أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-10-2015
3283
التاريخ: 19-6-2022
1367
التاريخ: 7-4-2016
3425
التاريخ: 23-6-2022
1767
|
رد الامام على معاوية واعوانه من الامويين في مجلس الشام فوجّه خطابه أولا الى معاوية قائلا :
يا معاوية ما هؤلاء شتموني ولكنك شتمتني فحشا ألفته وسوء رأي عرفت به وخلقا سيئا ثبّت عليه وبغيا علينا عداوة منك لمحمد (صلى الله عليه واله) ولكن اسمع يا معاوية واسمعوا فلأقولن فيك وفيهم ما هو دون ما فيكم ؛ أنشدكم الله أيها الرهط أتعلمون ان الذي شتمتموه منذ اليوم صلى القبلتين كلتيهما؟ وأنت يا معاوية بهما كافر تراهما ضلالة وتعبد اللات والعزى غواية ؛ وأنشدكم الله هل تعلمون أنه بايع البيعتين كلتيهما بيعة الفتح وبيعة الرضوان؟ وأنت يا معاوية بأحداهما كافر وبالأخرى ناكث ؛ وأنشدكم الله هل تعلمون أنه أول الناس إيمانا؟ وإنك يا معاوية وأباك من المؤلفة قلوبهم تسرّون الكفر وتظهرون الإسلام وتستمالون بالأموال ؛ وأنشدكم الله ألستم تعلمون أنه كان صاحب راية رسول الله (صلى الله عليه واله) يوم بدر وإن راية المشركين كانت مع معاوية ومع أبيه ثم لقيكم يوم احد ويوم الأحزاب ومعه راية رسول الله (صلى الله عليه واله) ومع أبيك راية الشرك وفي كل ذلك يفتح الله له ويفلج حجته وينصر دعوته ويصدق حديثه ورسول الله (صلى الله عليه واله) في تلك المواطن كلها عنه راض وعليك وعلى أبيك ساخط ؛ وأنشدك بالله يا معاوية أتذكر يوم جاء أبوك على جمل أحمر وأنت تسوقه وأخوك عتبة هذا يقوده فرآكم رسول الله (صلى الله عليه واله) فقال : اللهم العن الراكب والقائد والسائق ؛ أتنسى يا معاوية الشعر الذي كتبته الى أبيك لمّا همّ أن يسلم تنهاه عن ذلك؟.
يا صخر لا تسلمن يوما فتفضحنا بعد الذين ببدر أصبحوا مزقا
خالي وعمي وعم الأم ثالثهم وحنظل الخير قد أهدى لنا الارقا
لا تركنن الى أمر تكلفنا والراقصات به في مكة الخرقا
فالموت أهون من قول العداة لقد حاد ابن حرب عن العزى إذا فرقا
والله لما أخفيت من أمرك أكبر مما أبديت وأنشدكم الله أيها الرهط أتعلمون أن عليا حرم الشهوات على نفسه بين أصحاب رسول الله (صلى الله عليه واله) فأنزل فيه : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 87] وإن رسول الله (صلى الله عليه واله) بعث أكابر أصحابه الى بني قريضة فنزلوا من حصنهم فهزموا فبعث عليا بالراية فاستنزلهم على حكم الله وحكم رسوله وفعل في خيبر مثلها ثم قال : يا معاوية أظنك لا تعلم أني أعلم ما قاله رسول الله (صلى الله عليه واله) فيك لما أراد أن يكتب كتابا الى بني خزيمة فبعث إليك فلم تأته فدعا عليك بالنهم الى أن تموت وأنتم أيها الرهط نشدتكم الله ألا تعلمون أن رسول الله (صلى الله عليه واله) لعن أبا سفيان في سبعة مواطن لا تستطيعون ردها : أولها يوم لقي رسول الله (صلى الله عليه واله) خارجا من مكة الى الطائف يدعو ثقيفا الى الدين فوقع به وسبه وسفهه وشتمه وكذبه وتوعده وهمّ أن يبطش به فلعنه الله ورسوله وصرف عنه ؛ الثانية يوم العير إذ عرض لها رسول الله (صلى الله عليه واله) وهي جائية من الشام فطردها أبو سفيان وساحل بها فلم يظفر المسلمون بها ولعنه رسول الله (صلى الله عليه واله) ودعا عليه فكانت واقعة بدر لأجلها.
الثالثة يوم احد حيث وقف تحت الجبل ورسول الله (صلى الله عليه واله) في أعلاه وهو ينادي أعل هبل مرارا فلعنه رسول الله (صلى الله عليه واله) عشر مرات ولعنه المسلمون.
الرابعة يوم جاء بالأحزاب وغطفان اليهود فلعنه رسول الله (صلى الله عليه واله) وابتهل.
الخامسة يوم جاء أبو سفيان في قريش فصدوا رسول الله (صلى الله عليه واله) عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله يوم الحديبية فلعن رسول الله أبا سفيان ولعن القادة والأتباع وقال : ملعونون كلهم وليس فيهم من يؤمن فقيل : يا رسول الله أفما يرجى الإسلام لأحد منهم فكيف باللعنة؟ فقال : لا تصيب اللعنة أحدا من الأتباع وأما القادة فلا يفلح منهم أحد.
