المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 16371 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
سند الشيخ إلى علي بن الحسن بن فضال.
2024-05-06
سند الشيخ إلى صفوان بن يحيى.
2024-05-06
سند الزيارة ونصّها برواية ابن المشهديّ مع ملاحظات.
2024-05-06
نصّ الزيارة برواية الطبرسيّ في الاحتجاج.
2024-05-06
برامج تربية سلالات دجاج انتاج البيض
2024-05-06
بين ابن ختمة وابن جزي
2024-05-06

الأفعال التي تنصب مفعولين
23-12-2014
صيغ المبالغة
18-02-2015
الجملة الإنشائية وأقسامها
26-03-2015
اولاد الامام الحسين (عليه السلام)
3-04-2015
معاني صيغ الزيادة
17-02-2015
انواع التمور في العراق
27-5-2016


جامع البيان للطبري : تفسير بالمأثور  
  
1973   05:12 مساءاً   التاريخ: 15-10-2014
المؤلف : محمد هادي معرفة
الكتاب أو المصدر : التفسير والمفسرون في ثوبه القشيب
الجزء والصفحة : ج2 ، ص738-750.
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / مناهج التفسير / منهج التفسير الأثري أو الروائي /

هو الامام ابو جعفر محمد بن جرير الطبري (224-310) ، نسبة الى طـبـرسـتان ، ولد بآمل ، من بلاد مازندران ـ ايران ، ورحل في طلب العلم وهو شاب ، وطاف الاقاليم ، فسمع بمصر والشام والعراق ، ثم القى رحله بغداد واستقر بها ، ونشر علمه هناك ، الى ان توفي حتى توفاه الله.
كـان الـرجـل خبيرا بالتاريخ وبأقوال السلف ، عالما فاضلا وناقدا بصيرا وله بعض الاجتهاد في التفسير والنظر في التعادل والتراجيح ... ويعد أباً للتفسير كما اعتبر أباً للتاريخ .. وذلك باعتبار جامعية تفسيره استقصائه لآرائه السلف وأقوالهم ، بذكر الاسانيد العالية ، مما يستدعي الثقة بنقله ، غير انه اكثر من النقل فخطبه بعض الغث الهزيل ولا سيما جانب الإسرائيليات وقد أكثر من نقلها .. وقد عيب عليه ذلك مما أوجب التمحيص في مروياته ..

 وتفسيره اليوم – بما اشتمل على الروايات الضعاف – يعد من خير المراجع التفسيرية الجامعة لآراء السلف ، ولولاه لربما ضاعت أكثر تلكم الآراء وفيها الدرر الغالية .

قال ابو محمد عبد العزيز بن محمد الطبري : كان أبو جعفر من الفضل والعلم والذكاء والحفظ على ما لا يجهله أحد عرفه ، لجمعه من علوم الإسلام ما لم نعلمه اجتمع لأحد من هذه الامة . ولا ظهر من كتب المصنفين وانتشر من كتب المؤلفين ما انتشر له . وكان راجحاً في علوم القرآن والقراءات وعلم التاريخ من الرسل الخلفاء والملوك .

 واختلاف الفقهاء مع الرواية كذلك على مافي كتابه البسيط والتهذيب وأحكام القراءات ، من غير تعويل على المناولات والإجازات ، ولا على ما قيل من الأقوال . بل يذكر ذلك بالأسانيد المشهورة . وقد بان فضله في علم اللغة والنحو ، وكان له قدم في علم الجدل ..

وكان يحفظ من الشعر للجاهلية والإسلام .

وقال أبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد : سمعت ثعلباً يقول : قرأ علي ابو جعفر الطبري شعر الشعراء قبل أن يكثر الناس عندي بمدة .

قال عبد العزيز : كان أبو جعفر قد نظر في المنطق والحساب والجبر والمقابلة وكثير من فنون أبواب الحساب وفي الطب .

وكان قد تخصص في كل فن ، كان عند القراءة كالقارئ الذي لا يعرف سوى القرآن .

وعند التحديث كالمحدث الذي لا يعرف سوى الحديث . وعند الفقاهة كالفقيه الذي لا يعرف سوى الفقه .. وكالنحوي الذي لا يعرف سوى النحو . وكالحاسب الذي لا يعرف سوى الحساب . وكان عالماً بالعبادات جامعاً للعلوم .

قال : وإذا جمعت بين كتبه وكتب غيره وجدت لكتبه فضلا على غيرها . وكتابه المسمى جامع البيان عن تأويل القرآن حاز السبق وحمل مشرقاً ومغرباً وقرأه كل من كان في وقته من العلماء وكل فضله وقدمه .

قال ابو عمر الزاهد – وكان يعيش دهراً بمقابلة الكتب - : قابلت هذا الكتاب من أوله الى آخره فما وجدت فيه حرفاً واحداً خطأ في نحو ولا لغة .

قال ابو جعفر : حدثني به نفسي وأنا صبي ... قال : استخرت الله تعالى في عمل كتاب التفسير وسألته العون على ما نويته ثلاث سنين قبل ان اعلمه فأعانني !

قال ابو بكر محمد بن مجاهد : سمعت ابا جعفر يقول : إني أعجب ممن قرأ القرآن ولم يعلم تأويله كيف يلتذ بقراءته (1). 

إلماعه عن هذا التفسير وعن منابعه

لياقوت الحموي وصف جامع عن تفسير الطبري ويذكر مراجعة في التفسير نذكره بنصه : قال : وكتاب التفسير كتاب ابتداء بخطبة ورسالة التفسير ، تدل على ما خص الله به القرآن العزيز من البلاغة والإعجاز والفصاحة التي نافى بها سائر الكلام . وذكر من مقدمات الكلام في التفسير وفي وجوه التأويل وما يعلم تأويله ، وما ورد في جواز تفسيره ، وما حظر من ذلك . والكلام في قول النبي (صلى الله عليه واله وسلم) : " أنزل القرآن على سبعة أحرف " .

وبأي الألسنة نزل . والرد على من قال : إن فيه أشياء من غير الكلام العربي ، وتفسير اسماء القرآن والسور ، وغير ذلك مما قدمه . ثم تلاه بتأويل القرآن حرفاً حرفاً ، فذكر أقوال الصحابة والتابعين ومن بعدهم من تابعي التابعين ، وكلام أهل الاعراب من الكوفيين والبصريين ، وجملا من القراءات واختلاف القراءة ، فيما فيه من المصادر واللغات والجمع والتثنية ، والكلام في ناسخه ومنسوخه ، وأحكام القرآن والخلاف فيه والرد عليهم من كلام أهل النظر فيما تكلم فيه بعض اهل البدع ، والرد عليهم على مذاهب أهل الإثبات ومبتغي السنن .. الى آخر القرآن .

وذكر فيه من كتب التفاسير المصنفة عن ابن عباس خمسة طرق ، وعن سعيد بن جبير طريقين ، وعن مجاهد بن جبر ثلاثة طرق ، وربما كان عنه في مواضع أكثر من ذلك . وعن قتادة بن دعامة ثلاثة طرق ، وعن الحسن البصري ثلاثة طرق ، وعن عكرمة ثلاثة طرق ، وعن الضحاك بن مزاحم طريقين ، وعن عبد الله بن مسعود طريقاً ، وتفسير عبد الرحمان ابن زيد بن اسلم ، وتفسير ابن جريح ، وتفسير مقاتل بن حيان ، سوى ما فيه من مشهور الحديث عن المفسرين وغيرهم . وفيه من المسند حسب حاجته اليه ، ولم يتعرض لتفسير غير موثوق به ، فإنه لم يدخل في كتابه شيئاً عن كتاب محمد بن السائب الكلبي ، ولا مقاتل بن سليمان ، ولا محمد بن عمر الواقدي ، لأنهم عنده أظناه (2) .

وكان اذا رجع الى التاريخ والسير وأخبار العرب ، حكى عن محمد بن السائب الكلبي وعن ابنه هشام ، وعن محمد بن عمر الواقدي وغيرهم فيما يفتقر إليه ولا يؤخذ إلا عنهم .

وذكر فيه مجموع الكلام والمعاني من كتاب علي بن حمزة الكسائي ، ومن كتاب يحيى بن زياد الفراء ، ومن كتاب ابي الحسن الأخفش ، ومن كتاب ابي علي قطرب وغيرهم يؤخذ معانيه وإعرابه . وربما لم يسمهم اذا ذكر شيئا من كلامهم .

وهذا كتاب يشتمل على عشرة آلاف ورقة او دونها حسب الخط او ضيقه (3).

منهجه في التفسير ونقد الآراء

انـه يـذكر الآية اولا ، ثم يعقبها بتفسير غريب اللغة فيها ، او اعراب مشكلها ، اذا دعت الحاجة الى ذلـك ، وربـمـا يـستشهد بأشعار العرب وامثالهم وبعد ذلك  يتعرض لتأويل الآية ، اي تفسيرها على الوجه الراجح ، فيأتي بحديث او قول مأثور ان كان هناك رأي واحد اما اذا ازدحمت الآراء ، فعند ذلك يذكر كل تأويل على حده ، وربما رجح لدى تضارب الآراء احدها واتى بمرجحاته ان لغة او اعتبارا ، وربما فصل الكلام في اللغة والاعراب ، واستشهاده بالشعر والادب .

مثلا نراه عند قوله تعالى : {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} [البقرة : 6] يقول : وتأويل (سواء) : معتدل ، مأخوذ من التساوي ، كقولك : متساو هذان الامران عندي ، وهما عندي سواء ، اي هما متعادلان عندي ومنه قول اللّه ـ جل ثناؤه ـ : {فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ} [الأنفال : 58] يعني : اعلمهم وآذنهم بالحرب حتى يستوي علمك وعلمهم ، بما عليه كل فريق منهم للفريق الاخر فكذلك قوله : (سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ) مـعتدل عندهم اي الامرين كان منك اليهم : الانذار ام ترك الانذار ، لانهم كانوا لا يؤمنون ، وقد ختمت على قلوبهم وسمعهم ومن ذلك قول عبد اللّه بن قيس الرقيات :

تعذبني الشهباء نحو ابن جعفر ـــــ سواء عليها ليلها ونهارها.

يعني بذلك : معتدل عندها في السير الليل والنهار ، لانه لا فتور فيه .

و منه قول الاخر :

و ليل يقول المر من ظلماته ـــــ سواء صحيحات العيون وعورها.
لأن الصحيح لا يبصر فيه الا بصرا ضعيفا من ظلمته .

و امـا قـوله : { أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } فإنه ظهر به الكلام ظهور الاستفهام ، وهو خبر ، لانه وقع موقع (اي ) ، كما تقول : لا نبالي اقمت ام قعدت ، وانت مخبر لا مستفهم ، لوقوع ذلك موقع (أي ) ، وذلـك ان مـعناه ـ اذا قلت ذلك ـ : ما نبالي أي هذين كان منك ، فكذلك ذلك في قوله : {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ } لما كان معنى الكلام : سواء عليهم أي هذين كان منك اليهم ، حسن في مـوضـعـه مع سواء أفعلت ام لم تفعل وقد كان بعض نحويي اهل البصرة يزعم ان حرف الاستفهام ان مـا دخـل مع (سواء) وليس باستفهام ، لان المستفهم اذا استفهم غيره فقال : ازيد عندك ام عمرو ، مـسـتثبت صاحبه ايهما عنده ، فليس احدهما احق بالاستفهام من الاخر ، فلما كان قوله : {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ } بمعنى التسوية ، اشبه ذلك الاستفهام ، اذ اشبهه في التسوية ، وقد بينا الصواب في ذلك .
فتأويل الكلام : اذا معتدل يا محمد على هؤلاء الذين جحدوا نبوتك من احبار يهود المدينة ، بعد علمهم بها ، وكتموا بيان امرك للناس بانك رسولي الى خلقي ، وقد اخذت عليهم العهد والميثاق ان لا يكتموا ذلـك وان يـبـيـنوه للناس ، ويخبروهم انهم يجدون صفتك في كتبهم ، أأنذرتهم ام لم تنذرهم فانهم لا يؤمنون ولا يرجعون الى الحق ، ولا يصدقون بك وبما جئتهم به .
كما حدثنا محمد بن حميد ، قال : حدثنا سلمة بن الفضل عن محمد بن اسحاق عن محمد بن ابي محمد مـولـى زيـد بـن ثـابت عن عكرمة ، او عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ} اي انهم قد كفروا بما عندهم من العلم من ذكر ، وجحدوا ما اخذ عليهم من الـمـيـثـاق لك ، فقد كفروا بما جاك وبما عندهم مما جاهم به غيرك ، فكيف يسمعون منك انذارا وتحذيرا ، وقد كفروا بما عندهم من علمك (4) .
انظر الى هذا التفصيل في مجال الادب ، الذي ينبؤك عن سعة اضطلاعه بالأدب وبأقوال النحاة .
ونـراه يـقـول في تأويل قوله ـ جل ثناؤه ـ : {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ} [البقرة : 7] و اصل الختم : الطبع ، والخاتم : الطابع ، يقال : منه ختمت الكتاب ، اذا طبعته .
فان قال لنا قائل : وكيف يختم على القلوب ، وانما الختم طبع على الاوعية والظروف والغلف ؟.
قـيـل : فـان قلوب العباد اوعية لما اودعت من العلوم ، وظروف لما جعل فيها من المعارف بالأمور ، فـمعنى الختم عليها وعلى الاسماع التي بها تدرك المسموعات ، ومن قبلها يوصل الى معرفة حقائق الانباء عن المغيبات ، نظير معنى الختم على سائر الاوعية والظروف .
فـان قال : فهل لذلك من صفة تصفها لنا فنفهمها ، اهي مثل الختم الذي يعرف لما ظهر للأبصار ام هي بخلاف ذلك ؟ قيل : قد اختلف اهل التأويل في صفة ذلك ، وسنخبر بصفته بعد ذكرنا قولهم .
ثم ذكر قول مجاهد ، باسناده عن الاعمش ، قال : ارانا مجاهد بيده فقال : كانوا يرون ان القلب في مثل هـذا ، يـعـنـي الكف فاذا اذنب العبد ذنبا ضم منه ، وقال بأصبعه الخنصر هكذا فاذا اذنب ضم ، وقال بأصبع اخرى فاذا اذنب ضم ، وقال بأصبع اخرى هكذا ، حتى ضم اصابعه كلها ، قال : ثم يطبع بطابع قال مجاهد : وكانوا يرون ان ذلك الرين .
وذكـر قـولا آخر لبعضهم : ان (الختم ) هنا كناية عن تكبرهم واعراضهم عن الاستماع لما دعـوا اليه من الحق ، كما يقال : ان فلانا لأصم عن هذا الكلام ، اذا امتنع من سماعه ورفع  نفسه عن تفهمه تكبراً.

قـال : والحق في ذلك عندي ما صح بنظيره الخبر عن رسول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم ) وهو ما رواه ابو هريرة ، قـال : قـال رسـول اللّه (صلى الله عليه واله وسلم ) : ان الـمؤمن اذا اذنب ذنبا كان نكتة سودا في قلبه ، فان تاب ونزع واسـتـغفر ، صقل قلبه ، فان زاد زادت حتى يغلف قلبه ، فذلك (الران ) الذي قال اللّه ـ جل ثنائه ـ : {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا  يَكْسِبُونَ} [المطففين : 14] .

فاخبر (صلى الله عليه واله وسلم ) ان الذنوب اذا تتابعت على القلوب اغلفتها ، واذا اغلفتها اتاها حينئذ الختم من قبل اللّه والطبع ، فلا يكون للأيمان اليها مسلك ، ولا للكفر منها مخلص ثم اخذ في مناقشة القول الثاني ، وفصل الكلام فيه على عادته في مناقشة الاقوال (5) .
هـذا مـنـهجه في التفسير ، وهو من خير المناهج المعروفة في التفسير بالمأثور ، ومناقشة الآراء المتضاربة في التفسير وحقا انه طويل الباع في هذا المجال ، سواء في النقل ام في النقاش .

موقفه تجاه أهل الرأي في التفسير
انـه يقف في وجه اهل الراي في التفسير موقفا عنيفا ، ويرى من اعمال الرأي في تفسير كلام اللّه مـخـالفة بينة لظاهر دلائل الشرع ، ويشدد في ضرورة الرجوع الى العلم المأثور عن الصحابة والتابعين ، وان ذلك وحده هو علامة التفسير الصحيح .

فمثلا عند ما تكلم عن قوله تعالى : {ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ } [يوسف : 49] نجده يذكر ما ورد في تفسيرها عن السلف ، مـع توجيهه للأقوال وتعرضه للقراءات ، بقدر ما يحتاج اليه تفسير الآية ، ثم يعرج بعد ذلك على من يـفـسر القرآن برأيه ، وبدون اعتماد منه على شيء الا على مجرد اللغة ، فيفند قوله ويحاول ابطال رأيـه فـيقول ما نصه : (و كان بعض من لا علم له بأقوال السلف من اهل التأويل ، ممن يفسر القرآن برأيه على مذهب كلام العرب ، يوجه معنى قوله : (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) الى : وفيه ينجون من الجدب والقحط بالغيث ، ويزعم انه من العصر بمعنى المنجاة ، كما جاء في قول ابي زبيد الطائي :

صاديا يستغيث غير مغاث ـــــ ولقد كان عصرة المنجود.

اي المقهور.

و قول لبيد :

فبات واسرى القوم آخر ليلهم ـــــ وما كان وقافا بغير معصر.

قال : وذلك تأويل يكفي من الشهادة على خطئه ، خلافه قول جميع اهل العلم من الصحابة والتابعين .
قـال : واما القول الذي روى الفرج بن فضالة عن علي بن ابي طلحة ـ ان يعصرون بمعنى يحلبون ـ فـقـول لا معنى له ، لانه خلاف المعروف من كلام العرب ، وخلاف ما يعرف من قول ابن عباس : انه عصر الاعناب والثمرات (6) .


موقفه تجاه أهل الظاهر 

كان أبو جعفر إذا رأى من ظاهر النقل ما ينافي العقل ، يعمد الى التأويل بوجه مقبول ..

ويستنكر على أولئك الذين يقتنعون بظاهر التعبير من غير تعقل او تحصيل .. وهكذا إذا وجد ما يخالف – بظاهرة – قواعد الأدب الرفيع .

نراه عند تفسير الاستواء من سورة البقرة (7) يواجه آراءً يستنكرها ويؤول الآية يما لا يستدعي التحيز في ذاته تعالى .. الأمر الذي استنكر عليه مشايخ الحنابلة ببغداد ،حينما حاولوا اختبار مذهبه عند عودته من بلاده (آمل – طبرستان) (8) ..

ذكر ياقوت : لما قدم أبو جعفر الى بغداد من طبرستان بعد رجوعه إليها ، تعصب عليه الجصاص والبياضي ، وقصده الحنابلة ، فسألوه عن أحمد بن حنبل – في الجامع يوم الجمعة – وعن حديث الجلوس على العرش ! فقال أبو جعفر : اما احمد بن حنبل فلا يعد خلافه .. وأما حديث الجلوس على العرش فمحال .

ثم أنشد :

سبحان من ليس له أنيس        ولا له في عرشه جليس

فلما سمع ذلك الحنابلة منه وأصحاب الحديث وثبوا ورموه بمحابرهم .. فقام أبو جعفر بنفسه ودخل داره ، فرموا داره بالحجارة حتى صار على بابه كالتل العظيم . وركب نازوك صاحب الشرطة يمنع عنه العامة ، ووقف على بابه يوماً الى الليل وأمر برفع الحجارة عنه .. (9).

وقال عند تفسيره للآية – من سورة البقرة - : اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم : هو بمعنى أقبل عليها .. وقال بعضهم : عمد إليها (10) .. وقال بعضهم : الاستواء هو العلو ، والعلو هو الارتفاع – يعني به الإشراف لغرض التدبير لا الارتفاع المكاني (11) – كما حدث به عبد الله بن ابي جعفر عن ابيه عن الربيع بن أنس ، قال : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ } [البقرة : 29] يقول : ارتفع الى السماء ..

