أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-10-2014
2257
التاريخ: 23-12-2014
25354
التاريخ: 20-10-2014
2541
التاريخ: 2024-11-14
162
|
وهو ما ضمن من اسم وقت معني ( في ) باطراد لواقع فيه ولو مقدرا ناصب له ويصلح له مبهم الوقت ومختصه فإن جاز أن يخبر عنه أو يجر بغير ( من ) فمتصرف إما منصرف ك ( حين ) أو لا ك ( غدوة ) و ( بكرة ) علمين وإلا فعير منصرف كبعيدات بين وما عين من بكرة وسحير وضحى وضحوة وصباح وليل ونهار وعتمة وعشاء وعشية وقد تمنع وجوز الكوفية تصرف ضحى وعتمة وليل أو ممنوع ك ( سحر ) معينا مجردا ( ش ) المفعول فيه الذي يسمى ظرفا ما ضمن من اسم وقت أو مكان معنى ( في) باطراد لواقع فيه مذكور أو مقدر ناصب له فما ضمن جنس يشمل الظرف والحال أوالسهل والجبل من قول العرب مطرنا السهل والجبل وقولنا من اسم وقت أو مكان يخرج الحال وقولنا باطراد يخرج السهل والجبل من المثال المذكور فإنه لا يقاس عليه لا في الفعل ولا في الأماكن فلا يقال أخصبنا السهل والجبل ولا مطرنا
ص137
القيعان والتلول بل يقتصر فيه على مورد السماع بخلاف ما ينصب على الظرفية فإنه يجوز أن يخلف الاسم والفعل غيرهما تقول جلست خلفك فيجوز قعدت خلفك وجلست أمامك والناصب للمفعول فيه هو الفعل الواقع فيه ظاهرا نحو قمت يوم الجمعة وقمت أمامك فالقيام واقع في يوم الجمعة وفي الأمام وهو العامل فيه أو مقدرا نحو زيد أمامك والقتال يوم الجمعة فالعامل فيهما ( كائن ) أو ( مستقر ) وهو مقدر لا ملفوظ به وبدأت في المتن بالكلام على ظرف الزمان فلذا اقتصرت في الحد على ذكره وهو أوسع من المكان لأن جميع أسماء الزمان صالحة للنصب على الظرفية مبهمة كانت أو مختصة والسبب في تعدي الفعل إلى جميع ظروف الزمان قوة دلالته عليه من جهة أن الزمان أحد مدلولي الفعل كما أن السبب في تعديته إلى جميع ضروب المصادر قوة الدلالة عليها من حيث يدل عليها من جهة المعنى واللفظ فالمبهم ما وقع على قدر من الزمان غير معين كوقت وحين وزمان وينصب على جهة التأكيد المعنوي لأنه لا يزيد على دلالة الفعل ومنه : , ( أسرى بعبده ليلا ) ,الإسراء : 1 لأن الإسراء لا يكون إلا بالليل قال بعضهم ولا ينكر التأكيد في الظرفية كما لا ينكر في المصدر والحال والمختص قسمان معدود وهو ما له مقدار من الزمان معلوم كسنة وشهر ويومين والمحرم وسائر أسماء الشهور والصيف والشتاء
ص138
ولا يعمل فيه من الأفعال إلا ما يتكرر ويتطاول فلا يقال مات زيد يومين ومن ثم قدر في , ( فأماته الله مائة عام ) , البقرة : 259 ( فألْبَثَهُ ) وغير معدود وهو أسماء الأيام كالسبت والأحد وما يخصص بالإضافة كيوم الجمل أو ب ( أل ) كاليوم والليلة أو بالصفة كقعدت عندك يوما قعد عندك فيه زيد وما أضافت إليه العرب لفظ ( شهر ) من أعلام الشهور وهو رمضان وربيع الأول وربيع الآخر خاصة ثم ظرف الزمان قسمان أحدهما متصرف وهو ما جاز أن يستعمل غير ظرف كأن يكون فاعلا أو مبتدأ أو خبرا أو ينتصب مفعولا به أو ينجر بغير ( من ) كسرني يوم الخميس ويوم الجمعة مبارك واليوم يوم الجمعة وأجئت يوم الجمعة و , ( ليجمعنكم إلى يوم القيامة ) ,النساء : 76 ثم هو نوعان منصرف كحين ووقت وساعة وشهر وعام ودهر وغير منصرف كغدوة وبكرة علمين قصد بهما التعيين أم لا لأنه علميتهما جنسية فيستعملان استعمال أسامة فكما يقال عند قصد التعميم أسامة شَرّ السِّباع وعند التعيين هذا أسامة فاحذره يقال عند قصد التعميم غدوة أو بكرة وقت نشاط وعند قصد التعيين لأسيرن الليلة إلى غدوة أو بكرة وقد يخلوان من العلمية لأن ينكرا بعدها فينصرفان ويتصرفان ومنه ( وَلَهُم رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكّرًَ وعَشِيًا ) مريم : 62 قال أبو حيان جعلت العرب ( غدوة ) و ( بكرة ) علمين لهذين الوقتين ولم تفعل ذلك في نظائرها كعتمة وضحوة ونحوهما وذكر بعضهم أن ( بكرة ) في الآية إنما نونت لمناسبة ( عشيا ) الثاني غير متصرف بأن لا يخبر عنه ولا يجر بغير ( من ) بل يلزم النصب على الظرفية أو يجر ب ( من ) وإنما لم يحكموا بتصرف ما جر ب ( من) وحدها كعند وقبل لأن ( من ) كثرا زيادتها فلم يعتد بدخولها على الظرف الذي لا يتصرف وهو أيضا نوعان
ص139
ممنوع الصرف كسحر إذا كان من يوم بعينه وجرد من أل والإضافة نحو أزورك يوم الجمعة سحر وجئتك سحر وأنت تريد بذلك من يوم بعينه بخلاف ما إذا كان نكرة فإنه ينصرف ويتصرف نحو : , ( نجيناهم بسحر ) , القمر : 34 وكذا إن عرف ب ( أل ) أو الإضافة نحو سير بزيد يوم الجمعة السحر منه أو من سحره ومنصرف ( كبعيدات بين ) بعض أوقات غير متصلة وهي جمع ( بعيد ) مصغرة ومعناه لقيته مرارا متفرقة قريبا بعضها من بعض فجمع بعيد يدل على ما أريد من المرار وتصغيره يدل على ما أريد من تقاربها لأن تصغير الظرف المراد به التقريب ومنه ما عين من ( بكرة ) و ( سحير ) وضحى وضحوة وصباح ومساء وليل ونهار وعتمة وعشاء وعشية فهذه الأسماء نكرات أريد بها أزمان معينة فوضعت موضع المعارف وإن كانت نكرة ولذلك لا تتصرف وتوصف بالنكرة تقول أتيتك يوم الخميس ضحي مرتفعة ولقيتك يوم الجمعة عتمة متأخرة وقد يمنع ( عشية ) الصرف فتصير إذ ذاك علما جنسيا كغدوة وأجاز الكوفيون تصرف ما عين من عتمة وضحوة وليل ونهار فتقول سير عليه عتمة وضحوة وليل ونهار
ص140
ومنه ما لم يضف من مركب الأحيان كصباح مساء أي كل صباح ومساء ويساويه المضاف معنى خلافا للحريري في تخصيصه الفعل بالأول وذو وذات مضافين لوقت إلا في لغة وأنكرها السهيلي في ( ذات ) ويقبح تصرف وصف حين عرض قيامه ولم يوصف ( ش ) ألحق بالممنوع التصرف في التزام النصب على الظرفية ما لم يضف من مركب الأحيان كفلان يزورنا صباح مساء ويوم يوم أي كل صباح ومساء وكل يوم قال : –
( ومَنْ لا يَصْرفِ الواشَينَ عَنْهُ ** صَباحَ مَساءَ يضنوه خَبالا )
وقال : –
( آتٍ الرِّزقُ يَوْمَ يَوْمَ فَأجْمِل ** طالبًا وابْغ للقيامة زادًا )
ص141
وهو مبني حينئذ لتضمنه معنى حرف العطف كخمسة عشر بخلاف ما إذا أضيف الصدر إلى العجز فإنه يتصرف فيقع ظرفا وغير ظرف كقوله : –
( ولولا يومُ يوم ما أردنا ** )
وقوله :-
( وقد علاك مشِيبٌ حِينَ لا حين ** )
وكذا إذا لم يركب بل عطف نحو فلان يتعاهدنا صباحا ومساء
ص142
وزعم الحريري في درة الغواص أنه فرق بين قولك يأتينا صباح مساء على الإضافة وصباح مساء على التركيب وأن الخواص يهمون في ذلك فلا يفرقون بينهما وأن الفرق هو أن المراد به مع الإضافة إنه يأتي في الصباح وحده إذ تقدير الكلام يأتينا في صباح مساء والمراد به عند تركيب الاسمين وبنائهما على الفتح أن يأتي في الصباح والمساء لأن الأصل صباحا ومساء فحذف العاطف ورد عليه ابن بري بأن هذا الفرق لم يقله أحد بل صرح السيرافي بأن سير عليه صباح مساء وصباح مساء وصباحا ومساء معناهن واحد ثم قال وليس سير عليه صباح مساء مثل قوله ضربت غلام زيد في أن السير لا يكون إلا في الصباح كما شهر أن الضرب لا يقع إلا بالأول وهو الغلام دون الثاني لأنك إذا لم ترد أن السير وقع فيهما لم يكن في مجيئك بالمساء فائدة وهذا نص واضح وألحق العرب أيضا بالممنوع التصرف في التزام النصب على الظرفية ( ذا ) و ( ذات ) مضافين إلى زمان نحو لقيته ذا صباح وذا مساء وذات مرة وذات يوم وذات ليلة قال : –
( إذا شَدّ العِصابة ذَاتَ يَوْم ** )
ص143
إلا في لغية لخثعم فإنها أجازت فيها التصرف فيقال سير عليه ذات ليلة برفع ( ذات ) وقال بعض الخثعميين : –
( عزَمتُ على إقامةِ ذي صَباح ** )
وزعم السهيلي أن ( ذات مرة ) و ( ذات يوم ) لا تتصرف لا في لغة خثعم ولا في غيرها وأن الذي يتصرف عندهم إنما هو ( ذو ) فقط ورده أبو حيان بتصريح سيبويه والجمهور بخلاف ذلك والسبب في عدم تصرف ( ذا ) و ( ذات ) في لغة الجمهور أنهما في الأصل بمعنى صاحب وصاحبة صفتان لظرف محذوف والتقدير في ( لقيته ذا صباح ومساء ) وقت صاحب هذا الاسم و ( ذات يوم ) قطعة ذات يوم فحذف الموصوف وأقيمت صفته مقامه فلم يتصرفوا في الصفة لئلا يكثر التوسع
ص144
وعبارة ابن أبي العافية فضعف لذلك ولم يستعمل إلا ظرفا ولأن إضافتهما من قبيل إضافة المسمى إلى الاسم وهي قليلة في كلام العرب فلم يتصرفوا فيها لذلك واستقبح جميع العرب التصرف في صفة حين عرض قيامها مقامه ولم توصف كقولك سير عليه قديما أو حديثا أو طويلا فهذه أوصاف عرض حذف موصوفها وانتصب على الظرفية فلم تصرف فيها فقيل سير عليه قديم أو حديث أو طويل قبح ذلك فإن لم يعرض قيامها مقامه بل استعمل ظرفا وهي في الأصل صفة نحو ( قريب ، وملي ) حسن فيها التصرف نحو سير عليه قريب وسير عليه ملي من النهار أي قطعة من النهار ولو وصفت حسن فيها أيضا التصرف نحو سير عليه طويل من الدهر لأنها لما وصفت ضارعت الأسماء ( ص ) وما صلح جواب كم أو متى وهو اسم شهر لم يضف إليه شهر قيل أو أضيف قال ابن خروف وكذا شهر مفرد وأعلام الأيام أو كان الأبد والدهر والليل والنهار مقرونا بأل لا لمبالغة فالفعل واقع في كله تعميما أو توزيعا ويجوز في غيرها التعميم والتبعيض إن صلح وتعريف جواب كم خلافا لابن السراج وإضافة شهر إلى كل الشهور وفاقا لسيبويه وخلافا للمتأخرين وقيل نصب المعدود والموقت نصب المفعول نيابة عن المصدر وقيل على حذف المصدر ( ش ) ما صلح أن يقع جوابا لكم ولا يصلح أن يكون جوابا لمتي وهو ما كان مؤقتا غير معرف ولا مخصص بصفة نحو ثلاثة أيام ويومين فإنه يصلح أن يكون جواب كم سرت فهذا النوع يكون الفعل في جميعه إما تعميما وإما تقسيطا فإذا قلت سرت يومين أو ثلاثة أيام فالسير واقع في اليومين أو الثلاثة من الأول إلى الآخر وقد يكون في كل واحد من اليومين أو الثلاثة وإن لم يعم من أول اليوم إلى آخره
ص145
ومن التعميم صمت ثلاثة أيام ومن التقسيط أذنت ثلاثة أيام ومن الصالح لهما تهجدت ثلاث ليال ولا يجوز أن يكون الفعل في أحد الأيام أو الليالي ويكون جواب كم نكرة كما ذكر ومعرفة كاليومين المعهودين وأنكر ابن السراج أن يرد جواب كم معرفة لأنه من جواب متى إذ يراد منها الوقت وبكم العدد وما صلح أن يقع جوابا لمتى فإذا كان اسم شهر غير مضاف إليه لفظه ( شهر ) فكذلك يكون الفعل واقعا في جمعيه تعميما أو تقسيطا نحو سرت المحرم وسرت صفر يحتمل الأمرين واعتكفت المحرم للتعميم وأذنت صفر للتقسيط وكلها تصلح جواب متى سرت ومتى اعتكفت ومتى أذنت وإن كان غير اسم شهر فالعمل مخصوص ببعضه نحو متى قدمت فيقال يوم الجمعة فيكون القدوم في بعضه وكذا إن كان اسم شهر مضافا إليه لفظ ( شهر ) فإنه يجوز أن يكون في بعضه وفي جميعه نحو قدم زيد شهر رمضان وصمت شهر رمضان هذا مذهب الجمهور وزعم الزجاج أنه لا فرق بين المضاف إليه ( شهر ) وغيره وأنه يجوز أن يكون العمل في بعضه وأن يكون في جميعه قال أبو حيان وهو خلاف نص سبيويه قال والتفرقة بين ذلك بالاستقراء والسماع وليس للقياس فيه مجال وزعم ابن خروف أن الفرق بين رمضان وشهر رمضان من جهة أن ( رمضان ) علم و ( شهر ) ليس كذلك إنما هو معرفة بإضافته إلى رمضان وكذلك سائر أسماء الشهور والعلم واقع على الشخص بجميع صفاته فكذلك أسماء الشهور كالأعلام فلا تقع على بعض الشهر قال وليس كالشهر لأنه وقاع على جزء من الشهر متفرقا أو مجتمعا من جهة أنه ليس علما فأجاز أن يقال سرت الشهر وأنت تريد أن السير في بعضه وأجاز أن يعمل في الشهر ما لا يتطاول نحو لقيتك الشهر وكذا زعم في أعلام الأيام أنها كأعلام الشهور فإذا قلت سرت السبت أو سرت الخميس لم يكن العمل إلا في جميعهما لأنهما علمان فإذا أضفت إليه يوم أو ليلة فقلت
ص146
