أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-01-04
858
التاريخ: 2024-07-25
471
التاريخ: 2023-09-29
1166
التاريخ: 2024-08-01
505
|
يؤكد أكثر المؤرخين الذين كتبوا في الحروب الصليبية ان الحضارة العربية قد انتقلت الى الغرب عبر اسبانيا وصقلية فقط وان الصليبيين كانوا عاجزين عن فهم هذه الحضارة مستندين بذلك على استمرارية العلاقات الحربية بين الطرفين وعلى ان الحضارة في الشرق كانت قد بدأت بالافول في وقت أصبح فيه المجتمع العربي مجتمعاً حربياً غير متجانس يسوده الاضطراب والتفكك والنزاعات المحلية على السلطة (1). صحيح ان الصليبيين لم يهتموا كسكان الاندلس وصقلية بنقل علوم العرب الى الغرب عن طريق ترجمتها او تدريسها ولكنهم خبروا هذا العلوم عن قرب أكثر بفضل الاحتكاك المباشر اليومي الذي كان يتم عبر العلاقات الاقتصادية التي تزدهر اوقات السلم. وبفضل هذا الاختبار والفائدة من الاعمال الطبية والحسابية والفلكية والجغرافية ازداد اقبال علماء أوروبا واساتذتها على علوم العرب في جهات الاندلس وصقلية لكون جماعات الصليبيين العائدين الى بلادهم بعد ان فشلوا في الحصول على مكسب مادي في الأراضي المقدسة، كانوا يتحدثون عن حضارة العرب في الشرق بين ذويهم وفي مجتمعاتهم، ومما يؤكد ذلك ما قام به شارل دانجو عندما تولى العرش الصقلي بعد فشل حملته على الشرق. كما ان غالبية الاسياد من الفرنجة في الامارات اللاتينية قد اتقنوا اللغة العربية خاصة في عهد لويس التاسع وفريدريك الثاني (2). يذكر (Foucher de charter) أحد مؤرخي الحروب الصليبية المعاصرين بما معناه ان الغربيين قد تحولوا الى سكان شرقيين. فالفرنسيون والايطاليون ليسوا الآن سوى مواطنين فلسطينيين وان ابن مدينة الرئيس او مدينة شارتر قد تحول الى صوري أو انطاكي. لقد نسي الفرنجة أصلهم حيث أصبح الواحد منهم يمتلك بيتاً وعائلة ويتكلم لغة البلاد. ومن كان هناك فقيراً أصبح هنا يتمتع في بحبوحة العيش ومن لم يكن يملك في اوروبا حتى ضيعة صغيرة أصبح هنا سيداً لمدينة بأكملها. لماذا نرجع اذن الى الغرب طالما الشرق يحقق رغباتنا (3). أما ابن جبير الذي زار مدينة عكا في هذه الفترة. فانه يخبرنا بوجود بناء يجتمع فيه المسلمون والمسيحيون لأداء صلاتهم فيه وكل واحد يؤدي صلاته باتجاه الوجهة التي يفرضها ايمانه: «في شرقي بلدة عكا مسجد بقي محرابه على حاله، ووضع الافرنج في شرقيه محراباً لهم. فالمسلم (والكافر) يجتمعان فيه، يستقبل هذا مصلاه وهذا مصلاه وهو في ايدي النصارى معظم محفوظ، وأبقى الله فيه موضع الصلاة للمسلمين (4). كما يذكر ايضاً مشيراً الى قيام علاقات ودية وسلمية بين الطرفين المتنازعين (ومن العجب ان النصارى المجاورين لجبل لبنان إذا رأوا به بعض المنقطعين من المسلمين جلبوا لهم القوت وأحسنوا إليهم ويقولون هؤلاء ممن انقطع الى الله عز وجل فتجب مشاركتهم) اتاحت العلاقات التجارية ايضاً التي قامت بين الشرق والغرب اثناء الحروب الصليبية فرصة كبيرة للتعرف على احوال العرب وحضارتهم. وساهمت هذه العلاقات الى حد بعيد في نقل الثقافة العربية الى الغرب على ايدي التجار الأوروبيين الذين كانوا يفدون الى الاراضي المقدسة (5). واكتسبت اللغات الثلاث الفرنسية والايطالية والانكليزية عن العربية معاني ومفردات لغوية متعددة خاصة فيما يتعلق بأمور