المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الفقه الاسلامي واصوله
عدد المواضيع في هذا القسم 7534 موضوعاً
المسائل الفقهية
علم اصول الفقه
القواعد الفقهية
المصطلحات الفقهية
الفقه المقارن

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


تصوير الواجب المعلق  
  
495   12:50 مساءاً   التاريخ: 3-8-2016
المؤلف : محمد تقي البروجردي النجفي
الكتاب أو المصدر : نهاية الأفكار
الجزء والصفحة : ص.303
القسم : الفقه الاسلامي واصوله / علم اصول الفقه / المباحث العقلية /

ثم انه من التأمل فيما ذكرنا في الواجب المشروط على المختار يظهر لك امكان تصوير الواجب المعلق ايضا وهو الذي يكون الوجوب فيه فعليا مطلقا غير منوط بشيء ولكن الواجب فيه مقيد بأمر استقبالي غير اختياري حتى في ظرفه ولو لكونه قهري الحصول والتحقق في موطنه كالوقت مثلا، كما في الحج في الموسم، أو مقيدا بأمر اختياري لكن لا بمطلق وجوده بل بوجوده الاتفاقي الناشئ من جهة غير اختيار المكلف، أو بوجوده الناشئ من قبل سائر الدواعي غير دعوة الامر والتكليف، إذ نقول حينئذ بان مثل هذه القيود بعد ان كانت راجعة إلى مقام الدخل في وجود المحتاج إليه والمتصف بالصلاح والمفسدة لا في اصل الاحتياج واتصاف الذات بالمصلحة والصلاح كما في قيود التكليف كالاستطاعة بالنسبة إلى الحج فلا جرم تبع للعلم الفعلي بقيام المصلحة التامة المطلقة بالمقيد المزبور يتعلق به الاشتياق الفعلي المطلق البالغ إلى حد الإنقداح المعبر عنه بالإرادة ايضا بلا حالة منتظرة في البين ولا اناطة لها في فعليتها بحصول القيود المزبورة في الخارج، بل ولا بفرضها ولحاظها ايضا بوجه اصلا. نعم غاية ما هناك هو خروج القيود المزبورة من جهة عدم قابليتها لتعلق الارادة بها عن حيز التكليف بالإيجاد محضا لا عن مباديها ايضا فكان جميع مبادى الارادة من الميل والمحبة والاشتياق متحققة بالنسبة إليها، ولكنها من جهة عدم قابليتها لتعلق الارادة به كانت خارجة عن حيز التكليف بالإيجاد، ولكن مجرد خروجها عن حيز التكليف ايضا غير مقتض لإناطة اصل التكليف في فعليته بحصولها في الخارج كما في قيود الوجوب في المشروطات على مسلك المشهور بل ولا بفرضها ولحاظها ايضا، كيف وان قضية كونها قيودا للواجب ليست الا دخل تقيداتها في المطلوب بنحو الجزئية، وحينئذ فكما ان الامر بالمركب من الاجزاء الخارجي لا يكون في فعليته بكل جزء منوطا بوجود الجزء الآخر بل ولا بفرضه ولحاظه ايضا بل كانت الاجزاء في عرض واحد في كونها متعلقا للأمر والتكليف، غاية الامر انه لا يكون للتكليف المتعلق بها اطلاق يقتضي مطلوبية المركب حتى في ظرف فقد بعض الاجزاء، وذلك ايضا لمكان توئمية الاجزاء في مشموليتها للطلب ثبوتا وسقوط ايضا، كذلك المركب من الاجزاء التحليلية وهى التقيدات ففيها ايضا لا يكون الامر بالمقيد ببعض القيود منوطا في فعليته بحصول قيوده في الخارج ولا بفرضها ولحاظه ايضا من غير فرق في ذلك بين أن يكون القيد من القيود الاختيارية أو من القيود الغير الاختيارية، غاية الامر في فرض عدم اختيارية القيد أو فرض كون الدخيل في الغرض هو وجوده الاتفاقي ولو مع اختياريته يخرج القيد حينئذ عن حيز نفس التكليف بالإيجاد، فلا يكون التكليف بالمقيد حينئذ مطلقا بنحو يقتضي حفظ وجود المقيد على الاطلاق حتى من ناحية ما هو خارج عن اختيار المكلف أو من ناحية ما كان دخله بوجوده من باب الاتفاق، لا أنه يوجب نفى التكليف الفعلي بالمقيد بقول مطلق قبل حصول قيده كما هو واضح، فيكون مرجع التكليف الفعلي بالمقيد بقول مطلق قبل خارجا عن الاختيار إلى التكليف بسد باب عدمه فعلا من ناحية ما هو تحت قدرة المكلف واختياره من المقدمات الوجودية والاضداد في ظرف العلم بانسداد عدمه من ناحية القيود الخارجة عن الاختيار ونتيجة ذلك انما هي لزوم حفظ المقيد فعلا من قبل مقدماته الوجودية الاختيارية عند العلم بانحفاظه من ناحية القيود الخارجة عن الاختيار كما هو واضح. وعلى ذلك فحيثما امكن تصور الواجب المعلق ايضا في قبال المشروط منه فلا جرم يكون الاقسام في الواجب ثلاثة لا انه ينحصر بالقسمين المطلق والمشروط كما قيل من امتناع المعلق واستحالته، وذلك لما عرفت بما لا مزيد عليه من امكان تصور قسم ثالث للواجب ايضا، وراء المطلق المنجز والمشروط، وهو الذي يكون الواجب امرا استقباليا مقيدا بزمان الاستقبال وكان الوجوب فيه فعليا مطلقا غير منوط بشيء حتى في الفرض واللحاظ، في قبال المشروط المشهور الذي يكون الوجوب فيه منوط بوجوب الشرط والمنوط به في موطن الخارج الملازم لعدم فعليته ايضا قبل حصول شرطه في الخارج، وفي قبال المشروط لدى المختار الذي يكون الوجوب فيه فعليا لكن منوطا بفرض الشيء ولحاظه لا مطلقا كما هو واضح.

ثم انه قد يقرب وجه ابطال المعلق واستحالته وامتناع تعلق التكليف الفعلي بالأمر الإستقبالي قبل حصول ظرفه بان حقيقة الارادة بعد ان لم تكن عبارة عن مجرد الميل والمحبة والاشتياق نحو الشيء بل كانت عبارة من تلك الحالة الإنقداحية الحاصلة في النفس المستتبعة لتحريك العضلات نحو المراد فلا جرم تحتاج في فعليتها وتحققها إلى ان تكون في ظرف الاشراف على المراد الذي هو ظرف القدرة عليه من جهة انه بدونه يستحيل تحقق تلك الحالة الإنقداحية الخاصة الموجبة لتحريك العضلات، من غير فرق في ذلك بين الارادة التكوينية والتشريعية، فكما انه في الارادة التكوينية لا يتحقق حقيقة تلك الحالة الإنقداحية المحركة للعضلات الا في ظرف اشراف المريد على العمل وفي ظرف القدرة عليه كذلك ايضا في الارادة وفعليتها من كونها في ظرف اشراف المأمور والمكلف على المراد وفي ظرف القدرة عليه. ومحصل هذ التقريب انما هو دعوى احتياج الارادة في فعليتها وتحققها إلى كون المراد مقدورا بلا واسطة في ظرف الارادة وانه بدونه لا يكاد تحقق تلك الحالة الإنقداحية المعبر عنه بالإرادة بوجه اصلا، فيقال حينئذ بان الامر الإستقبالي لما كان غير مقدور للمكلف قبل حصول قيده أو ظرفه فلا جرم يمتنع توجيه التكليف الفعلي ايضا نحوه بالإيجاد، فمن ذلك لابد من جعل التكليف الفعلي به منوطا بحصول قيده الخارج عن الاختيار في الخارج، ومعه يرجع تلك المعلقات إلى المشروط إذ لا نعنى من المشروط الا ما كان الوجوب فيه منوطا بوجود قيده في الخارج فيبطل حينئذ القول بالمعلق بواسطة امتناع تعلق الوجوب الفعلي بالأمر الإستقبالي والمقيد ببعض القيود الغير الاختيارية، ومن أجل هذا البيان ايضا قيل بلزوم المصير إلى تدريجية فعلية التكليف بالأجزاء في المركبات التدريجية كالصلاة ونحوها وان فعلية التكليف بكل جزء من المركب انما هو في ظرف الاشراف عليه الذي هو ظرف الفراغ عن الاتيان بالجزء السابق عليه، لا ان التكيف بالجميع كان فعليا من الاول، هذا ولكنك خبير بما في هذا التقريب، إذ نقول بانه وان كان لابد في صحة توجيه التكليف الفعلي نحو الشيء من كونه مقدور للمكلف وبدون القدرة عليه لا يصح الطلب والبعث إليه فعلا، ولكنه نمنع اعتبار كونه مقدورا له بلا واسطة في ظرف الارادة، بل نقول بانه يكفى في فعلية الارادة والتكليف بالعمل مطلق القدرة على ايجاده في ظرفه ولو بتوسيط مقدماته، لان قدرته الفعلية على المقدمات هي عين القدرة على ايجاد العمل في ظرفه، حيث انه كان له فعلا حفظ المطلوب الإستقبالي بإيجاد مقدماته الوجودية الاختيارية كما كان له عدم حفظه وتفويته بعدم ايجاد مقدماته الوجودية فعلا، ومن المعلوم حينئذ انه يكفى هذا المقدار من القدرة الفعلية على المطلوب الإستقبالي في صحة توجيه البعث والتكليف الفعلي نحوه كيف وان لازم البيان المزبور من اعتبار القدرة بلا واسطة على العمل في صحة البعث الفعلي هو الالتزام بعدم فعلية التكليف في الواجبات المطلقة ايضا فيما كان منها يحتاج إلى مقدمات عديدة لأنها ايضا غير مقدورة قبل حصول مقدماتها في الخارج، فلابد وان يكون فعلية التكليف فيها ايضا في ظرف حصول مقدماتها الذي هو ظرف الاشراف على المطلوب وظرف القدرة عليه، ولازمه هو انكار الارادة الغيرية رأسا في كلية الواجبات بالنسبة إلى المقدمات الوجودية لأنه في ظرف عدم حصول المقدمات إذا لم تكن الارادة النفسية متحققة بالنسبة إلى ذيها بملاحظة عدم امكان الانبعاث نحوه فلا جرم يمتنع تصور الارادة الغيرية ايضا بالنسبة إلى مقدماته الوجودية، وحينئذ فلابد من نفى الوجوب الغيري عن تلك المقدمات رأسا والالتزام بكونها واجبة بالوجوب النفسي التهيئي، وهذ وان التزم به بعض من سلك مثل هذا المسلك كصاحب تشريح الاصول فيما حكاه الاستاذ دام ظله ولكن مثل هذا الالتزام كما ترى لا يمكن المصير إليه وذلك لما فيه من مخالفته لما عليه اطباق العقلاء بل وبداهة الوجدان القاضي بغيرية تلك الارادة المتعلقة بالمقدمات الوجودية كما في اراداتنا التكوينية المتعلقة بمثل المشي إلى السوق لشراء اللحم والى الحمام للغسل من الجنابة والى مسجد الكوفة للصلاة فيه ونحو ذلك، وعليه فيتوجه عليهم الاشكال بانه إذا كانت تلك الارادة المتعلقة بالمقدمات الوجودية ارادة غيرية توصلية بالوجدان لا نفسية ولو تهيئية فيستحيل انفكاكها عن فعلية الارادة بذيها لان تبعية الارادة الغيرية للإرادة النفسية في الفعلية والشأنية في الوضوح كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار. وحينئذ فبمقتضى هذا البرهان بعد قضاء الوجدان بكون الارادة المتعلقة بالمقدمات ارادة غيرية توصيلة لا محيص من الالتزام بفعلية الارادة النفسية بالنسبة إلى ذيها ايضا قبل حصول مقدماته، كى منها يترشح ارادة غيرية نحو مقدماته والمصير إلى كفاية مطلق مقدورية العمل ولو بالواسطة في صحة توجيه التكليف الفعلي نحوه وعدم احتياجها أي الارادة في فعليتها إلى اعتبار كون المتعلق مقدورا بلا واسطة في ظرف الارادة والتكليف كي تحتاج إلى لزوم كونها في ظرف الاشراف على العمل، كما هو واضح.

 وعلى ذلك نقول بأنه إذا كان ذلك شأن الارادة في الواجبات المطلقة المنجزة وفي الارادات التكوينية فامكن فعلية الارادة فيها قبل حصول المقدمات الوجودية فليكن كذلك في الواجبات المعلقة ايضا، فامكن فيها تعلق الارادة الفعلية حالا بالمقيد بالقيد الإستقبالي كالزمان قبل حصوله، فلا تحتاج إلى كونها في ظرف الاشراف على الواجب الذي هو ظرف حصول قيده، كما كان يشهد لذلك ايضا نفس الانشاء الصادر من المولى حيث انه بعد ان كان ذلك لأجل التوصل به إلى وجود المراد البعدي لا من جهة مطلوبية الانشاء نفسا فلا محالة تكون الارادة المتعلقة به ارادة غيرية توصلية، ومعه بمقتضي عدم انفكاكها عن ارادة ذيه لابد من الالتزام بكون الارادة المتعلقة بالفعل البعدي فعلية حال الانشاء كي منه يترشح ارادة غيرية إلى الانشاء المزبور، نعم غاية ما في الباب ان محركية هذه الارادة لنفس المطلوب كانت في ظرف الاشراف عليه الذي هو ظرف حصول قيده، واما قبل ذلك فلا تكون محركيتها الا لمقدماتها الوجودية كما هو الشأن ايضا في الواجبات المطلقة المنجزة التي تحتاج إلى مقدمات عديدة، حيث كانت الارادة بحدوثها محركة و باعثة نحو مقدمات المطلوب وببقائها إلى حين حصول المقدمات محركة نحو نفس المطلوب، لا انه عند حصول المقدمات يحدث في النفس حالة اخرى توجب البعث نحو المطلوب، كما هو واضح. وقد يقرب ابطال المعلق واستحالته بوجه آخر ولو مع تسليم كفاية مطلق المقدورية ولو بالواسطة في صحة التكليف الفعلي بالعمل وذلك بتقريب ان المقيد بالقيد الغير الاختياري كالزمان مثلا تبعا لعدم اختيارية قيده قبل حصول قيده غير مقدور للمكلف بقول مطلق لا بالواسطة ولا بدونها، من جهة وضوح عدم قدرة المكلف والمأمور على الاتيان بالعمل البعدي قبل حصول قيده وظرفه لا بالواسطة ولا بدونها، فان ما هو مقدور له حينئذ انما كان ذات المقيد لا بوصف كونه مقيدا، وذات المقيد لم تكن مما يترتب عليه الغرض والمصلحة، بل المترتب عليه الغرض والمصلحة هو المقيد بوصف كونه مقيدا فإذا كان ذلك غير مقدور له قبل حصول قيده في الخارج فلا جرم يستحيل تعلق التكليف الفعلي بإيجاده ومعه فلا محيص وان يكون التكليف الفعلي به منوطا بحصول قيده في الخارج. ومن هذه الجهة ايضا يندفع شبهة الانتقاض المزبور بالواجبات المطلقة التي لها مقدمات وجودية حيث نقول بان صحة التكليف الفعلي في الواجبات المطلقة قبل حصول مقدماتها الوجودية مع كونه في الحقيقة من البعث إلى امر متأخر انما هو من جهة كونه مقدورا للمكلف ولو بواسطة القدرة على مقدماته، حيث انه من اجل ذلك يصير البعث الفعل والانبعاث إليه متصفا بصفة الامكان بخلافه في الفعل المتقيد بأمر غير مقدور كالمتقيد بالزمان المتأخر، حيث انه باعتبار امتناع تحققه قبل حضور وقته وحصول قيده غير مقدور للمكلف على الاطلاق حتى بالواسطة، فمن ذلك لا يكاد يصح البعث الفعلي نحوه الا بعد حضور وقته وحصول قيده، بجعل فعلية التكليف منوطة بوجود القيد في موطن الخارج ولا نعنى من المشروط الا هذا. وقد يقرب ذلك بعبارة اخرى وهى ان المعتبر في صحة البعث الفعلي نحو الشيء انما هو امكان انبعاث المكلف إليه وقوعيا علاوة عن الامكان الذاتي فيقال حينئذ بانه لا ريب في تحقق هذا المعنى حينئذ في فعل له مقدمات اختيارية غير حاصلة بالفعل، وذلك انما هو من جهة كونه في نفسه امرا ممكنا قابل للوقوع في كل آن ولو في زمان عدم وجود علته، كما في الاحراق، حيث انه امر ممكن قابل للتحقق في كل زمان حتى في زمان عدم حصول علته غير ان عدم تحققه وامتناعه كان من جهة عدم حصول علته لا من جهة امتناعه في نفسه بالامتناع الوقوعي، وحينئذ فإذا كان الامكان الذاتي والوقوعي محفوظا فيه مع عدم حصول علته وامتناعه بالغير فلا جرم امكن البعث الفعلي نحوه ايضا، من جهة المعيار في صحة البعث الفعلي انما كان هو امكان الانبعاث إليه بالإمكان الوقوعي، فإذا امكن الانبعاث إليه بالإمكان الوقوعي امكن البعث الفعلي نحوه ايضا، وهذا بخلافه في الفعل المتقيد بالزمان المتأخر فانه لما كان يمتنع تحققه في نفسه قبل حضور وقته وحصول قيده فلا يكاد اتصاف الانبعاث إليه بوصف الامكان الوقوعي ومعه لا يكاد يصح البعث الفعلي نحوه ايضا من جهة ما عرفت من الملاك في صحة البعث الفعلي نحو الشيء وانه امكان الانبعاث إليه بالإمكان الوقوعي، فعلى ذلك الفرق بين فعل له مقدمات وجودية اختيارية غير حاصلة وبين الفعل المتقيد بأمر غير مقدور كالمتقيد بالزمان المتأخر من حيث صحة البعث الفعلي في الاول وعدم صحته في الثاني الا بعد حصول الواجب انما هو من جهة محفوظية الامكان الوقوعي في الاول وعدم محفوظيته في الثاني، باعتبار امتناع تحققه في نفسه قبل حضور وقته وحصول قيده، فمن ذلك لا محيص من جعل الطلب في نحو هذه الامور منوطا بحصول قيده في الخارج كما في المشروطات. هذا غاية ما افيد في وجه بطلان المعلق وفي الفرق بينه وبين المطلق الذي له مقدمات اختيارية غير حاصلة بالفعل.

ولكنه كما ترى لا يكاد يجدي شيئا، إذ نقول اولا: بان ما افيد من الفرق المزبور بالملاك المسطور انما يفيد في مثل الاحراق ونحوه من الامور التي لم يكن لها ما يمنع عن قابلية وقوعها في زمان علتها، لا في فعل كل ما له مقدمات اختيارية غير حاصلة بالفعل كالصلاة ونحوها مما اعتبر فيها الهيئة الخاصة المعهودة التي ينأ فيها ويضادها بعض الامور فان مثل الصلاة باعتبار ما لها من الهيئة الاتصالية المعهودة لا اشكال في كونها مضادة مع فعل مثل الوضوء والغسل ونحوهما كمضادتها مع سائر المنافيات من الافعال التي يوجب وقوعها في اثنائها خروج تلك الهيئة عن كونها هيئة صلاتية، وعلى ذلك نقول بانه من الواضح انه مع تلك المضادة لا يكاد اتصاف الصلاة بالإمكان الوقوعي في كل زمان حتى في زمان عدم وجود مقدمتها التي عبارة عن الوضوء والغسل، وحينئذ يتوجه شبهة الانتقاض بالواجبات المطلقة إذ يقال حينئذ بانه يكفى في امتناعه الوقوعي تلك المضادة الجائية من قبل ما اعتبر فيها من الهيئة الخاصة وان كان في الفعل المتقيد بالزمان المتأخر جهة اخرى زائدة وهى امتناع تحققه بذاته قبل حضور وقته. وثانيا نقول: بان امكان الانبعاث نحو المطلوب وان كان مما لابد منه عقلا في صحة البعث الفعلي ولكن نقول: بان لا دليل على اعتباره في ظرف التكليف بل يكفى فيه امكانه في ظرف العمل لان الذي يحكم العقل باستحالته من التكليف بما لا يقدر عليها لمكلف انما هو في مورد خروج الفعل عن المقدورية بقول مطلق حتى في ظرفه لا مطلقا كما هو واضح. ومع الغض عن ذلك نقول: بانه انما يجدي ذلك في ابطال المعلق إذا كان المقصود من اثبات المعلق اقتضاء البعث الفعلي نحو الفعل المتقيد بالزمان المتأخر لحافظية وجود المقيد بقول مطلق حتى من ناحية قيوده الخارجة عن الاختيار ولكنه ليس كذلك، والا لاقتضى هذا البيان عدم صحة البعث الفعلي نحوه حتى في ظرف حصول قيده من باب الاتفاق من جهة ان مجرد حصول القيد غير الاختياري لا يوجب صيرورة المقيد بما هو مقيد اختياريا بقول مطلق، بل المقصود اقتضاء التكليف المزبور للأمر بسد باب عدمه من قبل ما هو تحت اختيار المكلف من المقدمات في ظرف انسداد عدمه من ناحية القيود الخارجة عن الاختيار، وعليه نقول: بان ذلك كما انه يوجب صحة التكليف بالمقيد بعد حصول قيده في الخارج وكان مرجع التكليف به حينئذ إلى التكليف بسد باب عدمه من ناحية بقية القيود الاخر الاختيارية كذلك يوجب صحة التكليف الفعلي نحوه ايضا قبل حصول قيده في الخارج نظرا إلى تمكنه فعلا من هذا المقدار من الحفظ كتمكنه من عدم حفظه ايضا بتفويت تلك المقدمات وعدم ابقاء قدرته إلى ظرف حصول القيد الذي هو ظرف الواجب، وحينئذ فإذا فرض تمكنه فعلا من حفظ المقيد بالوقت الإستقبالي من قبل المقدمات الاختيارية وكانت المصلحة ايضا تامة في قيامها بالمقيد فعلا فلا جرم قضية الاشتياق الفعلي إلى المقيد المزبور البعث الفعلي نحوه يوجب ذلك وجوب الاتيان بما له من المقدمات الاختيارية التي لو لا تحصيلها في الحال لما كان له القدرة على تحصيلها في ظرف الواجب من جهة ترشح الوجوب الغيرى حينئذ إلى تلك المقدمات ولا نعنى منفعلية الوجوب في المعلق قبل حصول قيده الا هذه المقدار فعلى ذلك لا يبقى مجال لإنكار المعلق والمصير إلى رجوعه إلى المشروط ونفى التكليف الفعلي فيه قبل حصول قيده بمثل البيانات المزبورة، كيف وان نفس صدور الانشاء من المولى في هذه الموارد بعد معلومية كونه لأجل التوصل إلى وجود المراد البعدي لا من جهة مطلوبية نفسا بمقتضي تبعية الارادة الغيرية للإرادة النفسية في الفعلية والشأنية واستحالة الانفكاك بينهما اقوى شاهد واعظم برهان على فعلية ارادة المطلوب وتحققها ايضا، كيف وان كثيرا ما لا يكون للمولى ارادة فعلية في ظرف حصول قيد الواجب وذلك لما يعرض عليه من الحالات المنافية معها كالنوم والغشوة والغفلة ونحو ذلك كما لو قال افعل غدا كذا مع كونه في الغد نائما أو مغشيا عليه، فعلى هذا المسلك يلزم القول بخلو هذا الانشاء عن الطلب والمصير إلى عدم وجوب شيء على المأمور في ظرف الغد، مع انه كما ترى، فانه لا شبهة في انه يجب عليه الاتيان بما امره المولى به في الغد وانه لو تركه يصح للمولى ان يعاقبه، ولا يصح له الاعتذار بانه لم يصدر من المولى طلب ولا بعث فعلى، لان الانشاء منه غير متكفل للبعث الفعلي وفي ظرف الغد كان المولى نائما غير مريد للفعل بإرادة فعلية، وهكذا فيما لو علق المولى طلبه بما هو ضده كالنوم والغشوة بقوله: (ان نمت فافعل كذا في حال نومى وان غشى على فاصنع كذا واعط زيدا كذا وان مت فافعل كذا) فانه على ما ذكرنا من عدم فعلية الارادة في ظرف الانشاء يلزم عدم وجوب شيء على العبد في الامثلة المزبورة من جهة عدم ملزم عليه في البين يقتضي وجوب الاتيان بالمأمور به بعد فرض خلو الانشاء المزبور عن الطلب وانتفائه ايضا بالوجدان في حال النوم والغشوة، مع انه كما ترى، فان بداهة الوجدان قاض بوجوب الاتيان عليه بما هو المأمور به في ظرف واستحقاقه للعقوبة على الترك فيما لو خالف، ومعلوم ان لا يكون له وجه الا انشائه المتكفل لفعلية طلبه ومن ذلك يصح للمولى ان يحتج عليه بذلك بقوله: (اني بعثتك نحو العمل وطلبته منك بقولي افعل كذا في الغد ان نمت أو غشي على) كما هو واضح وحينئذ فكان ذلك كله من الموهنات للقول بأنكار المعلق وارجاعه إلى المشروط - فتدبر.

 نعم لو كان لابد من انكاره وارجاعه إلى المشروط، فكان الحري حينئذ ارجاعه إلى المختار من المشروط الذي لا ينافي مع فعلية الارادة كما صنعه بعض الاعلام في درره فيلتزم حينئذ بفعلية الارادة المنوطة بالفرض واللحاظ كما حققناه المستتبعة لعدم محركيتها نحو المطلوب الا في ظرف تحقق الشرط والمنوط به في الخارج مع تأثيرها ايضا في نفس المكلف فعلا بالنسبة إلى المقدمات المفوتة، وان كان ذلك ايضا خلاف التحقيق، كما مر سابقا عند بيان اختلاف انحاء القيود في كيفية دخلها في المطلوب وعدم كونها على نمط واحد، بان قيود المحتاج إليه غير راجعة إلى الطلب كي يكون الطلب بمباديه منوط بوجودها ولو في الفرض واللحاظ، وانما كان ذلك شأن قيود الاحتياج حيث انها كانت راجعة إلى الطلب دون المتعلق، من غير فرق في ذلك بين انحاء القيود من حيث الاختيارية وغير الاختيارية غايته انه في فرض عدم اختيارية القيد ودخله بوجوده الاتفاقي تكون خارجة عن الطلب نفسه لا عن مباديه ايضا، ومجرد هذا المقدار من الخروج ايضا عن حيز الطلب غير مقتض لإناطة الطلب بوجوده ولو في الفرض واللحاظ فضلا عن الخارج، كما هو واضح. وحينئذ فعلى التحقيق تكون الاقسام في الواجب ثلاثة: احده الواجب المنجز، وثانيها المعلق الذي يكون الوجوب فيه فعليا مطلقا غير منوط بشيء ولو في الفرض واللحاظ والواجب مقيدا استقباليا، وثالثها المشروط الذي يكون الوجوب فيه لدى المختار فعليا منوطا بفرض القيد ولحاظه وغير فعلى لدى المشهور الا بعد حصول الشرط في الخارج في قبال المعلق الذي عرفت فعلية الوجوب فيه واطلاقه، فكان الفرق حينئذ بين المعلق وبين المختار من المشروط من جهة اطلاق الارادة واناطته والا فهم مشتركان لدى المختار في فعلية الوجوب والتكليف. ثم انه بعد ان ظهر امكان كل من المعلق والمشروط ثبوتا يبقى الكلام في مقام الاثبات في امكان كون القيد في حيز الخطاب من قيود الطلب والهيئة أو قيود المتعلق وعدم امكانه. فنقول: الذي يظهر من جماعة منهم الشيخ (قدس سره) على ما في التقريرات هو المنع عن جواز كون الشرط من قيود الهيئة والطلب، حيث منع عن جواز كونه من قيود الطلب والتزم بتعين رجوعه إلى المادة والمتعلق ولو مع اقتضاء القواعد العربية خلافه، ولكن الظاهر بقرينة الاستدلالي الآتي اختصاص المنع المزبور بما إذا كان الطلب منشأ لا بمادة الوجوب والطلب بل بالهيئة محضا كقوله ان جاءك زيد فأكرمه والا ففي فرض انشائه بمادة الوجوب كقوله ان جاءك زيد يجب عليك اكرامه أو اطلب منك كذا لا يتوجه المنع المزبور، كما هو واضح.

وعلى كل حال فعمدة ما افيد في تقريب امتناع كون الشرط من قيود الهيئة والطلب ولزوم كونه من قيود المادة وجهان: تارة بما اختاره الكفاية من المسلك في الحروف والهيئات: من جعل معانيها معاني آلية لمتعلقاتها وجعل الفارق بينها وبين الاسماء من جهة اللحاظ الآلي والاستقلالي بتقريب ان لازم آلية المعنى فيها ومرآتيته هو عدم جوازه تقييده نظرا إلى اقتضاء التقييد لكونه ملحوظا استقلالا واستلزام ذلك لانقلاب المعنى عن كونه معنى حرفيا إلى المعنى الاسمى بل واستلزامه لاجتماع النظرين ايضا النظر الآلي والاستقلالي، واخرى بان معاني الهيئات كالحروف معان جزئية لكونه من قبيل الوضع العام وخاص الموضوع له، فلا اطلاق للفرد الموجود من الطلب المتعلق بالفعل المنشأ بالهيئة حتى يصح تقييده، مع ان تفرع تقيد الشيء على اطلاقه كالنار على المنار وكالشمس في رابعة النهار هذا. ولكن يرد على الوجهين المزبورين المنع عن اصل المبني فانه قد تقدم في محله ان الحروف وكذا الهيئات معانيها عبارة عن الاضافات الخاصة والارتباطات القائمة بالطرفين، فكان الفرق حينئذ بينها وبين الاسماء من جهة نفس المعنى والملحوظ لا من جهة اللحاظ الآلي والاستقلالي كما عليه مسلك الكفاية، كما انه قد تقدم ايضا عموم الموضوع له فيها كالوضع نظرا إلى تحقق القدر المشترك بين الاضافات الخاصة من كل سنخ منها، وعليه فلا مانع عن ورود القيد على الهيئة بوجه اصلا، على انه لو سلم كون المعنى فيها جزئيا وخاصا فإنما هو باعتبار الخصوصيات الذاتية، وهذا المقدار لا يقتضي خروج المعنى فيها عن الاطلاق وعن قابلية التقييد بالنظر إلى الطواري والعوارض اللاحقة، ولذلك ترى ان زيدا مع كونه جزئيا وخاصا كان مطلقا بالنظر إلى الحالات والطوارئ العارضة عليه من نحو القيام والقعود ونحوهم. نعم لو اريد من خصوصية المعنى فيه وجزئيته كونه خاصا وجزئيا بقول مطلق على معنى اشتماله على جميع ما بفرض من الخصوصيات حتى الناشئة من الطواري الخارجية بحيث كان انشاء مدلول الهيئة مساوق انشاء الطلب المقيد لكان لما ذكر من عدم قابلية المعنى في الهيئة للتقييد كمال مجال، وعليه ايضا لا يكاد يتوجه الاشكال الكفاية (قدس سره) بانه انما يمنع عن التقييد فيما لو انشاء اولا غير مقيد لا ما إذا انشأ من الاول مقيدا بنحو الدالين والمدلولين فانه غير انشائه اولا ثم تقييده ثانيا، إذ نقول بانه على هذا الفرض لا محالة يكون القيد المزبور من خصوصيات الطلب المدلول بالهيئة حيث كان انشاء مدلول الهيئة مساوق انشاء الطلب المقيد ومعه لا يبقى مجال لتقيده بالقيد المزبور، كيف وانه على فرض عدم كون ذلك من خصوصياته لابد وان يكون المدلول في الهيئة هو الطلب المجامع مع الخصوصية تارة وغير الجامع معها اخرى فيلزم كونه مطلق من هذه الجهة وهو خلف بالفرض، لان المفروض هو كونه جزئيا غير قابل للتقييد.

ومن ذلك ظهر عدم المجال لما افاده ايضا من حديث تعدد الدال والمدلول لان ذلك انما يكون في فرض تجريد الهيئة عن تلك الخصوصية بجعلها عبارة عن الطلب المجامع معها تارة والمفارق عنها اخرى كي يكون الدال على ذات الطلب الهيئة وعلى الخصوصية القيد الخارجي والا فمع عدم تجريدها عنها كما هو الفرض من اخذ الخصوصية فيها لا جرم يكون الدال على الذات والخصوصية هو الهيئة فقط، كما هو واضح.

ولكن الذي يسهل الخطب هو بطلان اصل الفرض فان جزئية المعنى في الحروف والهيئات لو قيل بها فإنما هي باعتبار الخصوصيات الذاتية لا مطلقا حتى بالنظر إلى الخصوصيات الناشئة من الطوارئ والعوارض الخارجية خصوصا الناشئة منها من الجهات التعليلية كالعلة والشرط فانها مما لا يكاد يمكن اخذها في ذات المعنى، ومن ذلك ترى الفرق الواضح بين مثل قوله: اكرم زيدا لعلمه أو ان كان عالما وبين قوله اكرم زيدا العالم من حيث كون تمام الموضوع للحكم في الاول هو زيدا وفى الثاني زيدا المتقيد بالخصوصية بنحو خروج القيد ودخول التقيد بحيث كان زيد جزء الموضوع والجزء الآخر هو التقيد بالعلم والخصوصية، وعليه فلا يمنع مجرد جزئية المعنى في الهيئة عن تقيدها وارجاع الشرط إليها فامكن اثباتا ايضا كل من المعلق والمشروط.

 واما ما افاده (قدس سره) من البرهان الآخر في امتناع كون الشرط من قيود الطلب ولزوم كونه من قيود المتعلق فقد عرفت الجواب عنه سابقا بانه من الخلط بين انحاء القيود بجعل دخلها في المطلوب على نمط واحد وليس كذلك فراجع هناك تعرف.

نعم لو اغمض عن ذلك لا يتوجه عليه اشكال الكفاية بان الشيء المقيد مع العلم بقيام الغرض به كما يمكن ان يبعث إليه فعلا ويطلبه حالا كذلك يمكن ان يبعث إليه ويطلبه استقبالا وعلى تقدير تحقق شرط متوقع الحصول ولو لأجل مانع في البين عن الطلب والبعث إليه فعلا قبل حصوله وحينئذ فلا يكون طلبه وبعثه الفعلي الا في ظرف حصول ذلك القيد الملازم لارتفاع المانع، إذ مضافا إلى منافاته مع ما يقتضيه ظهور القضايا الشرطية في كون المنوط به للطلب هو نفس القيد والشرط لا امرا آخر ملازما لوجوده كما يقتضي البيان المزبور من جعل الطلب من تبعات عدم المانع الذي هو ملازم لوجود القيد، نقول بانه مع تمامية المصلحة في المتعلق وهو المقيد وعدم مزاحمتها مع مفسدة اهم وجودا لا محالة يكون مجرد الالتفات إلى تلك المصلحة غير المزاحمة مع المفسدة علة تامة للاشتياق التام البالغ إلى حد الارادة، وفي مثله لا يكاد يمنع عنه ما ذكر من المانع والمفسدة المزبورة بعد عدم مزاحمتها وجودا مع مصلحة المطلوب، وذلك من جهة ان تلك المفسدة حسب ترتبها على الارادة والطلب تكون معلولة للطلب وفى رتبة متأخرة عنه فيستحيل حينئذ مانعيتها عن نفس الطلب فضلا عن ممانعتها عن مصلحة المطلوب والمتعلق. وتوهم ان المانع حينئذ عن الطلب حقيقة هو العلم بترتب المفسدة على الطلب لا نفس المفسدة فلا محذور مدفوع بان ما نعية العلم انما تكون باعتبار كشفه عن معلومه فكان ما هو المانع بنظر العقل هو نفس المعلوم والمنكشف دون العلم وحينئذ يتوجه المحذور المزبور بانه كيف يمكن مانعية ما هو معلول الشيء وفي رتبة متأخرة عنه عن ذلك الشيء؟ ومن ذلك ايضا نقول بامتناع تبعية الاحكام لمصالح في نفسها وانها لابد من كونه تابعة لمصالح في متعلقاتها فتصح الكلية المدعاة بان الواجبات الشرعية الطاف في الواجبات العقلية وان كل ما حكم الشرع بوجوبه يحكم العقل بحسنه.

ومن ذلك البيان ظهر ايضا عدم صحة ما افاده من المقايسة المزبورة بما في موارد الاصول والامارات المؤدية إلى خلاف الواقع وفى الاحكام التي لم يكشف عنها النبي (صلى الله عليه وآله )  ولا الائمة (عليهم السلام) فبقيت إلى زمان القائم عجل الله فرجه الشريف إذ نقول بان عدم فعلية تلك الاحكام في الموارد المزبورة يمكن ان يكون من جهة مزاحمة مصالحها لمصالح اخرى اهم ولو كانت هي مصلحة التسهيل أو لمفسدة كذلك بحسب الوجود، فلا يرتبط حينئذ بالمقام المفروض خلو المتعلق فيه عن المفسدة، وحينئذ نقول: بان المولى بعد ان لاحظ المقيد وعلم بان فيه مصلحة غير مزاحمة مع المفسدة لا جرم يحدث في نفسه الاشتياق التام فيريده فعلا من دون حالة منتظرة اصلا. نعم ابراز تلك الارادة واظهارها ربما يحتاج إلى عدم المانع إذ لا يكفى فيه مجرد العلم بالمصلحة ولا الاشتياق التام نحوه، ومن ذلك نرى بالوجدان ان الانسان ربما يشتاق إلى الشيء بل يريده ايضا من عبده بإرادة فعلية ولكن مع ذلك لا يتمكن من ابراز الارادة واظهارها خوفا عما يترتب عليه من المفاسد في نظره، كما لو فرض انه كان هناك عدو له يقتله بمحض اظهاره للإرادة أو يحسد عليه فيضره ونحو ذلك من المفاسد، كما لعله من هذا القبيل ولاية ولى الله ( عليه السلام ) حيث كان عدم اظهار النبي (صلى الله عليه وآله ) للولاية للناس من اول الامر لمكان خوفه (صلى الله عليه وآله )  من ان يرتد الناس عن دينهم لما يرى (صلى الله عليه وآله )  وسلم من ثقل الولاية عليهم، فمن ذلك أخر اظهاره مدة متمادية مع ما فيها من المصالح اعلاها إلى ان شدد عليه ونزل الآية المباركة : {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: 67] نعم إذا كان عدم اظهار الارادة علة تامة لعدم تحقق الوجود في الخارج مع فرض قيام المصلحة به فحينئذ يستكشف من عدم اظهار الارادة عدم بلوغها إلى مرتبة الفعلية من جهة كشفه إنا عن ابتلاء المصلحة المزبورة فيه بمفسدة اخرى اهم وجودا كما في الاحكام التي لم يكشف عنها النبي (صلى الله عليه وآله )  والائمة المعصومون (عليهم السلام) وكما في موارد الامارات والاصول المؤدية إلى خلاف الواقع.

ولكن مثل ذلك كما عرفت غير مرتبط بالمقام المفروض خلو مصلحة المتعلق عن الابتلاء بالمفسدة وجودا خصوصا مع تحقق الانشاء الفعلي ايضا من المولى. وحينئذ فلا يكاد يجدي ذلك لدفع ما اورده الشيخ (قدس سره) في لزوم صرف القيود عن الهيئة وارجاع المشروطات إلى المعلقات ثبوتا واثبات كون الطلب في القضايا الشرطية منوطا بحصول الشرط وتحققه في الخارج بحيث لا طلب ولا ارادة قبل حصول الشرط خارجا، بل العمدة في الجواب عنه هو الذي ذكرناه من الفرق بين انحاء القيود في مقام دخلها في المطلوب وعدم كونها على نمط واحد فراجع تعرف. وحينئذ فعلى التحقيق بعد ما امكن كل من المعلق والمشروط ثبوتا واثباتا ايضا برجوع القيد الواقع في القضية إلى الهيئة تارة والمادة اخرى فلا جرم يكون المتبع في استفادة انه من أي القبيل هو لسان الدليل، وفي مثله يفرق بين مثل قوله: ان جاءك زيد فأكرمه أو يجب اكرامه أو قوله : اكرم زيدا ان جاءك الظاهر في اناطة الوجوب بمادته بالمجيء وبين قوله : اكرم زيدا الجائي بنحو القضية الوصفية الظاهر في اطلاق الوجوب وفي كون الموضوع هو الذات المتقيدة والمتصفة بالوصف العنواني في قبال القضايا الشرطية الظاهرة في ان تمام الموضوع للحكم في القضية هو نفس الذات محض.

ثم انه يظهر من بعض الاعلام عدم صحة ما في التقريرات من لزوم صرف القيود عن الهيئة وارجاعها إلى المادة لدى الشيخ (قدس سره) حيث قال نقلا عن استاذه السيد العلامة الشيرازي (قدس سره) بانه ليس المراد من تقييد المادة لدى الشيخ (قدس سره) ما يقتضيه ظاهر التقريرات بل المراد هو تقييد المادة من حيث ورود النسبة عليها وبعبارة اخرى المادة المنتسبة، لان الشيء قد يكون متعلقا للنسبة الطلبية مطلقا من غير تقييد وقد يكون متعلقا لها حين اتصافه بقيد في الخارج، كما في الحج مثلا فانه مطلقا غير متصف بالوجوب بل المتصف بالوجوب هو الحج المقيد بالاستطاعة الخارجية فما لم يجد هذ القيد يستحيل تعلق الطلب الفعلي به وكونه طرفا للنسبة الطلبية (انتهى)

اقول: وانت خبير بعدم اجداء مثل هذا الحمل ايضا لدفع ما اورده من الاشكال على المشروط، فانه ان اريد بالمادة المنتسبة المادة المتقيدة بمفهوم الانتساب الذي هو معنى اسمي لا حرفي فهو كما عرفت خارج عن محل الكلام ومن ذلك خصصنا الاشكال من الاول بما إذا كان الطلب منشأ لا بمادة الوجوب والطلب بل منشأ بالهيئة وان اريد بها المادة المتقيدة بالنسبة بما هي معنى حرفي ولو بنحو خروج القيد ودخول التقيد فلا شبهة حينئذ في انه غير واف حينئذ بدفع ما ذكر من الاشكال من حيث جزئية المعنى أو مرآتيته فان النسبة بما هي معنى حرفي حيثما يكون جزئيا ومغفولا عنه بالفرض تمنع عن جواز ارجاع القيد إلى المادة المنتسبة والا فمن الاول ايضا يجوز ارجاعه إلى نفس الهيئة فلا يحتاج إلى التجشم المزبور كما هو واضح وان اريد بها المادة في حال كونها منسوبة إلى الهيئة لا بما هي متقيدة بالانتساب إليها بنحو دخول التقيد وخروج القيد فهذا غير ما ذكره التقريرات من جهة وضوح انه ليس المراد من تقيد المادة في كلامه تقيدها بما هي مطلقة وعارية عن ورود النسبة عليها بل المراد هو تقيدها في حال كونها تحت الهيئة لا مطلقة ولا مقيدة بالانتساب، كما لا يخفى.

 تنبيهان: الاول: لا ينبغي الاشكال في عدم وجوب تحصيل مقدمات الوجوب وقيوده في المشروط وخروجها عن حريم النزاع، وهكذا الحال في القيود الوجودية للواجب في المعلق مما اخذ وجودها فيه من باب الاتفاق، فأنها ايضا غير واجبة التحصيل ولو كانت مقدورة للمكلف، والسر في ذلك واضح. وذلك اما بالنسبة إلى قيود الوجوب في المشروط، فلم تقدم من خروجها عن حيز الارادة والطلب بمباديه من الاشتياق والمحبوبية ايضا، واما بالنسبة إلى القيود الوجودية للواجب في العلق مما اخذ وجودها فيه من باب الاتفاق ولو مع مقدوريتها فكذلك ايضا، وذلك اما على القول برجوعه ايضا إلى المشروط فظاهر، واما على المختار فلانها حسب دخلها في وجود المتصف والمحتاج إليه وان كانت غير خارجة عن حيز مبادئ الارادة من المحبوبية والاشتياق حتى مع عدم مقدوريتها ولكن قضية اخذها بوجودها من باب الاتفاق توجب خروجها حينئذ عن حيز الطلب بنحو يستحيل ترشح التكليف إليها، واما سائر القيود الوجودية للواجب من المقدمات المفوتة التي لا يقدر على تحصيلها فيما بعد في زمان الواجب في المعلق وفي ظرف حصول المنوط به والشرط في المشروط ، فلا اشكال فيها ايضا في ثبوت الوجوب لها في الحال بحيث يجب على المكلف تحصيلها في الحال قبل حصول المنوط به والشرط في الخارج. وهذا بناء على ما اخترن سابقا من فعلية الارادة والتكليف في المعلق والمشروط قبل حصول المنوط به والشرط في الخارج في غاية الوضوح، لان مقتضي فعلية الوجوب والتكليف فيهما حينئذ هو ترشح الوجوب الغيرى إلى تلك المقدمات فتصير حينئذ واجبة بالوجوب الغيرى المقدمي. واما بناء على القول بعدم فعلية الارادة والتكليف بهما قبل حصول القيد في الخارج ففيه اشكال، من جهة انه من المستحيل حينئذ ثبوت الوجوب الغيري لتلك المقدمات في الحال مع عدم فعلية الوجوب بالنسبة إلى ذيها، فعلى ذلك لو قيل بوجوبها في الحال فلابد وان يكون بوجوب نفسي ولو تهيئي لا غيري مقدمة، وهو ايضا مما يحتاج إلى قيام دليل عليه بالخصوص من اجماع أو غيره يقتضي وجوب تحصيلها بوجوب نفسي تهيئي، وحينئذ فان قام في البين نص أو اجماع على وجوب تحصيل تلك المقدمات تعبدا فهو والا فمقتضي القاعدة بعد عدم فعلية الوجوب والتكليف بالنسبة إلى ذيها هو عدم وجوبها وان كان ادى تركها في الحال إلى ترك الواجب في ظرفه عند حصول قيده وشرطه من جهة امتناع تحققه في ظرفه حينئذ بعد ترك تلك المقدمات في الحال. واما ما افيد كما عن بعض الاعلام من ثبوت الوجوب العقلي لها حينئذ بمناط تلك القاعدة العقلية المسلمة، وهى قاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاب كما في السقوط إلى الارض لمن القى نفسه بالاختيار من شاهق، بتقريب انه وان كان بترك تحصيل مقدمات الواجب قبل حصول شرط الوجوب يمتنع حصول الواجب في ظرفه وعند تحقق شرائط الوجوب، ولكن هذا الامتناع حيثما كان مستندا إلى سوء اختياره لتركه تحصيل مقدماته الوجودية في اول ازمنة الامكان لا محالة يعاقب على ترك الواجب في ظرفه، فمن ذلك يحكم بداهة العقل بوجوب تحصيل المقدمات في اول ازمنة الامكان لتحصيل القدرة حتى لا يترتب على تركها فوت الواجب والملاك في ظرفه، فمدفوع بان قضية الامتناع بالاختيار انما لا ينافي العقاب إذا كان الامتناع ناشئا عن سوء الاختيار لا مطلق ولو كان ناشئا عن حسن الاختيار بواسطة ترخيص شرعي أو عقلي في البين على الترك، إذ حينئذ لا ينبغي الاشكال في انه ينافيه العقاب، كما يكشف ذلك موارد القطع بعدم حصول المنوط به والشرط في الخارج مع مخالفة قطعة للواقع وحصول الشرط والمنوط به في الخارج، فانه حينئذ لا اشكال في انه ترك الاتيان بالمقدمات الوجودية المفوتة للواجب فامتنع بذلك الاتيان بالواجب في ظرفه لا يكاد يترتب عليه العقوبة بوجه اصلا، وهكذا في موارد الجهل بأصل وجوب الامر البعدي حيث لا يترتب العقوبة على تركه في موطنه بمجرد عدم اتيانه في الحال بالمقدمات الوجودية المفوتة، كما هو واضح.

وحينئذ فإذ كان موضوع العقاب في القاعدة المزبورة عبارة عن الامتناع الناشئ عن سوء الاختيار لا مطلق الامتناع ولو لا عن سوء الاختيار نقول بانه لابد حينئذ مع قطع النظر عن تلك القاعدة من اثبات وجوب تلك المقدمات عقلا أو شرعا في الحال كي يترتب على ترك تحصيلها كون الامتناع امتناعا عن سوء الاختيار فيترتب عليه الحكم باستحقاق العقوبة عليه بمقتضي القاعدة المزبورة، والا فلا يمكن اثبات وجوبها وكونه امتناعا عن سوء الاختيار بمقتضي تلك القاعدة من جهة ما فيه من الدور الواضح. وحينئذ نقول بانه إذ لم يقم دليل خاص من اجماع أو غيره على كونها واجبة بالوجوب النفسي ولو التهيئي وامتنع ايضا كونها واجبة بالوجوب الغيري الترشحى من جهة ما هو الفرض من انتفاء التكليف الفعلي بذيها قبل حصول المنوط به والشرط في الخارج فلا جرم تبقى المقدمات تحت الترخيص العقلي، وحينئذ فإذا ترك المقدمات المزبورة فامتنع الواجب في ظرفه لأجل تركه تحصيل المقدمات من الاول فلا جرم لا يكاد يكون الامتناع المزبور امتناعا عن سوء الاختيار حتى يترتب عليه بمقتضي القاعدة المزبورة الحكم باستحقاق العقوبة عن التفويت، كما هو واضح. وحينئذ فمن اين يمكن اثبات وجوب المقدمات المزبورة بمقتضي القاعدة المزبورة حتى امكن استكشاف وجوبها الشرعي ايضا ولو بنحو متمم الجعل؟ واما توهم كفاية العلم بتوجه التكليف الفعلي إليه فيما بعد وابتلائه بغرض المولى بعد حصول الشرط في حكم العقل بلزوم تحصيل المقدمات من الحين واستحقاقه للعقوبة على تفويته بترك تحصيل مقدماته الوجودية من الحين، من جهة انتهاء امتناعه في ظرفه إلى اختياره، كما يشهد عليه ضرورة الوجدان فيمن يعلم ابتلائه بعد ساعة بعطش شديد في بر لا يكون فيه ماء مع كونه قادرا في الحال على تحصيل الماء وحفظه لوقت احتياجه إلى الشرب لرفع عطشه، فانه لا شبهة في انه يجب عليه تحصيل الماء في وقته وحفظه إلى وقت احتياجه بحيث لو لم يحصل الماء ولم يحفظه فأصابه من العطش ما اصاب يكون مذموما عند العقلاء على ما اصابه من العطش بواسطة عدم تحفظه وعدم تحصيله الماء عند تمكنه منه، ومن المعلوم انه لا يكون له وجه الا وجوبه عليه من الاول فمدفوع ايضا بانه ان اريد بذلك كونه مكلفا من الحين بحفظ الواجب فيما بعد من قبل مقدماته الوجودية الاختيارية فهو صحيح، ولكنه يرجع إلى ما ذكرناه من فعلية الوجوب والتكليف في المعلق والمشروط قبل حصول المنوط به والشرط في الخارج، من جهة انه لا نعنى من فعلية الوجوب والتكليف فيهما قبل حصول الشرط الا هذا المقدار وعليه ايضا يكون وجوب المقدمات الوجودية وجوبا غيريا ترشحيا لا نفسيا تهيئيا، وان اريد انه لا يكون في الحال تكليف فعلى بالنسبة إلى ذيها ولو بهذا المقدار وان فعلية التكليف بقول مطلق انما يكون فيما بعد وفي ظرف حصول المنوط به والشرط في الخارج الا ان مجرد العلم بحصول الشرط في الخارج وثبوت التكليف فيما بعد موجب لوجوب تحصيل مقدماته الوجودية من الحين واستحقاق العقوبة على تفويت الواجب في ظرفه بترك تحصيل مقدماته الوجودية بلحاظ انتهاء فوت الواجب في ظرفه إلى اختياره، فهو ممنوع جدا، حيث نقول بان ما هو المصحح للعقوبة على تفويت الواجب انما هو البيان في ظرف التكليف لا مطلقه ولو في القبل، كما هو الشأن ايضا في طرف العكس حيث كان اللابيان الموضوع لقبح العقوبة هو خصوص اللابيان في ظرف التكليف لا مطلق عدم البيان ولومع انقلابه بالنقيض في ظرف التكليف، ومن ذلك لو علم في الحال بانه يتوجه إليه تكليف من المولى في الغد لابتلائه بغرض كذا وكذا ولكنه غفل في الغد عن التكليف فلم يأت بالمأمور به أو انقلب علمه شكا فأجرى البراءة عن التكليف لا يكاد يستحق العقوبة عليه، كما انه في فرض العكس لو قطع بعدم التكليف في الغد ثم انقلب قطعه في الغد إلى القطع بالوجود يستحق العقوبة عليه لو خالفه.

 وحينئذ نقول بانه إذا كان المدار في البيان وكذا اللابيان على البيان في ظرف التكليف فلا جرم بعد فرض عدم التكليف الفعلي بذيها قبل حصول الشرط والمنوط به خارجا لا يكاد يجدي مجرد العلم بحصول المنوط به والشرط وفعلية التكليف والغرض بذيها بعد ذلك في وجوب تحصيل مقدماته الوجودية واستحقاق العقوبة على تفويت الواجب بوجه اصلا الا بأثبات كونه مكلفا من الحين بحفظ الواجب البعدي من قبل مقدماته الاختيارية ومعه يرجع لا محالة إلى ما ذكرناه، كما هو واضح. ثم ان هذا كله في غير المعرفة من المقدمات، واما هي فقد يقال كما عن بعض الاعلام بانها تكون واجبة بالوجوب الطريقي لتنجيز الواقع عند الاصابة كما في سائر الطرق بحيث كان العقاب على نفس المخالفة لا على ترك التعلم ، ولكن التحقيق خلافه إذ نقول بان التعلم لا يخلوا امره اما ان يكون تركه يؤدى إلى الغفلة عن اصل التكليف في ظرفه، واما ان لا يكون كذلك بل كان بعد يحتمل وجود التكليف، وعلى الثاني اما ان يتمكن من الاحتياط في ظرفه بالجمع بين المحتملات واما ان لا يتمكن من الاحتياط كما لو دار الامر بين الوجوب والحرمة في فعل شخصي. فعلى الاول يكون حال التعلم حال المقدمات المعدة التي يلزم من عدم تحصيلها عدم القدرة على الواجب في ظرفه لأنه بعد تأدية تركه إلى الغفلة عن التكليف يكون غير قادر على الاتيان بالواجب ومعه يكون حكمه حكم سائر المقدمات المفوتة، طابق النعل بالنعل. واما على الثاني فلا وجه لوجوبه رأسا مع فرض تمكنه من الاحتياط البناء على صحة عمل المحتاط التارك لطريقي الاجتهاد والتقليد الا إذا فرض كونه غير معذور في هذا الجهل تكليفا، وعليه يكون وجوبه ارشاديا محضا لا طريقيا ، واما على الثالث فكذلك ايضا حيث انه لا يكون وجوبه الا ارشاديا محضا لأجل الفرار عن تبعة مخالفة التكليف الواقعي كما في موارد العلم الاجمالي بالتكليف في الجمع بين المحتملات.

 فعلى كل تقدير حينئذ لا معنى لدعوى وجوب التعلم بالوجوب الطريقي كما في الطرق بل هو مما يدور امره بين كونه واجب بملاك المقدمات المعدة التي يترتب على تركها عدم القدرة على الواجب في ظرفه وبين كونه بملاك الارشاد العقلي لأجل الفرار عن تبعة مخالفة التكليف كما في الجمع بين المحتملات في موارد العلم الاجمالي في الشبهة المحصورة كما هو واضح. وكيف كان فعلى ما اخترناه في المشروط والمعلق من فعلية الوجوب فيهما قبل المنوط به والقيد في الخارج ووجوب المقدمات الوجودية قد يتوجه الاشكال بالنسبة إلى بعض المقدمات الوجودية للواجب كالوضوء والغسل قبل دخول وقت الصلاة حيث يقال بان لازم القول بفعلية الوجوب والتكليف في المشروطات والمعلقات قبل حصول قيودها في الخارج هو لزوم اتصاف مثل هذه المقدمات بالوجوب الغيري إما على التخيير فيما لو علم بتمكنه من تحصيل الوضوء والغسل بعد دخول الوقت وإما على التعيين إذا يعلم بعدم تمكنه من تحصيلهما في ظرف الواجب لو لا تحصيلهما في الحال، ولازمه هو الالتزام بوجوب تحصيل الوضوء أو الغسل قبل دخول وقت الصلاة بل ولزوم ابقائهما إلى ما بعد دخول الوقت إذ فرض كونه متطهرا قبل دخول الوقت ، مع انه لا يكون كذلك من جهة قيام الاجماع منهم على عدم وجوب تحصيل الطهارة الحدثية قبل الوقت حتى مع العلم بعدم تمكنه من تحصيلها في الوقت وعدم وجوب ابقائها ايضا إلى ما بعد دخول الوقت. ولكن الجواب عن ذلك انما هو بدعوى ان اصل وجوب الطهور كالصلاة كان منوطا بدخول الوقت بمقتضى قوله (عليه السلام) (إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور) فكان عدم وجوب التحصيل الوضوء والغسل قبل دخول الوقت من جهة التعليق المزبور الظاهر في ان ما فيه ملاك المقدمية للصلاة هو الطهور بعد الوقت فلا اشكال حينئذ يرد على ما ذكرنا. واما ما قد يقال: من اقتضاء ذلك حينئذ لعدم جواز الاكتفاء بالطهارة الحاصلة قبل الوقت لأجل غاية اخرى من الغايات إذا فرض بقائها من باب الاتفاق إلى ما بعد دخول الوقت مع انه ليس كذلك قطعا، فمدفوع بان ما هو المقدمة انما هو الطهارة بعد الوقت ولو بوجودها البقائي فلا يعتبر فيها كونه حادثة ايضا بعد الوقت وحينئذ فإذا فرض انه كان متطهرا قبل الوقت فبقيت من باب الاتفاق إلى ان دخل الوقت يجوز الاكتفاء بها في الدخول في الصلاة، وبعبارة اخرى ما هو المقدمة هو الطهارة بعد الوقت بما هي جامعة بين وجودها الحدوثي أو وجودها البقائي فيه من باب الاتفاق، ومن ذلك لو فرض بقائها إلى حين دخول الوقت يجب عليه تخييرا أو تعيينا في فرض الانحصار ابقائها وحفظها إلى ان يأتي بالصلاة معها وحينئذ فلا اشكال يرد في البين من هذه الجهة ايضا. هذا بالنسبة إلى نفس الوضوء والغسل ولقد عرفت ان عدم وجوبها قبل الوقت انما هو على قواعد التعليق المستفاد من ظاهر قوله ( عليه السلام ) : (إذا دخل الوقت وجب الصلاة والطهور) ومن قوله سبحانه: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة: 6] الظاهر في اناطة الوجوب في الطهور كأصل الصلاة بدخول الوقت.

واما سائر مقدماته كتحصيل الماء وحفظه ونحوهم فلابد من تحصيلها تخييرا أو تعيينا إذا فرض العلم بعدم التمكن منه في الوقت لو لا تحصيلها في الحال، وذلك ايضا على القواعد التي ذكرناها في كلية المقدمات الوجودية، وعليه ايضا يكون ما ورد على وجوب حفظ الماء قبل الوقت من النصوص على طبق القواعد، لا انه كان ذلك حكما تعبديا من الشارع، كما هو واضح.

 الامر الثاني: لو شك بالشك البدوي في قيديه شيء للوجوب أو الواجب بنحو التعليق أو التنجيز، فان كان القيد حاصلا بالفعل فلا اشكال حيث لا ثمرة في البين يترتب عليه، واما إذا كان غير حاصل بالفعل فمقتضي الاطلاق في جميع الصور هو ثبوت الوجوب، وفى الثالثة عدم وجوب تحصيل المشكوك القيدية.

 ومع عدم الاطلاق فالبراءة نتيجتها التقييد في الاول ونتيجته الاطلاق في الاخيرين.

هذا إذا كان الشك في اصل تقيد الوجوب أو الواجب.

 واما إذا علم بأصل التقييد ولكنه دار الامر بين كونه قيدا للوجوب أو الواجب، فأصالة الاطلاق تجرى في كل من الهيئة والمادة وبعد التساقط يكون المرجع هو الاصل العملي.

ولا ينظر حينئذ في ترجيح احد الاطلاقين على الاخر إلى حيث الاقوائية كما توهم، لان ذلك انما يكون فيما لو كان التعارض بين الاطلاقين في نفسهما لا في مثال المقام الذي كان التعارض بينهما لأجل العلم الاجمالي بعروض التقييد على احدهما، إذ حينئذ لا يكون مجرد أقوائية احدهما موجبا لإرجاع القيد إلى الآخر فتأمل.

 هذا إذا كان التقييد في دليل منفصل، واما لو كان ذلك في دليل متصل فالأمر اظهر، إذ حينئذ باتصال الكلام بذلك وصلاحيته للعروض على كل واحد منهما لا ينعقد الظهور الإطلاقي لواحد منهما ، فلا بد حينئذ من الرجوع إلى الاصل العملي، ومقتضاه هو البراءة عن وجوب تحصيل القيد فيم إذا كان الدوران بين المشروط وبين المطلق المعلق أو المنجز. واما إذا كان الدوران بين المشروط وبين المعلق فلا ثمرة بالنسبة إلى القيد لأنه غير واجب التحصيل على كل تقدير. وكذلك الامر بالنسبة إلى نفس الواجب وذلك اما في فرض حصول القيد في الخارج فواضح من جهة وجوب الاتيان بالمأمور به والواجب حينئذ على كل تقدير، واما في فرض عدم حصوله فللعلم بعد الفائدة. في الاتيان حينئذ إما لعدم وجوبه رأسا لو فرض رجوعه إلى الهيئة والوجوب واقعا وإما من جهة انتفاء قيده على فرض رجوعه إلى المادة والواجب، فعلى كل تقدير يقطع بعدم الفائدة في ايجاده حينئذ، كما هو واضح. ولعله إلى ذلك ايضا نظرا القائل بالعلم بتقييد المادة على كل تقدير من جهة استلزام تقييد الهيئة ايضا لبطلان محل الاطلاق في المادة، لعدم انفكاكها حينئذ عن وجود قيد الهيئة فتدبر.

 




قواعد تقع في طريق استفادة الأحكام الشرعية الإلهية وهذه القواعد هي أحكام عامّة فقهية تجري في أبواب مختلفة، و موضوعاتها و إن كانت أخصّ من المسائل الأصوليّة إلاّ أنّها أعمّ من المسائل الفقهيّة. فهي كالبرزخ بين الأصول و الفقه، حيث إنّها إمّا تختص بعدّة من أبواب الفقه لا جميعها، كقاعدة الطهارة الجارية في أبواب الطهارة و النّجاسة فقط، و قاعدة لاتعاد الجارية في أبواب الصلاة فحسب، و قاعدة ما يضمن و ما لا يضمن الجارية في أبواب المعاملات بالمعنى الأخصّ دون غيرها; و إمّا مختصة بموضوعات معيّنة خارجية و إن عمّت أبواب الفقه كلّها، كقاعدتي لا ضرر و لا حرج; فإنّهما و إن كانتا تجريان في جلّ أبواب الفقه أو كلّها، إلاّ أنّهما تدوران حول موضوعات خاصة، و هي الموضوعات الضرريّة و الحرجية وبرزت القواعد في الكتب الفقهية الا ان الاعلام فيما بعد جعلوها في مصنفات خاصة بها، واشتهرت عند الفرق الاسلامية ايضاً، (واما المنطلق في تأسيس القواعد الفقهية لدى الشيعة ، فهو أن الأئمة عليهم السلام وضعوا أصولا كلية وأمروا الفقهاء بالتفريع عليها " علينا إلقاء الأصول وعليكم التفريع " ويعتبر هذا الامر واضحا في الآثار الفقهية الامامية ، وقد تزايد الاهتمام بجمع القواعد الفقهية واستخراجها من التراث الفقهي وصياغتها بصورة مستقلة في القرن الثامن الهجري ، عندما صنف الشهيد الأول قدس سره كتاب القواعد والفوائد وقد سبق الشهيد الأول في هذا المضمار الفقيه يحيى بن سعيد الحلي )


آخر مرحلة يصل اليها طالب العلوم الدينية بعد سنوات من الجد والاجتهاد ولا ينالها الا ذو حظ عظيم، فلا يكتفي الطالب بالتحصيل ما لم تكن ملكة الاجتهاد عنده، وقد عرفه العلماء بتعاريف مختلفة منها: (فهو في الاصطلاح تحصيل الحجة على الأحكام الشرعية الفرعية عن ملكة واستعداد ، والمراد من تحصيل الحجة أعم من اقامتها على اثبات الاحكام أو على اسقاطها ، وتقييد الاحكام بالفرعية لإخراج تحصيل الحجة على الاحكام الأصولية الاعتقادية ، كوجوب الاعتقاد بالمبدء تعالى وصفاته والاعتقاد بالنبوة والإمامة والمعاد ، فتحصيل الدليل على تلك الأحكام كما يتمكن منه غالب العامة ولو بأقل مراتبه لا يسمى اجتهادا في الاصطلاح) (فالاجتهاد المطلق هو ما يقتدر به على استنباط الاحكام الفعلية من أمارة معتبرة أو أصل معتبر عقلا أو نقلا في المورد التي لم يظفر فيها بها) وهذه المرتبة تؤهل الفقيه للافتاء ورجوع الناس اليه في الاحكام الفقهية، فهو يعتبر متخصص بشكل دقيق فيها يتوصل الى ما لا يمكن ان يتوصل اليه غيره.


احد اهم العلوم الدينية التي ظهرت بوادر تأسيسه منذ زمن النبي والائمة (عليهم السلام)، اذ تتوقف عليه مسائل جمة، فهو قانون الانسان المؤمن في الحياة، والذي يحوي الاحكام الالهية كلها، يقول العلامة الحلي : (وأفضل العلم بعد المعرفة بالله تعالى علم الفقه ، فإنّه الناظم لأُمور المعاش والمعاد ، وبه يتم كمال نوع الإنسان ، وهو الكاسب لكيفيّة شرع الله تعالى ، وبه يحصل المعرفة بأوامر الله تعالى ونواهيه الّتي هي سبب النجاة ، وبها يستحق الثواب ، فهو أفضل من غيره) وقال المقداد السيوري: (فان علم الفقه لا يخفى بلوغه الغاية شرفا وفضلا ، ولا يجهل احتياج الكل اليه وكفى بذلك نبلا) ومر هذا المعنى حسب الفترة الزمنية فـ(الفقه كان في الصدر الأول يستعمل في فهم أحكام الدين جميعها ، سواء كانت متعلقة بالإيمان والعقائد وما يتصل بها ، أم كانت أحكام الفروج والحدود والصلاة والصيام وبعد فترة تخصص استعماله فصار يعرف بأنه علم الأحكام من الصلاة والصيام والفروض والحدود وقد استقر تعريف الفقه - اصطلاحا كما يقول الشهيد - على ( العلم بالأحكام الشرعية العملية عن أدلتها التفصيلية لتحصيل السعادة الأخروية )) وتطور علم الفقه في المدرسة الشيعية تطوراً كبيراً اذ تعج المكتبات الدينية اليوم بمئات المصادر الفقهية وبأساليب مختلفة التنوع والعرض، كل ذلك خدمة لدين الاسلام وتراث الائمة الاطهار.