سرت يوم السبت أو ليلة السبت جاز أن يكون السير في بعضه وفي جميعه لأن تعريفه بالإضافة وأجاز لذلك أن يعمل في المضاف إليهما ما لا يتطاول نحو لقيتك يوم الخميس ولم يجزه في الخميس وسائر أيام الأسبوع فلا يقال لقيتك الخميس ولا لقيتك السبت قال أبو حيان وما زعمه باطل لأن الاسم يتناول مسماه بجملته نكرة أو معرفة علما أو غيره وإنما التفرقة بين أسماء الشهور أذا أضيف إليها شهر وبينها إذا لم يضف إليها شهر من جهة أنه إذا انفرد الشهر ولم يضف فالعمل في جميعه لأنه يراد به ثلاثون يومان ولا يجوز أن يكون في بعضه وكذلك أسماء الأيام يجوز أن يكون في كلها وفي بعضها لأنها من قبيل المختص غير المعدود ويعمل فيه المتطاول وغيره فسواء أضيف إليه يوم أم لا انتهى وكذا إذا كان جواب متي الأبد والدهر والليل والنهار مقرونة بالألف واللام فإنها مثل رمضان إذا لم يضف إليه ( شهر ) يكون للتعميم نحو سير عليه الليل والنهار والدهر والأبد ولا يقال لقيته الليل والنهار وأنت تريد لقاءه في ساعة من الساعات ولا لقيته الدهر والأبد وأنت تريد يوما فيه فإن قصدت المبالغة جاز إطلاقه على غير العام نحو سير عليه الأبد تريد المبالغة مجازا لا تعميم السير في جميع الأبد وما سوى ما ذكر من جواب متى من أعلام الشهور غير المضاف إليها والأبد ونحوه وذلك نحو اليوم والليلة ويوم كذا وليلة كذا وأسماء الأيام وأشبه ذلك يجوز فيه التعميم والتبغيض إن صلح له فالأول نحو قام زيد اليوم والثاني نحو لقيت زيدا اليوم ويحتملهما نحو سار زيدا اليوم وكون ما يكون العمل في جميعه هو ظرف وانتصب انتصاب الظروف هو مذهب البصريين وزعم الكوفيون أنه ليس بظرف وأنه ينتصب انتصاب المشبه بالمفعول لأن الظرف عندهم ما انتصب على تقدير في وإذا عم الفعل الظرف لم يتقدر عندهم فيه ( في ) لأن ( في ) يقتضي عندهم التبعيض وإنما جعلوه مشبها بالمفعول لا مفعولا به لأنهم رأوه ينتصب بعد الأفعال اللازمة
ص147
قال أبو حيان وما ذهبوا إليه باطل لأنهم بنوه على أن ( في ) تقتضي التبعيض وإنما هي للوعاء قال تعالى , ( فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات ) , فصلت : 16فأدخل ( في ) على الأيام والفعل واقع في جميعها بدليل : ( سخرها عليم سبع ليالٍ وثمانية أيامٍ حسومًا ) الحاقة : 7 وقال , ( فترى القوم فيها صرعى) , الحاقة : 7 فأدخل ( في ) على ضمير الأيام و الليالي مع أن الرؤية متصلة في جميعها وذهب بعض النحويين إلى أن ما كان من الظروف معطيا غير ما أعطى الفعل كالظروف المعدودة والموقتة فنصبها نصب المفعول على تقدير نيابتها عن المصدر ففي سرت يومين كأنه قال سرت سيرا مقدرا بيومين لأنه لا دلالة للفعل عليه وقيل هو بمنزلة ضربته سوطا أي سير يومين فحذف والصحيح أنه يتعدى إليه بعد حذف الجار فينصبه والقولان المحكيان في آخر القولة راجعان إلى أصل الظرف لا إلى مسألة التعميم وهما مقابلان لقولي في أول الباب ( لواقع فيه ناصب له ) وبقي مسألة إضافة شهر إلى أسماء الشهور قال أبو حيان ظاهر كلام التسهيل جواز إضافة ( شهر ) إلى كل أسماء الشهور وليس كذلك فلم تستعمل العرب من أسماء الشهور مضافا إليه شهر إلا رمضان وربيع الأول وربيع الآخر وأما غير هذه الثلاثة فلا يضاف إليه شهر لا يقال شهر المحرم ولا شهر صفر ولا شهر جمادى قال إلا أن في كلام سيبويه ما يخالف هذا فإنه أضاف ( شهر ) إلى ذي القعدة قال وبهذا أخذ أكثر النحويين فأجازوا إضافة ( شهر ) إلى سائر أعلام الشهور ولم يخصوا ذلك بالثلاثة التي ذكرناها انتهى
أنواع ما يصلح للظرفية من الأمكنة
مسألة: يصلح للظرفية من الأمكنة ما دل على مقدر وفي كونه مبهما خلاف وما لا يعرف إلا بإضافة أو جرى مجراه باطراد ومنعه الكوفية إلا بإضافة لا تختص إلا بفي ونحوها وألحق به ما قرن بدخلت
ص148
وقيل هو مفعول به وقيل اتساع وقيل يجب النصب إن اتسع المدخول لا إن ضاق قال الفراء وكذا ذهبت وانطلقت وابن الطراوة والطريق مطلقا وألحق به قياسا ما اشتق من الواقع فيه وسماعا عند سيبويه والجمهور ما دل على قرب أو بعد كهو مني مزجر الكلب الذي يصلح للظرفية ويتعدى إليه الفعل من الأمكنة أربعة أنواع أحدها ما دل على مقدار ويعبر عنه بمقدر قال أبو حيان وهما متقاربان نحو ميل وفرسخ وبريد وغلوة وهذا النوع اختلف فيه هل هو داخل تحت حد المبهم أم لا فالشلوبين على الثاني لأن المبهم ما لا نهاية له ولا حدود محصورة وهذه الظروف المقدرة لها نهاية معروفة وحدود محصورة لأن الميل مقدار معلوم من المسافة وكذا الباقي والفارسي وغيره على الأول لأنه إنما يرجع تقديرها إلى السماع ألا تري أن الغلوة مائة باع والميل عشرة غلاء والفرسخ ثلاثة أميال والبريد أربعة
ص149
فراسخ والباع لا ينضبط إلا بتقريب لأنه يزيد وينقص فيلزم أن تكون هذه المقدرات غير محققة النهاية والحدود بل تحديدها على جهة التقريب قال أبو حيان والصحيح أنه شبيه بالمبهم ولذلك وصل إليه الفعل بنفسه وما ذكر من أن هذا المقدار ينصبه الفعل نصب الظرف هو قول النحويين إلا السهيلي فإنه زعم أن انتصاب هذا النوع انتصاب المصادر لا انتصاب الظروف لأنه لا يقدر بفي ولا يعمل فيه إلا ما كان في معنى المشي والحركة لا يقال قعدت ميلا ولا رقدت ميلا والظرف يقع فيه كل ناصب له فهو اسم لخطى معدودة فكما أن سرت خطوة مصدر فكذلك سرت ميلا ونحوه الثاني ما لا تعرف حقيقته بنفسه بل ما يضاف إليه كمكان وناحية ووراء وأما ووجه وجهة وكجنابتي في قولهم ( هما خطان جنابتي أنفها ) يعنون خطين اكتنفا جنبي أنف الظبية و ( كجنبي ) في قوله :–
( جنْبَيْ فُطَيْمةَ لا ميلٌ ولا عُزُلُ ** )
وكأقطار في قولهم قومك أقطار البلاد وسواء في جواز نصب ما ذكر على الظرف المبهم والمبين
ص150
وذهب الكوفيون إلى أنه لا يجوز نصب المبهم لعدم الفائدة بل لا بد من وصف يخصصه وما في حكمه نحو قعدت مكانا صالحا وكذلك في الجهة ولا يقال قعدت قداما ولا خلفا إلا على الحال كأنك قلت متقدما ومتأخرا فإن خصصت بالإضافة جاز نحو قعدت قدامك وخلفك الثالث ما جرى مجراه باطراد قال ابن مالك وذلك صفة المكان الغالبة نحو هم قريبا منك وشرقي المسجد ومصادر قامت مقام مضاف إليها تقديرا نحو قولهم قرب الدار ووزن الجبل وزنته قال والمراد بالاطراد ألا تختص ظرفيته بعامل ما كاختصاص ظرفية المشتق من اسم الواقع فيه وجعل أبو حيان من ذلك قبلك ونحوك وقرابتك بمعنى قريبا إلا أنه أشد مبالغة قال وشرقي منسوب إلى الشرق ومعناه المكان الذي يلي الشرق قال وذكر سيبويه من هذا النوع هو قصدك وهو صددك وهو صقبك وسواء في هذا النوع وما قبله النكرة والمعرفة هذا مذهب البصريين وأما الكوفيون فلا يكون ظرف المكان عندهم إلا معرفة بالإضافة فإن كان نكرة فليس بظرف نحو قام عبد الله خلفا ووراء بمعنى متأخرا وقداما أما المختص وهو الذي له اسم من جهة نفسه كالدار والمسجد والحانوت وقيل هو ما كان لفظه مختصا ببعض الأماكن دون بعض وقيل ما كان له أقطار تحصره ونهايات تحيط به فلا يتعدي إليه الفعل إلا بواسطة ( في ) إذا أريد معنى الظرفية كجلست في الدار إلا ما سمع من ذلك بدونها فإنه يحفظ ولا يقاس عليه وهو كل مكان مختص مع ( دخلت ) نحو دخلت الدار والمسجد
ص151
فمذهب سيبويه والمحققين أنه منصوب على الظرف تشبيها للمختص بغير المختص وذهب الفارسي ومن وافقه إلى أنه مما حذف منه ( في ) اتساعا فانتصب على المفعول به وذهب الأخفش وجماعة إلى أنه مما يتعدى بنفسه فهو مفعول به على الأصل لا على الاتساع وذهب السهيلي إلى أنه اتسع المدخول فيه حتى يكون كالبلد العظيم كان النصب لا بد منه كدخلت العراق ويقبح أن يقال دخلت في العراق وإن ضاق بعد النصب جدا لأن الدخول قد صار ولوجا وتقحما كدخلت في البئر وأدخلت أصبعي في الحلقة قال أبو حيان وسكت عن المتوسط وقياس تفصيله أنه يجوز فيه الوجهان التعدي بنفسه وبواسطة ( في ) وألحق الفراء ب ( دخلت ) ( ذهبت ) و ( انطلقت ) فقال العرب عدت إلى أسماء الأماكن دخلت وذهبت وانطلقت وحكي أنهم يقولون دخلت الكوفة وذهبت اليمن وانطلقت الشام قال أبو حيان وهذا شيء لم يحفظه سيبويه ولا غيره من البصريين والفراء ثقة فيما ينقله وقال المبرد ذهبت ليس من هذا الباب بل هو مما أسقط منه حرف الجر وهو ( إلى) لا ( في ) ومما سمع نصبه ( الطريق ) قال : –
( كما عَسَل الطّريقَ الثّعْلَبُ ** )
ص152
أي في الطريق وهو ضرورة كقوله :–
( قالا خَيْمَتَىْ أُمّ مَعْبَدِ ** )
أي في خيمتي وذهب بعضهم إلى أن انتصاب ( الطريق ) ظرفا يجوز في الاختيار وأنه مشهور في كلام العرب ومقيس واختاره ابن الطراوة النوع الرابع ما دل على محل الحدث المشتق هو من اسمه كمقعد ومرقد ومصلى ومعتكف نحو قعدت مقعد زيد وقعودي مقعد زيد أي فيه وهو مقيس بشرط أن يكون العامل فيه أصله المشتق منه ولا يجوز أن يعمل فيه غيره فلا يقال ضحكت مجلس زيد أي فيه وما سمع من نصب ذلك يقتصر فيه على السماع ولا يقاس نحو هو مني مقعد
ص153
القابلة ومقعد الإزار ومنزلة الولد أي في القرب ومناط الثريا ومزجر الكلب أي في الارتفاع والبعد وأشباه ذلك مما دل على قرب أو بعد وما ذكرناه من الاقتصار فيه على السماع هو مذهب سيبويه والجمهور فلا يقال هو مني مجلسك ومتكأ زيد ومربط الفرس ومعقد الشراك ولا هو مني مقعد القابلة ومزجر الكلب بمعنى المكان الذي يقعد فيه ويزجر لأن العرب لم تستعملها إلا على معنى التمثيل للقرب والبعد وذهب الكسائي إلى أن ذلك مقيس
أنواع الظروف المكانية
كثر تصرف يمين وشمال وذات مضافا إليهما ومكان وندر في وسط ساكنا والمتحرك اسم وقال الكوفية ظرفان والفراء ما حسن فيه ( بين ) ظرف والأحسن تسكينه وما لا أسم والأحسن تحريكه وثعلب والمرزوقي ما كان أجزاء تنفصل سكن وما لا حرك ومما عدم فيه بدل لا بمعنى بديل وأنكر الكوفية ظرفيته ومكان بمعناه وحول وحوالي وحولي وأحوالي وأحوال وحوال ووزن الجبل وزنة الجبل وصددك وصقبك وسوي ويقال سوي وسوي وسواء
ص154
وقال الزجاجي وابن مالك هي اسم متصرف والرماني وأبو البقاء وابن هشام ظرف كثيرا وغيره قليلا ويستثنى ويوصف بها ك ( غير ) فتضاف لمعرفة وكذا نكرة في الأصح وزعم ( عبد الدائم ) بناء (سواء) على الفتح وترد بمعني وسط وسوي بمعني مستو وشطر بمعنى نحو ذكره أبو حيان وعند مثلث العين لمكان الحضور والقرب حسا أو معني وتأتي لزمانه وبمعناها ( لدى ) معربة لا بمعني ( لدن ) في الأصح ولكن لا تجر أصلا ولا تكون ظرفا للمعاني بخلاف ( عند ) ولا تطلق على غائب وفاقا
ص155
للحريري والعسكري وابن الشجري وخلافا للمعري وتقلب ألفها مع الضمير لا غيره غالبا ( ش ) الظروف المكانية أنواع أحدها ما كثر فيه التصرف وهو الاستعمال غير ظرف مبتدأ وفاعلا ونائبا ومضافا إليه وهو يمين وشمال نحو جلست يمين زيد وشمال بكر ويمين الطريق أسهل وشمال الطريق أقرب وقال تعالى : , ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) , ق : 17 و ( ذات ) مضافة إليهما قال تعالى : , ( تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال ) , الكهف : 17 وقال الشاعر : -
( وكان الكأسُ مَجْراها الْيَمِينا ** )
ص156
وتقول دارك ذات اليمين ومنازلهم ذات الشمال ومكان نحو اجلس مكانك ومكانك حسن الثاني ما ندر فيه التصرف كوسط ساكن السين قال ابن مالك تجرده عن الظرفية قليل لا يكاد يعرف ومه قوله يصف سحابا : –
( وسْطُه كاليَراع أو سُرُج المجْدَل ** طَوْراً يَخْبُو وطَوْراً يُنِيرُ )
