أقرأ أيضاً
التاريخ: 20-11-2014
![]()
التاريخ: 10-08-2015
![]()
التاريخ: 20-11-2014
![]()
التاريخ: 12-4-2018
![]() |
... ان الشرور لا تطلق حقيقة إلا على عدم الوجود مما له شأن الوجود، كموت زيد بعد وجوده، أو عدم الشجر بعد وجوده، أو على عدم كمال الوجود ممن له شأنية ذلك الكمال، كعدم الثمر من الشجر القابل له، أو عدم العلم عمن له شأنية العلم، ولذلك قال في شرح الإشارات: " الشر يطلق على أمور عدمية من حيث هي غير مؤثرة كفقدان كل شئ ما من شأنه أن يكون له مثل الموت والفقر والجهل " (1) وأما عدم شئ مأخوذ بالنسبة إلى ماهيته كعدم زيد فلا يكون شرا، لأنه اعتبار عقلي ليس من وقوع الشر في شئ، هذا مضافا إلى أنه لا اقتضاء للماهية بالنسبة إلى الوجود والعدم بخلاف عدم زيد بعد وجوده فإنه شر كما مر، وهكذا لا يكون شرا عدم شئ مأخوذ بالنسبة إلى شئ آخر، كفقدان الماهيات الإمكانية كمال الوجود الواجبي، وكفقدان كل ماهية وجود الماهية الأخرى الخاص بها مثل فقدان النبات وجود الحيوان، وفقدان البقر وجود الفرس، لأن هذا النوع من العدم من لوازم الماهية وهي اعتبارية غير مجعولة (2).
وحيث ظهر أن كل فقدان ليس بشر، بل فقدان ما من شأنه أن يكون له، ففقدان كل مجرد تام موجود بالنسبة إلى مجرد أعلى منه أو بالنسبة إلى مجرد آخر يكون في عرضه أو فقدان كل موجود بالنسبة إلى مرتبة أخرى ليست من شأنه لا يكون شرا أيضا إذ ليس له شأنية ذلك الوجود حتى يكون فقدانه شرا (3).
هذا كله بالنسبة إلى الاعدام والفقدان.
وأما وجود كل شئ وكماله فهو خير له، فإنه فعلية ما له شأنيته وقابليته والخير الحقيقي للشئ الذي يعبر عنه بالخير النفسي هو وجوده في نفسه وكمال وجوده بما هو وجوده، فكل وجود فهو خير بذاته لان حيثيته حيثية طرد العلم ورفع القوة والوجود نقل موجود عين المطلوبية والمحبوبية.
ثم إعلم أنه لا يطلق الشر على الوجود إلا باعتبار أدائه إلى عدم الوجود مما له شأن الوجود، أو لعدم الكمال الوجود، مما له شأنية ذلك كالبرودة المفرطة والحرارة الشديدة المفسدتين للشجر أو ثمره أو كالقتل الموجب لفناء موجود ذي حياة وهذا الاعتبار إضافي وليس بحقيقي، لأن الشر بالذات هو فقدان الوجود أو كماله مما له شأنية، واطلاقه على ما يؤدي إليه بالعرض لتأديتها إلى ذلك (4).
وإليه يؤول قول المحقق الطوسي - قدس سره - في شرح الإشارات حيث قال: " ويطلق الشر. على أمور وجودية كذلك كوجود ما يقتضي منع المتوجه إلى كمال عن الوصول إليه، مثل البرد المفسد للثمار والسحاب الذي يمنع القصار عن فعله - إلى أن قال: فانا إذا تأملنا في ذلك وجدنا البرد في نفسه من حيث هو كيفية ما أو بالقياس إلى علته الموجبة له ليس بشر بل هو كمال من الكمالات، إنما هو شر بالقياس إلى الثمار لافساده أمزجتها، فالشر بالذات هو فقدان الثمار كمالاتها اللائقة بها، والبرد انما صار شرا بالعرض لاقتضائه ذلك وكذلك السحاب - إلى أن قال: - فالشر بالذات هو فقدان تلك الأشياء كماله، وانما أطلق على أسبابه بالعرض لتأديتها إلى ذلك - إلى أن قال: - فاذن قد حصل من ذلك أن الشر في ماهيته عدم وجود أو عدم كمال لموجود من حيث أن ذلك العدم غير لائق به أو غير مؤثر عنده وأن الموجودات ليست من حيث هي موجودات بشرور انما هي شرور بالقياس إلى الأشياء العادمة كمالاتها لا لذواتها، بل لكونها مؤدية إلى تلك الاعدام، فالشرور أمور إضافية مقيسة إلى افراد أشخاص معينة، واما في نفسها وبالقياس إلى الكل فلا شر أصلا - إلى أن قال: - ان الفلاسفة انما يبحثون عن كيفية صدور الشر عما هو خير بالذات، فينبهون على أن الصادر عنه ليس بشر، فان صدور الخيرات الكلية الملاصقة للشرور الجزئية ليس بشر " (5).
وعن المحقق الدواني في حاشيته على الشرح الجديد من التجريد أنه قال:
" ويمكن أن يستدل على أن الوجود خير والشر عدم أو عدمي بأنا إذا فرضنا وجود شئ وفرضنا أنه لم يحصل بسببه نقص في شئ من الأشياء أصلا فلا شك في أن وجوده خير فإنه خير بالنسبة إلى نفسه وليس فيه شر بالنسبة إلى شئ من الأشياء، فعلم من ذلك أن الشر بالذات هو العدم والوجود انما يصير شرا باعتبار استلزامه له " (6).
فعلم مما ذكر أن الشر على قسمين: أحدهما: هو الشر بالذات وبالحقيقة، وهو ليس إلا الأمور العدمية التي لها شأنية الوجود، ولكن اختلت علتها بمفادة علة أقوى معها بحيث يمنعها عن التأثير فهذه الأمور معدومة بعدم علتها، وثانيهما: هو الشر بالعرض وبالإضافة، وهو ليس إلا ما يؤدي إلى العدم، وعليه فليس بين الموجودات شر مطلق، وإنما الموجود هو الشر بالعرض وهو ما يؤدي إلى الشر بالذات، والشر بالذات ليس بمجعول، لأنه معدوم بعدم علته، نعم هو مجعول مجازا بجعل الشر بالعرض، إذ الشر بالعرض أمر وجودي مجعول ملازم للشر الذي يكون أمرا عدميا.
ثم إن المراد من الأداء والسببية الذي قد يعبر عنه ب " الشر بالعرض " هو المقارنة لا السببية الاصطلاحية، لأنه مع الوجود الذي يؤدي إلى الشر، تختل علة الخير بوجود المانع، فإن العلة علة ما لم يكن مانع عن تأثيرها، فإذا وجد المانع عنه فلا تأثير لها، بل سقطت عن تمامية العلية، ومع عدم تأثيرها لا وجود للمعلول أو لا وجود لكماله، فعدم وجود المعلول أو عدم كماله مستند إلى اختلال علته، وهو من جهة عروض المانع. مثلا صحة الإنسان معلولة لاعتدال مزاجه، فإذا وجدت الميكروبات إختل الاعتدال بوجود المانع وفقدت الصحة باختلال الاعتدال، فعدم صحة البدن مستند إلى عدم علتها لا إلى الميكروبات إلا بالعرض والمجاز، وباعتبار أن اختلال علة الصحة بوجود الميكروبات، ومن المعلوم أن للميكروبات اقتضاء وجوديا لا عدميا، وعدم الصحة بسبب اختلال المزاج من جهة وجود المانع عن تأثير اقتضاء المزاج، فالشر بالذات هو عدم الوجود أو عدم كمال الوجود مما من شأنه أن يكون له، والسموم والميكروبات شر بالعرض للمقارنة، إذ المانع يقارن مع عدم المعلوم بعدم علته، لا أنه علة لعدم المعلول كما أن المانع يقارن أيضا مع عدم العلة المذكورة، لأن كل ضد يقارن عدم الضد الآخر، والمفروض أن المانع ضد للعلة التي اشترط تأثيرها، لعدم وجوده فلا تغفل.
وإليه يؤول ما قاله العلامة الطباطبائي - قدس سره - من: " أن الذي تعلقت به حكمة الإيجاد والإرادة الإلهية وشمله القضاء بالذات في الأمور التي يقارنها شئ من الشر، إنما هو القدر الذي تلبس به من الوجود حسب استعداده ومقدار قابليته، واما العدم الذي يقارنه فليس إلا مستندا إلى عدم قابليته وقصور استعداده، نعم ينسب إليه الجعل والإفاضة بالعرض لمكان نوع من الاتحاد بينه وبين الوجود الذي يقارنه هذا " (7).
ومما ذكر يظهر أن الشرور إعدام فلا حاجة إلى استنادها إلى الخالق، فلا وجه لتوهم الثنوية أن خالق الشرور والاعدام غير خالق الخيرات (8) كما أن ايجاده تعالى لا يتعلق بالشرور حقيقة، وإن تعلق بها بالعرض والمجاز لمقارنتها مع الوجودات.
ثم إن الشرور الإضافية المؤدية إلى الشرور الحقيقية حيث كانت جهة شريتها الإضافية قليلة في جنب خيريتها بملاحظتها مع النظام الكلي من العالم لا تعد شرورا كما صرح به المحقق الطوسي - قدس سره - حيث قال: " فالشرور أمور إضافية مقيسة إلى أفراد أشخاص معينة وأما في نفسها وبالقياس إلى الكل فلا شر أصلا، فاللازم في حكمته هو ايجادها مع كونها خيرا غالبا " (9) إذ ترك ايجاده حينئذ مرجوح،
ثم لا يخفى عليك أنه ذهب بعض إلى أن الشر أمر وجودي مستشهدا بقوله تعالى: " كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون " (10) وبما ورد عن الإمام الصادق - عليه السلام - في بعض الأدعية ليوم العرفة: " وأنت الله لا إله إلا أنت خالق الخير والشر " وبما ورد عنه - عليه السلام - في دعاء آخر وبيدك مقادير الخير والشر وغير ذلك، لأن الذوق والابتلاء والخلق والتقدير لا تناسب الاعدام، اللهم إلا أن يقال في الجواب:
بأن المراد من الشر في أمثال ما ذكر هو الشر القياسي والإضافي لا الشر الحقيقي ومن المعلوم أن الشر القياسي أمر وجودي مقارن للشر الحقيقي الذي هو العدم، والوجود يحتاج إلى الخلق والتقدير وقابل للابتلاء، به ونحوه، فلا ينافي الآية الكريمة والأدعية، لما ذكر من عدمية الشر الحقيقي فافهم.
لا يقال: " إن الإشكال لو كان في خلقة الشرور الحقيقية، لكان الجواب عنه بأنها عدمية، فلا حاجة لها إلى العلة صحيحا، أما إن كان الإشكال في أن الله تعالى لم لم يخلق العالم بحيث يكون مكان الفقدانات وجودات وكمالات، ومكان الشرور خيرات، حتى لا يكون للشرور الإضافية وجود، فالإشكال بالنسبة إلى الشرور الإضافية باق، ولا يكون الجواب المذكور مقنعا عنه.
لأنه يجاب عن ذلك بأن: هذا وهم، إذ لا مجال لوجود العالم المادي بدون التضاد والتزاحم، إذ لازم الطبيعة المادية هو وجود سلسلة من النقصانات والفقدانات والتضاد والتزاحم، لعدم قابلية المادة لكل صورة في جميع الأحوال والشرائط، فالأمر يدور بين أن يوجد العالم المادي المقرون بتلك النقصانات، أو أن لا يوجد، ومن المعلوم أن الحكمة تقضي أن لا يترك الخير الغالب (11).
ولكن هذا الجواب يفيد فيما يكون من لوازم الطبيعة المادية، وأما ما لا يكون كذلك كالشرور الناشئة من النفوس الإنسانية أو الأجنة كالشياطين فلا يفيد، لأنها سميت من اللوازم، بل تقع عن اختيارهم، فاللازم أن يقال: إن التكامل الاختياري الذي يقتضيه النظام الأحسن يتقوم بالاختيار، إذ بدونه لا يتحقق التكامل الاختياري، ومعه ربما يقع الإنسان أو الجن في الشرور بسوء اختياره. فالأمر يدور بين أن يوجد مقتضيات التكامل الاختياري أم لا توجد والحكمة تقتضي الوجود أن خيرات الاختيار أكثر بمراتب من شروره ومن خيرات الاختيار تكامل المؤمنين والأولياء والشهداء والصديقين والأنبياء والأوصياء والمقربين، والتكامل الاختياري من النظام الأتم الأحسن فيجب أن يوجد قضاء للحكمة، كما لا يخفى.
الثاني: لو سلمنا أن الشرور الحقيقية وجودية فنقول فيها بمثل ما قلنا في الشرور الإضافية في الإشكال الأخير، حاصله أن الشرور الوجودية الحقيقية من لوازم العالم المادي أو النظام الأحسن الأتم كما ذكر فالأمر يدور بين أن يترك العالم المادي مع أن فيه خيرا غالبا أو يوجد والثاني هو المتعين.
ولعل إلى بعض ما ذكر يؤول ما حكي عن أرسطو من أن الشرور الموجودة في العالم المادي لازمة للطبايع المادية بمالها من التضاد والتزاحم، فلا سبيل إلى دفعها إلا بترك ايجاد هذا العالم، وفي ذلك منع لخيراته الغالبة على شروره وهو خلاف حكمته وجوده سبحانه (12).
ومما ذكر يظهر أن الجواب في المسألة ليس موقوفا على عدمية الشرور، بل لو كانت الشرور الحقيقية وجودية لامكن الجواب عنه بالمذكور. ثم إن خلقة الشرور بناء على وجوديتها تكون مقصودة بالتبع، إذ خلقة العالم المادي أو النظام الأتم الأحسن لا تمكن بدونها، وأما بناء على كون الشرور عدمية فليس لها وجود حقيقة حتى يتعلق بها قصد حقيقي ولو بالتبع، نعم يتعلق بها بالعرض والمجاز باعتبار تعلقه بالمقارنات المتلازمة للاعدام والشرور (13).
________________
(1) راجع رشحات البحار والانسان والفطرة: ص 135، والشوارق: ج 1 ص 53، وشرح تجريد الاعتقاد: ص 29 و 300 الطبع الجديد، ونهاية الحكمة: ص 272.
(2) شرح الإشارات والتنبيهات: ج 3 ص 320.
(3) راجع آموزش فلسفة: ج 2 ص 424.
(4) راجع درر الفوائد: ج 1 ص 454 - 457 شرح الإشارات: ج 3 ص 320 - 323.
(5) شرح الإشارات والتنبيهات: ج 3 ص 320 - 323.
(6) درر الفوائد: ج 1 ص 457.
(7) الميزان: ج 13 ص 201.
(8) راجع نهاية الحكمة: ص 272، تعليقة النهاية: ص 425، بداية الحكمة: ص 136، عدل الهي: ص 102.
(9) شرح الإشارات: ج 3 ص 320 - 323.
(10) الأنبياء: 35.
(11) راجع أصول فلسفه: ج 5 ص 68.
(12) راجع تعليقة النهاية: ص 473.
(13) راجع تعليقة النهاية: ص 474.
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|