المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17808 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
تـشكيـل اتـجاهات المـستـهلك والعوامـل المؤثـرة عليـها
2024-11-27
النـماذج النـظريـة لاتـجاهـات المـستـهلـك
2024-11-27
{اصبروا وصابروا ورابطوا }
2024-11-27
الله لا يضيع اجر عامل
2024-11-27
ذكر الله
2024-11-27
الاختبار في ذبل الأموال والأنفس
2024-11-27

أسباب اختلال التوازن البيئي
9-7-2018
الماصية absorptivity = absorptive power
16-9-2017
تداول وتخزين الفاصوليا
1-10-2020
محفزات ضوئية لتحضير المركبات العضوية
2024-09-15
خزيمة بن ثابت الانصاري (ت / 37 هـ) ‏
24-12-2015
مجمع فراري (1439-1438)
2023-11-14


أسباب وضع الحديث وأنواع الوضع‏  
  
38211   02:18 صباحاً   التاريخ: 14-3-2016
المؤلف : د. احسان الامين .
الكتاب أو المصدر : التفسير بالمأثور وتطويره عند الشيعة
الجزء والصفحة : ص 150-162 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / مناهج التفسير / منهج التفسير الأثري أو الروائي /

1- الأسباب السياسيّة :

ان أوّل من بدأ بهذا النوع من الوضع معاوية ، وسار على نهجه الأمويون من بعده ، والّذين جنّدوا لذلك الكثيرين من علماء السّوء ووعّاظ السّلاطين؛ فممّا رووا في ذلك عن أبي هريرة مرفوعا- إلى رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم)- : الامناء عند اللّه ثلاثة : أنا وجبريل ومعاوية .

قال الخطيب والنسائي وابن حبّان : هذا الحديث باطل موضوع ، وقال ابن عدي :

باطل من كلّ وجه ، وزيّف الحاكم طرقه وفيها جمع من الكذّابين والوضّاعين‏ «1» .

وابتدع الوضّاعون طريقة في الفضائل ، وهي ذكر روايات على لسان عليّ (عليه السلام) في مدح غيره ، ومنهم خصومه ، فرووا عن يزيد بن محمّد المروزي عن أبيه عن جدّه ، قال : سمعت أمير المؤمنين عليّا- رضي اللّه عنه- يقول : . . . بينا أنا جالس بين يدي رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) إذ جاء معاوية ، فأخذ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) القلم من يدي فدفعه إلى معاوية ، فما وجدت في نفسي إذ علمت أنّ اللّه أمره بذلك .

وعدّه ابن حجر في موضوعات مسرّة بن عبد اللّه الخادم ، فقال : هذا متن باطل ، وإسناد مختلف‏ «2» .

ثمّ إنّهم قد يختاروا لما يضعوه أسانيد معتبرة عند المحدّثين ليأخذ ما يضعوه طريقه إلى الكتب والصّحاح ، من ذلك ما رووه عن عبد اللّه بن عمر مرفوعا : الآن يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة ، فطلع معاوية ، فقال : أنت معاوية منّي وأنا منك ، لتزاحمني على باب الجنّة كهاتين- وأشار بإصبعيه- . قال الذهبي عن راويه : الحسن بن شبيب : الحسن هذا حدّث بالبواطيل عن الثقات ، وقال في ترجمة عبد اللّه بن يحيى عن هذا الخبر : خبر باطل لا يدري من ذا . «3»

وركّز الإعلام الأموي على موضوع كتابة الوحي ، وجعلوا منه امّ الفضائل لمعاوية ، فرووا عن سعد : إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال لمعاوية : إنّه يحشر وعليه حلّة من نور ظاهرها من الرحمة وباطنها من الرّضا يفتخر بها في الجمع لكتابة الوحي .

ذكره الذهبي من أباطيل محمّد بن الحسن الكذّاب الدجّال‏ «4» .

ووضع بعضهم جزءا كاملا في «مناقب معاوية» ، قال ابن النجّار : كان أبو عمر الزاهد قد جمع جزءا في فضل معاوية وأكثره مناكير وموضوعات‏ «5» .

وقال الحاكم : سمعت أبا العبّاس محمد بن يعقوب بن يوسف يقول : سمعت أبي يقول : سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي يقول : لا يصحّ في فضل معاوية حديث‏ «6» .

وقال ابن تيميّة : طائفة وضعوا لمعاوية فضائل ، ورووا أحاديث عن النبيّ في ذلك ، كلّها كذب‏ «7» .

وقد ذهب النسائي- صاحب السّنن- إلى دمشق فسألوه عن معاوية وما روي في فضائله ، فقال : لا أعرف له فضيلة إلّا (لا أشبع اللّه بطنه) ، فما زالوا يدفعون في حضنه ، وفي رواية : في خصييه ، وداسوه حتّى حمل إلى الرّملة ومات هناك‏ «8» .

ومن وضع الأمويين في التفسير ما رواه ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الإسكافي : أنّ معاوية بذل لسمرة بن جندب مائة ألف درهم حتّى يروي أنّ هاتين الآيتين نزلتا في عليّ ، وهما : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 204، 205] ، وأنّ الآية الاخرى نزلت في ابن ملجم ، وهي قوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة: 207] ، فلم يقبل سمرة بذلك ، فبذل معاوية له مائتي ألف درهم فلم يقبل ، فبذل له ثلاثمائة ألف فلم يقبل ، فبذل له أربعمائة ألف فقبل ، وروى ذلك‏ «9» .

وقد أخرج ابن الجوزي من طريق أحمد بن حنبل ، قال : سألت أبي : ما تقول في عليّ ومعاوية؟ فأطرق ثمّ قال : أيش أقول فيهما ، إنّ عليّا كان كثير الأعداء ففتّش أعداؤه له عيبا ، فلم يجدوا ، فعمدوا إلى رجل- يريد معاوية- قد حاربه وقاتله ، فأطروه كيدا منهم لعليّ‏ «10» .

وعلى هذه السيرة كان العباسيون ، إذ وضع لهم المتزلّفة الحديث للتقرّب إليهم‏ «11» .

2- الأسباب المذهبيّة :

ونعني به وضع أتباع بعض الفرق الدينية الحديث نصرة لمذهبهم ، وخلافا لما ذهب إليه بعض الباحثين‏ «12» من أنّ هذا النوع من الوضع كان من الأمويين في مقابل وضع الشيعة ، فإنّ لدينا نصّا عن الإمام الباقر (عليه السلام) يؤكّد فيه أنّ هذا النوع من الوضع على أهل البيت (عليه السلام) كان من فعل الأمويين لتشويه صورتهم لدى الناس ، وهو بالتالي يبيّن أنّ الوضع في زمن الأمويين بصورتيه المعادية لأهل البيت (عليه السلام) والمغالية فيهم كانت وراءه أصابع السلطة الأموية ، قال الباقر (عليه السلام) :

«لم نزل أهل البيت نستذلّ ونستضام ونقصى ونمتهن ونحرم ونقتل ونخاف ولا نأمن على دمائنا ودماء أوليائنا ، ووجد الكاذبون الجاحدون بكذبهم وجحودهم موضعا يتقرّبون به إلى أوليائهم وقضاة السوء وعمّال السوء في كل بلد ، فحدّثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ، ورووا عنا ما لم نقله وما لم نفعله ليبغّضونا إلى الناس ، وكان أعظم ذلك وأكبره زمن معاوية بعد موت الحسن (عليه السلام) فقتلت شيعتنا بكل بلدة وقطعت الأيدي والأرجل على الظنّة والتّهمة ، وكل من يذكر بحبّنا والانقطاع إلينا سجن وهدمت داره . . .» «13» .

والغريب أنّ هؤلاء الباحثين ذهبوا إلى أنّ الوضع ظهر بعد 41 هـ ، أي بعد شهادة الإمام علي (عليه السلام) على يد الشيعة في العراق ونقلوا توقف المحدّثين وتحرّجهم من الرواية عن أهل العراق بسبب ذلك ، إلّا أنّ الظروف الّتي كان يمرّ بها العراق- آنذاك- من ظلم وارهاب وكبت وقمع بسبب ولائهم لأهل البيت (عليه السلام) ، لم تكن توفر أدنى فرصة لنشر الحديث- صحيحا أو موضوعا- عن أهل البيت (عليه السلام) ، إذ أنّ معاوية كان قد كتب إلى عمّاله في نفس السنة : أن برئت الذمّة ممّن روى شيئا من فضل أبي تراب- علي- وأهل بيته . . . قال المدائني : وكان أشدّ البلاء حينئذ أهل الكوفة «14» .

وقد أخذ الوضع المذهبي طريقه إلى أكثر الفرق التي استعان أنصارها بوضع الحديث لنصرة آرائهم واعتقاداتهم المذهبية ، حتّى أنا نجد في تاريخ الصراع بين الطوائف أحاديث موضوعة في ذم الرافضة «15» والقدرية وقدم القرآن و . . . «16» .

وبلغ الأمر حدّا أنّ بعض الفرق كانت ترى جواز الوضع في الحديث نصرة لمذهبهم ومعتقدهم ، كالكرّامية «17» والخوارج الّذين نسب إلى أحد شيوخهم القول من أنّهم إذا رأوا رأيا صيّروه أو جعلوا له حديثا «18» .

«وحكى القرطبي عن بعض أهل الرأي : ما وافق القياس الجليّ جاز أن يعزى وينسب إلى النبيّ (صلى الله عليه واله وسلم)» «19» .

ومن نماذج الوضع المذهبي ، ما ذكره الذهبي عن نعيم بن حماد بن معاوية المتوفى سنة 227 هـ ، قال : وكان يضع الحديث في تقوية السنّة وحكايات في ثلب أبي حنيفة وكان صلبا في السنّة .

ومنهم أحمد بن عمرو بن مصعب بن بشر ، كان من الوضاعين ، ووضع كتبا في‏ تقوية السنّة كلّها موضوعة ومنتشرة عند الخراسانيين في عصره‏ «20» .

وقد ذكر ابن الجوزي في الموضوعات ، أحاديث في ذم ومدح أئمّة المذاهب منها :

يكون في امّتي رجل يقال له محمّد بن إدريس أضرّ على امّتي من إبليس ، ويكون في امّتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج امّتي‏ «21» .

3- الأسباب التعبّدية :

وربّما أطلقنا تلك التسمية تجوّزا ، لأنّ الوضّاعين من هذا القسم يضعون الحديث تعبّدا وتقرّبا إلى اللّه ، بحسب ظنّهم ، فقد ذهب بعض المتصوّفة إلى جواز وضع الحديث للترغيب والترهيب ، ترغيبا للناس في الطاعة وزجرا لهم عن المعصية ، واستدلّوا بما روي في بعض طرق الحديث : من كذب عليّ معتمدا ليضلّ به الناس فليتبوأ مقعده من النار «22» . فإنّ هؤلاء قيّدوا الكذب- في الرواية أعلاه- بقيد قصد إضلال الناس ، لا مطلق الكذب .

ويبدو أنّ وضع الحديث انتشر عند هؤلاء وأمثالهم ، حتّى روي عن عبيد اللّه النواريزي ، قال : سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول : ما رأيت الكذب في أحد أكثر منه في من ينسب إلى الخير والزّهد .

كما يبدو أنّ بعضهم كان مقتنعا تماما بفعله في وضعه الحديث ، ليحث الناس على الخير ، حتّى روي أنّ أبا الحسين الرهاوي قال : سألت عبد الجبار بن محمّد عن أبي داود النخعي ، فقال : كان أطول الناس قياما بليل وأكثرهم صياما بنهار وكان يضع الحديث وضعا «23» .