فوسطه مبتدأ خبره كاليراع أما وسط المتحرك السين فاسم قال في البسيط جعلوا الساكن ظرفاً والمتحرك اسم ظرف فالأول نحو زيد وسط الدار والثاني نحو ضربت وسطه وقال الفراء إذا حسنت فيه ( بين ) كان ظرفا نحو قعد وسط القوم وإن لم يحسن فاسم نحو احتجم وسط رأسه ويجوز في كل منهما التسكين والتحريك لكن السكون أحسن في الظرف والتحريك أحسن في الاسم وأما بقية الكوفيين فلا يفرقون بينهما ويجعلونهما ظرفين إلا أن ثعلب قال يقال وسط بالسكون في المتفرق الأجزاء نحو وسط القوم ووسط بالتحريك فيما لا تتفرق أجزاؤه نحو وسط الرأس وتابعه المرزوقي قاله أبو حيان وقول الفرزدق :-
ص157
( أتَتْهُ بمَجْلُوم كأنّ جبينهُ ** صلايةُ وَرْس وسْطُها قد تفلّقا )
( ماءٌ رَوَاءٌ ونَصِيٌّ حَوْلِيَهْ ** )
ص158
وقال :
( ألست ترى السُّمّارَ والنّاسَ أَحْوالِي ** )
ومنها فيما ذكر سيبويه ( زنة الجبل ) أي حذاءه متصلا به و ( وزن الجبل ) أي ناحية تقابله قريبة كانت أو بعيدة و ( صددك ) و ( صقبك ) لكن قال أبو حيان يجوز أن يستعمل اسما إذ قياس كل ظرف أن يتصرف فيه إلا أن نقل أنه مما يلزم أن يكون ظرفا قال أبو حيان ومما أهمل النحويون ذكره من الظروف التي لا تتصرف ( شطر ) بمعنى نحو قال تعالى : , ( شطر المسجد الحرام ) , , ( فولوا وجوهكم شطره ) ,البقرة : 150 وقال الشاعر : –
( أقول لأمّ زنباع أقيمي ** صُدور العِيس شَطْرَ بني تميم )
ص159
وقال : -
( تَعْدو بنا شَطْر نَجْدِ وهي عَائِدَةٌ ** )
ومن جرها بمن قوله : –
( وقد أظَلُّكُمْ من شَطْر ثغركُم ** هَوْلٌ له ظُلَمٌ يغشاكُمُ قِطَعا )
ومنها سوى بكسر السين وضمها مقصورا وسواء بفتحها وكسرها ممدودا وعدم تصرفها بأن تلزم الظرفية مذهب سيبويه والجمهور لأنها بمعني مكانك الذي يدخله معني ( عوضك ) و ( بدلك ) فكما أنك إذا قلت مررت برجل مكانك أي عوضك وبدلك لا يتصرف فكذا ما هو بمعناه وسبب ذلك أن مكانا بهذا المعنى ليس بمكان حقيقي لأن مكان الشيء حقيقة إنما هو موضعه ومستقره فلما كانت الظرفية على طريقة المجاز لم يتصرفوا به كما يتصرفون في الظروف الحقيقية وذهب جماعة منهم الرماني وأبو البقاء العكبري إلى أنها ظرف متمكن أي يستعمل ظرفا كثيرا وغير ظرف قليلا قال ابن هشام في التوضيح وإليه أذهب ونقله في البسيط عن الكوفيين
ص160
وذهب الزجاجي وابن مالك إلى أنها ليست ظرفا البتة فإنها اسم مرادف ل ( غير ) فكما أن ( غير ) لا تكون ظرفا ولا يلتزم فيها النصب فكذلك سوى وحكم المقصورة والممدودة فيما ذكر على الأقوال الثلاثة سواء نص عليه الأبذي وحكم المكسورة والمضمومة أيضا سواء نص عليه ابن مالك وابن عصفور ومن تصرفهما ما حكي ( أتاني سواؤك ) وقوله : –
( فَسِواك بائِعُها وأنت المُشْتَري ** )
وقوله : –
( ولم يَبْقَ سِوَى العُدْوَان ** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . )
ص161
وقوله : –
( أأتْرُك لَيْلَى لَيْس بَيْني وبَينها ** سوى لَيْلةٍ إنّي إذن لصَبُورُ )
وقوله : –
( ذِكْرُكُ الله عند ذِكْر سِواهُ ** صارفٌ عن فؤادك الغَفَلاَتِ )
وقوله : -
( مُعُلّلٌ بسَواء الحقِّ مَكْذُوبُ ** )
ص162
وقوله : -
( فإنّ أخا سوائِكُمْ الوَحِيدُ ** )
وقوله : -
( وما قَصَدَتْ مِنْ أَهْلِها لِسَوَائِكَا ** )
والأشهر في سوى لغة الكسر والقصر ولغة الضم والقصر حكاها الأخفش ولغة الفتح والمد حكاها سيبويه ولغة الكسر والمد حكاها ابن الخباز في شرح ألفية ابن معط وزعم عبد الدائم بن مرزوق القيرواني أن ( سواء ) الممدودة مبنية على الفتح لتضمنها معنى إلا قال أبو حيان والذي حمله على ذلك أنه رآها لازمة الفتح لا تتغير بوجوه الأعراب تغير ( غير )
ص163
والصحيح أن فتحها إعراب وهي لازمة الظرفية فلذلك لم ترفع ولم تجر قال ويلزمه أن يقول ببناء سوى وسوي أو يبدي فرقا بينهما وبين هذين أما سواء بمعنى وسط نحو , ( سواء الجحيم ) , الصافات : 55 أو بمعنى مستو نحو : ( سَوَاءٌ عَلَيْهِم ءأَنذَرْتَهُمْ ) البقرة : 6 فمعربة إجماعا وكذا سواء بمعني (حذاء ) نحو زيد سواء عمرو ويستعمل سوى ك ( غير ) فيستثني بها نحو قام القوم سوى زيد وما في الدار سوى حمار قال : –
( كلّ سَعْي سوى الذي يورث ** الفوز فَعْقَباهُ حُسْرةٌ وخَسارُ )
وقال :-
( لم ألْفِ في الدّار ذَا نُطْقٍ سوى طَلَلٍ ** )
ويوصف بها نحو جاءني رجل سوى زيد قال : –
( أصابَهمُ بلاءٌ كان فِيهم ** سِوَى ما قد أصاب بني النّضِير )
وتَنْفرد ( سوى ) عن ( غير ) بأنها تلزم الإضافة لفظاً بخلاف ( غير ) فإنها تقطع عنها لفظا وتنوي كما سيأتي ولا يعترض على هذا بقوله تعالى : , ( مكانا سوى ) , طه : 58 فإن ( سوى ) فيه بمعنى مستو وليس الكلام فيه ويضاف ( سوى ) إلى المعرفة والنكرة كالبيتين السابقين
ص164
وقيل إنها تنفرد من ( غير ) بأنها لا تضاف إلا إلى معرفة بخلاف ( غير ) فإنها تضاف إليهما ورده أبو حيان بقوله ( سوى طلل ) و ( سوى ليلة ) وهما نكرتان ومنها ( عند ) وهي لبيان كون مظروفها حاضرا حسا أو معنى أو قريبا حسا أو معنى فالأول نحو : ( فَلَمَّا رَءَاهُ مُستَقِرًّا عِنَدهُ ) النمل : 40 والثاني نحو : , ( قال الذي عنده علم من الكتاب ) , النمل : 40 والثالث نحو : ، ( عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى ) ، النجم 14 - 15 والرابع نحو : ، ( عند مليك مقتدر ) ، القمر : 55 ، ( رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ) ، التحريم : 11، ( وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار ) ، ص : 47 ، ( ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين ) ، النحل : 96 وقد ترد للزمان نحو الصبر عند الصدمة الأولى ولم تستعمل إلا منصوبة على الظرفية كما مثل أو مجرورة بمن نحو ( ءَاتَيناهُ رحَمَةً مِنْ عِندِنَا ) الكهف : 65 وإنما لم تتصرف لشدة توغلها في الإبهام لأنها تصدق على الجهات الست والأشهر كسر عينها ومن العرب من يفتحها ومنهم من يضمها ومنها ( لدى ) وهي بمعنى عند لا بمعنى لدن في الأفصح ومن ثم كانت معربة لكي تفارق ( لدى ) ( عند ) من أوجه أحدها أنها لا تجر أصلا و ( عند ) تجر بمن كما تقدم الثاني أن ( عند ) تكون ظرفا للأعيان والمعاني كما تقدم و ( لدى ) لا تكون ظرفا للمعاني بل للأعيان خاصة يقال عندي هذا القول صواب ولا يجوز
ص165
لدي ذكره ابن الشجري في ( أماليه ) ومبرمان في ( حواشيه الثالث أنك تقول عندي مال وإن كان غائبا ولا تقول لدى مال إلا إذا كان حاضرا قاله الحريري وأبو هلال العسكري وابن الشجري وزعم المعري أنه لا فرق بين ( لدى ) و ( عند ) قال ابن هشام في المغني وقول غيره أولى وتقلب ألف ( لدى ) مع الضمير ياء ك ( علي ، وإلي ) قال تعالى : ، ( ولدينا مزيد ) ، ق : 35 ، ( وما كنت لديهم ) ، آل عمران : 44 لا مع الظاهر نحو ، ( لدى الحناجر ) ، غافر : 18 ( لَدَا البَابَ ) يوسف : 25 ومن العرب من يقر الألف مع المضمر أيضا كالظاهر وكذا إلى وعلى قال : –
( إلى كُمْ يا خناعة لا إلانا ** عزا الناسُ الضّراعةَ والهَوانا )
( فلَوْ بَرأَتْ عُقُولكم بَصَرْتُم ** بأنَّ دَواءَ دائكُم لَدانا )
( وذلكم إذا واثَقْتُمونا ** على نَصْر اعتمادِكُمُ علانا )
ص166
التوسع في ظرف الزمان والمكان
يتوسع في المتصرف فيجعل مفعولا به ويضمر غير مقرون ب ( في ) ويضاف وينسد إليه لا إن كان العامل حرفا أو اسما جامدا ولا متعديا لثلاثة على الأصح قيل أو اثنين ولا كان إن عملت فيه على الأصح ( ش ) التوسع جعل الظرف مفعولا به على طريق المجاز فيسوغ حينئذ إضماره غير مقرون ب ( في ) نحو اليوم سرته ولا يجوز ذلك في المنصوب على الظرف بل إذا أضمر وجب التصريح ب ( في ) لأن الضمير يرد الأشياء إلى أصولها فيقال اليوم سرت فيه وسواء في التوسع ظرف الزمان والمكان فالأول نحو : –
( ويوم شَهدْناهُ سُلَيْماً وعامِرًا ** )
ص167
( يا رُبّ يوم لِيَ لا أُظلَّلُهُ ** )
الثاني نحو : -
( ومشرب أشربهُ وَشِيل ** )
والأصل شهدنا فيه وأظلل فيه وأشرب فيه ويجوز حينئذ الإضافة إليه على طريق الفاعلية نحو ( بَل مَكرُ الّيلِ وَالنَّهَارِ ) سبأ : 33,
( يا سارقَ اللّيْلَةِ أَهْلَ الدّارْ ** )
والمفعولية نحو ، ( تربص أربعة أشهر ) ،البقرة : 226
( يا مسروق الليلة أهل الدار )
ص168
ولا تصح الإضافة عند إرادة الظرف لأن تقدير ( في ) يحول بين المضاف والمضاف إليه فتمتنع قاله الفارسي ولأن الخافض إذا دخل على الظرف يخرجه عن الظرفية قال ابن عصفور ويجوز حينئذ الإسناد إليه نحو ، ( في يوم عاصف ) ، إبراهيم : 18 ، ( إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا ) ، الإنسان : 10,
( صِيد عَلَيْهِ اللّيلُ والنّهارُ ** )
قال بعضهم ويؤكد ويبدل ويستثنى منه ولا يجوز ذلك في الظرف غير المتوسع فيه قال صاحب البسيط وفي هذا نظر وللتوسع شروط الأول أن يكون الظرف متصرفا فما لزم الظرفية لا يتوسع فيه لأن التوسع مناف لعدم التصرف إذ يلزم منه أن يسند إليه ويضاف إليه والثاني والثالث ألا يكون العامل حرفا ولا اسما جامدا لأنهما يعملان في الظرف لا في المفعول به والموتسع فيه مشبه بالمفعول به فلا يعملان فيه الرابع ألا يكون فعلا متعديا إلى ثلاثة لأن والاتساع في اللازم له ما يشبه به وهو المتعدي إلى واحد والاتساع في المتعدي إلى واحد له ما يشبه به وهو المتعدي إلى اثنين والاتساع في المتعدي إلى اثنين له ما يشبه به وهو المتعدي إلى ثلاثة فيجوز فيها وأما ما يتعدى إلى ثلاثة فليس له ما يشبه به إذ ليس لنا فعل يتعدى إلى أربعة فيمنع هذا ما صححه ابن مالك ونسبه ابن عصفور للأكثرين وعزاه غيره للمبرد وقيل يجوز في المتعدي إلى ثلاثة أيضا ونسبه ابن خروف إلى سيبويه وأبو حيان إلى الجمهور ولا مبالاة بعدم النظير وإلا لم يجز في اللازم إذ لم يعهد نصبه المفعول وإنما جاز فيه لضرب من المجاز فكذا هنا وقيل يمتنع الاتساع مع المتعدي إلى اثنين أيضا لأنه ليس له أصل يشبه به إذ لا يوجد ما يتعدي إلى ثلاثة بحق الأصل والحمل إنما يكون على الأصول لا على الفروع وهذا ما صححه ابن عصفور قياسا لما ذكر وسماعا لأنه لم يرد إلا في المتعدي لواحد واللازم
ص169
قال أبو حيان والأمر كما قال من عدم السماع مع المتعدي لاثنين الخامس ألا يكون العامل كان وأخواتها إن قلنا إنها تعمل في الظرف حذرا من كثرة المجاز لأنها رفعت ونصبت لشبهها بالفعل المتعدي والعمل بالشبه مجاز فإذا نصبت الظرف على الاتساع وهو مجاز أيضا كثر المجاز فيمنع منه قال أبو حيان وهذا ما يقتضيه النظر ونظيره قولهم دخلت في الأمر لا يجوز حذف ( في ) لأن هذا الدخول مجاز ووصول ( دخل ) إلى الظرف بغير وساطة ( في ) مجاز فلم يجتمع عليها مجازان وقال ابن عصفور يجوز الاتساع معها كسائر الأفعال أما إن قلنا بأنها لا تعمل في الظرف فواضح أنه لا توسع ولا يمنع التوسع إضافة الظرف إلى المظروف المقطوع عن الإضافة المعوض منه التنوين نحو سير عليه حينئذ وما انتصب من المصادر نصب الظرف يجوز فيه التوسع ومنه ، ( لقد تقطع بينكم ) ، الأنعام : 94 وأما صفة الظرف نحو سرت قليلا فيضعف فيها التوسع إلا إن وصف
نيابة المصدر عن ظرفي الزمان والمكان
وينوب مصدر عن مكان بقلة وزمان بكثرة وقد يجعل ظرفا دون تقدير أو اسم عين مضاف إليه لا مصدر مؤول خلافا للزمخشري ( ش ) قد ينوب عن الظرف مصدر إذا كان الظرف مضافا إليه فحذف ولا بد من كونه معينا لوقت أو مقدار وهو كثير في ظرف الزمان نحو جئتك صلاة العصر أو قدوم الحاج وانتظرتك حلب ناقة وقليل في المكان نحو جلست قرب زيد أي مكان قربه وقد يجعل المصدر ظرفا دون تقدير مضاف كقولهم أحقا إنك ذاهب أي أفي حق
ص170
وقد يكون النائب اسم عين نحو لا أكلمه القارظين والأصل مدة غيبة القارظين ولا ينوب في ذلك المصدر المؤول وهو أن والفعل نحو ، ( وترغبون أن تنكحوهن ) ، النساء : 127 إذا قدر ب ( في ) خلافا للزمخشري الظروف المبنيات الكلام في
الظروف المبنيات
أوردت في هذا الفصل ما لم أسبق إلى جمعه واستيفائه من مبني ظروف الزمان والمكان مرتبا على حروف المعجم
إذ
( إذ ) للوقت الماضي وللمستقبل في الأصح وتلزم الظرفية ما لم يضف لها زمان والإضافة إلى جملة غير مصدرة بزال وأخواته أو دام أو ليس أو لكن أو ليت أو لعل ويقبح أن يليها اسم بعده ماض وقد يحذف جزؤها وكلها فتعوض تنوينا وتكسر للساكنين وقال الأخفش إعرابا وقد تفتح وألقح بها شيخنا الكافيجي في ذلك ( إذا )
ص171
وجوز الأخفش والزجاج والمتأخرون وقوعها مفعولا به وبدلا منه والزمخشري مبتدأ وهي تجيء للتعليل خلافا للجمهور حرفا وقيل ظرفا وللمفاجأة بعد بينا وبينما حرفا أو ظرف مكان أو زمان أو زائدة أقوال وعلي الظرفية عاملها قال ابن جني وابن الباذش تاليها وعامل بينا مقدر والشلوبين عاملهما محذوف وإذا بدل قال أبو عبيدة وللتحقيق وزائدة واختاره ابن الشجري بعد بينا وبينما ( ش ) من الظروف المبنية ( إذ ) والدليل على اسميتها قبولها التنوين والإخبار بها نحو مجيئك إذ جاء زيد والإضافة إليها بلا تأويل نحو ، ( بعد إذ هديتنا ) ، آل عمران : 8 وبنيت لافتقارها إلى ما بعدها من الجمل ولوضعها على حرفين وأصل وضعها أن تكون ظرفا للوقت الماضي وهل تقع للاستقبال قال الجمهور لا وقال جماعة منهم ابن مالك نعم واستدلوا بقوله تعالى ، ( يومئذ تحدث أخبارها ) ، الزلزلة : 4 والجمهور جعلوا الآية ونحوها من باب ، ( ونفخ في الصور ) ، الكهف : 99 أي من تنزيل المستقبل الواجب الوقوع منزلة ما قد وقع
ص172
قال ابن هشام ويحتج لغيرهم بقوله تعالى ، ( فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم ) ، غافر : 70 ، 71 فإن يعلمون مستقبل لفظا ومعنى لدخول حرف التنفيس عليه وقد عمل في ( إذ ) فيلزم أن يكون بمنزلة إذا وتلز ( إذ ) الظرفية فلا تتصرف بأن تكون فاعلة أو مبتدأة إلا أن يضاف اسم الزمان إليها نحو حينئذ ويومئذ و ، ( بعد إذ هديتنا ) ، آل عمران : 8 ورأيتك أمس إذ جئت وجوز الأخفش والزجاج وابن مالك وقوعها مفعولا به نحو ، ( واذكروا إذ كنتم قليلا ) ، الأعراف : 86 وبدلا منه نحو، ( واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت ) ، مريم : 16 والجمهور لا يثبتون ذلك ووافقهم أبو حيان قال لأنه لا يوجد في كلامهم أحببت إذ قدم زيد ولا كرهت إذ قدم وإنما ذكروا ذلك مع ( اذكر ) لما اعتاص عليهم ما ورد من ذلك في القرآن وتخريجه سهل وهو أن تكون ( إذ ) معمولة لمحذوف يدل عليه المعنى أي اذكروا حالتكم أو قضيتكم أو أمركم وقد جاء بعض ذلك مصرحا به قال تعالى ( وَاذكُرُوا نِعمَتَ اللهِ عَليْكُمْ إِذ كُنتُم أَعدَاءً ) آل عمران : 103 فإذ ظرف معمول لقوله ( نِعْمَتَ اللهِ ) وهذا أولي من إثبات حكم كلي بمحتمل بل بمرجوح انتهى وجوز الزمخشري وقوعها مبتدأ فقال في قراءة بعضهم ( لَمِنْ مَنِّ اللهِ عَلَى المُؤمِنِين ) آل عمران : 164 إنه يجوز أن التقدير ( منه إذ بعث ) وأن تكون ( إذ ) في محل رفع كإذا في قولك أخطب ما يكون الأمير إذا كان قائما
ص173
قال ابن هشام فمقتضي هذا أن ( إذ ) مبتدأ ولا نعلم بذلك قائلا وتلزم ( إذ ) الإضافة إلى جملة إما اسمية نحو ، ( واذكروا إذ أنتم قليل ) ، الأنفال : 26 ، ( إذ هما في الغار ) ، التوبة : 40 أو فعلية كما سبق ويقبح في الاسمية أن يكون عجزها فعلا ماضيا نحو جئتك إذ زيد قام ووجه قبحه أن ( إذ ) لما كانت لما مضى وكان الفعل الماضي مناسبا لها في الزمان وكانا في جملة واحدة لم يحسن الفصل بينهما بخلاف ما إذا كان مضارعا نحو إذ زيد يقوم فإنه حسن ويشترط في الجملة ألا تكون شرطية فلا يقال أتذكر إذ إن تأتنا نكرمك ولا إذ من يأتك تكرمه إلا في ضرورة وقد يحذف جزء الجملة المضاف إليها ( إذ ) فيظن من لا خبرة له أنها أضيفت إلى المفرد كقوله :
ص174
( والعيش مُنْقَلِبٌ إذْ ذاك أَفْنانَا ** )
والتقدير إذ ذاك كذلك وقد تحذف الجملة كلها للعلم بها ويعوض منها التنوين قال أبو حيان الذي يظهر من قواعد العربية أن هذا الحذف جائز لا واجب وتكسر ذالها حينئذ لالتقاء الساكنين نحو ، ( وأنتم حينئذ تنظرون ) ، الواقعة : 84 أي حين إذ بلغت الروح الحلقوم وزعم الأخفش أنها حينئذ معربة والكسر جر إعراب بالإضافة لا بناء وحمله على ذلك أنه جعل بناءها ناشئا عن إضافتها إلى الجملة فلما زالت من اللفظ صارت معربة وهو مردود بأنه قد سبق ل ( إذ ) حكم البناء والأصل استصحابه حتى يقوم دليل على إعرابه وبأن العرب قد بنت الظرف المضاف ل ( إذ ) ولا علة لبنائه إلا كونه مضافا لمبني فلو كانت الكسرة إعرابا لم يجز بناء الظرف وبأنهم قالوا ( يومئذا ) بفتح الذال منونا ولو كان معربا لم يجز فتحه لأنه مضاف إليه فدل على أنه مبني مرة على الكسر لالتقاء الساكنين ومرة على الفتح طلبا للتخفيف وهذا معنى قولي وقد تفتح وقولي وألحق بها شيخنا الكافيجي في ذلك ( إذا ) أشرت به إلى مسألة غريبة قل من تعرض لها وذلك أني سمعت شيخنا رحمه الله يقول في قوله تعالى ، (ولئن أطعتم بشرا مثلكم إنكم إذا لخاسرون ) ، المؤمنون : 34 ليست ( إذن ) هذه الكلمة المعهودة وإنما هي إذا الشرطية حذفت جملتها التي تضاف إليها وعوض منها التنوين كما في ( يومئذ ) وكنت أستحسن هذا جدا وأظن
ص175
أن الشيخ لا سلف له في ذلك حتى رأيت بعض المتأخرين جنح إلى ما جنح إليه الشيخ وقد أوسعت الكلام في ذلك في ( الإتقان) و ( حاشية المغني ) وتزاد ( إذ ) للتعليل خلافا للجمهور كقوله تعالى ، ( ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ) ، الزخرف : 39 أي لأجل ظلمكم في الدنيا ، ( وإذ لم يهتدوا به فسيقولون ) ، الأحقاف : 11 ( وَإِذِ اعتَزَلتُمُوهُم وَمَا يَعبُدُونَ إِلاَّ اللهَ فأوُاْ ) الكهف : 16 وهي حرف بمنزلة لام العلة وقيل ظرف والتعليل مستفاد من قوة الكلام لا من اللفظ وترد للمفاجأة نص على ذلك سيبويه وهي الواقعة بعد ( بينا ) و ( بينما ) كقوله : –
( فينما العُسْر إذْ دارَتْ ميَاسيرُ ** )
ص176
وقوله :-
( بَيْنا كذلك والأعدادُ وجْهَتُها ** إذ راعها لِحَفيفٍ خَلْفَها فَزَعُ )
وهل هي حينئذ ظرف مكان أو زمان أو حرف لمعنى المفاجأة أو حرف مؤكد أي زائد أقوال اختار الثاني أبو حيان إقرارا لها على ما استقر لها وابن مالك والشلوبين الثالث وعلى القول بالظرفية قال ابن جني وابن الباذش عاملها الفعل الذي بعدها لأنها غير مضافة إليه وعامل ( بينا ) و ( بينما ) محذوف يفسره الفعل المذكور وقال الشلوبين ( إذ ) مضافة للجملة فلا يعمل فيها الفعل ولا في ( بينا ) و ( بينما ) لأن المضاف إليه لا يعمل في المضاف ولا فيما قبله وإنما عاملها محذوف يدل عليه الكلام و ( إذ ) بدل منهما وذكر ل ( إذ ) معنيان آخران أحدهما التوكيد وذلك بأن تحمل على الزيادة قاله أبو عبيدة وتبعه ابن قتيبة وحملا عليه آيات منها قوله تعالى ، ( وإذ قال ربك للملائكة ) ، الحجر : 28
ص177
والثاني التحقيق كقد وحملت عليه الآية قال في ( المغني ) وليس القولان بشيء واختار ابن الشجري أنها تقع زائدة بعد ( بينا) و ( بينما ) خاصة قال لأنك إذا قلت بينما أنا جالس إذ جاء زيد فقدرتها غير زائدة أعملت فيها الخبر وهي مضافة إلى جملة جاء زيد وهذا الفعل هو الناصب ل ( بين ) فيعمل المضاف إليه فيما قبل المضاف
إذا
( إذا ) للمستقبل مضمنة معنى الشرط غالبا قال ابن مالك والماضي وأنكره أبو حيان وقوم للحال ويختص بالمجزوم به وكذا المظنون خلافا للبيانيين بخلاف ( إن ) ومن ثم لم تجزم في السعة خلافا لمن جوزه بقلة أو مع ( ما ) ولا تدل على تكرار ولا عموم على الصحيح فيهما وتضاف أبدا لجملة صدرها فعل ولو مقدرا قبل اسم يليه وجوزه الأخفش إلى اسمية الجزأين وأوجب الفراء إيلاءها الماضي شرطية وقال غيره هو الغالب ومن ثم قال الأكثرون ناصبها الجواب لا الشرط قال ابن مالك وتجيء مفعولا به ومجرورة ب ( حتى ) ومبتدأ وترد للمفاجأة فأقوال إذا وتلزمها الفاء قال المازني زائدة ومبرمان عاطفة والزجاج جزائية ولا يليها فعل وثالثها يجوز مع قد قال أبو عبيدة وتزاد ( ش ) من الظروف المبنية ( إذا ) والدليل على اسميتها الإخبار بها مع مباشرتها الفعل نحو القيام إذا طلعت الشمس وإبدالها من اسم صريح نحو أجيئك غدا إلى طلعت الشمس
ص178
ص179
وقد تدخل على المتيقن لكونه مبهم الزمان نحو ( أَّفَإِيْن مِتَ فَهُمُ الخَالِدُونَ ) الأنبياء : 34 ولكون (إذا) خاصا بالمتيقن والمظنون خالفت أدوات الشرط فلم تجزم إلا في الضرورة كقوله : –
(وإذا تُصِبْك خَصاصةٌ فَتَحَمّل ** )
وإذا دلت ( إذا ) على الشرط فلا تدل على التكرار على الصحيح وقيل تدل عليه ك ( كلما ) واختاره ابن عصفور فلو قال إذا قمت فأنت طالق قامت ثم قامت أيضا في العدة ثانيا وثالثا لم يقع بهما شيء على الأول دون الثاني وكما لا تدل على التكرار لا تدل أيضا على العموم على الصحيح وقيل تدل عليه فلو قال إذا طلقت امرأة من نسائي فعبد من عبيدي حر فطلق أربعا لم يعتق إلا عبد واحد وتنحل اليمين على الأول ويعتق أربع على الثاني وتلزم ( إذا ) الإضافة إلى الجملة صدرها فعل سواء كان مضارعا نحو ( وَإذَا تُتلَى عَلَيهِم ءَايَاتُنَا ) الأحقاف : 7 وسبأ : 43 ، ( وإذا لم تأتهم بآية ) ، الأعراف : 203 أم ماضيا نحو ، ( إذا جاءك المنافقون ) ، المنافقون : 1
ص180
وزعم الفراء أن ( إذا ) إذا كان فيها معنى الشرط لا يكون بعدها إلا الماضي وقال ابن هشام إيلاؤها الماضي أكثر من المضارع وقد اجتمعا في قوله : –
( والنّفسُ راغبة إذا رغّبتها ** وإذا تُردّ إلى قليل تَقْنَعُ )
وقد يليها اسم بعد فعل فيقدر قبله فعل يفسره الفعل بعد الاسم نحو ، ( إذا السماء انشقت ) ، الانشقاق : 1 وجوز الأخفش إيلاءها جملة فيها اسمان مبتدأ وخبر من غير تقدير فعل كقوله : –
( إذا باهِليٌّ تَحْتَهُ حَنْظَلِيّةٌ ** )
ص181
وفي ناصب إذا قولان أحدهما أنه شرطها وعليه المحققون واختاره أبو حيان حملا لها على سائر أدوات الشرط والثاني أنه ما في جوابها من فعل وشبهه وعليه الأكثرون لما تقدم من أنها ملازمة الإضافة إلى شرطها والمضاف إليه لا يعمل في المضاف فالإشارة إليه بقولي : ( ومن ثم ) إلى قوله ( وتضاف أبدا ) والأولون انفصلوا عن ذلك بأن قالوا بعدم إضافتها وترد ( إذا ) للمفاجأة فتختص بالجملة الاسمية فيما جزم به ابن مالك ورده أبو حيان وقيل تدخل على الفعل مطلقا وقيل تدخل إلى الفعلية المصحوبة ب ( قد ) نقل الأخفش ذلك عن العرب نحو خرجت فإذا قد قام زيد قال في المغني ووجهه أن التزام الاسمية معها إنما هو للفرق بينهما وبين الشرطية الخاصة بالفعلية والفرق حاصل ب ( قد ) إذ لا يقترن الشرط بها ولا يحتاج لجواب ولا تقع في الابتداء ومعناها الحال لا الاستقبال نحو خرجت فإذا الأسد بالباب ومنه ، ( فإذا هي حية تسعى ) ، طه : 20 وهي حينئذ حرف عند الكوفيين والأخفش واختاره ابن مالك ويرجحه قولهم خرجت فإذا إن زيدا بالباب بكسر إن لأن إن لا يعمل ما بعدها فيما قبلها وظرف مكان عند المبرد والفارسي وابن جني وأبي بكر بن الخياط واختاره ابن عصفور وظرف زمان عند الرياشي والزجاج واختاره الزمخشري وابن طاهر وابن خروف والشلوبين إبقاء لها على ما ثبت لها فإذا قلت خرجت فإذا زيد صح
ص182
كونها خبرا على المكان أي فبالحضرة زيد لا على الزمان لأنه لا يخبر به عن الجثة ولا على الحرف لأنه لا يخبر به وتلزمها الفاء داخلة عليها واختلف فيها فقال المازني هي زائدة للتأكيد لأن إذا الفجائية فيها معنى الاتباع ولذا وقعت في جواب الشرط موقع الفاء وهذا ما اختاره ابن جني وقال مبرمان هي عاطفة لجملة إذا ومدخولها على الجملة قبلها واختاره الشلوبين الصغير وأيده أبو حيان بوقوع ثم موقعها في قوله تعالى ، ( ثم إذا أنتم بشر تنتشرون ) ، الروم : 20 وقال الزجاج دخلت على حد دخولها في جواب الشرط وزعم أبو عبيدة أن ( إذا ) قد تزاد واستدل بقوله : 800 - ( حتى إذا أسْلَكُوهم في قُتائِدَة ** شلاًّ كما تَطْرُدُ الجَمّالَةُ الشُّرُدا ) قال فزادها لعدم الجواب فكأنه قال حتى أسلكوهم وتأوله ابن جني على حذف جواب إذا
ص183
الآن
ص184
( أَإلى الآن لا يَبينُ ارْعِواءٌ ** لَكَ بَعْدَ المَشِيبِ عَنْ ذَا التّصابي )
وألفه منقلبة عن واو لقولهم في معناه الأوان وقيل عن ياء لأنه من آن يئين إذا قرب وقيل أصله أوان قلبت الواو ألفا ثم حذفت لالتقاء الساكنين ورد بأن الواو قبل الألف لا تنقلب كالجواد والسواد وقيل حذفت الألف وغيرت الواو إلى الألف كما قالوا راح ورواح استعملوه مرة على فعل ومرة على فعال كزمن وزمان واختلف في علة بنائه فقال الزجاج بني لتضمنه معنى الإشارة لأن معناه هذا الوقت ورد بأن تضمين معنى الإشارة بمنزلة اسم الإشارة وهو لا تدخله أل وقال أبو علي لتضمنه لام التعريف لأنه استعمل معرفة وليس علما وأل فيه زائدة وضعفه ابن مالك بأن تضمن اسم معنى حرف اختصارا ينافي زيادة ما لا يعتد به هذا مع كون المزيد غير المضمن معناه فكيف إذا كان إياه وقال ابن المبرد وابن السراج لأنه خالف نظائره إذ هو نكرة في الأصل استعمل من أول وضعه باللام وباب اللام أن يدخله على النكرة وكذا قال الزمخشري سبب بنائه وقوعه في أول أحواله بالألف واللام لأن حق الاسم في أول أحواله التجرد منها ثم يعرض تعريفه فيلحقه فلما و قع الآن في أول أحواله بالألف واللام خالف الأسماء وأشبه الحروف ورده ابن مالك بلزوم الجماء الغفير واللات ونحوها مما وقع في أول أحواله بالألف واللام وبأنه لو كانت مخالفة الاسم لسائر الأسماء موجبة لشبه الحرف واستحقاق البناء لوجب بناء كل اسم خالف الأسماء بوزن أو غيره وهو باطل بإجماع وقال ابن مالك بني لشبه الحرف في ملازمة لفظ واحد لأنه لا يثني ولا يجمع ولا يصغر بخلاف حين ووقت وزمان ومدة
ص185
قال أبو حيان وهو مردود بما رد به هو على الزمخشري وقال الفراء إنما بني لأنه نقل من فعل ماض وهو ( آن ) معنى حان فبقي على بنائه استصحابا على حد ( أنهاكم عن قيل وقال ) ورد بأنه لو كان كذلك لم تدخل عليه ( أل ) كما لا تدخل على قيل وقال ولجاز فيه الإعراب كما يجوز في قيل وقال وذهب بعضهم إلى أنه معرب وفتحته إعراب على الظرفية واستدل له بقوله:-
( كأنّهما مِلآن لم يَتَغّيرا ** )
بكسر النون أي من الآن فحذف النون لالتقاء الساكنين وجر فدل على أنه معرب وضعفه ابن مالك باحتمال أن تكون الكسرة كسرة بناء ويكون في بناء الآن لغتان الفتح والكسر كما في شتان إلا أن الفتح أكثر وأشهر
ص186
والمختار عندي القول بإعرابه لأنه لم يثبت لبنائه علة معتبرة فهو منصوب على الظرفية وإن دخلته (من) جر وخروجه عن الظرفية غير ثابت ولا يصلح الاستدلال له بالحديث السابق لما تقرر غير مرة وفي شرح الألفية لابن الصائغ أن الذي قال بأن أصله ( أوان ) يقول بإعرابه كما أن أوانا معرب
أمس
( أمس ) لما يلي يومك مبني على الكسر قال الزجاج والزجاجي والفتح لغة وإعرابه غير منصرف رفعا ومطلقا ومنصرفا لغة وزعمه قوم محكيا من الأمر فإن قارن ال أعرب غالبا وكذا إن أضيف أو أنكر أو ثني أو جمع أو صغر ( ش ) أمس اسم معرفة متصرف يستعمل في موضع رفع ونصب وجر وهو اسم زمان موضوع لليوم الذي أنت فيه أو ما هو في حكمه في إرادة القرب فإن استعمل ظرفا فهو مبني على الكسر عند جميع العرب وعلة بنائه تضمنه معنى الحرف وهو لام التعريف ولذا لم يبن ( غد ) مع كونه معرفة لأنه لم يتضمنها إنما يتضمنها ما هو حاصل واقع و ( غد ) ليس بواقع والفرق بينه وبين ( سحر ) حيث لم يبن أنه لما عدل عن السحر لم يضمن معنى الحرف بل أنيب مناب السحر المعرف فصار معرفة فمثله بالنيابة كما صار عمر معرفة بالنيابة عن عامر العلم
ص187
وقال ابن كيسان بني لأنه في معنى الفعل الماضي وأعرب ( غد ) لأنه في معنى الفعل المستقبل والمستقبل معرب وقال قوم علة بنائه شبه الحرف إذا افتقر في الدلالة على ما وضع له إلى اليوم الذي أنت فيه وقال آخرون بني لشبهه بالأسماء المبهمة في انتقال معناه لأنه لا يختص بمسمي دون آخر وأجاز الخليل في لقيته أمس أن يكون التقدير لقيته بالأمس فحذف الحرفين الباء وأل فتكون الكسرة على هذا كسرة إعراب وزعم قوم منهم الكسائي أنه ليس مبنيا ولا معربا بل هو محكي سمي بفعل الأمر من المساء كما لو سمي بأصبح من الصباح فقولك جئت أمس أي اليوم الذي كنا نقول فيه أمس عندنا أو معنا وكانوا كثيرا ما يقولون ذلك للزور والخليط إذا أراد الانصراف عنهم فكثرت هذه الكلمة على ألسنتهم حتى صارت اسما للوقت وتعريفه بأل إشارة إلى أنه اليوم الذي قبل يومك وقال السهيلي تعريفه بالإضافة كتعريف جمع
ص188
وإن استعمل غير ظرف فذكر سيبويه عن الحجازيين بناءه على الكسر رفعا ونصبا وجرا كما كان حال استعماله ظرفا تقول ذهب أمس بما فيه وأحببت أمس وما رأيتك مذ أمس قال : –
( اليوم أعلم ما يَجيءُ به ** وَمَضَى بفَصْل قضائِهِ أَمْس )
ونقل عن بني تميم أنهم يوافقون الحجازيين حالة النصب والجر في البناء على الكسر ويعربونه إعراب ما لا ينصرف حالة الرفع قال شاعرهم : –
( اعْتَصِم بالرّجاء إنْ عنَّ يأسٌ ** وتناسَ الّذي تَضمّن أَمسُ )
ومن بني تميم من يعربه إعراب ما لا ينصرف في حالتي النصب والجر أيضا وعلته ما ذكر في ( سحر ) من العدل والتعريف وعليه قوله :
ص189
( إنّى رأيت عجبًا مذْ أَمْسا ** )
ومنهم من يعربه إعراب المنصرف فينونه في الأحوال الثلاثة حكاه الكسائي وحكى الزجاج أن بعض العرب ينونه وهو مبني على الكسر تشبيها بالأصوات وحكى الزجاجي والزجاج أن من العرب من يبنيه وهو ظرف على الفتح فتلخص فيه حال الظرفية لغتان البناء على الكسر وعلي الفتح وحال غير الظرفية خمس لغات البناء على الكسر بلا تنوين مطلقا وبتنوين وإعرابه منصرفا وغير منصرف مطلقا وإعرابه غير منصرف رفعا وبناؤه نصاب وجرا فإن قارنه ( أل ) أعرب غالبا نحو إن الأمس ليوم حسن وقال تعالى : ، ( كأن لم تغن بالأمس ) ، يونس : 24 ومن العرب من يستصحب البناء مع أل قال : -
( وإنّى وقَفْتُ اليوم والأمس قبله ** ببَابكَ حتى كادتِ الشّمسُ تَغْرُبُ )
ص190
فكسر السين وهو في موضع نصب عطفا على اليوم قالوا والوجه في تخريجه أن تكون أل زائدة لغير تعريف واستصحب تضمن معنى المعرفة فاستديم البناء أو تكون هي المعرفة ويجر إضمار الباء فالكسرة إعراب لا بناء ويعرب أيضا حال الإضافة نحو إن أمسنا يوم طيب وحال التنكير نحو مضي لنا أمس حسن لا تريد اليوم الذي قبل يومك وحال التثنية نحو أمسان وحال الجمع نحو آمس وآماس وأموس قال : –
( مرّت بنا أَوَّلَ من أُموس ** تميسُ فينا مِيسَةَ العَرُوس )
ص191
قال ابن مالك في شرح الكافية الشافية وحال التصغير قال أبو حيان وهو مخالف لنص سيبويه وغيره من النحاة أن أمس لا يصغر وكذا ( غدا ) استغناء بتصغير ما هو أشد تمكنا وهو اليوم والليلة قال نعم ذكر المبرد أنه يصغر فتبعه عليه ابن مالك وكذا ذكر ابن الدهان في الغرة وهو ذهول عن نص سيبويه
بعد
( بعد ) ظرف زمان لازم الإضافة فإن أضيف أو حذف مضافه ونوي لفظه أعرب أو معناه ضم بناء وقد ينون حينئذ ويفتح إعرابا وإن نكر نصب ظرفا وقد يجر ويرفع ولا يضاف لجملة حتى يكف ب ( ما ) ( ش ) من الظروف المبنية في بعض الأحوال ( بعد ) وهي ظرف زمان لازم الإضافة وله أحوال أحدها أن يصرح بمضافه نحو جئت بعدك فهو معرب منصوب على الظرفية ثانيها أن يقطع عن الإضافة لفظا ومعني قصدا للتنكير فكذلك قوله :–
( فما شَربوا بَعْدًا على لَذَّةٍ خَمْرَا ** )
ص192
وقد يجر قرئ : ، ( لله الأمر من قبل ومن بعد ) ، الروم : 4 بالجر والتنوين وقد يرفع روي : فما شربوا بعد بالرفع ثالثها أن يقطع عنها بأن يحذف المضاف إليه لكن ينوي لفظه فيعرب ولا ينون لانتظار المضاف إليه المحذوف رابعا أن يحذف وينوى معناه فيبنى على الضم نحو : ، ( لله الأمر من قبل ومن بعد ) ، الروم : 4 لله الأمر من قبل ومن بعد أي قبل الغلبة وبعدها وعلله ابن مالك بأنه كان حقها البناء في الأحوال كلها لشبهها بالحرف لفظا من حيث إنها لا تتصرف بتثنية ولا جمع ولا اشتقاق ومعنى لافتقارها إلى غيرها في بيان معناها لكن عارض ذلك لزومها للإضافة فأعربت فلما قطعت عنها
ص193
ونوي معنى الثاني دون لفظه أشبهت حروف الجواب في الاستغناء بها عن لفظ ما بعدها فانضم ذلك إلى الشبهين المذكورين فبنيت وفي الإفصاح أكثر النحويين يقولون لما أفردت من مضافها وتضمنته أشبهت الحروف لتعلقها بالمحذوف بعدها معنى تعلق الحروف بغيرها فبنيت لذلك وقد تفتح في هذه الحالة بلا تنوين وقد تضم مع التنوين وكلاهما إعراب حكى هشام رأيته قبل ومن قبل وأنشد :–
( ولا وَجَد العُذْريّ قَبْلَ جَمِيلُ ** )
وأنشد الخليل قوله : –
( فما شربوا بَعْدٌ على لَذةٍ خَمْراً ** )
بالضم والتنوين
ص194
ولا يضاف ( بعد ) لحملة ما لم يكف ب ( ما ) كقوله :-
( أعلاقةً أُمَّ الوُلَيِّدِ بَعْدما ** أفنانُ رأسِكِ كالثّغام المُخْلَس )
قبل أو أمام قدام وراء خلف أسفل يمين شمال فوق تحت عل دون حسب غير
( ص ) ومثله فيما ذكر قبل وأول وأمام وقدام ووراء وخلف وأسفل وتصرف الكل متوسط وأنكره الجرمي ويمين وشمال وفوق وتحت ولا يتصرفان وعل وأنكر ابن أبي الربيع إضافتها لفظا وأثبته الجوهري ودون وحسب لكن نصبهما على الحال وغير بعد ليس قال السيرافي وابن السراج وأبو حيان ولا يجوز فتحها والمختار وفاقا للأخفش إعرابها مطلقا وألحق بعضهم كلا ولا يتصرف مبنيها والصحيح أن أصل ( أول ) أو أل وأنه لا يستلزم ثانيا وإذا وقع اسما صرف وأنث بالتاء بقلة
ص195
مثل ( بعد ) فيما تقدم من إعرابها في الأحوال الثلاثة وبنائها في الحال الرابعة على الضم للعلة المذكورة ( قبل ) و ( أول ) و ( أمام ) و ( قدام ) و ( وراء ) و ( خلف ) و ( أسفل ) و ( يمين ) و ( شمال ) و ( فوق ) و ( تحت ) و ( عل ) و ( دون ) و ( حسب ) و ( غير ) ومن بناء ( قبل ) الآية السابقة ومن تنكيرها قوله :–
( فَساغَ لِيَ الشّرابُ وكُنْتُ قَبْلاً ** )
وقد تقدمت قراءة ( من قبل) بالجر والتنوين ومن نية لفظ المضاف إليه فيه قوله :–
( ومن قَبْل نادي كلُّ مَوْلًى قَرابَةً ** )
ص196
كذا رواه الثقات بكسر اللام وحكى أبو علي ( ابدأ بهذا من أول ) بالفتح على تنكيره ممنوع الصرف وبالضم على نية الإضافة دون قصد إلى لفظ المضاف إليه وبالجر على قصد لفظه قال في الصحاح فإن أظهرت المحذوف نصبت فقلت ابدأ به أول فعلك وقال الشاعر : –
( أمامَ وخَلْفَ المرء من لُطْفِ ربه ** كَوالِئ تَزْوي عنه ما كان يَحْذَرُ )
وحكي الكسائي أفوق تنام أم أسفل بالنصب على تقدير أفوق هذا أم أسفله قال الشاعر : –
( . . . . . . . . . . . ولم يَكُنْ ** لِقَاؤكَ إلاّ من وَرَاءُ وَرَاءُ )
ص197
وقال : -
( لَعْنًا يُشَنُّ عَلَيْهِ من قُدَّامُ ** )
وقال : -
( وأَتْيتُ فَوْق بَنِي كُلَيْب من عَلُ ** )
ص198
وقال : -
( كَجْلْمُودِ صَخْرٍ حَطّهُ السّيلُ من عَلِ ** )
أي من مكان عال ويقال قبضت عشرة فحسب أي فحسبي ذلك وهذا حسبك من أجل وقبضت عشرة ليس غير أي ليس غير ذلك مقبوضا وذكر ابن هشام أن شرطها أن تقع بعد ليس وأن قول الفقهاء ( لا غير ) لحن وليس كما قال فقد صرح السيرافي وابن السراج وأبو حيان بأن ( لا ) كليس في ذلك وأنشد ابن مالك: –
( لَعَنْ عَمَل أسْلَفْتَ لا غَيْرُ تُسْأل ** )
ص199
ويجوز فيها زيادة على أخواتها البناء على الفتح فيقال ليس غير والأخفش يقول بإعرابها في الضم والفتح معا وإن حذف التنوين لانتظار المضاف إليه وعلي الفتح هي خبر ليس والاسم محذوف أي ليس المقبوض غير ذلك ورأيه هو المختار عندي لما تقدم في أي الموصولة ثم النصب في الجمع على الظرفية إلا ( حسب ) فعلي الحالية قال ابن هشام وما أظن نصب ( عل ) موجودا وأنكر ابن أبي الربيع إضافة ( عل ) لفظا لكن الجوهري صرح بجوازه فقال يقال أتيته من عل الدار بكسر اللام قال أبو حيان ومن غريب المنقول ما ذهب إليه محمد بن الوليد من جواز حذف التنوين من كل فتقول كل منطلق جعله غاية مثل ( قبل ) و ( بعد ) حكاه عنه أبو جعفر النحاس وأنكر عليه علي بن سليمان لأن الظروف قد خصت بعلة ليست في غيرها وما بني من الظروف المذكورة فإنه لا يتصرف وأما المعرب منها فذكر ابن مالك أن ( فوق ) و ( تحت ) لا يتصرفان أصلا قال أبو حيان ونص على ذلك الأخفش فقال اعلم أن العرب تقول فوقك
ص200
رأسك وتحتك رجلاك لا يختلفون في نصب الفوق والتحت لأنهم لم يستعملوهما إلا ظرفين أو مجرورين ب ( من ) قال تعالى: ، ( فخر عليهم السقف من فوقهم ) ، النحل : 26 وقال : ، ( تجري من تحتها الأنهار ) ، البقرة : 25 وقد جاء جر فوق بعلى في قوله : –
( فأقسم بالله الّذي اهتَزَّ عَرْشُهُ ** على فَوْق سَبْع . . . . . . . )
وبالباء في قوله : –
( لستَ رهْنًا بفَوْق ما أسْتَطِيعُ ** )
وكلاهما شاذ وأما ( يمين ) و ( شمال ) فكثير تصرفهما كما تقدم وأما ( قبل ) و ( بعد ) والستة بعدهما إلى أسفل فتصرفها متوسط قرئ : ، ( والركب أسفل منكم ) ، بالرفع وقال :-
ص201
( فَغَدَتْ كِلاَ الفَرْجَيْن تحسب أنّهُ ** مَوْلى المخَافةِ خَلْفُها وأَمامُها )
ويقال أما زيد آمن من ورائه وزعم الجرمي أنه لا يجوز استعمالها إلا ظرفا ولا يقاس على استعمالها اسما ولا تضاف ( قبل) أيضا لجملة ما لم تكف ب ( ما ) نحو قبلما وبقي مسائل تتعلق بأول الأولى : الصحيح أن أصله ( أوأل ) بوزن أفعل قلبت الهمزة الثانية واوا ثم أدغمت بدليل قولهم في الجمع أوائل وقيل أصله وول بوزن فوعل قلبت الواو الأولى همزة وإنما لم يجمع على أواول لاستثقالهم اجتماع الواوين بينهما ألف الجمع الثانية الصحيح أن أول لا يستلزم ثانيا وإنما معناه ابتداء الشيء ثم قد يكون له ثان وقد لا يكون تقول هذا أول مال اكتسبته وقد تكتسب بعده شيئا وقد لا تكتسب وقيل إنه يستلزم ثانيا كما أن الآخر يقتضي أولا فلو قال إن كان أول ولد تلدينه ذكرا فأنت طالق فولدت ذكرا ولم تلد غيره وقع الطلاق على الأول دون الثاني الثالثة ل ( أول ) استعمالان
ص202
أحدهما أن تكون صفة أي أفعل تفضيل بمعنى الأسبق فيعطى حكم أفعل التفضيل من منع الصرف وعدم تأنيثه بالتاء ودخول ( من ) عليه نحو هذا أول من هذين ولقيته عام أول والثاني أن يكون اسما فيكون موصوفا نحو لقيته عاما أولا ومنه ما له أول ولا آخر قال أبو حيان وفي محفوظي أن هذا يؤنث بالتاء ويصرف أيضا فيقال أوله وآخره بالتنوين
بين
( بين ) للمكان وقيل للزمان وقال الزنجاني بحسب ما تضاف إليه وتصرفه متوسط ويجب العطف عليه بالواو إن أضيف لمفرد فإن لحقته ( ما ) أو الألف عرض عليه الزمان ولزومه والإضافة للجمل ولو فعلية على الأصح وقيل يضاف لزمن محذوف لا الجملة وقيل ما والألف كافة ولا موضع للجملة وقيل ما كافة والألف إشباع وقيل للتأنيث وتضاف ( بينا ) لمصدر لا بينما على الأصح وقيل هي محذوفة منها وتليت ضرورة بكاف التشبيه وتركب ( بين ) كخمسة عشر فتبنى على الفتح فإن أضيف صدرها جاز بقاء الظرفية أو أضيف إليها تعين زوالها ( ش ) قال أبو حيان أصل بين أن تكون ظرفا للمكان وتتخلل بين شيئين أو ما في تقدير شيئين أو أشياء ثم لحقتها ( ما ) أو الألف لزمت الظرفية الزمانية
ص203
( فبينا نحنُ نرقُبُه أتانا ** )
وقوله :
ص204
( فبَيْنما العُسْرُ إذْ دَارَتْ ميَاسِيرُ ** )
أو فعلية وهو قليل كقوله : –
( فَبَيْنَا نَسُوسُ النّاسَ والأمرُ أَمْرُنا ** )
وتقول بينما أنصفتني ظلمتني ومنع بعضهم إضافتها إلى الفعلية وقال لا تضاف إلا إلى الاسمية وأول البيت ونحوه على إضمار ( نحن ) وزعم ابن الأنباري أن ( بين ) حينئذ شرطية وما ذكر من أن الجملة بعد ( بينا ) و ( بينما ) مضاف إليها نفسها دون حذف مضاف وأنها في موضع جر مذهب الجمهور وذهب الفارسي وابن جني إلى أن إضافتها إلى الجملة على تقدير حذف زمان مضاف إلى الجملة لأن المضاف إلى الجمل ظرف الزمان دون ظرف المكان ولأن ( بين ) تقع على أكثر من واحد لأنها وسط ولا بد من اثنين فما فوقهما والتقدير بينا أوقات زيد قائم أقبل عمرو واختاره ابن الباذش وذهب قوم إلى أن ( ما ) و ( الألف ) كافتان والجملة بعدهما لا موضع لها من الإعراب
ص205
وذهب آخرون إلى أن ( ما ) كافة عن الخفض والألف إشباع لأن كون الألف كافة لم يثبت وثبت كونها إشباعا فالجملة بعد الألف في موضع جر بالإضافة وبعد ( ما ) لا محل لها من الإعراب واختاره المغاربة وزعم قوم أن الألف للتأنيث ووزنها فعلي ورد بأن الظروف كلها مذكرة إلا ما شذ وهو قدام ووراء ولا حاجة إلى الدخول في الشاذ من غير داعية وقد تضاف ( بينا ) إلى المصدر قال : –
( بَيْنا تَعنُّقِه الكُماةَ وَرَوْغِهِ ** )
وألحق بعضهم ( بينما ) بها فأجاز إضافتها إلى مفرد مصدر نحو بينما قيام زيد قام عمرو
ص206
وقال أبو حيان والصحيح أنه لا يجوز لأنه لم يسمع ولا يسوغ قياس بينما على بينا ولا تضاف ( بينا ) إلى مفرد غير مصدر وفاقا قال أبو حيان وسببه أنها تستدعي جوابا فلم يقع بعدها إلا ما يعطي معنى الفعل وذلك الجملة والمصدر من المفردات وقد يحذف خبر المبتدأ بعد ( بينما ) لدلالة المعني عليه كقوله :
( فبينما العسر . . . . . . ** . . . . . . . . . )
كما قد يحذف الجواب لذلك كقوله : –
( فبَيْنا الفتى في ظِل نعماء غَضَّةٍ ** تُبَاكِرُهُ أَفنانُها وتُراوحُ )
( إلى أن رمته الحادِثاتُ بنكْبَة ** يضيقُ بها منه الرِّحابُ الفسائحُ )
وتليت بينا بكاف التشبيه في الشعر قال : –
( بَيْنا كذاك رأينني متَعصِّبًا ** )
ص207
قال أبو حيان وبإضافة ( بينا ) إلى المصدر احتج أبو علي أن ( بينا ) ليست محذوفة من بينما كما قال بعضهم لأن ( بينما ) لا تضاف وإنما هي مكفوفة ب ( ما ) داخلة على الجملتين وتركب ( بين ) كخمسة عشر فتبنى على الفتح كقوله : –
( نَحْمِي حَقِيقَتَنا وبَعْضُ ** القَوْم يَسْقُط بَيْن بَيْنا )
الأصل بين هؤلاء وبين هؤلاء فأزيلت الإضافة وركب الاسمان تركيب خمسة عشر فإن أضيف صدر بين بين إلى عجزها جاز بقاء الظرفية كقولك في أحكام الهمزة التسهيل بين بين وزوالها كقولك بين بين أقيس من الإبدال وإن أضيف إليها تعين زوال الظرفية ومن ثم خطأ أبو الفتح من قال همزة بين بين بالفتح وقال الصواب همزة بين بين بالإضافة
ص208
حيث
حيث للمكان مثلثا وحوث وإعرابها لغة وتلزم الإضافة لجملة وندر لمفرد وقاسه الكسائي وتركها أندر فتعوض ( ما ) وجوز الأخفش وقوعها للزمان وتصرفها نادر وأنكره أبو حيان وفي وقوعها اسم إن ومفعولا خلف وزعمها الزجاج موصولة ( ش) من الظروف المبنية ( حيث ) وعلة بنائها شبهها بالحرف في الافتقار إذ لا تستعمل إلا مضافة إلى جملة وبنيت على الضم تشبيها بقبل وبعد لأن الإضافة للجملة كلا إضافة لأن أثرها وهو الجر لا يظهر ومن العرب من بناها على الفتح طلبا للتخفيف ومنهم من بناها على الكسر على أصل التقاء الساكنين ولغة طيئ إبدال يائها واوا فيقولون حوث وفي ثائها أيضا الحركات الثلاث ولغة فقعس إعرابها يقولون جلست حيث كنت وجئت من حيث جئت فيجرونها ب ( من ) وهي عندهم ك ( عند ) وقرئ : ، ( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ) ، الأعراف : 182 بالكسر فيحتمل الإعراب ولغة البناء على الكسر وسواء في الجملة الاسمية أو الفعلية قال في المغني وإضافتها إلى الفعلية أكثر ولهذا رجح النصب في جلست حيث زيدا أراه وندرت إضافتها إلى المفرد كقوله : –
( ببيض المَواضِي حَيْثُ ليِّ العمائِم ** )
ص209
وقوله : -
( أَمَا تَرَي حَيْثُ سُهَيلِ طَالِعَا ** )
والكسائي يقيسه وأندر من ذلك عدم إضافتها لفظا بأن تضاف إلى جملة محذوفة معوضا منها ( ما ) كقوله :
ص210
( إذا رَيْدَةٌ من حيث ما نَفَحتْ لَهُ ** )
أي من حيث هبت والأصل فيها أن تكون للمكان قال الأخفش وقد ترد للزمان كقوله :–
( لِلْفتى عَقْلٌ يَعِيشُ بهِ ** حَيْثُ تَهْدي سَاقَهُ قُدَامُهْ )
أي حين تهدي ولا تستعمل غالبا إلا ظرفا وندر جرها بالباء في قوله : –
( كان مِنّا بحيث يُعْكِي الإزارُ ** )
وب ( إلى ) في قوله :–
( إلى حَيْثُ أَلْقَتْ رحْلَها أُمُّ قَشْعَمِ ** )
ص211
وب ( في ) في قوله : –
( فأَصْبحَ فِي حيْثُ الْتقَيْنا شَريدُهُم ** )
وقال ابن مالك تصرفها نادر ومن وقوعها مجردة عن الظرفية قوله : –
( إنّ حَيْثُ استقَرَّ مِنْ أَنْتَ رَاعِيه ** حِمًى فيه عِزّة وأَمانُ )
فـ ( حيث ) اسم إن وقال أبو حيان هذا خطأ لأن كونها اسما ل ( إن ) فرغ عن كونها تكون مبتدأ ولم يسمع ذلك فيها البتة بل اسم إن في البيت ( حمي ) و ( حيث ) الخبر لأنه ظرف والصحيح أنها لا تتصرف فلا تكون فاعلا ولا مفعولا به ولا مبتدأ انتهى وقال ابن هشام في المغني الغالب كونها في محل نصب على الظرفية أو خفض ب ( من ) وقد تخفض بغيرها وقد تقع مفعولا وفاقا للفارسي نحو :( الله أعلم حيث يجعل رسالته ) ، الأنعام : 124 إذ المعنى أنه سبحانه يعلم نفس المكان المستحق لوضع الرسالة لا شيئا في المكان وناصبها ( يعلم ) محذوفا مدلولا عليه ( بأعلم ) لا ( بأعلم ) نفسه لأن أفعل التفضيل لا ينصب المفعول به إلا أن أولته بعالم قال ولم يقع اسما ل ( إن ) خلافا لابن مالك انتهى وزعم الزجاج أن ( حيث ) موصولة
دون
دون للمكان وتصرفه قال البصريون ممنوع والأخفش قليل والمختار وفاقا لبعض المغاربة يستثنى به فإن كان بمعنى ( رديء ) فغير ظرف
ص212
من الظروف المبنية في بعض الأحوال ( دون ) كما تقدم ذكره في أخوات ( قبل ) و ( بعد ) وهو للمكان تقول قعد زيد دون عمرو أي في كان منخفض عن مكان وهو ممنوع التصرف عند سيبويه وجمهور البصريين وذهب الأخفش والكوفيون إلى أنه يتصرف لكن بقلة وخرج عليه : ، ( ومنا دون ذلك ) ، الجن : 11 فقال ( دون ) مبتدأ وبني لإضافته إلى مبني والأولون قالوا تقديره ما دون ذلك فحذف ( ما ) وقال الشاعر: –
( وباشَرْتُ حَدَّ الموْتِ والموتُ دُونُها ** )
وقال : -
( وَغَبْرَاءَ يَحْمِي دونُها ما ورَاءَهَا ** )
ويستثنى به ( كسوى ) فيما نقله أبو حيان في شرح التسهيل عن بعض الفقهاء الحنفية ونقله أما ( دون) بمعنى رديء كقولك هذا ثوب دون فليس بظرف وهو متصرف بوجوه الإعراب
ص213
ريث
( ريث ) مصدر استعمل بمعنى الزمان فأضيف للفعل وقد تليه ( ما ) زائدة أو مصدرية وأكثر وقوعه مستثني في منفي ولم يصرحوا ببنائه والعلة قائمة ( ش ) ( ريث ) مصدر راث يريث إذا أبطأ فإذا استعمل في معنى الزمان جاز أيضا أن يضاف إلى الفعل فتقول أتيتك ريث قام زيد أي قدر بطء قيام زيد فلما خرجت إلى ظروف الزمان جاز فيها ما جاز في الزمان هذا كلام أبي الفضل الصفار في شرح كتاب سيبويه ونقله أبو حيان وذكر ابن مالك نحوه ويؤخذ من قوله جاز فيه ما جاز في الزمان أنه مبني كسائر أسماء الزمان المضافة إلى الفعل المبني فلذا ذكرته في الظروف المبنيات ومن شواهده قوله : 840 –
( لا يَصْعَبُ الأمرُ إلاّ رَيْثَ يركَبُهُ ** )
وقوله :
( خَلِيليَّ رفْقاً رَيْث أَقْضِي لُبانةً ** )
وقد يفصل بين ريث والفعل ب ( ما ) قال ابن مالك زائدة أو مصدرية كقوله :
ص214
( مُحيّاه يلقى ينال السؤال ** راجيه ريث ما يَنْثَنِي )
عوض
( عوض ) مثلث لعموم المستقبل وقد يرد للمضي وقد يضاف للعائضين أو يضاف إليه فيعرب وقد يجري كالقسم ( ش ) من الظروف المبنية عوض وهو للوقت المستقبل عموما كأبدأ وقد ترد للمضي كقوله : –
( فلم أَر عاماً عوْضُ أَكْثَرَ هالِكًا ** )
وبني لشبهه بالحرف في إبهامه لأنه يقع على كلّ ما تأخر من الزمان وبناؤه إما على الضم كقبل وبعد أو على الفتح طلبا للخفة أو على الكسر على أصل التقاء الساكنين فإن أضيف إلى العائضين كقولهم لا أفعل ذلك عوض العائضين أي دهر الداهرين أو أضيف إليه كقوله : –
( وَلَوْلاَ نَبْلُ عوْض في ** حظَبّايَ وأَوْصالي )
أعرب في الحالين لمعارضته الشبه بالإضافة التي هي من خصائص الأسماء قال أبو حيان وقد كثر استعمال ( عوض ) حتى أجروه مجرى القسم كقوله :
ص215
( رَضِيعَىْ لِبان ثَدْي أمٍّ تحالَفا ** بأسْحَمَ داج عَوْضُ لا نَتَفرّقُ )
قط
( قط ) مقابل عوض ويختصان بالنفي والأفصح فتح القاف وتشديد الطاء ضما وقال الكسائي أصله قطط ويقال قط وقط وقط وقط وقط وقال الأخفش إن أريد الزمان ضم أو التقليل سكن فإن لقي همز وصل وكسر وترد ( قط ) و ( قد ) اسمي فعل بمعني يكفي مبنيين فقيل الدال بدل من الطاء وقيل قد منقولة من الحرفية وبمعنى حسب فالغالب البناء ويضافان للياء والكاف والظاهر ( ش ) من الظروف المبنية قط وهو مقابل عوض فهي للوقت الماضي عموما وبنيت لشبه الحروف في إبهامه لوقوعها على كل ما تقدم من الزمان وقيل لأنها تضمنت معني ( في ) لأنها لا يحسن فيها بخلاف الظروف وقيل لأنها تضمنت معني منذ فمعنى ما رأيته قط منذ خلقت وقيل لأنها تضمنت معني من الاستغراقية وقيل لافتقارها إلى الجملة وقيل لأنها أشبهت الفعل الماضي لأنها لزمانه وبنيت على الضم تشبيها بقبل وبعد وقد تكسر على أصل التقاء الساكنين وقد تتبع قافه طاءه في الضم وقد تخفف طاؤه مع ضمها وإسكانها فهذه خمس لغات
ص216
وزعم الأخفش أنك إذا أردت بها الزمان تضم أبدا نحو ما رأيت مثله قط فإن قللت ب ( قط ) شيئا سكنت نحو ما عندك إلا هذا قط فإن لقيت ألف وصل كسرت لالتقاء الساكنين نحو ما علمت إلا هذا قط اليوم وما عندك إلا هذا قط الآن وزعم الكسائي أن أصل قط قطط بضم الطاء الأولى وسكون الثانية سكنت الأولى وأدغمت وجعلت الثانية على حركتها قالوا وأصلها مصدر وهو القط بمعنى القطع نقلت إلى الظرف فقولك ما رأيته قط معناه ما رأيته فيما انقطع من عمري وتختص هي و ( عوض ) بالنفي نحو ما أفعله عوض ولا فعلته قط فلا يستعملان في الإيجاب وترد ( قط ) و ( قد ) اسمي فعل بمعني يكفي نحو قد زيدا درهم أي يكفيه وقدني وقطني بنون الوقاية أي يكفيني وليس فيهما إلا البناء على السكون ثم قيل هما كلمتان مستقلتان وقيل الدال بدل من الطاء وقيل ( قد ) هي الحرفية نقلت إلى الاسمية ويرادن أيضا اسمين مرادفين ل ( حسب ) فالغالب حينئذ بناؤهما على السكون لوضعهما على حرفين ويضافان إلى الاسم الظاهر وإلى ياء المتكلم وكاف المخاطب نحو قد زيد درهم وقط زيد درهم وقدي وقطي بلا نون وقدك وقطك وقد يعربان وهو قليل يقال قد زيد أو قط زيد درهم بالرفع كما يقال حسبه درهم
كيف
( كيف ) ويقال ( كي ) اسم يستفهم به عن الخبر قبل ما لا يستغني به والحال قبل ما يستغني ومعناها على أي حال قال سيبويه ظرف وأنكره
ص217
غيره وابن مالك أطلقه مجازا فعلى الأول محلها نصب دائما ويجاب بعلي كذا ( ش ) ( كيف ) اسم لدخول الجار عليها في قولهم على كيف تبيع الأحمرين وإبدال الاسم الصريح منها نحو كيف أنت أصحيح أم سقيم والأخبار بها مع مباشرة الفعل نحو كيف كنت ويقال فيها كي كما يقال في سوف ( سو ) قال : 846 - ( كي تَجْنَحون إلى سِلْم وما تُئِرَتْ ** ) والغالب فيها أن تكون استفهاما إما حقيقا نحو كيف زيد أو غيره نحو ، ( كيف تكفرون بالله ) ، البقرة : 28 وتقع خبرا قبل ما لا يستغنى به نحو كيف أنت وكيف كنت وكيف ظننت زيدا وحالا قبل ما يستغنى نحو جاء زيد أي على أي حالة جاء زيد وإنما بنيت لتضمنها معنى همزة الاستفهام وبنيت على فتحة طلبا للخفة وعن سيبويه أن ( كيف ) ظرف وأنكره الأخفش والسيرافي وقالا هي اسم غير ظرف ورتبوا على الخلاف أمورا أحدها أن موضعها عند سيبويه نصب دائما وعند غيره رفع مع المبتدأ نصب مع غيره الثاني أن تقديرها عنده في أي حال أو على حال وعند غيره تقديرها في نحو كيف زيد أصحيح زيد وفي نحو كيف جاء زيد أراكبا جاء زيد ونحوه الثالث أن الجواب المطابق عند سيبويه أن يقال على خير ونحوه وعند غيره أن يقال صحيح أو نحوه
ص218
وقال ابن مالك لم يقل أحد إن ( كيف ) ظرف إذ ليست زمانا ولا مكانا ولكنها لما كانت تفسر بقولك على أي حال لكونها سؤالا عن الأحوال العامة سميت ظرفا لأنها في تأويل الجار والمجرور واسم الظرف يطلق عليهما مجازا قال ابن هشام وهذا حسن
لدن
لدن الأول غاية زمان أو مكان وتلزم ( من ) غالبا ويقال لدن ولدن ولدن ولدن ولد ولد ولد ولت وإعراب الأولى لغة وترد النون مضافة لمضمر وتضاف لمفرد وجملة خلافا لابن الدهان وسمع نصب ( غدوة ) بعدها تمييزا ورفعها بإضمار ( كان ) ويعطف على ( غدوة ) المنصوبة وجوبا وفاقا لأبي حيان وخلافا للأخفش وابن مالك ( ش ) من الظروف المبنية ( لدن ) وهي لأول غاية زمان أو مكان وبنيت لشبهها بالحرف في لزومها استعمالا واحدا وهي كونها مبتدأ غاية وامتناع الإخبار بها وعنها ولا يبني عليها المبتدأ بخلاف ( عند ) و ( لدي ) فإنهما لا يلزمان استعمالا واحدا بل يكونان لابتداء الغاية وغيرها ويبنى عليهما المبتدأ قال تعالى : ، (وعنده مفاتح الغيب ) ، الأنعمام : 59 ، ( ولدينا مزيد ) ، ق : 35 والغالب اقترانها ب ( من ) نحو : ( ، ( وهب لنا من لدنك ) ، آل عمران : 8 ( وآتيناه من لدنا ) وقد تجرد منها كقوله لدن غدوة لدو شب وإعراب لدن لغة قيسية تشبيها بعند وبه قرأ عاصم : ، ( بأسا شديدا من لدنه ) ، الكهف : 2 بالجر وإشمام الدال الساكنة الضم والأصل من لدنه بضم الدال قال ابن مالك وفيها على غير اللغة القيسية تسع لغات سكون النون مع ضم الدال وفتحها أو كسرها وسكونها مع سكون الدال وفتح اللام أو ضمها وفتح
ص219
النون مع سكون الدال وحذف النون مع سكون الدال وفتح اللام أو ضمها وحذف النون مع ضم الدال وفتح اللام وزاد أبو حيان عاشرة وهي لت بلام مفتوحة وتاء مكسورة قال سيبويه ( ولد ) بلا نون محذوفة من ( لدن ) كما أن ( يك ) محذوفة من ( يكن ) ألا ترى أنك إذا أضفته لمضمر رددته إلى أصله فتقول من لدنه ومن لدني ولا يجوز من لدنك ولا من لده ويجر تالي لدن بالإضافة لفظا إن كان مفردا كقوله : –
( تَنْتَهضُ الرِّعْدَةُ في ظُهَيْري ** منْ لَدُن الظُّهْر إلى العُصَيْر )
وتقديرا إن كان جملة اسمية كقوله : –
( وتذكرُ نُعْماهُ لَدُنْ أَنْتَ يافِعٌ ** )
أو فعلية كقوله : –
( لَدُنْ شَبَّ حتى شابَ سُودُ الذّوائِبِ ** )
ص220
ومنع ابن الدهان من إضافة لدن إلى الجملة وأول ما ورد من ذلك على تقدير أن المصدرية بدليل ظهورها معها في قوله :–
( أرانِي لَدْنُ أَنْ غَاب رَهْطِى ** )
وقوله :-
( وليتَ فلم تَقطَعْ لدن أن وليتنا قرابةً ذي قُرْبى ولا حقَّ مُسْلم)
وسمع نصب ( غدوة) بعدها في قوله : –
( لَدُنْ غدوةً حتى دَنَتْ لِغُروب ** )
وخرج على التمييز وحكى الكوفيون رفع ( غدوة ) بعدها وخرج على إضمار كان أي لدن كانت غدوة قال سيبويه لا تنصب ( لدن ) غير ( غدوة ) ولا تقول ( لدن بكرة ) لأنه لم يكثر في كلامهم وإذا عطف على غدوة المنصوب بعدها فقيل لدن غروة وعشية جاز عند الأخفش في المعطوف الجر على الموضع والنصب على اللفظ وضعف ابن مالك في شرح الكافية النصب وأوجبه أبو حيان ومنع الجر لأن ( غدوة ) عند من نصبه ليس في موضع جر فليس من باب العطف على الموضع قال ولا يلزم من ذلك أن يكون ( لدن ) انتصب بعدها ظرف غير ( غدوة ) وهو غير محفوظ إلا فيها لأنه يجوز في الثواني ما لا يجوز في الأوائل وهذه المسألة مذكورة في الكافية الشافية ساقطة من التسهيل
ص221
لما
لما حرف وجود لوجود وقال ابن السراج والفارسي وابن جني ظرف ك ( إذ ) وتختص بالماضي وتقتضي جملتين وعاملها الجواب ويكون ماضيا قال ابن عصفور ومضارعا وابن مالك واسمية ب ( إذا) أو الفاء وتحذف لدليل ( ش ) من الظروف المبنية ( لما ) التي هي كلمة وجود لوجود والقول بظرفيتها رأي ابن السراج والفارسي وابن جني وجماعة حتى قالوا إنها ظرف بمعني ( حين ) وعبارة ابن مالك بمعنى ( إذ ) قال ابن هشام وهو حسن لأنها مختصة بالماضي وبالإضافة إلى الجملة ومذهب سيبويه وابن خروف أنها حرف وتقتضي جملتين وجدت ثانيتهما عن وجود أولاهما نحو لما جاءني أكرمته والعامل فيها على الظرفية جوابها ويكون فعلا ماضيا اتفاقا كالمثال المذكور وكقوله تعالى : ، ( فلما نجاكم إلى البر أعرضتم ) ، الإسراء : 67 وجوز ابن عصفور كونه مضارعا نحو : ، ( فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا ) ، هود : 74 والجمهور أولوه بالماضي أي جادلنا والجواب محذوف أي أقبل يجادلنا وجوز ابن مالك كونه جملة اسمية مقرونة بالفاء أو بإذا الفجائية نحو : ، (فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ) ، لقمان : 32 ، ( فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) ، العنكبوت : 65 وقيل في آية الفاء إن الجواب محذوف أي انقسموا قسمين وقد يحذف الجواب لدليل كالآية المذكورة
ص222
مذ ومنذ
( مذ ومنذ ) وهي الأصل خلافا لابن ملكون وقيل المحذوف اللام وليست مركبة وقيل أصلها ( من ذو ) وقيل ( من إذ ) وقيل ( من ذا ) وكسر ميمها لغة وسكون مذ قبل حركة وضمها قبل ( ساكن ) أشهر فإن وليهما جملة فظرفان مضافان إليها أو إلى زمان مقدر قولان وقيل مبتدآن خبرهما زمن مقدر أو اسم مرفوع فقال المبرد وابن السراج والفارسي مبتدآن له ومعناهما الأبد في حاضر ومعدود وأول ا لمدة في ماض والأخفش والزجاج والزجاجي ظرفان خبراه ومعناهما بين والكوفية والسهيلي وابن مضاء وابن مالك مضافان لفعل حذف والثاني فاعله وقوم خبر لمحذوف أو مجرور فحرفان وقيل اسمان بمعنى ( من ) في ماض وفي حاضر و ( من ) و ( إلى ) في معدود وأكثر العرب توجب جرهما الحال وترجح جر منذ الماضي ورفع ( مذ) له ويجوز رفع مصدر بعدهما وجره وأن وصلتها ولا يجران مضمرا ولا يلحقان بالمتصرف على الأصح فيهما ( ش ) من الظروف المبنية في بعض الأحوال مذ ومنذ ومنذ بسيطة وقيل مركبة وعليه الكوفيون ثم اختلفوا فقال الفراء أصلها ( من ذو) من الجارة وذو الطائية بمعني الذي وقال غيره أصلها ( من إذ ) حذفت الهمزة فالتقي ساكنان النون والذال فحركت الذال وجعلت حركتها الضمة التي هي أثقل الحركات لأنها ضمنت معني شيئين ( من ) و ( إلى ) إذ قولك ما رأيته منذ يومان معناه من أول هذا الوقت فقامت مقامهما فقويت ثم ضمت الميم إتباعا لحركة الذال وعندي أن التعليل بالحمل على سائر الظروف قبل وبعد وقط وعوض أولي
ص223
ومذ أصله منذ وهي محذوفة منها عند الجمهور بدليل رجوعهم إلى ضم ذال ( مذ ) عند ملاقاة الساكن نحو مذ اليوم ولولا أن الأصل الضم لكسر أو لأن بعضهم يقول مذ زمن طويل فيضم مع عدم الساكن على أن بعض العرب يكسر قبل الساكن على أصل التقاء الساكنين وقال ابن ملكون هما أصلان لأن الحذف والتصريف لا يكونان في الحروف ولا في الأسماء غير المتمكنة ورده الشلوبين بأنه قد جاء الحذف في الحروف ألا تري تخفيفهم إن وأن وكأن وقالوا في لعل تمل وقد جعل سيبويه عل من العلو وكسر ميم مذ ومنذ لغة بني سليم كذا قال ابن مالك وقال أبو حيان حكي اللحياني في نوادره كسر منذ عن بني سليم وكسر مذ عن عكل ولهما ثلاثة أحوال الأول أن يليهما الجملة الاسمية أو الفعلية كقوله :–
( وما زلْت أبغي المالَ مُذْ أنا يافِعٌ ** )
وقوله : –
( ما زَال مُذْ عقَدَت يَداه إزارُه ** )
ص224
وقوله : -
( منذ ابْتُذِلتُ وَمِثْل مَالِكَ يَنْفَعُ ** )
والمشهور أنهما حينئذ ظرفان مضافان فقيل إلى الجملة وعليه سيبويه والسيرافي والفارسي وابن مالك وقيل إلى زمان مضاف إلى الجملة وعليه ابن عصفور لأنهما لا يدخلان عنده إلا على أسماء الزمان ملفوظا بها أو مقدرة فالتقدير في ما رأيته مذ زيد قائم مذ زمن زيد قائم وقيل إنهما حينئذ مبتدآن فيجب تقدير زمان مضاف للجملة يكون هو الخبر وعليه الأخفش الحال الثاني أن يليهما اسم مرفوع نحو مذ يوم الخميس ومنذ يومان وفيهما حينئذ مذاهب أحدها وعليه المبرد وابن السراج والفارسي أنهما حينئذ مبتدآن وما بعدهما خبر وبمعناهما الأمد إن كان الزمان حاضرا أو معدودا وأول المدة إن كان ماضيا هذه عبارة المغني وعبارة أبي حيان وتقديرهما في المنكر الأمد والتقدير أمد انقطاع الرؤية يومان وفي المعرفة أول الوقت والتقدير أو انقطاع الرؤية يوم الخميس الثاني وعليه الأخفش والزجاج والزجاجي أن المرفوع بعدهما مبتدأ ومذ ومنذ ظرفان خبر له كما إذا أضيفا إلى جملة
ص225
ومعناهما بين وبين مضافين فمعني ما لقيته مذ يومان بيني وبين لقائه يومان ولا يخفى ما في هذا من التعسف لأنه تقدير ما لم يصرحوا به في موضع ما الثالث وعليه أكثر الكوفيين والسهيلي وابن مضاء وابن مالك أنهما ظرفان مضافان لجملة حذف فعلها وبقي فاعلها والأصل مذ كان أو مضي يومان قال ابن مالك ويرجحه أن فيه إجراء مذ ومنذ على طريقة واحدة فهو أولى من اختلاف الاستعمال وفيه تخلص من ابتداء بنكرة بلا مسوغ إن ادعي التنكير ومن تعريف غير معتاد إن ادعي التعريف قال أبو حيان وقد يرد بأن الكوفيين إنما قالوا ذلك بناء على رأيهم أنها مركبة من ( من ) و ( ذو الطائية ) أو من ( من ) و ( إذ ) فما بعدهما من الصلة أو المضاف إليه وهما باطلان وبأن إضمار الفعل ليس بقياس الرابع وعليه بعض الكوفيين أن خبر لمبتدأ محذوف بناء على أنها من ( من ) و ( ذو الطائية ) والتقدير ما رأيته من الزمن الذي هو يومان والكلام على هذا القول وما قبله واحدة جملة وعلى الأولين جملتان وعلى هذا اختلف هل الجملة مذ ومنذ ومرفوعهما محل من الإعراب فقال الجمهور لا وقال السيرافي إنها في موضع الحال كأنه قال ما رأيته متقدما ورد بأنها خرجت مخرج الجواب كأنه قيل له ما أمد ذلك قال يومان وبأنه لا رابط فيهما من ضمير أو واو الحال الثالث أن يقع بعدهما اسم مجرور فقيل هما اسمان مضافان لأن الاسمية قد تثبت لهما فلا يخرجان عنها ما أمكن بقاؤهما عليها وقد أمكن ذلك بأن يجعلا ظرفين في موضع نصب بالفعل قبلهما والجمهور على أنهما حينئذ حرفا جر لإيصالهما الفعل إلى ( كم ) كما يوصل حرف الجر تقول منذ كم سرت كما تقول بكم اشتريت ولو كان ظرفين لجاز أن يستغني الفعل بعدهما عن العمل فيهما بإعماله في ضميرهما فكان يقال منذ كم سرت فيه أو سرته إن اتسع كما تقول يوم الجمعة قمت فيه أو قمته ولم تتكلم العرب بذلك وعلي هذا فهما بمعنى ( من ) إن كان الزمان ماضيا وبمعني ( في ) إن كان حاضرا وبمعني ( من ) و ( إلى ) جميعا إن كان معدودا نحو ما رأيته مذ يوم الخميس أو منذ يومنا أو عامنا أو مذ ثلاثة أيام
ص226
وأكثر العرب على وجوب جرهما للحاضر وعلي ترجيح جر منذ للماضي على رفعه وعلي ترجيح رفع مذ للماضي على جره ومن الكثير في منذ قوله : -
( وَرَبْع عَفَت آثارُه مُنْذُ أَزْمان ** )
ومن القليل في ( مذ ) قوله :–
( أَقْوَيْنَ مذ حِجَج ومُذْ دَهْر ** )
ويجوز وقوع المصدر بعدهما نحو ما رأيته مذ قدوم زيد بالرفع والجر وهو على حذف زمان أي منذ زمن قدوم زيد ويجوز وقوع ( أن ) وصلتها بعدهما نحو ما رأيته مذ أن الله خلقني فيحكم على موضعهما بما حكم به للفظ المصدر من رفع أو جر وهو على تقدير زمان أيضا ومذ ومنذ لا يجران إلا الظاهر من اسم الزمان أو المصدر على ما بين وأجاز المبرد أن يجرا مضمر الزمان نحو يوم الخميس ما رأيته منذه أو مذه ورد بأن العرب لم تقله
ص227
ولا يلحق مذ ومنذ بالظروف المتصرفة عند الجمهور من البصريين ومن قال بأنهما مبتدآن في الحال الثاني ألحقهما بالمتصرف
مع
( مع ) لمكان الاجتماع أو وقته وتجر ب ( من ) وتقع خبرا وصلة وصفة وحالا وسكونها قبل حركة وكسرها قبل سكون لغة وليست حينئذ حرف جر خلافا للنحاس وتفرد فتكون حالا بمعنى جميع وغيره بقلة وهل هي حينئذ مقصورة خلاف ولا لسلب الاتحاد في الوقت وفاقا لثعلب وابن خالويه وأبي حيان ( ش ) من الظروف العادمة التصرف ( مع ) وهي اسم لمكان الاجتماع أو وقته تقول زيد مع عمرو وجئت مع العصر ويدل على اسميتها تنوينها في قولك معا ودخول ( من ) عليها في قولهم ذهب من معه وقرئ ، ( هذا ذكر من معي ) ، الأنبياء : 24 قال ابن مالك وكان حقه البناء لشبهه بالحروف في الجمود المحض وهو لزوم وجه واحد من الاستعمال والوضع الناقص إذ هي على حرفين بلا ثالث محقق العود إلا أنها أعربت في أكثر اللغات لمشابهتها ( عند ) في وقوعها خبرا وصفة وحالا وصلة ودالا على حضور وعلي قرب فالحضور ك ، ( نجني ومن معي ) ، الشعراء : 118 والقرب ك ، ( إن مع العسر يسرا ) ، الشرح : 6 وتسكينها قبل حركة نحو زيد مع عمرو وكسرها قبل سكون نحو زيد مع القوم لغة ربيعة وحركتها حركة إعراب فلذلك تأثرت بالعوامل في من معه ومن سكن بني وهو القياس واسميتها حين السكون باقية على الأصح كما يشعر به كلام سيبويه لأن معناها مبنية ومعربة واحد وزعم النحاس أنها حينئذ حرف جر وليس بصحيح انتهى
ص228
وبذلك عرف وجه ذكر ( مع ) في الظروف المبنيات لأنها مبنية في بعض اللغات مع التصريح في أول الكتاب بإعرابها وتفرد عن الإضافة فتكون في الأكثر منصوبة على الحال نحو جاء زيد وبكر معا وقل وقوعها في موضع رفع خبرا كقوله :
( أَفيقُوا بني حَرْبٍ وأَهْواؤُنا معاً ** )
وقوله :-
( أَكُفُّ صِحَابِي حِينَ حَاجَاتُنا مَعَا ** )
واختلف في ( معا ) فذهب الخليل وسيبويه وصححه أبو حيان إلى أن فتحتها إعراب كما في حال الإضافة والكلمة ثنائية اللفظ حين الإفراد وحال الإضافة وذهب يونس والأخفش وصححه ابن مالك إلى أن فتحتها كفتحة تاء فتي وأنها حين أفردت رد إليها المحذوف وهو لام الكلمة فصار مقصورا وأيده ابن مالك بوقوعه كذلك حالة الرفع كالمقصور ورده أبو حيان بأن شأن الظرف غير المتصرف إذا أخبر به أن يبقى على نصبه ولا يرفع تقول الزيدان عندك وذهب ابن مالك إلى أنها في الإفراد مساوية لمعني ( جميع ) قال أبو حيان وليس بصحيح فقد قال ثعلب إذا قلت جاءا جميعا احتمل أن فعلهما في وقت أو وقتين وإذا قلت جاءا معا فالوقت واحد وكذا ذكر ابن خالويه أنها باقية الدلالة على الاتحاد في الوقت
ص229
الزمن المبهم المضاف لجملة
ومنها كل زمن مبهم مضاف لجملة فإن صدرت بمبني فبناؤه راجح أو معرب فمرجوح ومنعه البصرية أو ( ما ) أو ( لا ) لم تتغير أو ( لا ) التبرئة فكذلك وقد يجر اسمها ويرفع ومنع سيبويه إضافة مستقبل لاسمية وجوزه الأخفش وابن مالك ( ش ) من الظروف التي تبنى جوازا لا وجوبا كل أسماء الزمان المبهمة إذا أضيفت إلى الجمل والمراد بالمبهمة ما لا يختص بوجه ك ( حين ) ومدة ووقت وزمن وما يختص بوجه دون وجه كنهار وصباح ومساء وغداة وعشية بخلاف ما يختص بتعريف أو غيره ك ( أمس ) وغد فإنه لا يضاف إلى الجمل ومنه المحدود والمعدود والموقت كيومين وليلتين وأسبوع وشهر وسنة فلا يضاف شيء من ذلك إلى الجمل على الصحيح عند ابن مالك وغيره ويضاف الجميع إليها كالمفرد وسواء في الجمل الفعلية والاسمية لكن البناء راجح فيما كان صدرها مبنيا نحو : ( كيوم ولدته أمه ): –
( على حِينَ عاتبْتُ المَشِيبَ على الصِّبًا ** وَقُلْتُ أَلَمِّا أَصْحُ وَالشّيْبُ وَازعُ )
ص230
( على حِينَ يستَصْبين كُلَّ حَليمِ ** )
مرجوح فيما كان صدرها معربا قرأ نافع : ، ( هذا يوم ينفع الصادقين ) ، المائدة : 119 بالبناء وقرأ الستة بالإعراب وقال الشاعر :
ص231
( على حِينَ لا بَدْوٌ يُرَجّي ولا حَضَرْ ** )
وقال :
( كريم على حينَ الكِرامُ قَلِيلُ ** )
وقال :
( عَلَى حِينَ التّواصُل غَيْرُ دَاني ** )
ص232
رويت الثلاثة بالفتح ومنع البصريون البناء في هذا القسم وأوجبوا الإعراب وأيد ابن مالك مذهب الكوفيين بالسماع لقراءة نافع السابقة والأبيات وإن صدرت الجملة ب ( ما ) أو ( لا ) أختي ليس لم يختلف الحكم من بقاء رفعهما الاسم ونصبهما الخبر والإضافة بحالها كقوله : –
( على حِينَ ما هذا بحين تَصَابِ ** )
وقوله : -
( وكُنْ لي شفيعاً يوم لا ذو شفَاعة ** بمغن فتيلاً عن سَوادِ بن قاربِ )
وإن صدرت ب ( لا ) التبرئة بقي اسمها أيضا على ما كان من بناء أو نصب وقد يجر وقد يرفع حكي جئتك يوم لا حر ولا برد بالبناء وبالجر وبالرفع وقال :–
( تركتني حِينَ لا مالٌ أعيش به ** )
بالرفع
ص233
ومذهب سيبويه أن الظرف إذا كان بمعنى المستقبل تعين إضافته للفعلية ولا يجوز إضافته إلى الاسمية لأنه حينئذ بمعنى ( إذا) وهي لا تضاف إليها فلا يقال آتيك حين زيد ذاهب بخلاف الذي بمعنى الماضي فإنه بمعنى ( إذ ) فيضاف للفعلية والاسمية معا كهي وذهب الأخفش إلى جواز إضافة المستقبل إلى الاسمية أيضا وصححه ابن مالك مستدلا بنحو قوله تعالى: ( يوم هم بارزون ) ، غافر : 16 قال أبو حيان إنما أجاز الأخفش ذلك لأنه يجيز في ( إذا ) أن تضاف إلى الاسمية فكذا ما هو بمعناها ( ص ) أو لمبني وألحق به في ذلك ناقص الدلالة ك ( غير ) و ( مثل ) والمختار وفاقا لابن مالك لا يبنى مضاف لمبني مطلقا ( ش ) من الظروف التي تبنى جوازا لا وجوبا أسماء الزمان المبهمة إذا أضيفت إلى مبني مفرد نحو ( يومئذ ) و ( حينئذ ) وألحق بها الأكثرون كل اسم ناقص الدلالة ك ( غير ) و ( مثل ) و ( دون ) و ( بين ) فبنوه إذا أضيف إلى مبني نحو ما قام أحد غيرك وقال تعالى : ، ( إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون ) ، الذاريات : 23 وقرئ : ( أَن يُصِيبُكُم مِثْلَ مَا أَصَابَ ) هود : 89 بفتح اللام وقال : ، ( ومنا دون ذلك ) ، الجن : 11 ، ( لقد تقطع بينكم ) ، الأنعام : 94 وقال الشاعر:–
( وإذْ ما مِثْلَهُم بَشَرُ ** )
ص234
وقال : -
( لم يَمْنَعِ الشُّرْبَ منها غَيْرَ أَن نطَقَتْ ** )
والقول ببناء المضاف إلى ياء المتكلم من شعب هذا الأصل وذهب ابن مالك إلى أنه لا يبني مضاف إلى مبني بسبب إضافته إليه أصلا لا ظرفا ولا غيره لأنه الإضافة من خصائص الأسماء التي تكف سبب البناء وتغليه في غير موضع فكيف تكون داعية إليه والفتحات في الشواهد السابقة حركات إعراب ف (مثل ) في الآية الأولى حال من ضمير ( لحق ) المستكن وفي الثانية مصدر أو حال وفاعل يصيبكم (الله ) وفي البيت حال و ( غير ) في المثال والبيت حال أو مستثنى و ( دون ) و ( بين) منصوبان على الظرفية وهذا الذي ذهب إليه هو المختار ( ص ) ولا يحلق الرابط الجملة المضاف إليها إلا نادرا (ش) قال ابن مالك كل مضاف إلى جملة مقدر الإضافة إلى مصدر من معناها ومن أجل ذلك لا يعود منها ضمير إلى المضاف إليها كما لا يعود من المصدر فإن سمع ذلك عد نادرا كقوله :–
( مضت مِائَةٌ لِعَام وُلِدْتُ فيهِ ** )
ص235
وقوله : -
( وتسخن ليْلَةَ لا يستطيع ** نُباحاً بها الكلْبُ إلاّ هَريرا )
والمعروف أنه إذا كان في الجملة ضمير فصلت عن الإضافة وجعلت صفة كقوله تعالى : ( واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله) ، البقرة : 281
ص236
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|