أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-9-2021
1715
التاريخ: 17-1-2016
2172
التاريخ: 7-10-2020
2400
التاريخ: 22-1-2022
1280
|
تكون الغابات والمستنقعات أشكالا مختلفة من العقبات والعوائق الطبيعية ضد سهولة الاتصال عبرها، ولا شك أن المستنقعات خاصة إذا كانت تمتد في مساحات كبيرة تشكل عقبة كئودا أمام تقدم الجيوش الزاحفة، وبذلك فإنها تحتاج إلى تكتيك حربي خاص بها، لكن أسهل منه الالتفاف حولها إن أمكن، وبذلك فإن الحدود التي تجتاز المستنقعات إنما كانت في الماضي حدودا دفاعية جيدة، مثال ذلك حدود روسيا القيصرية في منطقة مستنقعات البريبت بينها وبين بولندا، وكذلك مستنقعات بحيرة كيوجا وما جاورها التي كونت حماية طبيعية لمملكة بوجندا القديمة من الناحية الشمالية، وهناك عشرات الأمثلة على دور المستنقعات في إقامة حدود دفاعية قوية بالنسبة لكثير من المجتمعات البدائية، وإمارات ودول العصور القديمة والوسطى، فلقد نمت القومية الهولندية وسط عشرات المجاري والمستنقعات في دلتا الراين، كما أن مستنقعات شمال الدلتا المصرية قدمت حماية طيبة للدلتا الغنية من جهة الشمال بحيث إن مصر لم يجر غزوها من الشمال إلا في حالة واحدة: الحملة الصليبية على المنصورة ودمياط التي فشلت أيضا نتيجة الدفاع المملوكي والاستعانة بمياه الفيضان معا.
وما من شك في أن تكنيك الحروب الحديثة قد وجد حلا لمعارك المستنقعات متمثلا في دبابات وسيارات من نوع خاص، وقوارب عسكرية مؤهلة للحركة في المستنقعات أيضا، لكن ذلك لا يعني أنها فقدت قيمتها تماما، ولا أدل على ذلك من أن مستنقعات دلتا الميكونج في فيتنام الجنوبية ظلت مسرحا لنشاطات الفيتكونج العسكرية طوال عشرسنوات من الحرب ضد التكنيك العسكري الأمريكي البري والجوي، المتنوع والمستفيد دائما من خبرة المعارك، ذلك أن حرب العصابات تشكل نوعا جديدا من الحروب التي تستفيد دائما من العقبات الطبيعية، خاصة الجبال والغابات والمستنقعات.
والغابات هي الأخرى عقبة طبيعية ضد حدود الاتصال، ومما يزيد هذه العقبة قوة أن الغابات في النطاق المعتدل البارد تنمو في المناطق الجبلية الوعرة القليلة الاستخدام والسكن، وبذلك تتضافر عدة قوى طبيعية على جعل مناطق الغابات حدود انفصال واضحة، ولهذا نجد الكثير من المناطق الغابية تشكل إمارات صغيرة خاضعة بصورة من الصور لحكم ذاتي يستمد قوته أحيانا من قوى أخرى مجاورة، تغذيه وتساعده على البقاء كنوع من الدول الحاجزة، وفي أحيان أخرى كانت الدولة تنشئ إقطاعا لأمراء في مناطق الحدود الغابية، ومن ثم نشأت مصطلحات قديمة بهذا المعنى مثل (مارك Mark-March) وقد نشأت عنها ألقاب نبالة قديمة مثل المركيز (صاحب المارك) ومارك جراف (بالألمانية أيضا صاحب المارك).
فالمارك كان جزءا من إقليم الحدود ينظم دائما على أساس شبه عسكري من أجل المحافظة على الحدود، وقد نظم شارلمان وأوتو عددا من هذه التنظيمات العسكرية على الحدود لمنع الزحف السلافي إلى وسط أوروبا، وقد تطورت هذه (الماركات) فيما بعد لتصبح دولا ذات قومية خاصة توسعت في المستقبل وكونت إمبراطوريات وممالك في وسط أوروبا، ومن أهم هذه (الماركات) مارك براندنبرج الذي كان نواة الإمبراطورية البروسية والقومية الألمانية، ومن الماركات الأخرى بوهيميا، مورافيا (في تشيكوسلوفاكيا حاليا)، وصوربيا (الصرب قاعدة الوحدة اليوجسلافية فيما بعد)، ومارك بريتاني (في غرب فرنسا)، ومارك إسبانيا في جنوب فرنسا. وبذلك طوق شارلمان مملكته بإمارات حاجزة لحمايتها من الشرق والجنوب الشرقي والغرب.
ولقد تطورت فكرة (المارك) إلى فكرة المحميات في العصر الاستعماري، والمحمية هي دولة ذاتية الحكم تستند في بقائها إلى قوة الاستعمار المجاورة، وتقوم بوظيفة منع الاحتكاك المباشر مع القوى الأخرى، ومن أشهر الأمثلة على المحميات دولتا بوتان وسيكيم، اللتان تفصلان جانبا من الحدود الهندية مع التبت، فقد ظلتا محميتين بريطانيتين، وبعد استقلال الهند ظل هناك مندوب هندي يساعد في تصريف الأمور، وعلى هذا النحو يمكن أن نفسر بقاء سيام (تايلاند حاليا) دولة حاجزة بين النفوذين الاستعماريين الإنجليزي (في بورما) والفرنسي (في الهند الصينية: فيتنام وكمبوديا ولاووس حاليا). وبالمثل كانت نشأة دولة أورجواي على مصب لابلاتا اتفاقا بين النفوذين الإسباني (في الأرجنتين) والبرتغالي (في البرازيل) لمنع الصدام بينهما في هذه المنطقة الحساسة، كذلك كان إنشاء المنطقة المحايدة بين الكويت والمملكة السعودية عازلا دون احتكاك مصالحهما.
وفكرة المناطق المحايدة أو الحاجزة فكرة قديمة مارستها الجماعات البدائية كما سبق أن ذكرنا، فعند المجتمعات البدائية كانت الحدود عبارة عن مناطق غير مأهولة بين مناطق الاستقرار والتجمعات البشرية، وبذلك فإن هذه الحدود تشابه مناطق اللامعمور بين الدول الشقة الحرام وهي على هذا النحو لم تكن خطوط اتصال على الإطلاق، بل نطاقات فصل، فحيث ينتهي السكن تنتهي حدود المجتمع، وقد أخبرنا الرحالة الألماني بارث وغيره من الذين جابوا أفريقيا خلال القرن التاسع عشر أن مناطق اللامعمور هي حدود الجماعات، وفي خلال فترات الحروب تمتد هذه النطاقات الحاجزة مسافات أوسع كنوع من نطاقات الأمان كانت تصل أحيانا إلى أكثر من مائة كيلومتر اتساعا، مثلا تلك التي توجد بين دولة الفولاني وبورنو في شمال شرق نيجيريا، أو بين الأزاندي والبونجو في السودان الجنوبي، وفي اسكندنافيا كانت حدود السلاف والجرمان والفن مماثلة للحدود الموجودة في أفريقيا، كما كانت حقول الثلج الشاسعة تفصل بين السويد والنرويج، وإلى الشمال من تروندهايم كانت الأرض في أقاليم ترومز ونورلاند ولابلاند تعد أرضا مشتركة بين النرويجيين والسويديين والروس، وكان اللاب المتنقلون يدفعون ضرائب صغيرة لهذه الدول الثلاث، وقد ظلت هذه المساحات الواسعة بدون سكان مستقرين حتى القرن السابع عشر حينما استقرت جماعات من الفن في نورلاند، وهكذا نجد عنصر الفن واللاب يتداخل بين السويد والنرويج اللتين لم تتفقا على حدود فاصلة . بينهما إلا في عام ١٧٥١ ، كما خططت الحدود بين النرويج وروسيا في عام ١٨٦٢.
مثل هذه المناطق الخالية كانت تعتبر لمدة طويلة أحسن وسائل الدفاع عن الدولة؛ لأن العدو يخترق الأراضي غير المواتية لمسافة طويلة قبل أن يهاجم الدولة، ومن المعروف أن بعض القادة كان يتعمد ترك مناطق خالية حاجزة، مثال ذلك أن الزعيم أتيلا طلب من بيزنطة أن تترك نطاقا بعرض مائتي كيلومتر جنوب الدانوب خالية من السكن والزراعة، وكذلك ترك البارونات الإنجليز مساحات غير مستغلة على طول الحدود بين إنجلترا واسكتلندا لتأمين الحماية، وعلى حدود لتوانيا ترك الأمراء التيوتون نطاقات من الغابات غير المأهولة يتراوح عرضها بين مائة ومائتي كيلومتر عند منطقة ممل التي تمر فيها ثلاثة طرق محصنة بالقلاع تتجه إلى جرودنو وكوفنو وأونتلسبورج، وهذا معناه أن فرسان التيوتون الذين احتلوا لتوانيا في منتصف القرن السادس عشر قد تركوا أكثر من نصف المساحة التي احتلوها فراغا حاجزا لتأمين أملاكهم الجديدة ضد السلاف.
وأغرب أنواع الحدود المهجورة كانت بين الصين وكوريا، فقد طرد السكان من نطاق عرضه حوالي مائة كيلومتر، ودمرت كل القرى والمزارع الموجودة داخل هذا النطاق، وهددت السلطات كل من يقبض عليه داخل هذا النطاق المهجور بالموت الفوري، وكانت التجارة بين الدولتين تسلك طريقا واحدا مصرحا به من قبل السلطات، وزيادة في الحيطة والحذر لم يكن هذا الطريق مفتوحا طوال العام، بل كان يؤمر بفتحه ثلاث مرات في العام لمرور القوافل.
وفي أغلب الظروف كانت هذه المناطق المهجورة كنطاقات حاجزة بين الدول والمجتمعات البدائية تفقد قيمتها لأسباب كثيرة على رأسها حدوث غزو أو تحسين العلاقات بين الدول المتنازعة، أو اضطرار الدول والمجتمعات إلى إلغائها نتيجة للضغط السكاني الداخلي والحاجة إلى أرض وموارد جديدة، ولكن هذه المناطق كانت تتحول قبل ذلك بالتدريج إلى مأوى وملجأ للمجرمين والفارين من الدولتين المتجاورتين أو إلى مأوى للثوار على أنظمة الحكم، ومن الأمثلة الحديثة على ذلك أن المناطق غير المأهولة على طول الحدود الأمريكية المكسيكية كانت مأوى للخارجين على القانون خلال العشرات الأولى من هذا القرن، ولما استفحل أمرهم اضطرت الحكومة الأمريكية إلى تجريد حملات عسكرية واستخدام الجيش والوسائل الحربية للقضاء عليهم.
ولا شك في أن المناطق الخالية عمدا تلالا أو غابات أو مستنقعات أو أراضي جيدة غير معمورة صالحة لقيام نطاقات حاجزة بين الدول في حالة وجود مزيد من الأرض وقليل من السكان، ومع اقتصاد زراعي أو نشاطات اقتصادية أولية، ولكن مع نمو الحضارة الصناعية والنمو السكاني الحديث مع النزاعات القومية وظهور الدول القومية بأشكالها الحديثة، لم تعد الحاجة إلى هذه التخوم المهجورة قائمة، بل على العكس ظهرت الحاجة إلى مزيد من الأرض ومزيد من الموارد، ومن ثم اختفت هذه المناطق الحاجزة تماما من خريطة أوروبا وغيرها من الدول إلا من بقايا تاريخية قديمة كإمارات لكسمبورج وليختشتاين وأندورا ونبال، واتخذت المناطق الحاجزة وضع المناطق المحايدة في الأراضي قليلة السكان ذات الموارد المحتملة ريثما يتم اتفاق الدول على تقسيمها في ظل ظروف سياسية مواتية.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|