ومن هذا الباب ما رووا في فضائل القرآن سورة سورة ، وسنأتي على تفصيله لاحقا .

4- حركة الزنادقة :

والزنديق مصطلح اطلق على كل شاكّ أو ضالّ أو ملحد «24» ، إلّا أنّ الزنادقة غالبا ما يراد بهم الّذين قصدوا إفساد الشريعة وإيقاع الشكّ فيها في قلوب العوام والتلاعب بالدين‏ «25» .

ومن أشهرهم : عبد الكريم بن أبي العوجاء الّذي كان يدسّ الأحاديث في كتب حماد- بن سلمة- ، فلمّا أخذ ابن أبي العوجاء أتي به محمّد بن سليمان بن عليّ فأمر بضرب عنقه ، فلمّا أيقن بالقتل ، قال : واللّه لقد وضعت فيكم أربعة آلاف حديث احرّم فيها الحلال واحلّ فيها الحرام ، ولقد فطّرتكم في يوم صومكم وصوّمتكم في يوم فطركم‏ «26» .

وكان عبد الكريم بن أبي العوجاء من تلامذة الحسن البصري ثمّ انحرف ، فكان يذهب إلى مكّة للاجتماع بالحجّاج وإضلالهم ، وكان الإمام الصادق يناظره ويكشف أباطيله ، وكان بالبصرة يفسد الأحداث فهدّده عمرو بن عبيد فلحق بالكوفة ودلّ عليه محمّد بن سليمان والي الكوفة فقتله‏ «27» .

وروى ابن الجوزي بسنده عن الحكم بن مبارك ، قال : سمعت حماد بن زيد يقول :  وضعت الزنادقة على رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) أربعة عشر ألف حديث .

وقال : قد كان في هؤلاء الزنادقة من يأخذ من شيخ مغفل كتابه فيدسّ في كتابه ما ليس من حديثه فيرويه ذلك الشيخ ظنا منه أنّ ذلك من حديثه‏ «28» .

ومن الزنادقة سيف بن عمر الّذي كان متخصصا في الدسّ في السيرة وكتب التاريخ ، قال عنه يحيى بن معين : «ضعيف الحديث فلس خير منه» .

وقال عنه ابن حبّان : يروي الموضوعات عن الأثبات ، اتّهم بالزندقة ، . . . قالوا : كان يضع الحديث‏ «29» .

ومع ذلك فقد روى عنه الطبري في تاريخه كثيرا ، ومن الطبري أخذ الكثيرون من أرباب السير والتاريخ رواياته ، ومنها مخترعاته وموضوعاته .

وكان ممّن يدسّ الأحاديث من الزنادقة ، الغلاة كالمغيرة بن سعيد ، الّذي دسّ في كتب أصحاب الباقر (عليه السلام) أحاديث لم يحدّث بها ، وكذلك أصحاب أبي الخطاب الّذين دسّوا الأحاديث في كتب أصحاب الصادق (عليه السلام) .

فقد روي عن هشام بن الحكم أنّه سمع أبا عبد اللّه الصادق (عليه السلام) يقول : (كان المغيرة ابن سعيد يتعمد الكذب على أبي ويأخذ كتب أصحابه ، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة فكان يدسّ فيها الكفر والزندقة ويسندها إلى أبي ، ثمّ يدفعها إلى أصحابه ويأمرهم أن يبثّوها في الشيعة ، فكلّ ما كان في كتب أصحاب أبي من الغلو فذاك ما دسّه المغيرة بن سعيد في كتبهم) «30» .

وفي حديث آخر ، عنه ، عن أبي عبد اللّه- الصادق عليه السلام- قال : «لا تقبلوا علينا حديثا إلّا ما وافق القرآن والسنّة ، أو تجدون معه شاهدا من أحاديثنا المتقدّمة ، فإنّ المغيرة بن سعيد- لعنه اللّه- دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي ، فاتّقوا اللّه ولا تقبلوا علينا ما خالف قول ربّنا تعالى وسنّة نبيّنا (صلى الله عليه وآله) ، فإنّا إذا حدّثنا قلنا قال اللّه عزّ وجلّ ، وقال رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم)» «31» .

