المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7452 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
معنى المسيح
2024-04-17
تفويض الامر الى الله
2024-04-17
معنى القنوت
2024-04-17
فاطمة الزهراء شبيهة مريم العذراء
2024-04-17
معنى الحضر
2024-04-17
التحذير من الاستعانة بالكافر
2024-04-17

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


العام والخاص  
  
3086   11:21 صباحاً   التاريخ: 29-8-2016
المؤلف : الشيخ محمد رضا المظفر
الكتاب أو المصدر : أصول الفقه
الجزء والصفحة : ج1 ص 129-155.
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث اللفظية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-8-2016 1074
التاريخ: 9-8-2016 1136
التاريخ: 9-7-2020 1806
التاريخ: 8-8-2016 1362

(العام والخاص): هما من المفاهيم الواضحة البديهية التي لا تحتاج إلى التعريف الا لشرح اللفظ وتقريب المعنى إلى الذهن، فلذلك لا محل لتعريفهما بالتعاريف الحقيقية.

 والقصد من (العام): اللفظ الشامل بمفهومه لجميع ما يصلح انطباق عنوانه عليه في ثبوت الحكم له. وقد يقال للحكم إنه عام أيضا باعتبار شموله لجميع أفراد الموضوع أو المتعلق أو المكلف. والقصد من (الخاص): الحكم الذي لا يشمل الا بعض أفراد موضوعه أو المتعلق أو المكلف، أو إنه اللفظ الدال على ذلك.

(والتخصيص): هو إخراج بعض الأفراد عن شمول الحكم العام، بعد إن كان اللفظ في نفسه شاملا له لولا التخصيص.

(والتخصص): هو إن يكون اللفظ من أول الأمر - بلا تخصيص - غير شامل لذلك الفرد غير المشمول للحكم. أقسام العام: ينقسم العام إلى ثلاثة أقسام باعتبار تعلق الحكم به:

 1 - (العموم الاستغراقي)، وهو إن يكون الحكم شاملا لكل فرد فرد، فيكون كل فرد وحده موضوعا للحكم، ولكل حكم متعلق بفرد من الموضوع عصيان خاص نحو (أكرم كل عالم).

 2 - (العموم المجموعي)، وهو إن يكون الحكم ثابتا للمجموع بما هو مجموع فيكون المجموع موضوعا واحدا، كوجوب الإيمان بالأئمة، فلا يتحقق الامتثال ال بالإيمان بالجميع.

 3 - (العموم البدلي)، وهو إن يكون الحكم لواحد من الأفراد على البدل، فيكون فرد واحد فقط - على البدل - موضوعا للحكم، فإذا أمتثل في واحد سقط التكليف، نحو أعتق أية رقبة شئت.

 فإن قال قائل: إن عد هذا القسم الثالث من أقسام العموم فيه مسامحة ظاهرة لأن البدلية تنافي العموم، إذ المفروض إن متعلق الحكم أو موضوعه ليس إلا فردا واحدا فقط.

نقول في جوابه: العموم في هذا القسم معناه عموم البدلية، أي صلاح كل فرد لأن يكون متعلقا أو موضوعا للحكم. نعم إذا كان استفادة العموم من هذا القسم بمقتضى الإطلاق، فهو يدخل في المطلق لا في العام. وعلى كل حال، إن عموم متعلق الحكم لأحواله وأفراده إذا كان متعلقا للأمر الوجوبي أو الاستحبابي، فهو على الأكثر من نوع العموم البدلي.

إذا عرفت هذا التمهيد، فينبغي أن نشرع في تفصيل مباحث العام والخاص في فصول:

 1 - (ألفاظ العموم):

لا شك إن للعموم ألفاظا تخصه دالة عليه أما بالوضع أو بالإطلاق بمقتضى مقدمات الحكمة. وهي أما إن تكون ألفاظ مفردة مثل (كل) وما في معناها مثل (جميع)، و(تمام) و(أي) و (دائما)، وأما إن تكون هيئات لفظية كوقوع النكرة في سياق النفي أو النهي، وكون اللفظ جنسا محلى باللأم جمعا كان أو مفردا. فلنتكلم عنها بالتفصيل:

 1 - لفظة (كل) وما في معناها، فإنه من المعلوم دلالتها بالوضع على عموم مدخولها سواء كان عموما استغراقيا أو مجموعيا، وإن العموم معناه الشمول لجميع أفرادها مهما كان لها من الخصوصيات اللاحقة لمدخوله.

2 - (وقوع النكرة في سياق النفي أو النهي) فإنه لا شك في دلالتها على عموم السلب لجميع أفراد النكرة عقلا، لا وضعا، لأن عدم الطبيعة إنما يكون بعدم جميع أفراده. وهذا واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.

3 - (الجمع المحلى باللأم والمفرد المحلى به) لا شك في استفادة العموم منهما عند عدم العهد، ولكن الظاهر إنه ليس ذلك بالوضع في المفرد المحلى باللأم وإنما يستفاد بالإطلاق بمقتضى الحكمة، ولا فرق بينهما من جهة العموم في استغراق جميع الأفراد فردا فردا.

وقد توهم بعضهم: إن معنى استغراق الجمع المحلى وكل جمع مثل أكرم جميع العلماء هو استغراق بلحاظ مراتب الجمع، لا بلحاظ الأفراد فردا فردا، فيشمل كل جماعة جماعة، ويكون بمنزلة قول القائل: (أكرم جماعة جماعة)، فيكون موضوع الحكم كل جماعة على حدة لا كل مفرد، فإكرام شخص واحد لا يكون امتثالا للأمر ، وذلك نظير عموم التثنية، فإن الاستغراق فيها بملاحظة مصاديق التثنية، فيشمل كل اثنين اثنين، فإذا قال: (أكرم كل عالمين) فموضوع الحكم كل اثنين من العلماء لا كل فرد.

ومنشأ هذا التوهم إن معنى الجمع الجماعة، كما إن معنى التثنية الاثنين فإذا دخلت أداة العموم عليه دلت على العموم بلحاظ كل جماعة جماعة، كما إذا دخلت على المفرد دلت على العموم بلحاظ كل فرد فرد، وعلى التثنية دلت عليه لحاظ كل اثنين اثنين، لأن أداة العموم تفيد عموم مدخولها ، ولكن هذا توهم فاسد للفرق بين التثنية والجمع، لأن التثنية تدل على الاثنين المحدودة من جانب القلة والكثرة بخلاف الجمع، فإنه يدل على ما هو محدود من جانب القلة فقط، لأن أقل الجمع ثلاثة، وأما من جانب الكثرة فغير محدود أبدا ، فكل ما تفرض لذلك اللفظ المجموع من أفراد مهما كثرت فهي مرتبة من الجمع واحدة وجماعة واحدة، حتى لو أريد جميع الأفراد بأسرها، فإنها كلها مرتبة واحدة من الجمع، لا مجموعة مراتب له ، فيكون معنى استغراق الجمع عدم الوقوف على حد خاص من حدود الجمع ومرتبة دانية منه، بل المقصود أعلى مراتبه ، فيذهب استغراقه إلى آخر الآحاد ل إلى آخر المراتب، إذ ليس هناك بلحاظ جميع الأفراد إلا مرتبة واحدة لا مراتب متعددة، وليس الا حد واحد هو الحد الأعلى، لا حدود متكثرة، فهو من هذه الجهة كاستغراق المفرد معناه عدم الوقوف على حد خاص، فيذهب إلى آخر الآحاد، نعم الفرق بينهما إنما هو في عدم الاستغراق، فإن عدم استغراق المفرد يوجب الاقتصار على واحد. وعدم استغراق الجمع يوجب الاقتصار على أقل الجمع وهو ثلاثة.

 2 - المخصص المتصل والمنفصل:

إن تخصيص العام على نحوين:

 1 - إن يقترن به مخصصة في نفس الكلام الواحد الملقى من المتكلم كقولنا: (أشهد إن لا إله إلا الله) ، ويسمى المخصص (المتصل), فيكون قرينة على إرادة ما عدا الخاص من العموم, وتلحق به - بل هي منه - القرينة الحالية المكتنف بها الكلام الدالة على إرادة الخصوص، على وجه يصح تعويل المتكلم عليها في بيان مراده.

2 - ألا يقترن به مخصصه في نفس الكلام، بل يرد في كلأم آخر مستقل قبله أو بعده , ويسمى المخصص (المنفصل)، فيكون أيضا قرينة على إرادة ما عدا الخاص من العموم، كالأول.

فإذن لا فرق بين القسمين من ناحية القرينة على مراد المتكلم، وإنما الفرق بينهما من ناحية أخرى، وهي ناحية انعقاد الظهور في العموم, ففي المتصل لا ينعقد للكلام ظهور إلا في الخصوص، وفي المنفصل ينعقد ظهور العام في عمومه، غير إن الخاص ظهوره أقوى، فيقدم عليه من باب تقديم الأظهر على الظاهر أو النص على الظاهر.

والسر في ذلك: إن الكلام مطلقا - العام وغيره - لا يستقر له الظهور ولا ينعقد الا بعد الانتهاء منه والانقطاع عرفا، على وجه لا يبقى بحسب العرف مجال لإلحاقه بضميمة تصلح لأن تكون قرينة تصرفه عن ظهوره الابتدائي الأولي، وإلا فالكلام مادام متصلا عرفا فإن ظهوره مراعى، فإن انقطع من دون ورود قرينة على خلافه استقر ظهوره الأول، وانعقد الكلام عليه، وإن لحقته القرينة الصارفة تبدل ظهوره الأول إلى ظهور آخر حسب دلالة القرينة، وانعقد حينئذ على الظهور الثاني , ولذا لو كانت القرينة مجملة أو إن وجد في الكلام ما يحتمل إن يكون قرينة أوجب ذلك عدم انعقاد الظهور الأول، وإلا ظهور آخر، فيعود الكلام برمته مجملا.

هذا من ناحية كلية في كل كلام ومقامنا من هذا الباب، لأن المخصص - كما قلنا - من قبيل القرينة الصارفة، فالعام له ظهور ابتدائي - أو بدوي - في العموم، فيكون مراعى بانقطاع الكلام وانتهائه، فإن لم يلحقه ما يخصصه استقر ظهوره الابتدائي وانعقد على العموم، وإن لحقته قرينة التخصيص قبل الانقطاع تبدل ظهوره الأول، وانعقد له ظهوره آخر حسب دلالة المخصص المتصل. أذن فالعام المخصص بالمتصل لا يستقر ولا ينعقد له ظهوره في العموم، بخلاف المخصص بالمنفصل، لأن الكلام بحسب الفرض قد انقطع بدون ورود ما يصلح للقرينة على التخصيص، فيستقر ظهوره الابتدائي في العموم , غير إنه إذا ورد المخصص المنفصل يزاحم ظهور العام، فيقدم عليه من باب إنه قرينة عليه كاشفة عن المراد الجدي.

 3 - هل استعمال العام في المخصص مجاز؟

قلنا: إن المخصص بقسميه قرينة على إرادة ما عدا الخاص من لفظ العموم، فيكون المراد من العام بعض ما يشمله ظاهره, فوقع الكلام في إن هذا الاستعمال هل هو على نحو المجاز أو الحقيقة ، واختلف العلماء فيه على أقوال كثيرة: (منها) إنه مجاز مطلقا، و (منها) إنه حقيقة مطلقا, و(منه) التفصيل بين المخصص بالمتصل وبين المخصص بالمنفصل، فإن كان التخصيص بالأول فهو حقيقة دون ما كان بالثاني، وقيل: بالعكس.

والحق عندنا هو القول الثاني أي إنه حقيقة مطلقا.

(الدليل) - إن منشأ توهم القول بالمجاز إن أداة العموم لما كانت موضوعة للدلالة على سعة مدخولها، وعمومه لجميع أفراده، فلو أريد منه بعضه فقد استعملت في غير ما وضعت له، فيكون الاستعمال مجاز. وهذا التوهم يدفع بأدنى تأمل، لأنه في التخصيص بالمتصل كقولك - مثلا: أكرم كل عالم إلا الفاسقين لم تستعمل أداة العموم إلا في معناها، وهي الشمول لجميع أفراد مدخولها، غاية الأمر إن مدخولها تارة يدل عليه لفظ واحد مثل أكرم كل عادل، وأخرى يدل عليه أكثر من لفظ واحد في صورة التخصيص، فيكون التخصيص معناه إن مدخول (كل) ليس ما يصدق عليه لفظ عالم مثلا بل هو خصوص العالم العادل في المثال. وأما (كل) فهي باقية على مالها من الدلالة على العموم والشمول، لأنها تدل حينئذ على الشمول لكل عادل من العلماء، ولذا لا يصح إن يوضع مكانها كلمة (بعض)، فلا يستقيم المعنى لو قلت: أكرم بعض العلماء إلا الفاسقين، وإلا لما صح الاستثناء كما لا يستقيم لو قلت: أكرم بعض العلماء العدول، فإنه لا يدل على تحديد الموضوع كما لو كانت (كل) والاستثناء موجودين.

والحاصل إن لفظة (كل) وسائر أدوات العموم في مورد التخصيص لم تستعمل الا في معناها وهو الشمول ولا معنى للقول بأن المجاز في نفس مدخولها، لأن مدخولها مثل كلمة عالم موضوع لنفس الطبيعة من حيث هي، لا الطبيعة بجميع أفرادها أو بعضها وإرادة الجميع أو البعض إنما يكون من دلالة لفظة أخرى ك‍ (كل) أو (بعض).

فإذا قيد مدخولها وأريد منه المقيد بالعدالة في المثال المتقدم لم يكن مستعملا إل في معناه ، وهو من له العلم، وتكون إرادة ما عدا الفاسق من العلماء من دلالة المجموع القيد والمقيد، من باب تعدد الدال والمدلول ، وسيجئ إن شاء الله تعالى إن تقييد المطلق لا يوجب مجازا ، هذا الكلام كله عن المخصوص بالمتصل ، وكذلك الكلام عن المخصوص بالمنفصل.

لأنا قلنا: إن التخصيص بالمنفصل معناه جعل الخاص قرينة منفصلة على تقييد مدخول (كل) بما عدا الخاص، فلا تصرف في أداة العموم، ولا في مدخولها، ويكون أيضا من باب تعدد الدال والمدلول, ولو فرض إن المخصص المنفصل ليس مقيدا لمدخول أداة العموم، بل هو تخصيص للعموم نفسه فإن هذا لا يلزم منه إن يكون المستعمل فيه في العام هو البعض، حتى يكون مجازا، بل إنما يكشف الخاص عن المراد الجدي من العام.

 4 - حجية العام المخصص في الباقي إذا شككنا في شمول العام - المخصص - لبعض أفراد الباقي من العام بعد التخصيص، فهل العام حجة في هذا البعض، فيتمسك بظاهر العموم لإدخاله في حكم العام؟ على أقوال: مثلا، إذا قال المولى: (كل ماء طاهر)، ثم استثنى من العموم بدليل متصل أو منفصل الماء المتغير بالنجاسة، ونحن احتملنا استثناء الماء القليل الملاقي للنجاسة بدون تغيير، فإذا قلنا بأن العام المخصص حجة في الباقي نطرد هذ الاحتمال بظاهر عموم العام في جميع الباقي، فنحكم بطهارة الماء الملاقي غير المتغير.

