المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 18894 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية



علم التفسير ومنظوماته المنهجية   
  
53   03:55 مساءً   التاريخ: 2025-04-30
المؤلف : المَجمع العلمي للقران الكريم
الكتاب أو المصدر : المدون الأول لعلم التفسير سعيد بن جبير
الجزء والصفحة : ص67- 93
القسم : القرآن الكريم وعلومه / علوم القرآن / التفسير والمفسرون / مناهج التفسير / مواضيع عامة في المناهج /

 يدعو الفقيه (سعيد بن جبير) في معظم مؤلفاته المتضمنة لأفكاره ورؤاه ومشروعه الفكري القرآنيّ إلى ترسيخ علوم القرآن وتصديرها على وفق مناهلها المستديمة من منظور معرفي، إذ إنَّ المعرفة الحقيقية تمثّل واحدة من المرجعيات الأساسية له في نظرته إلى واقع النصّ القرآني وقراءته من خلال ربطه بمعارف العصر وآلياته المنهجية والمعرفية المتطورة، لذلك صنّف سعيد بن جبير كتابا في التفسير اعتمده السيوطي([1]) في كتابه الموسوم بالإتقان في علوم القرآن، وقال قتادة هو أعلم المفسرين من التابعين، وأدرجه ابن النديم ضمن قائمة تفاسير الشيعة([2]) وذكره الـطهراني في موسوعته الذريعة الى تصانيف الشيعة([3]).

وممّا يؤكد نسبة التفسير إليه ما روي في تفسير جواهر الحسان وغيره من أن عبد الملك بن مروان (ت 86 هـ . ق) سأل سعيد بن جبير أن يكتب إليه تفسير القرآن فكتب سعيد هذا التفسير، فوجده عطاء بن دينار في الديوان فأخذه فأرسله عن سعيد بن جبير([4]) بل يرى بعضهم أن تفسير سعيد بن جبير هو أوّل تفسير قرآني كتبه المسلمون([5])، وهنالك إشارات تشير إلى فقدان بعض ما فسّره وهذا ما قال به جلال الدين السيوطيّ: ((فقد لخّصت تفسير ابن أبي حاتم في كتابي، وهو الدرّ المنثور. وهذا التفسير، قد حفظ لنا كثيرًا من تفاسير أصبحت مفقودة، مثل تفسير سعيد بن جبير ومقاتل بن حيّان وغيرهما))([6])، وهذه دلائل واضحة تبيّن أهمية تفسير سعيد المحفوظ، بل ثمة التفاتة من العلماء تدعو إلى جمع ما فُقد منه وتدوينه.

 وممّا لا شكَّ فيه أنَّ لسعيد بن جبير تراثًا علميًا زاخرًا بكنوز الفكر، وتُعدّ من نفائس العلوم التي هي امتداد الفكر المحمديّ العلويّ التي ترجمت لنا النصوص القرآنية، إذ يُعدّ أول مدون لتفسير القران الكريم- كما مر- إذ وضع قواعد تفسير الآيات، وأسّس سننها قبل ثلاثة عشر قرنًا، وتشكّل تلك الخطوة الأولى وتأتي أهمية كتابه الأول لأنّه أسبق وثيقة تفسيرية للقران الكريم نهج سبيلها القادمون بعده، فقد اعتمد جمهور الأمّة على تفسيره - وهذا ما سنكشف عنه لاحقًا-.

 لقد تمحورت مؤلفات سعيد بن جبير حول فكرة مركزية وأساسية هي قراءة الفكر الإسلامي قراءة على وفق ما أراد لها الفكر المحمديّ لذلك مارس فعل القراءة بمعرفة وموضوعية، ونظرته كانت شمولية لا تعزل النصّ القرآنيّ عن حقوله المعرفية، ولا تعزله عن حقيقته التاريخية، ومساراته المعرفية وخلفياته الدينيّة، ومِن ثَمَّ فإن هذه النظرة كانت عماد رؤية علامة الفكر الإسلاميّ(سعيد بن جبير) وفلسفته ورؤاه ومنهجه.

 كان واثق الخطى لذلك عمل على تدوين أحد علوم القرآن، حتى قيل عنه أعلم التابعين في التفسير([7])، وهذا ما يؤكد سعة علمه في باب التفسير وقد أكثر الرواية عنه ممّا جاءه من علوم أهل البيت (عليهم السلام)، وهو جليل القدر متأكداً متمحّصاً([8]) يقول بصدق فقد كان يتوخى الضبط والدقة حينما يشرع بنقل النصوص من شيوخه وممّن سبقوه، بالإضافة أنّ لديه سعة أفق وعمق في الاستنباط، يقول ابن عباس عن فضله: ((أتسألوني وفيكم سعيد!))([9])، ليتجلّى لنا ذكره بعد أكثر من ثلاثة عشر قرنًا من استشهاده غريبًا عن بلده، وحاضرًا في الذاكرة الإنسانية، يرقد بتراب واسط([10])، ويظلُّ منهاج تفسيره مصدرًا ينهل منه الآخرون بوصفه عميد المفسرين.

كان (سعيد بن الجبير) عابدًا قوَّامًا، وهو سيد التابعين ملازمًا لترجمان القرآن وحبر الأمة عبد الله بن عباس، فهو أَعلم التابعين بالتفسير وأول من دون في هذا العلم قال السيد حسن الصدر عنه: ((أعلم التابعين بالتفسير، فقد حكى السيوطي في الاتقان عن قتادة انه قال كان أعلم التابعين أربعة، كان عطاء بن أبي رياح أعلمهم بالمناسك، وكان سعيد بن الجبير أعلمهم بالتفسير، وكان عكرمة أعلمهم بالسير،... قال ابن النديم في الفهرست عند ذكره للكتب المصنفة في التفسير سردا كتاب تفسير سعيد بن الجبير، وذكره الجلال السيوطي في الاتقان، وأسند أبو عمرو الكشي في كتاب الرجال عن أبي عبد الله الصادق أنه قال سعيد بن جبير كان يأتم بعلي بن الحسين وكان علي بن الحسين يثني عليه، وقال ما كان سبب قتل الحجاج له إلا على هذا الامر يعني التشيع، وكان مستقيماً ثم روى روايات دالة على تشيعه، ونص جمال الدين العلامة بن المطهر في الخلاصة أيضا على تشيعه، وسائر علماء الرجال في كتبهم الرجالية كذلك، ولم أَعثر على تصنيف في تفسير القرآن لأحد قبله ولهذا ذكرته في أول من صنّف))([11]).

 

 الإثبات بالقرائن القرآنيّة:

 لقد واجهت حياة الناس مجموعة من التحديات وأولى هذه التحديات إعادة تفسير النصوص المقرئ في ضوء مستجدات عصرهم، لذلك شيّد القرآنيّ الفقيه (سعيد بن جبير) أساسًا متينًا في القراءة والتفسير، لذا فإنَّ أسلوبه في التفسير إنّما كان يعتدُّ بظاهرة الاستشهاد بالآيات عند تفسير أيّة آية قرآنية أو أيّة نصٍ قرآني مسوّغاً ذلك الدليل، وهو يسوق المزيد من الحجج القرآنية التي اثبتها (للحِجَاج) ومن ذلك ما حقّقه من جوابٍ لسؤال الطاغية عن الإمام الحسن والحسين عليهما السلام كيف يقال بأنهما أولاد رسول الله صلى الله عليه وآله فما كان منه إلا أنّه جاء بالآية القرآنية الكريمة {وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىٰ وَهَارُونَ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَىٰ وَعِيسَىٰ وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} فاستدل بأنهما من أبناء رسول الله مثلما كان عيسى من أبناء إبراهيم الخليل وقد أخذ النبوة من أمّه([12]).

 امتاز بأسلوبه الرصين وهو الموسوم بأنّه (صفوة القوم) المستقى علمه من علم النبوة، الذي يحتج بما يحقّق الإقناع عبر مصادره الرصينة، مستدلًا بما قال به الرسول الكريم وآله الأطهار كاشفًا ببراعته اللغويّة ومهارة كتابته ودقة عباراته عن أسرار اللغة القرآنية.

