أقرأ أيضاً
التاريخ: 10-10-2014
1715
التاريخ: 2024-09-01
338
التاريخ: 5-05-2015
2398
التاريخ: 2024-05-21
861
|
يقول تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} [البقرة: 61]
لقد شكل تشابه الطعام وكونه على منوال واحد (المن والسلوى) ذريعة جديدة لقوم يهود لأن يطالبوا - من دافع العناد ومع التحقير والاستهزاء، بدلا عن الطلب والسؤال ببعض ما تنبت الأرض من المحاصيل كالخضروات والخيار والثوم والعدس والبصل.
إن الميل المذموم لقوم يهود نحو التنوع ونزوعهم المشؤوم إلى التلون والذي تمثل في تبديل القبيح بالحسن، والعذاب بالمغفرة، والتدبير البشري بالتقدير الإلهي، والتغذية المُلكية بالطعام الملكوتي قد سرى إلى استبدال الأدنى، يعني الثوم والبصل بالأعلى، أي المن والسلوى على نحو أعلنوا فيه بكل عناد ووقاحة وبمقاومة شديدة عن عدم صبرهم وقالوا لموسى الكليم (عليه السلام) له بصورة النفي الصريح: إننا السماء، فاسأل ربك أن يُخرج لنا – كما لن نصبر على ما ينزله الله كان حتى الساعة يُنزل علينا من السماء المن والسلوى من دون تعب منا ولا نصب أن يُخرج لنا الآن من الأرض هذه النعم المقترحة من دون عمل ولا عناء. أما قصدهم من هذا الطلب فقد كان تبديل النعم السماوية بشكل تام إلى نعم أرضيّة، وليس تكميلها وتتميمها.
ومن حيث أن اللجوء إلى الذرائع والعناد يضحي بما ظفر به من نعمة الحرية والاستقلال في سبيل الرغبة في التنوع وشهوة البطن فقد ووجه بالقهر والغضب وردّ عليه موسى بلغة التعجيز، بل التوبيخ فطلب منهم عين ما كانوا يخشونه؛ ألا وهو دخول المدينة المستلزم للمواجهة والحرب مع العمالقة أو سواهم من الجبابرة والظلمة. بطبيعة الحال فإن التقدير الإلهي وتدبير موسى الكلي كان يقتضي دخول بني إسرائيل إلى الأرض المقدسة . وهي المدينة الفاضلة التي كانت تتوفر فيها إمكانات زراعية وافرة وما إلى ذلك من أجل أن يجمعوا بين العيش الحضري والأصول الاجتماعية والحقوقية والسياسية المصحوبة بالأخلاق والفضائل القيمية.
إن الأمر التوبيخي أو التعجيزي بالهبوط يتضمن إشارة إلى السقوط والنزول. هذا الهبوط من جنة الأمن والحرية والاستقلال والعزة إلى أرض العداوة والنزاع والشهوات المادية هو تمثل وتجسم لهبوط النبي آدم.
إن قوماً تشبثوا بالذرائع، ولجوا في العناد، واهتموا بملء البطون متجاهلين رفعة وعظمة الحرية والاستقلال وطارحين لمطالب حقيرة ومهينة، إن قوماً كهؤلاء لم تكن عاقبتهم إلا أن كتب عليهم عذاب الذلة والمهانة الدنيوي، وأحاطت خيمة الذلة والمسكنة والشقاء المضروبة فوق رؤوسهم، وضُربت باسمهم مسكوكة الذل والمسكنة ومهر بهذا الخاتم على جباههم فلازمهم وسمه ورافقهم أثره دائماً وستكون عاقبة أمرهم التورط - جراء شدة كفرانهم - بالعذاب الأخروي والغضب المتراكم والقهر الإلهي الفعلي الذي يكون مدعاة للسقوط في الدركات.
ان علة عاقبة كهذه أن الكفر، وقتل أنبياء الله لها، والعصيان في مواجهة الأحكام الإلهيّة، والتعدي على حدود الله قد باتت عادة مستمرة لبني إسرائيل على نحو الملكة والسنة السيئة.
وقتل الأنبياء من قبل بني إسرائيل لم يقتصر على الاعتداء وجريرة إفشاء أسرار الأنبياء لدى حكام وجبابرة العصر، بل كانوا يقتلون الأنبياء بسيوفهم ومن دون واسطة أيضاً. كما أن قتلهم للأنبياء، الذي هو كفر عملي، لم يكن عن خطأ في التطبيق ولا على خلفية الاعتقاد بحقانية هذا العمل، بل كانوا واعين إلى قبح عملهم هذا ولم يكن ما يدفعهم إلى القيام بهذا الفعل عن علم وعمد غير روح العصيان والاعتداء وحب الدنيا واتباع الهوى.
ولما كان مدار الأنبياء هو الحق ومحورهم هو العدالة فلا محالة أن قتلهم أمر باطل. فحقانية الأنبياء كانت مسلمة بالنسبة لبني إسرائيل ثبوتاً وإثباتاً ولم يكن في أيديهم بخصوص قتلهم للأنبياء لا مجوز إلهي ولا مصحح بشري.
"طعام": قيل في الفرق بين الطَّعام والطعم والطَّعْم بأن "الطعام" هو ما يتغذى به و"الطعم هو الأكل والطَّعْم" هو ما يُدرك بحاسة الذوق (1).
بقلها و...": "البقل" هو الخضروات، و"القاء" يعني الخيار (2)، و"العدس" و"البصل" هما بمعناهما المعروف (3). لكن هناك اختلاف في معنى "الفوم"؛ م؛ فقد روى الطبرسي عن أبي جعفر الباقر (4) والطبري عن ابن عباس (5) ان القوم هو الحنطة، وقد استدل في هذا الخصوص ببعض أشعار العرب. كما واختار صاحب لسان العرب هذا المعنى أيضاً، بل نقل عن الزجاج أن لا اختلاف بين أهل اللغة فيه (6)، والحال أن صاحب المقاييس ينسب إلى جماعة قولهم: هو الثوم (7)، كما واختار صاحب التحقيق هذا المعنى أيضاً وقال:
وكل من الثوم والفوم مرجعه الى "شوم" عبريّاً، والشين يبدل الى الثاء إذا بدل العبري الى العربي [والثاء يبدل إلى فاء نظراً لاشتراك هذه الحروف الثلاثة في صفات متعددة] (8) .
المحقق النيسابوري (نظام) (الدين اختار هذا المعنى كذلك واستدل عليه بدليلين: الأول أن عبد الله بن مسعود قرأها "وثومها"، والثاني أن توافق الثوم مع العدس والبصل أكثر من توافق الحنطة معهما (9).
أتستبدلون": تأتي مفردتا التبديل والاستبدال أحياناً من دون حرف الجرة مثل: {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38]، وَ {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة:59]، وأحياناً أخرى مع حرف الجر إلا أن حرف الجر يدخل على المبدل، أي الشيء الذي يُبدل إلى شيء آخر ويفقده الإنسان؛ نحو: {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ} [البقرة: 108] في من يفرط بالإيمان ويأخذ الكفر محله ومن هذا القبيل أيضاً الآية مورد البحث، حيث دخلت باء الجرّ على "الذي هو خير": أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؛ لأنهم بنيلهم للمتاع الحقير كانوا يفقدون الذي هو خير. على هذا الأساس، وبالنظر لفصاحة القرآن الكريم وكونها المعيار لقياس صحة وسقم الاستعمالات الأدبية أو كونها فصيحة أو أفصح، نستطيع استخلاص نتيجة مفادها أن ما جرى دأب العرب على استعماله من إدخال الباء على المبدل إليه فيقولون على سبيل المثال: "لا تبدل الذهب بالنحاس" هو استعمال غير صائب أو أنه يجافي الفصاحة (10).
التبديل يكون أحياناً بشكل تبديل الصورة أو الهوية، نظير تبديل السماء والأرض الدنيوية إلى سماء وأرض أخرى في المعاد: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ} [إبراهيم: 48]، وتبديل السيئات إلى حسنات: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 70]، ويكون أحياناً أخرى بشكل بذل أو ترك شيء وأخذ شيء مكانه والآية مدار البحث هي من هذا القبيل؛ نحو تبديل الخبيث إلى الطيب والكفر إلى الإيمان.
والظاهر أن "الاستبدال إذا لم يترافق مع القرينة يكون بمعنى التعويض وليس بمعنى التركيب والتلفيق.
عليهم: إن تعدي ضربت بواسطة حرف الجر "على" يفيد هيمنة الذلة والمسكنة على بني إسرائيل وإحاطتهما بهم، والمحصلة أن مجموع جملة ضربت عليهم الذلة والمسكنة تدل على أن مسكوكة الذلة قد ضُربت باسم بني إسرائيل (إثر عدم تقديرهم وكفرانهم) وأن خيمة الذلة قد نُصبت فوق رؤوسهم؛ وخلاصة الأمر إما أن يكون من باب ضرب الخيمة" أو "نصب الخيمة"، وهو بمعنى أن خيمة الذلة والمسكنة قد نُصبت فوق اليهود وأحاطت بهم، وإما من باب "ضرب الدرهم أو ضرب الخاتم على المكتوب"، وهو يعني ان ختم الذلة والمسكنة قد مهر على جباه قوم يهود فلازمهم وحاق بهم إلى الابد.
"الذلة": الذلة هي اللين المشوب بالخنوع، والذليل هو الكائن الذي يخضع للظلم ويقبل بكل سلطة، يقابله العزيز وهو الصلب الشديد الذي لا ينفذ إليه. "الأرض الذلول" هي الأرض الرخوة التي يسهل حفرها، ويقابلها: "الأرض العزاز" ويُطلق على الأرض التي لا يمكن النفوذ إليها بيسر وسهولة (11). فالإنسان الذليل يخضع للظالم ويبدي ليناً تجاه الضيم: "لا يمنع الضيم الذليل" (12) وهو دوماً مُدان ومغلوب على أمره، على خلاف المؤمن العزيز الذي يكون دائماً ظافراً وغالباً نتيجة ما من صفة المنعة ورفض النفوذ إليه.
قيل في الاختلاف بين "الذلة" و"المسكنة: مع أن كلا من صفتي "الذلة" و"المسكنة هما ضد الصعوبة والشدة وهما من الخلق الخبيث والقبيح المضاد لطبع العزة والمنعة لدى الإنسان الكريم، وإن المبتلى بأي واحدة من السجيتين لن يأبى من قبول أي شكل من أشكال الظلم والجور وسيكون على استعداد للسعي لإرضاء أي ظالم والعمل لصالحه، إلا أن الفارق الوحيد بينهما هو أنّ "الذلّ" عبارة عن الضعف والوهن الذي يصيب باطن نفس الإنسان الذليل ولا يبرز غالباً إلى ظاهر أعضاء بدنه (ومن هذا الباب ترى بعض الأذلاء يُظهرون العزة)، أما "المسكنة" فهي ضرب من الضعف والخنوع يكون بادياً للعيان على ظاهر البدن (لأن هذا الإنسان يستشعر يد قاهر تقهره وظلّ ظالم يظلّه) فيستولي السكون والسكوت المذل والمهين على أعضاء مثل هذا الإنسان وجوارحه وتظهر آثار الخشوع على قوله وفعله. وعلى هذا الأساس يُقال للفقير الذي تبدو على حركاته وسكناته آثار الفقر والفاقة، أي الذي تتبدل حركته الظاهرية نتيجة شدة فقره إلى سكون ويزول عنه نشاطه - يقال له مسكين (13).
"باؤوا": هذه المفردة هي بمعنى "رجعوا" (14)؛ والمعنى، أنهم رجعوا إلى غضب الله تعالى وصاروا في النهاية من المغضوب عليهم من قبله عز وجل وابتلوا بسخطه جل شأنه؛ مثلما يقال: "رجع بصفة المغبون"؛ أي عاد مغبوناً وآلت تجارته إلى الغبن.
"بغير الحق": إذا كانت الألف واللام في كلمة "الحق" هي فإنها تصبح شبيهة في المحتوى مع بغير حق". لكن البحث في الألف واللام وبخصوص بغير الحق" لن يكون ضرورياً إلا إذا أريد من قوله: بغير الحق معنى سلب الحق"، لكن إذا كانت من أجل بيان السبب وكان المراد منها: أن قتل الأنبياء كان لغرض معين، أي لسبب باطل، فلا يستلزم ذلك البحث بتاتاً.
تناسب الآيات
هذه الآية تبرز نمطاً آخر من أنماط التحجّج والكفران الذي مارسه بنو إسرائيل؛ ذلك التحجّج والعناد الذي تُقدَّم فيه نعمة الحرية والاستقلال المنالة فداءً للرغبة في التنوع وقرباناً لشهوة البطن. هذا الطلب كما في سؤال الرؤية الحسية الله تعالى - لم يكن عن خضوع و خشوع بل كان مشفوعاً بالعناد والوقاحة، ومن هذا المنطلق يُجابَه هذا الطلب بالقهر والغضب، ويُرَدَّ على الطالب بالتعجيز والتوبيخ.
العنصر المحوري للآية ورسالتها
تشكل التذكرة بنعمة الله تعالى والتصريح بكفران قوم يهود العنصر المحوري للآية محط البحث؛ لأن هؤلاء القوم قد أعلنوا مع المقاومة التامة - عن نفاد صبرهم وبينوا بصورة النفي الصريح والأكيد: إننا لم نعد نصبر على ما ينزله الباري عز وجل من السماء، وإن عليه أن يُخرج لنا ما اقترحنا من النعم من الأرض. إن قصدهم من هذا المقترح كان التبديل التام للنعمة السماوية إلى أخرى أرضيّة، وليس تكميلها وتتميمها؛ إذ أت ظاهر "الاستبدال"، إذا لم يكن مترافقاً مع القرينة، فهو يحكي "التبديل" لا التركيب والتوليف. ويُستشف من هاتين الجهتين (الأولى إعلان نفاد الصبر والنكول، والأخرى التبديل التام والمحض وليس التتميم وشفع النعمة الأرضية مع تلك السماوية نقول يُستشف منهما أن رسالة الآية انتقاد فعلهم القبيح وليس حكاية طلبهم المباح.
ويُستفاد من مجموع ما أعلنوه من نفي الصبر وكيفية الرد الإلهي على لسان حضرة موسى الكليم أن مقترح بني إسرائيل لم يكن معقولاً ولا مقبولاً، ولذا فإن ميل الفخر الرازي إلى تبرير السؤال (15) ليس وجيهاً.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. مجمع البيان، ج1-2، ص 252.
2. وقيل: نوع من البطيخ شبيه بالخيار لكنه أطول (المعجم الوسيط، 715، "أقنأ"). ص715، "افتا").
3. تفسير روشن (التفسير الواضح، ج 1 ، ص 6 ص 309 (وهو بالفارسية).
4. مجمع البيان، ج 1 - 2، ص 252.
5. جامع البيان، ج 1، ص 275.
6. لسان العرب، ج 12، ص 460، "ف و م".
7. معجم مقاييس اللغة، ج 4، ص 462، "ف و م".
8. التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج 9، ص178.
9. تفسير غرائب القرآن ورغائب الفرقان، ج 1، ص 300.
10. تفسير الكاشف، ج 1، ص 116.
11. معجم مقاييس اللغة، ج 2، ص 345، "ذ ل ل".
12. نهج البلاغة الخطبة 29، المقطع .
13. تفسير المنار، ج 1، ص 331 - 332
14. التحقيق في كلمات القرآن الكريم، ج 1، ص 379.
15. التفسير الكبير، مج 2، ج 3، ص 106.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|