وإذا لم نقل بحجيته في الباقي يبقى هذا الاحتمال معلقا لا دليل عليه من العام، فنلتمس، له دليلا آخر يقول بطهارته أو نجاسته , والأقوال في المسألة كثيرة: منها التفصيل بين المخصص بالمتصل فيكون حجة في الباقي، وبين المخصص بالمنفصل فل يكون حجة.

وقيل بالعكس والحق في المسألة هو الحجية مطلقا، لأن أساس النزاع ناشئ من النزاع في المسألة السابقة، وهي إن العام المخصص مجاز في الباقي أم لا؟ ومن قال بالمجاز يستشكل في ظهور العام وحجيته في جميع الباقي من جهة إن المفروض إن استعمال العام في تمام الباقي مجاز واستعماله في بعض الباقي مجاز آخر أيضا، فيقع النزاع في إن المجاز الأول أقرب إلى الحقيقة، فيكون العام ظاهرا فيه أو إن المجازين متساويان، فلا ظهور في أحدهما.

فإذا كان المجاز الأول هو الظاهر كان العام حجة في تمام الباقي، وإلا فلا يكون حجة.

أما نحن الذين نقول بأن العام المخصص حقيقة كما تقدم، ففي راحة من هذا النزاع، لأن قلنا: إن أداة العموم باقية على ما لها من معنى الشمول لجميع أفراد مدخولها، فإذ خرج من مدخولها بعض الأفراد بالتخصيص بالمتصل أو المنفصل فلا تزال دلالتها على العموم باقية على حالها، وإنما مدخولها تتضيق دائرته بالتخصيص , فحكم العام المخصص حكم العام غير المخصص في ظهوره في الشمول لكل ما يمكن إن يدخل فيه.

وعلى أي حال، بعد القول بأن العام المخصص حقيقة في الباقي على ما بيناه لا يبقى شك في حجيته في الباقي, وأيما يقع الشك على تقدير القول بالمجازية، فقد نقول إنه حجة في الباقي على هذا التقدير، وقد لا نقول لا إنه كل من يقول بالمجازية يقول بعدم الحجية، كما توهم ذلك بعضهم.

 5 - هل يسري إجمال المخصص إلى العام؟ كان البحث السابق وهو (حجية العام في الباقي) في فرض إن الخاص مبين لا إجمال فيه، وإنما الشك في تخصيص غيره ما علم خروجه عن الخاص. وعلينا الآن إن نبحث عن حجية العام في فرض إجمال الخاص.

والإجمال على نحوين.

 1 - (الشبهة المفهومية) - وهي في فرض الشك في نفس مفهوم الخاص بأن كان مجملا، نحو قوله (عليه السلام ): (كل ماء طاهر إلا ما تغير طعمه أو لونه أو ريحه) الذي يشك فيه إن المراد من التغير خصوص التغير الحسي أو ما يشمل التغير التقديري, ونحو قولنا: (أحسن الظن إلا بخالد) الذي يشك فيه إن المراد من خالد هو خالد بن بكر أو خالد بن سعد، مثلا.

 2 - (الشبهة المصداقية)، وهي في فرض الشك في دخول فرد من أفراد العام في الخاص مع وضوح مفهوم الخاص، بأن كان مبينا لا إجمال فيه، كما إذا شك في مثال الماء السابق إن ماء معينا، أتغير بالنجاسة فدخل في حكم الخاص أم لم يتغير فهو لا يزال باقيا على طهارته.

والكلام في الشبهتين يختلف اختلافا بين, فلنفرد لكل منهما بحثا مستقلا.

(أ - الشبهة المفهومية): الدوران في الشبهة المفهومية (تارة) يكون بين الأقل والأكثر، كالمثال الأول، فإن الأمر دائر فيه بين تخصيص خصوص التغير الحسي أو يعم التقديري، (فالأقل) هو التغير الحسي، وهو المتيقن. (والأكثر) هو الأعم منه ومن التقديري , (وأخرى) يكون بين المتباينين كالمثال الثاني، فإن الأمر دائر فيه بين تخصيص خالد بن بكر، وبين خالد بن سعد، ولا قدر متيقن في البين, ثم على كل من التقديرين، أما إن يكون المخصص متصلا أو منفصلا. والحكم في المقام يختلف باختلاف هذه الأقسام الأربعة في الجملة، فلنذكرها بالتفصيل:

1، 2 - فيما إذا كان المخصص (متصلا) : سواء كان الدوران فيه بين الأقل الأكثر أو بين المتباينين، فإن الحق فيه إن إجمال المخصص يسري إلى العام أي إنه لا يمكن التمسك بأصالة العموم لإدخال المشكوك في حكم العام. وهو واضح على ما ذكرناه سابقا من إن المخصص المتصل من نوع قرينة الكلام المتصلة، فلا ينعقد للعام ظهور إلا فيما عدا الخاص، فإذا كان الخاص مجملا سرى أجماله إلى العام، لأن ما عدا الخاص غير معلوم، فلا ينعقد للعام ظهور فيما لم يعلم خروجه عن عنوان الخاص.

3 - في الدوران بين (الأقل والأكثر) : إذا كان المخصص (منفصلا) فإن الحق فيه إن إجمال الخاص لا يسري إلى العام، أي إنه يصح التمسك بأصالة العموم لإدخال ما عدا الأقل في حكم العام. والحجة فيه واضحة بناء على ما تقدم في الفصل الثاني من إن العام المخصص بالمنفصل ينعقد له ظهور في العموم، وإذا كان يقدم عليه الخاص فمن باب تقديم أقوى الحجتين فإذا كان الخاص مجمل في الزائد على القدر المتيقن منه، فلا يكون حجة في الزائد، لأنه - حسب الفرض - مجمل لا ظهور له فيه، وإنما تنحصر حجيته في القدر المتيقن وهو الأقل فكيف يزاحم العام المنعقد ظهوره في الشمول لجميع أفراده التي منها القدر المتيقن من الخاص، ومنه القدر الزائد عليه المشكوك دخوله في الخاص, فإذا خرج القدر المتيقن بحجة أقوى من العام يبقى القدر الزائد لا مزاحم لحجية العام وظهوره فيه.

4 - في الدوران بين (المتباينين) : إذا كان المخصص (منفصلا)، فإن الحق فيه أن إجمال الخاص يسري إلى العام، كالمخصص المتصل، لأن المفروض حصول العلم الإجمالي بالتخصيص واقعا، وإن تردد بين شيئين، فيسقط العموم عن الحجية في كل واحد منهما.

والفرق بينه وبين المخصص المتصل المجمل إنه في المتصل يرتفع ظهور الكلام في العموم رأسا، وفي المنفصل المردد بين المتباينين ترتفع حجية الظهور، وإن كان الظهور البدوي باقيا، فلا يمكن التمسك بأصالة العموم في أحد المرددين , بل لو فرض إنها تجري بالقياس إلى أحدهما فهي تجري أيضا بالقياس إلى الآخر، ولا يمكن جريانهما معا لخروج أحدهما عن العموم قطعا، فيتعارضان ويتساقطان, وإن كان الحق إن نفس وجود العلم الإجمالي يمنع من جريان أصالة العموم في كل منهما رأسا لا إنها تجري فيهما فيحصل التعارض ثم التساقط.

