البرهان، وحاصله: ان المحذور الناجم عن جريان الاصول في كل الاطراف هو الترخيص في المخالفة القطعية، وهذا المحذور انما ينشأ من اجراء الاصل في كل من الطرفين مطلقا اي سواء ارتكب المكلف الطرف الآخر او اجتنبه، واذا الغينا اطلاق الاصل في كل منهما لحالة ارتكاب الآخر انتج اثبات ترخيصين مشروطين وكل منهما منوط بترك الآخر ومثل هذا لا يؤدي إلى الترخيص في المخالفة القطعية، ويعني ذلك ان المحذور يندفع برفع اليد عن اطلاق الاصل في كل طرف ولا يتوقف دفعه على الغاء الاصل رأسا. ولا شك في ان رفع اليد عن شئ من مفاد الدليل لا يجوز الا لضرورة، والضرورة تقدر بقدرها فلماذا لا نجري الاصل في كل من الطرفين ولكن مقيدا بترك الآخر.

وقد اجيب على هذا الاعتراض بوجوه: الاول: - ما ذكره السيد الاستاذ من ان الجمع بين الترخيصين المشروطين المذكورين وان كان لا يؤدي إلى الترخيص في المخالفة القطعية ولكنه يؤدي إلى الترخيص القطعي في المخالفة الواقعية وذلك فيما اذا ترك الطرفين معا وهو مستحيل.

ويرد عليه: ان الحكم الظاهري في نفسه ليس مستحيلا وانما يمتنع اذا كان منافيا للحكم الواقعي والمفروض عدم المنافاة بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي لا بلحاظ نفسه ولا بلحاظ مبادئه، فلم يبق الا التنافي بلحاظ عالم الامتثال، وقد فرضنا هنا ان حكم العقل بوجوب الموافقة القطعية قابل للرفع بالترخيص الشرعي على خلافه فلم يبق هناك تناف بين الترخيص القطعي في المخالفة الواقعية، والتكليف المعلوم بالإجمال في اي مرحلة من المراحل. هذا على ان بالإمكان تصوير الترخيصات المشروطة على نحو لا يمكن ان تصبح كلها فعلية في وقت واحد ليلزم الترخيص القطعي في المخالفة الواقعية وذلك بان تفترض اطراف العلم الاجمالي ثلاثية ويفترض ان الترخيص في كل طرف مقيد بترك احد بديليه وارتكاب الآخر.

الثاني: - ما ذكره السيد الاستاذ ايضا من انه إذا اريد اجراء الاصل مقيدا في كل طرف فهناك اوجه عديدة للتقييد فقد يجري الاصل في كل طرف مقيدا بترك الآخر او بان يكون قبل الآخر او بان يكون بعد الآخر فأي مرجح لتقييد على تقييد؟ ويرد عليه: ان التقييد انما يراد لإلغاء الحالة التي لها حالة معارضة في دليل الاصل وابقاء الحالة التي لا معارض لها من حالات الطرف الآخر، والحالة التي لا معارض لها كذلك هي حالة ترك الطرف الآخر واما حالة كونه قبل الآخر مثلا فجريان الاصل فيها يعارض جريانه في الآخر حالة كونه بعد صاحبه.

الثالث: - ما ذكره ايضا من ان لدليل الاصل اطلاقا افراديا لهذا الطرف ولذاك واطلاقا أحواليا في كل من الفردين لحالة ترك الآخر وفعله، والمحذور كما يندفع برفع اليد عن الاطلاقين الأحواليين معا، كذلك يندفع برفع اليد عن الاطلاق الافرادي والأحوالي في احد الطرفين خاصة، فاي مرجح لاحد الدفعين على الآخر؟.

ويرد عليه: ان المرجح هو ان ما يبقى تحت دليل الاصل بموجب الدفع الاول للمحذور ليس له معارض اصلا، وما يبقى تحته بموجب الدفع الآخر الذي يقترحه. له معارض.

الرابع: - ان الحكم الظاهري يجب ان يكون محتمل المطابقة للحكم الواقعي والترخيص المشروط ليس كذلك لان ما هو ثابت في الواقع اما الحرمة المطلقة واما الترخيص المطلق.

ويرد عليه: انه لا برهان على اشتراط ذلك في الحكم الظاهري وانما يشترط فيه امران احدهما ان يكون الحكم الواقعي مشكوكا والآخر ان يكون الحكم الظاهري صالحا لتنجيزه او التعذير عنه.

الخامس: - وهو التحقيق في الجواب وحاصله ان مفاد دليل الترخيص الظاهري ومدلوله التصديقي هو ابراز عدم اهتمام المولى بالتحفظ على الغرض اللزومي، ومعنى افتراض ترخيصين مشروطين كذلك ان عدم اهتمام المولى بالتحفظ على الغرض اللزومي في كل طرف منوط بترك الاخر، وانه في حالة تركهما معا لا اهتمام له بالتحفظ على الغرض اللزومي المعلوم اجمالا.

وكل هذا لا محصل له لان المعقول انما هو ثبوت مرتبة ناقصة من الاهتمام للمولى تقتضي التحفظ الإحتمالي على الواقع المعلوم بالإجمال، واستفادة ذلك من الترخيصين المشروطين المراد اثباتهما بإطلاق دليل الاصل، لا يمكن الا بالتأويل وارجاعهما إلى الترخيص في الجامع اي في احدهما، وهذه العناية لا يفي بها اطلاق دليل الاصل.

وفي ضوء ما تقدم قد يقال: انه لا تبقى ثمرة بين القول بالعلية والقول بالاقتضاء إذ على كل حال لا يجري الاصل المؤمن في بعض الاطراف ولكن سيظهر فيما يأتي تحقق الثمرة في بعض الحالات: جريان الاصل في بعض الاطراف بلا معارض: اتضح مما سبق ان دليل الاصل لا يفي لإثبات جريان الاصل المؤمن في بعض الاطراف وذلك بسبب المعارضة ولكن قد تستثني من ذلك عدة حالات: منها: ما اذا كان في احد طرفي العلم الاجمالي اصل واحد مؤمن وفي الطرف الآخر اصلان طوليان، ونقصد بالأصلين الطوليين ان يكون احدهما حاكما على الآخر ورافعا لموضوعه تعبدا.

ومثال ذلك: ان يعلم اجمالا بنجاسة اناء مردد بين اناء ين احدهما مجرى لأصالة الطهارة فقط، والآخر مجرى لاستصحاب الطهارة واصالتها معا بناء على ان الاستصحاب حاكم على اصالة الطهارة، فقد يقال في مثل ذلك: ان اصالة الطهارة في الطرف الاول تعارض استصحاب الطهارة في الطرف الثاني ولا تدخل اصالة الطهارة للطرف الثاني في هذا التعارض لانها متأخرة رتبة عن الاستصحاب ومتوقفة على عدمه فكيف تقع طرفا للمعارضة في مرتبته؟ وبكلمة اخرى ان المقتضى لها اثباتا لا يتم الا بعد سقوط الاصل الحاكم وهو الاستصحاب والسقوط نتيجة المعارضة بينه وبين اصالة الطهارة في الطرف الاول، واذا كان الاصل متفرعا في اقتضائه للجريان على المعارضة فكيف يكون طرفا فيها؟ وإذا استحال ان يكون طرفا في تلك المعارضة سقط المتعارضان اولا وجرى الاصل الطولي بلا معارض.

ومنها: ما إذا كان دليل الاصل شاملا لكلا طرفي العلم الاجمالي بذاته وتوفر دليل اصل آخر لا يشمل الا احد الطرفين، ومثال ذلك: ان يكون كل من الطرفين موردا للاستصحاب المؤمن وكان احدهما خاصة موردا لأصالة الطهارة، ففي مثل ذلك يتعارض الاستصحابان ويتساقطان وتجري اصالة الطهارة بدون معارض سواء قلنا بالطولية بين الاستصحاب واصالة الطهارة او بالعرضية، وذلك لان اصالة الطهارة في طرفها لا يوجد ما يصلح لمعارضتها لا من دليل اصالة الطهارة نفسها، ولا من دليل الاستصحاب، اما الاول فلان دليل اصالة الطهارة لا يشمل الطرف الآخر بحسب الفرض ليتعارض الاصلان، واما الثاني فلان دليل الاستصحاب مبتلى بالتعارض في داخله بين استصحابين والتعارض الداخلي في الدليل يوجب اجماله والمجمل لا يصلح ان يعارض غيره.

ومنها: ان يكون الاصل المؤمن في احد الطرفين مبتلى في نفس مورده بأصل معارض منجز دون الاصل في الطرف الآخر، ومثاله ان يعلم اجمالا بنجاسة احد اناء ين وكل منهما مجرى لاستصحاب الطهارة في نفسه، غير ان احدهما مجرى لاستصحاب النجاسة ايضا لتوارد الحالتين عليه مع عدم العلم بالمتقدم والمتأخر منهما، فقد يقال حينئذ بجريان استصحاب الطهارة في الطرف الآخر بلا معارض لان استصحاب الطهارة الآخر ساقط بالمعارضة في نفس مورده باستصحاب النجاسة وقد يقال في مقابل ذلك بان التعارض يكون ثلاثيا فاستصحاب الطهارة المبتلى يعارض استصحابين في وقت واحد، وتحقيق الحال متروك إلى مستوى اعمق من البحث.

وإذا صح جريان الاصل بلا معارض في هذه الحالات كان ذلك تعبيرا عمليا عن الثمرة بين القول بالعلية والقول بالاقتضاء.

وقد تلخص مما تقدم ان العلم الاجمالي يستدعي حرمة المخالفة القطعية وانه كلما تعارضت الاصول الشرعية المؤمنة في اطرافه، وتساقطت حكم العقل بوجوب الموافقة القطعية، لتنجز الاحتمال في كل شبهة بعد بقائها بلا مؤمن شرعي وفقا لمسلك حق الطاعة، وحيث ان تعارض الاصول يستند إلى العلم الاجمالي، فيعتبر تنجز جميع الاطراف من اثار نفس العلم الاجمالي. ولا فرق في منجزية العلم الاجمالي بين ان يكون المعلوم تكليفا من نوع واحد او تكليفا من نوعين كما إذا علم بوجوب شئ او حرمة الآخر. كما لا فرق ايضا بين ان يكون المعلوم نفس التكليف او موضوع التكليف لان العلم بموضوع التكليف اجمالا يساوق العلم الاجمالي بالتكليف. ولكن على شرط ان يكون المعلوم بالإجمال تمام الموضوع للتكليف الشرعي واما إذا كان جزء الموضوع للتكليف على كل تقدير او على بعض التقادير فلا يكون العلم منجزا لانه لا يساوق حينئذ العلم الاجمالي بالتكليف.

ومن هنا لا يكون العلم الاجمالي بنجاسة احدى قطعتين من الحديد منجزا خلافا للعلم الاجمالي بنجاسة احد ماء ين او ثوبين، اما الاول فلان نجاسة قطعة الحديد ليست تمام الموضوع لتكليف شرعي بل هي جزء موضوع لوجوب الاجتناب عن الماء مثلا والجزء الآخر ملاقاة الماء للقطعة الحديدية والمفروض عدم العلم بالجزء الآخر.

واما الثاني فلان نجاسة الماء تمام الموضوع لحرمة شربه، ومثل الاول العلم الاجمالي بنجاسة قطعة حديدية او نجاسة الماء لان المعلوم هنا جزء الموضوع على احد التقديرين، والضابط العام للتنجيز ان يكون العلم الاجمالي مساوقا للعلم الاجمالي بالتكليف الفعلي وكلما لم يكن العلم الاجمالي كذلك فلا ينجز وتجري الاصول المؤمنة في مورده بقدر الحاجة، ففي مثال العلم بنجاسة قطعة الحديد او الماء تجري اصالة الطهارة في الماء ولا تعارضها اصالة الطهارة في الحديد إذ لا اثر عملي لنجاسته فعلا.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.