أقرأ أيضاً
التاريخ: 2025-04-16
![]()
التاريخ: 2024-07-14
![]()
التاريخ: 18-11-2014
![]()
التاريخ: 11-10-2014
![]() |
من قصة النبي يوسف مع اخوته
قال تعالى : {وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58) وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلَا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (59) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ (60) قَالُوا سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61) وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63) قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَمَا أَمِنْتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64) وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65) قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66) وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (67) وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (68) وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69) فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71) قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72) قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73) قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كَاذِبِينَ (74) قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75) فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76) قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77) قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَبًا شَيْخًا كَبِيرًا فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (78) قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ (79) فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيًّا قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80) ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ (81) وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ } [يوسف : 58 - 82].
قال أبو جعفر عليه السّلام : فأمر يوسف أن تبنى كناديج من صخر ، وطيّنها بالكلس ، ثم أمر بزروع مصر ، فحصدت ، ودفع إلى كلّ إنسان حصّة ، وترك الباقي في سنبله ، ولم يدسه ، ووضعها في الكناديج ، ففعل ذلك سبع سنين .
فلمّا جاءت سنيّ الجدب ، كان يخرج السنبل ، فيبيع بما شاء ، وكان بينه وبين أبيه ثمانية عشر يوما - وروي أثني عشر يوما - وكانوا في بادية ، وكان الناس من الآفاق يخرجون إلى مصر ليمتاروا طعاما ، وكان يعقوب وولده نزولا في بادية فيها مقل « 1 » ، فأخذ إخوة يوسف ذلك المقل ، وحملوه إلى مصر ، ليمتاروا طعاما ، وكان يوسف يتولّى البيع بنفسه ، فلما دخل إخوته عليه ، عرفهم ولم يعرفوه ، كما حكى اللّه عزّ وجلّ : {وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ} فأعطاهم ، وأحسن إليهم في الكيل ، قال لهم : « من أنتم ؟ » قالوا : نحن بنو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ، خليل اللّه الذي ألقاه نمرود في النار فلم يحترق ، وجعلها اللّه عليه بردا وسلاما ، قال : « فما فعل أبوكم » قالوا : شيخ ضعيف ، قال : « فلكم أخ غيركم » ؟ قالوا : لنا أخ من أبينا ، لا من أمّنا . قال : « فإذا رجعتم إليّ فائتوني به » وهو قوله : {ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ .
ثمّ قال يوسف لقومه : « ردّوا هذه البضاعة التي حملوها إلينا ، واجعلوها فيما بين رحالهم ، حتى إذا رجعوا إلى منازلهم ورأوها ، رجعوا إلينا وهو قوله : {وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ }يعني : كي يرجعوا : {فَلَمَّا رَجَعُوا إِلى أَبِيهِمْ قالُوا يا أَبانا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ} فقال يعقوب :
{هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلَّا كَما أَمِنْتُكُمْ عَلى أَخِيهِ مِنْ قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ وَلَمَّا فَتَحُوا مَتاعَهُمْ وَجَدُوا بِضاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ} في رحالهم التي حملوها إلى مصر قالُوا يا أَبانا ما نَبْغِي أي ما نريد {هذِهِ بِضاعَتُنا رُدَّتْ إِلَيْنا وَنَمِيرُ أَهْلَنا وَنَحْفَظُ أَخانا وَنَزْدادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ} فقال يعقوب : {لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قالَ} يعقوب : {اللَّهُ عَلى ما نَقُولُ وَكِيلٌ} فخرجوا ، وقال لهم يعقوب : {يا بَنِيَّ لا تَدْخُلُوا مِنْ بابٍ واحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَما أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ إلى قوله لا يَعْلَمُونَ }« 2 ».
وقال الصادق عليه السّلام في قول اللّه عزّ وجلّ : {وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} ، قال : « الزارعون » « 3 ».
وقال أبو جعفر عليه السّلام : فخرجوا وخرج معهم بنيامين ، فكان لا يواكلهم ولا يجالسهم ولا يكلّمهم ، فلمّا وافوا مصر ، ودخلوا على يوسف وسلّموا ، نظر يوسف إلى أخيه فعرفه ، فجلس منهم بالبعد . فقال يوسف : « أنت أخوهم ؟ » . قال : نعم . قال : فلم لا تجلس معهم ؟ » قال : لأنّهم أخرجوا أخي من أبي وأمي ، فرجعوا ولم يردّوه ، وزعموا أنّ الذئب أكله ، فآليت على نفسي ألّا أجتمع معهم على أمر ما دمت حيّا .
قال : « فهل تزوّجت ؟ » قال : بلى ، قال : « فولد لك ولد ؟ » قال : بلى ، قال : « كم ولد لك ؟ » قال : ثلاث بنين . قال : « فما سمّيتهم ؟ » قال : سمّيت واحدا منهم الذئب ، وواحدا القميص ، وواحدا الدّم . قال : « وكيف اخترت هذه الأسماء ؟ » قال : لئلّا أنسى أخي ، كلما دعوت واحدا من ولدي ذكرت أخي ، قال يوسف لهم : « أخرجوا » وحبس بنيامين عنده .
فلمّا خرجوا من عنده ، قال يوسف لأخيه : « أنا أخوك يوسف فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ » . ثم قال له : « أنا أحبّ أن تكون عندي » . قال : لا يدعني إخوتي ، فإنّ أبي قد أخذ عليهم عهد اللّه وميثاقه أن يردّوني إليه . قال :
فأنا أحتال بحيلة ، فلا تنكر إذا رأيت شيئا ، ولا تخبرهم » . فقال : لا . فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ وأعطاهم وأحسن إليهم ، قال لبعض قوّامه : « اجعلوا هذا الصاع في رحل هذا » . وكان الصاع الذي يكيلون به من ذهب ، فجعلوه في رحله ، من حيث لم يقف عليه إخوته . فلمّا ارتحلوا ، بعث إليهم يوسف وحبهم ، ثم أمر مناديا ينادي : أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ . فقال إخوة يوسف : ما ذا تَفْقِدُونَ قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ أي كفيل « 4 ».
وقال أبو جعفر الباقر عليه السّلام في قوله تعالى صُواعَ الْمَلِكِ طاسه الذي يشرب فيه » « 5».
وقال أبو عبد اللّه عليه السّلام في قوله : صُواعَ الْمَلِكِ : « كان قدحا من ذهب - وقال - كان صواع يوسف إذا كيل به قال : لعن اللّه الخوّان ، ولا تخونوا به ، بصوت حسن » « 6 ».
نرجع إلى الرواية السابقة : فقال إخوة يوسف : {تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَما كُنَّا سارِقِينَ }، قال يوسف عليه السّلام : {فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فخذه واحبسه فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَها مِنْ وِعاءِ أَخِيهِ} فتشبثوا بأخيه وحبسوه ، وهو قوله : كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ أي احتلنا له : ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ .
فسئل الصادق عليه السّلام عن قوله : أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ . قال : « ما سرقوا ، ما كذب يوسف عليه السّلام فإنّما عنى سرقتم يوسف من أبيه ».
وقوله : أَيَّتُهَا الْعِيرُ أي يا أهل العير ، ومثله قولهم لأبيهم : وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها يعني : أهل العير.
فلما أخرج ليوسف الصواع من رحل أخيه ، قال إخوته : {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} يعنون يوسف عليه السّلام : فتغافل يوسف عليهم ، وهو قوله : {فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ قالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما تَصِفُونَ} « 7 ».
وقال الحسن بن عليّ الوشّاء : سمعت علي بن موسى الرضا عليه السّلام يقول : « كانت الحكومة في بني إسرائيل ، إذا سرق أحد شيئا استرقّ به ، وكان يوسف عليه السّلام عند عمّته وهو صغير ، وكانت تحبّه ، كانت لإسحاق عليه السّلام منطقة ألبسها يعقوب ، وكانت عند ابنته ، وإن يعقوب طلب يوسف أن يأخذه من عمته ، فاغتمّت لذلك ، وقالت له : دعه حتى أرسله إليك فأرسلته وأخذت المنطقة فشدّتها في وسطه تحت الثياب ، فلما أتى يوسف أباه ، جاءت وقالت :
سرقت المنطقة ، ففتّشته ، فوجدتها في وسطه . فلذلك قال إخوة يوسف حيث جعل الصاع في وعاء أخيه : {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ} فقال لهم يوسف : فما جزاء من وجدنا في رحله ؟ قالوا : هو جزاؤه . كما جرت السّنّة التي تجري فيهم ، فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء أخيه ، ثمّ استخرجها من وعاء أخيه ، ولذلك قال إخوة يوسف : {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ يعنون المنطقة : فَأَسَرَّها يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِها لَهُمْ } « 8 ».
نرجع إلى الرواية قال : فاجتمعوا إلى يوسف ، وجلودهم تقطر دما أصفر ، فكانوا يجادلونه في حبسه - وكان ولد يعقوب إذا غضبوا خرج من ثيابهم شعر ويقطر من رؤوسها دم أصفر - وهم يقولون : {يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} فأطلق عن هذا ، فلمّا رأى يوسف ذلك ، قال : {مَعاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنا مَتاعَنا عِنْدَهُ }ولم يقل : إلّا من سرق متاعنا إِنَّا إِذاً لَظالِمُونَ فَلَمَّا اسْتَيْأَسُوا مِنْهُ وأرادوا الانصراف إلى أبيهم ، قال لهم لاوي بن يعقوب : أَ لَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَباكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ في هذا وَمِنْ قَبْلُ ما فَرَّطْتُمْ فِي يُوسُفَ فارجعوا أنتم إلى أبيكم ، فأمّا أنا ، فلا أرجع إليه حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ ثمّ قال لهم : {ارْجِعُوا إِلى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يا أَبانا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَما شَهِدْنا إِلَّا بِما عَلِمْنا وَما كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها أي أهل القرية وأهل العير وَإِنَّا لَصادِقُونَ }.
قال : فرجع إخوة يوسف إلى أبيهم وتخلّف يهودا « 9 » ، فدخل على يوسف ، فكلّمه حتى ارتفع الكلام بينه وبين يوسف وغضب ، وكانت على كتف يهودا شعرة ، فقامت الشعرة فأقبلت تقذف بالدّم ، وكان لا يسكن حتى يمسّه بعض أولاد يعقوب - قال - وكان بين يدي يوسف ابن له ، في يده رمّانة من ذهب يلعب بها ، فلمّا رأى يوسف أن يهودا قذ غضب وقامت الشعرة تقذف بالدّم ، أخذ الرمّانة من الصبيّ ، ثمّ دحرجها نحو يهودا وتبعها الصبيّ ليأخذها ، فوقعت يده على يهودا ، فذهب غضبه . قال : فارتاب يهودا ، ورجع الصّبي بالرّمّانة إلى يوسف ، ثمّ ارتفع الكلام بينهما حتّى غضب يهودا ، وقامت الشعرة تقذف بالدّم ، فلمّا رأى ذلك يوسف دحرج الرّمّانة نحو يهدا فتبعها الصّبيّ ليأخذها ، فوقعت يده على يهودا ، فسكن غضبه ، وقال : إنّ في البيت لمن ولد يعقوب . حتى صنع ذلك ثلاث مرّات « 10».
وقال أبو عبد اللّه عليه السّلام في قول اللّه عزّ وجلّ : {إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} : « كان يوسف يوسّع المجلس ، ويستقرض للمحتاج ، ويعين الضعيف » « 11 ».
____________________
( 1 ) المقل : ثمر الدّوم ، الدّوم : شجر عظام من الفصيلة النخليّة ، يكثر في صعيد مصر وبلاد العرب . « الصحاح - مقل - ج 5 ، ص 1820 ، المعجم الوسيط - دوم - ج 1 ، ص 305 » .
( 2 ) تفسير القميّ : ج 1 ، ص 346 .
( 3 ) من لا يحضره الفقيه ج 3 ، ص 160 ، ح 703 ، والآية من سورة إبراهيم : 12 .
( 4 ) تفسير القميّ : ج 1 ، ص 348 .
( 5 ) تفسير العيّاشي : ج 2 ، ص 185 ، ح 51 .
( 6 ) نفس المصدر : ج 2 ، ص 185 ، ح 52 .
( 7 ) تفسير القميّ : ج 1 ، ص 348 .
( 8 ) عيون أخبار الرضا عليه السّلام : ص 76 ، ح 6 .
( 9 ) وقيل أنّه : لاوي .
( 10 ) تفسير القميّ : ج 1 ، ص 349 .
( 11 ) الكافي : ج 2 ، ص 465 ، ح 3 .
|
|
التوتر والسرطان.. علماء يحذرون من "صلة خطيرة"
|
|
|
|
|
مرآة السيارة: مدى دقة عكسها للصورة الصحيحة
|
|
|
|
|
نحو شراكة وطنية متكاملة.. الأمين العام للعتبة الحسينية يبحث مع وكيل وزارة الخارجية آفاق التعاون المؤسسي
|
|
|