 (ب - الشبهة المصداقية) قلنا: إن الشبهة المصداقية تكون في فرض الشك في دخول فرد من أفراد م ينطبق عليه العام في المخصص، مع كون المخصص مبينا لا إجمال فيه، وإنما الإجمال في المصداق, فلا يدرى إن هذا الفرد متصف بعنوان الخاص فخرج عن حكم العام، أم لم يتصف فهو مشمول لحكم العام، كالمثال المتقدم، وهو الماء المشكوك تغيره بالنجاسة، وكمثال الشك في اليد على مال إنها يد عادية أو يد أمانة، فيشك في شمول العام لها وهو قوله( صلى الله عليه وآله) : (على اليد ما أخذت حتى تؤدي)، لأنها يد عادية، أو خروجها منه لأنها يد أمانة، لما دل على عدم ضمان يد الأمانة المخصص لذلك العموم. ربما ينسب إلى المشهور من العلماء الاقدمين القول بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، ولذا أفتوا في مثال اليد المشكوكة بالضمان.

وقد يستدل لهذا القول: بأن انطباق عنوان العام على المصداق المردد معلوم فيكون العام حجة فيه ما لم يعارض بحجة أقوى، وأما انطباق عنوان الخاص عليه فغير معلوم، فلا يكون الخاص حجة فيه، فلا يزاحم العام، وهو نظير ما قلناه في المخصص المنفصل في الشبهة المفهومية عند الدوران بين الأقل والأكثر. والحق عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية في المتصل والمنفصل معا.

ودليلنا على ذلك: إن المخصص لما كان حجة أقوى من العام، فإنه موجب لقصر حكم العام على باقي أفراده، ورافع لحجية العام في بعض مدلوله والفرد المشكوك مردد بين دخوله فيما كان العام حجة فيه وبين خروجه عنه مع عدم دلالة العام على دخوله فيما هو حجة فيه، فلا يكون العام حجة فيه بلا مزاحم كما قيل في دليلهم, ولئن كان انطباق عنوان العام عليه معلوما، فليس هو معلوم الانطباق عليه بما هو حجة.

والحاصل إن هناك عندنا حجتين معلومتين حسب الفرض (إحداهما) العام، هو حجة فيما عدا الخاص. (وثانيتهما) المخصص، وهو حجة في مدلوله، والمشتبه مردد بين دخوله في تلك الحجة أو هذه الحجة, وبهذا يظهر الفرق بين الشبهة المصداقية وبين الشبهة المفهومية في المنفصل عند الدوران بين الأقل والأكثر, فإن الخاص في الشبهة المفهومية ليس حجة إلا في الأقل، والزائد المشكوك ليس مشكوك الدخول فيما كان الخاص معلوم الحجية فيه بل الخاص مشكوك إنه جعل حجة فيه أم لا , ومشكوك الحجية في شيء ليس بحجة - قطعا - في ذلك الشيء (1).

وأما العام فهو حجة إلا فيما كان الخاص حجة فيه , وعليه لا يكون الأكثر مرددا بين دخوله في تلك الحجة أو هذه الحجة، كالمصداق المردد، بل هو معلوم إن الخاص ليس حجة فيه لمكان الشك، فلا يزاحم حجية العام فيه, وأما فتوى المشهور بالضمان في اليد المشكوكة إنها يد عادية أو يد أمانة فلا يعلم إنها لأجل القول بجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، ولعل لها وجه آخر ليس المقام محل ذكره.

 (تنبيه) - في جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية إذ كان المخصص لبيا - المقصود من المخصص (اللبي): ما يقابل اللفظي، كالإجماع ودليل العقل اللذين هما دليلان وليسا من نوع الألفاظ فقد نسب إلى الشيخ المحقق الأنصاري (قدس سره) جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية مطلقا إذا كان المخصص لبي وتبعه جماعة من المتأخرين عنه.

وذهب المحقق شيخ أساتذتنا (صاحب الكفاية) قدس سره إلى التفصيل بين ما إذا كان المخصص اللبي مما يصح إن يتكل عليه المتكلم في بيان مراده بأن كان عقليا ضروريا، فإنه يكون كالمتصل، فلا ينعقد للعام ظهور في العموم فلا مجال للتمسك بالعام في الشبهة المصداقية - وبين ما إذا لم يكن كذلك، كما إذا لم يكن التخصيص ضروريا على وجه يصح إن يتكل عليه المتكلم، فإنه لا مانع من التمسك بالعام في الشبهة المصداقية، لبقاء العام على ظهوره، وهو حجة بلا مزاحم , واستشهد على ذلك بما ذكره من الطريقة المعروفة والسيرة المستمرة المألوفة بين العقلاء، كم إذا أمر المولى منهم عبده بإكرام جيرانه، وحصل القطع للعبد بأن المولى لا يريد إكرام من كان عدوا له من الجيران، فإن العبد ليس له ألا يكرم من يشك في عداوته، وللمولى إن يؤاخذه على عدم إكرامه ولا يصح منه الاعتذار بمجرد احتمال العداوة، لأن بناء العقلاء وسيرتهم هي ملاك حجية أصالة الظهور، فيكون ظهور العام - في هذا المقام - حجة بمقتضى بناء العقلاء, وزاد على ذلك بأنه يستكشف من عموم العام للفرد المشكوك إنه ليس فردا للخاص الذي علم خروجه من حكم العام , ومثل له بعموم قوله (لعن الله بني فلأن قاطبة) المعلوم منه خروج من كان مؤمنا منهم فإن شك في أيمان شخص يحكم بجواز لعنه للعموم. وكل من جاز لعنه ليس مؤمنا. فينتج من الشكل الأول (هذا الشخص ليس مؤمنا).

هذا خلاصة رأي صاحب الكفاية (قدس سره) ولكن شيخنا المحقق الكبير النائيني أعلى الله مقامه لم يرتض هذا التفصيل , ولا إطلاق رأي الشيخ قدس سره، بل ذهب إلى تفصيل آخر. (وخلاصته): إن المخصص اللبي سواء كان عقليا ضروريا يصح إن يتكل عليه المتكلم في مقام التخاطب، أو لم يكن كذلك، بأن كان عقليا نظريا أو إجماعا - فإنه كالمخصص اللفظي كاشف عن تقييد المراد الواقعي في العام: من عدم كون موضوع الحكم الواقعي باقيا على إطلاقه الذي يظهر فيه العام فلا مجال للتمسك بالعام في الفرد المشكوك بلا فرق بين اللبي واللفظي، لأن المانع من التمسك بالعام مشترك بينهما وهو انكشاف تقييد موضوع الحكم واقعا , ولا يفرق في هذه الجهة بين إن يكون الكاشف لفظي أو لبيا.

واستثنى من ذلك ما إذا كان المخصص اللبي لم يستكشف منه تقييد موضوع الحكم واقعا، بأن كان العقل إنما أدرك ما هو ملاك حكم الشارع واقعا، أو قام الإجماع على كونه ملاكا لحكم الشارع (كما إذا أدرك العقل أو قام الإجماع على إن ملاك لعن بني فلأن هو كفرهم) فإن ذلك لا يوجب تقييد موضوع الحكم لأن الملاك لا يصلح لتقييده، بل من العموم يستكشف وجود الملاك في جميعهم.

فإذا شك في وجود الملاك في فرد يكون عموم الحكم كاشفا عن وجوده فيه , نعم لو علم بعدم وجود الملاك في فرد يكون الفرد نفسه خارجا كما لو أخرجه المولى بالنص عليه، لا إنه يكون كالمقيد لموضوع العام , وأما سكوت المولى عن بيانه، فهو أما لمصلحة أو لغفلة إذا كان من الموالي العاديين, نعم لو تردد الأمر بين إن يكون المخصص كاشفا عن الملاك أو مقيدا لعنوان العام فإن التفصيل الذي ذكره صاحب الكفاية يكون وجيها.

(والحاصل): إن المخصص إن أحرزنا إنه كاشف عن تقييد موضوع العام، فلا يجوز التمسك بالعموم في الشبهة المصداقية أبدا، وإن أحرزنا إنه كاشف عن ملاك الحكم فقط من دون تقييد فلا مانع من التمسك بالعموم، بل يكون كاشفا عن وجود الملاك في المشكوك وإن تردد أمره ولم يحرز كونه قيدا أو ملاكا، فإن كان حكم العقل ضروريا يمكن الاتكال عليه في التفهيم فيلحق بالقسم الأول، وإن كان نظريا أو إجماعا لا يصح الاتكال عليه فيلحق بالقسم الثاني، فيتمسك بالعموم، لجواز إن يكون الفرد المشكوك قد أحرز المولى وجود الملاك فيه، مع احتمال إن ما أدركه العقل أو قام عليه الإجماع من قبيل الملاكات , هذا كله حكاية أقوال علمائنا في المسألة. وإنما أطلت في نقلها لأن هذه المسألة حادثة، أثاره شيخنا الأنصاري (قدس سره) مؤسس الأصول الحديث.

واختلف فيها أساطين مشايخنا ونكتفي بهذا المقدار دون بيان ما نعتمد عليه من الأقوال لئلا نخرج عن الغرض الذي وضعت له الرسالة, وبالاختصار إن ما ذهب إليه الشيخ هو الأولى بالاعتماد , ولكن مع تحرير لقوله على غير ما هو المعروف عنه (1).

6 - لا يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص : لا شك في إن بعض عمومات القران الكريم والسنة الشريفة ورد لها مخصصات منفصلة شرحت المقصود من تلك العمومات وهذا معلوم من طريقة صاحب الشريعة والأئمة الأطهار عليهم الصلاة والسلام حتى قيل: (ما من عام الا وقد خص).

ولذا ورد عن أئمتنا ذم من استبدوا برأيهم في الأحكام، لأن في الكتاب المجيد والسنة عاما وخاصا ومطلقا ومقيدا , وهذه الأمور لا تعرف إلا من طريق آل البيت عليهم السلام , وهذا ما أوجب التوقف في التسرع بالأخذ بعموم العام قبل الفحص واليأس من وجود المخصص لجواز إن يكون هذا العام من العمومات التي لها مخصص موجود في السنة أو في الكتاب لم يطلع عليه من وصل إليه العام , وقد نقل عدم الخلاف بل الإجماع على عدم جواز الأخذ بالعام قبل الفحص واليأس وهو الحق.

والسر في ذلك واضح لما قدمناه، لأنه إذا كانت طريقة الشارع في بيان مقاصده تعتمد على القرائن المنفصلة لا يبقى اطمئنان بظهور العام في عمومه فإنه يكون ظهورا بدويا وللشارع الحجة على المكلف إذا قصر في الفحص عن المخصص.

أما إذا بذل وسعه وفحص عن المخصص في مظانه، حتى حصل له الاطمئنان بعدم وجوده فله الأخذ بظهور العام , وليس للشارع حجة عليه فيما لو كان هناك مخصصا واقعا، لم يتمكن المكلف من الوصول إليه عادة بالفحص بل للمكلف إن يحتج فيقول: إني فحصت عن المخصص فلم أظفر به، ولو كان مخصص هناك كان ينبغي بيانه على وجه لو فحصنا عنه عادة لوجدناه في مظانه. وإلا فلا حجة فيه علينا.

وهذا الكلام جار في كل ظهور، فإنه لا يجوز الأخذ به الا بعد الفحص عن القرائن المنفصلة. فإذا فحص المكلف ولم يظفر بها فله إن يأخذ بالظهور ويكون حجة عليه , ومن هنا نستنتج قاعدة عامة تأتي في محلها ونستوفي البحث عنها إن شاء الله تعالى، والمقام من صغرياتها، وهي: (إن أصالة الظهور لا تكون حجة إلا بعد الفحص واليأس عن القرينة).

أما بيان مقدار الفحص الواجب أهو الذي يوجب اليأس على نحو القطع بعدم القرينة أو على نحو الظن الغالب والاطمئنان بعدمها؟؟، فذلك موكول إلى محله , والمختار كفاية الاطمئنان, والذي يهون الخطب في هذه العصور المتأخرة أن علمائنا قدس الله تعالى أرواحهم قد بذلوا جهودهم على تعاقب العصور في جمع الأخبار وتبويبها والبحث عنها وتنقيحها في كتب الأخبار والفقه، حتى إن الفقيه أصبح الآن يسهل عليه الفحص عن القرائن بالرجوع إلى مظانها المهيئة، فإذا لم يجده بعد الفحص يحصل له القطع غالبا بعدمها.

 7 - تعقيب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده : قد يرد عام ثم ترد بعده جملة فيها ضمير يرجع إلى بعض أفراد العام بقرينة خاصة. مثل قوله تعالى  {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } [البقرة: 228] إلى قوله: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: 228] فإن المطلقات عامة للرجعيات وغيرها، ولكن الضمير في بعولتهن يراد به خصوص الرجعيات.

فمثل هذا الكلام يدور فيه الأمر بين مخالفتين للظاهر، أما:

 1 - مخالفة ظهور العام في العموم، بأن يجعل مخصوصا بالبعض الذي يرجع إليه الضمير. وأما:

 2 - مخالفة ظهور الضمير في رجوعه إلى ما تقدم عليه من المعنى الذي دل عليه اللفظ بأن يكون مستعمل على سبيل الاستخدام، فيراد منه البعض، والعام يبقى على دلالته على العموم - فأي المخالفتين أولى؟ وقع الخلاف على أقوال ثلاثة:

 (الأول) - إن أصالة العموم هي المقدمة، فيلتزم بالمخالفة الثانية.

(الثاني) - إن أصالة عدم الاستخدام هي المقدمة، فيلتزم بالمخالفة الأولى.

(الثالث) - عدم جريان الأصلين معا، والرجوع إلى الأصول العملية. أما عدم جريان أصالة العموم فلوجود ما يصلح إن يكون قرينة في الكلام وهو عود الضمير على البعض، فلا ينعقد ظهور العام في العموم , وأما إن أصالة عدم الاستخدام لا تجري فلأن الأصول اللفظية يشترط في جريانها - كما سبق أول الكتاب - إن يكون الشك في مراد المتكلم، فلو كان المراد معلوما - كما في المقام - وكان الشك في كيفية الاستعمال، فلا تجري قطعا, والحق إن أصالة العموم جارية ولا مانع منها، لأن ننكر إن يكون عود الضمير إلى بعض أفراد العام موجبا لصرف ظهور العموم، إذ لا يلزم من تعين البعض من جهة مرجعية الضمير بقرينة إن يتعين إرادة البعض من جهة حكم العام الثابت له بنفسه لأن الحكم في الجملة المشتملة على الضمير غير الحكم في الجملة المشتملة على العام، ولا علاقة بينهما، فلا يكون عود الضمير على بعض العام من القرائن التي تصرف ظهوره عن عمومه.

واعتبر ذلك في المثال، فلو قال المولى: (العلماء يجب إكرامهم) ثم قال: (وهم يجوز تقليدهم) وأريد من ذلك (العدول) بقرينة، فإنه واضح في هذا المثال إن تقييد الحكم الثاني بالعدول لا يوجب تقييد الحكم الأول بذلك، بل ليس فيه إشعار به ولا يفرق في ذلك بين إن يكون التقييد بمتصل كما في مثالنا أو بمنفصل كما في الآية.

 8 - تعقيب الاستثناء لجمل متعددة : قد ترد عمومات متعددة في كلأم واحد ثم يتعقبها استثناء في أخرها فيشك حينئذ في رجوع الاستثناء لخصوص الجملة الأخيرة أو لجميع الجمل , مثاله قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا } [النور: 4، 5] فإنه يحتمل إن يكون هذا الاستثناء من الحكم الأخير فقط وهو فسق هؤلاء , ويحتمل إن يكون استثناء منه ومن الحكم بعدم قبول شهادتهم والحكم بجلدهم الثمانين, واختلف العلماء في ذلك على أربعة أقوال:

 1 - ظهور الكلام في رجوع الاستثناء إلى خصوص الجملة الأخيرة، وإن كان رجوعه إلى غير الأخيرة ممكنا، ولكنه يحتاج إلى قرينة عليه.

 2 - ظهوره في رجوعه إلى جميع الجمل. وتخصيصه بالأخيرة فقط هو الذي يحتاج إلى الدليل.

3 - عدم ظهوره في واحد منها، وإن كان رجوعه إلى الأخيرة متيقنا على كل حال .

أما ما عدا الأخيرة فتبقى مجملة لوجود ما يصلح للقرينة فل ينعقد لها ظهور في العموم، فلا تجري أصالة العموم فيها.

4 - التفصيل بين ما إذا كان الموضوع واحدا للجمل المتعاقبة لم يتكرر ذكره، وقد ذكر في صدر الكلام مثل قولك: (أحسن إلى الناس واحترمهم واقض حوائجهم إلا الفاسقين) - وبين ما إذا كان الموضوع متكررا ذكره لكل جملة كالآية الكريمة المتقدمة، وإن كان الموضوع في المعنى واحدا في الجميع , فإن كان من قبيل الأول فهو ظاهر في رجوعه إلى الجميع لأن الاستثناء إنما هو من الموضوع باعتبار الحكم، والموضوع لم يذكر إلا في صدر الكلام فقط، فلا بد من رجوع الاستثناء إليه، فيرجع إلى الجميع.

وإن كان من قبيل الثاني، فهو ظاهر في الرجوع إلى الأخيرة، لأن الموضوع قد ذكر فيها مستقلا فقد أخذ الاستثناء محله، ويحتاج تخصيص الجمل السابقة إلى دليل آخر مفقود بالفرض، فيتمسك بأصالة عمومها.

وأما ما قيل: إن المقام من باب اكتناف الكلام بما يصلح لأن يكون قرينة، فلا ينعقد للجمل الأولى ظهور في العموم - فلا وجه له، لأنه لما كان المتكلم حسب الفرض قد كرر الموضوع بالذكر ، واكتفى باستثناء واحد، وهو يأخذ محله بالرجوع إلى الأخيرة، فلو أراد إرجاعه إلى الجميع لوجب إن ينصب قرينة على ذلك وإلا كان مخل ببيانه.

وهذا (القول الرابع) هو أرجح الأقوال، وبه يكون الجمع بين كلمات العلماء: فمن ذهب إلى القول برجوعه إلى خصوص الأخيرة، فلعله كان ناظرا إلى مثل الآية المباركة التي تكرر فيها الموضوع, ومن ذهب إلى القول برجوعه إلى الجميع فلعله كان ناظرا إلى الجمل التي لم يذكر فيها الموضوع إلا في صدر الكلام فيكون النزاع على هذا لفظيا، ويقع التصالح بين المتنازعين.

 9 - التخصيص العام بالمفهوم : (المفهوم) ينقسم كما تقدم إلى الموافق والمخالف، فإذا ورد عام ومفهوم أخص مطلقا، فلا كلأم في تخصيص العام بالمفهوم إذا كان (مفهوما موافقا)، مثاله قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] فإنه عام يشمل كل عقد يقع باللغة العربية وغيرها، فإذا ورد دليل على اعتبار إن يكون العقد بصيغة الماضي فقد قيل إنه يدل بالأولوية على اعتبار العربية في العقد، لأنه لما دل على عدم صحة العقد بالمضارع من العربية، فلئن لم يصح من لغة أخرى فمن طريق أولى, ولا شك إن مثل هذا المفهوم إن ثبت فإنه يخصص العام المتقدم، لأنه كالنص أو أظهر من عموم العام، فيقدم عليه.

وأما التخصيص (بالمفهوم المخالف) فمثاله قوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ } [يونس: 36] الدال بعمومه على عدم اعتبار كل ظن حتى الظن الحاصل من خبر العادل. وقد وردت أية أخرى هي: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ...} [الحجرات: 6] الدالة بمفهوم الشرط على جواز الأخذ بخبر غير الفاسق بغير تبين.

فهل يجوز تخصيص ذلك العام بهذا المفهوم المخالف؟ قد اختلفوا على أقوال: فقد قيل بتقديم العام ولا يجوز تخصيصه بهذا المفهوم, وقيل بتقديم المفهوم, وقيل بعدم تقديم أحدهما على الآخر فيبقى الكلام مجملا , وفصل بعضهم تفصيلات كثيرة يطول الكلام عليه , (والسر في هذا الخلاف) إنه لما كان ظهور المفهوم المخالف ليس من القوة بحيث يبلغ درجة ظهور المنطوق أو المفهوم الموافق - وقع الكلام في إنه أقوى من ظهور العام فيقدم عليه، أو إن العام أقوى فهو المقدم، أو أنهما متساويان في درجة الظهور فل يقدم أحدهما على الآخر، أو إن ذلك يختلف باختلاف المقامات.

والحق إن المفهوم لم كان أخص من العام حسب الفرض فهو قرينة عرفا على المراد من العام، والقرينة تقدم على ذي القرينة وتكون مفسرة لما يراد من ذي القرينة، ولا يعتبر إن يكون ظهورها أقوى من ظهور ذي القرينة, نعم لو فرض إن العام كان نصا في العموم فإنه يكون هو قرينة على المراد من الجملة ذات المفهوم فلا يكون لها مفهوم حينئذ وهذا أمر آخر.

 10 - تخصيص الكتاب العزيز بخبر الواحد : يبدو من الصعب على المبتدئ إن يؤمن لأول وهلة بجواز تخصيص العام الوارد في القران الكريم بخبر الواحد، نظرا إلى إن الكتاب المقدس إنما هو وحي منزل من الله لا ريب فيه، والخبر ظني يحتمل فيه الخطأ والكذب، فكيف يقدم على الكتاب. ولكن سيرة العلماء من القديم على العمل بخبر الواحد إذا كان مخصصا للعام القرآني، بل لا تجد على الأغلب خبرا معمولا به من بين الأخبار التي بأيدينا في المجاميع إلا وهو مخالف لعام أو مطلق في القران، ولو مثل عمومات الحل ونحوها, بل على الظاهر إن مسألة تقديم الخبر الخاص على الآية القرآنية العامة من المسائل المجمع عليها من غير خلاف بين علمائنا، فما السر في ذلك مع قلناه؟ نقول: لا ريب في إن القران الكريم - وإن كان قطعي السند – فيه متشابه ومحكم (نص على ذلك القران نفسه)، والمحكم نص وظاهر، والظاهر منه عام ومطلق. كما لا ريب أيضا في إنه ورد في كلأم النبي والأئمة عليهم الصلاة والسلام ما يخصص كثيرا من عمومات القران وما يقيد كثيرا من مطلقاته، وما يقوم قرينة على صرف جملة من ظواهره.

