أقرأ أيضاً
التاريخ: 21-05-2015
3442
التاريخ: 2023-04-08
1669
التاريخ: 2023-04-02
1896
التاريخ: 2023-04-07
1393
|
( 1 ) جهد المعصوم ( عليه السلام ) يختلف عن جهدنا
رغم قِصَر عمر الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، والظروف المعادية له ، فقد قام بمهمة الهداية والبناء لشيعته ، كفئة طليعية في الأمة ، وأثَّر على مسار الأحداث العامة في الأمة ، ومنع المزيد من انحراف الحكام ، وقضاة السلطة ورواتها .
إن أعمار أهل البيت ( عليه السلام ) بالعمق والعرض ، لا بالطول . فمن الناس من يعيش عمراً طويلاً لكن عمره كخط ضعيف على صفحة رمل ذارٍ . ومنهم من يعيش قليلاً لكن عمره شعلةٌ تضيئ مع التاريخ ، وتقتدي بها الأجيال .
وسبب ذلك أن أفعال المعصومين ( عليه السلام ) وأقوالهم مسددة من الله تعالى ، فهي مباركة ، مؤثرة ، دائمة الثمر : تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا .
إنهم يختلفون عنا بما أعطاهم الله من علم بما يفعلونه ويقولونه ، فلا يتحيرون مثلنا ، ولا يعملون بالظن والتخمين والترجيح .
وهم أهل يقين في الأحكام والموضوعات ، ورؤيتهم أعلى نوعاً من رؤيتنا ، فلا يحتاجون مثلنا إلى جهد في فهم الأشياء والأمور وأحكام الله فيها ، ثم نبقى نراوح كل عمرنا في احتمالاتنا .
وهم أقوى الناس بدناً وروحاً ، وأكثرهم حيوية ونشاطاً ، لا تتفاوت حالات أحدهم ولا ينخفض نشاطه ، فيوم الواحد منهم قد يعادل نشاط شهر أو سنوات لأحدنا !
وهم أكثر الناس تفاعلاً في إيمانهم بالله تعالى واليوم الآخر ، وهذا ينعكس بركةً في أقوالهم وأعمالهم ، وغنىً فيها ، وتأثيراً لها . فقد وصف الله نبيه يحيى ( عليه السلام ) بأنه سبق في حيويته المتقدمين عليه ، لكنه لم يسبق المتأخرين وهم أهل البيت ( عليهم السلام ) ، قال تعالى : يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا .
وهم أعلم من يفهم أولويات العمل ، وتأثير الأعمال ، وحركة الأفراد والمجتمعات ومستقبلها ، فهم أساتذة في العمل الستراتيجي .
إنهم المهندسون الربانيون ، الذين يخط أحدهم الخط ، فيؤثر على الخريطة ، ويضع لبنة فيعتدل الصرح ، ويأخذ لبنة فينهار بناء فاسد ، ولو بعد حين !
وبهذا التسديد الرباني استطاع الأئمة من أهل البيت ( عليهم السلام ) أن ينشؤوا من تحت الصفر أمة في الأمة ، وأن يُعَدِّلوا في مسار الأمة ، ويصححوا فيه الكثير .
فبعد عزله من الخلافة واضطهاده وأهل بيته ، لم يمر على الأمة ربع قرن حتى جاءت الأمة إلى علي ( عليه السلام ) طائعة ، راجية منه أن يقبل بيعتها له بالخلافة !
قال ( عليه السلام ) : ( فما راعني إلا والناس كعرف الضبع إليَّ ينثالون علي من كل جانب . . مجتمعين حولي كربيضة الغنم ) . ( نهج البلاغة : 1 / 36 ) .
وحكم عليٌّ ( عليه السلام ) خمس سنوات ، فهز الأمة هزاً ، وأعاد فيها جذوة العهد النبوي .
وعندما استسلمت الأمة إلى موجة بني أمية ، نهض الإمام الحسين ( عليه السلام ) في مهمة ربانية رباه لها جده المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) وأخبر بها الأمة ، فكان ذبيح الإسلام ، وثأر الله في أرضه ، فقد أعاد للأمة شعلة نبيها ، وفتح باب الثورات على مصراعيه .
وترسخ وجود أهل البيت النبوي ( عليهم السلام ) وموجتهم في الأمة ، وانطلقت من خراسان موجة غضب إيرانية ، بشعار الدعوة إلى الرضا من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وإنصاف أهل البيت من ظالميهم الأمويين .
وركب العباسيون ثورة الإيرانيين وسرقوها ، وأبى ذلك أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، وواصلوا عملهم في هداية الأمة ، ومواجهة تحريف الإسلام ، والانحراف عنه .
ولم يطل الأمر بالعباسيين حتى اضطر المأمون لأن يلجأ إلى الإمام الرضا ( عليه السلام ) ويطلب منه أن يكون ولي عهده تقرباً إلى الأمة بعترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وتسكيتاً للثورات العلوية .
واستطاع الإمام الرضا ( عليه السلام ) أن يميز نفسه وشيعته عن السلطة ، فظلوا في نظر الأمة منزهين ، لم يحملوا أوزارها .
وتولى الإمام الجواد ( عليه السلام ) إمامة الأمة ، فكان الشيعة وجوداً وسيعاً منتشراً في مختلف البلاد ، وكانت أول مرة يُجمع فيها الشيعة على إمامة صبي في السابعة من عمره !
ومما يثير عجب الباحث أنه مع كثرة خصوم الشيعة ومخالفيهم ، وبحثهم عما يعيبونهم به ، لم يستطع أحد أن يشنع عليهم بائتمامهم بصبي في هذا السن !
بل تشير النصوص إلى أنهم كانوا يوصون بعضهم بأن يتركوا الشيعة ، ولا يتحرشوا بهم ، لأنهم لا حيلة فيهم حسب تعبير المعتصم ، قال : ( ليس إلى هؤلاء القوم حيلة . لا تؤذوا أبا جعفر ) . ( رجال الكشي / 833 ) .
قاد الإمام الجواد ( عليه السلام ) شيعته بعد أبيه نحو تسع عشرة سنة ، وكان أول مكسب لهم أن الأمة عرفت أن مذهب هؤلاء في الإمامة حق ، وأنها اختيار رباني ، فالله تعالى يختار من عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) إماماً للأمة ويعلمه ويسدده ، وهؤلاء هم الأئمة الإثنا عشر الذين بشَّرَ بهم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأوصى بهم أمته فقال : إني تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فهم وصيته كالقرآن ، وهم أئمة ربانيون ، وهم كالقرآن لا يأتيهم الباطل .
ورأى المسلمون الإمام الجواد ابن سبع سنين معجزة في علمه وهديه وكل شخصيته . ورأوا خليفتهم المأمون يُقنع فقهاء المسلمين وعلماءهم وشخصيات بني العباس ، بأن بيت علي بن أبي طالب ليس كالبيوت ، فهؤلاء صغارهم كبار ، وهذا محمد الجواد أمامكم وهو ابن تسع سنوات ، فامتحنوه واسألوه !
ولئن لم يقل المأمون إن الجواد ( عليه السلام ) هو صاحب منصب الخلافة الشرعي ، والمأمون غاصب لمقامه ، فقد عرفت الأمة ذلك وفهمته !
ولئن ارتكب المعتصم أخ المأمون جريمة قتله بالسم ، فإن الأمة كانت تعرف أن فعله ما هو إلا حلقة من سلسلة قتل الجبارين للأنبياء والأوصياء ( عليهم السلام ) !
لقد استطاع المعتصم وابناه الواثق والمتوكل أن يقووا الموجة المضادة لأهل البيت ( عليهم السلام ) وشيعتهم ، وبلغت أوجها في زمن المتوكل باضطهاد الشيعة ، وهدم قبر الحسين ( عليه السلام ) . لكن التشيع في الأمة كان قوياً حتى في بيوت الخلفاء ، فثار ابن المتوكل العباسي على أبيه وقتله لأنه ناصبي مبغض لأهل البيت ( عليهم السلام ) ، وسمى نفسه المنتصر ، لأنه انتصر لشتم أبيه للصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) !
( 2 ) ازدحام الشيعة على الإمام في الحج
كان موسم الحج أهم مناسبة للقاء الشيعة بالأئمة ( عليهم السلام ) ، ثم موسم عمرة رجب .
ففي الإختصاص للمفيد / 102 ، عن إبراهيم بن هاشم قال : ( حدثني أبي قال : لما مات أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) حججنا فدخلنا على أبي جعفر ( عليه السلام ) وقد حضر خلق من الشيعة من كل بلد لينظروا إلى أبي جعفر ، فدخل عمه عبد الله بن موسى وكان شيخاً كبيراً نبيلاً ، عليه ثياب خشنة وبين عينيه سجادة فجلس ، وخرج أبو جعفر ( عليه السلام ) من الحجرة وعليه قميص قصب ورداء قصب ونعل جدد بيضاء فقام عبد الله فاستقبله وقبل بين عينيه ، وقام الشيعة وقعد أبو جعفر ( عليه السلام ) على كرسي ونظر الناس بعضهم إلى بعض ، وقد تحيروا لصغر سنه ، فابتدر رجل من القوم فقال لعمه : أصلحك الله ما تقول في رجل أتى بهيمة ؟ فقال : تقطع يمينه ويضرب الحد . فغضب أبو جعفر ( عليه السلام ) ثم نظر إليه فقال : يا عم إتق الله إتق الله ، إنه لعظيم أن تقف يوم القيامة بين يدي الله عز وجل فيقول لك : لم أفتيت الناس بما لا تعلم ! فقال له عمه : أستغفر الله يا سيدي أليس قال هذا أبوك صلوات الله عليه ؟ فقال أبو جعفر ( عليه السلام ) : إنما سئل أبي عن رجل نبش قبر امرأة فنكحها ، فقال أبي : تقطع يمينه للنبش ، ويضرب حد الزنا ، فإن حرمة الميتة كحرمة الحية .
فقال : صدقت يا سيدي ، وأنا أستغفر الله ! فتعجب الناس وقالوا : يا سيدنا أتأذن لنا أن نسألك ؟ قال : نعم فسألوه في مجلس عن ثلاثين ألف مسألة ، فأجابهم فيها وله تسع سنين ) . ورواه في الكافي : 1 / 496 ، مختصراً وفيه : ( وله عشر سنين ) .
أقول : لا يصح كلام إبراهيم بن هاشم أنه ( عليه السلام ) سئل عن ثلاثين ألف مسألة في مجلس واحد ، إلا أن يكون المقصود فيه المبالغة بمعنى سألوه عن مسائل كثيرة تبلغ المئات .
وقال بعضهم إن المقصود بالمجلس واحد مجالس ذلك الموسم .
وبقطع النظر عن المبالغة في كلام الراوي ، فلا شك أن الشيعة الوافدين وفيهم الفقهاء والمحدثون ، قد دهشوا بغزارة علم الإمام ( عليه السلام ) وفقاهته . وقد رأى العباسيون في مجلس المأمون شبيه ذلك ، فأذعنوا لإعجاز شخصيته . وتقدم سؤال ابن أكثم له عن محرم قتل صيداً وتفريع الإمام فروع المسألة ، وكذلك غيرها من المسائل .
وقد حفلت أحاديث الإمام الجواد ( عليه السلام ) بالكثير من المسائل الفقهية الدقيقة .
( 3 ) دور الوكلاء في إدارة الأئمة ( عليهم السلام ) لشيعتهم
الإمام في عقيدة الشيعي حجة الله تعالى على خلقه ، منه يتلقى معالم دينه وتوجيهه في أموره ، فهو إمامه بالمعنى الكامل عقدياً وفقهياً وسلوكياً واجتماعياً وسياسياً . وطاعته فرضٌ من الله تعالى ورسوله ، فهو وصي النبي ( صلى الله عليه وآله ) وخليفته ، وهو الحاكم الشرعي ، والقدوة في الدنيا ، والذي يأمل شفاعته في الآخرة .
وقد كان للأئمة ( عليهم السلام ) شبكة وكلاء ومعتمدين ، في كل المناطق التي فيها شيعة ، وذكر التاريخ أسماء عدد من كبارهم .
وكان الشيعة يراسلون الأئمة ( عليهم السلام ) مباشرة أو بواسطة وكلائهم ، فيسألونهم عن أحكام دينهم وعقائدهم ، ويطلبون منهم أن يدعوا لهم الله تعالى بحاجاتهم المختلفة المادية والمعنوية . وكانوا يرسلون إلى الإمام خمس فائض ربحهم السنوي .
وقد أورد السيد القزويني في موسوعة الإمام الجواد ( عليه السلام ) ( 2 / 413 ) فهرس أكثر من ستين رسالة من رساءله ( عليه السلام ) . منها إلى وكلائه ، ومنها إجابات لأشخاص ، ومنها رسائله لأ بيه الرضا ( عليه السلام ) ورسالته إلى ابنه الهادي ( عليه السلام ) ، والى إبراهيم بن شيبة ، وإلى إبراهيم بن عقبة ، وإلى أبي الحسن بن الحصين ، وإلى أبي علي بن راشد ، وأبي عمرو الحذاء ، وأبي الفضل العباس بن المعروف ، وأبي القاسم الصيقل ، وأحمد بن إسحاق الأبهري ، وأحمد بن حماد المروزي ، وأحمد بن محمد بن عيسى القمي ، وأحمد بن محمد بن عيسى بن يزيد ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر ، وإسماعيل بن سهل ، وإلى امرأة تدعى أم علي ، وإلى أيوب بن نوح ، وبكر بن صالح ، وبندار مولى إدريس ، والحسن بن سعيد ، والحسين بن بشار الواسطي ، والحسين بن الحكم الواسطي ، والحسين بن عبد الله النيسابوري ، وخيران الخادم ، وداود بن القاسم الجعفري ، والريان بن شبيب ، وزكريا بن آدم الأشعري القمي ، وصهر بكر بن صالح ، وعبد الجبار بن المبارك النهاوندي ، وعبد الرحمن بن أبي نجران ، وعبد العزيز بن المهتدي القمي الأشعري ، وعبد العظيم بن عبد الله الحسني ، وعبد الله بن خالد بن نصر المدائني ، وعبد الله بن الصلت القمي ، وعبيد الله بن محمد الرازي ، وعلي بن أسباط الكوفي ، وعلي بن بلال ، وعلي بن حديد ، وعلي بن محمد الحصيني ، وعلي بن محمد بن سليمان النوفلي ، وعلي بن مهزيار ، وعلي بن ميسر ، وعمرو بن سعيد الساباطي ، وفروخ بن زاذان ، والقاسم الصيقل ، والمأمون العباسي الخليفة ، ومحمد بن إبراهيم الحضيني ، ومحمد بن أحمد بن حماد ، المكنى بأبي علي المحمودي ، ومحمد بن إسحاق ، والحسن بن محمد ، ومحمد بن أورمة ، ومحمد بن حمزة العلوي ، ومحمد بن خالد البرقي ، ومحمد بن الريان ، ومحمد بن سليمان بن مسلم ، المكنى بأبي زينبة وجماعة معه ، ومحمد بن عمر الساباطي ، ومحمد بن عيسى ، ومحمد بن الفرج ، ومحمد بن الفضيل الصيرفي ، ومحمد بن يحيى الخراساني ، وموسى بن عبد الملك ، والنضر ، ويحيى بن أبي عمران الهمداني ، وبني عم محمد بن الحسن الأشعري ، وامرأة من موالي محمد بن الحسن الأشعري ، وإلى أهل البصرة ، والى مواليه بهمدان ، والى بعض أوليائه ، والى جماعة من الأصحاب ، وآخرين .
( 4 ) رسالةٌ إلى وكيله في همدان
في بصائر الدرجات / 282 : ( إبراهيم بن محمد قال : كان أبو جعفر محمد بن علي ( عليه السلام ) كتب إليَّ كتاباً ، وأمرني أن لا أَفُكَّهُ حتى يموت يحيى بن أبي عمران ، قال : فمكث الكتاب عندي سنين ، فلما كان اليوم الذي مات فيه يحيى بن أبي عمران فككت الكتاب فإذا فيه : قم بما كان يقوم به ، أو نحو هذا من الأمر قال ) . ورواه في الثاقب / 515 ، وفيه : ( أن إبراهيم بن محمد أقرأهم هذا الكتاب في المقبرة يوم مات يحيى بن عمران . وكان إبراهيم يقول : كنت لا أخاف الموت ما كان يحيى بن عمران في الحياة ) .
وفي رجال الكشي ( 2 / 869 ) عن إبراهيم بن محمد الهمداني ، قال : ( كتبت إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) أصف له صنع السبع بي . فكتب بخطه : عجل الله نصرتك ممن ظلمك وكفاك مؤنته ، وأبشر بنصر الله عاجلاً ، وبالأجر آجلاً وأكثر من حمد الله . .
وكتب إليَّ : قد وصل الحساب تقبل الله منك ورضي عنهم ، وجعلهم معنا في الدنيا والآخرة ، وقد بعثت إليك من الدنانير بكذا ومن الكسوة كذا ، فبارك لك فيه وفي جميع نعمة الله عليك . وقد كتبت إلى النضر أمرته أن ينتهي عنك ، وعن التعرض لك وخلافك ، وأعلمته موضعك عندي . وكتبت إلى أيوب أمرته بذلك أيضاً ، وكتبت إلى مواليَّ بهمدان كتاباً أمرتهم بطاعتك والمصير إلى أمرك ، وأن لا وكيل لي سواك ) .
( 5 ) رسالة إلى وكيله في الأهواز
في رجال الكشي ( 2 / 827 ) في ترجمة علي بن مهزيار : ( وفي كتاب لأبي جعفر ( عليه السلام ) إليه ببغداد : قد وصل إلي كتابك ، وقد فهمت ما ذكرت فيه وملأتني سروراً فسرَّك الله ، وأنا أرجو من الكافي الدافع أن يكفي كيد كل كائد ، إن شاء الله تعالى .
وفي كتاب آخر : وقد فهمت ما ذكرت من أمر القميين خلصهم الله وفرج عنهم . وسررتني بما ذكرت من ذلك ولم تزل تفعل ، سرك الله بالجنة ورضي عنك برضائي عنك ، وأنا أرجو من الله حسن العون والرأفة ، وأقول حسبنا الله ونعم الوكيل ) .
وروى الطوسي في الغيبة / 394 ، رسالة أخرى له ، جاء فيها : ( بسم الله الرحمن الرحيم . يا علي أحسن الله جزاك ، وأسكنك جنته ، ومنعك من الخزي في الدنيا والآخرة ، وحشرك الله معنا . يا علي قد بلوتك وخبرتك في النصيحة والطاعة والخدمة والتوقير والقيام بما يجب عليك ، فلو قلت إني لم أر مثلك لرجوت أن أكون صادقاً ، فجزاك الله جنات الفردوس نزلاً ، فما خفي علي مقامك ولا خدمتك في الحر والبرد ، في الليل والنهار ، فأسأل الله إذا جمع الخلائق للقيامة أن يحبوك برحمة تغتبط بها ، إنه سميع الدعاء ) .
وقد أعجبت هذه الرسالة أخانا الدكتور محمد حسين الصغير ، فعلق عليها في كتابه الإمام محمد الجواد معجزة السماء في الأرض / 34 بقوله : ( فانظر إلى هذا الثناء العاطر وهذا الالتزام الفريد ، وهذا التكريم المتزايد ، مما يدل على علو منزلة الرجل ، والإمام في هذا الملحظ يعطي كل ذي حق حقه ، رعاية كبرى منه لأوليائه ) .
( 6 ) دورالعلماء في إدارة الأئمة ( عليهم السلام ) لشيعتهم
كان الأئمة يوجهون الفقهاء والعلماء لتعليم جمهور الشيعة وتوعيتهم ، خاصة أولئك الذين لا يتيسر لهم الوصول إلى إمامهم بسبب بعد بلادهم ، أو بسبب ظروفهم وظروف الإمام السياسية ، أو سجنه . ونجد ذلك واضحاً في سيرة الإمام الكاظم والرضا وكذا الجواد ( عليهم السلام ) لأنه كان في ظرف سياسي حساس ، وأحياناً في بغداد ، فكان يوجه العلماء ليسدوا فراغ غيابه ، ويعلموا ا الشيعة ، ويردوا شبهات علماء السلطة !
قال الإمام الجواد ( عليه السلام ) : ( من تكفل بأيتام آل محمد المنقطعين عن إمامهم ، المتحيرين في جهلهم الأسارى في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا ، فاستنقذهم منهم وأخرجهم من حيرتهم ، وقهر الشياطين برد وساوسهم ، وقهر الناصبين بحجج ربهم ودلائل أئمتهم ، ليحفظوا عهد الله على العباد ، أكثرُ من فضل السماء على الأرض ، والعرش والكرسي والحُجُب على السماء ! وفضلهم على العباد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء ) . ( الإحتجاج : 1 / 9 ) .
وقال ( عليه السلام ) : ( إن حجج الله على دينه أعظم سلطاناً ، يسلط الله بها على عباده ، فمن وفر منها حظه فلا يرينَّ أن من منعه ذلك قد فضله عليه ، ولو جعله في الذروة العليا من الشرف والمال والجمال ، فإنه إن رأى ذلك كان قد حقر عظيم نعم الله لديه . وإن عدواً من أعدائنا النواصب يدفعه بما تعلمه من علومنا أهل البيت لافضل له من كل مال لمن فضل عليه ، ولو تصدق بألف ضعفه ) . ( تفسير العسكر ( عليه السلام ) / 351 ) .
( 7 ) دور عدول المؤمنين في إدارة الأئمة ( عليهم السلام ) لشيعتهم
في تهذيب الأحكام ( 7 / 69 ) : قال محمد بن إسماعيل بن بزيع : ( فذكرت ذلك لأبي جعفر ( عليه السلام ) وقلت له : يموت الرجل من أصحابنا فلا يوصي إلى أحد ، ويخلف جواري فيقيم القاضي رجلاً منا ليبعهن ، أو قال : يقوم بذلك رجل منا فيضعف قلبه لأنهن فروج ، فما ترى في ذلك ؟ قال فقال : إذا كان القيم مثلك أو مثل عبد الحميد فلا بأس ) .
( 8 ) حركة أهل قم في عهد الإمام الجواد ( عليه السلام )
دعا الإمام الجواد ( عليه السلام ) في الرسالة المتقدمة لأهل قم ، وقد ذكر الطبري ( 7 / 183 ) ما حدث لهم ، فقال : ( وفي هذه السنة ( 210 ) خلع أهل قم السلطان ومنعوا الخراج . ذكر الخبر عن سبب خلعهم السلطان ومآل أمرهم في ذلك : ذُكر أن سبب خلعهم إياه كان أنهم كانوا استكثروا ما عليهم من الخراج ، وكان خراجهم ألفي ألف درهم ، وكان المأمون قد حطَّ عن أهل الري حين دخلها منصرفاً من خراسان إلى العراق ، ما قد ذكرت قبل ، فطمع أهل قم من المأمون في الفعل بهم في الحط عنهم والتخفيف ، مثل الذي فعل من ذلك بأهل الري .
فرفعوا إليه يسألونه الحط ويشكون إليه ثقله عليهم ، فلم يجبهم المأمون إلى ما سألوه ، فامتنعوا من أدائه ، فوجه المأمون إليهم علي بن هشام ، ثم أمده بعجيف بن عنبسة ، وقدم قائدٌ لحميد يقال له محمد بن يوسف الكح بقوص من خراسان فكتب إليه ( المأمون ) بالمصير إلى قم لحرب أهلها مع علي بن هشام ، فحاربهم علي فظفر بهم وقتل يحيى بن عمران وهدم سور قم ، وجباها سبعة آلاف ألف درهم بعد ما كانوا يتظلمون من ألفي ألف درهم ) !
وقال الطبري ( 7 / 150 ) : ( ورحل المأمون في هذه السنة ( سنة 203 ) من طوس يريد بغداد ، فلما صار إلى الري ، أسقط من وظيفتها ألفي ألف درهم ) .
أقول : زعمت هذه الرواية الرسمية أن سبب ثورة أهل قم وعصيانهم المدني ، أنهم طالبوا بتخفيف الخراج عنهم أسوة بأهل الري ، فلم يستجب لهم المأمون فأعلنوا العصيان . لكن هذا محل شك ، لأن المأمون كان يكره أهل قم ، وعندما أحضر الإمام الرضا ( عليه السلام ) من المدينة أن لا يمر على قم . وقد طال خلافهم مع المأمون سبع سنوات ، فقد كان مروره من الري سنة 203 ، أو أول سنة 204 ، وكانت حملته على أهل قم سنة 210 ، وحشد لهم فرقتين بقيادة أكبر قائدين عنده : علي بن هشام ، وعجيف ، واستقدم فرقة ثالثة من خراسان بقيادة أحد قادة حميد بن قحطبة .
ويحيى بن عمران المذكور هو الأشعري ، وهو غير يحيى بن عمران الحلبي ، وآخر الهمداني . والأشعريون مؤسسوا قم وقادتها ، وكان يحيى رئيسهم .
قال البلاذري في فتوحه ( 2 / 386 ) : ( وكان المأمون وجه علي بن هشام المروزي إلى قم وقد عصا أهلها وخالفوا ومنعوا الخراج ، وأمره بمحاربتهم وأمده بالجيوش ففعل ، وقتل رئيسهم وهو يحيى بن عمران ، وهدم سور مدينتهم وألصقه بالأرض ، وجباها سبعة آلاف ألف درهم وكسراً ، وكان أهلها قبل ذلك يتظلمون من ألفي ألف درهم . وقد نقضوا في خلافة أبى عبد الله المعتز بالله بن المتوكل على الله ، فوجه إليهم موسى ابن بغا عامله على الجبل ، لمحاربة الطالبيين الذين ظهروا بطبرستان ، ففتحت عنوة وقتل من أهلها خلق كثير ) .
ولم يترجم الرجاليون ليحيى بن عمران ، لكن حفيده محمد بن أحمد بن يحيى ، عالمٌ جليل له اثنان وعشرون مؤلفاً ، أشهرها كتاب النوادر . ( معجم السيد الخوئي : 16 / 49 ) .
وذكر الطبري حركة لأهل قم بعد قليل من حملة المأمون عليهم ، قال في ( 7 / 189 ) : ( وفيها ( 214 ) تحرك جعفر بن داود القمي فظفر به عزيز مولى عبد الله بن طاهر ، وكان هرب من مصر فرد إليها . وفيها : وليَ علي بن هشام الجبل وقم وأصبهان وآذربيجان ) .
ويظهر أن المأمون نفى جعفر بن داود إلى مصر ، فقد قال الطبري ( 7 / 192 ) في أحداث سنة 216 : ( وهرب جعفر بن داود القمي إلى قم وخَلَعَ بها ) . أي أعلن خلع المأمون .
وقال الطبري ( 7 / 193 ) : ( وفيها ( سنة 217 ) بعث علي بن عيسى القمي جعفر بن داود القمي ، فضرب أبو إسحاق بن الرشيد عنقه ) .
وهذا يدل على أن مشكلة قم طالت ، وأن جعفر بن داود القمي ثار بعد يحيى بن عمران ، حتى قتله المعتصم وهو أبو إسحاق .
ولم يصلنا من موقف الإمام الجواد ( عليه السلام ) من قضية أهل قم ، إلا هذا الدعاء لهم ، مع أنه كان في وقتها صهر المأمون وكان في المدينة .
والسبب أن المأمون كان يظهر احترام الإمام الجواد ( عليه السلام ) لكنه جبارٌ لا يسمع كلامه !
ثم إن للإمام الجواد كآبائه ( عليهم السلام ) موقفاً ثابتاً من الثورات الشيعية في العالم ، فلا هم يقفون ضدها ، ولا يتبنونها ، ولكنهم يتعاطفون مع ما يصيب المؤمنين فيها .
أما علي بن هشام الذي قاد الحملة على أهل قم فهو ابن فرخسرو ، خراساني من أهل مرو الروز ، وهو نديم المأمون في خمره ، وكان يكره العرب ويبغض أهل البيت ( عليهم السلام ) .
وقال اليعقوبي ( 2 / 453 ) : ( توفي الرضا علي بن موسى بن جعفر بن محمد ، بقرية يقال لها النوقان أول سنة 203 ، ولم تكن علته غير ثلاثة أيام ، فقيل إن علي بن هشام أطعمه رماناً فيه سم ) . وكان علي بن هشام مقرباً عند المأمون ، وولاه ولايات عديدة ، وكانت له جارية مغنية اسمها متيم ، تساوي عندهم ملايين الدنانير . وقد أرادها منه المأمون فلم يعطه إياها ، فقيل إنه غضب عليه بسببها فقتله سنة 217 وأخذها !
ثم أخذها أخوه المعتصم ( واختص بها المعتصم في خلافته ، فأشخصها معه إلى سامراء ، فكانت إذا أرادت زيارة بغداد استأذنته فتقيم أياماً وتعود ) . ( الأعلام : 5 / 275 ) .
( 9 ) من احترام عموم المسلمين للإمام الجواد ( عليه السلام )
في الكافي ( 5 / 112 ) بسنده عن رجل من بني حنيفة من أهل بست وسجستان قال : ( رافقت أبا جعفر ( عليه السلام ) في السنة التي حج فيها في أول خلافة المعتصم ، فقلت له وأنا معه على المائدة ، وهناك جماعة من أولياء السلطان : إن والينا جعلت فداك رجل يتولاكم أهل البيت ويحبكم ، وعليَّ في ديوانه خراج ، فإن رأيت جعلني الله فداك أن تكتب إليه كتاباً بالإحسان إلي . فقال لي : لا أعرفه . فقلت : جعلت فداك إنه على ما قلت من محبيكم أهل البيت ، وكتابك ينفعني عنده ، فأخذ القرطاس وكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، أما بعد فإن موصل كتابي هذا ذكر عنك مذهباً جميلاً ، وإن مالك من عملك ما أحسنت فيه ، فأحسن إلى إخوانك ، واعلم أن الله عز وجل سائلك عن مثاقيل الذر والخردل .
قال : فلما وردت سجستان سبق الخبر إلى الحسين بن عبد الله النيسابوري ، وهو الوالي ، فاستقبلني على فرسخين من المدينة ، فدفعت إليه الكتاب فقبله ووضعه على عينيه ، ثم قال لي : ما حاجتك ؟ فقلت : خراج عليَّ في ديوانك .
قال : فأمر بطرحه عني ، وقال لي : لا تؤد خراجاً ما دام لي عمل ، ثم سألني عن عيالي فأخبرته بمبلغهم ، فأمر لي ولهم بما يقوتنا وفضلاً ، فما أديت في عمله خراجاً ما دام حياً ، ولا قطع عني صلته حتى مات ) .
( 10 ) توجيهه الشيعة لإحياء ذكر أهل البيت ( عليهم السلام )
قال الإمام الجواد ( عليه السلام ) لمُيَسَّر : ( أتَخْلُونَ وتتحدثون وتقولون ما شئتم ؟ فقلت : إي والله لنخلوا ونتحدث ونقول ما شئنا ، فقال : أما والله لوددت أني معكم في بعض تلك المواطن ، أما والله إني لأحب ريحكم وأرواحكم ، وإنكم على دين الله وملائكته ، فأعينونا بورع واجتهاد . . . رحم الله عبداً أحيا ذكرنا ، قلت : ما إحياء ذكركم ؟ قال : التلاقي والتذاكر عند أهل الثبات ) . ( مصادقة الإخوان للصدوق / 34 ) .
وقال ( عليه السلام ) : ( من كان أبوا دينه محمد وعلي ( عليهما السلام ) آثر لديه ، وقراباتهما أكرم عليه من أبوي نسبه وقراباته ، قال الله تعالى له : فضلت الأفضل لأجعلنك الأفضل ، وأثرت الأولى بالإيثار لأجعلنك بدار قراري ، ومنادمة أوليائي ) .
( قال رجل بحضرته : إني لأحب محمداً ( صلى الله عليه وآله ) وعلياً ( عليه السلام ) حتى لو قطعت إرباً إرباً أو قرضت لم أزُل عنه . قال ( عليه السلام ) : لاجرم إن محمداً وعلياً يعطيانك من أنفسهما ما تعطيهما أنت من نفسك . إنهما ليستدعيان لك في يوم فصل القضاء ما لا يفي ما بذلته لهما بجزء من مائة ألف ألف جزء من ذلك ) . ( تفسير العسكري / 332 و 335 ) .
( 11 ) البر بالوالدين حتى لو كانا ناصبيين
في أمالي المفيد / 191 : ( عن بكر بن صالح قال : كتب صهر لي إلى أبي جعفر الثاني صلوات الله عليه : إن أبي ناصب خبيث الرأي ، وقد لقيت منه شدة وجهداً ، فرأيك جعلت فداك في الدعاء لي ، وما ترى جعلت فداك ، أفترى أن أكاشفه أم أداريه ؟ فكتب ( عليه السلام ) : قد فهمت كتابك وما ذكرت من أمر أبيك ، ولست أدَعُ الدعاء لك إن شاء الله . والمداراة خير لك من المكاشفة ، ومع العسر يسر فاصبر فإن العاقبة للمتقين . ثبتك الله على ولاية من توليت . نحن وأنتم في وديعة الله الذي لا تضيع ودائعه . قال بكر : فعطف الله بقلب أبيه عليه حتى صار لا يخالفه في شئ ) !
( 12 ) الناس كلهم إخوة
وفي كشف الغمة ( 3 / 141 ) : ( قال ( عليه السلام ) : فساد الأخلاق بمعاشرة السفهاء ، وصلاح الأخلاق بمنافسة العقلاء ، والخَلق أشْكَالٌ فكل يعمل على شاكلته . والناس إخوانٌ ، فمن كانت أُخُوَّتُهُ في غير ذات الله ، فإنها تحور عداوة ، وذلك قوله تعالى : الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ ) .
( 13 ) والمؤمن لا يخون
في الكافي ( 5 / 94 ) : ( عن أبي تمامة قال : قلت لأبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) : إني أريد أن ألزم مكة أو المدينة وعليَّ دين فما تقول ؟ فقال : إرجع فأده إلى مؤدي دينك ، وانظر أن تلقي الله تعالى وليس عليك دين ، إن المؤمن لا يخون ) .
( 14 ) التقية مع المتطرفين
في تفسير العسكري ( عليه السلام ) / 362 : ( قال رجل لمحمد بن علي ( عليه السلام ) : يا ابن رسول الله مررت اليوم بالكرخ فقالوا : هذا نديم محمد بن علي إمام الرافضة ، فاسألوه من خير الناس بعد رسول الله ؟ فإن قال عليٌّ فاقتلوه ، وإن قال أبو بكر فدعوه ! فانثال علي منهم خلق عظيم وقالوا لي : من خير الناس بعد رسول الله ؟ فقلت مجيباً لهم : خير الناس بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أبو بكر وعمرو عثمان وسكتُّ ، ولم أذكر علياً ( عليه السلام ) . فقال بعضهم : قد زاد علينا ! نحن نقول هاهنا : وعلي . فقلت لهم : في هذا نظر ، لا أقول هذا . فقالوا بينهم : إن هذا أشد تعصباً للسنة منا ، قد غلطنا عليه . ونجوت بهذا منهم ، فهل عليَّ يا ابن رسول الله في هذا حرج ، وإنما أردت أخيرُ الناس أيْ أهو خير ؟ استفهاماً لا إخباراً .
فقال محمد بن علي ( عليهما السلام ) : قد شكر الله لك بجوابك هذا ، وكتب لك أجره وأثبته لك في الكتاب الحكيم ، وأوجب لك بكل حرف من حروف ألفاظك بجوابك هذا لهم ما يعجز عنه أماني المتمنين ، ولا يبلغه آمال الآملين ) .
أقول : التقية تعني المدارة ، ودفع الضرر عن نفسك من أناس لا يتحملون الرأي الآخر ، بل يقتلون صاحب الرأي الآخر ، لأنهم يرون أن كل من خالف رأيهم فهو عدو واجب القتل !
وهذا اتجاه عدواني ، لكن الخلافة القرشية أسسته بعد النبي ( صلى الله عليه وآله ) فاعتبروا كل من لم يبايع عدواً للخليفة يجب إجباره أو قتله ، ثم صار من خالف الخليفة واجب القتل !
وقد ورثت حكومات بلادنا الإسلامية ذلك إلى اليوم ، والوهابية أبرز من يمثله .
( 15 ) إعلان الإمام براءته من المنحرفين والمغالين
دأب الأئمة ( عليهم السلام ) على إعلان براءتهم من الغالين الذين يدعون لهم مقاماً ليس لهم . وقد استتاب أمير المؤمنين ( عليه السلام ) المدعو عبد الله بن سبأ وأصحابه لعنه الله ، وسبعين رجلاً من الزط ، ادعوا له الألوهية والعياذ بالله ، فلم يتوبوا فقتلهم .
قال ابن عبد البر في التمهيد : 5 / 317 : ( فاتخذوه رباً وادعوه إلهاً وقالوا له : أنت خالقنا ورازقنا ، فاستتابهم واستأنى وتوعدهم ، فأقاموا على قولهم ، فحفر لهم حفراً دخن عليهم فيها طمعاً في رجوعهم ، فأبوا ، فحرقهم ) . ومناقب آل أبي طالب : 1 / 227 ، ورجال الطوسي : 1 / 288 ، وفتح الباري : 12 / 238 ، وتاريخ الذهبي : 3 / 643 .
وتبرأ الإمام الصادق ( عليه السلام ) ممن ادعى له الربوبية ولعنهم ، ففي رجال الطوسي : 2 / 587 : ( عن أبي بصير قال : قال لي أبو عبد الله : يا أبا محمد إبرأ ممن يزعم أنا أرباب ، قلت : برئ الله منه ، قال : إبرأ ممن يزعم أنا أنبياء . قلت : برئ الله منه ) .
وفي أصل زيد الزراد / 46 ، قال : ( لما لبى أبو الخطاب بالكوفة ، وادعى في أبي عبد الله ( عليه السلام ) ما ادعى ! دخلت على أبي عبد الله مع عبيد بن زرارة فقلت له : جعلت فداك لقد ادعى أبو الخطاب وأصحابه فيك أمراً عظيماً ! إنه لبى : لبيتك جعفر لبيك معراج ! وزعم أصحابه أن أبا الخطاب أسري به إليك فلما هبط إلى الأرض من ذلك دعا إليك ولذلك لبى بك !
قال فرأيت أبا عبد الله ( عليه السلام ) قد أرسل دمعته من حماليق عينيه وهو يقول : يا رب برئت إليك مما ادعى فيَّ الأجدع عبد بنى أسد ! خشع لك شعري ، وبشري ، عبدٌ لك ابن عبد لك ، خاضع ذليل . ثم أطرق ساعة في الأرض كأنه يناجي شيئاً ثم رفع رأسه وهو يقول : أجل أجل عبد خاضع خاشع ذليل ، لربه صاغر راغم ، من ربه خائف وجل . لي والله ربٌّ أعبده لا أشرك به شيئاً !
ماله أخزاه الله وأرعبه ، ولا آمن روعته يوم القيامة ! ما كانت تلبية الأنبياء هكذا ولا تلبية الرسل ، إنما لبيت بلبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك ! ثم قمنا من عنده فقال : يا زيد ، إنما قلت لك هذا لأستقر في قبري ) .
وكذلك كان موقف الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ، ففي رجال الطوسي : 2 / 587 : ( عن ابن المغيرة قال : كنت عند أبي الحسن ( عليه السلام ) أنا ويحيى بن عبد الله بن الحسن فقال يحيى : جعلت فداك إنهم يزعمون أنك تعلم الغيب ؟ فقال : سبحان الله سبحان الله ، ضع يدك على رأسي ، فوالله ما بقيت في جسدي شعرة ولا في رأسي إلا قامت ! قال ثم قال : لا والله ما هي إلا وراثة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) )
وكذلك موقف الإمام الرضا ( عليه السلام ) ، ففي معجم رجال الحديث : 18 / 135 : ( قال أبو الحسن الرضا ( عليه السلام ) : يا يونس أما ترى إلى محمد بن الفرات وما يكذب عليَّ ؟ فقلت : أبعده الله وأسحقه وأشقاه ، فقال : قد فعل الله ذلك به ، أذاقه الله حر الحديد كما أذاق من كان قبله ممن كذب علينا . يا يونس إنما قلت ذلك لتحذِّر عنه أصحابي ، وتأمرهم بلعنه والبراءة منه ، فإن الله يبرأ منه ) .
وكذلك الإمام الجواد ( عليه السلام ) ، فقد تبرأ ولعن أشخاصاً ادعوا الألوهية لأهل البيت ( عليهم السلام ) أو كانوا يكذبون عليهم : ( عن علي بن مهزيار ، قال : سمعت أبا جعفر ( عليه السلام ) يقول وقد ذكر عنده أبو الخطاب : لعن الله أبا الخطاب ، ولعن أصحابه ، ولعن الشاكين في لعنه ، ولعن من قد وقف في ذلك وشك فيه ! ثم قال : هذا أبو الغمر ، وجعفر بن واقد ، وهاشم بن أبي هاشم ، استأكلوا بنا الناس ، وصاروا دعاة يدعون الناس إلى ما دعا إليه أبو الخطاب لعنه الله ولعنهم معه ، ولعن من قبل ذلك منهم ! يا علي ، لاتتحرجن من لعنهم ، لعنهم الله ، فإن الله قد لعنهم .
ثم قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : من تأثَّم أن يلعن من لعنه الله ، فعليه لعنة الله ) .
( قال : قال لي أبو جعفر الثاني ( عليه السلام ) : ما فعل أبو السمهري لعنه الله ؟ يكذب علينا ويزعم أنه وابن أبي الزرقاء دعاة إلينا ! أشهدكم أني أتبرأ إلى الله عز وجل منهما ، إنهما فتانان ملعونان ) . ( رجال الكشي : 2 / 811 ) .
( 16 ) تأكيده ( عليه السلام ) على حرية المرأة والكفاءة الشرعية
في الكافي ( 5 / 394 ) : ( عن محمد بن الحسن الأشعري قال : كتب بعض بني عمي إلى أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) : ما تقول في صبية زوجها عمها ، فلما كبرت أبت التزويج ؟ فكتب بخطه : لا تُكره على ذلك ، والأمر أمرها ) .
وفي الكافي ( 5 / 347 ) : ( عن الحسين بن بشار الواسطي قال : كتبت إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) أسأله عن النكاح فكتب إلي من خطب إليكم فرضيتم دينه وأمانته فزوجوه : إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ .
كتب علي بن أسباط إلى أبي جعفر ( عليه السلام ) في أمر بناته وأنه لا يجد أحداً مثله فكتب إليه أبو جعفر ( عليه السلام ) : فهمتُ ما ذكرت من أمر بناتك ، وأنك لا تجد أحداً مثلك ، فلا تنظر في ذلك رحمك الله ، فإن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال : إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه ، إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ) .
أقول : كان المجتمع الإسلامي في عصر الإمام الجواد ( عليه السلام ) محكوماً للتعصبات القومية والقبلية والطبقية ، وكانت حاكمة على مقياس الزواج ، وبذلك تعرف أهمية توجيهات الإمام ( عليه السلام ) لشيعته بالالتزام بميزان الكفاءة الإسلامي دون غيره .
( 17 ) شروط إمام الصلاة عند أهل البيت ( عليهم السلام )
قال المحقق البحراني في الحدائق الناضرة ( 10 / 70 ) : ( ومن أظهر الأدلة على ما قلناه ، ما رواه ابن إدريس في مستطرفات السرائر نقلاً من كتاب السياري قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) قوم من مواليك يجتمعون فتحضر الصلاة ، فيتقدم بعضهم فيصلي بهم جماعة ؟ فقال : إن كان الذي يؤم بهم ليس بينه وبين الله طَلِبَة فليفعل . وهو كما ترى ظاهر الدلالة صريح المقالة في أنه لا يجوز الإمامة لمن علم من نفسه الفسق ، حتى يتوب توبة نصوحاً ) .
( 18 ) إجازته كتب الإمامين الباقر والصادق ( عليهم السلام )
في الكافي ( 1 / 53 ) : ( عن محمد بن الحسن بن أبي خالد شينولة قال : قلت لأبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) : جعلت فداك إن مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد الله ( عليهما السلام ) وكانت التقية شديدة ، فكتموا كتبهم ولم تُرْوَ عنهم ، فلما ماتوا صارت الكتب إلينا . فقال : حدثوا بها فإنها حق ) .
( 19 ) دعاؤه لشيعته في قنوته ( عليه السلام )
وروى في مهج الدعوات للسيد ابن طاووس / 61 ، قنوتاً للإمام الجواد ( عليه السلام ) جاء فيه : ( فأيد اللهم الذين آمنوا على عدوك وعدو أوليائك ، فيصبحوا ظاهرين ، وإلى الحق داعين ، وللإمام المنتظر القائم بالقسط تابعين ) .
( 20 ) مقاومة أهل البيت ( عليهم السلام ) لحذف البسملة من القرآن
في الكافي ( 3 / 313 ) : ( عن يحيى بن أبي عمران الهمداني قال : كتبت إلى أبي جعفر : جعلت فداك ، ما تقول في رجل ابتدأ ببسم الله الرحمن الرحيم في صلاته وحده في أم الكتاب ، فلما صار إلى غير أم الكتاب من السورة تركها ، فقال العباسي ليس بذلك بأس ؟ فكتب ( عليه السلام ) بخطه : يعيدها مرتين على رغم أنفه يعني العباسي ) .
أقول : معنى قوله ( عليه السلام ) أنه يعيد صلاته رغم أنف المفتي العباسي ، لأن البسملة جزء من كل سورة . وقد حذف القرشيون البسملة من الصلاة ، لأن عندهم عقدة منها !
فقد قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) كما في الكافي ( 8 / 266 ) : ( كتموا بسم الله الرحمن الرحيم فنعم والله الأسماء كتموها ، كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إذا دخل إلى منزله واجتمعت عليه قريش يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ويرفع بها صوته ، فتولي قريش فراراً ! فأنزل الله عز وجل في ذلك : وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا ) .
وقد نتج عن ذلك أن فقهاء الحكومات نفوا أن البسملة من القرآن ، وهاهم إلى اليوم يتركونها مع أنها مكتوبة في القرآن ! لذلك كان الأئمة ( عليهم السلام ) يؤكدون على قرآنيتها .
وقد استوفينا بحثها في كتاب ألف سؤال وإشكال ( 1 / 405 ) .
( 21 ) تأكيد الإمام الجواد ( عليه السلام ) على ليلة القدر
روى في الكافي ( 1 / 532 ) : ( عن أبي جعفر الثاني ( عليه السلام ) أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) قال لابن عباس : إن ليلة القدر في كل سنة ، وإنه ينزل في تلك الليلة أمر السنة ، ولذلك الأمر ولاة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فقال ابن عباس : من هم ؟ قال : أنا وأحد عشر من صلبي أئمة محدثون ) .
|
|
لمكافحة الاكتئاب.. عليك بالمشي يوميا هذه المسافة
|
|
|
|
|
تحذيرات من ثوران بركاني هائل قد يفاجئ العالم قريبا
|
|
|
|
|
العتبة العباسية تشارك في معرض النجف الأشرف الدولي للتسوق الشامل
|
|
|