قال ابو جعفر : الاستواء – في كلام العرب – منصرف الى الوجوه ، منها : انتهاء الشباب .

ومنها : استقامة ما كان فيه أود . ومنها : الإقبال على الشيء بالفعل ، كما يقال : استوى فلان على فلان بما يكرهه ويسوؤه بعد الإحسان إليه . ومنها : الاحتياز والاستيلاء ، كقولهم : استوى فلان على المملكة بمعنى : احتوى عليها وحازها (12) . ومنها : العلو والارتفاع كقول القائل : استوى فلان على سريره يعني به علوه عليه .

قال : وأولى المعاني بقول الله – جل ثناؤه - : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ } .. علا عليهن وارتفع فدبرهن بقدرته .. وفسر العلو بعلو الملك والتدبير .. قال : علا عليها علو ملك وسلطان ، لا علو انتقال وزوال .. (13)

وهكذا ذكر الزمخشري ، قال : لما كان الاستواء على العرش – وهو سرير الملك – مما يردف الملك ، جعلوه كناية عن الملك ، فقالوا : استوى فلان على العرش يريدون ملك ، وان لم يجلس على السرير ألبتة .. (14) .

موضع ولائه لآل البيت

لم تجد علماً من أعلام الأمة إلا وهو خاضع لولاء آل الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) حيث الوفاء بأجر الرسالة وإكرام صاحب الرسالة ، وإنما يحفظ المرء في ولده .. فلا غرو أن نجد من هذا العلم القرم موالياً لآل البيت ومتواضعاً لدى أعتابهم العالية ..

يقول عنه أبو عبد الله الذهبي : الإمام الجليل المفسر ، ثقة صادق ، فيه تشيع وموالاة لا تضر .. (15) أي تشيع من غير مغالاة ، الأمر الذي عليه عامة الموالين لآل البيت الصادقين ...

ومن ثم فآثار هذا التشيع والولاء الصادق بادية أثناء تفسيره الجامع وكذا تاريخه الكبير ز.. لم يغض بصره عن الحق ولم يحاول – كما حاول الآخرون – طمس آثار فضائلهم المشهودة !

نراه عند تفسير آية التطهير (الأحزاب : 33) يروى ستة عشر حديثاً مسنداً متصل الإسناد الى أم سلمة وعائشة وابي سعيد الخدري وأنس وأبي الحمراء وواثلة بن الأسقع وابي هريرة وابن زمعة وعمرو بن ابي سلمة وعن الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) وعن سعد بن أبي وقاص – مؤكداً – أنها نزلت في علي وفاطمة والحسن والحسين خاصة .. (16) وفي النهاية يذكر رواية مقطوعة السند ، واهية الاعتبار ، عن عكرمة : أنها نزلت في نساء النبي (صلى الله عليه واله وسلم) (17) .

وهذا من لطيف صنعه ، يجعل من لمة الروايات الفخيمة ذوات الأسانيد العالية ، ومسندة الى كبار الصحابة وأمهات المؤمنين الى جانب ، والجانب الآخر رواية شاذة موهونة الاعتبار ، ساقطة الى حد بعيد ..

يرويه ابن حميد عن يحيى بن واضح – ذكره ابن الجوزي في الضعفاء (18) – عن الأصبغ ابن نباتة عن علقمة بن قيس عن عكرمة مولى ابن عباس ..

ورواية ابن واضح – وهو من الطبقة التاسعة – من باب ابن نباتة – وهو من الطبقة الثالثة – مقطوعة بإسقاط الوسائط ، إذن فهي مجهولة الإسناد !! (19)

وهكذا صنع في حديث الغار ، من قوله تعالى : {فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة : 40] . فسر الآية بإرجاع الضمائر كلها الى الرسول – نظراً لوحدة السياق – ولآيات أخرى نظيراتها (20) .. قال : يقول تعالى ذكره : فأنزل الله طمأنينته وسكونه على رسوله ..

وعقبه بقوله : وقد قيل : على أبي بكر .. ولم يزد ! (21) .. نعم لأمر ما جدع قصير أنفه !!

وكم له من أمثال هذه البدائع الظريفة المبرهنة على براعته في الصنع والتدبير !

وهكذا نراه بشأن حديث الغدير يصنف كتاباً ضخماً في مجلدين ، جمع فيه أحاديث الغدير وطرق أسانيدها بغزارة .. وله تأليف آخر بشأن حديث " الطير المشوي " ، ويعد من أفخم مناقب الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ذكر طرق أسانيدها واعتلائها ، مما ينبؤك عن علم واسع وإيمان وثيق .. (22) .

وحديث الطير المشوي رواه الأكابر بأسانيد عالية : " ان النبي (صلى الله عليه واله وسلم) أتي بفرخ مشوي ..

فقال : اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي .. ولم يمد يده الى الطعام حتى جاءه علي ابن ابي طالب (عليه السلام) . فقال له النبي (صلى الله عليه واله وسلم) ما أبطأ بك يا علي ! فأمره أن يأكل معه .. (23) .

يقول ياقوت الحموي : وكان بعض شيوخ بغداد يقول بكذب غدير خم وإنكار أن يكون علي (عليه السلام9 حاضراً ذلك اليوم .. فبلغ أبا جعفر ذلك ، فابتدأ بالكلام في فضائل علي بن ابي طالب (عليه السلام) وذكر طرق حديث خم فكثر الناس لاستماع ذلك .. (24)

وذكر انه دفن ليلاً خوفاً من العامة ، لأنه كان يتهم التشيع .. قال الخطيب : ولم يؤذن بموته أحد ، ومع ذلك اجتمع على جنازته من لا يحصى عددهم ، وصلي على قبره عدة شهور ليلاً ونهاراً ، ورثاه خلق كثير من أهل الدين والأدب (25).

الأمر الذي دعا بابن أخواته ، هو أبو بكر محمد بن العباس الخوارزمي ، واصله من " آمل " أن يفتخر بتشيع اخواله بني جرير ، يقول :

بآمل مولدي ، وبنو جرير          فأخوالي ، ويحكي المرء خاله

فها أنا رافضي عن تراث          وغيري رافضي عن كلاله (26)

 وأما موضعه من حديث يوم الإنذار (27) حيث أبهم عنه في التفسير ، ولكنه أفصح عنه في التاريخ ، فلعله من أتقاء غوغاء العامة حينذاك حسبما عرفت . ويبدوا أن مجاله في التاريخ كان أفسح مما كان عليه في التفسير  .. ومن ثم نراه في سرد القضايا التاريخية ، ينتهج أحياناً منهج تعابير الخاصة ، فكلما يذكر أحداً من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يعقبه بالسلام عليه ، على خلاف منهج العامة بالاقتصار على الترضي له .. وكثيراً ما يترك التعصب في غيرهم أيا كان .

ونجده يذكر فاطمة الزهراء (عليها السلام) ويعقب بالسلام عليها ويكنيها بأم أبيها ، كما هو شيمة أهل الولاء لآل البيت عليهم السلام (28).

_____________________

1- معجم الأدباء للحموي ، ج5 ، ص254-256.

2- أي متهمون ، جمع ظنين . مثلا نجده عند القول في الحروف المقطعة بأنها من حساب الجمل – وهو برواية مقاتل بن سليمان (ج1 ، ص85) – يقول : كرهنا ذكر الذي حكي ذلك عنه إذ كان الذي رواه ممن لا يعتمد على روايته ونقله . الطبري ، ج1 ، ص68 (بولاق) .

3- معجم الأدباء ، ج5 ، ص256-257.

4- تفسير الطبري ، ج1 ، ص86.

5- تفسير الطبري ، ج1 ، 87.

6- تفسير الطبري ، ج12 ، ص138.

7- الآية 29.

8- هي بلاد مازندران كانت ولا تزال مهد التشيع والولاء لآل البيت (عليهم السلام).

9- معجم الأدباء ج5 ، ص252-253 (دار الكتب العلمية ، بيروت ، 1411هـ . / 1191م).

10- ومنه قول الزمخشري : ثم استوى الى السماء : قصد إليها بإرادته ومشيئته (الكشاف ، ج1 ، ص123).

11- حسبما يذكره هو فيما يأتي من كلامه .
12- من ذلك قول الشاعر :
قد استوى بشر على العراق              من غير سيف ودم مهراق

13- تفسير الطبري ، ج1 ، ص150 (ط بولاق).

14- الكشاف ، ج3 ، ص52 . ذيل الآية (5) من سورة طه .

15- ميزان الاعتدال ، ج3 ، ص498-499 ، رقم 7306.
وذكر أن احمد بن علي السليماني رماه بالوضع للروافض .. قال : وهذا رجم بالظن الكاذب ، بل ابن جرير من كبار ائمة الإسلام المعتمدين ، وما ندعي عصمته من الخطأ ، ولا يحل لنا أن نؤذيه بالباطل والهوى فإن كلام العلماء بعضهم في بعض ينبغي أن يتأنى فيه ، ولا سيما في مثل إمام كبير !
قال : ولعل السليمان أراد غيره وهو محمد بن جرير بن رستم ، وقد رمي بالرفض ..

16- حيث الآية في مرماها ناظرة الى خاصة آل الرسول ، حيث طهرهم من الرجس وعصمهم عن الأدناس إطلاقاً .. وهذا نحو من الإرادة التكوينية بتمهيد أسباب الاعتصام من الشرور . لكنها في فحواها العام تشمل غيرهم بإرادة تشريعية شاملة .. فجاء ذكرها أثناء الخطاب مع أزواج النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لغرض الاستشهاد بها ، وأن الآية تشملهن بهذا الفحوى العام ، المستفاد من عرض الكلام ، حيث لهن مساس بهذا البيت الرفيع ، فلا بد أن ينسجمن مع سائر الاعضاد ، فلا يكن أجنبيات في الأساس !

17- تفسير الطبري ، ج22 ، ص5-7 (ط بولاق ).

18- راجع : ميزان الاعتدال ، ج4 ن ص413 ، رقم 9644.

19- راجع : تقريب التهذيب لابن حجر ، ج 1 ، ص5-6و8 وج2 ، ص359.

20- راجع : مجمع البيان ، ج5 ، ص 32 وقد تحذر التحيزات المذهبية بشدة !.

21- تفسير الطبري ، ج10 ، ص 96 (ط بولاق) .

22- راجع النهاية والبداية ، ج11 ، ص147.

23- راجع : فضائل الخمسة للفيروز آبادي ، ج2 ، ص189 – 195.

24- معجم الأدباء ، ج5 ، ص269.

25- المصدر نفسه ، ص242.

26- راجع : ياقوت الحموي في معجم البلدان ، ج1 ، ص57 . وعبثاً حاول ياقوت تكذيبه !

27- لما نزلت الآية : {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ } [الشعراء : 214] جمع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) لعشيرته واقرباءه وانذرهم بنبوته وبشرهم بأن السابق منهم الى الايمان سوف تناله الوصاية والخلافة .. فكان الذي سبقهم هو علي بن ابي طالب (عليه السلام) في عدة مرات .. فأخذ برقبته وقال : إن هذا أخي ووصي وخليفتي فيكم  .
والحديث ذكره ابن جرير في التفسير (ج19 ، ص75 ، ط بولاق ) بلفظة : " إن هذا أخي وكذا وكذا ... " .. لكنه في التاريخ (ج2 ، ص63 ، ط الاستقامة ، مصر 1939م.) صرح بقوله : " إن هذا أخي وصيي وخليفتي فيكم " !
وذلك إن دل فإنما يدل على تضايق عليه في التفسير دون التاريخ !

28- راجع : كتابه منتخب ذيل المذيل ، ص6 فما بعد . ملحق التاريخ ، ج8.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .



قسم التربية والتعليم ينظّم جلسةً حوارية لملاكه حول تأهيل المعلّمِين الجدد
جامعة العميد تحدّد أهداف إقامة حفل التخرّج لطلبتها
جامعة العميد تحتفي بتخرّج الدفعة الثانية من طلبة كلّية الطبّ
قسم الشؤون الفكريّة يشارك في المؤتمر العلمي الدولي الخامس في النجف الأشرف