أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-8-2016
2524
التاريخ: 9-8-2016
2583
التاريخ: 8-8-2016
1704
التاريخ: 29-8-2016
2185
|
وهي مسألة معروفة بين الاُصوليين، وقد أعطاها بعض الأعاظم(1) شكلا فلسفيّاً ببيانات عديدة منها: «أنّ الكلّي الطبيعي هل يكون بنفسه موجوداً في الخارج أو أنّه موجود بوجود أفراده؟».
ولكن الإنصاف أنّها مسألة عرفيّة كما هو الغالب في المسائل الاُصوليّة، توضيح ذلك: أنّه لا إشكال في أنّ كلّ طبيعة إذا وجدت في الخارج يكون لها لوازم قهريّة خارجيّة بحسب الزمان والمكان أو الكمّ والكيف وغيرها من العوارض كالجهر والإخفات وخصوصيّة الوقوع في أيّ زمان ومكان بالنسبة إلى طبيعة الصّلاة التي هي عبارة عن الركوع والسجود والقيام والتكبير والتسليم وغيرها من الأذكار الواجبة، وحقيقة البحث في المقام هي أنّه هل تكون هذه اللوازم القهريّة والخصوصيّات الخارجيّة داخلة تحت الطلب، أو أنّ متعلّق الطلب هو طبيعة الصّلاة مجرّدة عن هذه اللوازم، ولا ريب أنّ هذا بحث عرفي عقلائي، ويكون عنوان البحث حينئذ أنّ الخصوصيّات الفرديّة الخارجيّة التي لا تنفكّ عن الطبيعة في الخارج هل هي داخلة تحت الطلب، أو لا؟ ولا يخفى أنّ محلّ النزاع ما إذا لم يصرّح المولى بخصوصيّة فرديّة في كلامه، وإلاّ فلا إشكال في أنّها داخلة تحت الطلب كما إذا قال مثلا: «صلّ في أوّل الوقت».
إن قلت: «إنّ تشخّص الوجود بذاته لا بالخصوصّيات التي تلحق به، وبعبارة اُخرى: إنّ الوجود عين التشخّص ويكون لكلّ واحد من العوارض مثل الزمان والمكان والكمّ والكيف وجود آخر مضافاً إلى وجود الجوهر وقائماً عليه، فيكون لكلّ واحد من هذه الوجودات تشخّص بذاته وامتياز بنفسه عن غيره، سواء كان جوهراً أو عرضاً، ولا يكون وجود عرض مشخّصاً لوجود عرض آخر، وكذلك وجود جوهر بالإضافة إلى وجود جوهر آخر، أو وجود عرض بالنسبة إلى جوهره الذي يقوم به، بل العرض إنّما يكون ملازماً لجوهره في الخارج ولا ينفكّ عنه، لا أن يكون مشخّصاً له بل تشخّصه بذاته، وبناءً على ذلك: فإنّ الاُمور المتلازمة للوجود الجوهري خارجاً التي لا تنفكّ عنه كأعراضه من الكمّ والكيف وغيرهما لا يعقل أن تكون مشخّصات لذلك الوجود، فإطلاق المشخّصات على تلك الأعراض مسامحة جدّاً، وعليه فليست هذه الأعراض واللوازم متعلّقة للأمر سواء قلنا بتعلّق الأمر بالطبائع أو بالأفراد.
وبعبارة اُخرى: إنّ تلك اللوازم كما أنّها خارجة عن متعلّق الأمر على القول بتعلّقه بالطبيعة، كذلك هي خارجة عن متعلّقه على القول بتعلّقه بالفرد»(2).
قلنا: الإنصاف أنّه لا سبيل لهذه التدقيقات الفلسفية في محلّ البحث، فإنّا نقبل أنّ الوجود متشخّص بذاته لا بعوارضه، لكن الكلام في أنّ هذه العوارض بملاحظة عدم انفكاكها عن الطبيعة في الخارج هل يسري الأمر من الطبيعة إليها على البدل عند العرف أو لا، سواء كان تشخّصها بتلك العوارض أو لم يكن؟ فالمسألة عرفيّة لا فلسفية.
ثمّ إنّ ثمرة المسألة تظهر في موارد عديدة:
منها: باب اجتماع الأمر والنهي كالصّلاة في الدار المغصوبة فإنّه قد يقال: بأنّه إذا تعلّق الأمر بالطبائع كانت النتيجة جواز الاجتماع، لأنّ الأمر المتعلّق بالصّلاة لا يسري إلى الخصوصيّات الفرديّة كغصبية الدار في المثال، وإن قلنا بتعلّقه بالأفراد كانت النتيجة الامتناع، لأنّ الخصوصيّة المزبورة (أي الغصبية) تصير أيضاً منهياً عنها ويستحيل تعلّق الأمر بالمنهي عند الآمر والمبغوض عنده (فتأمّل).
منها: حكم الضمائم المباحة في الوضوء وغيره من أبواب العبادات كالوضوء بالماء الحارّ في الشتاء والبارد في الصيف، فلو توضّأ مثلا بالماء البارد مع قصد التبريد وقلنا بتعلّق الأمر بالطبيعة، فلا إشكال في صحّة الوضوء لأنّ المأمور به إنّما هو مجرّد الطبيعة، وقد وقعت بقصد القربة، وأمّا إن قلنا بتعلّق الأمر بالأفراد يقع الوضوء باطلا، لأنّ الخصوصيّة أيضاً وقعت متعلّقة للأمر العبادي فلابدّ من إتيانها أيضاً بقصد القربة.
وهكذا إذا أتى بالصّلاة في مكان حارّ في فصل الشتاء.
إذا عرفت ذلك فنقول: ذهب المحقّقون إلى أنّ الأوامر متعلّقة بالطبائع واستدلّوا له بوجوه:
الوجه الأوّل: الوجدان كما صرّح به في الكفاية بقوله: «وفي مراجعة الوجدان غنىً وكفاية عن إقامة البرهان على ذلك حيث يرى إذا راجعه أنّه لا غرض له في مطلوباته إلاّ نفس الطبائع ولا نظر له إلاّ إليها من دون نظر إلى خصوصّياتها الخارجيّة وعوارضها العينية بحيث لو كان الانفكاك عنها بأسرها ممكناً لما كان ذلك ممّا يضرّ بالمقصود أصلا».
الوجه الثاني: أنّ الطلب سعة وضيقاً تابع للغرض فيدخل فيه ما يكون دخيلا في الغرض، ولا ريب أنّ الغرض قائم بطبيعة الصّلاة مثلا فحسب لا خصوصّياتها الزمانيّة أو المكانيّة.
نعم لا يخفى أنّ هذا الوجه في الواقع تصوير برهاني لدليل الوجدان ولا يكون دليلا مستقلا عنه.
الوجه الثالث: التبادر فإنّ المتبادر من الأوامر والنواهي إنّما هو طلب إيجاد الطبيعة أو تركها فقط، وهذا كاف في إثبات المقصود.
واستدلّ لتعلّقها بالأفراد بوجهين:
أحدهما: إنّ الموجود في الخارج هو الفرد لا الطبيعة، وحينئذ يكون تعلّق الأمر بالطبيعة بلحاظ أنّها مرآة إلى الخارج لا بلحاظ نفسها، وينتقل الأمر من طريق الطبيعة إلى الأفراد، وهو المقصود.
ولكن اُجيب عنه: بأنّ هذا مبني على عدم وجود الكلّي الطبيعي في الخارج مع أنّه قد قرّر في محلّه أنّ الطبيعي موجود في الخارج ضمن أفراده، فيكون وجود الطبيعة متعلّقاً للأمر دون ضمائمه.
ثانيهما: إنّ المتلازمين في الوجود لا يختلفان في الحكم، وحيث إنّ اللوازم الخارجيّة والخصوصيّات الفرديّة تكون من لوازم الوجود في الخارج فيسري الحكم إليها.
والجواب عنه ما مرّ في بعض الأبحاث السابقة من أنّ غاية ما يقتضيه التلازم إنّما هو عدم اختلاف المتلازمين في الحكم بأن يكون أحدهما محكوماً بالوجوب والآخر محكوماً بالحرمة مثلا لا اتّحادهما في الحكم أيضاً فإنّه لا دليل عليه البتة.
الأمر الأوّل: ربّما يتوهّم من قولنا بأنّ الأوامر تتعلّق بالطبائع أنّ المتعلّق هو الطبيعة من حيث هي هي، فيعترض عليه بأنّ الطبيعة من حيث هي هي ليست إلاّ هي، لا مطلوبة ولا مبغوضة، ومقتضاه كون الطبيعة في حدّ ذاتها خاليّة عن القيود فإنّ كلّ شيء في مرتبة ذاته ليس إلاّ نفس ذلك الشيء لا غير.
وبعبارة اُخرى: المراد من الماهية إنّما هو نفس مفهوم الإنسان مثلا وهو ليس إلاّ نفسه، وليس مفهوم الشجر والحجر وغيرهما، أي أنّ كلّ ماهية يكون لها مرتبة خاصّة لا سبيل لغيرها إليها.
وبعبارة ثالثة: ما هو متعلّق الأوامر؟ فإن كان هو الماهية من حيث هي هي فإنّها ليست إلاّ هي لا محبوبة ولا مبغوضة، وإن قلنا أنّه الماهية بقيد الوجود فإنّه تحصيل للحاصل، وإن قلنا أنّه الماهية بقيد العدم فهو محال.
واُجيب عنه: بأنّ متعلّق الطلب إنّما هو إيجاد الماهية في الخارج، وبتعبير آخر: إنّ الوجود يتصوّر على قسمين: الوجود بالمعنى المصدري والوجود بالمعنى اسم المصدري، والمتعلّق للأوامر إنّما هو الأوّل أي الإخراج من كتم العدم إلى عالم الوجود أو انقلاب العدم إلى الوجود، والتحصيل للحاصل إنّما هو الوجود بمعنى اسم المصدري لا المصدر.
توضيح ذلك: الطلب التشريعي يكون بمنزلة الطلب التكويني، فكما أنّ المولى في طلبه التكويني للماء مثلا لا يطلب الماهية من حيث هي هي لأنّها لا ترفع العطش ولا يطلب السقي الموجود بل يطلب إيجاد السقي في الخارج، كذلك في طلبه التشريعي من العبد، فيطلب الإيجاد، أي المعنى المصدري لا السقي الحاصل بمعنى اسم المصدر ولا الماهية من حيث هي هي.
نعم هذا كلّه في الطلب، وأمّا هيئة الأمر فقد يقال بأنّ متعلّقها إنّما هو نفس الطبيعة لا وجودها، لأنّ نفس الهيئة متضمّنة لمعنى الوجود، أي أنّها بنفسها بمعنى طلب الوجود، ومع ذلك لا معنى لأن يكون الوجود جزءً لمتعلّقها، أي جزءً لمادّة الأمر.
وبعبارة اُخرى: إنّ الوجود جزء للهيئة لا المادّة والمتعلّق.
ولكن الإنصاف أنّ هيئة الأمر أيضاً وضعت لطلب الوجود لأنّها عبارة عن البعث إلى الفعل، ويكون بمنزلة البعث التكويني، فكما أنّ البعث التكويني يتعلّق بإيجاد المطلوب فكذلك
البعث التشريعي، أي مفاد هيئة «افعل».
الأمر الثاني: أنّ المراد من الوجود في ما نحن فيه إنّما هو الوجود السعي الساري في جميع الأفراد لا وجود خاصّ من قبيل الجزئي الحقيقي، بل يكون حينئذ من قبيل الجزئي الإضافي وشبيهاً للكلّي في باب المفاهيم بحيث ينطبق على كثيرين.
الأمر الثالث: قال المحقّق العراقي(رحمه الله): «إنّ الذي يقتضيه التحقيق هو تعلّق الأوامر والطلب بنفس الطبيعة لكن بما هي مرآة للخارج وملحوظة بحسب اللحاظ التصوّري عين الخارج لا بالوجود الخارجي كما هو الشأن في سائر الكيفيات النفسيّة من المحبّة والاشتياق بل العلم والظنّ ونحوهما، كما يشهد لذلك ملاحظة الجاهل المركّب الذي يعتقد بوجود شيء بالقطع المخالف للواقع، فيطلبه ويريده أو يخبر بوجوده وتحقّقه في الخارج، إذ لولا ما ذكرنا من تعلّق الصفات المزبورة بالعناوين والصور الذهنيّة بما هي ملحوظة خارجيّة، يلزم خلوّ الصفات المزبورة عن المتعلّق في مثل الغرض مع أنّ ذلك كما ترى (إلى أن قال): وعلى ذلك لا يبقى مجال لجعل المتعلّق للطلب في الأوامر عبارة عن الوجود أو صرف الإيجاد»(3).
أقول: إنّا نقبل تعلّق الأوامر بالطبائع بما هي مرآة للخارج لكنّه بنفسه دليل على أنّ حقيقة المطلوب هو الوجود الخارجي الذي لا شكّ في أنّه منبع كلّ أثر، وأنّ الأوامر وإن تعلّقت ابتداءً وفي بدو النظر بالوجود الذهني ولكنّها لا تستقرّ عليه بل تعبر منه إلى الإيجاد في الخارج فما تتعلّق به الأوامر حقيقة إنّما هو الإيجاد في الخارج، ولكن من طريق تعلّقها بعناوين تشير إلى الخارج وتعبّر عنه ولا يقاس الأمر على العلم والظنّ.
________________
1. وهو المحقّق الإصفهاني(رحمه الله) فراجع نهاية الدراية: ج1 ص248، من الطبع القديم.
2. راجع المحاضرات: ج4، ص18 ـ 20.
3. بدائع الأفكار: ج1، ص404 ـ 405.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|