وهذا قطعي لا يشك فيه أحد. فإن كان الخبر قطعي الصدور فلا كلأم في ذلك، وإن كان غير قطعي الصدور، وقد قام الدليل القطعي على إنه حجة شرعا، لأنه خبر عادل مثلا، وكان مضمون الخبر أخص من عموم الآية القرآنية - فيدور الأمر بين إن نطرح الخبر بمعنى إن نكذب راوية وبين إن نتصرف بظاهر القران، لأنه لا يمكن التصرف بمضمون الخبر، لأنه نص أو أظهر، ولا بسند القران لأنه قطعي , ومرجع ذلك إلى الدوران - في الحقيقة - بين مخالفة الظن بصدق الخبر وبين مخالفة الظن بعموم الآية. أو فقل يدور الأمر بين طرح دليل حجية الخبر وبين طرح أصالة العموم، فأي الدليلين أولى بالطرح؟ وأيهما أولى بالتقديم؟ فنقول: لا شك إن الخبر صالح لأن يكون قرينة على التصرف في ظاهر الكتاب، لأنه بدلالته ناظر ومفسر لظاهر الكتاب بحسب الفرض.

وعلى العكس من ظاهر الكتاب، فإنه غير صالح لرفع اليد عن دليل حجية الخبر لأنه لا علاقة له فيه من هذه الجهة - حسب الفرض - حتى يكون ناظرا إليه ومفسرا له. فالخبر لسانه لسان المبين للكتاب فيقدم عليه , وليس الكتاب بظاهره بصدد بيان دليل حجية الخبر حتى يقدم عليه. وإن شئت فقل: إن الخبر بحسب الفرض قرينة على الكتاب، والأصل الجاري في القرينة - وهو هنا أصالة عدم كذب الراوي - مقدم على الأصل الجاري في ذي القرينة، وهو هن أصالة العموم.

 11 - الدوران بين التخصيص والنسخ : اعلم إن العام والخاص المنفصل يختلف حالهما من جهة العلم بتأريخهما معا أو بتأريخ أحدهما، أو الجهل بهما معا: فقد يقال في بعض الأحوال بتعيين أن يكون الخاص ناسخا للعام أو منسوخا له، أو مخصصا إياه, وقد يقع الشك في بعض الصور ولتفصيل الحال نقول: إن الخاص والعام من ناحية تأريخ صدورهما لا يخلوان من خمس حالات، فأما إن يكونا معلومي التأريخ، أو مجهولي التأريخ، أو أحدهما مجهولا والآخر معلوما هذه ثلاث صور.

ثم المعلوم تاريخهما: أما إن يعلم تقارنهما عرفا أو يعلم تقدم العام أو يعلم تأخر العام فتكون الصور خمسا:

(الصورة الأولى) إذا كانا معلومي التأريخ مع العلم بتقارنهما عرفا، فإنه لا مجال لتوهم النسخ فيهما.

 ( الصورة الثانية) إذا كانا معلومي التاريخ مع تقدم العام، فهذه على صورتين:

 1 - إن يكون ورود الخاص قبل العمل بالعام. والظاهر إنه لا إشكال حينئذ في حمله على التخصيص بغير كلأم، أما لأن النسخ لا يكون قبل وقت العمل بالمنسوخ كما قيل، وأما لأن الأولى فيه التخصيص كما سيأتي في الصورة الآتية.

 2 - إن يكون وروده بعد وقت العمل بالعام: وهذه الصورة هي أشكل الصور، وهي التي وقع فيها الكلام في إن الخاص يجب إن يكون ناسخا، أو يجوز إن يكون مخصصا ولو في بعض الحالات, ومع الجواز يتكلم حينئذ في إن الحمل على التخصيص هو الأولى، أو الحمل على النسخ. فالذي يذهب إلى وجوب إن يكون الخاص ناسخ فهو ناظر إلى إن العام لما ورد وحل وقت العمل به بحسب الفرض، فتأخير الخاص عن وقت العمل لو كان مخصصا ومبينا لعموم العام يكون من باب تأخير البيان عن وقت الحاجة، وهو قبيح من الحكيم، لأن فيه إضاعة للأحكام ولمصالح العباد بلا مبرر, فوجب إن يكون ناسخا للعام، والعام باق على عمومه يجب العمل به إلى حين ورود الخاص فيجب العمل ثانيا على طبق الخاص.

وأما من ذهب إلى جواز كونه مخصصا، فلعله ناظر إلى أن العام يجوز أن يكون واردا لبيان حكم ظاهري صوري لمصلحة اقتضت كتمان الحكم الواقعي، ولو مصلحة التقية، أو مصلحة التدرج في بيان الأحكام كما هو المعلوم من طريقة النبي (صلى الله عليه وآله) في بيان أحكام الشريعة، مع إن الحكم الواقعي التابع للمصالح الواقعية الثابتة للأشياء بعناوينها الأولية إنما هو على طبق الخاص , فإذا جاء الخاص يكون كاشفا عن الحكم الواقعي، فيكون مبينا للعام ومخصصا له، وأما الحكم العام الذي ثبت أولا ظاهرا وصورة إن كان قد ارتفع وأنتهى أمده، فإنه إنما ارتفع لارتفاع موضوعه وليس هو من باب النسخ, وإذا جاز إن يكون العام واردا على هذا النحو من بيان الحكم ظاهرا وصورة، فإن ثبت ذلك كان الخاص مخصصا أي كان كاشفا عن الواقع قطعا, وإن ثبت إنه في صدد بيان الحكم الواقعي التابع للمصالح الواقعية الثابتة للأشياء بعناوينه الأولية، فلا شك في إنه يتعين كون الخاص ناسخا له.

وأما لو دار الأمر بينهما إذ لم يقم دليل على تعيين أحدهما، فأيهما أرجح في الحمل؟ فنقول: الأقرب إلى الصواب هو الحمل على التخصيص , و(الوجه فيه) إن أصالة العموم بما هي لا تثبت أكثر من إن م يظهر من العام هو المراد الجدي للمتكلم، ولا شك إن الحكم الصوري الذي نسميه بالحكم الظاهري كالواقع مراد جدي للمتكلم لأنه مقصود بالتفهيم، فالعام ليس ظاهرا إلا في إن المراد الجدي هو العموم سواء كان العموم حكما واقعيا أو صوريا.

أما إن الحكم واقعي فلا يقتضيه الظهور أبدا حتى يثبت بأصالة العموم، لا سيما إن المعلوم من؟؟ طريقة صاحب الشريعة هو بيان العمومات مجردة عن قرائن التخصيص، ويكشف المراد الواقعي منه بدليل منفصل، حتى اشتهر القول بأنه (ما من عام إلا وقد خص) كما سبق, وعليه فلا دليل من أصالة العموم على إن الحكم واقعي حتى نلتجيء إلى الحمل على النسخ، بل إرادة الحكم الواقعي من العام على ذلك الوجه يحتاج إلى مؤنة بيان زائدة أكثر من ظهور العموم. ولأجل هذا قلنا: إن الحمل على التخصيص أقرب إلى الصواب من الحمل على النسخ، وإن كان كل منهما ممكن.

 (الصورة الثالثة) إذا كانا معلومي التاريخ مع تقدم الخاص، فهذه أيضا على صورتين:

1 - إن يرد العام قبل وقت العمل بالخاص، فلا ينبغي الإشكال في كون الخاص مخصصا.

