(أَلْ) بجملتها (حَرْفُ تَعْرِيفٍ) كما هو مذهب الخليل وسيبويه على ما نقله عنه في التسهيل وشرحه (أَوْ اللاَّمُ فَقَطْ) كما هو مذهب بعض النحاة ونقله في شرح الكافية عن سيبويه (فَنَمَطٌ عَرَّفْتَ قُلْ فِيهِ الْنَّمَطْ) فالهمزة على الأول عند الأول همزة قطع أصلية وصلت لكثرة الاستعمال، وعند الثاني زائدة معتد بها في الوضع، وعلى الثاني همزة وصل زائدة لا مدخل لها في التعريف، وقول الأول أقرب لسلامته من دعوى الزيادة فيما لا أهلية فيه للزيادة وهو الحرف، وللزوم فتح همزته، وهمزة الوصل مكسورة وإن فتحت فلعارض كهمزة أيمن الله فإنها فتحت لئلا ينتقل من كسر إلى ضم دون حاجز حصين، وللوقف عليها في التذكر، وإعادتها بكمالها حيث اضطر إلى ذلك كقوله:
يَا خَلِيْلَيَّ ارْبَعَا وَاسْتَخْبِرَا الْـ ـمَنْزِلَ الْدَّارِسَ عَنْ حَيَ حِلاَلِ
ص85
مِثْلَ سَحْقِ الْبُرْدِ عَفَّى بَعْدَكَ الْـ ـقَطْرُ مَغْنَاهُ وَتَأْوِيبُ الْشَّمَالِ
وكقوله:
دَعْ ذَا وَعَجِّلْ ذَا وَأَلحِقْنَا بِذَال بالشَّحْمِ إِنَّا قَدْ مَلِلْنَاهُ بَجَلْ
ودليل الثاني شيئان: الأول هو أن المعرف يمتزج بالكلمة حتى يصير كأحد أجزائها، ألا ترى أن العامل يتخطاه ولو أنه على حرفين لما تخطاه، وأن قولك رجل والرجل في قافيتين لا يعد إيطار ولو أنه ثنائي لقام بنفسه. الثاني أن التعريف ضد التنكير وعلم التنكير حرف أحادي وهو التنوين فليكن مقابله كذلك، وفيهما نظر وذلك لأن العامل يتخطى ها التنبيه في قولك مررت بهذا وهو على حرفين، وأيضاً فهو لا يقوم بنفسه، ولا الجنسية من علامات التنكير وهي على حرفين فهلا حمل المعرف عليها. واعلم أن اسم الجنس الداخل عليه أداة التعريفقد يشار به إلى نفس حقيقته الحاضرة في الذهن من غير اعتبار لشيء مما صدق عليه من الأفراد، نحو الرجل خير من المرأة، فالأداة في هذا لتعريف الجنس، ومدخولها في معنى علم الجنس، وقد يشار به إلى حصة مما صدق عليه من الأفراد معينة في الخارج لتقدم ذكرها في اللفظ صريحاً أو كناية، نحو {وليس الذكر كالأنثى} (آل عمران:36)، فالذكر تقدم ذكره في اللفظمكنياً عنه بما في قوله: {نذرت لك ما في بطني محرراً} (آل عمران: 35) فإن ذلك كان خاصاً بالذكور، والأنثى تقدم ذكرها صريحاً في قولها: {رب إني وضعتها أنثى} (آل عمران: 36)، أو لحضور معناها في علم المخاطب نحو: {إذ هما في الغار} (التوبة: 40)، أو حثه نحو القرطاس لمن فوق سهماً، فالأداة لتعريف العهد الخارجي ومدخولها في معنى علم الشخص، وقد يشار به إلى حصة غير معينة في الخارج بل في الذهن نحو قولك ادخل السوق حيث لا عهد بينك وبين مخاطبك في الخارج. ومنه: {وأخاف أن يأكله الذئب} (يوسف: 13)، والأداة فيه لتعريف العهد الذهني ومدخولها في معنى النكرة، ولهذا نعت بالجملة في قوله:
ص86
وَلَقَدْ أَمُرُّ عَلَى اللَّئِيْمِ يَسُبُّنِي
وقد يشار به إلى جميع الأفراد على سبيل الشمول إما حقيقة نحو: {إن الإنسان لفي خسر} (العصر: 2)، أو مجازاً نحو أنت الرجل علماً وأدباً، فالأداة في الأول لاستغراق أفراد الجنس ولهذا صح الاستثناء منه، وفي الثاني لاستغراق خصائصه مبالغة. ومدخول الأداة في ذلك في معنى نكرة دخل عليها كل (وَقَدْ تُزادُ) أل كما يزاد غيرها من الحروف فتصحب معرفاً بغيرها وباقياً على تنكيره، وتزاد (لاَزِمَاً) وغير لازم، فاللازم في ألفاظ محفوظة وهي الأعلام التي قارنت أل وضعها (كَالَّلاتِ) والعزى على صنمين، والسموأل علمي رجلين (وَ) الإشارة نحو (الآنَ) للزمن الحاضر بناء على أنه معرف
بما تعرفت به أسماء الإشارة لتضمنه معناها، فإنه جعل في التسهيل ذلك علة بنائه وهو قول الزجاج، أو أنه متضمن معنى أداة التعريف، ولذلك بني لكنه رده في شرح التسهيل أما على القول بأن الأداة فيه لتعريف الحضور فلا تكون زائدة (وَالَّذِينَ ثُم اللاَّتِي) وبقية الموصولات مما فيه أل بناء على أن الموصول يتعرف بصلته. وذهب قوم إلى أن تعريف الموصول بأل إن كانت فيه نحو الذي وإلا فبنيتها نحو من وما إلا أياً فإنها تتعرف بالإضافة، فعلى هذا لا تكون أل زائدة. وغير اللازم على ضربين اضطراري وغيره وقد أشار إلى الأول بقوله (وَلاِضْطِرَارٍ) أي في الشعر (كَبَنَاتِ الأَوبَرِ) في قوله:
وَلَقَدْ جَنيْتُك أَكْمُؤاً وَعَسَاقِلاً وَلَقَدْ نَهَيْتُكَ عَنْ بَنَاتِ الأَوْبَرِ
أراد بنات أوبر لأنه علم على ضرب من الكمأة رديء كما نص عليه سيبويه، وزعم المبرد أن بنات أوبر ليس بعلم، فأل عنده غير زائدة بل معرفة و (كَذَا) من الاضطراري زيادتها في التمييز نحو: (وطِبْتَ النَّفْسَ يَا قَيْسُ السَّرِي) في قوله:
رَأَيْتُكَ لَمَّا أَنْ عَرَفْتَ وُجُوهَنَا
ص87
صَدَدْتَ وَطِبْتَ النَّفْس يَا قَيْسُ عَنْ عَمْرِو
أراد طبت نفساً لأن التمييز واجب التنكير خلافاً للكوفيين. وأشار إلى الثاني بقوله: (وَبَعْضُ الأَعْلاَمِ) أي المنقولة (عَلَيْهِ دَخَلاَ لِلمْحِ مَا قَدْ كَانَ) ذلك البعض (عَنْهُ نُقِلاَ) مما يقبل أل من مصدر (كَالْفَضْلِ وَ) صفة مثل(الْحَارِثِ وَ) اسم عين مثل (النُّعْمَان) وهو في الأصل اسم من أسماء الدم. وأفهم قوله وبعض الأعلام أن جميع الأعلام المنقولة مما يقبل أل لا يثبت له ذلك وهو كذلك، فلا تدخل على نحو محمد وصالح ومعروف إذ الباب سماعي. وخرج عن ذلك غير المنقول كسعاد، وأدد والمنقول عما لا يقبل أل كيزيد ويشكر فأما قوله:
رَأَيْتُ الْوَلِيدَ بْنَ الْيَزِيدِ مُبَارَكاً
فضرورة سهلها تقدم ذكر الوليد. ثم قوله للمح أراد أن جواز دخول أل على هذه الأعلام مسبب عن لمح الأصل أي ينتقل النظر من العلمية إلى الأصل فيدخل أل (فَذِكْرُ) أل (ذَا) حينئذٍ (وَحَذْفُهُ سِيَّانِ) إذ لا فائدة مترتبة على ذكره، وإن أراد أن دخول أل سبب للمح الأصلِ فليسا بسيين لما يترتب على ذكره من الفائدة وهو لمح الأصل. نعم هما سيان من حيث عدم إفادة التعريف فليحمل كلامه عليه. قال الخليل دخلت أل في الحرث والقاسم والعباس والضحاك والحسن والحسين لتجعله الشيء بعينه.
ص88
تنبيه: في تمثيله بالنعمان نظر لأنه مثل به في شرح التسهيل لما قارنت الأداة فيه نقله، وعلى هذا فالأداة فيه لازمة والتي للمح الأصل ليست لازمة (وَقَدْ يَصِيرُ عَلَمَاً) على بعض مسمياته (بِالْغَلَبَهْ) عليه (مُضَافٌ) كابن عباس وابن عمر وابن الزبير وابن مسعود فإنه غلب على العبادلة حتى صار علماً عليهم دون من عداهم من إخوتهم (أَوْ مَصْحُوبُ أَلْ) العهدية (كَالْعَقَبَهْ) والمدينة والكتاب والصعق والنجم لعقبة أيلي، ومدينة طيبة، وكتاب سيبويه، وخويلد بن نفيل، والثريا (وَحَذْفَ أَلْ ذِي) الأخيرة (إِنْ تُنَادِ) مدخولها (أَوْ تُضَفْ أَوْجِبْ) لأن أصلها المعرفة فلم تكن بمنزلة الحرف الأصلي اللازم أبداً كما هي في نحو اليسع كما تقدم، فتقول يا صعق ويا أخطل وهذه عقبة أيلي ومدينة طيبة. ومنه:
أَحَقَّاً أَنَّ أخْطَلَكُمْ هَجَانِي
والأخطل من يهجو ويفحش. وغلب على الشاعر المعروف حتى صار علماً عليه دون غيره. وتقول أعشى تغلب، ونابغة ذبيان (وَفِي غَيْرِهِمَا) أي في غير النداء والإضافة (قَدْ تَنْحَذِفْ) سمع هذا عيوق طالعاً، وهذا يوم اثنين مباركاً فيه.
تنبيهان: الأول المضاف في أعلام الغلبة كابن عباس لا ينزع عن الإضافة بنداء ولا غيره، إذ لا يعرض في استعماله ما يدعو إلى ذلك. الثاني كما يعرض في العلم بالغلبة الاشتراك فيضاف طلباً للتخصيصكما سبق، كذلك يعرض في العلم الأصلي. ومنه قوله:
علاَ زَيْدُنَا يَوْمَ النَّقَا رَأْسَ زَيْدِكُمْ بِأَبْيَضَ مَاضِي الشَّفْرَتَينِ يَمَانِي
وقوله:
بِاللَّهِ يَا ظَبَيَاتِ القَاعِ قُلْنَ لَنَا لَيْلاَيَ مِنْكُنَّ أَمْ لَيْلَى مِنَ الْبَشَرِ
ص89
خاتمة: عادة النحويين أنهم يذكرون هنا تعريف العدد، فإذا كان العدد مضافاً وأردت تعريفه عرفت الآخر، وهو المضاف إليه، فيصير الأول مضافاً إليه إلى معرفة، فتقول ثلاثة الأثواب، ومائة الدرهم، وألف الدينار، ومنه قوله:
مَا زَالَ مُذْ عَقَدَتْ يَدَاهْ إزَارَهُ فَسَمَا فَأَدْرَكَ خَمْسَةَ الأَشْبَارِ
وقوله:
وَهَلْ يُرْجِعُ التَّسْلِيم أَوْ يَكْشِفُ العَنَا ثَلاَثُ الأثَافِي وَالدِّيَارُ البَلاَقِعُ
ص90
وأجاز الكوفيون الثلاثة الأثواب تشبيهاً بالحسن الوجه. قال الزمخشري وذلك بمعزل عند أصحابنا عن القياس واستعمال الفصحاء، وإذا كان العدد مركباً ألحقت حرف التعريف بالأول تقول الأحد عشر درهماً والاثنتا عشرة جارية ولم تلحقه بالثاني لأنه بمنزلة بعض الاسم، وأجاز ذلك الأخفش والكوفيون، فقالوا الأحد العشر درهماً، والاثنتا العشرة جارية لأنهما في الحقيقة اسمان والعطف مراد فيهما ولذلك بنيا، ويدل عليه إجازتهم ثلاثة عشر وأربعة عشر وتاء التأنيث لا تقع حشواً، فلولا ملاحظة العطف لما جاز ذلك. ولا يجوز الأحد العشر الدرهم لأن التمييز واجب التنكير، نعم يجوز عند الكوفي، وقد استعمل ذلك بعض الكتاب. وإذا كان معطوفاً عرفت الاسمين معاً تقول الأحد والعشرون درهماً لأن حرف العطف فصل بينهما.
واعلم أن في تعريف المضاف قد يكون المعرف إلى جانب الأول كما تقدم، وقد يكون بينهما اسم واحد نحو خمسمائة الألف، وقد يكون بينهما اسمان نحو خمسمائة ألف دينار، وقد يكون بينهما ثلاثة أسماء نحو خمسمائة ألف دينار الرجل، وقد يكون بينهما أربعة أسماء نحو خمسمائة ألف دينار غلام الرجل، وعلى هذا. لو قلت عشرون ألف رجل امتنع تعريف المضاف إليه، لأن المضاف منصوب على التمييز، فلو عرف المضاف إليه صار المضاف معرفة بإضافته إليه والتمييز واجب التنكير نعم، يجوز ذلك عند الكوفيين، ولو قلت خمسة آلاف دينار جاز تعريف المضاف إليه نحو خمسة آلاف الدينار، وكذلك حكم المائة لأن مميزها يجوز تعريفه كما عرفت، ولا تعرف الآلاف لإضافتها والله أعلم.
ص91