السادسة يوم الجمل الأحمر.
السابعة يوم وقفوا لرسول الله (صلى الله عليه واله) في العقبة ليستنفروا ناقته وكانوا اثنى عشر رجلا منهم أبو سفيان فهذا لك يا معاوية ؛ وأنزل (عليه السلام) بكلامه معاوية من قصره الى قبره ومن عرشه الى نعشه وتركه والحزن يحز في نفسه ؛ ثم التفت (عليه السلام) الى عمرو بن العاص فقال له : وأما أنت يا ابن العاص فان أمرك مشترك وضعتك أمك مجهولا من عهر وسفاح فتحاكم فيك أربعة من قريش فغلب عليك جزارها ألأمهم حسبا وأخبثهم منصبا ثم قام أبوك فقال : أنا شانئ محمد الأبتر فأنزل الله فيه ما أنزل وقاتلت رسول الله (صلى الله عليه واله) في جميع المشاهد وهجوته وآذيته بمكة وكدته كيدك كله وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة ثم خرجت تريد النجاشي مع أصحاب السفينة لتأتي بجعفر وأصحابه الى أهل مكة فلما أخطأك ما رجوت وأرجعك الله خائبا وأكذبك واشيا جعلت حدك على صاحبك عمارة بن الوليد فوشيت به الى النجاشي حسدا لما ارتكب من حليلته ففضحك الله وفضح صاحبك فأنت عدو بني هاشم فى الجاهلية والإسلام ثم انك تعلم وكل هؤلاء الرهط يعلمون انك هجوت رسول الله (صلى الله عليه واله) بسبعين بيتا من الشعر فقال رسول الله (صلى الله عليه واله) : اللهم إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي اللهم العنه بكل حرف الف لعنة فعليك إذا من الله ما لا يحصى من اللعن وأما ما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعرت عليه الدنيا نارا ثم لحقت بفلسطين فلما أتاك قتله قلت : أنا أبو عبد الله إذا نكأت قرحة أدميتها ثم حبست نفسك الى معاوية وبعت دينك بدنياه فلسنا نلومك على بغض ولا نعاتبك على ود وبالله ما نصرت عثمان حيا ولا غضبت له مقتولا ويحك يا ابن العاص ألست القائل في بني هاشم لما خرجت من مكة الى النجاشي :
تقول ابنتي أين هذا الرحيل وما السير مني بمستنكر
فقلت ذريني فاني امرؤ اريد النجاشي فى جعفر
لأكويه عنده كية اقيم بها نخوة الأصعر
وشأني أحمد من بينهم وأقولهم فيه بالمنكر
فهذا جوابك هل سمعته؟
لقد ذكر (عليه السلام) ما هو ماثل في ابن العاص من الرذائل والمخازي ومن الحقد العارم للإسلام والمسلمين واشتراكه في دم عثمان وانضمامه بعد ذلك الى معاوية طمعا بدنياه ؛ ثم التفت (عليه السلام) الى الوليد بن عاقبة فقال له : وأما أنت يا وليد فو الله ما ألومك على بغض علي وقد جلدك ثمانين جلدة في الخمر وقتل أباك بين يدي رسول الله (صلى الله عليه واله) وأنت الذي سماه الله الفاسق وسمى عليا المؤمن حيث تفاخرتما فقلت له : أسكت يا علي فأنا أشجع منك جنانا وأطول منك لسانا. فقال لك علي : أسكت يا وليد فأنا مؤمن وأنت فاسق فأنزل الله في موافقة قوله : {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ} [السجدة: 18] ثم أنزل على موافقة قوله : {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6] , ويحك يا وليد مهما نسيت فلا تنس قول الشاعر فيك وفيه ثم ذكر (عليه السلام) الأبيات التي قيلت فيه :
ليس من كان مؤمنا عمرك الله كمن كان فاسقا خوانا
سوف يدعى الوليد بعد قليل وعلي الى الحساب عيانا
فعلي يجزى بذاك جنانا ووليد يجزى بذاك هوانا
وما أنت وقريش إنما أنت علج من أهل صفورية وأقسم بالله لأنت أكبر في الميلاد واسن ممن تدعى إليه .
ان السبب الداعي الى بغض الوليد وعدائه الى أمير المؤمنين (عليه السلام) ان الإمام مثال للإيمان والوليد رمز للكفر ومن المعلوم ان التضاد بين الإيمان والكفر تضاد ذاتي وتنافر طبيعي ومضافا الى ذلك فان أمير المؤمنين قد جلده ثمانين جلدة لشربه الخمر وقد أولد ذلك في نفسه عداء لأمير المؤمنين أي عداء وبعد ما أخزى (عليه السلام) الوليد.
