أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-03-27
1613
التاريخ: 18-8-2016
1977
التاريخ: 2024-02-21
1069
التاريخ: 20/9/2022
1599
|
وهو : احتمال المكاره مِن غير جزَع ، أو بتعريفٍ آخر هو : قَسر النفس على مقتضيات الشرع والعقل أوامِراً ونَواهياً ، وهو دليل رَجاحة العقل ، وسِعة الأفق ، وسموّ اخلق ، وعظمة البطولة والجَلَد ، كما هو معراج طاعة اللّه تعالى ورضوانه ، وسبَب الظفَر والنجاح ، والدرع الواقي من شماتة الأعداء والحسّاد .
وناهيك في شرف الصبر ، وجلالة الصابرين ، أنّ اللّه عزّ وجل ، أشاد بهما ، وباركهما في نَيف وسبعين موطناً من كتابه الكريم :
بشّر الصابرين بالرضا والحبّ ، فقال تعالى : { وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} [آل عمران : 146] .
ووعدهم بالتأييد : {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال : 46] .
وأغدق عليهم ألوان العناية واللطف : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة : 155 - 157] .
وهكذا تواترت أخبار أهل البيت ( عليهم السلام ) في تمجيد الصبر والصابرين .
قال الصادق ( عليه السلام ) : ( الصبرُ مِن الإيمان بمنزلة الرأس مِن الجسَد ، فإذا ذهَب الرأس ذهَب الجسَد ، وكذلك إذا ذهَب الصبر ذهَب الإيمان ) (1) .
وقال الباقر ( عليه السلام ) : ( الجنّة محفوفةٌ بالمكاره والصبر ، فمَن صبَر على المكاره في الدنيا دخل الجنّة ، وجهنّم محفوفةٌ باللذات والشهَوات ، فمَن أعطى نفسه لذّتها وشهَوتها دخل النار )(2) .
وقال ( عليه السلام ) : ( لمّا حضَرت أبي الوفاة ضمّني إلى صدره ، وقال : يا بُني ، إصبر على الحقّ وإنْ كان مرّاً ، تُوفّ أجرك بغير حساب ) (3) .
وقال الصادق ( عليه السلام ) : ( مَن ابتُليَ مِن المؤمنين ببلاءٍ فصبَر عليه ، كان له أجرُ ألف شهيد ) (4) .
ورُبَّ قائلٍ يقول : كيف يُعطى الصابر أجرَ ألف شهيد ، والشهداء هُم أبطال الصبر على الجهاد والفداء ؟.
فالمراد : أنّ الصابر يستحقّ أجر أُولئك الشهداء ، وإنْ كانت مكافأتهم وثوابهم على اللّه تعالى أضعافاً مضاعفة عنه .
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( من لم يُنجه الصبر ، أهلكه الجزع ).
أقسام الصبر
ينقسم الصبر باعتبار ظروفه ومقتضياته أقساماً أهمّها :
(1) الصبر على المكاره والنوائب : وهو أعظم أقسامه ، وأجلّ مصاديقه الدالّة على سموّ النفس وتفتح الوعي ، ورباطة الجأش ، ومضاء العزيمة .
فالإنسان عرضةً للمآسي والارزاء ، تنتابه قسراً واعتباطاً ، وهو لا يملك إزائها حولاً ولا قوّة ، وخير ما يفعله المُمتَحَن هو التذرّع بالصبر ، فإنّه بلسم القلوب الجريحة ، وعزاء النفوس المعذّبة .
ولولاه لانهار الإنسان ، وغدا صريع الأحزان والآلام ، من أجلّ ذلك حرّضت الآيات والأخبار على التحلّي بالصبر والاعتصام به :
قال تعالى : {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة : 155 - 157].
وقال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : ( إنْ صبَرت جرى عليك القدَر وأنت مأجور ، وإنْ جزعت جرى عليك القَدرُ ، وأنت مأزور ) .
وممّا يجدر ذكره أنّ الصبر الجميل المحمود ، هو الصبر على النوائب التي لا يستطيع الإنسان دفعها والتخلّص منها ، كفقد عزيز ، أو اغتصاب مال ، أو اضطهاد عدوّ .
أمّا الاستسلام للنوائب ، والصبر عليها مع القدرة على درئها وملافاتها فذلك حُمقٌ يستنكره الإسلام ، كالصبر على المرَض وهو قادر على علاجه ، وعلى الفقر وهو يستطيع اكتساب الرزق ، وعلى هضم الحقوق وهو قادرٌ على استردادها وصيانتها .
ومِن الواضح أنّ ما يجرّد المرء مِن فضيلة الصبر ، ويخرجه عن التجلّد ، هو الجزَع المُفرِط المؤدّي إلى شقّ الجيوب ، ولطم الخدود ، والإسراف في الشكوى والتذمّر .
أمّا الآلام النفسيّة ، والتنفيس عنها بالبكاء ، أو الشكاية مِن متاعب المرض وعنائه فإنّها مِن ضرورات العواطف الحيّة ، والمشاعر النبيلة ، كما قال ( صلّى اللّه عليه وآله ) عند وفاة ابنه ابراهيم : ( تدمع العين ، ويَحزَن القلب ، ولا نقول ما يُسخِط الربّ ) .
وقد حكت لنا الآثار طرَفاً رائعاً ممتعاً من قصص الصابرين على النوائب ، ممّا يبعث على الإعجاب والإكبار ، وحُسن التأسّي بأُولئك الأفذاذ .
حُكي أنّ كسرى سخَط على ( بزرجمهر ) : فحبَسه في بيتٍ مظلم ، وأمَر أنْ يُصفّد بالحديد ، فبقيّ أيّاماً على تلك الحال ، فأرسل إليه مَن يسأله عن حاله ، فإذا هو منشرح الصدر ، مطمئنّ النفس ، فقالوا له : أنت في هذه الحالة مِن الضيق ونراك ناعم البال .
فقال : اصطنعت ستّة أخلاط وعجنتها واستعملتها ، فهي التي ابقتني على ما ترون .
قالوا : صِف لنا هذه لعلّنا ننتفع بها عند البلوى
فقال : نعم .
أمّا الخَلط الأوّل : فالثقة باللّه عزّ وجل .
وأمّا الثاني : فكلّ مقدرٍّ كائن .
وأمّا الثالث : فالصبرُ خير ما استعمله الممتَحن .
وأمّا الرابع : فإذا لم أصبر فماذا أصنع ، ولا أعين على نفسي بالجزَع .
وأمّا الخامس : فقد يكون أشدّ ممّ أنا فيه .
وأمّا السادس ، فمِن ساعة إلى ساعة فرج .
فبلغ ما قاله كسرى فأطلقه وأعزّه (5) .
وعن الرضا عن أبيه عن أبيه ( عليهم السلام ) قال : ( إنّ سليمان بن داود قال ذات يوم لأصحابه : إنّ اللّه تبارك وتعالى قد وهَب لي مُلكاً لا ينبغي لأحدٍ مِن بعدي : سخّر لي الريح والإنس ، والجنّ ، والطير ، والوحش ، وعلّمني منطق الطير ، وآتاني مِن كلّ شيء ، ومع جميع ما أوتيتُ مِن الملك ما تمّ لي سرورٌ يوم إلى الليل ، وقد أحبَبت أنْ أدخل قصري في غد فأصعَد أعلاه ، وأنظر إلى ممالِكي ، فلا تأذنوا لأحدٍ عليّ لئلاّ يردّ عليّ ما ينغّص عليّ يومي . قالوا : فلمّا كان من الغد أخذ عصاه بيده ، وصعد إلى أعلى موضع قصره ، ووقَف متّكئاً على عصاه ينظر إلى ممالكه مسروراً بما أُوتي ، فرِحاً بما أعطي ، اذ نظر إلى شابٍّ حسن الوجه واللباس قد خرَج عليه مِن بعض زوايا قصره ، فلمّا بصر به سليمان ( عليه السلام ) ، قال له : من أدخَلك إلى هذا القصر ، وقد أردت أنْ أخلو فيه اليوم ، فبإذن مَن دخلت ؟.
فقال الشاب : أدخلني هذا القصر ربّه ، وبإذنه دخلت .
فقال : ربّه أحقّ به منّي ، فمَن أنت ؟.
قال : أنا ملَك الموت ، قال : وفيما جئت ؟.
قال : جئت لأقبض روحك .
قال : إمض لِما أُمِرت به ، فهذا يومُ سروري ، وأبى اللّه أنْ يكون لي سرور دون لقائه .
فقبض ملك الموت روحه وهو متّكئ على عصاه)(6) .
(2) الصبر على طاعة اللّه والتصبّر عن عصيانه :
مِن الواضح أنّ النفوس مجبولةٌ على الجُموح والشرود مِن النُّظُم الإلزاميّة والضوابط المحدّدة لحُريّتها ، وانطلاقها في مسارح الأهواء والشهَوات ، وإنْ كانت باعثةً على إصلاحها وإسعادها.
فهي لا تنصاع لتلك النظُم ، والضوابط ، إلاّ بالإغراء ، والتشويق ، أو الإنذار والترهيب . وحيث كانت ممارسة طاعة اللّه عزّ وجل ، ومجافاة عصيانه ، شاقّين على النفس ، كان الصبر على الطاعة والتصبّر عن المعصية من أعظم الواجبات ، وأجلّ القُرُبات .
وجاءت الآيات الكريمة وأحاديث أهل البيت ( عليهم السلام ) مشوّقة إلى الأُولى ومحذّرة مِن الثانية بأساليبها الحكيمة البليغة :
قال الصادق ( عليه السلام ) : ( اصبروا على طاعة اللّه ، وتصبّروا عن معصيته ، فإنّما الدنيا ساعة ، فما مضى فلستَ تجِد له سروراً ولا حزناً ، وما لم يأتِ فلست تعرفه ، فاصبر على تلك الساعة ، فكأنّك قد اغتبطت ) (7) .
وقال ( عليه السلام ) : ( إذا كان يوم القيامة ، يقوم عُنقٌ مِن الناس ، فيأتون باب الجنّة فيضربونه ، فيُقال لهم : مَن أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل الصبر .
فيُقال لهم : على ما صبرتم ؟ , فيقولون : كنّا نصبر على طاعة اللّه ، ونصبر عن معاصي اللّه ، فيقول اللّه تعالى : صدَقوا أدخلوهم الجنّة ، وهو قوله تعالى : {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر : 10] , (8)
وقال ( عليه السلام ) : ( الصبر صبران : فالصبر عند المصيبة ، حَسَنٌ جميل ، وأفضل مِن ذلك الصبر عمّا حرّم اللّه عزّ وجل ، ليكون لك حاجزاً ) (9) .
(3) الصبر على النِّعَم :
وهو : ضبط النفس عن مسوّلات البطَر والطُّغيان ، وذلك من سِمات عظمة النفس ، ورجاحة العقل ، وبُعد النظر .
فليس الصبر على مآسي الحياة وأرزائها بأَولى مِن الصبر على مسرّاتها وأشواقها ، ومفاتنها كالجاه العريض ، والثراء الضخم ، والسلطة النافذة ، ونحو ذلك .
حيث إنّ إغفال الصبر في الضرّاء يفضي إلى الجزع المدمّر ، كما يؤدّي إهماله في السرّاء إلى البطَر والطغيان : { كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى } [العلق : 6، 7] وكلاهما ذميمٌ مقيت .
والمراد بالصبر على النِّعَم هو : رعاية حقوقها ، واستغلالها في مجالات العطف والإحسان المادّية ، أو المعنويّة : كرعاية البؤساء ، وإغاثة المُضطهدين ، والاهتمام بحوائج المؤمنين ، والتوقّي مِن مزالق البطَر والتجبّر .
وللصبر أنواعٌ عديدةٌ أٌخرى :
فالصبر في الحرب : شجاعة ، وضدّه الجُبْن .
والصبر عن الانتقام : حِلم ، وضدّه الغضب .
والصبر عن زخارف الحياة : زُهد ، وضدّه الحِرص .
والصبر على كتمان الأسرار : كتمان ، وضدّه الإذاعة والنشر .
والصبر على شهوَتَيّ البطن والفرج : عفّة ، وضدّه الشرَه .
فاتّضح بهذا أنّ الصبر نظام الفضائل ، وقُطبها الثابت ، وأساسها المكين .
محاسن الصبر :
نستنتج من العرض السالف أنّ الصبرَ عِماد الفضائل ، وقُطب المكارم ، ورأس المفاخر .
فهو عصمة الواجد الحزين ، يخفّف وَجده ، ويلطّف عناءه ، ويمدّه بالسكينة والاطمئنان .
وهو ظمانٌ من الجزَع المدمّر ، والهلَع الفاضح ، ولولاه لانهار المصاب ، وغدا فريسة العلل والأمراض ، وعرضة لشماتة الأعداء والحسّاد .
وهو بعد هذا وذاك الأمل المرجّى فيما أعدّ اللّه للصابرين ، من عظيم المكافآت ، وجزيل الأجر والثواب .
كيف تكسب الصبر :
وإليك بعض النصائح الباعثة على كسب الصبر والتحلّي به :
1 - التأمّل في مآثر الصبر ، وما يفيء على الصابرين من جميل الخصائص ، وجليل العوائد والمنافع في الحياة الدنيا ، وجزيل المثوبة والأجر في الآخرة .
2 - التفكّر في مساوئ الجزَع ، وسوء آثاره في حياة الإنسان ، وأنّه لا يشفي غليلاً ، ولا يردُّ قضاءً ، ولا يُبدّل واقعاً ، ولا ينتج إلاّ بالشقاء والعناء .
يقول ( دليل كارنيجي ) : ( لقد قرأتُ خلال الأعوام الثمانية الماضية كلّ كتاب ، وكلّ مجلّة وكلّ مقالة عالجت موضوع القلَق ، فهل تريد أنْ تعرف أحكَم نصيحة ، وأجداها خرجْتُ بها مِن قراءتي الطويلة ؟ إنّها : ( إرض بما ليس منه بدّ ) .
3 - تفهم واقع الحياة ، وأنّها مطبوعة على المتاعب والهموم :
طبعت على كدر وأنت تريدها صـفواً مِن الأقذار ii والأكدار
فليست الحياة دار هناء وارتياح ، وإنّما هي : دار اختبار وامتحان للمؤمن ، فكما يُرهق طلاّب العلم بالامتحانات إستجلاء لرصيدهم العلمي ، كذلك يُمتحن المؤمن إختباراً لأَبعاد إيمانه ومبلغ يقينه .
قال تعالى : { أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت : 2، 3] .
4 - الاعتبار والتأسّي بما عاناه العظماء ، والأولياء ، من صنوف المآسي والأرزاء ، وتجلّدهم فيها وصبرهم عليها ، في ذات اللّه ، وذلك من محفّزات الجلَد والصمود .
5 - التسلية والترفيه بما يُخفّف آلام النفس ، ويُنَهنِه عن الوجد : كتغير المناخ ، وإرتياد المناظر الجميلة ، والتسلّي بالقصَص الممتعة ، والأحاديث الشهيّة النافعة .
_______________________
1- الوافي : ج 3 , ص 65 , عن الكافي .
2- الوافي : ج 3 , ص 65 , عن الكافي .
3- الوافي : ج 3 , ص 65 , عن الكافي .
4- الوافي : ج 3 , ص 66 , عن الكافي .
5- سفينه البحار : ج 2 , ص 7 .
6- سفينة البحار : ج 1 , ص 614 , عن عيون أخبار الرضا .
7- الوافي : ج 3 , ص 63 , عن الكافي .
8- الوافي : ج 3 , ص 65 , عن الكافي .
9- الوافي : ج 3 , ص 65 , عن الفقيه .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|