المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27



ابن اللبانة  
  
5224   04:08 مساءاً   التاريخ: 24-3-2016
المؤلف : شوقي ضيف
الكتاب أو المصدر : عصر الدول و الإمارات ،الأندلس
الجزء والصفحة : ص342-344
القسم : الأدب الــعربــي / تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب /

ابن اللبانة

شوقي ضيف

عصر الدول و الإمارات ،الأندلس :ص342-344

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هو أبو بكر محمد بن عيسى الّلخمي الداني، من دانية على البحر المتوسط، إحدى المدن الأندلسية التي كانت مليئة بالعلماء و الكتاب و الشعراء، و هو منسوب إلى أمه، و كانت امرأة صدق، تشتغل ببيع اللبن، حتى غلب اسمه عليها، و نسب أولادها إليها، و عنيت به و بتربيته، فثقف الآداب العربية و تفتحت ملكته الشعرية مبكرة، فتردد على أمراء الطوائف، و كلهم أعجبوا بشعره. و استقر أخيرا عند المعتمد بن عباد، إذ كان أكثرهم نوالا، و ظل عنده حتى استنزله ابن تاشفين من إمارته، و أخذ بعده يتنقل في البلاد، و زاره بأغمات في منفاه، و عاد إلى الأندلس، و ألف كتابه «سقيط الدرر و لقيط الزهر» و تدل نقول ابن سعيد عنه أنه كان في أخبار الشعراء، و حاضر به في المريّة بجنوبي الأندلس على المتوسط-كما يقول ابن الأبار-سنة 4٨6 و لا ندري هل عاد إلى زيارة المعتمد في أغمات أو لم يعد، غير أنه لما توفي رثاه رثاء حارا. و نراه يلحق بناصر الدولة مبشر بن سليمان بميورقة، و يبدو أن كلا منهما أهدى صاحبه خير ما عنده، أهداه ناصر الدولة الأموال و أهداه ابن اللبانة الأشعار و المدائح البديعة، و ما زال ابن اللبانة يعيش في رعايته حتى توفي في الجزيرة سنة 5٠٧. و ضرب ابن اللبانة مثلا رائعا في الوفاء للمعتمد بن عباد، فقد بكى دولته مرارا و تكرارا، و من أروع ما قاله من ذلك دالية، و هو يفتتحها على هذه الشاكلة:

تبكي السماء بدمع رائح غادى    على البهاليل من أبناء عبّاد (1)
على الجبال التي هئدت قواعدها     و كانت الأرض منهم ذات أوتاد (2)
عرّيسة دخلتها النائبات على     أساود منهم فيها و آساد (3)
إن يخلعوا فبنو العبّاس قد خلعوا        و قد خلت قبل حمص أرض بغداد (4)
يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ       في ضمّ رحلك و اجمع فضلة الزاد
و يا مؤمّل واديهم لتسكنه        خفّ القطين و جفّ الزّرع بالوادي )5)

 و هو يقول إن السماء تبكى بسحبها على السادة من بني عباد الذين كانت الأندلس ترسو بهم كما ترسو الأرض بالجبال و إن قصورهم بإشبيلية لغابة اقتحمتها الكوارث على أسد مفترسة و حيّات ضخمة سامة. و يعزّى ابن اللبانة نفسه و أهل إشبيلية بأن لهم أسوة في خلع آل عباد بمن خلعوا قبلهم من الخلفاء العباسيين. و يلتفت إلى من كانوا ينزلون بالمعتمد و آبائه طالبين القرى و الضيافة، فيقول لهم إن بيت الكرم و الجود أغلقت أبوابه، فاستعدوا للرحيل و اجمعوا بقايا الزاد إن كانت هناك بقايا، و يقول لمن كانوا يأوون إلى ظلالهم رحل السكان و جفّ الزرع بالوادي الذي كان خصبا ممرعا. و يصوّر مشهد المعتمد و أهله، و قد هبطوا من قصورهم لركوب السفن في نهر إشبيلية الكبير متجهين إلى طنجة و قد تجمع أهلها يودّعونهم، يقول:

نسيت إلا غداة النّهر كونهم     في المنشآت كأموات بألحاد
و الناس قد ملأوا العبرين و اعتبروا    من لؤلؤ طافيات فوق أزباد (6)
حطّ القناع فلم تستر مخدّرة     و مزّقت أوجه تمزيق أبراد (7)
حان الوداع فضجّت كلّ صارخة    و صارخ من مفدّاة و من فادي
سارت سفائنهم و النّوح يصحبها     كأنها إبل يحدو بها الحادي
كم سال في الماء من دمع و كم حملت     تلك القطائع من قطعات أكباد (8)
يقول إنني مهما نسيت فلن أنس رحيل المعتمد و آله في السفن، و كأنها مقابر نزلوها و الناس قد ملأوا الشاطئين متعجبين لتلك اللآلئ من النساء تطفو على الماء فوق زبده و لا ترسب في القاع. و يقول إنهن سرن من قصورهن سافرات لحزنهن يلطمن و يخمشن وجوههن بأظافرهن لفجيعهتن. و ضج الرجال و النساء على الشاطئين، و ضجّ من في السفن و ضج المفدّون الملوحون لهم بأيديهم، و سارت السفن يصحبها الندب و النواح كما يصحب الحداء الإبل السائرة في الصحراء، و كم سال في ماء الوادي الكبير من دمع و كم حملت تلك السفن من فلذات أكباد. و المرثية طويلة. و وفد ابن اللبانة على المعتمد في أغمات-كما يقول ابن بسام-وفادة وفاء لا وفادة استجداء، و انقطع إليه انقطاع وداد لا انقطاع استرفاد، و يقول إنه مدحه للوفاء بأحسن مما مدحه به للعطاء، و بذلك ملأ قلوب العرب في كل مكان-إلى اليوم-عطفا على المعتمد. و كأنما غسل بدموعه عليه سيئات حكمه من أدائه الجزية للملك النصراني في الشمال و محاربته لجيرانه من الأمراء المسلمين أبناء دينه و إنفاقه الأموال بسخاء على مجونه و ملذاته كأنه يملك خزائن قارون ثم موقفه بأخرة من ابن تاشفين بطل الزلاقة منذ سنوات تعد على أصابع اليد الوحدة، إذ استنجد ضده بألفونس السادس عدو الإسلام و المسلمين. كل هذه السيئات استطاع ابن اللبانة أن يمحو دنسها عن المعتمد بعويله و تفجعه الملتاع على دولته. و كما كان ابن اللبانة شاعرا كبيرا كان وشاحا كبيرا أيضا، و له موشحات كثيرة مدح بها المعتمد بن عباد، و هو أحد أربعة من وشّاحي الأندلس أدار عليهم ابن سناء الملك اختياراته من موشحات الأندلسيين في كتابه «دار الطراز»

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1) رائح غادى: راجع ذاهب. البهاليل: السادة.

2) أوتاد: جبال.

3) أساود جمع أسود: الأفعى الكبير. العريسة: غيل الأسد و الآساد.

4) حمص: إشبيلية.

5) خف القطين: رحل السكان.

6) العبرين: الشاطئين.

7) المخدرة: السيدة ملازمة الخدر أو البيت.

8) القطائع مثل المنشآت: السفن.

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.