5- الوضع القصصي :

وهو من أساليب وأسباب الوضع القديمة ، فربّما كان التحريف في التوراة المتداولة الآن من هذا القبيل ، إذ «نجد العهد القديم يتجلى أثرا أدبيا لقومية اليهود يحتوي على تاريخ حياتهم منذ البدء فإلى عصر ظهور المسيح (عليه السلام) كتبت هذه المجموعة . . .» «32» .

وكذلك الأناجيل الّتي كانت في الأصل قصصا عن المسيح‏ «33» كتبت حتّى قيل أنّها بلغت : نيّفا ومائة إنجيل ، ثمّ اختارت الكنيسة من بينها القصص الّتي لا تتعارض مع نزعتها .

والقصّاص كانوا منذ القديم وعبر التاريخ ، إلّا أنّهم مع ظهور الاسلام ، كانوا يقصّون على الناس ويكون من علمهم التفسير والأثر والخبر عن الامم البائدة وغيرهم للتعليم والموعظة ، ولم يكن ذلك في القرن الأوّل مرذولا لأن فنونه ترجع إلى القرآن والحديث ، إلّا ما كان يشوبه ممّا كانوا يسمّونه بالعلم الأوّل ، وهو ما يتعلّق بأخبار الامم السالفة وأكثره يأخذونه من أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، ومن أسلم منهم كعبد اللّه بن سلام وكعب الأحبار ووهب بن منبه‏ «34» .

على أنّ القصّة تحوّلت إلى أداة سياسية في زمن معاوية ، إذ اعتمد القصاصين في مجلسه ، كما اعتمدهم الأمويون في تعبئة جيوشهم ، خصوصا الحجاج الثقفي أمير العراقيين لبني اميّة «35» .

وكان تبنّي معاوية للقصّاصين ، إضافة إلى استغلالهم سياسيا ، هو ردّ فعل ضدّ الإمام عليّ (عليه السلام) ، الذي طرد القصّاصين من المساجد ، والذين كانوا قد انتشروا فيها منذ أواخر عهد عمر ، حين استجازه تميم الداري أن يقصّ قائما في مسجد المدينة ، فأجازه‏ «36» ، وكان يذكّر الناس في يوم الجمعة قبل أن يخرج عمر ، ثمّ استأذن عثمان فأذن له أن يذكّر يومين في الجمعة .

قال أحمد أمين : وقد نما القصص بسرعة؛ لأنّه يتّفق وميول العامّة ، وأكثر القصّاص من الكذب حتى رووا أنّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) طردهم من المساجد ، واستثنى الحسن البصريّ لتحرّيه الصّدق‏ «37» .

وقد استفاد معاوية من كعب الأحبار- كما ذكر ابن حجر العسقلانيّ- ، إذ أمره معاوية بأن يقصّ في الشام ، وهو الذي بثّ أحاديث تفضيل الشام وأهلها «38» .

وتطوّر الأمر في القرن الثاني إذ انتشر القصّاصون وكان همّ أحدهم أن يجي‏ء بالغرائب ويكثر من الرقائق ، وإذا كان القصّاصون آنفا من أهل العلم والحديث فإنّ الأمر انتهى في القرن الثالث إلى أن «اسم القاص أصبح لقبا عاميا مبتذلا ، وأكثر المتصدرين في الوعظ انّما يكونون من أهل الحديث والمتّسعين في العلوم ، ولا حاجة إلى الكلام عنهم ، ولم يزد المتصوّفة في الأخبار إلّا ما يزعمون أنّهم احتووه بعلم‏ خاص ، واللّه أعلم بغيبه» «39» .

