أقرأ أيضاً
التاريخ: 15-10-2014
3169
التاريخ: 26-11-2014
2230
التاريخ: 24-04-2015
1620
التاريخ: 15-10-2014
2718
|
من هذه الأخبار العجيبة التي رويت في قصّة التيه ، ما رواه ابن جرير بسنده عن الربيع ، قال : لما قـال لـهم القوم ما قالوا ، ودعا موسى عليهم ، أوحى اللّه الى موسى : إنها محرّمة عليهم اربعين سنة ، يـتيهون في الأرض ، فلا تأسَ على القوم الفاسقين ، و هم يومئذ ست مائة ألف مقاتل ، فجعلهم فاسقين بما عصوا ، فلبثوا أربعين سنة في فراسخ ستة ، او دون ذلك ، يسيرون كل يوم جادين ، لكي يخرجوا منها ، حـتـى يـمـسـوا ويـنزلوا ، فإذا هم في الدار التي منها ارتحلوا ، وأنهم اشتكوا الى موسى ما فعل بـهـم ، فـأنزل عليهم المن والسلوى (1) ، وأعطوا من الكسوة ما هي قائمة لهم ، ينشأ الناشئ فـتكون معه على هيئته .
وسأل موسى ربه ان يسقيهم ، فأتى (بحجر الطور) ، وهو حجر أبيض ، اذا مـا أنزل القوم ضربه بعصاه ، فيخرج منه اثنتا عشرة عيناً ، لكلِّ سبط منهم عين ، قد علم كلّ أناس مـشـربـهـم . وكـذلـك روى : ان ثـيـابـهـم ما كانت تُبلى ، ولا تتّسخ وكذلك نقل بعض المفسرين كالزمخشري وغيره : بأنهم كانوا ست مائة ألف ، وسعة المعسكر اثنا عشر ميلاً.
وكـذلـك ذكـروا أن الحجر كان من الجنة ، ولم يكن حجراً ارضياً ومنهم من قال : كان على هيئة رأس انـسـان . ومنهم من قال :كان على هيئة رأس شاة . وقيل : كان طوله عشرة أذرع ، وله شعبتان تـتّـقـدان في الظلام ، الى غير ذلك من تزيّدات بني إسرائيل . وليس في القرآن ما يدل على هذا الذي ذكـروه فـي وصف الحجر ، مع أنه لو أريد بالحجر الجنس ، وأن يضرب اي حجر ما؛ لكان أدلّ على القدرة ، واظهر في الإعجاز.
و قـد لاحـظ ابـن خـلـدون ـ من قبل ـ المَغالطَ التي تدخل في مثل هذه المرويات ، فقال في مقدمته المشهورة :
اعلم أن فنّ التاريخ فنّ عزيز المذهب ، جمّ الفوائد ، شريف الغاية ، اذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم ، و الأنبياء في سيرهم ، والملوك في دولهم ، وسياستهم ، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا ، فهو محتاج الى مآخذ متعددة ، ومعارف متنوعة ، وحسن نـظـر وتـثبت ، يُفضيان بصاحبهما الى الحق ، وينكّبان به عن المزلاّت والمغالط ، لان الأخبار اذا اعـتُـمـد فـيـها على مجرّد النقل ، ولم تحكم اصول العادة ، وقواعد السياسة ، وطبيعة العمران ، و الاحـوال في الاجتماع الانساني ، ولو قيس الغائب منها بالشاهد ، والحاضر بالذاهب ، فربما لم يؤمن فيها من العثور ، ومزلّة القدم ، والحَيد عن جادة الصدق ، وكثيراً ما وقع للمؤرخين ، والمفسرين وائمـة الـنقل من المغالط في الحكايات ، والوقائع ، لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاً او سميناً ، ولـم يـعـرضـوها على أصولها ، ولا قاسوها بأشباهها ، ولا سبروها بمعيار الحكمة ، والوقوف على طـبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار ، فضلوا عن الحق ، وتاهوا في بيداء الوهم والـغلط ، ولاسيما في إحصاء الاعداد من الاموال ، والعساكر اذا عرضت في الحكايات ، اذ هي مظنة الـكـذب ومـطـيـة الـهذر ، ولابد من ردها الى الأصول ، وعرضها على القواعد . وهذا : كما نقل الـمـسـعودي وكثير من المؤرخين في جيوش بني اسرائيل ، و أن موسى أحصاهم في التيه ، بعد ان أجـاز من كان يطيق حمل السلاح خاصة من ابن عشرين ، فما فوقها ، فكانوا ست مائة الف او يزيدون ، ويذهل في ذلك عن تقدير مصر والشام ، واتساعهما لمثل هذا العدد من الجيوش ، لكل مملكة حصة من الحامية تتسع لها ، وتقوم بوظائفها ، وتضيق عما فوقها ، تشهد بذلك العوائد المعروفة ، والاحوال المألوفة .
ولـقـد كـان مُـلك الفرس ودولتهم أعظم من ملك بني اسرائيل بكثير ، يشهد لذلك : ما كان من غلب بـخـتـنـصر لهم ، والتهامه بلادهم ، واستيلائه على امرهم ، وتخريب بيت المقدس قاعدة ملّتهم وسلطانهم ، وهو من بعض عمال مملكة فارس وكانت ممالكهم بالعراقّين ، وخراسان ، وما وراء النهر ، والأبواب ، أوسع من ممالك بني اسرائيل بكثير ، ومع ذلك لم تبلغ جيوش الفرس قط مثل هذا العدد ولا قـريـبـاً مـنـه وأعـظـم مـا كانت جموعهم بالقادسية مائة وعشرين ألفاً ، كلّهم متبوع ، على ما نـقـله ( سيف ) . قال : وكانوا في أتباعهم أكثر من مئتي ألف . وعن عائشة ، والزهريّ : أن جموع رستم التي حفّ بهم سعد بالقادسية انما كانوا ستين ألفاً كلهم متبوع .
وايضاً : فلو بلغ بنو اسرائيل مثل هذا العدد ، لاتسع نطاق ملكهم ، وانفسح مدى دولتهم ، فان العمالات والممالك في الدول ، على نسبة الحامية ، والقبيل القائمين بها في قلتها وكثرتها حسبما نبين ذلك في فـصل الممالك من الكتاب الأول (2) ، و القوم لم تتسع ممالكهم الى غير الأردن ، وفلسطين من الشام ، وبلاد يثرب ، وخيبر ، من الحجاز ، على ما هو المعروف .
وايـضاً : فالذي بين موسى واسرائيل ، ان هو إلا اربعة آباء ، على ما ذكره المحققون ، فإن موسى بن عمران بن يصهر بن قاهث ـ بفتح الهاء وكسرهاـ بن لاوي ـ بكسر الواو وفتحهاـ بن يعقوب وهو : اسـرائيل ، هكذا نسبه في التوراة . والمدة بينهما على ما نقله المسعودي ، قال : دخل اسرائيل مصر مع ولده الأسباط ، وأولادهم ، حين أتوا الى يوسف سبعين نفساً ، وكان مقامهم بمصر الى أن خرجوا مـع موسى (عليه السلام) الى التيه ، مائتين وعشرين سنة ، تتداولهم ملوك القبط من الفراعنة ويبعد ان يتشعب الـنـسـل فـي اربـعة اجيال الى مثل هذا العدد سـلـيمان ومن بعده ، فبعيد ايضاً ، اذ ليس بين سليمان واسرائيل إلا أحد عشر أباً ، ولا يتشعب النسل فـي أحـد عشر من الولد الى هذا العدد الذي زعموه ، اللهم إلا المائتين والآلاف ، فربما يكون واما ان يـتـجاوز هذا الى ما بعدهما من عقود الأعداد فبعيد ، وأعتبر ذلك في الحاضر المشاهد ، والقريب المعروف تجد زعمهم باطلاً ، ونقلهم كاذباً.
قال : والذي ثبت في (الاسرائيليات ) أن جنود سليمان كانت اثني عشر ألفاً خاصة ، وان مقرباته كـانـت ألـفـاً ، وأربـع مائة فرس مرتبطة على أبوابه هذا هو الصحيح من أخبارهم ، ولا يلتفت الى خرافات العامة منهم ، وفي أيام سليمان (عليه السلام) ، وملكه كان عنفوان دولتهم ، واتساع ملكهم (3) .
وهـذا الـفـصـل مـن الـنـفـاسـة بمكان ، فلذلك حرصنا على ذكره ، لأنه يفيدنا في رد الكثير من الاسرائيليات التي وقعت فيها المغالط ، والاخبار الباطلة ، والخرافات التي كانت سائدة في العصور الأولى .
___________________
1- المنّ : شيء كالعسل كان ينزل على الشجر من السماء فيأخذونه ويأكلونه ، والسلوى ك طير كالسماني .
2- يريد بالكتاب الأول ، الفصل الأول من " مقدمته المشهورة " وقد قسمها الى فصول .
3- مقدمة ابن خلدون ، ص9-11.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|