أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-02-09
1251
التاريخ: 2024-06-06
695
التاريخ: 2023-03-26
1177
التاريخ: 24/10/2022
1386
|
الوجدان الأخلاقي يوجد تعادلاً في غرائزنا ويحول دون الإفراط والزيادة المضرة والخطرة. كما أن الوجدان الأخلاقي يفرق بين حياة الإنسان وحياة الحيوان. ويمنح الإنسان الطهارة والفضيلة، ويهيء له طريق السمو والتكامل.
الوجدان الأخلاقي لا ينبهنا إلى الأخلاق الحسنة والسيئة فحسب، بل إنه يدفعنا نحو الأخلاق الحسنة ويحذرنا من الأخلاق السيئة. وإذا حدث وتمردنا على الوجدان الأخلاقي، فإننا نتعرض لتأنيب لا يحتمل، وتعذيب يجعل الحياة مرة لنا.
الوجدان والاخلاق الحقيقية:
(يقول هنري باروك: الوجدان الأخلاقي ليس انعكاساً مصطنعاً، بل إنه أعمق عامل طبيعي للإنسان، والأشخاص لا يتمكنون أبداً من إخماد هذا الوجدان وتدميره بمظاهر مختلفة. ثم تظهر الأهمية الكبيرة والمكانة السامية للوجدان الأخلاقي في روح الإنسان، من خلال ثباته الفائق حتى في الأمراض الشديدة وحوادث الجنون، وهبوط المعنويات، حيث يبقى بعد الإكتئاب في العقل والذكاء) (1).
(إن إحدى الإختلافات الأساسية بين الإنسان والحيوان هو أن الحيوان الوحشي يفترس طريدته بكل هدوء، ثم يشعر بعد ذلك براحة، وأما الإنسان فإنه إذا ما قضى على أحد بني جنسه فإنه يصاب بنوع من الألم، وبما أنه لا يستطيع إنقاذ نفسه من هذا الألم فإنه يبدأ باتهامات كاذبة لإثبات أحقيته فيما عمل وأن ضحيته لا تستحق الحياة) (2).
(تقوم الأخلاق الحقيقية على أساس احترام الوجدان. وليس احترام الوجدان الأخلاقي سبباً للحرية والراحة في المجتمع فحسب بل مصدراً للهدوء الباطني. وبما أنه لا يمكن الهروب من إطاعة الوجدان الأخلاقي. فمن الأفضل أن نقبل بإطاعة أوامره برحابة صدر ونذعن لحكمه، وهذه الطاعة الباطنية، تؤدي إلى الأعمال الصحيحة المقبولة.
والوجدان الأخلاقي لا يريد إخماد الغرائز مرة واحدة. بل إنه يريد تنظيمها وهدايتها نحو هدف أسمى وأجل. وهذا العمل، أفضل للغريزة من الحرية التي ينادي بها فرويد، لأن الحرية المفرطة بدون قيد أو شرط تؤدي إلى الانهيار والسقوط) (3).
الدوافع الفطرية والأخلاقية:
يجب أن يلاحظ الأشخاص، أتباع الحرية المطلقة للإنسان، الذين يعتقدون أن الميول الطبيعية أفضل من جميع الموازين القانونية والأخلاقية. يجب أن يلاحظوا أننا لو تركنا جميع الضوابط الأخلاقية والقانونية، وتحررنا من جميع القيود والحدود، وصممنا على اتباع قوانين الطبيعة، فإننا رغم ذلك لا نستطيع أن نعيش كالحيوانات ونشبع رغباتنا وغرائزنا دون قيد أو شرط، لأن ميولنا الطبيعية ليست منحصرة بالأمور الحيوانية وإنما بالشؤون الأخلاقية أيضاً التي لها جذور فطرية وطبيعية في أعماقنا، واتباع قوانين الطبيعة يستوجب أن نراعي المسائل الأخلاقية والسجايا الإنسانية، وهذا بحد ذاته من الاختلافات الأساسية بين الإنسان والحيوان.
(كنت واكر، يقول: مضت مدة لم يعرف خلالها العلماء وظيفة القسم الأمامي للدماغ، لأن أي ضرر أو صدمة أو دمار لهذا القسم في الإنسان لا يوجد عجزاً أو ضعفاً خاصاً، ولهذا السبب اسموا هذا القسم باسم (منطقة الصمت) حتى وقعت حالة معينة في القرن الأخير أوضحت لحد ما وظيفة هذه المنطقة، فقد جاءوا بعامل مريض إلى المستشفى، وقد أصيب بواسطة قضيب في حدقة عينيه، وأتلف القضيب قسماً كبيراً من منطقة الدماغ الأمامية، عولج المريض المصاب وبعد مدة خرج من المستشفى دون أن يصاب بالشلل أو أي عجز، ولكن عوضاً عن ذلك تبدلت تصرفاته و (أخلاقه)، كان هذا الشخص قبل إصابته شريفاً، نشطاً، فأصبح شخصاً كذاباً، مهملاً مشرداً ونصاباً وقد اثبتت حوادث اخرى مشابهة هذا الرأي في أن الناحية الأمامية من الدماغ، أو (منطقة الصمت) هي مركز للصفات والخصائل، التي تميز الإنسان عن الحيوان) (4).
الركن الأساسي للسعادة:
تعتبر مكارم الأخلاق والسجايا الإنسانية إحدى الأركان الأساسية لسعادة ونجاح الإنسان في الحياة الإجتماعية. ولهذا السبب فقد رأى الأئمة الطاهرون ضرورة التخلق بالأخلاق الكريمة لسعادة المجتمعات الإنسانية، بصرف النظر عن الأمور الدينية والإيمانية التي تتطلب الثواب والعقاب.
عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنه قال: (لو كنا لا نرجو جنة ولا نخشى ناراً ولا ثواباً ولا عقاباً لكان ينبغي لنا أن نطلب مكارم الأخلاق فإنها مما تدل على سبيل النجاح) (5).
إطاعة أوامر الوجدان:
الخلاصة أن الوجدان الأخلاقي هو أحد العطايا الإلهية الموجودة في باطن الإنسان والممزوجة مع وجوده، وإذا أردنا أن نتبع في حياتنا الميول الطبيعية والفطرية، لا بد أن نطيع أوامر الوجدان، ونزن حريتنا بالمعايير الأخلاقية ونلبي غرائزنا وفق الوجدان الأخلاقي.
العقل، هو الآخر كالوجدان الأخلاقي من الثروات التي اختص بها البشر، وحرم منه الحيوان، كما أنه مشعل متوهج يضيء درب حياة الإنسان، ويبين له الطريق الصحيح من الخاطئ، ومن جانب آخر فهو (أي العقل) طبقاً لمحاسبة دقيقة يطابق الميول والرغبات غير المحدودة للبشر مع القوانين الطبيعية والأنظمة الإجتماعية ويعين موارد الاختلافات والتناقضات فيها، ثم إن العقل يحدد حرية الإنسان، ويبين موارد الصلاح والفساد فيها.
باختصار، إن العقل هو قاض حقيقي واقعي، محاسب يعين حدود إشباع الغرائز والميول، ويميز بين المسموح به والممنوع. كما أنه يحدد حرية الإنسان، وهذا يعني (القانون).
قال الإمام علي (عليه السلام): (النفوس طلقة لكن أيدي العقول تمسك أعنتها عن النحوس) (6).
استخدام العقل:
إن تنفيذ أوامر العقل يحفظ للإنسان حياته، ويمنحه الحرية والعزة والشرف الإجتماعي. وعلى العكس فإن عدم الإهتمام بنداء العقل، واتباع هوى النفس دون قيود يؤدي إلى ضياع القيمة الإنسانية عنده، ويسوقه نحو السلوك الحيواني، ويجعله عبداً لتمنياته النفسية.
قال الإمام علي (عليه السلام): (فضل العقل على الهوى لأن العقل يملكك الزمان. والهوى يستعبدك للزمان) (7).
اتباع الفطرة:
العقل دليل استقر فينا بأمر إلهي، وامتزج مع وجودنا، فإطاعة أوامر العقل، اتباع لقانون الخلق والفطرة. وتنفيذ قرارات العقل يؤدي إلى السعادة، ومخالفة قوانينه توجب التعاسة والندامة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (إسترشدوا العقل ترشدوا، ولا تعصوه فتندموا) (8).
وقال علي (عليه السلام): (العقل يهدي وينجي، والجهل يغوي ويردي) (9).
عدم الاهتمام بنداء العقل:
إن عدم الإهتمام بنداء العقل والوجدان الأخلاقي، هو عدم اهتمام بدين الفطرة وتخلف عن نظام الخلق. إن الأشخاص الذين يتركون فضائلهم الإنسانية ويتمردون على الوجدان والعقل، مضطرون أن يكونوا، كالحيوان، عبيداً لأهوائهم النفسية، إن الغرائز الثائرة والمستمردة في هؤلاء، هي التي تتحكم فيهم، وتسوقهم نحو حب الذات، والتعطش للجاه والمنصب، والانتقام والحسد والظلم، والتدمير والتهاجم والسيئات الأخلاقية والأعمال غير الإنسانية الأخرى.
فالكثير من الاختلافات التي تظهر في الأسر والمجتمعات، وتؤدي إلى الصراع، وتنتهي أحياناً إلى ارتكاب الجرائم، إنما تنجم عن أن الكبار أو الشبان يطيعون رغباتهم وميولهم الغريزية والأهواء النفسية، وعن عدم استجابتهم لأوامر العقل والوجدان الأخلاقي.
(حتى يومنا هذا فإن عدداً لا يستهان به من الشابات فى الصين، اللواتي يقدمن على الإنتحار بسبب ضغط أمهات أزواجهن، والشيء الذي يلاحظ الآن في الصين هو بقايا نظام، كان إلى عهد قريب سائداً في نواح من المناطق المتمدنة من اوروبا وآسيا) (10).
(جاء في تقرير للشرطة الهندية أن عدم الانسجام وسوء العلاقات بين الأزواج وأمهات الزوجات، هو أحد أسباب الانتحار. في السنة الماضية انتحر سبعة وثلاثون شخصاً بسبب الاختلاف مع أمهات الزوجات) (11).
(وفي السنة الماضية أيضاً قام ما يقرب من 500 شابة بعملية تسميم إثر الاختلافات العائلية، ونزاع وشجار الوالدين، والتفرقة بين الأبناء، والصعوبات والضغوط التي لا مبرر لها. وهذا حديث شاب في السادسة عشرة من العمر راقد في مستشفى للمتسممين بطهران: إن والدي يفرق بشدة بيني وبين شقيقاتي وأخي فهو يقوم بضربي أمام الجميع مما يخجلني، ويقول لي: إنك ابن سيء الطالع، فمنذ أن ولدت نزلت بي المصائب) (12).
قصور العقل:
الجدير بالذكر أن العقل رغم أنه دليل الإنسان ومصباح هدايته، إلا أنه محدود وقصير المدى من جهتين:
الأولى: من الممكن أن تؤثر في العقل عوامل كثيرة منها الشهوة والغضب، الصداقة والعداء، الآداب والتقاليد، التربية والتعليم، وهذه العوامل قد تحول دون معرفة الطيب والخبيث، فتؤدي إلى أعمال خاطئة ونتيجة غير سليمة
الثانية: إن العقل لا يستطيع أن يلم بجميع الحقائق، ولا يستطيع الإحاطة بالغيب والشهادة. ولا يتمكن من الإجابة على كل سؤال، وأن يلبي جميع الإحتياجات المادية والمعنوية والدنيوية والاخروية، والظاهرة والباطنة للإنسان وبالتالي فهو عاجز عن أن يكون دليلاً لكل شيء.
والوجدان الأخلاقي من جهة اخرى محدود، ويقتصر حكمه على أمهات الفضائل، وأمهات الرذائل، ويعجز عن معرفة جميع الخلقيات الحسنة والسيئة. ومن جهة أخرى تشوبه الشوائب بفعل تكرار الخطايا، وتخف حساسيته تدريجياً اتجاه الممارسات غير الوجدانية، ويتوقف عن لوم وتعذيب المذنب.
الوحي وتقوية عقل:
لكي لا ينحرف الوجدان الأخلاقي عن سير السعادة، بفعل ضعف وعجز العقل النظري والعقل العملي. فإن الله سبحانه وتعالى أرسل أنبياءه إلى الناس لتقوية العقل بفعل نور الوحي، فيعوض بذلك العقل النظري والعقل العملي، وبالنتيجة يستطيع الناس بواسطة هاتين الحجتين الإلهيتين الحصول على الهداية الكاملة والجامعة، ومن ثم الوصول إلى السعادة الواقعية الشاملة.
عن موسى بن جعفر (عليه السلام) أنه قال: (يا هشام إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة وحجة باطنة. فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة. وأما الباطنة فالعقول) (13).
قال الإمام علي (عليه السلام): (العقل رسول الحق) (14).
فالعقل هو الرسول الداخلي للناس، والرسول هو العقل الخارجي للناس. وهما مأموران من قبل الله تبارك وتعالى، أن يكونا معاً لبيان الخطأ والصواب للناس، وتوضيح الأعمال المسموح بها والممنوعة، ليصل الناس إلى التكامل والسمو وتحقيق سعادة الفرد والمجتمع.
صيانة الحضارة:
من مجموع البحث نحصل على نتيجة أن تعادل الميول وتحديد الحرية شرط أساسي لصيانة الحضارة، وحسن تفاهم الأجيال المختلفة في محيط العائلة والمجتمع. فالله سبحانه وتعالى قد منح الإنسان الحرية، من جهة، ومن جهة اخرى قد وضع فيه الوجدان الأخلاقي والعقل مختلطاً مع وجوده، لكي يستطيع بالإلهام والهداية منهما، والاستمداد من الوحي الإلهي، أن يحدد حريته وميوله الغريزية. وأهواءه النفسية، في حدود المصلحة الفردية والإجتماعية.
يتصور البعض أن الموازين الأخلاقية والقانونية تقف سداً في طريق الحرية، ويقولون: إن الإنسان يجب أن يحرر نفسه من القيود، ويصبح كالحيوان مطيعاً لقانون الطبيعة لكي يعيش براحة بال ويصل إلى الكمال الذي يليق به ولكنهم غفلوا أننا لو تركنا يوماً جميع القرارات الأخلاقية والقانونية وصممنا على أن نتبع الطبيعة فإننا لن نستطيع أبداً أن نعيش كالحيوان، لأننا سنضطر أن نتجه مرة اخرى نحو الأخلاق والقانون. لأن العقل والوجدان الأخلاقي جزء من هيكل طبيعتنا، واتباع هذه القوة الطبيعية والفطرية يدفعنا إلى أن نقبل بالأصول الأخلاقية والضوابط العقلية، وهذا بحد ذاته يستلزم إطاعة الموازين الأخلاقية والضوابط القانونية في حياة الإنسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ ماذا أعلم؟ الأمراض النفسية والعصبية، ص 65 و67.
2ـ المصدر السابق.
3ـ المصدر السابق، ص 69.
4ـ فسيولوجيا الإنسان ص 143.
5ـ مستدرك الوسائل، ج 2، ص 283.
6ـ فهرست غرر، ص 257.
7ـ شرح ابن أبي الحديد، ج 20، كلمة 209.
8ـ مستدرك الوسائل، ص 286، ج 2.
9ـ غرر الحكم، ص 257.
10ـ الزواج والأخلاق، ص 28.
11ـ صحيفة كيهان، رقم 8917.
12ـ المصدر السابق، رقم 8975.
13ـ تحف العقول، ص 386.
14ـ غرر الحكم، ص 255.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|