أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-8-2016
539
التاريخ: 9-8-2016
683
التاريخ: 9-8-2016
680
التاريخ: 9-8-2016
357
|
لم تكن مساهمة الشيخ الطوسي في الاصول مجرد استمرار للخط وإنما كانت تعبر عن تطور جديد كجزء كم تطور شامل في التفكير الفقهي والعملي كله، أتيح لهذا الفقيه الرائد أن يحققه، فكان كتاب العدة تعبيرا عن التطور العظيم في البحث الفقهي على صعيد التطبيق بالشكل الذي يوازي التطور الاصولي على صعيد النظريات.
والفارق الكيفي بين اتجاهات العلم التي انطلقت من هذا التطور الجديد واتجاهاته قبل ذلك أن يسمح لنا باعتبار الشيخ الطوسي حدا فاصلا بين عصرين من عصور العلم بين العصر العلمي التمهيدي والعصر العلمي الكامل، فقد وضع هذا الشيخ الرائد حدا للعصر التمهيدي وبدأ به عصر العلم الذي أصبح الفقه والاصول فيه علما له دقته وصناعته وذهنيته العلمية الخاصة.
ولعل أفضل طريقة ممكنة في حدود إمكانات هذه الحلقة لتوضيح التطور العظيم الذي أحرزه العلم على يد الشيخ الطوسي، أن نلاحظ نصين كتب الشيخ أحدهما في مقدمة كتاب العدة وكتب الآخر في مقدمة كتاب المبسوط.
أما في كتاب العدة فقد كتب في مقدمته يقول:
سألتم أيدكم الله إملاء مختصر في أصول الفقه يحيط بجميع أبوابه على سبيل الايجاز والاختصار على ما تقتضيه مذاهبنا وتوجبه أصولنا، فإن من صنف في هذا الباب سلك كل قوم منهم المسلك الذي اقتضاه أصولهم ولم يعهد من أصحابنا لاحد في هذا المعنى إلا ما ذكره شيخنا أبو عبد الله - رحمه الله- في المختصر الذي له في أصول الفقه ولم يستقصه وشذ منه أشياء يحتاج إلى استدراكها وتحريرات غير ما حررها، وإن سيدنا الاجل المرتضى - أدام الله علوه- وإن أكثر في " أماليه " أو ما يقرأ عليه شرح ذلك، فلم يصنف في هذا المعنى شيئا يرجع إليه ويجعل ظهرا يستند إليه، وقلتم : إن هذا فن من العلم لا بد من شدة الاهتمام به، لان الشريعة كلها مبنية عليه ولا يتم العلم بشيء منها دون إحكام أصولها، ومن لم يحكم أصولها فإنما يكون حاكيا ومعتادا ولا يكون عالم .
وهذا النص من الشيخ الطوسي يعكس مدى أهمية العمل الاصولي الذي أنجزه - قدس سره- في كتاب العدة وطابعه التأسيسي في هذ المجال، وما حققه من وضع النظريات الاصولية ضمن الاطار المذهبي العام الامامية.
ويعزز هذا النص من الناحية التأريخية أولية الشيخ المفيد في التصنيف الاصولي على الصعيد الشيعي، كما أنه يدل على أن الشيخ الطوسي كتب كتاب العدة أو بدأ به في حياة السيد المرتضى، إذ دعا له بالبقاء.
ولعله لأجل ذلك لم يكن يعرف وقتئذ شيئا عن كتاب الذريعة للمرتضى، إذ نفى وجود كتاب له في علم الاصول.
وهذا يعني أن الطوسي بدأ بكتابه قبل أن يكتب المرتضى الذريعة أو أن الذريعة كانت مؤلفة فعلا ولكنها لم يعلن عنها ولم يطلع عليها الشيخ الرائد حين بدأ تصنيفه للكتاب.
وكتب الشيخ الطوسي في كتابه الفقهي العظيم المبسوط، يقول: إني لا أزال أسمع معاشر مخالفينا من المتفقهة والمنتسبين إلى علم الفروع يستخفون بفقه أصحابنا الامامية وينسبونهم إلى قلة الفروع وقلة المسائل ويقولون: إنهم أهل حشو ومناقصة، وإن من ينفي القياس والاجتهاد لا طريق له إلى كثرة المسائل ولا التفريع على الاصول، لان جل ذلك وجمهوره مأخوذ من هذين الطريقين وهذا جهل منهم بمذاهبنا وقلة تأمل لأصولنا، ولو نظروا في أخبارنا وفقهنا لعلموا أن جل ما ذكروه من المسائل موجود في أخبارنا ومنصوص عليه عن أئمتنا الذين قولهم في الحجة يجري مجرى قول النبي (صلى الله عليه وآله) إما خصوصا أو عموما أو تصريحا أو تلويحا. وأما ما كثروا به كتبهم من مسائل الفروع فلا فرع من ذلك إلا وله مدخل في أصولنا ومخرج على مذاهبنا لا على وجه القياس بل على طريقة توجب علما يجب العمل عليها ويسوغ المصير إليها من البناء على الاصل وبراءة الذمة وغير ذلك، مع أن أكثر الفروع لها مدخل فيما نص عليه أصحابنا، وإنما كثر عددها عند الفقهاء لتركيبهم المسائل بعضها على بعض وتعليقها والتدقيق فيها حتى أن كثيرا من المسائل الواضحة دق لضرب من الصناعة وإن كانت المسألة معلومة واضحة.
وكنت على قديم الوقت وحديثه متشوق النفس إلى عمل كتاب يشتمل على ذلك تتوق نفسي إليه فيقطعني عن ذلك القواطع وتشغلني الشواغل وتضعف نيتي أيضا فيه قلة رغبة هذه الطائفة فيه وترك عنايتهم به، لانهم ألفوا الاخبار وما رووه من صريح الالفاظ حتى أن مسألة لو غير لفظها وعبر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم لعجبوا منها وقصر فهمهم عنها، وكنت عملت على قديم الوقت كتاب النهاية وذكرت جميع ما رواه أصحابنا في مصنفاتهم وأصلوها من المسائل وفرقوه في كتبهم، ورتبته ترتيب الفقه وجمعت بين النظائر ورتبت فيه الكتب على ما رتبت للعلة التي بينتها هناك، ولم أتعرض للتفريع على المسائل ولا لتعقيد الابواب وترتيب المسائل وتعليقها والجمع بين نظائرها، بل أوردت جميع ذلك أو أكثره بالألفاظ المنقولة حتى لا يستوحشوا من ذلك، وعملت بآخره مختصر جمل العقود في العبادات سلكت فيه طريق الايجاز والاختصار وعقود الابواب في ما يتعلق بالعبادات، ووعدت فيه أن أعمل كتابا في الفروع خاصة يضاف إلى كتاب النهاية ويجتمع معه يكون كاملا كافيا في جميع ما يحتاج إليه، ثم رأيت أن ذلك يكون مبتورا يصعب فهمه على الناظر فيه، لان الفرع إنما يفهمه إذا ضبط الاصل معه، فعدلت إلى عمل كتاب يشتمل على عدد بجميع كتب الفقه التي فصلها الفقهاء، وهي نحو من ثلاثين كتابا أذكر كل كتاب منه على غاية م يمكن تلخيصه من الالفاظ، واقتصرت على مجرد الفقه دون الادعية والآداب، واعقد فيه الابواب وأقسم فيه المسائل وأجمع بين النظائر واستوفيه غاية الاستيفاء وأذكر أكثر الفروغ التي ذكرها المخالفون وأقول ما عندي على ما تقتضيه مذاهبنا وتوجبه أصولنا بعد أن أذكر أصول جميع المسائل..
وهذا الكتاب إذا سهل الله تعالى إتمامه يكون كتاب لا نظير له لا في كتب أصحابنا ولا في كتب المخالفين، لأني إلى الآن ما عرفت لاحد من الفقهاء كتابا واحدا يشتمل على الاصول والفروع مستوفياً مذهبنا، بل كتبهم وإن كانت كثيرة فليس يشتمل عليهما كتاب واحد. وأما أصحابنا فليس لهم في هذا المعنى ما يشار إليه، بل لهم مختصرات .
وهذا النص يعتبر من الوثائق التاريخية التي تتحدث عن المراحل البدائية من تكون الفكر الفقهي التي مر بها علم الشريعة لدى الامامية ونما من خلالها حتى أنتج أمثال الشيخ الطوسي من النوابغ الذين نقلوه إلى مستوى أوسع وأعمق.
ويبدو من هذا النص أن البحث الفقهي الذي سبق الشيخ الطوسي وأدركه هذا الفقيه العظيم وضاق به، كان يقتصر في الغالب على استعراض المعطيات المباشرة للاحاديث والنصوص، وهي ما سماه الشيخ الطوسي بأصول المسائل، ويتقيد في استعراض تلك المعطيات بنفس الصيغ التي جاءت في مصادرها من تلك الاحاديث. ومن الطبيعي أن البحث الفقهي حين يقتصر على أصول المسائل المعطاة بصورة مباشرة في النصوص ويتقيد بصيغتها المأثورة، يكون بحثا منكمش لا مجال فيه للأبداع والتعمق الواسع النطاق.