وقد سار العباسيون بسيرة الأمويين في تبني القصاصين ، فقد استجلب الرشيد إسحاق المعروف بأبي حذيفة المتوفّى سنة 200 هـ ، وهو معروف بالكذب ومشهور بالوضع ، فأمره الرشيد أن يجلس في مسجد ابن رغبان ويحدّث الناس ، فأخذ إسحاق يحدث بالأكاذيب ويروي عن خلق من الثقات أكثرهم ماتوا قبل أن يولد «40» .

كما استقدم المهدي أبا معشر السندي ، وأشخصه إلى بغداد وقال : تكون بحضرتنا تفقه من حولنا . وكان أبو معشر ماهرا بوضع الأحاديث والقصص . قال ابن جزرة :

أبو معشر أكذب من تحت السماء وصنّف كتاب المغازي وروى عنه الواقدي وابن سعد ، ومنه استمد الطبري معلومات تاريخية كثيرة «41» .

ويبدو أنّ الوضع قد اتّخذ من القصّة سبيلا واسعا لتمرير أكاذيبه وخيالاته ، خصوصا وأن للقصّة تأثيرها الواسع في الناس وجمهورها العريض ، حتّى أن ابن الجوزي قال : «القصاص ومعظم البلاء منهم يجري لأنّهم يزيدون أحاديث تثقف وترقق والصحاح يقل فيها ، هذا ثمّ إنّ الحفظ يشقّ عليهم ويتفق عدم الدين ومن يحضرهم جهال فيقولون . . .» «42» .

وقال : «وقد ذكرت في كتاب القصاص عنهم طرفا من هذه الأشياء وما أكثر ما يعرض عليّ أحاديث في مجلس الوعظ قد ذكرها قصاص الزمان فأردّها عليهم وابيّن أنّها محال فيعتدون عليّ حين ابيّن عيوب شغلهم . . .» «43» .

ومن هذا الطريق ، دخل كثير من الموضوعات ، خصوصا في السيرة وقصص‏ الأنبياء ، والمعاجز ، والفضائل فامتلأت الكتب بالأساطير وتناقلوها واحدا عن آخر ، حتّى أصبحت عند الكثيرين من الحقائق المسلّمة «44» .

هذا وقد ذكرت أسباب اخرى للوضع ، ولكنّها أضعف تأثيرا ، كوضع الشحّاذين الّذين يضعون أحاديث يكتسبون بذلك ويرتزقون به‏ «45» ، أو آخرون لم يتعمّدوا الوضع كأن أخطئوا ورووا عن كذّاب ، أو لم يدقّقوا في النقل أو اختلطت عقولهم في آخر أعمارهم فخلطوا . . . «46» .

ومن معرفة أسباب الوضع تعرف المنافذ الّتي يدخلها الوضّاعون ، كما يعرف كنه حديثهم ، ويحذر منه في مواطنه ، خصوصا إذا علمنا أن مساحة الوضع ليست بقليلة وقد ألّفت مؤلّفات كثيرة في الوضاعين ، عدّت المئات منهم‏ «47» ، كما ألّفت كتب كثيرة في الأحاديث الموضوعة ، منها كتاب «الموضوعات» لابن الجوزي ، و«الدرّ الملتقط في تبين الغلط» للصاغاني ، و«الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني» الّذي ذكر فيه ألفا وأربعمائة وأربعة أحاديث‏ «48» ، وغيرها من الكتب .

وقد ذكر العلّامة الأميني ، من خلال تتبّعه لامّهات الكتب في الرجال عند الجمهور :

كميزان الاعتدال ، ولسان الميزان ، والجرح والتعديل ، وتاريخ الشام ، ومجمع الزّوائد ، واللآلئ المصنوعة ، وتذكرة الموضوعات ، وتاريخ بغداد ، والمنتظم (لابن الجوزي) ،  وتهذيب التهذيب ، وشذرات الذّهب . . . وغيرها ، ذكر نحو سبعمائة من أسماء الوضّاعين وذكر حالهم ، ثمّ أحصى ما ذكره أعلام الرجال عن وضع واحد وأربعين منهم ، فكان 408684 رواية !! هذا غير ما ذكر في ترجمة آخرين من غير هؤلاء من وضعهم لمئات النسخ والكتب مثل : لاحق بن الحسين المقدسي ، الذي قال الادريسي عنه :

