أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-8-2016
806
التاريخ: 24-8-2016
629
التاريخ: 24-8-2016
891
التاريخ: 24-8-2016
855
|
القاعدة العملية الثانوية في حالة الشك التي ترفع موضوع القاعدة الاولى هي البراء ة الشرعية ويقع الكلام عن اثباتها في مبحثين: احدهما: في ادلتها. والآخر: في الاعتراضات العامة التي قد توجه إلى تلك الادلة بعد افتراض دلالتها: -
ادلة البراء ة الشرعية:
وقد استدل عليها بالكتاب الكريم والسنة.
ادلة البراء ة من الكتاب:
اما من الكتاب الكريم فقد استدل بعدة آيات: منها: قوله سبحانه وتعالى:
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] بدعوى ان اسم الموصول يشمل التكليف بالإطلاق كما يشمل المال والفعل فيدل على انه لا يكلف بتكليف الا اذا اتاه وايتاء التكليف معناه عرفا وصوله إلى المكلف فتدل الآية على نفي الكلفة من ناحية التكاليف غير الواصلة.
وقد اعترض الشيخ الانصاري (رحمه الله) على دعوى اطلاق اسم الموصول باستلزامه استعمال الهيئة القائمة بالفعل والمفعول في معنيين لان التكليف بمثابة المفعول المطلق والمال والفعل بمثابة المفعول به ونسبة الفعل إلى مفعوله المطلق مغايرة لنسبته إلى المفعول به فكيف يمكن الجمع بين النسبتين في استعمال واحد؟ وهناك جوابان على هذا الاعتراض:
الاول: - ما ذكره المحقق العراقي (رحمه الله) من أخذ الجامع بين النسبتين.
ويرد عليه انه ان اريد الجامع الحقيقي بينهما فهو مستحيل لما تقدم في مبحث المعاني الحرفية من امتناع انتزاع الجامع الحقيقي بين النسب، وان اريد بذلك افتراض نسبة ثالثة مباينة للنسبتين الا انها تلائم المفعول المطلق والمفعول به معا فلا معين لارادتها من الكلام على تقدير تصور نسبة من هذا القبيل.
الثاني: - وهو الجواب الصحيح.
وحاصله: ان مادة الفعل في الآية هي الكلفة بمعنى الادانة ولا يراد بإطلاق اسم الموصول شموله لذلك بل لذات الحكم الشرعي الذي هو موضوع للإدانة فهو إذن مفعول به فلا اشكال. ثم ان البراء ة التى تستفاد من هذه الآية الكريمة ان كانت بمعنى نفي الكلفة بسبب التكليف غير المأتي فلا ينافيها ثبوت الكلفة بسبب وجوب الاحتياط إذا تم الدليل عليه فلا تنفع في معارضة ادلة وجوب الاحتياط، وان كانت البراء ة بمعنى نفي الكلفة في مورد التكليف غير المأتي فهي تنفي وجوب الاحتياط وتعارض مع ما يدعى من ادلته، والظاهر هو الحمل على الموردية لا السببية لان هذا هو المناسب بلحاظ الفعل والمال ايضا فالاستدلال بالآية جيد.
وبالنسبة إلى مدى الشمول فيها لا شك في شمولها للشبهات الوجوبية والتحريمية معا بل للشبهات الحكمية والموضوعية معا لان الايتاء ليس بمعنى ايتاء الشارع بما هو شارع ليختص بالشبهات الحكمية بل بمعنى الايتاء التكويني لانه المناسب للمال وللفعل. كما ان الظاهر عدم الاطلاق في الآية لحالة عدم الفحص لان ايتاء التكليف تكفي فيه عرفا مرتبة من الوصول وهي الوصول إلى مظان العثور بالفحص.
ومنها: قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15] وتقريب الاستدلال واضح بعد حمل كلمة رسول على المثال للبيان. وقد يعترض على ذلك تارة بأن الآية الكريمة إنما تنفي العقاب لا استحقاقه وهذا لا ينافي تنجز التكليف المشكوك إذ لعله من باب العفو. واخرى بانها ناظرة إلى العقاب الرباني في الدنيا للامم السالفة وهذا غير محل البحث.
والجواب على الاول: ان ظاهر النفي في الآية انه هو الطريقة العامة للشارع التي لا يناسبه غيرها كما يظهر من مراجعة امثال هذا التركيب عرفا وهذا معناه عدم الاستحقاق، ومنه يظهر الجواب على الاعتراض الثاني لان النكتة مشتركة مضافا إلى منع نظر الآية إلى العقوبات الدنيوية بل سياقها سياق استعراض عدة قوانين للجزاء الاخروي إذ وردت في سياق (لا تزر وازرة وزر أخرى) فان هذا شأن عقوبات الله في الآخرة لا في الدنيا، ولا منشأ لدعوى النظر المذكور الا ورود التعبير بصيغة الماضي في قوله (وما كنا) وهذا بنكتة افادة الشأنية والمناسبة ولا يتعين ان يكون بلحاظ النظر إلى الزمان الماضي خاصة.
ولكن يرد على الاستدلال بالآية الكريمة ما تقدم في الحلقة السابقة من ان الرسول انما يمكن اخذه كمثال لصدور البيان من الشارع لا للوصول الفعلي فلا تنطبق الآية في موارد صدوره وعدم وصوله. ثم ان البراء ة إذا استفيدت من هذه الآية فهي براء ة منوطة بعدم قيام دليل على وجوب الاحتياط لان هذا الدليل بمثابة الرسول ايضا. ومنها: قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [الأنعام: 145] إذ دل على ان عدم الوجدان كاف في اطلاق العنان. ويرد عليه:
أولا: ان عدم وجدان النبي فيما اوحي اليه يساوق عدم الحرمة واقعا.
وثانيا: - انه ان لم يساوق عدم الحرمة واقعا فعلى الاقل يساوق عدم صدور بيان من الشارع إذ لا يحتمل صدوره واختفاؤه على النبي، واين هذا من عدم الوصول الناشئ من احتمال اختفاء البيان.
وثالثا: - ان اطلاق العنان كما قد يكون بلحاظ اصل عملي قد يكون بلحاظ عمومات الحل التي لا يرفع اليد عنها الا بمخصص واصل.
ومنها: قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التوبة: 115].
وتقريب الاستدلال كما تقدم في الحلقة السابقة، وما يتقي ان اريد به ما يتقى بعنوانه انحصر بالمخالفة الواقعية للمولى فتكون البراء ة المستفادة من الآية الكريمة منوطة بعدم بيان الواقع، وان اريد به ما يتقى ولو بعنوان ثانوي ظاهري كعنوان المخالفة الاحتمالية كان دليل وجوب الاحتياط واردا على هذه البراء ة لانه بيان لما يتقي بهذا المعنى.
ادلة البراء ة من السنة:
واستدل من السنة بروايات: منها: ما روي عن الصادق عليه السلام من قوله: " كل شيء مطلق حق يرد فيه نهي "(1). وفي الرواية نقطتان لا بد من بحثهما: الاولى: ان الورود هل هو بمعنى الوصول ليكون مفاد الرواية البراء ة بالمعنى المقصود او الصدور لئلا يفيد في حالة احتمال صدور البيان من الشارع مع عدم وصوله؟. الثانية: ان النهي الذي جعل غاية هل يشمل النهي الظاهري المستفاد من ادلة وجوب الاحتياط او لا؟.
فعل الاول تكون البراء ة المستفادة ثابتة بدرجة يصلح دليل وجوب الاحتياط للورود عليها، وعلى الثاني تكون بنفسها نافية لوجوب الاحتياط.
اما النقطة الاولى: فقد يقال بتردد الورود بين الصدور والوصول وهو موجب للإجمال الكافي لأسقاط الاستدلال وقد تعين ارادة الوصول بأحد وجهين: الاول: - ما ذكره السيد الاستاذ من ان المغيى حكم ظاهري فيتعين ان تكون الغاية هي الوصول لا الصدور لان كون الصدور غاية يعني ان الاباحة لا تثبت الا مع عدم الصدور واقعا ولا يمكن احرازها الا بأحراز عدم الصدور ومع احرازه لا شك فلا مجال للحكم الظاهري.
فان قيل: لماذا لا يفترض كون المغيى اباحة واقعية.
كان الجواب منه ان الاباحة الواقعية والنهي الواقعي الذي جعل غاية متضادان فان اريد تعليق الاولى على عدم الثاني حقيقة فهو محال لاستحالة مقدمية عدم احد الضدين للضد الآخر، وان اريد مجرد بيان ان هذا الضد ثابت حيث لا يكون ضده ثابتا فهذا لغو من البيان لوضوحه.
ويرد على هذا الوجه: ان النهي عبارة عن الخطاب الشرعي الكاشف عن التحريم وليس هو التحريم نفسه، والقضاء نفسه لا يقتضي تعليق احد الضدين على عدم الضد الآخر ولا على عدم الكاشف عن الضد الآخر، ولكن لا محذور في ان توجد نكتة. احيانا تقتضي إناطة حكم بعدم الكاشف عن الحكم المضاد له ومرجع ذلك في المقام إلى ان تكون فعلية الحرمة بمبادئها منوطة بصدور الخطاب الشرعي الدال عليها نظير ما قيل من ان العلم بالحكم من طريق مخصوص يؤخذ في موضوعه.
الثاني: - ان الورود يستبطن دائما حيثية الوصول ولهذا لا يتصور بدون مورود عليه، ولكن هذا المقدار لا يكفي ايضا إذ يكفي لإشباع هذه الحيثية ملاحظة نفس المتعلق مورودا عليه، فالاستدلال بالرواية إذن غير تام، وعليه فلا اثر للحديث عن النقطة الثانية.
ومنها: حديث الرفع المروي عن النبي (صلى الله عليه وآله ) ونصه " رفع عن امتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما اكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا اليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق، ما لم ينطق بشفة "(2).
والبحث حول هذا الحديث يقع على ثلاث مراحل: المرحلة الاولى: في فقه الحديث على وجه الاجمال، والنقطة المهمة في هذه المرحلة تصوير الرفع الوارد فيه فانه لا يخلو عن اشكال لوضوح ان كثيرا مما فرض رفعه في الحديث امور تكوينية ثابتة وجدانا، ومن هنا كان لا بد من بذل عناية في تصحيح هذا الرفع، وذلك اما بالتقدير بحيث يكون المرفوع امرا مقدرا قابلا للرفع حقيقة كالمؤاخذة مثلا، واما بجعل الرفع منصبا على نفس الاشياء المذكورة ولكن بلحاظ وجودها في علم التشريع بالنحو المناسب من الوجود لموضوع الحكم ومتعلقه في هذا العالم، فشرب الخمر المضطر اليه يرفع وجوده التشريعي بما هو متعلق للحرمة وروح ذلك رفع الحكم، واما بصب الرفع على نفس الاشياء المذكورة بوجوداتها التكوينية ولكن يفترض ان الرفع تنزيلي وليس حقيقيا فالشرب المذكور نزل منزلة العدم خارجا فلا حرمة ولا حد.
ولا شك في ان دليل الرفع على الاحتمالات الثلاثة جميعا يعتبر حاكما على ادلة الاحكام الاولية باعتبار نظره اليها، وهذا النظر اما ان يكون إلى جانب الموضوع من تلك الادلة كما هو الحال على الاحتمال الثالث فيكون على وزان (لا ربا بين الوالد وولده)، او يكون إلى جانب المحمول اي الحكم مباشرة كما هو الحال على الاحتمال الاول اذا قدرنا الحكم فيكون على وزان (لا ضرر)، او يكون إلى جانب المحمول ولكن منظورا اليه بنظر عنائي كما هو الحال على الاحتمال الثاني لان النظر فيه إلى الثبوت التشريعي للموضوع وهو عين الثبوت التشريعي للحكم فيكون على وزان (لا رهبانية في الاسلام).
والظاهر ان ابعد الاحتمالات الثلاثة الاحتمال الاول لأنه منفي بأصالة عدم التقدير.
فان قيل: كما ان التقدير عناية كذلك توجيه الرفع إلى الوجود التشريعي مثلا.
كان الجواب: ان هذه عناية يقتضيها نفس ظهور حال الشارع في ان الرفع صادر منه بما هو شارع وبما هو انشاء لا اخبار بخلاف عناية التقدير فانها خلاف الاصل حتى في كلام الشارع بما هو مستعمل، كما ان الظاهر ان الاحتمال الثاني اقرب من الثالث لان بعض المرفوعات مما ليس له وجود خارجي ليتعقل في شأنه رفعه بمعنى تنزيل وجوده الخارجي منزلة العدم كما في (ما لا يطيقون). فالمتعين اذن هو الاحتمال الثاني.
وتترتب بعض الثمرات على هذه الاحتمالات الثلاثة، فعلى الاول يكون المقدر غير معلوم ولا بد من الاقتصار فيه على القدر المتيقن من الآثار، خلافا للآخرين إذ يتمسك بناء عليهما بأطلاق الرفع لنفي تمام الآثار، كما انه على الثالث قد يستشكل في شمول حديث الرفع لما اذا اضطر إلى الترك مثلا لان نفي الترك خارجا عبارة عن وضع الفعل وحديث الرفع يتكفل الرفع لا الوضع، وخلافا لذلك ما إذا أخذنا بالاحتمال الثاني إذ لا محذور حينئذ في تطبيق الحديث على الترك المضطر اليه لان المرفوع ثبوته التشريعي فيما اذا كان موضوعا او متعلقا لحكم، ورفع هذا النحو من ثبوته ليس عبارة عن وضع الفعل إذ ليس معناه الا عدم كونه موضوعا او متعلقا للحكم وهذا لا يعني جعل الفعل موضوعا كما هو واضح.
وعلى اي حال فحديث الرفع يدل على ان الانسان إذا شرب المسكر اضطرارا او اكره على ذلك فلا حرمة ولا وجوب للحد، كما انه إذا اكره على معاملة فلا يترتب عليها مضمونها نعم يختص الرفع بما إذا كان في الرفع امتنان على العباد لان الحديث مسوق مساق الامتنان، ومن اجل ذلك لا يمكن تطبيق الحديث على البيع المضطر اليه لأبطاله لان ابطاله يعين ايقاع المضطر في المحذور وهو خلاف الامتنان، بخلاف تطبيقه على البيع المكره عليه فان ابطاله يعني تعجيز المكره عن التوصل إلى غرضه بالإكراه.
المرحلة الثانية: في فقرة الاستدلال وهي رفع ما لا يعلمون، وكيفية الاستدلال بها.
وتوضيح الحال في ذلك: ان الرفع هنا اما واقعي واما ظاهري، وقد يقال: ان الاستدلال على المطلوب تام على التقديرين لان المطلوب اثبات اطلاق العنان وايجاد معارض لدليل وجوب الاحتياط لو تم وكلا الامرين يحصل بإثبات الرفع الواقعي ايضا كما يحصل بالظاهري. ولكن الصحيح عدم اطراد المطلوب على تقدير حمل الرفع على الواقعي اذ كثيرا ما يتفق العلم او قيام دليل على عدم اختصاص التكليف المشكوك على تقدير ثبوته بالعالم ففي مثل ذلك يجب الالتزام بتخصيص حديث الرفع مع الحمل على الواقعية خلافا لما إذا حمل على الرفع الظاهري.
نعم يكفي للمطلوب عدم ظهور الحديث في الرفع الواقعي إذ حتى مع الاجمال يصح الرجوع إلى حديث الرفع في الفرض المذكور لعدم احراز وجود المعارض او المخصص لحديث الرفع حينئذ.
وعلى اي حال فقد يقال: ان ظاهر الرفع كونه واقعيا لان الحمل على الظاهري يحتاج إلى عناية اما بجعل المرفوع وجوب الاحتياط تجاه ما لا يعلم لا نفسه - وهو خلاف الظاهر جدا واما بتطعيم الظاهرية في نفس الرفع بان يفترض ان التكليف له وضعان ورفعان واقعي وظاهري فوجوب الاحتياط وضع ظاهري للتكليف الواقعي ونفي هذا الوجوب رفع ظاهري له. وكل ذلك عناية فيتعين الحمل على الرفع الواقعي.
والجواب على ذلك بوجهين:
الوجه الاول: ما عن المحقق العراقي (قدس الله روحه) من ان الحديث لما كان امتنانيا والامتنان يرتبط برفع التكليف الواقعي المشكوك ببعض مراتبه اي برفع وجوب الاحتياط من ناحيته سواء رفعت المراتب الاخرى او لا فلا يكون الرفع في الحديث شاملا لتلك المراتب فالامتنان قرينة محددة للمقدار المرفوع. ويمكن الاعتراض على هذا الوجه بان الامتنان وان كان يحصل بنفي ايجاب الاحتياط ولا يتوقف على نفي الواقع ولكن لما كان نفي ايجاب الاحتياط بنفسه قد يكون بنفي الواقع راسا امكن ان تكون التوسعة الممتن بها مترتبة على نفي الواقع ولو بالواسطة، ولا يقتضي ظهور الحديث في الامتنان سوى كون مفاده منشأ للتوسعة والامتنان ولو بالواسطة.
الوجه الثاني: ان الرفع اذا كان واقعيا فهذا يعني اخذ العلم بالتكليف فيه، فان كان بمعنى اخذ العلم بالتكليف المجعول قيدا فيه فهو مستحيل ثبوتا كما تقدم، وان كان بمعنى اخذ العلم بالجعل قيدا في المجعول فهو ممكن ثبوتا ولكنه خلاف ظاهر الدليل جدا لان لازم ذلك ان يكون المرفوع غير المعلوم لان الاول هو المجعول والثاني هو الجعل مع ظهور الحديث في ان العلم والرفع يتبادلان على مصب واحد، وهذا بنفسه كاف لجعل الحديث ظاهرا في الرفع الظاهري وبذلك يثبت المطلوب.
المرحلة الثالثة: في شمول فقرة الاستدلال للشبهات الموضوعية والحكمية، إذ قد يتراء ى انه لا يتأتى ذلك لان المشكوك في الشبهة الحكمية هو التكليف والمشكوك في الشبهة الموضوعية الموضوع فليس المشكوك فيهما من سنخ واحد ليشملهما دليل واحد.
والتحقيق ان الشمول يتوقف على امرين: احدهما: تصوير جامع مناسب بين المشكوكين في الشبهتين ليكون مصبا للرفع، والآخر: عدم وجود قرينة في الحديث على الاختصاص.
اما الامر الاول: فقد قدم المحققون تصويرين للجامع: التصوير الاول: - ان الجامع هو الشئ باعتباره عنوانا ينطبق على التكليف المشكوك في الشبهة الحكمية والموضوع المشكوك في الشبهة الموضوعية.
وقد اعترض صاحب الكفاية على ذلك بأن اسناد الرفع إلى التكليف حقيقي واسناده إلى الموضوع مجازي ولا يمكن الجمع بين الاسنادين الحقيقي والمجازي. وحاول المحقق الاصفهاني ان يدفع هذا الاعتراض بان من الممكن ان يجتمع وصفا الحقيقة والمجازية في اسناد واحد باعتبارين فبما هو اسناد للرفع إلى هذه الحصة من الجامع حقيقي وبما هو اسناد له إلى الاخرى مجازي. وهذه المحاولة ليست صحيحة، إذ ليس المحذور في مجرد اجتماع هذين الوصفين في اسناد واحد، بل يدعى ان نسبة الشيء إلى ما هو له مغايرة ذاتا لنسبة الشيء إلى غير ما هو له، فان كان الاسناد في الكلام مستعملا لإفادة احدى النسبتين اختص بما يناسبها، وان كان مستعملا لإفادتهما معا فهو استعمال لهيئة الاسناد في معنيين ولا جامع حقيقي بين النسب لتكون الهيئة مستعملة فيه.
والصحيح ان يقال: ان اسناد الرفع مجازي حتى إلى التكليف لان رفعه ظاهري عنائي وليس واقعيا.
