المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

الأخلاق والأدعية والزيارات
عدد المواضيع في هذا القسم 6311 موضوعاً
الفضائل
آداب
الرذائل وعلاجاتها
قصص أخلاقية

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تجفيف التين
28-12-2015
الأسوة وموقعها من الطفل
14-4-2016
معنى كلمة كفف
15/9/2022
معنى {النبي الأمي}.
17-4-2022
اللجوء إلى اللَّه في الشدائد
18-12-2015
اضطرابات الحساسية الغذائية النفسية والعقلية Food Allergy Psycho-Neuro Disorders
10-5-2018


التعصّب والعناد في القرآن  
  
297   11:10 مساءً   التاريخ: 2024-12-16
المؤلف : الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الكتاب أو المصدر : الأخلاق في القرآن
الجزء والصفحة : ج2/ ص124-132
القسم : الأخلاق والأدعية والزيارات / الرذائل وعلاجاتها / الغضب و الحقد والعصبية والقسوة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-9-2016 1723
التاريخ: 18-2-2022 2060
التاريخ: 2024-01-30 966
التاريخ: 14-2-2022 2018

تنويه :

لا شكّ أنّ أساس العبودية والطاعة لله تعالى يكمن في عنصر التسليم والتواضع والخضوع مقابل الحقّ ، وعلى العكس من ذلك فإنّ كلّ اشكال (التعصب واللجاجة) تورث الإنسان البعد عن الحقّ والحرمان من السعادة.

(التعصب) بمعنى الإرتباط غير المنطقي بشيء معيّن إلى درجة أنّ الإنسان يضحي بالحقّ من أجل ذلك ، أمّا(العناد) فيعني الإصرار على شيء معيّن بحيث يسحق تعليمات العقل والمنطق تحت قدمه من أجل ذلك ، والثمرة لهاتين الشجرتين الخبيثتين هو (التقليد الأعمى) الّذي يُعد من أقوى الموانع والسدود أمام تكامل الإنسان وحركته في خطّ المعنويات والإيمان والكمال الأخلاقي.

عند ما نراجع سيرة الأنبياء العظام وأسباب انحراف الأقوام السالفة عن سلوك طريق الحقّ والدعوة الإلهية يتضّح لنا جيداً أنّ هذه الامور الثلاثة (التعصب والعناد والتقليد الأعمى) لها دورٌ أساس في عملية الانحراف هذه ، وفي القرآن الكريم اشارات كثيرة إلى هذه المسألة بالذات حيث ينبغي دراستها والتدبّر فيها :

ونبدأ من قوم نوح (عليه‌ السلام) حيث يقول القرآن الكريم :

1 ـ (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً)([1]).

2 ـ (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)([2]).

ثمّ يورد القرآن الكريم قصة هود ويقول :

3 ـ (قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)([3]).

ثمّ تصل النوبة إلى قصة إبراهيم (عليه‌ السلام) حيث يقول القرآن الكريم :

4 ـ (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ* قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ)([4]).

5 ـ (قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ* أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ* قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ)([5]).

ثمّ تصل النوبة إلى قوم موسى وفرعون فيقول :

6 ـ (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ)([6]).

ثمّ يصل إلى عصر النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) حيث نرى نفس الأعمال والسلوكيات تصدر من أعدائه حيث يقول عنهم القرآن الكريم :

7 ـ (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)([7]).

8 ـ (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)([8]).

9 ـ وكذلك يقول : (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ* فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ)([9]).

وأحياناً يذكر تعصب الأقوام السالفة بعضها ضد البعض الآخر ويقول :

10 ـ (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)([10]).

وفي مكان آخر يستعرض مسألة التقليد الأعمى والتعصب واللجاجة بعنوانها برنامج عام لجميع الأقوام الذين يتحركون في خط الضلالة والباطل ويقول :

11 ـ (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ)([11]).

12 ـ (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ)([12]).

تفسير واستنتاج :

المنهج العام للأقوام المنحرفين

كما تقدم فإنّ هذه الرذائل الأخلاقية الثلاث ، (أيْ التعصب والعناد والتقليد الأعمى) تُعد منهجاً عاماً في سلوك جميع الأقوام الّذين يتحركون في خطّ الإنحراف والضلال والزيغ ، فهؤلاء وبسبب تعصبهم الشديد للأفكار الخرافية والتقاليد الزائفة ، وعنادهم وإصرارهم على اعتناقها وعدم التخلي عنها ، وبالتالي اتباعهم لآبائهم وأسلافهم إتباعاً أعمى ، وبذلك انتقلت الخرافات والعقائد الزائفة جيلاً بعد جيل حيث ضاعت دعوة رجال الحقّ والأنبياء الإلهيين الّذين جاءوا لهدايتهم في زَحمة النعرات الجاهلية لهؤلاء الأقوام المنحرفين.

ونبدأ قبل كلّ شيء بقصة نوح مع قومه لنرى أنّ هؤلاء الّذين كانوا يعبدون الأوثان كانوا إلى درجة من التعصب والعناد في مقابل دعوة نبي عظيم من اولي العزم حتّى أنّهم كانوا يستوحشون من سماع صوته ودعوته إلى الله كما تتحدّث «الآية الاولى» من الآيات مورد البحث على لسان نوح فتقول : (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً)([13]).

أجل فإنّ تعصّبهم وعنادهم كان من الشدّة والقوّة إلى درجة أنّهم لن يسمحوا لآذانهم أن تسمع صوت نوح الحامل للنداء الإلهي ، وكذلك لم يسمحوا لعيونهم أن ترى وجهه وسيماءه ، وبهذه الطريقة العجيبة كانوا يتهربون من الحقيقة ، فما أخطر هذه الحالة الّتي يعيشها الإنسان الجاهل والمتعصب!!

وتأتي «الآية الثانية» لتكشف عن بُعدٍ آخر من هذه الرذائل الأخلاقية المتجذّرة في قوم نوح وتقول : (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)([14]).

أما لماذا لم يكونوا على استعداد لترك هذه الاصنام التي صنعوها بأيديهم ، بل كانوا يرون أنّها حاكمة على مصيرهم ومصير العالم؟ لا دليل لذلك سوى التعصب والتقليد الأعمى للتقاليد الزائفة والعقائد البالية.

وفي «الآية الثالثة» يتحدّث القرآن الكريم عن قوم عاد وجدالهم مع نبيّهم هود ويقول : (قالُوا أَجِئْتَنا لِنَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ ما كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ)([15]).

فهؤلاء كانوا إلى درجة من العناد والجهل والتعصّب بحيث أنّهم لم يطيقوا دعوة هذا النبي إلى التوحيد الخالص واعترضوا عليه في دعوته لترك ما كانوا يعبدونه من الأوثان حتّى أنّهم كانوا مستعدين لاستقبال امواج البلاء بدلاً من التنازل عن عقائدهم المنحرفة.

وعلى هذا الأساس وبسبب التعصب والاصرار والتقليد الأعمى فإنّ التوحيد الخالص الّذي هو روح عالم الوجود كان في نظرهم أمراً موحشاً وغريباً ، وبالعكس فإنّ عبادة الأوثان الّتي لا عقل لها ولا شعور كان أمراً معتبراً ومعقولاً لديهم ، بل حتّى أنّهم سلكوا على خلاف مقتضى قانون دفع الضرر المحتمل الّذي يحكم به العقل حيث لم يهتموا أدنى اهتمام باحتمال نزول العذاب الإلهي عليهم وكانوا يصرّون على نبيّهم أن يدعو ربه بتعجيل نزول العذاب عليهم ، وهذه الحماقة من هؤلاء ليست سوى حصيلة للتعصب والعناد.

أجل فهؤلاء ولأجل الفرار من الحقّ والاستمرار على سلوكهم الجاهلي في تقليدهم الأعمى للآباء كانوا يسرعون نحو هلاكهم والعقاب الإلهي عليهم وبالتالي تحقّق ما كانوا يطلبونه من نبيّهم واحترقوا بأجمعهم في عذاب الله ، وهذه هي نتيجة العناد والتعصب الجاف والتقليد الخاطيء.

وتتعرض «الآية الرابعة» إلى إحدى الإفرازات المشؤومة لهذه الرذائل الأخلاقية على الإنسان ، وتتحدّث عن (نمرود) وقومه وتقول عن النبي إبراهيم : (إِذْ قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ)([16]).

ولكنه لم يسمع جواباً منهم على كلامه إلّا أنّهم قالوا: (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ)([17]).

وعند ما قال لهم إبراهيم بصراحة حاسمة : إنكم أنتم وآبائكم في ضلال مبين ، لم يستيقظوا من غفلتهم ، فلم يكن من إبراهيم إلّا أن بين لهم تفاهة هذه التماثيل والأصنام من موقع العمل والممارسة ، فحطّم هذه الأصنام لكي يثوبوا إلى عقولهم ، ولكنهم بدلاً من الانتباه من سكرتهم وجهالتهم وبدلاً من أن يمزّقوا حجب الجهل والتعصب واللجاجة فقد هدّدوا إبراهيم بالحرق بالنار ، وألبسوا تهديدهم لباس الفعل وترجموه على أرض الواقع ، وقذفوا بإبراهيم وسط أمواج النيران الملتهبة ، وعند ما رأوا أنّ هذه النار تحوّلت إلى نعيم وجنّة وكانت برداً وسلاماً على إبراهيم ، وشاهدوا أكبر معجزة إلهية بامّ أعينهم استمروا مع ذلك في سلوكهم الأحمق بتأثير قيود الجهل والتعصب والاصرار ، وادّعوا أنّ ذلك كان من قبيل السحر.

كلّ ذلك يدلّ على أنّ هذه الرذائل الأخلاقية إلى أيّة درجة هي خطرة على الإنسان ومانعة من التحرّر في الفكر والوصول إلى الحقّ ، وأنّ الأشخاص الّذين يقعون أسرى في براثن هذه الرذائل فإنّهم يعيشون الذلّة والحقارة إلى غايتها وبذلك يحطّمون عزّتهم الإنسانية ويهبطون من مقام الإنسانية الشامخ ويقبلون بكلّ ذلك بدلاً من التسليم والإذعان إلى الحقّ.

وتشير «الآية الخامسة» أيضاً إلى عبادة الأوثان لدى قوم (نمرود) عند ما واجههم إبراهيم بالأدلة الساطعة والبراهين القاطعة على سخافة هذه العقيدة من خلال الحوار العقلي والمنطقي حيث تقول الآية : (قالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ* أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ)([18]).

ولكن هؤلاء لم يكن لديهم أيّ جواب منطقي في مقابل هذه التساؤلات الحاسمة إلّا أنّهم لاذوا بكهف التقليد الأعمى كما تقول الآية : (قالُوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذلِكَ يَفْعَلُونَ)([19]).

في حين أنّ الإنسان إذا أراد أن يسلك في خطّ التقليد فعلى الأقل يجب أن يقلد ويتبع العالم والخبير بالوقائع ليشير عليه ما ينفعه في هذا السبيل لا أن يقلد الجاهل والأحمق ، ولكنّ حجاب التعصب واللجاجة كان سميكاً إلى درجة انه لن يسمح لأقل شعاع من نور شمس الهداية والمنطق والدليل العقلي في النفوذ إلى أعماقهم ووجدانهم ليضيء باطنهم بنور الحقّ.

«الآية السادسة» تتحدّث عن لجاجة الفراعنة وعنادهم في مقابل المعجزات الواضحة والآيات البيّنة لموسى ، حيث فضّلوا البقاء على عقائدهم الوثنية الّتي ورثوها من أسلافهم بدافع من اللجاجة والإصرار والعناد حيث تقول الآية : (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ)([20]).

هؤلاء لم يسألوا من أنفسهم عن دين موسى هل هو حقّ أم باطل ، وما ذا يمتاز على دين الأسلاف؟ بل كان كلامهم يدور فقط في اننا يجب أن نحفظ دين الآباء والأجداد سواءاً كان حقّاً أم باطلاً ، فالقيمة الواقعية لنا تكمن في هذا المنهج فقط ، ثمّ قالوا مع كثير من سوء الظن أنّ ما جاء به موسى من الدين الإلهي هو في الواقع مقدّمة لتحصيل مقاصده السياسية وبسط سيطرته وحكومته على الناس ، فلا إله في البين ولا الوحي الإلهي ، وهكذا كانوا يتحركون من موقع سوء الظن هذا وبسبب ذلك التعصب والعناد في طريق الابتعاد عن الحقّ والاعتذار بتبريرات واهية في سبيل تحكيم موقعيّتهم مقابل دعوة موسى.

ولعلّهم كانوا يخافون من أنّه إذا تجلّى نور الهداية الإلهية لشعب مصر عن طريق شريعة موسى فإنّهم سيفقدون بذلك دينهم الخرافي الّذي ورثوه من الآباء وكذلك يفقدون حكومتهم المبنية على هذا الأساس ، ولهذا فإنّهم تصدّوا لموسى ودعوته بكلّ ما اوتوا من قوة وتحركوا من موقع تشجيع الناس وتعميق حالة التعصب والعناد فيهم ، وبما أنّ الملأ من الفراعنة كانوا يريدون كلّ شيء في سبيل تعزيز حكومتهم وسيطرتهم على الناس فتصوّروا أنّ موسى وهارون كذلك يريدون الدين كوسيلة واداة للتوصل إلى الحكومة والسيطرة.

وهذا المرض الأخلاقي يستمر مع البشر على طول التاريخ إلى أن نصل إلى زمن الإسلام وعصر رسول الله (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله).

وفي «الآية السابعة» نرى أيضاً أنّ العامل الأساس في انحراف المشركين العرب هو التقليد الأعمى والتعصب لتراث الآباء والأجداد والّذي يوصد أبواب المعرفة من كلّ جانب على أصحاب هذه الصفة الرذيلة فتقول الآية : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا ما أَنْزَلَ اللهُ قالُوا بَلْ نَتَّبِعُ ما أَلْفَيْنا عَلَيْهِ آباءَنا ...)([21]).

ولكن القرآن الكريم يجيبهم على هذا التصور الباطل بجواب حاسم وقاطع ويقول : (... أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ)([22]).

ويتضح من سياق هذه الآية أنّ هؤلاء المشركين لم يُنكروا على النبي (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) دعوته السماوية وأنّه يتحدّث من قِبل الله تعالى (ما أَنْزَلَ اللهُ) ، ولكنهم كانوا غارقين في مستنقع التعصب والعناد والجهل إلى درجة أنّهم يفضلون دينهم الّذي ورثوه عن الآباء والأجداد على دين الله وهم يعلمون بأن أسلافهم كانوا يعيشون الجهل والضلالة.

وبهذا نجد أنّ الجهل والتعصب يتسبب في أنّ الإنسان يترك بسهولة (ما أَنْزَلَ اللهُ) ويدير له ظهره ويتجه نحو الباطل رغم انه يميز بين الحقّ والباطل من موقع الوضوح في الرؤية.

وتستعرض «الآية الثامنة» قصة الحُديبية حيث يذكر الله تعالى المسلمين بما جرى من حوادث مهمة وأنّ الكفّار رغم رؤيتهم لعلائم حقانيّة النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) إلّا أنّهم وبسبب التعصّبات الجاهلية لم يتحرّكوا في خطّ الإيمان ، وكانت هذه الرذيلة الأخلاقية قد منعتهم من سلوك طريق السعادة العظمى فتقول الآية : (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَكانُوا أَحَقَّ بِها وَأَهْلَها وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)([23]).

(الحميّة) من مادّة (حَمى) (على وزن حَمَدَ) بمعنى الحرارة الّتي يشعر بها الإنسان في بدنه بسبب العوامل الخارجية أو الأشياء الاخرى ، ولهذا السبب اطلقت على الحُمّى أيضاً وهي حرارة المرض.

ثمّ اطلقت هذه المفردة على الحالات الروحية والأخلاقية من قبيل : الغضب والتكبّر والتعصب وأمثال ذلك وأنّها بمثابة حالات يعيشها الإنسان في حرارة باطنية كالنار المستعرة في قلب الإنسان.

والملفت للنظر أنّ هذه الآية أضافت الحميّة إلى الجاهلية ، وذلك للإشارة إلى التعصبات المنطلقة من موقع الجهل وعدم العلم ، وفي نفس الوقت اضافت السكينة الّتي تقع في النقطة المقابلة لها إلى الله تعالى ، وهي الحالة من الهدوء والراحة النفسية الّتي يعيشها الإنسان من موقع الإيمان والوضوح والانسياق مع الحقيقة.

وسيأتي في البحوث اللاحقة الكلام حول التعصّب الإيجابي والسلبي وحول إضافة الحمية إلى الجاهلية.

«الآية التاسعة» تشير إلى نكتة اخرَى في هذا المجال ، وتكشف النقاب عن جانب آخر من التعصب الشديد للعرب في عصر الجاهلية وتقول : (وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ* فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ)([24]).

يعني انّ التعصب القومي والعِرقي لهؤلاء العرب كان إلى درجة من الشدّة بحيث إنّ القرآن مع جميع المعارف السامية والفصاحة والبلاغة والمضامين العظيمة لو كان قد نزل على غير العرب فإنّ تعصبّهم العِرقي يمنعهم من الإيمان به ويسدل عليهم حجاباً يُبعدهم عن إدراك الحقيقة والوصول إلى المقصود.

ورغم أنّ بعض المفسّرين قد ذكر لهذه الآية تفسيرات اخرى ، ولكن أوضح التفاسير وأنسبها لسياق هذه الآية هو ما ذُكر آنفاً.

وعلى هذا الأساس ورد في بعض الروايات الإسلامية عن النبي الأكرم (صلى ‌الله ‌عليه ‌وآله) أنّ الأشخاص الّذين يعيشون التعصّب والعناد هم شركاء لأعراب الجاهلية حيث يقول : «مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ حَبَّةً مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ عَصَبِيَّةٍ بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ اعْرَابِ الْجَاهِلِيَّةِ» ([25]). وحبّةٍ من خردل يُضرب بها المثل بالصغر لدى العرب.

وتأتي «الآية العاشرة» لتكشف النقاب عن هذه الرذيلة الأخلاقية في أقوام بشرية اخرَى وأنّ كلّ قوم وطائفة يرون أنفسهم أنّهم الأفضل بدافع التعصب واللجاجة ويتحركوا في تعاملهم مع الآخرين من موقع الإبعاد والنفي ويحسبون أنفسهم أنّهم عباد الله المتميزون على سائر الأقوام والشعوب البشرية ، وهذا الأمر هو الّذي تسبب في نزاعات مستمرة وصراعات دائمة بين الأقوام البشرية حيث تقول الآية : (وَقالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَقالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)([26]).

ويُستفاد من سياق هذه الآية أنّ هذا اللون من التعصّبات وأشكال الغرور ينبع من الجهل وعدم المعرفة وأنّ كلّ فئة من الناس تعيش الجهل وعدم المعرفة سوف يتورطون في هذه الرذيلة الأخلاقية.

وعبارة (الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) لها مفهوم واسع وأحد مصاديقها هم المشركون العرب ، ولذلك فسّرها بعض المفسّرين بأنّهم قوم نوح ، أو ذكروا في تفسيرها أنّ المراد منها جميع الامم البشرية الّتي عاشت التعصب والعناد بسبب الجهل وعدم المعرفة.

«الآية الحادية عشر» تتحدّث عن أصل كلّي وعام وتبيّن أنّ حالة التعصب والاصرار على طول التاريخ البشري كان لها الدور المهم في استمرار الأقوام البشرية في سلوكهم في خطّ الكفر ومحاربة التوحيد وتقول : (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ)([27]).

وسياق الآية يوحي إلى أنّ أهم مانع في مقابل الإيمان واتباع الأنبياء الإلهيين هو التعصب والتقليد الأعمى الناشئ من حالة الجهل الّتي يعيشها الإنسان.

وهنا تتضح الأبعاد الخطيرة لهذه الرذيلة الأخلاقية.

ونقرأ في «الآية الثانية عشر» والأخيرة أنّ الجاهليين وبسبب حالة التعصب واللجاجة كانوا يتهمون أكبر الأنبياء الإلهيين بالجنون ويجعلون ذلك ذريعة لمخالفتهم للدعوات السماوية وتقول : (وَيَقُولُونَ أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ)([28]).

والعجيب أنّ هؤلاء كانوا غارقين في دوّامة الجهل والتعصّب الأعمى إلى درجة أنّهم لم يكونوا يُدركون أنّ كلامهم هذا متناقض ، فإنّ كونه (شاعراً) يدلّ على الذوق السليم والقريحة والتأمّل والتفكر والاطلاع الوافي على دقائق الكلام (والملاحظ أنّ كلمة الشاعر من مادّة الشعور) وهذا ما يتقاطع مع كونه مجنوناً كما هو واضح.

وأحياناً يتهمون الأنبياء بالسحر والجنون كلاهما في حين أنّ السحر يحتاج إلى الإطلاع الواسع على بعض العلوم والمعارف ويستبطن ذكاءاً خاصاً ، وكلّ هذا يتقاطع مع الجنون ، وهذا يوضّح أنّ كلام هؤلاء المتناقض لم يكن بوحيٍ من العقل والتفكر الهادئ والمنسجم بل بدافع من الجهل والتعصب والعقدة.

النتيجة النهائية :

وبمرور إجمالي على الآيات الكريمة المذكورة آنفاً والّتي هي نموذج من كثير من الآيات القرآنية في هذا المجال تتضح هذه الحقيقة وهي انّ أهم موانع المعرفة والوصول إلى الحقيقة هو حالة التقليد الأعمى الناشئ من التعصب واللجاجة والتحرّك من موقع الرغبات النفسية وبدافع من الأهواء والنوازع الباطنية الّتي تحبس الإنسان في سجن مظلم من الجهل المطبق.

إن الأضرار والخسائر الكثيرة المترتبة على هذه الرذيلة الأخلاقية قد سوّدت صفحات التاريخ البشري وواجه الأنبياء الإلهيين بسببها مشاكل كثيرة في طريق هداية الناس إلى الله والحقّ وسُفكت بسببها الكثير من الدماء ، وهذا يكفي في إدراك شناعة هذه الحالة الذميمة في السلوك الإنساني.

لو لم تكن هذه الرذيلة الأخلاقية موجودة في باطن الإنسان فإنّ تاريخ البشرية سيلبس ثوباً آخر ويسطع بوجهٍ جديد في حركة التكامل الحضاري والتقدّم العلمي ولفُتحت الأبواب أمام البشرية للصعود إلى مدارج عالية من الكمال المعنوي وبدلاً من أن تتحوّل طاقاته وامكانياته الكبيرة إلى سيلٍ مخرب بسبب الجهل والتعصب فإنّ من شأنها أن تتحول إلى منظومة واسعة من المعارف الإلهية والسلوكيات الأخلاقية الحميدة والمُثل الإنسانية الّتي تقود الإنسان في كلّ بُعدٍ من أبعاد حياته الدنيوية إلى العمران والتكامل المادي والمعنوي.


[1] سورة نوح ، الآية 7.

[2] سورة نوح ، الآية 23.

[3] سورة الأعراف ، الآية 70.

[4] سورة الأنبياء ، الآية 52 و 53.

[5] سورة الشعراء ، الآية 72 ـ 74.

[6] سورة يونس ، الآية 78.

[7] سورة البقرة ، الآية 170.

[8] سورة الفتح ، الآية 26.

[9] سورة الشعراء ، الآية 198 و 199.

[10] سورة البقرة ، الآية 113.

[11] سورة الزخرف ، الآية 23.

[12] سورة الصافات ، الآية 36.

[13] سورة نوح ، الآية 7.

[14] سورة نوح ، الآية 23.

[15] سورة الأعراف ، الآية 70.

[16] سورة الأنبياء ، الآية 52.

[17] المصدر السابق.

[18] سورة الشعراء ، الآية 72 و 73.

[19] سورة الشعراء ، الآية 74.

[20] سورة يونس ، الآية 78.

[21] سورة البقرة ، الآية 170.

[22] سورة البقرة ، الآية 170.

[23] سورة الفتح ، الآية 26.

[24] سورة الشعراء ، الآية 198 و 199.

[25] اصول الكافي ، ج 2 ، ص 308 ، باب العصبيّة ، ح 3.

[26] سورة البقرة ، الآية 113.

[27] سورة الزخرف ، الآية 23.

[28] سورة الصافات ، الآية 36.




جمع فضيلة والفضيلة امر حسن استحسنه العقل السليم على نظر الشارع المقدس من الدين والخلق ، فالفضائل هي كل درجة او مقام في الدين او الخلق او السلوك العلمي او العملي اتصف به صاحبها .
فالتحلي بالفضائل يعتبر سمة من سمات المؤمنين الموقنين الذين يسعون الى الكمال في الحياة الدنيا ليكونوا من الذين رضي الله عنهم ، فالتحلي بفضائل الاخلاق أمراً ميسورا للكثير من المؤمنين الذين يدأبون على ترويض انفسهم وابعادها عن مواطن الشبهة والرذيلة .
وكثيرة هي الفضائل منها: الصبر والشجاعة والعفة و الكرم والجود والعفو و الشكر و الورع وحسن الخلق و بر الوالدين و صلة الرحم و حسن الظن و الطهارة و الضيافةو الزهد وغيرها الكثير من الفضائل الموصلة الى جنان الله تعالى ورضوانه.





تعني الخصال الذميمة وهي تقابل الفضائل وهي عبارة عن هيأة نفسانية تصدر عنها الافعال القبيحة في سهولة ويسر وقيل هي ميل مكتسب من تكرار افعال يأباها القانون الاخلاقي والضمير فهي عادة فعل الشيء او هي عادة سيئة تميل للجبن والتردد والافراط والكذب والشح .
فيجب الابتعاد و التخلي عنها لما تحمله من مساوئ وآهات تودي بحاملها الى الابتعاد عن الله تعالى كما ان المتصف بها يخرج من دائرة الرحمة الالهية ويدخل الى دائرة الغفلة الشيطانية. والرذائل كثيرة منها : البخل و الحسد والرياء و الغيبة و النميمة والجبن و الجهل و الطمع و الشره و القسوة و الكبر و الكذب و السباب و الشماتة , وغيرها الكثير من الرذائل التي نهى الشارع المقدس عنها وذم المتصف بها .






هي ما تأخذ بها نفسك من محمود الخصال وحميد الفعال ، وهي حفظ الإنسان وضبط أعضائه وجوارحه وأقواله وأفعاله عن جميع انواع الخطأ والسوء وهي ملكة تعصم عما يُشين ، ورياضة النفس بالتعليم والتهذيب على ما ينبغي واستعمال ما يحمد قولاً وفعلاً والأخذ بمكارم الاخلاق والوقوف مع المستحسنات وحقيقة الأدب استعمال الخُلق الجميل ولهذا كان الأدب استخراجًا لما في الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل وقيل : هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ.
وورد عن ابن مسعود قوله : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى ؛ فتعلموا من مأدبته ، فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة.