أقرأ أيضاً
التاريخ: 5-9-2016
859
التاريخ: 5-9-2016
1014
التاريخ: 5-9-2016
977
التاريخ: 18-8-2016
872
|
اعلم أنّ المصلحة هي ما يوافق (2) الإنسان لدنياه أو لآخرته أو لهما ، وحاصله جلب نفع أو دفع ضرّ.
ولها تقسيمات باعتبارات ربّما تأتي في بحث القياس ، وباعتبار شهادة الشرع لها بالاعتبار وعدمه ثلاثة أقسام : معتبرة ، وملغاة ، ومرسلة.
فالأولى : ما شهد الشرع باعتباره ، كحفظ الخمسة الضروريّة ، أي الدين ، والنفس ، والعقل ، والنسل ، والمال ، وهو من المصالح المعتبرة في كلّ الشرائع والأديان ، ولذا حرّم في جميعها ما يؤدّي إلى فسادها ، واوجب ما يفضي إلى بقائها.
والثانية : ما شهد الشرع بإلغائه ، كما إذا قيل : الغنيّ يكفّر عن الوطء في نهار رمضان عمدا بصوم شهرين تحتّما ؛ لأنّ ذلك أزجر له عن المعاودة.
الثالثة : ما لم يشهد له الشرع بالاعتبار ولا الإلغاء. وهذه إن كانت لها مفسدة راجحة أو مساوية، كانت ملغاة. وإن خلت عنها أو كانت راجحة ، فقد اختلف في حجّيّتها وصلاحيتها لإثبات حكم شرعي بها ، فذهب أصحابنا (3) والحنفيّة والشافعيّة إلى عدم حجّيّتها (4) ، ونقل عن مالك القول بحجّيّتها حتّى قال : يضرب المتّهم بالسرقة محافظة على المال (5). وأنكر أصحابه ذلك عنه (6).
لنا : أنّا نرى أنّ الشرع ألغى بعض المصالح واعتبر بعضها ، والمرسلة متردّدة بينهما ، وإلحاقها بأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ، فيجب الوقف عنها ، ولا يصحّ الاحتجاج بها.
احتجّ الخصم بأنّ الشرعيّات مبنيّة على المصالح ؛ لأنّ الحكمة باعثة على رعايتها ، فإذا وجد في شيء مصلحة صافية أو راجحة ، يجب أن يكون مشروعا ؛ لتعلّق داعي الحكمة به.
وبأنّ عدم اعتبارها يؤدّي إلى خلق قضايا كثيرة عن الحكم ؛ لعدم مساعدة الأدلّة المعروفة في الكلّ (7).
والجواب عن الأوّل : أنّ الحكمة باعثة على رعاية المصالح إذا قطع بخلوّها عن جميع المفاسد، والمقدّر عدم القطع ؛ لما مرّ (8). وظنّ الخلوّ لا يكفي ؛ لأنّه ليس من الظنّ المعتبر في الأحكام ، وهو الحاصل عن أمارة شرعيّة.
وعن الثاني ظاهر.
ثمّ اعلم أنّ الفعل إمّا أن يشتمل على مصلحة صافية ، أو مفسدة صافية ، أو عليهما (9) معا ، وهذه إمّا أن تكون مصلحة راجحة على مفسدته ، أو بالعكس ، أو مساوية لها. أو لا يشتمل
على شيء منهما. فالأقسام ستّة ، وكلّ منها يمكن أن يشتمل تركه بالترديد على الأقسام المذكورة ، فيصير الحاصل ستّة وثلاثين.
ثمّ المتحقّق في كلّ واحد منها ـ من المصلحة والمفسدة وجودا وعدما ـ إمّا قطعيّ أو ظنّيّ ، وعلى التقديرين إمّا كلّيّ أو جزئيّ ، وعلى التقادير إمّا أن يكون المصلحة ضروريّة ـ أي ليس لها بدل ـ أو لا ، فيرتقي الأقسام إلى حدّ لا يحصى كثرة. ولا ريب في حجّيّة مصلحة صافية قطعيّة ضروريّة ، كلّيّة كانت أو جزئيّة إذا لم يشتمل تركها قطعا على مصلحة مطلقا ، سواء اشتمل على مفسدة أو لا ؛ لأنّها تكون معتبرة ؛ لأنّ كلّ مصلحة صافية قطعيّة معتبرة عند الشرع والعقل. والمرسلة ما كانت متردّدة بين المعتبرة والملغاة إمّا لعدم القطع بكونها مصلحة في نفسها ، أو لأدائها إلى مفسدة. وغيرها من الأقسام ليس بحجّة. ووجهه ما تقدّم (10).
ولنذكر مسألة فرعيّة ليعرف كيفيّة التفريع ، مثلا إذا مرضت حامل وقطع بكون إخراج الدم ـ لا غير ـ شفاء لها ، وعلم عدم أدائه إلى فساد الحمل يجب فعله. وإن لم يقطع به أو قطع به وعلم بدله أو فساد الحمل ، لم يجب.
وقال بعضهم بحجّيّتها إذا كانت ضروريّة قطعيّة كلّيّة وإن أدّت إلى مفسدة اخرى ، قالوا : إذا تترّس الكفّار من أهل الحرب بالأسارى من المسلمين ، يجوز رميهم وإن أدّى إلى تلف الاسارى ؛ إذا علم أنّه إن لم يرموا ظهروا على الإسلام ، وهذه ضروريّة ؛ لأنّ دفعهم لا يمكن بدون الرمي ، وقطعيّة ؛ لأنّ الرمي بدفعهم قطعيّ ، وكلّية ؛ لأنّ الضرر يعمّ المسلمين (11).
وهذا القول ظاهر الفساد ؛ لأنّ الشارع قد نهى عن المفسدة المترتّبة مطلقا ، فكيف يكلّف بما يؤدّي إليها؟! وجواز الرمي عند التترّس لو صحّ ـ كما قال به أصحابنا (12) ـ فإنّما هو بدليل من خارج ، ولذا لم يجوّزوا قتل من قطع بأنّه لو لم يقتل صار سببا لقتل جماعة بالسعاية عند ظالم ، وعلى القول المذكور يلزم وجوب قتله.
_____________
(1) من الأدلة العقلية التي لا يعتمد عليها.
(2) أي يوافقه الإنسان.
(3) راجع معارج الاصول : 221 و 222.
(4) حكاه الآمدي عن فقهاء الحنفيّة والشافعيّة في الإحكام في أصول الأحكام 4 : 167 ، والأسنوي في نهاية السؤل 4 : 286.
(5) حكاه عنه المطيعي في سلّم الوصول المطبوع مع نهاية السؤل 4 : 387.
(6) حكاه الآمدي عن أصحاب مالك في الإحكام في أصول الأحكام 4 : 167.
(7) حكاه المحقّق الحلّي عن مالك في معارج الاصول : 222.
(8) مرّ آنفا.
(9) أي على مجرّد المصلحة والمفسدة بدون قيد « صافية » وإلاّ يلزم التناقض.
(10) تقدّم في ص 428.
(11) نسبه الآمدي في الإحكام في أصول الأحكام 4 : 167 ، إلى مالك في مبحث « المصالح الضروريّة الكلّيّة الحاصلة قطعا » وحكاه المحقّق الحلّي في معارج الاصول : 223 ، وذهب إليه البيضاوي في منهاج الاصول المطبوع مع نهاية السؤل 4 : 387 ، واختاره الأسنوي ونسبه أيضا إلى إمام الحرمين في نهاية السؤل 4 : 387.
(12) راجع رياض المسائل 8 : 73.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|