أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-10-2014
2528
التاريخ: 2024-07-25
610
التاريخ: 2024-09-10
378
التاريخ: 2023-07-24
950
|
وراء تداول الروايات الإسرائيلية وانتشارها بين المسلمين أسباب عديدة تحتاج إلى دراسة مفصلة مستقلّة عن بحثنا ، ولكن يمكن إرجاعها بشكل رئيس إلى الظروف الّتي مرّت على الحديث بعد وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم) .
فكما هو معلوم من تاريخ الحديث أنّه مرّت فترة منذ وفاة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حتّى نهاية عصر الخليفة الثاني منع فيها الناس من تداول الحديث النبوي (صلى الله عليه واله وسلم)- ومنه حديثه في تفسير القرآن الكريم- خلافا لعصر الرسول (صلى الله عليه وآله) الّذي كان الناس فيه يتناولون حديثه ويتابعونه في كل مجلس ومناسبة ليقتبسوا من نوره .
روى الذهبي في تذكرة الحفاظ ، قال : إن أبا بكر جمع الناس بعد وفاة نبيّهم فقال :
إنّكم تحدثون عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشدّ اختلافا ، فلا تحدّثوا عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) شيئا ، فمن سألكم فقولوا : بيننا وبينكم كتاب اللّه فاستحلّوا حلاله وحرّموا حرامه «1» .
وكان عمر بن الخطاب إذا استعمل العمال خرج معهم يشيعهم فيقول : جرّدوا القرآن وأقلّوا الرواية عن محمّد (صلى الله عليه وآله) وأنا شريككم «2» .
وفي مستدرك الحاكم ، قال : فلمّا قدم قرظة قالوا : حدثنا ، قال : نهانا ابن الخطاب .
وفي جامع بيان العلم وفضائله ، قال قرظة : فما حدثت بعده حديثا عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) «3» .
وقد أدّت هذه السياسة إلى عدم تداول الناس للحديث النبوي الشريف؛ فقد روى السائب ابن يزيد ، قال : صحبت سعد بن مالك- أبي وقاص- من المدينة إلى مكّة فما سمعته يحدّث عن النبيّ (صلى الله عليه وآله) بحديث واحد «4» .
وفي تاريخ ابن كثير عن أبي هريرة قال : لم نكن نستطيع أن نقول : قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) حتّى قبض عمر «5» .
هذه السياسة خلفت فراغا هائلا لدى الناس فيما يحتاجون إليه من رؤى وأحكام وارشادات ونصائح تشكل بمجموعها الحديث النبوي الشريف الّذي جاء فيه القرآن :
{وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم : 3 - 5] .
والّذي جاء تبيانا لكتاب اللّه ، قال تعالى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } [النحل : 44] .
ومن المعلوم أنّه لا يمكن أن تبقى في فكر الناس وثقافتهم منطقة فراغ فهي لا بدّ أن تملأ ، بحق أو باطل .
فمن المعلوم ولا شكّ فيه أهمية السنّة ودورها في بيان القرآن وتشريع الأحكام ، فإنّ في القرآن قواعد عامّة ، واصولا مجملة وآيات محكمات ، واخر متشابهات ، ولقد وكل اللّه لنبيّه (صلى الله عليه وآله) بيان ذلك لامّته حتّى تكون على علم بكتاب ربّها ، ودراية بما أرشد إليه من تشريعات وأحكام . . . ومن هنا كانت منزلة السنّة من القرآن الكريم منزلة المبيّن من المبيّن . . . «6» .
ولا نعلم بعد هذا التوضيح كيف كان حال الامّة بعد ما منعت من حديث رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ، إذ فرّق بين كتاب اللّه وبيان نبيه (صلى الله عليه واله وسلم) .
وفي ظلّ مثل هذه الأوضاع ذهبت الامّة تتلمّس طريقها وما تحتاج إليه من شروح وآراء وبيانات ذات اليمين وذات الشمال- في غير الحديث النبوي المحجور- ، ممّا زادها حيرة وتيها ، إذ لا تعوّض آراء البشر العاديين عن حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) بأي حال من الأحوال .
وفي تلك الظروف الّتي منع فيها أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وفيهم من فيهم من السابقين الأوّلين من تداول الحديث سمح لبعض مسلمة أهل الكتاب برواية الأخبار ، فملأ هؤلاء الفراغ وروّوا عطش الناس بافتقادهم الحديث بما في جعبتهم من روايات كتب اليهود وغيرها ، حتّى أدلوا بدلوهم أيضا في تفسير القرآن ، كما هو الحال مع تميم الداري الّذي خصّص له الخليفة الثاني ساعة في كل اسبوع يتحدّث فيها قبل صلاة الجمعة من على منبر الرسول (صلى الله عليه وآله) وجعلها عثمان على عهده ساعتين في يومين «7» .
قال الذهبي : «ويغلب على الظنّ أنّه كان محدّثا بارعا وقاصّا ماهرا ويقيني أنّه كان راوية عزوفا عن خداع العامّة بالقصص وأباطيلها ، فقد ذكر صاحب أسد الغابة وغيره أنّه كان أوّل من قصّ وأنّه استأذن عمر بن الخطاب فأذن له» .
وقد احتلّ- مع غياب الصحابة عن التحديث- موقعا بارزا ، حتّى وصفه عمر بأنّه خير أهل المدينة «8»!!
أمّا كعب أحبار اليهود ، الّذي كان من كبار علماء اليهود وأحبارهم باليمن ، فقد أعلن إسلامه على عهد عمر وبقي بالمدينة بطلب منه «9» . وكان اليهود يسمّونه بكعب الأحبار لأنّه كانت عنده جميع كتبهم أو لأنّه أهم علمائهم الكبار ، ولكن العجيب في الأمر أن كعبا هذا قد كسب موقعا متقدّما في المجتمع الاسلامي آنذاك إذ كان الخليفة يرجع إليه في تفسير القرآن . . .!!
ففي رواية أنّ عمر بن الخطاب قال : يا كعب ما عدن؟ قال : قصور من ذهب في الجنّة يسكنها النبيّون والصّدّيقون وأئمّة العدل .
وفي قوله {وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر : 9] قال : العذاب «10» .
بل ارتفع مقامه عنده حتّى بلغ مرتبة الوعظ والارشاد للخليفة ، كما يظهر من الرواية التالية :
عن كعب قال : كنت عند عمر بن الخطاب ، فقال : خوّفنا يا كعب ، فقلت : يا أمير المؤمنين! أو ليس فيكم كتاب اللّه وحكمة رسوله؟ قال : بلى ، ولكن خوّفنا ، قلت : . . . «11»
وإذ اعتمد عليه الخليفة مفسّرا وواعظا ، ركن الآخرون إلى كعب كما يظهر ذلك ممّا رواه السيوطي قال :
«وعن عبد اللّه بن الحارث ، قال : كنت عند عائشة وعندها كعب ، فذكر إسرافيل (عليه السلام) فقالت عائشة : أخبرني عن إسرافيل (عليه السلام) .
قال : له أربعة أجنحة؛ جناحان في الهواء ، وجناح قد تسرول به ، وجناح على كاهله والقلم على اذنه . . .» «12» .
وهكذا أصبح كعب مصدرا حديثيا وتفسيريا لكثير من الصحابة كابن عمر وأبي هريرة وابن عباس وابن الزّبير ومعاوية ، وكثير من التابعين «13» .
وكعب هذا «روي عنه كثير من الإسرائيليات» «14» .
قال الدكتور الذهبي : «واختلط الأمر عند الناس حتى وصل الأمر إلى أنّ أبا هريرة كان يحدث عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) بما سمعه منه ، وعن كعب بما يحدثه به ، فكان الناس يخلطون بين حديث الرسول (صلى الله عليه وآله) وحديث كعب ، فقد روى مسلم بسنده عن بشير بن سعيد أنّه قال : اتقوا اللّه وتحفّظوا من الحديث ، فو اللّه لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدّث عن رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ويحدّثنا عن كعب الأحبار ، ثمّ يقوم فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) عن كعب ، وحديث كعب عن رسول اللّه . . .» «15» .
وهو يدلّ على مبلغ الخطورة التي وصل إليها الأمر ، بأن جعل كعب مصدرا للحديث إلى جانب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) ، يتحدّث عنه وعن الرسول (صلى الله عليه وآله) سواء بسواء ، وكأنّه من مصادر الفكر والتشريع عند المسلمين . .!!
وهكذا تسرّبت أفكار وأخبار اليهود بواسطة كعب ونظيرية؛ وهب بن منبه وتميم الداري وغيرهم إلى داخل الفكر الاسلامي ، لتشوّه الكثير من معالمه الأصيلة ، والّتي كانت فيما بعد المنفذ الّذي نفذ منه أعداء الاسلام كبعض المستشرقين وتلاميذهم للطّعن فيه «16» .
وليس ببعيد أن تكون بعض الأحاديث قد وضعت لإعطاء الغطاء الشرعي لعملية الأخذ من أهل الكتاب وتسرب الإسرائيليات إلى الفكر الاسلامي ، منها ما رواه البخاري في صحيحه عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص أن النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال : (بلّغوا عنّي ولو آية ، وحدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج ، ومن كذب عليّ متعمدا فليتبوّأ مقعده من النار) «17» .
وإذا دقّقنا النظر في الحديث فانّا نجد أنّ عبارة (و حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) محشورة في وسط الجملتين بلا مناسبة ولا ارتباط منطقي بجملتي الحديث الآخرتين ، خصوصا إذا علمنا أنّ راوي هذه الرواية هو عبد اللّه بن عمرو بن العاص الّذي «أصاب يوم اليرموك من كتب أهل الكتاب فكان يحدث منها» «18» وقد «اسندت إليه روايات إسرائيليات» «19» .
هذا وتوجد روايات كثيرة اخرى معارضة لهذه الرواية ، فهي تمنع عن الرجوع إلى أهل الكتاب والأخذ منهم «20» .
________________________
(1)- الذهبي/ تذكرة الحفاظ/ ج 1/ ص 2- 3/ ترجمة أبي بكر .
(2)- تاريخ الطبري ط . أوربا/ ج 5/ ص 2741 ، وط . دار المعارف بمصر/ ج 4/ ص 204 ، نقلا عن نفس المصدر .
(3)- جامع بيان العلم للخطيب البغدادي/ ج 2/ ص 147/ ط . المدينة المنوّرة سنة 1398 ه/ وتذكرة الحفاظ/ ج 1/ ص 7 ، وسنن الدارمي/ ج 1/ ص 85 ، وسنن ابن ماجة ، المقدّمة/ باب التوقي من الحديث عن رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم)/ ج 1/ ص 12 ، ومستدرك الحاكم/ ج 1/ ص 102 ، وطبقات ابن سعد/ ط . بيروت/ ج 6/ ص 7 ، وكنز العمال/ ج 2/ ص 183 .
(4)- سنن ابن ماجة/ ج 1/ ص 12 ، وسنن الدارمي/ ج 1/ ص 85 .
(5)- تاريخ ابن كثير/ ج 8/ ص 107 ، وللمزيد من التفصيل حول الموضوع راجع : القرآن الكريم وروايات المدرستين للعلّامة العسكري/ ج 2/ ص 419 .
(6)- الإسرائيليات في التفسير والحديث/ د . الذهبي/ ص 6 .
(7)- معالم المدرستين/ العلّامة العسكري/ ج 2/ ص 58 . وفيه كان تميم هذا نصرانيا من علماء أهل الكتاب . قدم المدينة بعد غزوة تبوك ، وأعلن الاسلام بعد سرقة ثبتت عليه ليرفع بإسلامه ما ادين به .
(8)- الإسرائيليات/ الذهبي/ ص 91 : وفي هامشه أسد الغابة/ ج 1/ ص 215/ ط . الوهبية ، والإصابة/ ج 1/ ص 184/ ط . السعادة .
(9)- م . ن/ ص 58 .
(10)- تفسير الدرّ المنثور للسيوطي/ 347 ه ، سورة غافر/ ص 7 .
(11)- م . ن/ ج 4/ ص 133 ، تفسير سورة النحل/ ص 111 .
(12)- م . ن/ ج 5/ ص 338 ، تفسير سورة الزّمر/ ص 68 .
(13)- القرآن الكريم وروايات المدرستين/ ج 2/ ص 430 .
(14)- الذهبي/ الإسرائيليات/ ص 95 .
(15)- م . ن ، والنص كما في هامش عن ابن كثير/ البداية والنهاية/ ج 8/ ص 109 .
(16)- للمزيد : القرآن الكريم وروايات المدرستين/ ج 2/ البحث الثامن : المستشرقون والقرآن الكريم .
(17)- صحيح البخاري/ كتاب أحاديث الأنبياء/ ج 6/ ص 309 ، ومسند أحمد/ المجلّد الثاني/ ص 159 ، 202 و214 .
(18)- الذهبي/ الإسرائيليات/ ص 66 .
(19)- م . ن/ ص 83 .
(20)- راجع : البخاري/ هامش فتح الباري/ ج 8/ ص 120 ، ومسند أحمد/ ج 3/ ص 387 ط .
الميمنية ، والبخاري/ كتاب الشهادات/ باب لا يسأل أهل الكتاب عن الشهادة وغيرها ، وفتح الباري/ ج 13/ ص 259 . راجع : الإسرائيليات للذهبي/ ص 55- 57 .
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|