ثم التفت الى عتبة بن أبي سفيان فقال له : وأما أنت يا عتبة فو الله ما أنت بحصيف فأجيبك ولا عاقل فأحاورك وأعاتبك وما عندك خير يرجى ولا شر يتقى وما عقلك وعقل أمتك إلا سواء وما يضر عليا لو سببته على رؤوس الأشهاد وأما وعيدك إياي بالقتل فهلا قتلت اللحياني إذ وجدته على فراشك , أما تستحيي من قول نصر بن الحجاج فيك :
يا للرجال وحادث الأزمان ولسبة تخزي أبا سفيان
نبئت عتبة خانه في عرسه جنس لئيم الأصل من لحيان
وبعد هذا ما أربأ بنفسي عن ذكره لفحشه فكيف يخاف أحد سيفك ولم تقتل فاضحك؟!! وكيف ألومك على بغض علي وقد قتل خالك الوليد مبارزة يوم بدر واشترك مع حمزة فى قتل جدك عتبة وأوحدك من أخيك حنظلة في مقام واحد؟!! .
لقد بين (عليه السلام) سفاهة عتبة وعدم عقله وفقدانه الشرف وان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد حصد ببتاره رأس جده وخاله وأخيه يوم بدر فلهذا كان يكنّ في نفسه الحقد والبغض له ثم التفت (عليه السلام) بعد ذلك الى المغيرة بن شعبة فقال له : وأما أنت يا مغيرة فلم تكن بخليق أن تقع في هذا وشبهه وإنما مثلك مثل البعوضة إذ قالت للنخلة : استمسكي فاني طائرة عنك . فقالت النخلة : وهل علمت بك واقعة عليّ فأعلم بأنك طائرة عنى ؛ والله ما نشعر بعداوتك إيانا ولا اغتممنا إذ علمنا بها ولا يشق علينا كلامك وإن حدّ الله فى الزنا لثابت عليك ولقد درأ عمر عنك حقا الله سائله عنه ولقد سألت رسول الله (صلى الله عليه واله) هل ينظر الرجل الى المرأة يريد أن يتزوجها؟ فقال : لا بأس بذلك يا مغيرة ما لم ينو الزنا لعلمه بأنك زان وأما فخركم علينا بالامارة فان الله تعالى يقول : {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} [الإسراء: 16] وانتهى بذلك حديث الإمام مع خصومه وقد دلهم (عليه السلام) على عيوبهم ورذائلهم النفسية والنسبية وكشف الستار عن مخازيهم وسلبهم ثوب الافتخار وترك (عليه السلام) الكمد والحزن يحزان في نفوسهم فلما أراد الانصراف تعلق بطرف ثوبه ابن العاص وهو يقول : يا أمير المؤمنين قد شهدت قوله فى قذف أمي وأنا مطالب له بحق القذف .
فصاح به معاوية في غيظ : خل عنه لا جزاك الله خيرا ؛ ثم التفت الى بطانته منددا بهم ولائما لهم على عصيانهم ومخالفتهم له قائلا : قد أنبأتكم أنه ممن لا يطاق عارضته ونهيتكم أن تسبوه فعصيتموني والله ما قام حتى أظلم عليّ البيت قوموا عني فلقد فضحكم الله وأخزاكم بترككم الحزم وعدولكم عن رأي الناصح المشفق والله المستعان .
واجتمع معاوية مع بطانته فجعل بعضهم يفخر على بعض ويتطاولون فيما بينهم فأراد معاوية أن يضحك على ذقونهم فقال لهم : أكثرتم الفخر فلو حضركم الحسن بن علي (عليه السلام) وعبد الله بن عباس لقصرا من أعنتكم ما طال .
فاندفع زياد بن سمية فقال : وكيف ذلك يا أمير المؤمنين؟ ما يقومان لمروان بن الحكم فى غرب منطقه ولا لنا فى بواذخنا فابعث إليهما فى غد حتى تسمع كلامنا ؛ فالتفت معاوية الى وزيره ابن العاص يستشيره فى ذلك : ما تقول؟ .
ابعث إليهما فى غد ؛ وبعث معاوية ابنه يزيد خلفهما فلما حضرا قال لهما معاوية : إني أجلكما وارفع قدركما عن المسامرة بالليل ولا سيما أنت يا أبا محمد فانك ابن رسول الله (صلى الله عليه واله) وسيد شباب أهل الجنة .
فشكر الإمام وابن عباس مقالته واندفع ابن العاص قائلا : يا حسن إنا قد تفاوضنا فقلنا إن رجال بني أمية أصبر عند اللقاء وأمضى في الوغى وأوفى عهدا وأكرم خيما وأمنع لما وراء ظهورهم من بني عبد المطلب ؛ ثم سكت وتكلم من بعده مروان بن الحكم فقال : وكيف لا نكون كذلك وقد قارعناكم فغلبناكم وحاربناكم فملكناكم فان شئنا عفونا وإن شئنا بطشنا .
وسكت مروان فتكلم زياد فقال : ما ينبغي لهم أن ينكروا الفضل لأهله ويجحدوا الخير في سلطانه نحن أهل الحملة في الحروب ولنا الفضل على سائر الناس قديما وحديثا .
فانبرى إليهم الامام كالأسد محطما لكيانهم ومبيدا لفخرهم قائلا : ليس من العجز أن يصمت الرجل عند إيراد الحجة ولكن من الإفك أن ينطق الرجل بالخنا ويصور الباطل بصورة الحق ثم وجّه (عليه السلام) خطابه الى عمرو بن العاص فقال له : يا عمرو افتخارا بالكذب وجرأة على الإفك ما زلت اعرف مثالبك الخبيثة أبديها مرة وأمسك عنها اخرى فتأبى إلا انهماكا فى الضلالة أتذكر مصابيح الدجى واعلام الهدى وفرسان الطراد وحتوف الأقران وابناء الطعان وربيع الضيفان ومعدن النبوة ومهبط العلم؟ وزعمتم انكم أحمى لما وراء ظهوركم وقد تبين ذلك يوم بدر حين نكصت الأبطال وتساورت الأقران واقتحمت الليوث واعتركت المنية وقامت رحاها على قطبها و أفترت عن نابها وطار شرار الحرب فقتلنا رجالكم ومنّ النبي (صلى الله عليه واله) على ذراريكم فكنتم لعمري في ذلك اليوم غير مانعين لما وراء ظهوركم من بني عبد المطلب ؛ ثم التفت (عليه السلام) الى مروان فقال له : وأما أنت يا مروان فما أنت والإكثار فى قريش وأنت طليق وأبوك طريد يتقلب من خزاية الى سوأة ولقد جيء بك الى أمير المؤمنين فلما رأيت الضرغام قد دميت براثنه واشتبكت أنيابه كنت كما قال القائل :
ليث إذا سمع الليوث زئيره بصبصن ثم قذفن بالأبعار
فلما منّ عليك بالعفو وأرخى خناقك بعد ما ضاق عليك وغصصت بريقك لم تقعد معنا مقعد أهل الشكر ولكن تساوينا وتجارينا ونحن مما لا يدركنا عار ولا تلحقنا خزاية ؛ ثم وجّه (عليه السلام) خطابه إلى زياد فقال له : وما أنت يا زياد وقريشا لا أعرف لك فيها أديما صحيحا ولا فرعا نابتا ولا قديما ثابتا ولا منبتا كريما بل كانت أمك بغيا تداولها رجال من قريش وفجار العرب فلما ولدت لم تعرف لك العرب والدا فادعاك هذا بعد ممات أبيه مالك افتخار تكفيك سمية ويكفينا رسول الله (صلى الله عليه واله) وأبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) سيد المؤمنين الذي لم يرتد على عقبيه وعمي حمزة سيد الشهداء وجعفر الطيار وأنا وأخي سيدا شباب أهل الجنة ؛ وبعد ما القم الحجر أفواه خصومه التفت الى ابن عباس قائلا : يا ابن العم إنما هي بغاث الطير انقضّ عليها أجدل ؛ وأراد ابن عباس أن يتكلم فخاف معاوية من حديثه فأقسم عليه أن يسكت فسكت ثم خرج الإمام وابن عباس فالتفت معاوية الى بطانته مستهزئا بهم : أجاد عمرو الكلام لو لا أن حجته دحضت وتكلم مروان : لو لا انه نكص ؛ ثم التفت الى زياد فأنكر عليه هذا التدخل قائلا : ما دعاك الى محاورته ما كنت إلا كالحجل فى كف البازي ؛ والتفت ابن العاص الى معاوية : ألا رميت من ورائنا؟ إذا كنت شريككم فى الجهل أفاخر رجلا رسول الله جدّه وهو سيد من مضى ومن بقى وأمّه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ؛ ثم التفت الى ابن العاص : والله لئن سمع به أهل الشام لهي السوءة السواء ؛ فقال عمرو : لقد أبقى عليك ولكنه طحن مروان وزيادا طحن الرحا بثفالها ووطأهما ووطئ البازل القراد بمنسمه.
واندفع زياد يؤيد مقالة ابن العاص في تحطيم الإمام لهم قائلا : قد والله فعل ولكن معاوية يأبى إلا الإغراء بيننا وبينهم لا جرم والله لا شهدت مجلسا يكونان فيه إلا كنت معهما على من فاخرهما , وخلا ابن عباس بالإمام فقبّل ما بين عينيه وأظهر له الإعجاب بحديثه ورده على هؤلاء الأوغاد قائلا : أفديك يا ابن العم والله ما زال بحرك يزخر وأنت تصول حتى شفيتني من أولاد البغايا .
وغاب الإمام عن دمشق أياما ثم رجع إليها فدخل على معاوية وكان في مجلسه عبد الله بن الزبير فلما رأى معاوية الإمام قام إليه فاستقبله وبعد ما استقر به المجالس التفت إليه قائلا : يا أبا محمد إني أظنك تعبا نصبا فأت المنزل فأرح نفسك فيه ؛ وخرج الإمام من عنده والتفت معاوية الى عبد الله بن الزبير مغريا له : لو افتخرت على الحسن فانك ابن حواري رسول الله (صلى الله عليه واله) وابن عمته ولأبيك في الإسلام نصيب وافر ؛ فانخدع ابن الزبير بمقالة معاوية فأظهر له الاستعداد على مطاولة الإمام ومفاخرته قائلا : أنا له .
وانصرف ابن الزبير وقد انفق ليله ساهرا وهو يفكر بما ذا سيوصم به الإمام؟ فلما أصبح جاء يشتد الى مجلس معاوية ليطاول الإمام ويعتدي عليه حتى يرضي عواطف معاوية وأقبل الامام (عليه السلام) فقام إليه معاوية واحتفى به ولما استقر به المجالس اندفع ابن الزبير قائلا : لو لا انك خوار في الحرب غير مقدام ما سلمت لمعاوية الأمر وكنت لا تحتاج الى اختراق السهوب وقطع المفاوز تطلب معروفه وتقوم ببابه وكنت حريا أن لا تفعل ذلك وأنت ابن علي فى بأسه ونجدته فما أدري ما الذي حملك على ذلك؟ أضعف في الرأي أم وهن نحيزة فما أظن لك مخرجا من هاتين الخلتين أما والله لو استجمع لي ما استجمع لك لعلمت أني ابن الزبير وإني لا أنكص عن الأبطال وكيف لا أكون كذلك وجدتي صفية بنت عبد المطلب وأبي الزبير من حواري رسول الله (صلى الله عليه واله) وأشد الناس بأسا وأكرمهم حسبا فى الجاهلية ، وأطوعهم لرسول الله (صلى الله عليه واله) ؛ واندفع الامام فردّ عليه أباطيله وبهتانه قائلا : أما والله لو لا أن بني أميّة تنسبني الى العجز عن المقال لكففت عنك تهاونا ولكن سأبين لك ذلك لتعلم أني لست بالعي ولا الكليل اللسان إياي تعيّر وعليّ تفتخر؟! ولم يكن لجدك بيت في الجاهلية ولا مكرمة فزوجته جدتي صفية بنت عبد المطلب فبذخ على جميع العرب بها وشرف بمكانها فكيف تفاخر من هو من القلادة واسطتها ومن الأشراف سادتها نحن اكرم أهل الأرض زندا؟ لنا الشرف الثاقب والكرم الغالب ثم تزعم أني سلمت الأمر فكيف يكون ذلك ويحك ـ كذلك.؟ ـ وأنا ابن أشجع العرب وقد ولدتني فاطمة سيدة نساء العالمين (عليه السلام) وخيرة الاماء لم أفعل ذلك ويحك جبنا ولا ضعفا ولكنه بايعني مثلك وهو يطلبني بترة ويداجيني المودة ولم أثق بنصرته لأنكم أهل بيت غدر وكيف لا يكون كما أقول :؟ وقد بايع أبوك أمير المؤمنين ثم نكث بيعته ونكص على عقبيه واختدع حشية من حشايا رسول الله (صلى الله عليه واله) ليضل بها الناس فلما دلف نحو الأعنة ورأى بريق الأسنة قتل مضيعة لا ناصر له وأتى بك أسيرا قد وطأتك الكماة بأظلافها والخيل بسنابكها واعتلاك الأشتر فغصصت بريقك وأقعيت على عقبيك كالكلب إذا احتوشته الليوث فنحن ويحك نور البلاد وأملاكها وبنا تفخر الأمة وإلينا تلقى مقاليد الأزمة أتصول وأنت تخدع النساء!! ثم تفخر على بني الأنبياء لم تزل الأقاويل منا مقبولة وعليك وعلى أبيك مردودة دخل الناس في دين جدي طائعين وكارهين ثم بايعوا أمير المؤمنين (عليه السلام) فسار الى أبيك وطلحة حين نكثا البيعة وخدعا عرس رسول الله (صلى الله عليه واله) فقتل أبوك وطلحة وأتي بك أسيرا فبصبصت بذنبك وناشدته الرحم أن لا يقتلك فعفا عنك فأنت عتاقة أبي وأنا سيدك وسيد أبيك فذق وبال أمرك ؛ وخجل ابن الزبير وندم على ما فرط في أمره فتقدم الى الإمام بأسلوب لين ناعم يلتمس فيه العفو والرضا معربا له ان معاوية هو الذي أغراه بذلك قائلا : أعذر يا أبا محمد فإنما حملني على محاورتك هذا فهلا إذ جهلت أمسكت عني فإنكم أهل بيت سجيتكم الحلم والعفو ؛ والتفت الامام الى معاوية فقال له : انظر هل أكيع عن محاورة أحد؟ ويحك أتدري من أي شجرة أنا؟ والى من أنتمي؟ انته قبل أن أسمك بميسم تتحدث به الركبان في الآفاق والبلدان .
فقال ابن الزبير : هو لذلك أهل .
فالتفت معاوية الى ابن الزبير قائلا : أما انه قد شفى بلابل صدري منك ورمى مقتلك فصرت كالحجل في كف البازي يتلاعب به كيف أراد فلا أراك تفتخر على أحد بعدها
ومن مناظراته القيّمة ومشاجراته مع خصومه التي حطّم بها كيانهم انه (عليه السلام) أقبل الى معاوية فلما بصر به حاجبه أسرع إليه فعرّفه بتشريف الامام فالتفت معاوية الى بطانته قائلا : إنه إن دخل علينا أفسد ما نحن فيه .
فقال له مروان : ائذن له فاني أسأله عما ليس عنده جواب .
فنهره معاوية وقال له : لا تفعل انهم قوم ألهموا الكلام .
وأذن معاوية للإمام فلما دخل قام إليه فرحب به والتفت مروان قائلا باستهزاء : أسرع الشيب الى شاربك يا حسن ويقال إن ذلك من الخرق .
فأجابه الامام قائلا : ليس كما بلغك ولكنا معشر بني هاشم طيبة أفواهنا فنساؤنا يقبلن علينا بأنفاسهن وأنتم معاشر بني أميّة فيكم بخر شديد فنساؤكم يصرفن أفواههن وأنفاسهن عنكم الى أصداغكم فانما يشيب موضع العذار من أجل ذلك .
فغضب معاوية وصاح بأصحابه : قد كنت أخبرتكم فأبيتم حتى سمعتم ما أظلم عليكم بيتكم وأفسد مجلسكم وخرج الامام من عندهم وقد ترك الكمد ملأ نفوسهم وهو يقول :
ومارست هذا الدهر خمسين حجة وخمسا أرجى قائلا بعد قائل
فما أنا في الدنيا بلغت جسيمها ولا فى الذي أهوى كدحت بطائل
وقد أسرعت في المنايا أكفها وأيقنت أني رهن موت معاجل
وتحدث (عليه السلام) في مجلس معاوية عن عظيم فضله وشرف نسبه قائلا : قد علمت قريش بأسرها أني منها فى عز أرومتها لم أطبع على ضعف ولم أعكس على خسف أعرف بشبهي وأدعى لأبي .
وساء ذلك ابن العاص فانبرى قائلا : قد علمت قريش أنك من أقلها عقلا وأكثرها جهلا وإن فيك خصالا لو لم يكن فيك إلا واحدة منهن لشملك خزيها كما شمل البياض الحالك لعمر الله لتنتهين عما أراك تصنع أو لأكبسن لك حافة كجلد العائط أرميك من خلالها بأحر من وقع الأثافي أعرّك منها أديمك عرك السلعة فانك طالما ركبت صعب المنحدر ونزلت في اعراض الوعر التماسا للفرقة وارصادا للفتنة ولن يزيدك الله إلا فظاعة .
فردّ عليه الامام مقالته : أما والله لو كنت تسمو بحسبك وتعمل برأيك ما سلكت فج قصد ولا حللت رابية مجد وأيم الله لو أطاعني معاوية لجعلك بمنزلة العدو الكاشح فانه طال ما طويت على هذا كشحك وأخفيته في صدرك وطمع بك الرجاء الى الغاية القصوى التي لا يورق لها غصنك ولا يخضرّ لها مرعاك أما والله ليوشكن يا ابن العاص أن تقع بين لحيي ضرغام من قريش قوي ممتنع فروس ذي لبد يضغطك ضغط الرحا للحب لا ينجيك منه الروغان إذا التقت حلقتا البطان .
لقد كان ابن العاص يتحرى في كل مناسبة انتقاص أهل البيت ويعلن عداءه وبغضه لهم وما سبب ذلك إلا لخبث ذاته وعدم طهارة انائه وقد رأى الامام في الطواف فجعل يشتد نحوه فلما انتهى إليه رفع عقيرته : يا حسن أزعمت أن الدين لا يقوم إلا بك وبأبيك فلقد رأيت الله عز وجل أقامه بمعاوية فجعله راسيا بعد ميله وبيّنا بعد خفائه أفرضي الله قتل عثمان أم من الحق أن تدور بالبيت كما يدور الجمل بالطحين عليك ثياب كغرقىء البيض وأنت قاتل عثمان والله إنه لألم للشعث وأسهل للوعث أن يوردك معاوية حياض أبيك .
فوجّه (عليه السلام) إليه سهاما من قوله قائلا : ان لأهل النار علامات يعرفون بها وهي الالحاد لأولياء الله والموالاة لأعداء الله والله إنك لتعلم أن عليا (عليه السلام) لم يتريب في الأمر ولم يشك في الله طرفة عين وأيم الله لتنتهين يا ابن أم عمرو أو لأقرعن جبينك بكلام تبقى سمته عليك ما حييت فاياك والابراز علي فاني من قد عرفت لست بضعيف الغميزة ولا بهش المشاشة ولا بمريء المأكلة وإني من قريش كأوسط القلادة يعرف حسبي ولا أدعى لغير أبي وقد تحاكمت فيك رجال من قريش فغلب عليك ألأمهم نسبا وأظهرهم لعنة فاياك عنى فانك رجس وأما نحن بيت الطهارة أذهب الله عنا الرجس وطهرنا تطهيرا .
ومما وقع للإمام في دمشق انه دخل على معاوية فلما رآه قام إليه واحتفى به فساء ذلك مروان واضطرب غيظا وموجدة واندفع قائلا : يا حسن لو لا حلم أمير المؤمنين وما قد بنى له آباؤه الكرام من المجد والعلا ما أقعدك هذا المقعد ولقتلك وأنت له مستوجب بقودك الجماهير ؛ فلما أحسست بنا وعلمت أن لا طاقة لك بفرسان أهل الشام وصناديد بني أمية اذعنت بالطاعة واحتجزت بالبيعة وبعثت تطلب الأمان أما والله لو لا ذلك لأريق دمك وعلمت أنا نعطي السيوف حقها عند الوغى فاحمد الله اذا ابتلاك بمعاوية فعفا عنك بحلمه ثم صنع بك ما ترى!. .
فرد عليه الإمام قائلا : ويحك يا مروان لقد تقلدت مقاليد العار في الحروب عند مشاهدتها والمخاذلة عند مخالطتها نحن لنا الحجج البوالغ ولنا إن شكرتم عليكم النعم السوابغ ندعوكم إلى النجاة وتدعوننا إلى النار فشتان ما بين المنزلتين تفخر ببني أمية وتزعم أنهم صبر في الحروب أسد عند اللقاء ثكلتك أمك أولئك البهاليل السادة والحماة الذادة والكرام القادة بنو عبد المطلب أما والله لقد رأيتهم وجميع من في هذا البيت ما هالتهم الأهوال ولم يحيدوا عن الأبطال كالليوث الضارية الباسلة الحنقة فعندها وليت هاربا وأخذت أسيرا فقلدت قومك العار لأنك في الحروب خوار أيراق دمى زعمت؟!! أفلا أرقت دم من وثب على عثمان في الدار فذبحه كما يذبح الجمل؟ وأنت تثغو ثغاء النعجة!! وتنادي بالويل والثبور كالأمة اللكعاء ألا دفعت عنه بيد أو ناضلت عنه بسهم؟! لقد أرتعدت فرائصك!! وغشي بصرك فاستغثت بي كما يستغيث العبد بربه فأنجيتك من القتل ومنعتك منه ثم تحث معاوية على قتلي؟ ولو رام ذلك معك لذبح كما ذبح ابن عفان أنت معه أقصر يدا وأضيق باعا وأجبن قلبا من أن تجسر على ذلك ثم تزعم أنى ابتليت بحلم معاوية أما والله لهو أعرف بشأنه وأشكر لما وليناه هذا الأمر فمتى بدا له فلا يغضين جفنه على القذى معك فو الله لأعقبن أهل الشام بجيش يضيق عنه فضاؤها ويستأصل فرسانها ثم لا ينفعك عند ذلك الهرب والروغان ولا يرد عنك الطلب تدريجك الكلام فنحن من لا يجهل آباؤنا القدماء الأكابر وفروعنا السادة الأخيار أنطلق إن كنت صادقا .
فقال ابن العاص مستهزا بمروان : ينطق بالخنا وتنطق بالصدق ؛ ذق وبال أمرك يا مروان .
وصاح معاوية بمروان : قد كنت نهيتك عن هذا الرجل وأنت تأبى إلا إنهما كما فيما لا يعنيك أربع على نفسك فليس أبوك كأبيه ولا أنت مثله أنت ابن الطريد الشريد وهو ابن رسول الله (صلى الله عليه واله) الكريم ولكن رب باحث عن حتفه وحافر عن مديته ؛ وانتفخت أوداج مروان غضبا وحنقا فاندفع نحو معاوية قائلا : ارم من دون بيضتك وقم بحجة عشيرتك ؛ ثم التفت إلى ابن العاص قائلا : وطعنك أبوه فوقيت نفسك بخصييك فلذلك تحذره ؛ ثم قام وهو محطم الكيان قد أهين وحقر فقال معاوية : لا تجار البحور فتغمرك ولا الجبال فتبهرك .
ودخل الإمام على معاوية وكان في مجلس ضيق فجلس (عليه السلام) عند رجليه فتحدث معاوية بما شاء أن يتحدث به ثم قال : عجبا لعائشة!! تزعم أني في غير ما أنا أهله وان الذي أصبحت فيه ليس لي بحق مالها ولهذا يغفر الله لها انما كان ينازعني أبو هذا الجالس وقد استأثر الله به ؛ فقال (عليه السلام) : أوعجب ذلك يا معاوية!! .
قال : أي والله!.
فقال : أفلا اخبرك بما هو أعجب؟!!.
قال : ما هو؟
فرد : جلوسك في صدر المجالس وأنا عند رجليك.
فضحك معاوية وراوغ على عادته وقال : يا ابن أخي بلغنى أن عليك دينا كم هو؟ .
قال : مائة الف.
فقال : أمرنا لك بثلاثمائة ألف مائة ألف منها لدينك ومائة ألف تقسمها في أهل بيتك خاصة ومائة ألف لخاصة نفسك فقم مكرما فاقبض صلتك ؛ وخرج الإمام من عنده وكان يزيد حاضرا في مجلس أبيه فلما رأى حفاوته بالإمام ساءه ذلك وحينما انصرف من في المجالس اندفع قائلا :
تالله ما رأيت رجلا مثلك استقبلك بما استقبلك به ثم أمرت له بثلاثمائة ألف!
قال : يا بني إن الحق حقهم فمن جاءك منهم فاحث له ؛ وقد اعترف معاوية أن الخلافة الإسلامية لأهل البيت وانه قد غصبها منهم.
هذه بعض مناظرات الإمام مع خصومه قد روى أكثرها البيهقي والجاحظ ونصّ عليها غيرهما من المؤرخين وقد فضح بها الإمام معاوية وأتباعه وأبدا عارهم وعيارهم وأظهر لأهل الشام مخازي بنى أمية وعيوب آل أبي سفيان فهي بحق ثورة على حكومة معاوية فقد حطمت كيانه وأنزلته من عرشه إلى قبره ؛ وشكك بعض أهل العلم فى بعض تلك المناظرات واحتمل فيها الوضع لأنها قد اشتملت على تعيير الإمام لخصومه بأسلوب يستبعد صدور منه وقد استدل على ذلك بما روى من أن الإمام لم تسمع منه كلمة فحش قط إلا قوله لمروان : ليس لك عندي إلا ما رغم به أنفك ومع هذا فكيف يصدر ذلك منه وهو احتمال موهوم لأن خصومه الحقراء قد تجرؤوا عليه وجابهوه بألفاظ قاسية بذيئة فرد عليهم اعتداءهم ولكن لم يستعن بالكذب ولم يتذرع بالبذاء كما تذرعوا به ؛ وعلى أي حال فان معاوية بالرغم مما انزله الإمام به من الذل والهوان فانه كان يحذر جانبه ويخشاه وذلك لما له من المكانة المرموقة في نفوس المسلمين وتقديمهم له بالفضل على غيره وكانوا يعلنون ذلك أمام معاوية فقد ذكر رواة الأثر ان معاوية تحدث في مجلسه فقال : اخبروني بخير الناس أبا وأما وعما وعمة وخالا وخالة وجدا وجدة ؛ وانما قال ذلك ليرى مدى انطباع المسلمين عن الإمام فقام إليه مالك بن عجلان فقال له : هذا خير الناس أبوه علي بن أبي طالب وأمه فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه واله) وعمه جعفر الطيار في الجنان وعمته أم هاني بنت أبي طالب وخاله القاسم بن رسول الله وخالته زينب بنت رسول الله وجده رسول الله (صلى الله عليه واله) وجدته خديجة بنت خويلد ؛ فسكت معاوية ولم يطق جوابا ولما انصرف الإمام انبرى ابن العاص الى مالك فانكر عليه قوله قائلا له : أحب بني هاشم حملك على أن تكلمات بالباطل؟! .
فرد عليه مالك قائلا : ما قلت إلا حقا : وما أحد من الناس يطلب مرضاة المخلوق بمعصية الخالق إلا لم يعط أمنيته في دنياه وختم له بالشقاء في آخرته بنو هاشم أنضرهم عودا واوراهم زندا ؛ والتفت إلى معاوية فقال له : أليس هم كذلك؟ ولم يسع معاوية إلا التصديق لكلامه .
ان معاوية كان يخشى من الإمام ويحذر من انتفاضته عليه ولا تزال ذكريات صفين ماثلة امامه فيفزع منها ويخاف ان تعود عليه مرة اخرى ولهذا كان يرعى عواطف الإمام وقد ذكر المؤرخون ان عمرو ابن عثمان بن عفان واسامة بن زيد مولى رسول الله (صلى الله عليه واله) تخاصما عند معاوية في ارض فقال عمرو لأسامة : كأنك تنكرني؟! فرد عليه اسامة مقالته وكثر التشاجر بينهما فهدده أسامة بالهاشميين ثم قام فجلس إلى جانب الحسن (عليه السلام) وقام الهاشميون فجلسوا إلى جانبه ولما راى الأمويون ذلك انضموا إلى ابن عثمان وخاف معاوية من اثارة الفتنة فبادر الى حسم النزاع قائلا : لا تعجلوا أنا كنت شاهدا إذ أقطعها رسول الله (صلى الله عليه واله) اسامة ؛ وقد حكم بذلك لأسامة وقدمه على عمرو ولما خرج الإمام اقبل الأمويون على معاوية يلومونه على ذلك وقالوا له : الا كنت اصلحت بيننا؟ فأجابهم معاوية بما ينم عن فزعه وخوفه قائلا : دعوني فو الله ما ذكرت عيونهم تحت المغافر بصفين إلا لبس علي عقلي وإن الحرب اولها نجوى واوسطها شكوى وآخرها بلوى ؛ ثم تمثل بأبيات لامرئ القيس قائلا :
الحرب اول ما تكون فتية تدنو بزينتها لكل جهول
حتى إذا حميت وشب ضرامها عادت عجوزا غير ذات حليل
شمطاء جزت راسها وتنكرت مكروهة للّثم والتقبيل
ثم قال : ما في القلوب يشب الحروب والأمر الكبير يدفعه الأمر الصغير وتمثل بقول الشاعر :
قد يلحق الصغير بالجليل وإنما القرم من الأفيل
وتسحق النخل من الفسيل
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|