التصوير الثاني: - ان الجامع هو التكليف وهو يشمل الجعل بوصفه تكليفا للموضوع الكلي المقدر الوجود ويشمل المجعول بوصفه تكليفا للفرد المحقق الوجود، وفي الشبهة الحكمية يشك في التكليف بمعنى الجعل وفي الشبهة الموضوعية يشك في التكليف بمعنى المجعول وهذا تصوير معقول ايضا بعد الايمان بثبوت جعل ومجعول كما عرفت سابقا.
واما الامر الثاني: فقد يقال: بوجود قرينة على الاختصاص بالشبهة الموضوعية من ناحية وحدة السياق كما قد يدعى العكس وقد تقدم الكلام عن ذلك في الحلقة السابقة واتضح انه لا قرينة على الاختصاص فالإطلاق تام.
وهناك روايات اخرى استدل بها للبراء ة تقدم الكلام عن جملة منها في الحلقة السابقة وعن قصور دلالتها او عدم شمولها للشبهات الحكمية فلاحظ. كما يمكن التعويض عن البراءة بالاستصحاب وذلك بأجراء استصحاب عدم جعل التكليف او استصحاب عدم فعلية التكليف المجعول، وزمان الحالة السابقة بلحاظ الاستصحاب الاول بداية الشريعة وبلحاظ الاستصحاب الثاني زمان ما قبل البلوغ مثلا، بل قد يكون زمان ما بعد البلوغ ايضا كما إذا كان المشكوك تكليفا مشروطا وتحقق الشرط بعد البلوغ فبالإمكان استصحاب عدمه الثابت قبل ذلك.
الاعتراضات العامة:
ويعترض على ادلة البراءة المتقدمة باعتراضين اساسيين: احدهما: انها معارضة بأدلة تدل على وجوب الاحتياط بل هذه الادلة حاكمة عليها لأنها بيان للوجوب وتلك تتكفل جعل البراءة في حالة عدم البيان.
والاعتراض الآخر: ان ادلة البراء ة تختص بموارد الشك البدوي والشبهات الحكمية ليست مشكوكات بدوية بل هي مقرونة بالعلم الاجمالي بثبوت تكاليف غير معينة في مجموع تلك الشبهات.
اما الاعتراض الاول فنلاحظ عليه عدة نقاط: الاولى: ان ما استدل به على وجوب الاحتياط ليس تاما كما يظهر باستعراض الروايات التي ادعيت دلالتها على ذلك وقد تقدم في الحلقة السابقة استعراض عدد مهم منها مع مناقشة دلالتها، نعم جملة منها تدل على الترغيب في الاحتياط والحث عليه ولا كلام في ذلك.
الثانية: - ان ادلة وجوب الاحتياط المدعاة ليست حاكمة على ادلة البراء ة المتقدمة لما اتضح سابقا من ان جملة منها تثبت البراء ة المنوطة بعدم وصول الواقع فلا يكون وصول وجوب الاحتياط رافعا لموضوعها بل يحصل التعارض حينئذ بين الطائفتين من الادلة.
الثالثة: - إذا حصل التعارض بين الطائفتين فقد يقال بتقديم ادلة وجوب الاحتياط لان ما يعارضها من ادلة البراء ة القرآنية الآية الاولى على اساس الاطلاق في اسم الموصول فيها للتكليف وهذا الاطلاق يقيد بأدلة وجوب الاحتياط، وما يعارضها من ادلة البراء ة في الروايات حديث الرفع وهي اخص منه ايضا لورودها في الشبهات الحكمية وشموله للشبهات الحكمية والموضوعية فيقيد بها.
ولكن التحقيق ان النسبة بين ادلة وجوب الاحتياط والآية الكريمة هي العموم من وجه، لشمول تلك الادلة موارد عدم الفحص واختصاص الآية بموارد الفحص كما تقدم عند الكلام عن دلالتها، فهي كما تعتبر اعم بلحاظ شمولها للفعل والمال كذلك تعتبر اخص بلحاظ ما ذكرناه ومع التعارض بالعموم من وجه يقدم الدليل القرآني لكونه قطعيا. كما ان النسبة بين ادلة وجوب الاحتياط وحديث الرفع العموم من وجه ايضا، لعدم شموله موارد العلم الاجمالي وشمول تلك الادلة لها، ويقدم حديث الرفع في مادة الاجتماع والتعارض لكونه موافقا لإطلاق الكتاب ومخالفة معارض له. ولو تنزلنا عما ذكرناه مما يوجب ترجيح دليل البراء ة و (افترضا)؟ التعارض والتساقط امكن الرجوع إلى البراء ة العقلية على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان وامكن الرجوع إلى دليل الاستصحاب كما اوضحنا ذلك في الحلقة السابقة.
واما الاعتراض الثاني: بوجود العلم الاجمالي فقد اجيب عليه بجوابين:
الجواب الاول: - ان العلم الاجمالي المذكور منحل بالعلم الاجمالي بوجود التكاليف في دائرة اخبار الثقات وفقا لقاعدة انحلال العلم الاجمالي الكبير بالعلم الاجمالي الصغير لتوفر كلا شرطي القاعدة فيها فان اطراف العلم الصغير بعض اطراف الكبير ولا يزيد عدد المعلوم بالعلم الكبير على عدد المعلوم بالعلم الصغير، ومع الانحلال تكون الشبهة خارج نطاق العلم الصغير بدوية فتجري البراء ة في كل شبهة لم يقم على ثبوت التكليف فيها امارة معتبرة من اخبار الثقات ونحوها وهذا هو المطلوب.
وهذا الجواب ليس تاما إذ كما يوجد علم اجمالي صغير بوجود التكاليف في نطاق الامارات المعتبرة من اخبار الثقات ونحوها. كذلك يوجد علم اجمالي صغير بوجود التكاليف في نطاق الامارات غير المعتبرة اذ لا يحتمل عادة وبحساب الاحتمالات كذبها جميعا فهناك إذن علمان اجماليان صغيران، والنطاقان وان كانا متداخلين جزئيا لان الامارات المعتبرة وغير المعتبرة قد تجتمع ولكن مع هذا يتعذر الانحلال لان المعلومين بالعلمين الاجماليين الصغيرين ان لم يكن من المحتمل تطابقهما المطلق فهذا يعني ان عدد المعلوم من التكاليف في مجموع الشبهات اكبر من عدد المعلوم بالعلم الاجمالي الصغير المفترض في دائرة اخبار الثقات وبذلك يختل الشرط الثاني من الشرطين المتقدمين لقاعدة انحلال العلم الاجمالي الكبير بالصغير، وان كان من المحتمل تطابقهما المطلق فشرطا القاعدة متوفران بالنسبة إلى كل من العلمين الاجماليين الصغيرين في نفسه فافتراض ان احدهما يوجب الانحلال دون الآخر بلا موجب.
الجواب الثاني: - ان العلم الإجمالي الذي تضم اطرافه كل الشبهات يسقط عن المنجزية باختلال الركن الثالث من الاركان الاربعة التي يتوقف عليها تنجيزه وقد تقدم شرحها في الحلقة السابقة، وذلك لان جملة من اطرافه قد تنجزت فيها التكاليف بالأمارات والحجج الشرعية المعتبرة من ظهور آية وخبر ثقة واستصحاب مثبت للتكليف وفي كل حالة من هذا القبيل تجري البراء ة في بقية الاطراف ويسمى ذلك بالانحلال الحكمي كما تقدم.
وقد قيل في تقريب فكرة الانحلال الحكمي في المقام - كما عن السيد الاستاذ - بان العلم الإجمالي متقوم بالعلم بالجامع والشك في كل طرف، ودليل حجية الامارة المثبتة للتكليف في بعض الاطراف لما كان مفاده جعل الطريقية فهو يلغي الشك في ذلك الطرف ويتعبد بعدمه، وهذا بنفسه الغاء تعبدي للعلم الاجمالي.
ويرد على هذا التقريب: ان الملاك في وجوب الموافقة القطعية للعلم الاجمالي هو التعارض بين الاصول في اطرافه كما تقدم وليس هو العلم الاجمالي بعنوانه فلا اثر للتعبد بإلغاء هذا العنوان وانما يكون تأثيره عن طريق رفع التعارض وذلك بإخراج موارد الامارات المثبتة للتكليف عن كونها موردا لأصالة البراء ة لان الامارة حاكمة على الاصل فتبقى الموارد الاخرى مجرى لأصل البراء ة بدون معارض، وبذلك يختل الركن الثالث ويتحقق الانحلال الحكمي من دون فرق بين ان نقول بمسلك جعل الطريقية والغاء الشك بدليل الحجية او لا.
تحديد مفاد البراءة:
وبعد ان اتضح ان البراء ة تجري عند الشك لوجود الدليل عليها وعدم المانع. يجب ان نعرف ان الضابط في جريانها ان يكون الشك في التكليف لان هذا هو موضوع دليل البراء ة، واما اذا كان التكليف معلوما والشك في الامتثال فلا تجري البراءة وانما تجري اصالة الاشتغال لان الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني وهذا واضح على مسلكنا المتقدم القائل بان الامتثال والعصيان ليسا من مسقطات التكليف بل من اسباب انتهاء فاعليته، إذ على هذا المسلك لا يكون الشك في الامتثال شكا في فعلية التكليف فلا موضوع لدليل البراء ة بوجه، واما إذا قيل بان الامتثال من مسقطات التكليف فالشك فيه شك في التكليف لا محالة.
ومن هنا قد يتوهم تحقق موضوع البراء ة واطلاق ادلتها لمثل ذلك، ولابد للتخلص من ذلك اما من دعوى انصراف ادلة البراء ة إلى الشك الناشئ من غير ناحية الامتثال او التمسك بأصل موضوعي حاكم وهو استصحاب عدم الامتثال. ثم بعد الفراغ عن الفرق بين الشك في التكليف والشك في الامتثال - اي المكلف به - باتخاذ الاول ضابطا للبراء ة والثاني ضابطا لأصالة الاشتغال.
يقع الكلام في ميزان التمييز الذي به يعرف كون الشك في التكليف لكي تجري البراء ة، وهذا الميزان انما يراد في الشبهات الموضوعية التي قد يحتاج التمييز فيها إلى دقة دون الشبهات الحكمية التي يكون الشك فيها عادة شكا في التكليف كما هو واضح.
وتوضيح الحال في المقام: ان الشبهة الموضوعية تستبطن دائما الشك في احد اطراف الحكم الشرعي، إذ لو كانت كلها معلومة فلا يتصور شك الا من اصل حكم الشارع وتكون الشبهة حينئذ حكمية، وهذه الاطراف هي عبارة عن قيد التكليف ومتعلقه ومتعلق المتعلق له المسمى بالموضوع الخارجي، فحرمة شرب الخمر المشروطة بالبلوغ قيدها (البلوغ) ومتعلقها (الشرب) ومتعلق متعلقها (الخمر)، وخطاب (اكرم عالما اذا جاء العيد) قيد الوجوب فيه (مجيء العيد) ومتعلقه (الاكرام) ومتعلق متعلقه (العالم).
فان كان الشك في صدور المتعلق مع احراز القيود والموضوع الخارجي فهذا شك في الامتثال بلا اشكال وتجري اصالة الاشتغال، لان التكليف معلوم ولا شك فيه لبداهة أن فعلية التكليف غير منوطة بوجود متعلقه خارجا وانما الشك في الخروج عن عهدته فلا مجال للبراء ة. واما اذا كان الشك في الموضوع الخارجي، كما اذا لم يحرز كون فرد ما مصداقا للموضوع الخارجي، فان كان اطلاق التكليف بالنسبة اليه شموليا جرت البراءة لان الشك حينئذ يستبطن الشك في التكليف الزائد، كما اذا قيل (لا تشرب الخمر) و (اكرم الفقراء) وشك في ان هذا خمر وفي أن ذاك فقير. وان كان اطلاق التكليف بالنسبة اليه بدليا لم تجر البراء ة، كما اذا ورد (اكرم فقيرا) وشك في ان زيدا فقير فلا يجوز الاكتفاء بإكرامه لان الشك المذكور لا يستبطن الشك في تكليف زائد بل في سعة دائرة البدائل الممكن امتثال التكليف المعلوم ضمنها.
وعلى هذا الضوء يعرف أن لجريان البراء ة اذن ميزانان: احدهما: ان يكون المشكوك من قيود التكليف الدخيلة في فعليته. والآخر: ان يكون اطلاق التكليف بالنسبة اليه شموليا لا بدليا.
فان قيل: ان مرد الشك في الموضوع الخارجي إلى الشك في قيد التكليف لان الموضوع قيد فيه فحرمة شرب الخمر مقيدة بوجود الخمر خارجا فمع الشك في خمرية المائع يشك في فعلية التكليف المقيد وتجري البراء ة وبهذا يمكن الاقتصار على الميزان الاول فقط كما يظهر من كلمات المحقق النائيني (قدس الله روحه).
كان الجواب: انه ليس من الضروري دائما ان يكون متعلق المتعلق مأخوذا قيدا في التكليف سواء كان ايجابا او تحريما وانما قد تتفق ضرورة ذلك فيما اذا كان امرا غير اختياري كالقبلة مثلا، وعليه فاذا افترضنا ان حرمة شرب الخمر لم يؤخذ وجود الخمر خارجا قيدا فيها على نحو كانت الحرمة فعلية حتى قبل وجود الخمر خارجا. صح مع ذلك اجراء البراء ة عند الشك في الموضوع الخارجي لان اطلاق التكليف بالنسبة إلى المشكوك شمولي. ولكن بتدقيق أعمق نستطيع ان نرد الشك في خمرية المائع إلى الشك في قيد التكليف لا عن طريق افتراض تقيد الحرمة بوجود الخمر خارجا، بل بتقريب: ان خطاب (لا تشرب الخمر) مرجعه إلى قضية شرطية مفادها: كلما كان مائع ما خمرا فلا تشربه، فحرمة الشرب مقيدة بان يكون المائع خمرا سواء وجد خارجا او لا، فاذا شك في ان الفقاع خمر اولا مثلا جرت البراء ة عن الحرمة فيه، وبهذا صح القول بان البراء ة تجري كلما كان الشك في قيود التكليف وان قيود التكليف تارة تكون على وزان مفاد كان التامة بمعنى اناطته بوجود شئ خارجا فيكون الوجود الخارجي قيدا،
واخرى يكون على وزان مفاد كان الناقصة بمعنى اناطته باتصاف شئ بعنوان فيكون الاتصاف قيدا، فاذا شك في الوجود الخارجي على الاول او في الاتصاف على الثاني جرت البراء ة والا فلا.
وعلى هذا الضوء نستطيع ان نعمم فكرة قيود التكليف التي هي على وزان مفاد كان الناقصة على عنوان الموضوع وعنوان المتعلق معا، فكما ان حرمة الشرب مقيدة بأن يكون المائع خمرا كذلك الحال في حرمة الكذب فان ثبوتها لكلام مقيد بان يكون الكلام كذبا فاذا شك في كون كلام كذبا كان ذلك شكا في قيد التكليف.
وهكذا نستخلص: ان الميزان الاساسي لجريان البراء ة هو الشك في قيود التكليف، وهي تارة على وزان مفاد كان التامة كالشك في وقوع الزلزلة التي هي قيد لوجوب صلاة الآيات. واخرى على وزان مفاد كان الناقصة بالنسبة إلى عنوان الموضوع كالشك في خمرية المائع، وثالثة على وزان كان الناقصة بالنسبة إلى عنوان المتعلق كالشك في كون الكلام الفلاني كذبا.
استحباب الاحتياط:
عرفنا سابقا عدم وجوب الاحتياط، ولكن ذلك لا يحول دون القول بمطلوبيته شرعا واستحبابه، لما ورد في الروايات من الترغيب فيه، والكلام في ذلك يقع في نقطتين: النقطة الاولى: في امكان جعل الاستحباب المولوي على الاحتياط ثبوتا، إذ قد يقال بعدم امكانه فيتعين حمل الامر بالاحتياط على الارشاد إلى حسنه عقلا، وذلك لوجهين:
الاول: - انه لغو لانه ان اريد باستحباب الاحتياط الالزام به فهو غير معقول وان اريد ايجاد محرك غير الزامي نحوه فهذا حاصل بدون جعل الاستحباب، اذ يكفي فيه نفس التكليف الواقعي المشكوك بضم استقلال العقل بحسن الاحتياط واستحقاق الثواب عليه فانه محرك بمرتبة غير الزامية.
الثاني: - ان حسن الاحتياط كحسن الطاعة وقبح المعصية واقع في مرحلة متأخرة عن الحكم الشرعي وقد تقدم المسلك القائل بان الحسن والقبح الواقعين في هذه المرحلة لا يستتبعان حكما شرعيا. وكلا الوجهين غير صحيح.
اما الاول: - فلان الاستحباب المولوي للاحتياط اما ان يكون نفسيا لملاك وراء ملاكات الاحكام المحتاط بلحاظها واما ان يكون طريقيا بملاك التحفظ على تلك الاحكام. وعلى كلا التقديرين لا لغوية اما على النفسية فلان محركيته مغايرة سنخا لمحركية الواقع المشكوك فتتأكد احداهما بالأخرى، واما على الطريقية فلان مرجعه حينئذ إلى ابراز مرتبة من اهتمام المولى بالتحفظ على الملاكات الواقعية في مقابل ابراز نفي هذه المرتبة من الاهتمام ايضا، ومن الواضح ان درجة محركية الواقع المشكوك تابعة لما يحتمل او يحرز من مراتب اهتمام المولى به.
واما الوجه الثاني: - فلو سلم المسلك المشار اليه فيه لا ينفع في المقام، إذ ليس المقصود استكشاف الاستحباب الشرعي بقانون الملازمة واستتباع الحسن العقلي للطلب الشرعي ليرد ما قيل، بل هو ثابت بدليله وانما الكلام عن المحذور المانع عن ثبوته ولهذا فان متعلق الاستحباب عبارة عن تجنب مخالفة الواقع المشكوك ولو لم يكن بقصد قربي والعقل انما يستقل بحسن التجنب الانقيادي والقربى خاصة.
النقطة الثانية: ان الاحتياط متى ما أمكن فهو مستحب كما عرفت ولكن قد يقع البحث في امكانه في بعض الموارد.
وتوضيح ذلك: انه اذا احتمل كون فعل ما واجبا عباديا فان كانت اصل مطلوبيته معلومة امكن الاحتياط بالإتيان به بقصد الامر المعلوم تعلقه به وان لم يعلم كونه وجوبا او استحبابا فان هذا يكفي في وقوع الفعل عباديا وقربيا، واما إذا كانت اصل مطلوبيته غير معلومة فقد يستشكل في امكان الاحتياط حينئذ، لانه ان اتى به بلا قصد قربي فهو لغو جزما وان اتى به بقصد امتثال الامر فهذا يسستبطن افتراض الامر والبناء على وجوده مع ان المكلف شاك فيه وهو تشريع محرم فلا يقع الفعل عبادة لتحصل به موافقة التكليف الواقعي المشكوك.
وقد يجاب على ذلك بوجود أمر معلوم وهو نفس الامر الشرعي الاستحبابي بالاحتياط فيقصد المكلف امتثال هذا الامر، وكون الامر بالاحتياط توصليا لا تتوقف موافقته على قصد امتثاله لا ينافي ذلك لان ضرورة قصد امتثاله في باب العبادات لم تنشأ من ناحية عبادية نفس الامر بالاحتياط بل من عبادية ما يحتاط فيه.
ولكن التحقيق عدم الحاجة إلى هذا الجواب، لان التحرك عن احتمال الامر بنفسه قربي كالتحرك عن الامر المعلوم فلا يتوقف وقوع الفعل عبادة على افتراض امر معلوم بل يكفي الاتيان به رجاء.
____________
(1) جامع احاديث الشيعة: ابواب المقدمات / الباب الثامن / ح 15.
(2) جامع احاديث الشيعة: ابواب المقدمات / الباب الثامن / ح 3.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|