أقرأ أيضاً
التاريخ: 13-8-2022
3391
التاريخ: 13-4-2019
3173
التاريخ: 22-3-2016
4014
التاريخ: 17-3-2016
3221
|
عندما يمعن الإنسان النظر في واقعة عاشوراء فإنّه سيجد أنّه قد اجتمع فيها عدد من الجوانب التي ربّما لا تبدو متلائمة فيما بينها إلى حدٍّ كبير.
ينبغي لنا أن نلاحظ جيّداً المشاعر الإنسانيّة الصادقة التي تجلّت بوضوح في واقعة كربلاء. وإنّها لمفارقة جديرة بالاهتمام والملاحظة أن نجد العواطف والمشاعر حاكمة ومسيطرة في قضيّة هي على هذا القدر من الجدّيّة. في مثل هذا النوع من القضايا, يعمل الإنسان عادة من أجل أن يضمّ إلى معسكره وإلى صفوف جنده أيّ جنديّ ومقاتل. لكنّنا وجدنا أن الإمام الحسين عليه السلام يعطي الرخصة لجميع المقاتلين الذين كانوا معه[1], بل هو أساساً لم يعمل على أن يحشد المقاتلين أو على أن يجمع جيشاً, بل قال: "ومن كان باذلاً فينا مهجته, موطناً على لقاء الله نفسه فليرحل معنا"[2].
والآن أنظروا جيّداً! هذا في حدِّ نفسه يشكّل عنصراً إضافيّاً من مكوّنات هذه الملحمة. ولو أنّنا دقّقنا وأعملنا النظر في هذه النهضة الكبرى التي أحدثها سيّد الشهداء عليه السلام لوجدنا فيها العديد من النقاط والعناصر المضيئة, والتي تجعل من هذه القضيّة, بما آلت إليه من أحداث عجيبة ومواقف بطوليّة خالدة سطّرتها لاحقاً أسرة الإمام الحسين عليه السلام, من إخوته وبناته ومن بقي من أولاده, تجعل منها قضيّة استثنائيّة لا قبل للزمان بمثلها.
عاشوراء بين المنطق والملحمة والعاطفة
إنّ ما نقوله حول قضيّة عاشوراء - وهو في الحقيقة لا يعدو كونه سطراً واحداً في كتاب أو سِفر كبير الحجم - هو أنّ عاشوراء ليست مجرّد واقعة من وقائع التاريخ. عاشوراء ثقافة, ومدرسة ونهج مستمرّ ومتواصل, وأنموذج حيّ تستلهم منه الأمّة الإسلاميّة على الدوام. وقد تمكّن أبو عبد الله الحسين عليه السلام, من خلال هذا التحرّك الذي قام به, والذي كان في ذلك الوقت يمتلك مبرّراته العقلائيّة والمنطقيّة الواضحة والشفّافة, تمكّن من أن يقدّم للأمّة الإسلاميّة خير مثال تحتذي به وتهتدي بهداه. هذا الأنموذج والمثال لا ينحصر أيضاً في الشهادة, بل هو أمر آخر مركّب, أكثر تعقيداً, وأبعد غوراً. وذلك أن هناك عناصر ثلاثة كان لها حضور فاعل في حركة سيّد الشهداء عليه السلام, وهذه العناصر هي: عنصر المنطق والعقل, عنصر العزّة والحماسة, عنصر العاطفة.
عنصر المنطق والعقل في ثورة عاشوراء
يتجلّى عنصر المنطق والعقل في هذه النهضة من خلال كلمات ذلك العظيم، فكلّ جملة وكلّ فقرة من كلماته النورانيّة التي نطق بها عليه السلام - قبل نهضته, عندما كان في المدينة, وإلى يوم شهادته - تُظهر منطق متيناً. خلاصته: أنّه عندما تتوفّر الظروف المناسبة يتوجَّب على المسلم (النهوض)، سواء أدّى ذلك إلى مخاطر جسيمة أم لا.
وإنَّ أعظم المخاطر يتمثّل في أن يقدّم الإنسان نفسه وأعزّاءه وأهل بيته المقرّبين - زوجته وأخواته وأولاده وبناته - إلى ساحة المعركة وجعلهم في معرض السبي على طبق الإخلاص. إنَّ مواقف عاشوراء هذه أصبحت أمراً طبيعيّاً عندنا, لكثرة تكرراها، مع أنَّ كلّ موقف من هذه المواقف يهزّ الأعماق.
بناءً على ذلك، فحتّى مع وجود خطر إلى هذا المستوى, عندما تتوفّر الشروط المتناسبة مع هذه المخاطر، على الإنسان أن يؤدّي وظيفته، وأن لا يمنعه عن إكمال مسيرته التعلّق بالدنيا والاحتياط والتحفّظ وطلب الملذّات والخلود إلى الراحة الجسديّة، بل عليه أن يتحرّك لأداء وظيفته. فلو تقاعس عن الحركة، فإيمانه وإسلامه ليسا في محلّهما.
"إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرم الله ولم يغيّر عليه بفعل ولا قول كان حقّاً على الله أن يدخله مدخله"[3].
هذا هو المنطق، فـلو أنّ أصل الدّين تعرّض لخطر - كما حصل في فاجعة كربلاء - ولم يُغيّر ذلك بقول أو فعل، كان حقّاً على الله أن يبتلي الإنسان غير المبالي وغير الملتزم, بما يُبتلى به العدوّ المستكبر والظالم.
لقد بيّن الإمام الحسين عليه السلام هذه المسؤوليّة من خلال كلماته المختلفة - في مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة وفي أماكن كثيرة خلال مسيره، وبيّن ذلك في وصيّته إلى أخيه محمّد بن الحنفيّة[4]. لقد كان الإمام الحسين عليه السلام على علم بعاقبة هذا الأمر، وينبغي أن لا يُتوهّم أنَّ الإمام عليه السلام كان قد علّق آماله للحصول على السلطة - وإن كانت هذه السلطة من الأهداف المقدّسة - وأنّه تحرّك من أجل ذلك، كلّا، فلا ينبغي أن تجرّنا رؤية فكريّة كهذه إلى الاعتقاد بذلك, فعاقبة هذا الطريق متوقّعة وواضحة طبق الحسابات الدقيقة للإمام الحسين عليه السلام من زاوية الرؤية الإماميّة, إلّا أنّ المسألة على قدر كبير من الأهمّيّة, حتّى عندما يقف شخص بعظمة روح الإمام الحسين عليه السلام في مقابل هذه المسالة, يجب أن يقدّم نفسه على طبق الإخلاص ويجرّها إلى ساحة الحرب، وهذا يعتبر درساً عمليّاً بالنسبة إلى المسلمين إلى يوم القيامة، وليس درساً نظريّاً يُكتب على لوحٍ أسود ثمّ يُمحى، كلّا، فقد خُطَّ هذا النهج بأمر إلهيّ على جبين التاريخ، ونودي به، وآتى ثماره إلى يومنا هذا.
إنّ ثورة الإمام الخميني قدس سره في محرّم عام 1963م التي نتجت منها واقعة الخامس عشر من خرداد العظيمة، استلهمت من ثمار التطبيق العمليّ لدرس عاشوراء، وكذلك في محرّم 1978م استلهم إمامنا العزيز نهضته منها حيث قال: (لقد انتصر الدم على السيف)[5]. وأدّت هذه الحادثة التاريخيّة - التي ليس لها نظير في التاريخ - إلى انتصار الثورة الإسلاميّة.
هذا ما تحقّق في عصرنا، وأمام أعيننا، وإنَّ راية الفتح والظفر التي حملها الإمام الحسين عليه السلام ماثلة للشعوب على مرّ التاريخ، ولا بدّ أن تكون كذلك في المستقبل، وهو ما سوف يكون إن شاء الله تعالى. هذا هو جانب المنطق العقلائيّ في حركة الإمام الحسين عليه السلام والاستدلال عليه. لذلك لا يمكن لنظرة عاطفيّة صرفة أن تبيّن وتفسّر حركة الإمام الحسين عليه السلام.
العنصر الثاني في ثورة عاشوراء, الملحميّة والعزّة
العنصر الثاني: الحماسة (الملحميّة), أي أنَّ العملية الجهاديّة الملقاة على عاتقنا، يجب أن تقترن بالعزّة الإسلاميّة, لأنَّ ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾[6]، وعلى المسلمين في الوقت عينه الذي يتحرّكون فيه نحو الهدف ويتحمّلون المسؤوليّة الجهاديّة، أن يحافظوا على عزّتهم وعزّة الإسلام، ولا بدّ أن يتحلّى الشخص بسمات الشموخ والعزّة في أشدّ الأزمات.
فلو نظرنا إلى الصراعات السياسيّة والعسكريّة المختلفة في تاريخنا المعاصر، فسنجد أنّه حتّى أولئك الذين كانوا يمتشقون السلاح ويواجهون الحرب بأبدانهم، يُعرِّضون أنفسهم أحياناً لمواقف الذلّة، إلّا أنّ هذه المسألة ليس لها وجود في فلسفة عاشوراء، فعندما كان الإمام الحسين عليه السلام يطلب أن يمهلوه ليلة واحدة[7]، فهو كان يطلبها من موقع العزّة، وفي الوقت الذي كان يقول: (هل من ناصرٍ ينصرنا)[8] - يطلب النصرة - كان يطلبها من موقع العزّة والاقتدار، وعندما تلتقي به الشخصيّات المختلفة في الطريق بين المدينة والكوفة، ويكلّمهم ويطلب النّصرة من بعضهم[9]، لم يكن ذلك من موقع الضعف وعدم القدرة، وهذا أحد العناصر البارزة في نهضة عاشوراء. وهذا العنصر ينبغي أن يُطبّق في جميع الأعمال الجهاديّة المدرجة على جدول أعمال السالكين على طريق النهضة الحسينيّة، وأن تكون جميع الأعمال والمواقف الجهادية- سواء كانت سياسيّة، أو إعلاميّة، أو المواقف التي تستدعي التضحية بالنفس - منطلقة من موقف العزّة.
العنصر الثالث: العاطفة
العنصر الثالث: العاطفة, أي أنّه قد أصبح للعاطفة دورٌ مصيريٌّ مؤثّرٌ جدّاً في واقعة كربلاء نفسها وفي استمرارها، أدّى إلى إيجاد برزخٍ بين الثورة الحسينيّة والشيعيّة من جهة وبين الثورات الأخرى من جهة ثانية، فواقعة كربلاء ليست قضيّة جافّة ومقتصرة على الاستدلال المنطقيّ فحسب، بل قضيّة ترافق معها العشق, الحبّ, والعاطفة والشفقة والبكاء. فقوّة العاطفة قوّة مهمّة, ولهذا أُمرنا بالبكاء والتباكي, وتفصيل جوانب الفاجعة[10]. ولقد كانت زينب الكبرى عليها السلام تخطب في الكوفة[11] والشام[12] خطباً منطقيّة، إلّا أنّها كانت تقيم مآتم العزاء في الوقت عينه، وقد كان الإمام السجّاد عليه السلام بتلك القوّة والصلابة[13] ينزل كالصاعقة على رؤوس بني أميّة عندما يصعد المنبر، إلّا أنّه كان يعقد مجالس العزاء في الوقت نفسه.
إنَّ مجالس العزاء مستمرّة إلى يومنا هذا، ولا بدّ أن تستمرّ إلى الأبد, لأجل استقطاب العواطف. فمن خلال أجواء العاطفة والمحبّة والعشق يمكن أن تُفهم كثير من الحقائق، التي يصعب فهمها خارج نطاق هذه الأجواء.
هذه العناصر الثلاثة هي العناصر الأساس التي قامت عليها نهضة عاشوراء الإمام الحسين بن عليّ عليهما السلام. هذا على مستوى الكلام والتحليل، وزاوية من زوايا عاشوراء الحسين عليه السلام، إلّا أنّ هذه الزاوية تمثّل لنا دروساً عمليّةً كثيرةً.
عدم تضييع الهدف
لقد وصل الإمام الخميني قدس سره نهضته بنهضة الإمام الحسين عليه السلام من البداية، ونظر إلى أحداث وقضيّة إيران بالمنظار الحسينيّ. فهو افترض أنّه لو قام وتحرّك ولم يجبه أحد، فماذا سيحدث؟ بالطبع كان على ثقة بأنّ الشعب سيجيبه. هذه إحدى خصوصيّات الإمام قدس سره حيث كشف حقيقةً لم يكن أحدٌ حتّى ذلك اليوم قد عمل على كشفها. مع هذا كلّه، فلو أنّ أحداً لم ينهض مع الإمام لمضى في طريقه حتّى لو بقي وحيداً. وقد أشار مرّات عدّة إلى هذه القضيّة. كلّ من يعرف طبيعة الإمام، كان يعلم أنّه قد استعدّ لحمل عبء النهضة والثورة حتّى لو بقي وحيداً.
لقد بلّغ الإمام الخمينيّ قدس سره أهمّ رسالة في قضيّة عاشوراء وقد استفاد أيّما استفادة من مراسم العزاء في محرّم. في أحداث العام 1963، كنت أنا من جملة الذين حملوا رسالته إلى جماعة من علماء مشهد - وفي الواقع إلى أهل مشهد - وذهبت إلى المدينة حينها. كان قد أصدر بيانات ثلاثة لتصل إلى علماء مشهد. اثنان منها كانا مرتبطين بجميع العلماء وواحد كان موجّهاً إلى اثنين من العلماء البارزين في مشهد آنذاك، حيث كان من المفترض تسليمهما البيان وحسب. وقد ذهبت لمقابلة هذين العالمين وسلّمتهما الرسالة بعد حديث خاصّ معهما. كانت الرسالة متعلّقة بالتحرّك خلال أيّام محرّم العشرة وربط النهضة بمحرّم وعاشوراء. وقد فهمت أنّ هذين العالمين لم يكن لديهما رؤية واضحة ولم يكونا على اطّلاع واسع على المسألة. وهذا كان واضحاً مع أنّهما كانا مشاركين في النهضة ومساهمين فيها, أي أنّهما في المواجهة لم يكونا مقصّرين، لكن المسألة أنّه لم يكن لديهما الفهم الدقيق والواضح حول يوم السابع من محرّم ولم يكن لهما مشاركة فيما كان على أهل المنبر أن يقولوه يوم السابع من محرّم على منابرهم فيما خصّ الأحداث التي جرت في مدرسة الفيضيّة، وفيما كان على قرّاء العزاء أن يقيموه يوم التاسع من محرّم من مجالس العزاء واللطم والرثاء لما جرى في تلك المدرسة. كانت رسالة الإمام لهذين العالمين تتمحور حول ماينبغي فعله يومي السابع والتاسع من محرّم. هذا هو البيان, وأمّا الجواب الذي قدّمه أحدهما فقد كان فيه أحداث وتفاصيل كثيرة. وفي ذروة أحداث تلك السنة، أحداث محرّم وتسارع حوادث محرّم وذلك البيان العجيب الذي كان في الواقع حسينيّاً بامتياز.
كانت العناصر الموجودة في شخصيّة الإمام قدس سره عناصر مستخلصة ومرسومة من العناصر الحسينيّة نفسها. نحن لا نريد القول إنّ الإمام كان مثل الإمام الحسين عليه السلام. لقد كان إمامنا من أشياع الإمام الحسين عليه السلام وأتباعه، إلّا أنّ مثل تلك العناصر كان موجوداً في هذا العظيم أيضاً: عنصر الوضوح، عنصر الإخلاص، عنصر العاطفة والمحبّة، عنصر الاستقامة وعدم الانحراف عن الطريق، عنصر الشجاعة والمواجهة ضدّ النظام المتسلّط, كلّها عناصر كانت موجودة في ثورة عاشوراء وكلّها كانت موجودة أيضاً في شخصيّة الإمام الخمينيّ. ينبغي أن نطّلع في هذه الدائرة على تفاصيل أحداث الثورة, وأن نشاهد أحداثها. ولو حصل ذلك، فالنتيجة بالنسبة إلينا, بالدرجة الأولى, هي أنّنا لن نضيّع طريقنا ولن نضلّه.. هذا هو المهمّ. في غالبيّة الثورات الكبيرة والحركات المختلفة، كان يحصل انحراف عن الطريق بعد مضي مدّة من الزمن. ويحصل أن ينحرف المسار بسبب الحوادث التي تحدث قهراً, وهو أمر لا مفرّ منه. فوجود السياسة، المواجهة, القضايا العالميّة، التأثير والتأثّر المتبادل، ذهاب شخص ومجيء آخر، اختلاف السلائق الذهنيّة والفكريّة, كلّ تلك العوامل أو واحد منها كانت تؤدّي إلى التذبذب والتلوّن في الثورات والحركات.
كنت فيما مضى في أيّام الشباب، كثيراً ما أتردّد إلى الجبال والصحارى وأصعد الارتفاعات المختلفة. أثناء صعود الجبل يأتي وقت لا يعود بإمكانك أن ترى الطريق الذي سلكته. وقد يخطر في البال أنّه لا طريق أصلاً وقد انمحت. وأينما نظرت لا ترَهُ. هنا ينبغي التدقيق في النظر حتّى يعثر متسلّق الجبل على الطريق. وإنّ جزءاً مهمّاً من دقّة النظر هنا يكمن في أن يرجع هنا المتسلّق قليلاً إلى الخلف ليتحقّق من أين جاء. وهناك جزءٌ آخر من دقّة النظر, وهو أن يشخّص جيّداً - ومنذ البداية - الطريق الموصل إلى المقصد مع وجود المنعطفات والمنحدرات الكثيرة. حينها يمكنه أن يقطع الطريق بوضوح. وحينما يجد الطريق يرى ويفهم أنّها كانت واضحة ومشخّصة منذ بداية المسير، ولكنّه لسبب ما - مثلاً: ضعف الباصرة لديه أو ضعف القدرة على التشخيص- تصوّر أنّها قد انمحت.
تحدث هذه الحالة في كلّ الثورات والأحداث الاجتماعيّة وفي جميع حالات تغيُّر الأنظمة. وهذه ليست حالة غير معلومة أو مجهولة، ومن يدقّق في كلمات الإمام الخمينيّ ورسائله سيجد أنّه كان ملتفتاً ومهتمّاً بهذه الحالة. يقول الإمام ما يقرب من هذا التحليل: "أخشى أن يأتي يوم تقول فيه النّاس: لماذا ذهبتم واستوليتم على السفارة الأمريكيّة (في طهران)؟ أو لماذا يقوم ذلك الشخص بهذا العمل؟ أو لماذا قمتم بالحرب؟". كان ملتفتاً إلى هذا المعنى. أي الإشارة إلى مرحلة عدم وضوح المحجّة وعدم جلاء الطريق.
هذه الحالة تحدث في الثورات كلّها وهي أمر طبيعيّ, لا ينبغي أن نتعجّب كثيراً أنّه لو حصل عدم وضوح أحياناً في بعض الأمور ماذا سنفعل؟ إلى أين نذهب؟ في هذه الحادثة الخطرة, في هذه الزلزلة العظيمة، في هذا التهديد الكبير، ما هو الخيار الذي سنعمل به؟ هذه حالة تحدث عادة! أقول إنّ أسبابها عديدة. هذا الذي أشرنا إليه هو العوامل الإيجابيّة والمثبتة كما قلت سابقاً: قد يذهب شخص ويأتي آخر, أو أنّه قد تحدث حادثة غير معروفة.
والمثال البارز على ذلك، في بلدنا وفي ثورتنا: الحرب المفروضة. الحمد لله أنّ هذه الحرب قد بدأت في زمن الإمام (رضوان الله عليه) وانتهت في زمن الإمام. وإلّا لو لم تبدأ في زمن الإمام ووقعت بعد رحيله لحدثت فوضى في الآراء والكلمات "هل ندافع؟ وأصلاً هل نرسل قوّاتنا؟ هل نتفاوض مع العراق؟ كيف يمكن أن نعطي جزءاً من خرّمشهر, لتذهب؟..". وأيضاً لو لم تنتهِ الحرب في زمن الإمام. لسمعنا هذا الكلام: "كيف ننهيها؟ هل نوقفها؟ لا نوقفها؟" إلى غير ذلك من الكلام ذلك أنّه تظهر في العادة مثل هذه الأسئلة في حياة أيّ شعب.
حسناً، ما هو العامل الذي يمكن أن ينجي الإنسان؟ وبالتالي ألا يوجد منظار أو مجهر أو نور يرشد الإنسان إلى الطريق؟ بلى, يوجد. فـالعامل والنور الذي ينبغي أن يدلّنا على الطريق هو طبيعة هذه الحركة. فما هي طبيعة هذه الحركة؟ هل هي طبيعة حسينيّة؟ جيّد, هذه في نفسها لها معنىً وقيمة. فإذا ما استخلصنا من كلمات الإمام، من حوادث الثورة، من مصادر الثورة ومتونها، من بيّنات الثورة والنهضة، من محكمات آيات الثورة, من متشابهاتها, استخلصنا وفهمنا أنّ هذه الحركة هي حركة حسينيّة، وأنّها حركة قائمة على أنّ على الإنسان أن يلحظ هدفاً ثمّ يشقّ طريقه إليه بكلّ وجوده وبكلّ إخلاص وسعي ممكن وما أوتي من قوّة وأن يمضي بهذا الطريق.
بالطبع، الحركة باتجاه ما.. ليست بمعنى الخطأ والعمل غير العقلانيّ والحكيم، ليست بمعنى ممارسة الخداع السياسيّ والحدّة, فهذه واضحة ومعلومة ومحفوظة في مكانها! إلّا أنّه لا ينبغي الغفلة عن هذا الهدف للحظة واحدة.
عندما تستقلّون سيارة، وتنطلقون في طريق. عندما تركبون قطاراً وتسيرون باتجاه مقصد وتنطلقون شرقاً, فلو رأيتم أنّ السيارة قد غيّرت مسارها باتجاه الغرب مثلاً، ألا يجب أن توقفوا السيارة وتترجّلوا وتسألوا: "ألا نسير باتّجاه الشرق؟" هذا الفعل يسمّى تكتيكاً بالاصطلاح المعاصر، وبِلُغتنا نحن هو أسلوب وكيفيّة سلوك الطريق. ولأنّنا لا نستطيع العبور من وسط الجبل نضطرّ للعبور من جانبه أو على سفحه. وفي كلّ حال توصلنا هذه الحركة إلى الطرف الآخر من الجبل. إن نرَ جبلاً واقعاً أمامنا لا ينبغي لنا القول: "الآن لم يبق طريق للوصول إلى تلك الجهة من الجبل". لا ينبغي أن نضلّ الطريق. لا ينبغي أن نغيّر الهدف وأن نبدّل القيم. افرضوا أنّ الإمام الحسين عليه السلام كان يواجه يزيدَ ويقول: "هذا يزيد" لا يمكن أن يكون في رأس السلطة. عندما يكون شخص مثل يزيد على رأس الحكومة - أيّ يزيد كان، فلا شأن لنا بشخص يزيد - فـ "على الإسلام السلام:[14] ومعنى "على الإسلام السلام" أي "يذهب الإسلام ونودّعه ونقول له مع السلامة" هذا, وقد بدا واضحاً أنّ الإمام الحسين عليه السلام لم يرِد أن يقول: "على الإسلام السلام", وإنّما أراد حفظ الإسلام، لذلك كان ينبغي النهوض لمواجهة يزيد.
فالآن لو اعتبرنا أنّ مواجهة يزيد هي هدف قريب ومن الدرجة الثانية لأنّه كان شديداً وقاسياً, لنقل: كنّا نريد المواجهة ولكن لأنّه صعّب الأمر واشتدّ، فلا نواجهه وفي مقابل ذلك نذهب إلى مواجهة إمبراطور الرومان! فهل هذا صحيح؟! هل هذا حفظ للطريق؟ وحفظ للهدف؟ لم يقم الإمام الحسين عليه السلام بمثل هذا العمل.
[1] الأمالي, الصدوق, ص220, الكامل في التاريخ, ج4, ص57-58, بحار الأنوار, ج44, ص292-293.
[2] بحار الأنوار, ج44, ص367, اللهوف, ص38. نزهة الناظر وتنبيه الخاطر, ص86.
[3] تاريخ الطبريّ, ج4, ص304.
[4] بحار الأنوار, ج44, ص329-330.
[5] صحيفة الإمام, ج5, ص75.
[6] سورة المنافقون, الآية: 8.
[7] تاريخ الطبريّ, ج4, ص315-317, الإرشاد, ج2, ص90-91, بحار الأنوار, ج44, ص391-392.
[8] المنتخب للطريحيّ, ج2, 379.
[9] أنساب الأشراف,ج3, ص174-175, تاريخ الطبريّ, ج4, ص298-299, روضة الواعظين, ص178, بحار الأنوار, ج44, ص315و 371-373.
[10] كامل الزيارات, ص201-211.
[11] تاريخ الطبريّ, ج4, ص121-122, الأمالي, المفيد, ص321-323, مثير الأحزان, ص70-71, بحار الأنوار,ج45, ص108-110و115 116.
[12] بلاغات النساء, ص21-23, الاحتجاج, ج2, ص34-37, بحار الأنوار,ج 45, ص132-135.
[13] الفتوح, ج5, ص132-133, مقتل الحسين, الخوارزميّ, ج2, ص76-78, بحار الأنوار, ج45, ص137-139.
[14] الفتوح، ج5، ص16-17, اللهوف، ص18, بحار الأنوار، ج44، ص326.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|