أقرأ أيضاً
التاريخ: 11-10-2014
3697
التاريخ: 27-11-2014
1948
التاريخ: 27-11-2014
1675
التاريخ: 11-10-2014
3832
|
قال تعالى : {أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ} [الصافات: 62 - 66] .
وهذا أيضاً أَخذوه على القرآن ، حيث التعبير برؤوس الشياطين جاء على ما تَوهّمته العرب أنّ للشياطين رؤوساً على غِرار ما تَوهّموه في الغُول ، جاء في شعر امرئ القيس : ( وَمَسنونَةٌ زُرقٌ كأَنيابِ أَغوالِ ) .
غير أنّ الشيطان في اللغة مِن أوصاف المُبالغة مأخوذ مِن شاط يَشيط إذا اشتدّ غيظاً وغَضباً ، يُقال : تَشيّط إذا احترق غيظاً واشتاط اشتياطاً عليه إذا التهب غضباً ، وكذا قولهم : استشاط عليه أي احتدّ عليه غضباً ، واستشاط الحَمامُ : نَشط ، واستشاط مِن الأمر : خفّ له ، واستشاط فلان أي استقتل وعرّض نفسه للقتل ، وأصله مِن شاط الشيء إذا احترق .
قال ابن فارس : الشَّيط مِن شاطَ الشيء إذا احترق ، ومنه استشاطَ الرجلُ إذا احتدّ غضباً ، قال ومِن هذا الباب الشيطان (1) ، ويُطلق على كلّ مُتمرّدٍ عاتٍ مِن الجنّ والإنس والدّوابّ ، فهو فَعلان ، لتكون الألف والنون زائدتَين ، كما في عطشان وغضبان و رحمان ، أمّا القول ، بأنّه مِن شَطَن ليكون على وِزان فيعال فهو غريب ؛ إذ لم يُعهد مِثلُ هذا الوزن في صيّغ المبالغة ، وإنْ قال به الخليل .
وهكذا الراغب رجّح كون النون أصليّة بدليل جمعه على شياطين ! (2)
وعلى أيّ حالٍ فهو وصفٌ يُطلق على كلّ متمرّدٍ عاتٍ بالَغَ في شَطَطِه كالمُستشيط غَضَباً أو المُلتهب غيظاً ، قال جرير :
أيّام يَدعونَني الشيطانَ من غَزَلي وهُـنَّ يَهْوَيْنَني إذ كنتُ شيطاناً
وقال آخر : لو أنّ شيطان الذِّئاب العُسَّل... قال الراغب : جمع العاسِل وهو الذي يَضطرب في عدوه ، واختصّ به عَسَلان الذئب ، قال : وسُمّي كل خُلُق ذميم للإنسان شيطاناً ، فقال ( عليه السلام ) : ( الحَسَد شيطان والغَضَب شيطان ) ، فليس الشيطان اسماً لإبليس ولا خاصّاً بجنوده الأبالسة ، وإنّما أُطلق عليه كإطلاقه على سائر ذوي الشرور ، قال تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ} [الأنعام: 112].
والشيطان ـ أيضاً ـ اسم لِحَيّة لها عُرْف ، وهي لحَمة مُستطيلة فوق رأسها شبه عُرْف الديك قال الزجّاج : تُسمّي العرب بعض الحيّات شيطاناً ، قيل : هو حيّة لها عُرف قبيح المنظر (3) ، وأنشد الرجل ( هو الراجز ) (4) ، يَذمّ امرأةً له كانت سَليطَة :
عَـنْجَرِدٌ تَـحلف حـين أَحلف كمثل شيطانِ الحَماط أعرَفُ (5)
وقال آخر يصف ناقته في المسير :
تُـلاعبُ مَـثنى حَـضْرميّ كأنَّه تَعَمُّجُ شيطانٍ بذي خِرْوَعٍ قَفر (6)
والشيطان في هذينِ البيتَين هي الحَيّة المَهيبة يُتَنَفَّر منها ، لها عُرف كتاج الديك قبيح المَنظر ، فقد شَبَّه الشاعر في البيت الأَوّل امرأته العجوز السَليطَة بشيطان الحَماط القبيح المهيب ، وهي الحيّة ذات عُرف يَكثُر وجودها تحت شجر الحَماط في الصحراء القاحلة .
وفي البيت الثاني شَبَّه الشاعر زِمام ناقتِه في تَلوّيه بسبب مشية الناقة بتلوّي حيّةٍ قبيحةِ الهيئة تلتوي في بيداء قَفر (7) .
وعليه ، فالتشبيه في الآية الكريمة وَقَع على الواقع المشهود ، هي رؤوس الحيّات القبيحة المنظر الهائلة على حدّ تعبير الزمخشري في الكشّاف ، ووافقه اللغة والعُرف العامّ حسبما عرفتَ ، وليس مجرّد تخييل أو تقليد تَوهّمته العرب كما زَعَمه الزاعِمون !
وهكذا جاء في ( تأويل مشكل القرآن ) لابن قتبية قال : والعرب تقول إذا رأت مَنظراً قبيحاً : كأنّه شيطان الحَماط ، يريدون حيّة تأوي في الحَماط ، كما تقول : أيمُ الضالّ ، وذِئب الغَضى ، وأَرنبُ خُلّة ، وتيسُ حُلَّب ، وقنفذُ بُرقَة (8) .
قال الشيخ أبو الفتوح الرازي : وهذا كتشبيهه تعالى عصا موسى ( عليه السلام ) التي انقلبت حيّة تسعى بالجانّ ، وهو أيضاً اسم للحيّة السريعة التَلوّي في حركتها (9) .
قال ابن منظور : والجانّ ، ضَربٌ من الحيّات أكحل العينَين يَضرب إلى الصُفرة لا يُؤذي ، وهو كثير في البيوت ، قال سيبويه : والجمع جِنّان ، وأنشد بيت الخطفي جدّ جرير يصف إبلاً :
أعناقَ جِنّانٍ وهاماً رُجَّفا وعَنَقاً بعد الرسيم خَيْطَفا
وفي الحديث : أنّه نهى عن قتل الجِنّان ، قال : هي الحيّات تكون في البيوت ، واحدها جانّ ، وهو الدقيق الخفيف .
قال الأزهري في التهذيب في قوله تعالى : {تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ } [النمل: 10] ، الجانّ حيّة بيضاء ، قال أبو عمرو : الجانّ حيّة ، وجمعه جوانّ .
قال الزجّاج : المعنى أنّ العصا صارت تتحرّك كما يَتحرّك الجانّ حركةً خفيفةً ، قال : وكانت في صورة ثُعبان ، وهو العظيم من الحيّات ، ونحو ذلك قال أبو العباس المبرّد ، قال : شبّهها في عِظَمِها بالثُعبان وفي خفّتها ( خفّة حركتها ) بالجانّ . ولذلك قال تعالى مرّةً {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ } [الأعراف: 107] ومرّةً (كَأَنَّهَا جَانٌّ) (10) .
قال الشيخ أبو الفتوح الرازي ـ في وجه التشبيه بالجانّ مرّة وبالثعبان أُخرى ـ : إنّ التشبيه الأَوّل وَقَع في بدء بعثته ( عليه السلام ) عند الشجرة ، قال تعالى في سورة النمل : { يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لَا تَخَفْ إِنِّي لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ} [النمل: 9، 10] وفي سورة القصص : {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30) وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ} [القصص: 30، 31].
أمّا التشبيه بالثعبان فكان عند لقاء فرعون ومَلَئِه ، وقوله لهم : إنّي قد جئتكم ببيّنة ، قالوا : فائتِ بها إن كنت مِن الصادقين {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ } [الأعراف: 107] و [الشعراء: 32].
ولعلّ عندما ألقى عصاه لأَوّل مرّة عند الشجرة كان لَفَت نظره وأرهبه أنّ العصا ـ وهي عودة ـ تتحرّك وتهتزّ كما تسعى الحيّة ، فولّى مُدبراً ولم يُعقّب .
أمّا الذي أتى به مُعجِزاً وبيّنة من ربّه فهو قَلْبُ العصا ثعباناً وهي حيّة عظيمة هائلة ، فاسترهبوه وحاولوا مقابلته بالمِثل فجمعوا السَحَرة وجاءوا بسحرٍ عظيم ، فألقى موسى عصاه {فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُونَ (117) فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 117، 118].
فالتشبيه بالجانّ مرّة وبالثعبان أُخرى كان باعتبارَينِ وفي موقفَين مُختلفَين ، قال الشيخ الرازي : لا يَمتنع أنْ تنقلب العصا إلى صورتَين مختلفتَين باختلاف الموردَين (11) .
* * *
وختاماً ، فقد جاء في المُعجم الزوولوجي الحديث تأليف الأُستاذ مُحمّد كاظم الملكي النجفي : أنّ الشيطان أيضاً اسمٌ لنوع من السَّمك الضخم يبلغ وزنه نحو طنَّين يُوجد في المياه المُحيطة في الشمال الغربي لأستراليا ، له وجهٌ كَريه كأنّه صنم من الأصنام القديمة وعلى رأسه قرنان يَزيدان في كَراهة منظره (12) .
______________________________
1- معجم مقاييس اللغة ، ج3 ، ص234 ـ 235 و185 .
2- المفردات ، ص261 ، ولسان العرب ، ج13 ، ص 238 .
3- قال الزمخشري : قيل : الشيطان ، حيّة عرفاء لها صورة قبيحة المنظر هائلة جدّاً الكشّاف ، ج4 ، ص46 .
4- راجع : تفسير أبي الفتوح الرازي ، ج9 ، ص313 .
5- العَنجَرد : المرأة السليطة الطويلة اللسان الصَخَّابة ، وجاء البيت في تأويل مشكل القرآن ، ص389 : ( عُجيَّز ) بدل ( عَنجَرد ) ، والحَماط ـ جمعُ حَماطة ـ شجر تَنبُت في البراري شبيهة التينة ، تكثر حولها الحيّات ، والأعرف : ذو العُرف ، هي اللحمة شبه التاج تكون في أعلى رأس بعض الحيّات مثل تاج الديك ، وهي من أشدّ الحيّات تنفّراً .
6- المَثنى : زِمام الناقة ، والحضرمي منسوب إلى حضرموت ، والخِرْوَع : شوك لا يُرعى لغلظته يَنبُت في الفلوات القفر ، راجع : لسان العرب ، ج13 ، ص238 ـ 239 ، وراجع أيضاً : معاني القرآن للفرّاء ، ج2 ، ص387 .
7- تفسير أبي الفتوح الرازي ، ج9 ، ص313 .
8- تأويل مشكل القرآن ، ص389 ، والأيّم ـ بسكون الياء وتشديدها ـ : الحيّة الأبيض اللطيف ، والضالّ : نوع من الشجر يَنبت في السهول والوعور له شوك ، ويقال : هو السِّدر من شجر الشوك ، وألفه مُنقلبة عن الياء ، والغَضى : نوع من الشجر يأوي إليه أخبث الذئاب ، والخُلّة : نبات فيه حلاوة ، والحُلّب : بقلة جَعدة غبراء في خضرة تنبسط على الأرض ، يسيل منها اللبن إذا قُطع منها شيء ، يقال : أسرع الظباء تيسٌ حُلَّب ؛ لأنّه قد رعى الربيع ، والبُرقة : أرض غليظة مُختلطة بحجارة ورمل ، ويقال : قنفذ برقة كما يقال : ضبّ كُدية ، وهي الأرض الصُلبة الغليظة .
9- تفسير أبي الفتوح الرازي ، ج9 ، ص313 .
10- راجع : لسان العرب ، ج13 ، ص97 .
11- تفسير أبي الفتوح الرازي ، ج8 ، ص378 .
12- المعجم الزوولوجي ، ج4 ، ص71 ـ 72 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|