أرجو إبطال الرواية القائلة بأنّ أبا بكر صلّى بالناس في مرض رسول الله من كتب أهل السنّة؟ |
692
07:03 صباحاً
التاريخ: 2024-10-12
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-10-19
294
التاريخ: 2024-10-19
290
التاريخ: 2024-10-19
316
التاريخ: 2024-10-19
388
|
الجواب : إنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يأمر أبا بكر بالصلاة في تلك الأيّام الثلاثة قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى ، ونستدلّ على مدّعانا بأُمور منها :
1 ـ التناقض الشديد في الروايات ، فمرّة تطلب عائشة من النبيّ صلى الله عليه وآله أن يأمر عمر بالصلاة وليس أبا بكر ، ومرّة تطلب عائشة من حفصة ذلك ، وأُخرى أنّ أبا بكر طلب من عائشة أن تطلب ذلك وتقوله للنبيّ صلى الله عليه وآله ، وأُخرى يؤمر عمر بالصلاة ، فيسمع النبيّ صلى الله عليه وآله صوته ، فيغضب ويقول : « فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون » (1) ، وأُخرى يقدّم أبو بكر عمر ، فيجيبه عمر : بأنّك أحقّ بها ، ولا يذكر رفض النبيّ لصلاته ، وأُخرى يخرج النبيّ فينظر لهم ويبتسم ويرجع ، وأُخرى يذهب فيصلّي إماماً ، وأُخرى مأموماً خلف أبي بكر ، وهكذا ، فأيّها نصدّق؟ وهو أمر واحد وحادثة واحدة ، وهذه الأحاديث لا يمكن الجمع بينها ، وكلّها صحيحة عندهم!!
وإجاباتهم عنها بتعدد الأمر والحادثة ، وهذا لا يتلائم ولا يصحّ مهما فعلوا وأوّلوا مع أكثر الروايات ، فمثلاً الرواية التي تذكر إمامة عمر للناس بالصلاة لم يكن أبو بكر موجوداً حينها ، والروايات التي تذكر طلب عائشة وحفصة إمامة عمر بدلاً من أبي بكر لا تذكر أنّ أبا بكر غير موجود ، بل تذكر وجوده وإمامته ، وطلبهن لإمامة عمر إن كان بعد إمامة عمر ، ورفض النبيّ لها ، فذلك لا يعقل ، لأنّ النبيّ أوضح رفضه ، ويكون طلبهن معصية واضحة ، وإن كان طلبهن له قبل إمامة عمر ، فقد بيّن النبيّ صلى الله عليه وآله في جوابه لهن : بأنّ الله يأبى ذلك والمؤمنون ، فكيف اجتهد عمر في مقابل النصّ؟ وقام بإمامة الناس بعد نصّ النبيّ صلى الله عليه وآله على عدم قبول إمامته للصلاة بالناس.
2 ـ إنكاره صلى الله عليه وآله على بعض نسائه وهو في تلك الحالة الشديدة إنكاراً لاذعاً ، وهذا يعني فداحة الفعل وخطورته ، وقوله صلى الله عليه وآله لهن : « إنّكن صواحب يوسف » (2) ، وهذا التشبيه قال عنه الباجي : « أراد أنّهن قد دعون إلى غير صواب ، كما دعين ، فهن من جنسهن » (3).
وقال النووي : « قوله صلى الله عليه وآله : « صواحب يوسف » أي في تظاهرهن على ما يردن وإلحاحهن فيه ، كتظاهر امرأة العزيز ونسوتها على صرف يوسف عليه السلام عن رأيه في الاعتصام ... » (4).
وإمّا قول من قال بأنّ وجه المشابهة في إظهار خلاف ما في الباطن أو لكثرة الإلحاح فقط ، فذلك الفعل لا يستحقّ هذا التشبيه وهذا التوبيخ ، وأخلاق النبيّ صلى الله عليه وآله أرفع من أن ينكر على نسائه ويشبههن بنساء عاصيات ، وهو على تلك الحال من عدم استطاعته الخروج للصلاة!! وخصوصاً فإنّ نواياهن وما في الباطن الذي كشفه النبيّ صلى الله عليه وآله ، ولم تبح به إحداهن أبداً ، إنّما كان نية حسنة وليس منكراً أو معصية ، وإنّما هو أمر مشروع بل مستحبّ.
والمعروف لدى الجميع ، بأنّ صويحبات يوسف لم يكن منهن خلاف على يوسف ، ولا مراجعة له أو إلحاح في شيء ، وإنّما افتتن بأسرهن بحبّه ، وأرادت كلّ واحدة منهن مثل ما أرادت صاحبتها فأشبهن حالهن ، ولهذا التفسير شاهد يدلّ عليه ، وهو عن ابن عباس قال : « لمّا مرض رسول الله صلى الله عليه وآله مرضه الذي مات فيه ، كان في بيت عائشة ، فقال : « أدعو لي علياً » ، قالت عائشة : ندعو لك أبا بكر ، قال : « أدعوه » ، قالت حفصة : يا رسول الله ندعو لك عمر ، قال :
« أدعوه » ، قالت أُمّ الفضل : يا رسول الله ندعو لك العباس ، قال : « أدعوه » ، فلمّا اجتمعوا رفع رأسه ، فلم ير علياً فسكت.
فقال عمر : قوموا عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، فجاء بلال يؤذّنه بالصلاة ، فقال : « مروا أبا بكر يصلّي بالناس » ، فقالت عائشة : إنّ أبا بكر رجل حصر ، ومتى لا يراك الناس يبكون ، فلو أمرت عمر يصلّي بالناس ، فخرج أبو بكر فصلّى بالناس ، ووجد النبيّ صلى الله عليه وآله من نفسه خفّة ، فخرج يهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطّان في الأرض ... ومات في مرضه ذاك عليه السلام » (5).
فهذا النصّ للحديث يدلّ قطعاً على حال قوله صلى الله عليه وآله لهن : « إنّكن صواحب يوسف » ، فطلبه صلى الله عليه وآله علياً ، وعدم طاعته في ذلك ، وأنّ كلّ واحدة منهن أرادت ما تحبّ وتريد ، لا ما يريده رسول الله صلى الله عليه وآله ، أي كلّ واحدة أرادت لنفسها ما أرادت الأُخرى ، وهذا ما صدر من صواحب يوسف.
أمّا ما أوّله أكثرهم من أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أراد صاحبة يوسف لا الصواحب ، وكذلك قال : « إنّكن » وأراد عائشة ، فهو تحريف واضح ، وخلاف للظاهر ، بل يشهد على بطلانه شاهد واضح ، وهو قول حفصة لعائشة بعد هذا القول من النبيّ : والله ما كنت لأصيبَ منك خيراً.
وقال نفس هؤلاء المؤوّلين : لعلّها تذكّرت من عائشة أيضاً مسألة المغافير ، فهذا القول ألا يعني شمولها بقول النبيّ صلى الله عليه وآله ، وهل فهمت حفصة منه الإلحاح البريء من الطلب؟ أم التظاهر وطلب الفضل والاختصاص بخلاف إرادة الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وصرفه عنها إلى ما يُرِدن.
3 ـ إنكاره صلى الله عليه وآله لتلك الصلاة ، والاهتمام ببيان ذلك بوسائل متعدّدة على ما كان يعانيه صلى الله عليه وآله من ثقل ومرض ، فمرّة يسمع عمر يصلّي فيقول : « فأين أبو بكر؟ يأبى الله ذلك والمسلمون » ، ومرّة يسمع أبا بكر يصلّي ، فيخرج يهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطّان في الأرض ، ويقولون : وجد في نفسه خفّة فأي خفّة هذه التي لا يستطيع معها لا المشي ولا الوقوف؟ بل جلس وعزل أبا بكر عن إمامته وبيّن رفضه بسوء حالته وجلوسه مع قوله صلى الله عليه وآله : « إنّما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا صلّى قائماً فصلّوا قياماً وإن يصلّي جالساً فصلّوا جلوساً ، ولا تقوموا وهو جالس ... » (6).
وتأوّلوا ذلك أيضاً وقالوا : إنّه منسوخ بفعل النبيّ صلى الله عليه وآله الأخير في مرضه ، فهلا بيّن النبيّ صلى الله عليه وآله ذلك النسخ ، أو فهمه أحد الصحابة ، بل ثبت أنّ أسيد بن حضير ، وجابر بن عبد الله الأنصاري صلّيا بجماعة ، وهم قعود مرضى ، وأمروا جماعتيهما بالجلوس ، واثبتوا الحديث الذي سردناه في وجوب صلاة المأمومين جلوساً أن صلّى الإمام جالساً ، فأيّ بيان بعد هذا يبيّنه النبيّ صلى الله عليه وآله برفضه لإمامة أبي بكر وإبطال صلاته ، كما فعل مع عمر.
فقد نقل : أنّهم تفرّقوا عن عمر لمّا سمعوا النبيّ صلى الله عليه وآله ينكر إمامته ، ونقلوا : أنّ أبا بكر قد أعاد صلاتهم لمّا رجع عن السفح ، الخ.
ويشهد لكلامنا قول السندي عند شرحه حديث مرض النبيّ صلى الله عليه وآله وصلاته : « واستدلّ الجمهور بهذا الحديث على نسخ حديث إذا صلّى جالساً فصلّوا جلوساً ... وهذا يفيد الاضطراب في هذه الواقعة ، ولعلّ سبب ذلك عظم المصيبة ، فعلى هذا فالحكم بنسخ ذلك الحكم الثابت بهذه الواقعة المضطربة لا يخلو عن خفاء ، والله تعالى أعلم » (7).
4 ـ بعض الروايات تصرّح وبعضها تشير إلى أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله لم يصدر عنه أمر لأحد معيّن للصلاة بالناس ، فصلاة عمر بالناس بأمر عبد الله بن زمعة لا بأمر النبيّ ، وإنّما قال له صلى الله عليه وآله : « مر الناس فليصلّوا » (8) ، وكذلك الرواية الأُخرى التي يرويها أحمد عن أنس قال : لمّا مرض رسول الله صلى الله عليه وآله مرضه الذي توفّى فيه ، أتاه بلال يؤذّنه بالصلاة ، فقال بعد مرّتين : « يا بلال قد بلّغت ، فمن شاء فليصل ، ومن شاء فليدع » (9) ، فجعل روحي فداه بعد تبليغه وإنكاره عليهم ما عقدوه من جماعة بإمامة أبي بكر أو عمر المشيئة لهم بالصلاة ، أو عدم الصلاة ، كما قال تعالى : {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29].
ويدلّ على إنكاره صلى الله عليه وآله لفعلهم وإصراره عليه رواية البخاري عن أنس : « إنّ المسلمين بينما هم في الفجر يوم الاثنين ، وأبو بكر يصلّي بهم ، ففاجأهم النبيّ صلى الله عليه وآله ، وقد كشف ستر حجرة عائشة ، فنظر إليهم وهم صفوف ، فتبسّم يضحك ، فنكص أبو بكر على عقبيه ، وظنّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله يريد أن يخرج إلى الصلاة ، وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم فرحاً بالنبيّ صلى الله عليه وآله حين رأوه ، فأشار بيده أن أتمّوا ، ثمّ دخل الحجرة ، وأرخى الستر ، وتوفّي ذلك اليوم » (10).
ويتّضح منها : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله كان في حالة صحّية أفضل من تلك ، وأنّه قام لوحده ورفع الستر ووجه مستنير ، فلماذا لم يخرج ويصلّي جماعة؟ وقد صلّى قبلها وهو يهادى بين رجلين ، ورجلاه تخطّان في الأرض؟! فإن كان هناك حريص على الجماعة كما تزعمون ، فيجب أن يكون هنا أحرص كما هو واضح ، وإن كان بتلك الحالة يقصد التنبيه إلى إنكاره إمامة أبي بكر للناس ، فهنا الدلالة أوضح ، لأنّه يستطيع الصلاة معهم ولم يصل.
وكذلك نكوص أبي بكر ، وافتتان الناس واضطرابهم ، بل يصفهم في رواية : حتّى وهمّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم ... ، ولم يفهموا رضا النبيّ صلى الله عليه وآله على حالهم كما يزعمون ، وإلاّ لما نكص وتأخّر أبو بكر لمّا وجد من قدرة النبيّ صلى الله عليه وآله على أداء الصلاة ، ولكن النبيّ صلى الله عليه وآله قد بيّن سابقاً ، وأنكر عليهم تلك الصلاة ، وهم بقوا على ما هم عليه مصرّين ، فبيّن لهم إنكار فعلهم بترك الصلاة معهم ، وهو قادر على الأداء ، أرخى الستر ومات من يومه صلى الله عليه وآله ، فماذا بعد الحقّ إلاّ الضلال؟
ولكلامي هذا شاهد في عزل النبيّ صلى الله عليه وآله لأبي بكر في حياته صلى الله عليه وآله ، فقد روى سهل بن سعد الساعدي : « أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله بلّغه أنّ بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله يصلح بينهم في أُناس معه ، فحبس رسول الله صلى الله عليه وآله وحانت الصلاة ، فجاء بلال إلى أبي بكر فقال : يا أبا بكر إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قد حبس ، وقد حانت الصلاة ، فهل لك أن تؤم الناس؟ قال : نعم إن شئت ، فأقام بلال ، وتقدّم أبو بكر ، فكبّر للناس ، وجاء رسول الله صلى الله عليه وآله يمشي بين الصفوف حتّى قام في الصفّ ، فأخذ الناس في التصفيق ، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته ، فلمّا أكثر الناس التفت ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله ، فأشار إليه رسول الله صلى الله عليه وآله يأمره أن يصلّي ، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله ، ورجع القهقرى وراءه حتّى قام في الصفّ ، فتقدّم رسول الله صلى الله عليه وآله فصلّى بالناس » (11).
فهذا الحديث يدلّ على جرأة أبي بكر في إمامة الناس دون أمر النبيّ صلى الله عليه وآله أو حتّى علمه ، وإنكار النبيّ لفعله واضح من شقّه للصفوف ، وعدم إسكاته للناس حين صفّقوا ، وأكثروا التصفيق بل فهموا كلّهم ، وفهم أبو بكر بأنّ النبيّ هو الذي يجب أن يصلّي ، وأنّه غير راضٍ بهذه الصلاة ، بل استعان النبيّ صلى الله عليه وآله بالمصلّين في الإنكار على أبي بكر ، ولم يحاول الدخول من بيته كما تعوّد في سائر أحواله ، بل دخل مسرعاً حتّى لا يشغله شاغل في البيت ، ليبيّن إنكاره بصورة مهذّبة كما عوّدنا دائماً.
5 ـ وممّا يكذّب التعيين ويصطدم معه مسألة اهتمام النبيّ صلى الله عليه وآله بأن يصلّي هو بنفسه ، وعدم استسلامه للمرض الشديد الذي كان يعانيه ، فقد أُغمي عليه ثلاث مرّات ، وفي كلّ مرّة يصرّ على الخروج والصلاة بالناس ، ويتوضّأ حتّى يغمى عليه من شدّة المرض ، ولم يترك ذلك حتّى سمع أصواتهم يصلّون ، فخرج وأنكر ، وفعل ما فعل بصلاته ، وخروجه وهو يهادى بين رجلين ورجلاه تخطّان في الأرض ، وعزله أبا بكر ، بل صلّى قاعداً وبقي المسلمون قائمين ، مع قوله لهم مراراً وتكراراً ، وتطبيقاً : « إنّما جعل الإمام ليؤتم به ، فإذا صلّى قائماً فصلّوا قياماً ، وإن يصلّي جالساً فصلّوا جلوساً ، ولا تقوموا وهو جالس ... » (12).
وبرّروا هذه المخالفة بقولهم : بأنّ أبا بكر كان مأموماً للنبيّ صلى الله عليه وآله ، والناس يأتمّون بأبي بكر ، وهذه المخالفة وهذا التبرير أسوأ من الذنب ، إذ لا توجد لدينا في الإسلام صلاة ذات إمامين ، بل ثبت أنّ هناك مخالفتين عند المسلمين في تصرّفهم ذاك ، لا يمكن تأويله أو قبوله.
فينبغي القول : بأنّ المسلمين اختاروا أبا بكر إماماً برغم إنكار النبيّ صلى الله عليه وآله لذلك ، كما أنكر إمامة عمر في السابق ، ويأتي أبو بكر بعد ذلك ليقدّمه ، ويجيبه عمر : بأنّك أولى بها منّي ، كما فعلوا في سقيفة بني ساعدة ، حذوَ القذة بالقذةَ ، ويشهد على قولنا هذا ما قاله ابن عمر وابن عباس والإمام علي عليه السلام للمسلمين ، حينما كانوا يبلّغون أحكاماً مخالفة للأحكام الصادرة عن الشيخين ، فيقول ابن عباس : « ألا تخافون أن يخسف الله بكم الأرض ، أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وآله ، وتقولون : قال أبو بكر وعمر » (13).
ويدلّ أيضاً على تفضيلهم أبا بكر وعمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وميلهم لهما ومن دون دليل ، حديث ابن عمر : « كنّا في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله لا نعدل بأبي بكر أحداً ثمّ عمر ثمّ عثمان ، ثمّ نترك أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله فلا نفاضل بينهم » (14).
وعن ابن عمر أيضاً : « كنّا نقول في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله من يكون أولى الناس بهذا الأمر؟ فنقول : أبو بكر ثمّ عمر » (15).
وغيرها من أدلّة وافية كافية تدعم ما ذهبنا إليه من ميلهم وانحرافهم عن أهل بيت النبيّ صلى الله عليه وآله نحو أبي بكر وعمر.
وأخيراً : فممّا يبطل ذلك الأمر المزعوم هو : أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله شدّد وأكّد في إنفاذ جيش أُسامة ، وفيه كلّ شيوخ قريش ، حتّى إنّهم اعترضوا كيف يولّي فتى لم يبلغ مبلغ الرجال على شيوخ قريش؟ واعترضوا وأبوا أن يخرجوا ، وقرعهم النبيّ صلى الله عليه وآله وهو مريض يشتكي رأسه ، فخرج معصوب الرأس ، مرتقياً المنبر رادّاً عليهم ، فعن ابن عمر قال : أمّر رسول الله صلى الله عليه وآله أُسامة على قوم ، فطعنوا في إمارته ، فقال : « إن تطعنوا في إمارته ، فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبله ، وأيم الله لقد كان خليقاً للإمارة ... » (16).
وهذا الحديث يبيّن أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله أراد أن يخرج الجميع سوى أهل بيته نفيراً عامّاً ، وأمّر عليهم فتى صغيراً ، وكلّ ذلك قبل أن يمرض النبيّ صلى الله عليه وآله ، ولكنّهم اعترضوا وأبوا الخروج والانقياد لعبد أسود صغير السنّ ، فمرض النبيّ صلى الله عليه وآله قبل أن يخرجوا ، فأخّروا أنفسهم كثيراً ، والنبيّ صلى الله عليه وآله يزداد مرضه ، وهو يستصرخهم : « جهّزوا جيش أُسامة ، لعن الله من تخلّف عنه » (17) ، حتّى خرجوا ورجعوا ، وخرجوا وعسكروا قريباً من المدينة ، ثمّ أصرّوا على المعصية ، وحدث ما حدث من رجوعهم وتركهم النبيّ صلى الله عليه وآله مسجّى ، وذهبوا ليتآمروا في السقيفة.
فهذه أحوالهم وهذه طاعتهم ، فانظر بإنصاف لقضية الصلاة وبعث أُسامة ، فسترى ما فيهما من تشابه ، وقارن بين إرادة رسول الله صلى الله عليه وآله وإرادة البعض من المسلمين.
ولنا هنا أن نسأل : كيف يأمر النبيّ أبا بكر بالصلاة وهو يعلم أنّه بعثه في جيش أُسامة؟! ثمّ كيف يكون أبو بكر في المدينة ليؤمّ المسلمين في المسجد ، وهو خارجها معسكراً في سرية أُسامة؟!
__________________
1 ـ المحلّى 4 / 210 ، مسند أحمد 4 / 322 ، سنن أبي داود 2 / 405.
2 ـ صحيح البخاري 1 / 162.
3 ـ تنوير الحوالك : 188.
4 ـ المجموع شرح المهذّب 4 / 242.
5 ـ مسند أحمد 1 / 356 ، سنن ابن ماجة 1 / 391 ، شرح معاني الآثار 1 / 405 ، المعجم الكبير 12 / 89 ، تاريخ مدينة دمشق 8 / 18.
6 ـ مسند أحمد 3 / 300 ، صحيح البخاري 1 / 169 ، سنن أبي داود 1 / 144 ، السنن الكبرى للبيهقي 3 / 79 ، المصنّف لابن أبي شيبة 2 / 224 ، السنن الكبرى للنسائي 1 / 292 ، مسند أبي يعلى 7 / 470.
7 ـ حاشية السندي على النسائي 2 / 100.
8 ـ مسند أحمد 6 / 34 ، الطبقات الكبرى 2 / 220 ، تاريخ مدينة دمشق 30 / 263 ، سبل الهدى والرشاد 11 / 175.
9 ـ مسند أحمد 3 / 202 ، مجمع الزوائد 5 / 181 ، مسند أبي يعلى 6 / 264 ، شرح نهج البلاغة 6 / 44 ، كنز العمّال 7 / 262.
3 ـ الكهف : 29.
10 ـ صحيح البخاري 2 / 60.
11 ـ صحيح البخاري 2 / 69.
12 ـ مسند أحمد 3 / 300 ، صحيح البخاري 1 / 169 ، سنن أبي داود 1 / 144 ، السنن الكبرى للبيهقي 3 / 79 ، المصنّف لابن أبي شيبة 2 / 224 ، السنن الكبرى للنسائي 1 / 292 ، مسند أبي يعلى 7 / 470.
13 ـ الإحكام في أُصول الأحكام لابن حزم 2 / 148 و 4 / 581 و 5 / 650 ، 11 / 355 ، مسند أحمد 1 / 337 ، الشرح الكبير 3 / 239 ، المغني لابن قدامة 3 / 239 ، تذكرة الحفّاظ 3 / 837 ، سير أعلام النبلاء 15 / 243.
14 ـ صحيح البخاري 4 / 203 ، فتح الباري 7 / 14 ، تحفة الأحوذي 10 / 138 ، الجامع لأحكام القرآن 8 / 148.
15 ـ فتح الباري 7 / 15 ، المعجم الكبير 12 / 287.
16 ـ صحيح البخاري 5 / 84 ، صحيح ابن حبّان 15 / 535 ، مسند أحمد 2 / 20 ، صحيح مسلم 7 / 131.
17 ـ الملل والنحل 1 / 23.
|
|
للتخلص من الإمساك.. فاكهة واحدة لها مفعول سحري
|
|
|
|
|
العلماء ينجحون لأول مرة في إنشاء حبل شوكي بشري وظيفي في المختبر
|
|
|
|
|
قسم العلاقات العامّة ينظّم برنامجاً ثقافياً لوفد من أكاديمية العميد لرعاية المواهب
|
|
|