 ومن الأمثلة التفسيرية التي استعان بها سعيد وهو يروي عن شيخه ابن عباس حين سأله رجل يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله أخبرني عن أبي طالب هل كان مسلماً؟ فقال وكيف لم يكن مسلماً وهو القائل:

ألم تعلموا أن ابننا لا مكذب* لدينا ولا يعبأ بقول الأباطل

ثم قال: إِن أبا طالب كان مثله كمثل أصحاب الكهف، أسروا الإيمان وأظهروا الشرك فآتاهم الله أجرهم مرتين([13]).

لقد أعلن انحيازه إلى ما يقارب النصّ القرآنيّ بمضمونه الأقرب له، لذلك فسّر قوله تعالى: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ}([14]).

قال: ((الصلاة في جماعة))([15])

فكان منهجه الاستنباط بما يوافق المضمون القرآنيّ وهو مصداق لترجمان السابقين له من أهل البيت عليهم السلام من ذلك تفسيره {وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا}([16]).

قال: (( أردفه جبريل حتى سمع صرير القلم والتوراة تكتب له ))([17])

 وجاء تفسيره لقول الله تعالى : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ}([18]).

قال سعيد: ((المراد حين تقوم من مجلسك، بأن يقول المرء سبحانك اللهم وبحمدك لا اله إلا أنت، اغفر لي كلّ ذنب وتب علي، فإن كان المجلس خيرًا ازددتَ احتسابًا، وإن كان غير ذلك كان كفارة له))([19]).

وفي تفسير قوله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}([20])

قال سعيد: (اذكروني بطاعتي اذكركم بمغفرتي) ([21])

 وفي قوله تعالى : {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ }([22]).

قالوا الاستيفاء من فضل الله هو طلب الرزق وقال سعيد: إنّ المراد طلب العلم ([23])

 وكذا الحال في تفسير قوله تعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}([24]).

قال سعيد: (( كان يؤدي الأَمانات والودائع الى أهلها، فحفظ الله تعالى له كنزه حتى أدرك ولداه فاستخرجا كنزهما)) ([25]).

 فضلًا عن ذلك كان لتفسيره مرويات أوسع وأكثر شمولًا في بيان الآيات، ولم يقف عند هذا الحد بل هناك من عدّه بأنّه أول من وظّف (علم الاستدلال ) حتى صار بعد قرون علمًا أساسيًا تستنبط به كثير من القواعد الفقهية([26])، إذ ليس بجديدٍ على الفكر الشيعيّ أن تكون له الريادة فقد أشير إلى أنّ علوم اللغة العربيّة من نحوٍ وصرف هي من تأسيس الدؤلي والفراهيديّ –وهما من الشيعة- وعنهما أخذ الآخرون، بل أنّ الفضل للشيعة في تأسيس علم النحو([27])، فقد قدموا خدمة للبشرية عامة والمسلمين خاصة؛ لما لهذين العلمين من اثر في تفسير النص القرآني وفهم معانيه، فكان لعلماء الشيعة الريادة في كثير من العلوم ومنها علم الاستدلال، والنحو والصرف، وغيرها.

 فقد كان سعيد - كما ذكرنا - أنّه من المواظبين للدرس والساعين الى التحصيل الجيد لعلوم القرآن وتفسيره؛ ترك لنا الكثير من العلوم لاسيما (تفسير سعيد بن جبير)([28])، فقد أخذ العلم عن شيخه ابن عباس وعن الإمام علي بن الحسين عليه السلام وإمامه علي بن أبي طالب عليهما السلام

ولم يكن ابن عباس الوحيد الذي أخذ عنه (سعيد) العلم فقد روى ابن كثير في حديثه عن (سعيد) فقال: ((من أكابر أصحاب ابن عباس كان من أئمة المسلمين في التفسير والفقه وأنواع العلوم وكثرة العمل الصالح ـ رحمه الله ـ وقد رأى خلقاً من الصحابة وروى عن جماعة، منهم من الصحابة))([29]).

 أما من روى عنه فكثر، منهم ابناه عبد الله، وعبد الملك، والأعمش، والمنهال بن عمرو([30])، وقد عدّ العسقلاني منهم (35) رجلاً([31])، وذكر مؤلف تهذيب الاسماء واللغات ان سعيد كان له: ((ثلاثة بنين: عبد اللّه ، ومحمد ، وعبد الملك))([32])، كلهم ثقات ومشاهير كما ذكر صاحب المحلى([33]). فأخذ عنه علوم القرآن والتفسير حتى نال منزلةً رفيعةً بين مفسري عصره.

 وممّا جاء به (رضوان الله تعالى) أنّه أقام الحجة والبرهان مستندًا إلى دلائل قرآنيّة، ولنا أن نورد بعضًا ممّا فسّره على وفق ذلك:

قوله تعالى: {لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي}([34])، فقد جاء في تفسير سعيد بن جبير: قال :كان قوم من أصحاب النبي عليه السلام استرضعوا أولادهم في اليهود في الجاهلية، فكبروا على اليهودية ؛ فلما جاء الإسلام، وأسلم الآباء، أرادوا أن يكرهوا أبناءهم على الإسلام فأنزل الله : { لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي} يعني: الهدى من الضلالة، {فمن يكفر بالطاغوت} بالشيطان {ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها} أي: لا انقطاع لها([35]).

 

منهج سعيد بن جبير في التفسير:

هنالك ممّن أشار إلى أنّ لسعيد بن جبير منهجاً في التفسير سار عليه، وهو قد استقصاه من الأمثلة التطبيقية في بيانه للآيات القرآنية، وقد اسماه بـ(المنهج الأثريّ)، وقسّمه على قسمين وساق الأمثلة التطبيقية في ذلك([36]) إضافةً لذلك فقد عرض منهجًا تفسيريًا آخر وهو ما سنشير إليه، وعلى أساس ذلك يمكننا تقسيم منهج (سعيد بن جبير)في التفسير إلى ثلاثة طرق منها:

  1. في الأول أنّه يسند رواياته التفسيريّة إلى الرسول صلى الله عليه وآله عن طريق شيخه(ابن عباس).
  2. وفي الثاني أنّه يسند رواياته إلى شيخه (ابن عباس) من دون إشارة في سندها إلى الرسول صلى الله عليه وآله ولعلّ السبب في ذلك أنّه واثقٌ تمام الثقة بمصدره الذي أخذ منه كونه يقول حقّاً فيما يروي عن الرسول صلى الله عليه وآله وأهل البيت عليهم السلام،
  3. أمّا السبيل الثالث لمنهجه فإنّه يعوّل على ما استحصله من قراءاته التي تشرّب بها من أهل البيت عليهم السلام فلم يكن مفسّرًا برأيه، إنّما هي قراءات تواردت له من خبرته وكثرة معاشرته للنصوص وترجماتها التي استقاها من مصادرها الصحيحة ومناهلها النقيّة، فتكوّنت له ملكة تفسيريّة لا تبتعد عن الدليل ولا تقول بغير ما قال به أهل البيت عليهم السلام وبهذا سنذكر الطرق التفسيريّة للفقيه (سعيد بن جبير) وهي على وفق الآتي:

الطريق الأول: أن يرفع التفسير إلى الصحابيّ ومنه إلى رسول الله.

 ولا يخفى أن ابن عباس في عداد هؤلاء الصحابة بل هو شيخ الفقيه(سعيد بن جبير) الذي روى (سعيد) أكثر التفسير عنه، ومن الأمثلة على ذلـك ما رواه الحاكم الحسكاني عن سعيد بن جبير، عن شيخه ابن عباس رضي الله عنه قال : (لما نزلت هذه الآية : {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى}([37])، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ ومَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَمَرَنَا الله بِمَوَدَّتِهِمْ قَالَ: عَلِيٌّ وفَاطِمَةُ ووُلْدُهُمَا)([38]).

وزاد على ذلك في رواية فرات الكوفي وهو قوله صلى الله عليه وآله ((قَالَ عَلِيٌّ وفَاطِمَةُ ووُلْدُهُمَا [وَ وُلْدُهَا] ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُهَا ))([39])، بل في رواية أخرى عن سعيد بن جبير ((قَالَ عَلِيٌّ وفَاطِمَةُ [يَقُولُهَا] ثَلَاثا))([40])

ومنها عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه قال: ((لما نزلت: {إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ ولِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ} قال النبي صلّى اللّه عليه وآله: أنا المنذر، وأنت يا علي الهادي، بك يا علي يهتدي المهتدون))([41]).

الطريق الثاني : وفيه يروي التفسير عن شيخه (ابن عباس) من دون إسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وآله، بل اعتمد على شيخه (ابن عباس) في إسناد الأصل برجوعه إلى الرسول صلى الله عليه وآله ؛ لأَنّه من الثقاة الذين عُرفوا بدقة نقلهم وصدق رواياتهم، ولنا أن نذكر بعض الأمثلة التي رواها من مثل:

عن ‌سعيد ‌بن ‌جبير، عن ابن عباس: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى}، أي الكفرَ بالإيمان([42]).

ما رواه سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس في تفسير قوله تعالى: { إنا أعطيناك الكـوثر}([43])، قال: (( الكوثر الخير الذي أعطاه إياه، قال أبو بشر قلت لسعيد بن جبير فان ناسا يزعمون أنه نهر في الجنة قال : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه))([44]).

 ومنها في ما روي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا} قَالَ: ((حُبُّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي قَلْبِ كُلِّ مُؤْمِن)) ([45]).

كذلك ما رواه سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما - في تفسير قوله تعالى: { وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ}([46])، قال: ((لما أمر الله عز وجل إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس بالحج قال يا أيها الناس إن ربكم اتخذ بيتا وأمركم أن تحجوه فاستجاب له ما سمعه من حجر أو شجر أو أكمة أو تراب أو شيء فقالوا: لبيك اللهم لبيك))([47]).

وأيضا ما رواه سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }([48]) قال: (( القواعد التي كانت قواعد البيت قبل ذلك ))([49]) .

أما الطريق الثالث: وهو التفسير الذي جاد به سعيد بن جبير رضي الله عنه وكان عبارة عن قراءات تواردت له من خبرته وكثرة معاشرته للنصوص فكانت لا تبتعد عن الدليل ولا تقول بغير ما قال به أهل البيت عليهم السلام وبياناتهم فكانت حصيلة ذلك أن تكوّنت له ملكة تفسيريّة لا تخرج عن مسار الحق لأهل البيت عليهم السلام .

ومن أمثلة ذلك ما قاله سعيد بن جبير في تفسير قوله تعالى: {شهد اللـه أنـه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قَآئِمَاً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم}، عن إسماعيل رفعه إلى سعيد بن جبير قال : كان على الكعبة ثلاثمائة وستون صنمًا، لكلّ حيّ من أحياء العرب الواحد والاثنان فلما نزلت هذه الآية " شهد الله انه لا إله إلا هو " إلى قوله " العزيز الحكيم " خرّت الأصنام في الكعبة سجدا ([50])

ومنها عن ‌سعيد ‌بن ‌جبير قوله: {فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به}، قال: هم اليهود عرفوا محمدا أنه نبي وكفروا به»([51])

وفي تفسير قوله تعالى: { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون }، قال سعيد بن جبير: (( اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي))([52]) .

وفي قوله تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت }، قال : الطاغوت هو الكاهن، وفسّر سعيد قول الله تعالى: {والذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلـة انهـم الى ربـهـم راجعون }، بقوله: ((يفعلون ما يفعلون وهم يعلمون أنهم صائرون إلى الموت، وهي من المبشرات))([53]).

 ويمضي في ترجمة قوله تعالى : {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}([54])، عَنْ ‌سَعِيدِ ‌بْنِ ‌جُبَيْرٍ قَالَ: (( تَرْكُ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللهِ))([55])

 أمّا في تفسير قوله تعالى: { يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا }([56]) عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في قوله: {فتستجيبون بحمده} قال: (يخرجون من قبورهم وهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك)([57]) .

 وفي قوله تعالى: {قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ}([58]) قال سعيد بن جبير: المعنى في الآية: بقرة صفراء القرن والظلف([59]). وهكذا

 فهذه نماذج من تفسير سعيد بن جبير وهي تختزل منهجه الذي مضى به حتى تبعه الآخرون في الأخذ منه، ومنهم من قال فيه أنّه يسير بخطى أهل البيت عليهم السلام وأن استنتاجاته كانت ثريةً بالدليل والصدق في التعبير عن النص القرآنيّ، بل أنّ مخرجات تفسيره كانت غنيةً بالمعارف كاشفةً عن علوم قرآنيّة مهمة، وبهذا فإنّه كان بمنزلة (مدرسة) في التفسير.

ومن الأمثلة التي رويت عن ‌سعيد ‌بن ‌جبير قال: لما نزلت : {يا أيّها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس}، قال ‌رسول الله صلى الله عليه وآله :(( لا تحرسوني، إنّ ربّي قد عَصَمني))([60]).

وكذلك ورد عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله عَنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ {فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ} فَقَالَ: (( أَنَا السُّورُ وعَلِيٌّ الْبَابُ ولَيْسَ يُؤْتَى السُّورُ إِلَّا مِنْ قِبَلِ الْبَابِ))([61]). الى غير ذلك من النماذج التي حذفت فيها الواسطة بين سعيد وبين الرسول صلى الله عليه وآله .

وممّا تجدر الإشارة إليه أنّ لـ(سعيد بن جبير ) تفسيرًا آخر غير تفسير أستاذه وشيخه ابن عباس، فيذهب تفسيره إلى رأيٍ، وهذا ما نجده في تفسيره قولـه تعالى: {وإذ جعلنا البيت مثابة للناس وأمنا واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى...}([62])، فقد اختلفوا في بيانهم لمعنى ‌‌قوله تعالى:{ مَثَابَةً لِلنَّاسِ } فقال ابن عباس – كما روي عنه – ان المراد به: يَثُوبُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُونَ بينما روي عن (سعيد بن جبير) قولاً آخر وهو ان المراد به : مُجْمَعًا لِلنَّاسِ([63]).

وكذلك في ‌‌قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بهم}، فقد روي عن ابن عباس أن معنى (فَشَرِّدْ بِهِمْ) يَقُولُ: نَكِّلْ بِهِمْ، بينما روي عن سعيد ان المراد بها هو: أَنْذِرْ بِهِمْ ([64]).

وغير ذلك من الشواهد التي تُنبئنا باتساع مجال التفسير له وتنوع أدواته التي يستقي منها الدليل على بيانه، وذلك عن طريق اللغة والاجتهاد النابع من موارده الصحيحة، ومقوماته السليمة.

وكذلك نلاحظ أَن سعيد بن جبير- رضي الله عنه – عندما لم يجد الأثر في التفسير يجتهد في بيان معنى الآيات القرآنية على أن تأتي موافقة لمنهج أهل البيت عليهم السلام.

ومرادنا من الأثر هو تفسير القرآن بالقرآن، أو تفسير القرآن بالسنة، فعندما لا يجد أَثراً يعمل اجتهاده مستخدماً أدواته الصحيحة في بيان معنى الآيات عبر قرائن ودلالات قرآنيّة، وقد ذكرنا ذلك آنفاً ممّا في تطبيقاته في ذلك.

 


([1]) يُنظر: الاتقان في علوم القران، السيوطي: 4/241.

([2]) يُنظر: الفهرست، ابن النديم: 53.

([3]) يُنظر: الذريعة الى تحصيل مسائل الشريعة، آقا بزرك الطهراني: 4/241.

([4]) يُنظر: الجواهر الحسان في تفسير القران، الثعلبي: 1/83.

([5]) يُنظر: كتاب تأسيس الشيعة لعلوم الشريعة: 322.

([6]) التمهيد في علوم القرآن، الشيخ محمد هادي معرفة، ط: مؤسسة التمهيد: 10/237.

([7]) يُنظر: المنتخب من كتاب ذيل المذيل، تأليف: محمد بن جرير الطبري، ط: 1358-1939م، القاهرة: 125.

([8]) يُنظر: الطبقات الكبرى، ابن سعد: 6/260.

([9]) الطبقات الكبرى، ابن سعد: 6/ 256- 258.

([10]) يُنظر: مرآة الجنان وعبرة اليقظان: 1/157.

([11]) تأسيس الشيعة لعلوم الاسلام: 322 .

([12]) يُنظر: سفينة البحار، الشيخ عباس القمي: 1/621.

([13]) الامالي، الصدوق،تحقيق قسم الدراسات الاسلامية- مؤسسة البعثة: 712.

([14]) سورة القلم: 43.

([15]) العلل، احمد بن حنبل(ت241هـ)، تحقيق: د. وصي الله بن محمود عباس: 2/581.

([16]) سورة مريم :  52 .

([17]) الدر المنثور، السيوطي: 5/515.

([18]) سورة ق :  40.

([19]) الكشف والبيان، الثعلبيّ: 9 /133.

([20]) سورة البقرة:152.

([21]) تفسير القران العظيم: ابن ابي حاتم: 1/260.

([22]) سورة الجمعة: 10.

([23]) الكشف والبيان، الثعلبي: 9/317.

([24]) سورة الكهف: 82.

([25]) حلية الاولياء وطبقات اصفياء، الاصبهاني: 4/287.

([26]) سعيد بن جبير، شيخ التابعين وإمام القرّاء: ص62

([27]) يُنظر: فضل الشيعة على الأمة في حفظ القرآن والعناية به، قراءته، تشكيله، تنقيطه، تفسيره، مروان خليفات: 179.

([28]) الذريعة، الطهراني: 4/276.

([29]) البداية والنهاية، ابن كثير :12/ 468.

([30]) يُنظر المصدر نفسه: 4/98.

([31]) يُنظر تهذيب التهذيب: 154.

([32]) تهذيب الأسماء واللغات، النووي، ص 157

([33]) المحلى، ابن حزم الاندلسي: 8/291.

([34]) سورة البقرة:256.

  1. تفسير ابن زمنين، ابن أبي الزمنين: 1/ 252.

([36]) يُنظر: المنهج التفسيري عند سعيد بن جبير، د. حيدر تقي العلّاق، مجلة كلية التربية/ واسط، العدد 11 :ص 48 .

([37]) سورة الشورى:23.

([38]) الحاكم الحسكاني، شواهد التنزيل : 2/191.

([39]) تفسير فرات الكوفي: 389.

([40]) المصدر نفسه: 390.

([41]) شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام: 2/272.

([42]) تفسير الطبري، ابن جرير الطبري: 1/312.

([43]) سورة الكوثر:1.

([44]) صحيح البخاري، حديث رقم 4966.

([45]) شواهد التنزيل لقواعد التفضيل: 1/473.

([46]) سورة الحج: 27.

([47]) تفسير مجاهد، مجاهد بن جبر: 2/422.

([48]) سورة البقرة: 127.

([49]) يُنظر: تفسير الطبري: 3/65.

([50]) تفسير العياشي، محمد بن مسعود العياشي: 1/173.

([51]) تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري: 2/ 336.

([52]) تفسير القرآن من الجامع لابن وهب: 2/ 150.

([53]) تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري: 19 / 45.

([54]) سورة البقرة: 195.

([55]) تفسير مجاهد :224.

([56]) سورة الاسراء:52.

([57]) الدر المنثور: 6/ 287.

([58]) سورة البقرة: 69.

([59]) التبيان في تفسير القرآن، الشيخ الطوسي: 1/294.

([60]) تفسير الطبري، محمد بن جرير الطبري: 10/468.

([61]) تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة: 637.

([62]) سورة البقرة: 125.

([63]) يُنظر: تفسير ابن أبي حاتم:1/ 225.

([64]) يُنظر: المصدر نفسه: 5/ 1719.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .