أقرأ أيضاً
التاريخ: 23-11-2014
1251
التاريخ: 4-1-2016
1302
التاريخ: 10-12-2015
1076
التاريخ: 10-12-2015
1173
|
لا يمكن إنكار هذه الحقيقة وهي ارتفاع الحجب عن قلوب الأنبياء، بسبب سمو نفوسهم وتهذيبهم الكامل للنفس وتصفية قلوبهم من الشوائب، وأنّ هذه المعرفة وان لم تكن ضمن شروط النبوّة لكنّها تعتبر ضرورية في سلّم الكمال كما لا يخفى.
وبعبارة أخرى، فان مسألة نقض الغرض شيء، ومسألة قدرة نفوس وعقول الأنبياء يمثل شيئاً آخر، ولو أنّنا عجزنا عن إثبات ما زاد عمّا له علاقة بعالم الشريعة والتربية وإدارة المجتمع الإنساني، فبالإمكان إثباته بالطريق الثاني.
ويمكن لآيات القران أن تكون دليلًا حسناً على هذه المسألة أيضاً، إذ قد تمّت الإشارة في القرآن، بالإضافة إلى مسألة الأسماء التي وهبت لآدم والتي اتّسع نطاقها بما يفوق الحدّ إلى موارد أخرى من علوم مختلف الأنبياء الإلهيين، والتي لا تبدو حسب الظاهر لازمة لمسألة التشريع وبيان أحكام الدين، لكنّها تعدّ الأساس لكمالها. لاحظ الآيات الآتية المرتبطة بهذا الموضوع.
1- نقرأ عن داود عليه السلام : {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ} (الأنبياء/ 80).
ال «لبوس» يعني في الأصل كلّ أنواع الألبسة، لكنّه استعمل هنا في خصوص ملابس المعركة كالدرع مثلًا، ولكن بعض أرباب اللغة كابن منظور في لسان العرب وبعض المفسّرين كالمرحوم الطبرسي في مجمع البيان قالوا في ذيل هذه الآية : كلّ أنواع السلاح (الأسلحة الهجومية والدفاعية)، إذ إنّه يصدق بحقّها استعمالها للدفاع في الحروب التي اشير إليها في الآية وإن كانت ظاهرة في الدرع كما هو واضح.
ذكر بعض المفسّرين أنّهم وقبل داود عليه السلام كانوا يربطون بأبدانهم صفحات حديدية رقيقة لوقاية أنفسهم من ضربات الأعداء، (وأنّ هذا العمل كان شاقّاً وصعباً للغاية، وأنّ أوّل من صنع الدرع من الحلقات الصغيرة المرتبطة ببعضها البعض هو نبي اللَّه داود الذي خطر على باله هذا الشيء بإلهام إلهي «1».
وقد ورد نفس هذا المعنى بتعبير أشمل في موضع آخر إذ يقول تعالى : {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ* أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِى السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً} (سبأ/ 10- 11).
«السابغات» جمع «سابغ» الذي يعني الدرع الكامل العريض بالضبط، كما أنّ «إسباغ النعمة» يعني وفورها و «إسباغ الوضوء» يعني كثرة ماء الوضوء.
«السرد» يعني في الأصل غزل الأشياء الخشنة، وقد ورد في جملة «وقدّر في السرد» الأمر برعاية الأحجام الملائمة لحلقات الدرع وكيفية غزلها.
وبهذا تبيّن أنّ اللَّه قد ألآن له الحديد بالإضافة إلى تعليمه لفنون غزل الدرع الكامل.
هل كان الحديد يلين في يد داود كالشمع؟ أم أنّ اللَّه قد علّمه طريقة إذابة الحديد وصناعة القضبان الحديدية الدقيقة والمتينة؟ وبعبارة أخرى هل يمكن أن يكون لين الحديد في يده معجزة إلهية، أم أنّ اللَّه علّمه الأسلوب الخاصّ لإذابة الحديد، والذي لم يكن معروفاً حينذاك؟ أيّاً كان فقد علّم اللَّه داود كيفية صناعة القضبان المناسبة واستبدالها بحلقات الدرع القويّة ونسجها، وكانت نتيجة ذلك هي صناعة ثوب يسهل ارتداؤه مع مرونة حركته، طبقاً لحركات بدن الإنسان وأعضائه، لا كصفحات الحديد القويّة التي يتعذر تطويعها والتي تقيّد المقاتلين فتجعلهم وكأنّهم في قفص.
وهنا ملاحظة لابدّ وأن تؤخذ بنظر الإعتبار وهي أنّ داود عليه السلام حينما كان يلين الحديد بيديه كان يرجّح صناعة المعدّات الدفاعية على الهجومية كالسيف مثلًا.
على أيّة حال فمع أنّ عدم الإلمام بصناعة آلية دفاعية مهمّة ومصيرية، في حروب ذلك الزمان لم يكن بتلك الأهميّة، بحيث يحدث خللًا في دعوة النبي الدينية، لكن اللَّه علّمه هذه الصنعة وبقيت رائجة بين الناس.
2- نقرأ فيما يتعلّق بسليمان عليه السلام : {وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ}. (النمل/ 16)
هذا في الواقع جزء من العلم العظيم الذي وهبه اللَّه لداود وسليمان، والذي جاء في الآية السابقة : {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً}.
بديهي أنّ الإطّلاع على منطق الطير (محاورات الطيور) بأي معنىً كان ليس من شروط النبوّة، وفي نفس الوقت فالقرآن يصرّح بأنّ اللَّه تعالى كان قد وهب سليمان عليه السلام علماً كهذا، بل أشار أيضاً في آيتين لاحقتين إلى معرفة سليمان بمنطق النمل : {حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ الَّنمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا الَّنمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَايَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ* فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْني أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَىَّ وَعَلَى وَالِدَىَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِى عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} (النمل/ 18- 19).
وكما نقرأ حوار سليمان مع الهدهد في الآيات اللاحقة كذلك : {وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ ...} (النمل/ 20- 28).
مع أنّ هناك أبحاثاً كثيرة تبحث في تفسير هذه الآيات، أنّه هل لهذه الطيور كالهدهد والحشرات كالنمل ذلك المستوى من العقل والشعور، بحيث تدرك مفاهيم الكلمات والجمل وتتحدّث بشكل منطقي؟ وهل أنّ اسلوب محاوراتها يتمّ بالألفاظ أم من خلال حركات تعكس المراد؟ (ذكرنا ذلك مفصّلًا في التفسير الأمثل) «2».
لكن تفسير هذه الآيات أيّاً كان فلن يؤثّر على الهدف الذي نبغيه هنا، لأنّ المراد هو وجود سلسلة من المعلومات التي تخرق العادة عند الأنبياء، وعدم وجودها عند الناس العاديين، مع عدم كونها من شروط النبوّة في نفس الوقت.
3- وحول يوسف عليه السلام جاء في العديد من الآيات أنّ له علماً خارقاً للعادة في تفسير الأحلام.
ففي أحد المواضع يبشّره أبوه يعقوب عليه السلام بأنّ اللَّه سيختارك ويعلّمك من تفسير الأحلام :
{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} (يوسف/ 6).
وفي موضع آخر حينما يدور الحديث حول مجيء يوسف عليه السلام إلى قصر عزيز مصر يقول القرآن الكريم : {وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِى الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ}. (يوسف/ 21)
ويتحدّث في موضع آخر عن تفسير يوسف عليه السلام لرؤيا السجينين، وقوله لهما : {ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّى} (يوسف/ 37).
وأخيراً حينما يدور الحديث عن ابتهال يوسف عليه السلام ومناجاته لخالقه بعد تصدّيه لمقام الحكومة، ولقائه بأبيه وامّه واخوته، يقول القرآن الكريم على لسان يوسف عليه السلام : {رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} (يوسف/ 101).
مع أنّ البعض من المفسّرين قد ذكروا احتمالًا آخر غير تفسير الأحلام فيما يتعلّق بعبارة {تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} وقالوا : إنّ المراد هو تعليمه أسرار الكتب الإلهيّة ودقائق سنن الأنبياء عليهم السلام «3»، لكن ومع الأخذ بنظر الإعتبار مجموع الآيات الأربع أعلاه ولفظة «التأويل» التي تتلاءم كثيراً مع تفسير الأحلام، بالإضافة إلى قرائن اخرى يكون المراد هو نفس علم تفسير الأحلام وهو مختار الكثير من المفسّرين أيضاً «4».
ومع أنّ علم تفسير الأحلام لم يحض بتلك الأهميّة عند البعض، لكنّه يعدّ من الحقائق، وذلك للشواهد والقرائن العينية الكثيرة التي تحفّ بهذا الموضوع، كما أنّ بإمكانه كشف اللثام عن بعض الغوامض لمن له إلمام به. وقد تناولنا هذا الموضوع بالشرح والتفصيل في التفسير الأمثل ذيل الآية السادسة سورة يوسف عليه السلام.
كما أنّ القرآن قد أيّد صحّة ذلك أيضاً وذكر لذلك مثالًا عجيباً، وبيّن أنّ مستقبل بلاد كبيرة كمصر قد تغيّر عن طريق تفسير يوسف عليه السلام للرؤيا بصورة دقيقة، كما أنّ نفس هذا التغيّر قد ترك أثره في مستقبل يوسف عليه السلام أيضاً وأوصله إلى أرفع المناصب الحكومية في مصر.
ولا شكّ أنّ علم تفسير الأحلام بنظر المنطق العقلي ليس بذلك الشيء الذي ترتكز عليه اسس الرسالة، لكن مع ذلك فقد وهب اللَّه قسطاً وافراً منه ليوسف عليه السلام.
4- وحول موسى عليه السلام أيضاً يشاهد هذا المعنى بوضوح في القرآن، حيث أن قصّة «الخضر» و«موسى» وبذلك التفصيل الرائع والبليغ، الذي جاء في سورة الكهف (وان لم يصرّح القرآن باسم الخضر) تبيّن وجود علوم لدى الخضر كانت غائبة عن ذهن موسى، وأنّه جاء إلى «الخضر» ليتعلّم قسماً منها.
هذه العلوم ليست اموراً مرتبطة بالشريعة وأصول الدين وفروعه، بل هي حقائق مرتبطة بتكوين الإنسان وحياته، مثل تلك السفينة التي كانت لفريق من المستضعفين، والتي خرقها الخضر ليحول دون غصبها من قبل الملك الظالم، أو الشاب الذي قتله الخضر لأنّه سوف يكون سبباً في انحراف أبويه المؤمنين مستقبلًا، أو الجدار الذي كاد ينقضّ حيث قام الخضر بترميمه حفاظاً على كنز الأيتام الموجود تحته.
فالخضر كان يسعى دائماً بأسلوبه الخاصّ لمساعدة المظلومين والمؤمنين، في حين كان تصرّفه هذا بنظر موسى خاطئاً وغير مطابق للموازين الشرعية، وذلك بسبب عدم اطلاعه على بعض الحقائق التي كانت محجوبة عنه، ولذا كان يغضب كثيراً حتّى أنّه نسي أكثر من مرّة عهده الذي أعطاه للخضر، بعدم الإعتراض على ما يفعله قبل بيانها واعترض عليه بشدّة، ثمّ اعتذر منه بعد التفاته إلى ذلك.
هذه القصّة بكلّ نكاتها اللطيفة تؤكّد على حقيقة أنّ موسى عليه السلام كان بصدد تعلّم مثل هذه العلوم من الخضر عليه السلام بأمر من اللَّه، في حين أنّ هذه العلوم لم يكن لها دخل في مسألة إبلاغ النبوّة، بل تعتبر سبباً في تكاملها لأنّها تعني التعمّق في المسائل بشكل أكبر.
ولو اعتبرنا الخضر نبيّاً (نظراً لوجود الخلاف بين المفسّرين والمحدّثين حول نبوّته) فسنصل إلى هذه النتيجة أيضاً وهي أنّ هناك علوماً لدى الخضر وراء علوم الشريعة، وبديهي أنّ اطّلاع الأنبياء عليهم السلام على هذه الحقائق يعني أنّ اللَّه تعالى قد جهّزهم بعلوم كثيرة، لتكون لهم قدرة أكبر على هداية الخلق ورسم الطريق لنيل المطلوب، وإن كانت هذه العلوم بعيدة كلّ البعد عن الشروط القطعية للنبوّة.
________________________
(1) تفسير روح المعاني، ج 11، ص 21؛ و تفسير في ظلال القرآن، ج 5، ص 552.
(2) راجع التفسير الأمثل، ذيل الآيات مورد البحث.
(3) تفسير روح المعاني ج 12، ص 186، نقل هذا التفسير عن البعض من المفسّرين كما أنّ المفسّر الكبير الطبرسي ذكر ذلك كأحد الأقوال في ج 5، ص 210، ذيل الآية السادسة من سورة يوسف.
(4) تفسير مجمع البيان ذيل الآية 101؛ وتفسير روح المعاني ذيل الآية 21؛ وتفسير القرطبي ذيل الآية 6؛ وتفسير روح البيان ذيل الآية 6؛ وأخيراً تفسير في ظلال القرآن ذيل الآية 101 من سورة يوسف.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|