كان كذّابا أفّاكا يضع الحديث عن الثقات ويسند المراسيل ويحدّث عمّن لم يسمع منهم ، ووضع نسخا لأناس لا تعرف أساميهم في جملة رواة الحديث ، مثل : طرثمال وطربال وكركدن وشعبوب . ومثل هذا شي‏ء غير قليل ، ولا نعلم ولا رأينا في عصرنا مثله في الكذب والوقاحة مع قلّة الدراية ، وكتب لي بخطّه زيادة على خمسين جزءا من حديثه . . . «49» .

ومنهم : محمّد بن يوسف بن يعقوب الرازي : شيخ دجّال كذّاب ، كان يضع الأحاديث والقراءات والنّسخ ، وضع كثيرا في القرآن ، قال الدار قطني : وضع نحو من ستين نسخة قراءات ليس شي‏ء منها أصل ، ووضع من الأحاديث ما لا يضبط ، قدم بغداد قبل الثلاثمائة «50» .

_______________________

 (1)- كتاب المجروحين/ ج 1/ ص 146 ، الكامل في ضعفاء الرجال/ ج 1/ ص 192 رقم 31 ، اللآلئ المصنوعة/ ج 1/ ص 417 .

(2)- لسان الميزان/ ج 3/ ص 501 برقم 4984 .

(3)- ميزان الاعتدال/ ج 1/ ص 495 برقم 1864 وج 2/ ص 524 برقم 4684 .

(4)- ميزان الاعتدال/ ج 3/ ص 516 برقم 7390 .

(5)- تاريخ بغداد/ ج 2/ ص 357 ، لسان الميزان/ ج 5/ ص 485 برقم 8186 .

(6)- اللآلئ المصنوعة/ ج 1/ ص 424 .

(7)- منهاج السنّة/ ج 2/ ص 207 ، وراجع للمزيد : الوضّاعون وأحاديثهم الموضوعة/ ص 417 .

(8)- وفيات الأعيان لابن خلّكان/ ج 1/ ص 77 . وقوله : (لا أعرف فضيلة إلّا لا أشبع اللّه بطنه) ، إشارة إلى ما ورد في صحيح مسلم ، عن ابن عبّاس ، قال : كنت ألعب مع الصبيان ، فجاء-

- رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) فتواريت خلف باب ، قال : فجاء فحطأني حطأة وقال : اذهب وادع لي معاوية ، قال : فجئت فقلت : هو يأكل ، قال : ثمّ قال لي : اذهب فادع لي معاوية ، فجئت فقلت هو يأكل ، فقال : لا أشبع اللّه بطنه . (كتاب البرّ والصّدقة والآداب/ مج 8/ ص 155/ من صحيح مسلم بشرح النووي) .

(9)- شرح النهج لابن أبي الحديد/ ج 4/ ص 73 . راجع التفسير والمفسّرون في ثوبه القشيب/ الشيخ معرفة/ ج 2/ ص 47 .

(10)- الموضوعات/ ج 2/ ص 24 .

(11)- انظر : الحديث والمحدّثون/ ص 262 ، مباحث تدوين السنّة/ ص 26 ، مقباس الهداية/ ص 74 .

(12)- السنّة ومكانتها/ السباعي/ ص 93 ، مباحث في تدوين السنّة/ الجبوري/ ص 17 ، بحوث في تاريخ السنّة المشرّفة/ أكرم ضياء العمري/ ص 19 ، السنّة قبل التدوين/ محمّد عجاج الخطيب/ ص 195 .

(13)- شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، شرح الخطبة 57/ راجع للمزيد : القرآن الكريم وروايات المدرستين : ج 2/ ص 573 .

(14)- م . ن .

(15)- كحديث جابر بن سمرة ، تنزيه الاعراق لابن عراف/ ج 1/ ص 395 ، نقلا عن الجبوري/ ص 25 .

(16)- الموضوعات لابن الجوزي/ ص 65 .

(17)- وهم المنتسبون لابن محمّد بن كرّام السجستاني .

(18)- الموضوعات/ ص 16 . مقباس الهداية/ ص 76 .

(19)- تلخيص مقباس الهداية/ ص 76 .

(20)- تاريخ بغداد/ ج 5/ ص 73 . الإمام الصادق والمذاهب الأربعة/ ج 1/ ص 266 .

(21)- تدريب الراوي/ ص 182 .

(22)- مقباس الهداية/ ص 76 .

(23)- الموضوعات/ ص 18 .

(24)- المعجم الوسيط : مادّة الزندقة .

(25)- الموضوعات لابن الجوزي/ ج 1/ ص 15 .

(26)- م . ن/ ص 15 .

(27)- القرآن الكريم وروايات المدرستين/ ج 2/ ص 627 ، وترجمته في : الطبري/ ج 3/ ص 376 ط . أوربا . ابن الأثير 6/ 3 . ابن كثير ج 10/ ص 113 ، والذهبي في ميزان الاعتدال ج 2/ ص 644 .

(28)- الموضوعات/ 1/ 15 .

(29)- عبد اللّه بن سبأ وأساطير اخرى/ العلّامة العسكري/ ج 1/ ص 74 و75 ، وفيه المزيد عن أساطيره وموضوعاته .

(30)- رجال الكشي/ ج 2/ ص 491 .

(31)- م . ن .

(32)- د . بوكاي/ العهدان والقرآن والعلم/ ص 25- 28 .

(33)- قصص الأنبياء للنجار/ ص 399 ، وللمزيد : صيانة القرآن من التحريف ، للشيخ محمّد هادي معرفة/ ص 135- 150 .

(34)- تاريخ آداب العرب/ الرافعي/ ج 1/ ص 380 .

(35)- م . ن/ ص 379 .

(36)- سير أعلام النبلاء/ ج 2/ ص 447 .

(37)- فجر الاسلام/ ص 159 .

(38)- الإصابة/ ج 3/ ص 316 . راجع : التفسير والمفسّرون/ ج 2/ ص 56 .

(39)- تاريخ آداب العرب/ الرافعي/ ج 1/ ص 383 .

(40)- تاريخ بغداد/ ج 6/ ص 346 .

(41)- م . ن/ ج 4/ ص 431 . وراجع للمزيد : الإمام الصادق والمذاهب الأربعة/ ج 1/ ص 265 .

(42)- الموضوعات/ ص 20 .

(43)- م . ن/ ص 21 .

(44)- تصدّى استاذنا العلّامة العسكري في كتبه لتمحيص السنّة النبويّة من تلك الأساطير .

راجع : أحاديث امّ المؤمنين عائشة بجزءيه ، عبد اللّه بن سبأ وأساطير اخرى : بجزءيه ، خمسون ومائة صحابي مختلق بجزءيه أيضا ، وكتبه القيّمة الاخرى .

(45)- الموضوعات/ ص 21 .

(46)- م . ن/ ص 21 .

(47)- الكشف الحثيث عمّن رمي بوضع الحديث/ برهان الدين الحلبي . وفيه أورد أسماء ثمانمائة وثمانين شخصا رموا بالوضع .

(48)- الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة/ تحقيق محمّد عبد الرّحمن عوض .

(49)- تاريخ بغداد/ ج 2/ ص 244 ، ج 14/ ص 100 ، اللآلئ المصنوعة/ ج 1/ ص 113 ، ج 2/ ص 297) ، المنتظم/ ج 15/ ص 150 رقم 3150 .

(50)- ميزان الاعتدال/ ج 4/ ص 71 رقم 8344 ، تاريخ بغداد/ ج 3/ ص 397 ، عن :

الغدير/ ج 5/ ص 445 ، الوضّاعون وأحاديثهم الموضوعة/ ص 239 .




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .