بدء نزول الوحي
المؤلف:
الدكتور عبد الرسول الغفار
المصدر:
الميسر في علوم القرآن
الجزء والصفحة:
ص60 -65
2025-06-25
791
عرفنا فيما سبق أن النبي كان يرى الرؤيا الصادقة وهو في سن السابعة والثلاثين من عمره الشريف ثم لما بلغ الأربعين نزل عليه الوحي وبعث بالرسالة المباركة فعلى هذا أن مرحلة النبوة كانت أسبق من مرحلة الرسالة كما أن فترة الإعداد الروحي للنبي كانت ملازمة له منذ أن فطم من الرضاع وقد هيئت له أسباب الإمداد الغيبي والعناية الإلهية وكان في تلك المدة يرى الكرامات الباهرات والمعجزات الظاهرات حتى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يمر على الشجر والمدر فيسمع صوت من يسلم عليه ومضت عليه حقبة من الزمن وهو يكتمه. وهكذا كان إذا خرج لحاجته أبعد حتى لا يرى ويمضي إلى الشعاب وبطون الأودية فلا يمر بحجر ولا شجر إلا قال السلام عليك يا رسول الله يلتفت فلا يرى أحدا [1] ثم بدأ عليه نزول الوحي لما اكتمل الأربعين من عمره الشريف. أما أول ما نزل عليه هي الآيات الخمسة الأولى من سورة العلق بإتفاق المسلمين أما تحديد النزول فذلك ما اختلف فيه المسلمون وهي تنحصر في سبعة أقوال:
الأول: في السابع عشر من شهر رمضان المبارك [2].
الثاني: في الثامن عشر من شهر رمضان المبارك.
الثالث: في الرابع والعشرين من شهر رمضان المبارك.
الرابع: في الثامن من ربيع الأول.
السادس في الثاني عشر من ربيع الأول.
ونزول الفرقان في مثل ذلك اليوم 17 شهر رمضان من السنة الحادية والاربعين من مولده (صلى الله عليه وآله وسلم). وربما أكدوا هذا المعنى استدلالا بالآية الكريمة: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185] ولتوضيح ذلك نقول: هل يوم الفرقان بمعنى يوم نزول القرآن وهو غير يوم الالتقاء؟ أم يوم الفرقان بمعنى نفس اليوم الذي التقى به المسلمون والمشركون؟ لأن الحرب وانتصار المسلمين هي التي شخصت الحق وفرقت بين المسلمين والكافرين فاذا كان يوم الفرقان ويوم التقى الجمعان يوما واحدا في سنة واحدة وهي السنة الثانية للهجرة. إذن لاوجه للإستشهاد بهذه الآية لأن المدة أنذالك تصبح من أول بعثه إلى هذا التاريخ أكثر من أربعة عشر سنة[3]. وإذا كانا يومين مختلفين لسنتين مختلفتين فكان ينبغي عطف الثاني على الأول بحرف مناسب.
السابع: في السابع والعشرين من شهر رجب الأصب.
لقد تعددت الروايات في تلك الأقوال المتقدمة إلا أن أشهرها وأصحها عند جمهور المسلمين - العامة والخاصة - هو القول السابع كما وردت روايات معتبرة من أهل البيت تؤكد أن مبعث الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان في اليوم السابع والعشرين من شهر رجب وقد وردت في هذا اليوم أعمال وعبادات كثيرة تجدها في كتب الأدعية والحديث ويستحب فيه الصيام. روى الكليني بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: في اليوم السابع والعشرين من رجب نزلت النبوة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: لا تدع صيام يوم سبع وعشرين من رجب فإنه اليوم الذي نزلت فيه النبوة على محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وفيه عن الرضا (عليه السلام) قال بعث الله محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) رحمة للعالمين في سبع وعشرين من رجب فمن صام ذلك اليوم كتب الله له صيام ستين شهرا. وفي المناقب عن ابن عباس وأنس بن مالك أنهما قالا: أوحى الله إلى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الإثنين السابع والعشرين من رجب وله من العمر أربعون سنة. (المناقب 1/ 150).
وفي منتخب الكنز عن سلمان الفارسي قال: في رجب يوم وليلة من صام ذلك اليوم وقام تلك الليلة كان كمن صام مائة سنة وقام مائة سنة وهو الثلاث بقين من رجب وفيه بعث الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم). (منتخب الكنز - بهامش المسند (3/ 362).
وفي السيرة الحلبية عن أبي هريرة قال من صام يوم سبع وعشرين من رجب كتب الله تعالى له صيام ستين شهرا وهو اليوم الذي نزل فيه جبرائيل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرسالة وأول يوم هبط فيه جبرائيل (السيرة 1/ 238).
وفي أمالي المفيد بسنده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال في اليوم السابع والعشرين من رجب نزلت النبوة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). (الأمالي 28).
فالمتعين أن بدء البعثة كان في 27 رجب وأول ما نزل عليه هي الآيات الخمسة الأولى من سورة العلق والقصة مشهورة غير أن هناك روايات عديدة ذكرت إن أول ما نزل عليه كان من سورة المدثر إلا أنها لا تقوى ويمكن حملها على أنها أول سورة بعد انقطاع الوحي لمدة ثلاث سنين.
قال الواحدي النيسابوري بسنده عن علي بن الحسين أنه قال: أول سورة نزلت على رسول الله (ص) بمكة اقرأ باسم ربك الذي خلق وآخر سورة نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة: المؤمنون ويقال العنكبوت.
وأول سورة نزلت بالمدينة: ويل للمططفين، وآخر سورة نزلت في المدينة: براءة
وأول سورة علمها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة: والنجم وأشد آية على أهل النار {فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا} [النبأ: 30] وأرجى آية في القرآن لأهل التوحيد {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ} [النساء: 116]. وآخر آية نزلت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البقرة: 281] وعاش النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعدها تسع ليال. الواحدي -أسباب النزول ص 7 ط 1 سنة 1959م مصر.
وقد ذكر الطبرسي في مجمع البيان عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال سألت النبي عن ثواب القرآن فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء فأول ما نزل عليه بمكة فاتحة الكتاب ثم اقرأ باسم ربك. مجمع البيان 10/ 405.
جاء في صحيح مسلم عن ابن سلمة قال سألت جابر بن عبد الله الأنصاري أي القرآن أنزل قبل؟ قال: يا أيها المدثر قلت: أو اقرأ باسم ربك؟ قال: أحدثكم ما حدثنا به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إني جاورت بحراء فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي ولعله سمع هاتفا ثم نظرت إلى السماء فإذا هو - يعني جبرائيل -فأخذتني رجفة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني فأنزل الله يا أيها المدثر قم فأنذر (صحيح مسلم 1/ 98والبخاري 1/ 4).
ثم هناك طائفة من الروايات تقول أن سورة الفاتحة هي أول ما نزل عليه في المجمع بإسناده عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال: سألت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ثواب القرآن فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء فأول ما نزل عليه بمكة فاتحة الكتاب ثم اقرا باسم ربك ثم ن والقلم.. (مجمع البيان 10 / 405).
وقد أكد هذا المعنى الزمخشري في تفسيره فقال أكثر المفسرين على أن الفاتحة أول ما نزل. (الكشاف 4/ 775).
أقول لا تنافي بين هذه الأقوال الثلاث حيث أن الوحي لما بدا كانت الآيات الأولى من سورة العلق ثم انقطع الوحي عن النزول لمدة ثلاث سنين ثم نزل عليه القرآن وتتابع الوحي. عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحدث عن فترة الوحي - انقطاعه - قال فبينما أنا أمشي إذ سمعت هاتفا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالسا على كرسي بين السماء والأرض فجئت منه فرقا - أي فزعت - فرجعت فقلت: زملوني زملوني فدتروني فأنزل الله تبارك وتعالى {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر: 1-5] فهذه الرواية حاكمة على رواية جابر المسبقة في كون أن هذه الآيات إنما نزلت بعد انقطاع الوحي الأول. أما سورة الفاتحة فيمكن القول أنها أول سورة كاملة نزلت لا أنها أول الآيات النازلة وقد ورد في أخبار أهل البيت (عليهم السلام) أن لا صلاة بغير فاتحة الكتاب وقد قال السيوطي لم يحفظ أنه كان في الإسلام صلاة بغير فاتحة الكتاب (الاتقان 1/ 12).
ثم أن جبرائيل (عليه السلام) أول ما نزل عليه بالوحي علمه الوضوء والصلاة فكانت صلاته (صلى الله عليه وآله وسلم) منذ أول البعثة. وقد بعث على المشهور في يوم الإثنين. وأسلم علي بن أبي طالب يوم الثلاثاء إذ دخل عليه فوجده يصلي معه فسأله ما هذا قال (صلى الله عليه وآله وسلم) هي الصلاة أمرني بها جبرائيل عن ربي فصلى علي. ثم لحق بهما خديجة وجعفر ثم زيد بن حارثة وكان غلاما لخديجة فوهبته للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يكن على وجه الأرض غير هؤلاء الخمسة يؤدون هذه العبادة وفي ذلك روايات عديدة. وكانت قريش كلما مرت بهم سخرت منهم قال علي بن إبراهيم القمي فلما أتى لذلك ثلاث سنين أنزل الله عليه {فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [الحجر: 94-95] قال وكان ذلك بعد أن بني بثلاث سنين (تفسير القمي ص 353 - وبحار 18 / 3 5و 179).
وفي كتاب الغيبة للشيخ الطوسي بإسناده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال مكث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمكة بعدما جاءه الوحي عن الله تبارك وتعالى ثلاث عشرة سنة، منها ثلاث سنين مختفيا لا يظهر أمره حتى أمره الله أن يصدع بما أمر به فأظهر حينئذ الدعوة. كتاب الغيبة (217).
[2] قيل أن ابتداء نزول الوحي في 17 في شهر رمضان من السنة الحادية والأربعين من ميلاد الرسول واستدلوا بالآية.. إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان الأنفال /41 فالتقاء الجمعين - المسلمين والمشركين ببدر - كان في السابع عشر من شهر رمضان من السنة الثانية للهجرة.
[3] البرهان للزركشي 1/ 256 ورواه الطبري بسنده عن الإمام الحسن بن علي عليه السلام قال: كانت ليلة الفرقان يوم التقى الجمعان لسبع عشرة من شهر رمضان.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة