أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-7-2020
1065
التاريخ: 1-9-2016
982
التاريخ: 15-7-2020
1222
التاريخ: 1-9-2016
1003
|
الدليل المحرز...أما دليل شرعي لفظي او دليل شرعي غير لفظي او دليل عقلي، والدليل العقلي لا يكون حجة إلا إذا كان قطعيا، وأما الدليل الشرعي بقسميه فقد يكون قطعيا وقد لا يكون قطعيا مع كونه حجة.
فاذا تعارض الدليل العقلي مع دليل ما فان كان الدليل العقلي قطعيا قدم على معارضه على أي حال، لانه يقتضي القطع بخطأ المعارض وكل دليل يقطع بخطأه يسقط عن الحجية، وان كان الدليل العقلي غير قطعي، فهو ليس حجة في نفسه لكي يعارض ما هو حجة من الادلة الاخرى.
وإذا تعارض دليلان شرعيان فتارة يكونان لفظيين معا، واخرى يكون احدهما لفظيا دون الآخر، وثالثة يكونان معا من الادلة الشرعية غير اللفظية، والمهم في المقام الحالة الاولى لأنها الحالة التي يدخل ضمنها جل موارد التعارض التي يواجهها الفقيه في الفقه وسنقصر حديثنا عليها فنقول أن التعارض بين دليلين شرعيين لفظيين عبارة عن التنافي بين مدلولي الدليلين على نحو يعلم بان المدلولين لا يمكن أن يكونا ثابتين في الواقع معا ولأجل تحديد مركز هذا التنافي نقدم مقدمتين: الاولى: يجب أن نستذكر فيها ما تقدم من ان الحكم ينحل إلى جعل ومجعول، وان الجعل ثابت بتشريع المولى للحكم وأن المجعول لا يثبت الا عند تحقق موضوعه وقيوده خارجا، ومن الواضح ان الدليل الشرعي اللفظي متكفل لبيان الجعل لا لبيان المجعول، لان المجعول يختلف من فرد إلى آخر فهو موجود في حق هذا وغير موجود في حق ذاك لتواجد القيود، فقوله مثلا: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] ، مدلوله جعل وجوب الحج على المستطيع لا تحقق الوجوب المجعول، لان هذا تابع لوجود الاستطاعة، ولا نظر للمولى إلى ذلك، فمدلول الدليل دائما هو الجعل لا المجعول.
والثانية: أن التنافي قد يكون بين جعلين وقد يكون بين مجعولين مع عدم التنافي بين الجعلين، ومثال الاول جعل وجوب الحج على المستطيع وجعل حرمة الحج على المستطيع. فان التنافي هنا بين الجعلين، لان الاحكام التكليفية متضادة كما تقدم، ومثال الثاني جعل وجوب الوضوء على الواجد للماء وجعل وجوب التيمم على الفاقد له، فان الجعلين هنا لا تنافي بينهما إذ يمكن صدورهما معا من الشارع، ولكن المجعولين لا يمكن فعليتهما معا لان المكلف ان كان واجدا للماء ثبت المجعول الاول عليه والا ثبت المجعول الثاني ولا يمكن ثبوت المجعولين معا على مكلف واحد في حالة واحدة.
وقد لا يوجد تناف بين الجعلين ولا بين المجعولين، ولكن التنافي في مرحلة امتثال الحكمين المجعولين بمعنى أنه لا يمكن إمتثالهما معا، وذلك كما في حالات الامرين بالضدين على وجه الترتب بنحو يكون الامر بكل من الضدين مثلا مقيد بترك الضد الاخر، فان بالإمكان صدور جعلين لهذين الامرين معا، كما ان بالإمكان ان يصبح مجعولاهما فعليين معا وذلك فيما اذا ترك المكلف كلا الضدين فيكون كل من المجعولين ثابتا لتحقق قيده، ولكن التنافي واقع بين امتثاليهما إذ لا يمكن للمكلف ان يمتثلهما معا، ويتلخص من ذلك أن التنافي وعدم امكان الاجتماع تارة بين نفس الجعلين، واخرى بين المجعولين، وثالثة بين الامتثالين.
وإذا اتضحت هاتان المقدمتان فنقول: اذا ورد دليلان على حكمين وحصل التنافي، فان كان التنافي بين الجعلين لهذين الحكمين فهو تناف بين مدلولي الدليلين لما عرفت في المقدمة الاولى من ان مدلول الدليل هو الجعل ويتحقق التعارض بين الدليلين حينئذ لان كلا منهما ينفي مدلول الدليل الآخر، وان لم يكن هناك تناف بين الجعلين، بل كان بين المجعولين او بين الامتثالين، فلا يرتبط هذا التنافي بمدلول الدليل لما عرفت من أن فعلية المجعول - فضلا عن مقام امتثاله - ليست مدلولة للدليل، فلا يحصل التعارض بين الدليلين لعدم التنافي بين مدلوليهما، وتسمى حالات التنافي بين المجعولين مع عدم التنافي بين الجعلين بالورود ويعبر عن الدليل الذي يكون المجعول فيه نافيا لموضوع المجعول في الدليل الآخر بالدليل الوارد ويعبر عن الدليل الآخر بالمورود.
وينبغي ان يعلم ان مصطلح الورود لا يختص بما اذا كان احد الدليلين نافيا لموضوع الحكم في الآخر، بل ينطبق على ما اذا كان موجدا لفرد من موضوع الحكم في الدليل الآخر. ومثاله: دليل حجية الامارة بالنسبة إلى دليل جواز الافتاء بحجة فان الاول يحقق فردا من موضوع الدليل الثاني.
وتسمى حالات التنافي بين الامتثالين مع عدم التنافي بين الجعلين والمجعولين بالتزاحم، ومن هنا نعرف ان حالات الورود وحالات التزاحم خارجة عن نطاق التعارض بين الادلة، ولا ينطبق عليها احكام هذا التعارض، بل حالات الورود يتقدم فيها الوارد على المورود دائما، وحالات التزاحم يتقدم فيها الاهم على الاقل أهمية كما تقدم في مباحث الدليل العقلي.
ويتلخص من ذلك كله ان التعارض بين الدليلين هو التنافي بين مدلولي هذين الدليلين الحاصل من اجل التضاد بين الجعلين المفادين بهما. وهذا التنافي على قسمين لانه تارة يكون ذاتيا، كما في (صل) و (لا تصل) واخرى يكون عرضيا حصل بسبب العلم الاجمالي من الخارج بان المدلولين غير ثابتين معا، كما في (صل الجمعة) و (صل الظهر) حيث اننا نعلم بعدم وجوب الصلاتين معا، فانه لولا هذا العلم لامكن ثبوت المفادين معا، واما مع هذا العلم، فلا يمكن ثبوتهما معا، بل يكون كل من الدليلين مكذبا للآخر، ونافيا له بالدلالة الالتزامية، ولا فرق بين هذين القسمين في الاحكام التالية:
الحكم الاول قاعدة الجمع العرفي:
والحكم الاول من احكام تعارض الادلة اللفظية ما تقرره قاعدة الجمع العرفي وحاصلها ان التعارض اذا لم يكن مستقرا في نظر العرف، بل كان احد الدليلين قرينة على تفسير مقصود الشارع من الدليل الآخر وجب الجمع بينهما بتأويل الدليل الآخر وفقا للقرينة.
ونقصد بالقرينة الكلام المعد من قبل المتكلم لأجل تفسير الكلام الآخر. والوجه في هذه القاعدة واضح، فان المتكلم اذا صدر منه كلامان وكان الظاهر من احدهما ينافي الظاهر من الآخر، ولكن احد الكلامين كان قد أعد من قبل المتكلم لتفسير مقصوده من الكلام المقابل له، فلا بد ان يقدم ظاهر ما اعده المتكلم على الآخر، لأننا يجب ان نفهم مقصود المتكلم من مجموع كلاميه وفقا للطريقة التي يقررها.
واعداد المتكلم أحد الكلامين لتفسير مقصوده من الكلام الاخر على نحوين: النحو الاول: الاعداد الشخصي، اي الاعداد من قبل شخص المتكلم. وهذا الاعداد قد يفهم بعبارة صريحة، كما اذا قال في أحد كلاميه اقصد بكلامي السابق كذا، وقد يفهم بظهور الكلام في كونه ناظرا إلى مفاد الكلام الآخر، وان لم تكن العبارة صريحة في ذلك.
والنظر تارة يكون بلسان التصرف في موضوع القضية التي تكفلها الكلام الآخر، واخرى بلسان التصرف في محمولها.
ومثال الاول: أن يقول: (الربا حرام)، ثم يقول: (لا ربا بين الوالد وولده) فان الكلام الثاني ناظر إلى مدلول الكلام الاول بلسان التصرف في موضوع الحرمة اذ ينفي انطباقه على الربا بين الوالد وولده وليس المقصود نفيه حقيقة، وانما هو مجرد لسان وادعاء للتنبيه على ان الكلام الثاني ناظر إلى مفاد الكلام الاول ليكون قرينة على تحديد مدلوله.
ومثال الثاني ان يقول: (لا ضرر في الاسلام)، اي لا حكم يؤدي إلى الضرر، فان هذا ناظر اجمالا إلى الاحكام الثابتة في الشريعة وينفي وجودها في حالة الضرر فيكون قرينة على ان المراد بأدلة سائر الاحكام تشريعها في غير حالة الضرر.
وكل دليل ثبت اعداده الشخصي للقرينية على مفاد الآخر بسوقه مساق التفسير صريحا او بظهوره في النظر إلى الموضوع او المحمول يسمى بالدليل الحاكم، ويسمى الآخر بالدليل المحكوم ويقدم الدليل الحاكم على الدليل المحكوم بالقرينية ونتيجة تقديم الحاكم في الامثلة المذكورة تضيق دائرة الدليل الحاكم واخراج بعض الحالات عن اطلاقه.
ولا يختص الحاكم بالتضييق، بل قد يكون موسعا، كما في حالات التنزيل نظير قولهم: " الطواف بالبيت صلاة " فانه حاكم على أدلة احكام الصلاة من قبيل: " لا صلاة الا بطهور " لانه ناظر إلى تلك الاحكام وموسع لموضوعها بالتنزيل إذ ينزل الطواف منزلة الصلاة.
ويلاحظ من خلال ما ذكرناه التشابه بين الدليل الوارد النافي لموضوع الحكم في الدليل المورود، وبين الدليل الحاكم الناظر إلى موضوع القضية في الدليل المحكوم، ولكنهما يختلفان إختلافا اساسيا، لان الدليل الوارد ناف لموضوع الحكم في الدليل المورود حقيقة، واما الدليل الحاكم المذكور فهو يستعمل النفي كمجرد لسان لأجل التنبيه على انه ناظر إلى الدليل المحكوم وقرينة عليه. ويترتب على هذا الاختلاف الاساسي بين الدليل الوارد والدليل الحاكم المذكور، ان تقدم الدليل الوارد بالورود لا يتوقف على ان يكون فيه ما يشعر او يدل على نظره إلى الدليل المورود ولحاظه له لانه ينفي موضوع الدليل المورود ومع نفيه لموضوعه ينتفي حكمه حتما سواء كان ناظرا اليه أو لا، واما الدليل الحاكم فهو حتى لو كان لسانه لسان نفي الموضوع لا ينفي موضوع الدليل المحكوم حقيقة، وانما يستعمل هذا اللسان لكي ينفي الحكم، فمفاد الدليل الحاكم لبا وحقيقة نفي الحكم، ولكن بلسان نفي الموضوع، وهذا اللسان يؤتى به لكي يثبت نظر الدليل الحاكم إلى مفاد الدليل المحكوم وتقدمه عليه بالقرينية، وكلما أنتفى ظهور في النظر انتفت قرينيته، وبالتالي زال السبب الموجب لتقديمه.
النحو الثاني: الاعداد العرفي النوعي بمعنى ان المتكلم العرفي استقر بناؤه عموما كلما تكلم بكلامين من هذا القبيل ان يجعل من احدهما المعين قرينة على الآخر، وحيث ان الاصل في كل متكلم انه يجري وفق المواضعات العرفية العامة للمحاورة فيكون ظاهر حاله هو ذلك.
ومن حالات الاعداد العرفي النوعي اعداد الكلام الاخص موضوعا ليكون قرينة ومحددا لمفاد الكلام الاعم موضوعا، ومن هنا تعين تخصيص العام بالخاص وتقييد المطلق بالمقيد، بل تقديم كل ظاهر على ما هو اقل منه ظهورا بدرجة ملحوظة وواضحة عرفا لوجود بناء ات عرفية عامة، على ان المتكلم يعول على الاخص والاظهر في تفسير العام والظاهر. وتسمى جميع حالات القرينية بموارد الجمع العرفي ويسمى التعارض في موارده بالتعارض غير المستقر لانه يحل بالجمع العرفي تمييزا له عن التعارض المستقر وهو التعارض الذي لا يتيسر فيه الجمع العرفي.
الحكم الثاني قاعدة تساقط المتعارضين:
واذا لم يكن احد الدليلين قرينة بالنسبة إلى الدليل الاخر، فالتعارض مستقر في نظر العرف، وحينئذ نتكلم عن القاعدة بلحاظ دليل الحجية بمعنى اننا اذا لم يوجد امامنا سوى دليل الحجية العام الذي ينتسب اليه المتعارضان فما هو مقتضى هذا الدليل بالنسبة إلى هذه الحالة؟ وقبل أن نشخص ما هو مقتضى دليل الحجية نستعرض الممكنات ثبوتا، ثم نعرض دليل الحجية على هذه الممكنات لنرى وفاء ه فبأي واحد منها. ولاستعراض المكنات ثبوتا نذكر عددا من الفروض لنميز بين ما هو ممكن منها وما هو مستحيل ثبوتا وواقعا.
الافتراض الاول: أن يكون الشارع قد جعل الحجية لكل من الدليلين المتعارضين. وهذا مستحيل لان هذين الدليلين كل واحد منهما يكذب الآخر فكيف يطلب الشارع منا ان نصدق المكذب - بالكسر - والمكذب - بالفتح معا.
فان قلت ان الحجية لا تطلب منا تصديق الدليل بمعنى الاقتناع الوجداني به، بل تصديقه بمعنى العمل على طبقه وجعله منجزا ومعذرا.
قلت: نعم الامر كذلك غير ان التصديق العملي بالمتكاذبين غير ممكن ايضا، فدليل الحرمة معنى حجيته الجري على أساس أن هذا حرام وتنجز الحرمة علينا، والدليل المعارض يكذبه وينفي الحرمة ومعنى حجيته الجري على أساس أن هذا ليس بحرام واطلاق العنان والتأمين من ناحية الحرمة، ولا يمكن ان تجتمع هاتان الحجيتان.
الافتراض الثاني: أن يكون الشارع قد جعل الحجية لكل منهما، ولكنها حجية مشروطة بعدم الالتزام بالآخر فهناك حجيتان مشروطتان، فاذا التزم المكلف بأحد الدليلين لم يكن الآخر حجة عليه، بل الحجة عليه ما التزم به خاصة. وهذا غير معقول ايضا، إذ في حالة عدم التزام المكلف بكل من الدليلين يكون كل منهما حجة عليه فيعود محذور الافتراض الاول وهو ثبوت الحجية للمكذب والمكذب - بالفتح وبالكسر - في وقت واحد.
الافتراض الثالث: ان يكون الشارع قد جعل الحجية لاحدهما المعين بان اختار احد المتعارضين لميزة في نظره فجعله حجة دون الآخر، وهذا افتراض معقول.
الافتراض الرابع: ان يكون قد جعل حجية واحدة تخييرية بمعنى انه اوجب العمل والالتزام بمؤدى احد الدليلين، فلا بد للمكلف اما ان يلتزم بمفاد دليل الحرمة مثلا، فيبنى على حرمة الفعل وتكون الحرمة منجزة عليه، واما ان يلتزم بالدليل المعارض الدال على الاباحة مثلا، فيلتزم بالإباحة وتكون الحرمة مؤمنا عنها حينئذ، وهذا الافتراض معقول ايضا وأثره انه لا يسمح
للمكلف بإهمال الدليلين المتعارضين والرجوع إلى اصل عملي أو دليل عام قد يثبت به حكم ثالث غير ما دل عليه كلا الدليلين المتعارضين: الافتراض الخامس: ان يكون الشارع قد اسقط كلا الدليلين عن الحجية وافترض وجودهما كعهدهما، وهذا امر معقول أيضا.
وبهذا يتضح ان المعقول من الافتراضات الافتراضات الثلاثة الاخيرة، واذا عرضنا هذه الافتراضات الثلاثة (الثالث والرابع والخامس) على دليل الحجية وجدنا انه لا يصلح لأثبات الافتراض الثالث، لان نسبته إلى كل من الدليلين نسبة واحدة فإثبات حجية احدهما خاصة به دون الاخر جزاف لا مبرر له، كما لا يصلح دليل الحجية لإثبات الافتراض الرابع، لان مفاده الحجية التعيينية لا التخييرية، اي وجوب الاخذ بكل من الدليلين تعيينا، فإثبات الوجوب التخييري والحجية الواحدة التخييرية بحاجة إلى لسان آخر في الدليل، وهذا يعني ان دليل الحجية لا يصلح لإثبات حجية الدليلين المتعارضين بوجه من الوجوه، وذلك يتطابق مع الافتراض الخامس، ومن هنا كان الحكم الثاني في باب التعارض قاعدة تساقط المتعارضين بلحاظ دليل الحجية.
ولكن هل يتساقط المتعارضان بحيث يفترض كآنهما غير موجودين او يتسقاطان في حدود تعارضهما في المدلول المطابقي، فاذا كانا متفقين في مدلول التزامي مشترك بينهما كانا حجة في إثباته لعدم التعارض بالنسبة اليه وجهان بل قولان مبنيان على ان الدلالة الالتزامية، هل هي تابعة للدلالة المطابقية في الحجية أو لا؟ فان قلنا بالتبعية تعين الوجه الاول وان انكرناها امكن المصير إلى الوجه الثاني، وعلى اساسه تقوم قاعدة نفي الثالث في باب التعارض ويراد بنفي الثالث نفي حكم آخر غير ما دل عليه المتعارضان معا لان هذا الحكم ينفيه كلا الدليلين التزاما ولا تعارض بينهما في نفيه. وقد سبق الكلام عن تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في الحجية.
الحكم الثالث قاعدة الترجيح للروايات الخاصة:
وقاعدة تساقط المتعارضين في كل حالات التعارض بين الادلة، ولكن قد يستثنى من ذلك حالة التعارض بين الروايات الواردة عن المعصومين عليهم السلام، اذ يقال بوجود دليل خاص في هذه الحالة على ثبوت الحجية لاحد الخبرين وهو ما كان واجدا لمزية معينة فيرجح على الاخر، ونخرج بهذا الدليل الخاص عن قاعدة التساقط وهذا الدليل الخاص يتمثل في روايات تسمى بأخبار الترجيح، ولعل اهمها رواية عبدالرحمن بن ابي عبدالله قال: قال الصادق (عليه السلام)(اذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه، وما خالف كتاب الله فردوه فان لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على اخبار العامة، فما وافق اخبارهم فذروه وما خالف اخبارهم فخذوه).
وهذه الرواية تشتمل على مرجحين مترتبين، ففي المرتبة الاولى يرجح ما وافق الكتاب على ما خالفه، وفي المرتبة الثانية وفي حالة عدم تواجد المرجح الاول يرجح ما خلف العامة على ما وافقهم. واذا لاحظنا المرجح الاول وجدنا انه مرتبط بصفتين: احدهما: مخالفة الخبر المرجوح للكتاب الكريم، والاخرى: موافقة الخبر الراجح له. اما الصفة الاولى فمن الواضح ان المخالفة على قسمين:
احدهما: المخالفة والمعارضة في حالات التعارض غير المستقر، كمخالفة الحاكم للمحكوم والخاص للعام، والآخر: المخالفة والمعارضة في حالات التعارض المستقر، كالمخالفة بين عامين متساويين او خاصين كذلك، وخبر الواحد اذا كان مخالفا للكتاب من القسم الثاني فهو سقاط عن الحجية في نفسه حتى اذا لم يعارضه خبر آخر لما تقدم في مباحث الدليل اللفظي من ان حجية خبر الواحد مشروطة بعدم معارضته ومخالفته لدليل قطعي، وكنا نقصد بالمخالفة هناك المخالفة على نحو التعارض المستقر. واما اذا كان خبر الواحد مخالفا من القسم الاول فهو المقصود في رواية عبدالرحمن. واما الصفة الثانية وهي موافقة الخبر الراجح للكتاب الكريم فلا يبعد ان يراد بها مجرد عدم المخالفة لا اكثر من ذلك بقرينة وضوح عدم مجيء جميع التفاصيل وجزئيات الاحكام الشرعية في الكتاب الكريم.
وعلى هذا فالمرجح الاول هو ان يكون احد الخبرين مخالفا للكتاب الكريم مخالفة القرينة لما يقابلها، فان الخبر المتصف بهذه المخالفة لو انفرد لكان قرينة على تفسير المقصود من الكتاب الكريم حجة في ذلك، ولكن حين يعارضه خبر مثله ليس متصاف بهذه المخالفة يقدم عليه ذلك الخبر. واذا لاحظنا المرجح الثاني وجدنا انه يأتي بعد افتراض عدم امكان علاج التعارض على أساس المرجح الاول، وقد نصت الرواية في المرجح الثاني على الاخذ بما خالف اخبار العامة، وتقديمه على ما وافق اخبارهم، ومن هنا قد يقال باختصاص هذا الترجيح بما اذا كانت المخالفة والموافقة لأخبارهم ولا يكفي للترجيح المخالفة والموافقة لما هو المعروف من فتاواهم وآرائهم اذا لم تكن مستندة إلى الاخبار.
ولكن الصحيح التعدي إلى المخالفة والموافقة مع الفتاوي والآراء ايضا وان كانت على أساس غير الاخبار من أدلة الاستنباط عندهم، لان الترجيح ليس حكما تعبديا صرفا، بل هو حكم له مناسبات عرفية مركوزة بلحاظ ان ما اكتنف الائمة من ظروف التقية أوجب تطرق احتمال التقية إلى الخبر الموافق دون المخالف، وهذا كما يجري في موارد الموافقة والمخالفة لأخبارهم، كذلك في موارد الموافقة والمخالفة لآرائهم المستندة إلى مدرك آخر.
الحكم الرابع قاعدة التخيير للروايات الخاصة:
وإذا لم يوجد مرجح في مجال الخبرين المتعارضين، فقد يقال بوجود دليل خاص ايضا يقتضي الحجية التخييرية، فلا تصل النوبة إلى إعمال قاعدة التساقط، وهذا يعني ان الافتراض الرابع من الافتراضات الخمسة التي عجز دليل الحجية العام عن إثباته توفر لدينا دليل خاص عليه يسمى بأخبار التخيير.
ولعل من أهم أخبار التخيير رواية سماعة عن ابي عبدالله (عليه السلام )قال سألته عن الرجل اختلف عليه رجلان من اهل دينه في امر كلاهما يرويه احدهما يأمره بأخذه والآخر ينهاه عنه كيف يصنع، فقال يرجئه حتى يلقى من يخبره فهو في سعة حتى يلقاه. والاستدلال بالرواية يقوم على دعوى ان قوله، فهو في سعة حتى يلقاه بمعنى انه مخير في العمل باي من الخبرين حتى يلقاه الامام فيكون مفاده جعل الحجية التخييرية، مع ان بالإمكان ان يراد بالسعة هنا عدم كونه ملزما بالفحص السريع وشد الرحال إلى الامام فورا وانه لا يطالب بتعيين الواقع حتى يلقى الامام حسب ما يقتضيه الظروف والمناسبات، واما ماذا يعمل خلال هذه الفترة فلا تكون الرواية متعرضة له مباشرة، ولكن مقتضى اطلاقها المقامي انه يعمل نفس ما كان يعمله قبل مجيء الحديثين المتعارضين، وعلى هذا الاحتمال لا تدل الرواية على الحجية التخييرية.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|