وكتاب المبسوط كان محاولة ناجحة وعظيمة في مقاييس التطور العلمي لنقل البحث الفقهي من نطاقه الضيق المحدود في أصول المسائل إلى نطاق واسع يمارس الفقيه فيه التفريع والتفصيل والمقارنة بين الاحكام وتطبيق القواعد العامة ويتتبع أحكام مختلف الحوادث والفروض على ضوء المعطيات المباشرة للنصوص.
وبدرس نصوص الفقيه الرائد رضوان الله عليه في العدة والمبسوط، يمكننا أن نستخلص الحقيقتين التاليتين: إحداهما أن علم الاصول في الدور العلمي الذي سبق الشيخ الطوسي كان يتناسب مع مستوى البحث الفقهي الذي كان يقتصر وقتئذ على أصول المسائل والمعطيات المباشرة للنصوص، ولم يكن بإمكان علم الاصول في تلك الفترة أن ينمو نمو كبيرا، لان الحاجات المحدودة للبحث الفقهي الذي حصر نفسه في حدود المعطيات المباشرة للنصوص لم تكن تساعد على ذلك فكان من الطبيعي أن ينتظر علم الاصول نمو التفكير الفقهي واجتيازه تلك المراحل التي كان الشيخ الطوسي يضيق بها ويشكو منها.
والحقيقة الاخرى هي أن تطور علم الاصول الذي يمثله الشيخ الطوسي في كتاب العدة كان يسير في خط مواز للتطور العظيم الذي أنجز في تلك الفترة على الصعيد الفقهي.
وهذه الموازاة التاريخية بين التطورين تعزز الفكرة التي قلناها سابقا عن التفاعل بين الفكر الفقهي والفكر الاصولي أي بين بحوث النظرية وبحوث التطبيق الفقهي، فإن الفقيه الذي يشتغل في حدود التعبير عن مدلول النص ومعطاه المباشر بنفس عبارته أو بعبارة مرادفة ويعيش قريبا من عصر صدوره من المعصوم، لا يحس بحاجة شديدة إلى قواعد، ولكنه حين يدخل في مرحلة التفريع على النص ودرس تفصيلات وافتراض فروض جديدة لاستخراج حكمها بطريقة ما من النص يجد نفسه بحاجة كبيرة ومتزايدة إلى العناصر والقواعد العامة وتنفتح أمامه آفاق التفكير الاصولي الرحيبة.
ويجب أن لا نفهم من النصوص المتقدمة التي كتبها الشيخ الطوسي أن نقل الفكر الفقهي من دور الاقتصار على أصول المسائل والجمود على صيغ الروايات إلى دور التفريع وتطبيق القواعد، قد تم على يد الشيخ فجأة وبدون سابق إعداد، بل الواقع أن التطور الذي أنجزه الشيخ في الفكر الفقهي كان له بذوره التي وضعها قبلها أستاذاه السيد المرتضى والشيخ المفيد وقبلهما ابن أبي عقيل وابن الجنيد كما أشرنا سابقا، وكان لتلك البذور أهميتها من الناحية العلمية حتى نقل عن أبي جعفر بن معد الموسوي وهو متأخر عن الشيخ الطوسي أنه وقف على كتاب ابن الجنيد الفقهي واسمه التهذيب فذكر أنه لم ير لاحد من الطائفة كتابا أجود منه ولا أبلغ ولا أحسن عبارة ولا أرق معنى منه، وقد استوفى فيه الفروع والاصول وذكر الخلاف في المسائل واستدل بطريق الامامية وطريق مخاليفهم. فهذه الشهادة تدل على قيمة البذور التي نمت حتى آتت أكلها على يد الطوسي. وقد ء كتاب العدة للطوسي الذي يمثل نمو الفكر الاصولي في أعقاب تلك البذور تلبية لحاجات التوسع في البحث الفقهي. وعلى هذا الضوء نعرف أن من الخطأ القول بأن كتاب العدة ينقض العلاقة بين تطور الفقه وتطور الاصول ويثبت إمكانية تطور الفكر الاصولي بدرجة كبيرة دون أن يحصل أدنى تغيير في الفكر الفقهي، لان الشيخ صنف العدة في حياة السيد المرتضى والفكر الفقهي وقتئذ كان يعيش مستواه البدائي ولم يتطور إلا خلال كتاب المبسوط الذي كتبه الشيخ في آخر حياته. ووجه الخطأ في هذا القول أن كتاب المبسوط وإن كان متأخر تاريخيا عن كتاب العدة ولكن كتاب المبسوط لم يكن إلا تجسيدا للتوسع والتكامل للفكر الفقهي الذي كان قد بدأ بالتوسع والنمو والتفريع على يد ابن الجنيد والسيد المرتضى وغيرهما.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|