 2 - إن يرد بعد وقت العمل بالخاص، فلا مجال لتوهم وجوب الحمل على النسخ من جهة قبح تأخير البيان عن وقت الحاجة، لأنه من باب تقديم البيان قبل وقت الحاجة، ولا قبح فيه أصلا. ومع ذلك قيل بلزوم الحمل على النسخ، ولعل نظر هذا القائل إلى إن أصالة العموم جارية، ولا مانع منها الا احتمال إن يكون الخاص المتقدم مخصصا وقرينة على العام، ولكن أيضا يحتمل إن يكون منسوخا بالعام، فلا يحرز إنه من باب القرينة, ولا شك إن الخاص المنفصل إنما يقدم على العام لأنه أقوى الحجتين وقرينة عليه, ومع هذ الاحتمال لا يكون الخاص المنفصل أقوى في الظهور من العام.

(قلت): الاصوب إن يحمل على التخصيص كالصورة السابقة، لما تقدم من إن العام لا يدل على أكثر من إن المراد جدي، ولا يدل في نفسه على إن الحكم واقعي تابع للمصالح الواقعية الثابتة للأشياء بعناوينها الأولية, وإنما يكون العام ناسخا للخاص إذا كانت دلالته على هذا النحو، وإلا فالعمومات الواردة في الشريعة على الأغلب ليست كذلك.

وأما احتمال النسخ، فل يقلل من ظهور الخاص في نفسه قطعا، كما لا يرفع حجيته فيما هو ظاهر فيه، فلا يخرجه عن كونه صالحا لتخصيص العام، فيقدم عليه، لأنه أقوى في نفسه ظهور.

بل يمكن إن يقال: إن العام اللاحق للخاص لا ينعقد له ظهور في العموم إلا بودي بالنسبة إلى من لا يعلم بسبق الخاص، لجواز إن يعتمد المتكلم في بيان مراده على سبقه، فيكون المخصص السابق كالمخصص المتصل أو قرينة كال الحالية، فلا يكون العام ظاهرا في العموم حتى يتوهم إنه ظاهر في ثبوت الحكم الواقعي.

(الصورتان الرابعة والخامسة) إذا كانا مجهولي التاريخ أو أحدهما فقط كان مجهولا، فإنه يعلم الحال فيهما مما تقدم، فيحمل على التخصيص بلا كلام, ولا وجه لتوهم النسخ لا سيما بعد إن رجحنا التخصيص في جميع الصور، وهذا واضح لا يحتاج إلى مزيد بيان.

_________________
(1) سيأتي في (مباحث الحجة): إن قوام حجية الشيء بالعلم، لأنه إنما يكون الشيء صالحا لأن يحتج به المولى على العبد إذا كان وأصلا إليه بالعلم، فالعلم مأخوذ في موضوع الحجة فعند الشك في حجية شيء يرتفع موضوعها، فيعلم بعدم حجيته. ومعنى الشك في حجيته احتمال إنه نصبه الشارع حجة واقعا على تقدير وصوله. وحيث لم يصل نقطع بعدم حجيته فعلا فيزول ذلك الاحتمال البدوي عند الالتفات إلى ذلك لا إنه حين الشك في الحجية يقطع بعدم الحجية وإلا للزم اجتماع الشك والقطع بشيء واحد في إن واحد وهو محال.

(2) وتوضيح ذلك: إن كل عام ظاهر في العموم لا بد إن يتضمن ظهورين. 1 - ظهوره في عدم منافاة أية صفة من الصفات أو أي عنوان من العناوين لحكمه. 2 - ظهوره في عدم وجود المنافي أيضا. أي إنه ظاهر في عدم المنافاة وعدم المنافي معه. فإن معنى ظهور عموم (أكرم جيراني) - مثلا -: إنه ليس هناك صفة أو عنوان ينافي الحكم بوجوب إكرام الجيران، نحو صفة العداوة أو الفسق أو نحو ذلك، كما إن معناه أيضا إنه ليس يوجد في الجيران من فيه صفة أو عنوان ينافي الحكم بوجوب إكرامه. وهذا واضح لا غبار فيه. فإذا جاء بعد انعقاد هذا الظهور في العموم مخصص منفصل لفظي، كما لو قال في المثال المتقدم: (لا تكرم الأعداء من جيراني)، فإن هذا المخصص لا شك في إنه لا يكون ظاهر في أمرين:

1 - إن صفة العداوة منافية لوجوب الإكرام:

2 - إن في الجيران من هو على صفة العداوة فعلا أو يتوقع منه إن يكون عدوا، وإلا لو لم يوجد العدو ولا يتوقع فيهم لكان هذا التخصيص لغوا وعبثا لا يصدر من الحكيم. وعلى ذلك فيكون المخصص اللفظي مزاحما للعام في الظهورين معا، فيسقط عن الحجية فيهما معا. فإذا شككنا في فرد من الجيران إنه عدو أم لا، فلا مجال فيه للتمسك بالعام في إلحاقه بحكمه، لسقوط العام عن حجيته في شموله له، إذ يكون هذا الفرد مرددا بين دخوله فيما أصبح العام حجة فيه وبين دخوله فيما كان الخاص حجة فيه. أما لو كان هناك مخصص لبي، كما لو حكم العقل - مثلا - بأن العداوة تنافي وجوب الإكرام، فإن هذا الحكم من العقل لا يتوقف على إن يكون هناك أعداء بالفعل أو متوقعون، بل العقل يحكم بهذا الحكم سواء كان هناك أعداء أم لم يكونوا أبدا، إذ لا مجال للقول بأنه لو لم يكن هناك أعداء لكان حكم العقل لغوا وعبثا، كما هو واضح بأدنى تأمل والتفات. وعليه، فالحكم العقلي هذا لا يزاحم الظهور الثاني العام، أعنى ظهوره في عدم المنافي، فظهوره الثاني هذا يبقى بل مزاحم. فإذا شككنا في فرد من الجيران إنه عدو أم لا فلا مانع من التمسك بالعام في إدخاله في حكمه، لأنه لا يكون هذا الفرد مرددا بين دخوله في هذه الحجة أو هذه الحجة، إذ المخصص اللبي حسب الفرض لا يقتضي وجود المنافي وليس حجة فيه، أما العام فهو حجة فيه بلا مزاحم.

فظهر من هذا البيان إن الفرق عظيم بين المخصص اللبي والمخصص اللفظي من هذه الناحية، لأنه في المخصص اللبي يبقى العام حجة في ظهوره الثاني من دون إن يكون المختص متعرضا له، ولا يسقط العام عن الحجية في ظهوره إلا بمقدار المزاحمة لا أكثر.

وهذا بخلاف المخصص اللفظي فإنه ظاهر في الأمرين معا كما قدمناه، فيكون مزاحما للعام فيهما معا. ولا فرق في المخصص اللبي بين إن يكون ضروريا أو يكون غير ضروري، ولا بين إن يكون كاشفا عن تقييد موضوع العام أو كاشفا عن ملاك الحكم، فإنه في جميع هذه الصور لا يقتضي وجود المنافي. وبهذا التحرير للمسألة يتجلى مرام الشيخ الأعظم إنه الأولى بالاعتماد.




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.


جامعة الكفيل تنظم ورشة عمل حول متطلبات الترقيات العلمية والإجراءات الإدارية
خَدَمة العتبتَينِ المقدّستَينِ يُحيون ذكرى هدم قبور أئمّة البقيع (عليهم السلام)
قسم السياحة: (71) عجلة ستشارك في نقل الطلاب للمشاركة في حفل التخرج المركزي
جمعية العميد تصدر وقائع المؤتمر العلمي الدولي السنوي التاسع لفكر الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)