البحرية. كما أطلق التجار الأوروبيون نفس المفردات اللغوية التي وضعها العرب على كثير من التوابل والبهارات والأقمشة والعطور. ويظهر ذلك جلياً في قواميس هذه اللغات الثلاث (6). وهكذا فإن الحروب الصليبية التي استمرت مدة قرنين من الزمن، وما تخللها من علاقات سلمية وحربية وتجارية ادت بطبيعة الحال الى تعرف الغرب على حضارة العرب عن كتب والى الاخذ بمقومات هذه الحضارة نتيجة الفائدة العظيمة التي اكتسبها الأوروبيون من ممارستهم لها في جميع مجالات العلم والمعرفة. ولا يسعنا الا ان نذكر بهذا الصدد بأن الأوروبيين بعد ان هضموا علوم الشرق واستوعبوها اقبلوا على ترجمتها ودراستها في القرن الثالث عشر حتى سمي هذا العصر بعصر الترجمة من العربية الى اللاتينية. وهو ما يفسر عدم اخذ الأوروبيين بهذه الحضارة قبل ذلك. مع انه كان قد مضى على وجود المسلمين في اسبانيا وصقلية زهاء الخمسة قرون ومع ان حضارة القرنين التاسع والعاشر الميلاديين ايام هارون الرشيد والمأمون قد وصلت الى عصرها الذهبي وفاقت حضارات العالم في ذلك الوقت.
.......................................
1- يذكر ارنست باركر في كتاب تراث الاسلام قائلاً: «لكن علينا ان نذكر ونعيد القول بأن الاسلام قد سبق فثبتت اصوله في الغرب واستطاع ان يخلف اثاره في اسبانيا وصقلية. كان ثم صراع بين قوى متناثرة. هذه القوى التي وان عجزنا عن تحديد مداها بالضبط كلاً على حدة - ففي امكاننا ان نرى تأثير الاسلام في الغرب المسيحي في قاعدتيه صقلية واسبانيا كان اشد مما هو في مراكزه الموصل وبغداد والقاهرة). هناك سببان يدعمان هذا الغرض اولهما انه لم نر في سورية ذلك التأثير الناجم عن امتزاج الثقافات كما نراه في صقلية ابان حكم روجر الثاني وفريدريك الثاني. وثانيها هو ان لاتين سوريا عجزوا تماماً عن التشرب بثقافة الاسلام الغنية، وهي بعد ثقافة اجنبية ولكنها قريبة من تناول ايديهم لا كما أفلح مسيحيو غرب البحر المتوسط في الاستفادة من ينابيع ثقافة قرطبة واسبانيا المسلمتين. كما يذكر في مكان آخر في نفس الصفحة كانت المملكة اللاتينية في اورشليم معسكراً حربياً خشناً لا روح فيه او بكلمة اخرى معسكراً لا وقت كاف لديه للمساهمة في بناء الحضارة.
اما ستيفن رنسيمان: تاريخ الحروب الصليبية (ترجمة السيد الباز العريني. دار الثقافة بيروت 1967 المجلد الثالث ص 822. يعلق على ذلك قائلاً: لا والواقع ان الحياة العقلية في الشرق الفرنجي ليست الا حياة عقلية لمستعمرة فرنجية، اذ اختصت قصور الملوك والأمراء بسحر مختلط، على ان عدد العلماء المقيمين بالشرق الفرنجي كان قليلاً. وما نشب من الحروب وما ساد من متاعب مالية منع قيام نظام لأنشاء مراكز فعلية للدراسة، حيث يجري ارتشاف علم الوطنيين والمجاورين. وترتب على انعدام قيام هذه المراكز، ان ما اسهمت به الحروب الصليبية من ثقافة لغرب اوروبا كان بالغ الضآلة ومخيباً للرجاء.. كما يذكر ايضاً ص 817 والواقع ان الحياة العقلية في الشرق الفرنجي كانت مخيبة للآمال، إذا جرت مقارنتها بما حدث في صقلية واسبانيا. اما سعيد عاشور فيذكر في كتابه الحركة الصليبية (1963) الجزء الثاني ص 1270 « واذا كانت هناك معابر انتقلت عنها علوم العرب الى الغرب الأوروبي في عصر الحروب الصليبية، فأننا يجب ان نلقي الاضواء على اسبانيا وصقلية اولاً وقبل كل شيء آخر.
2- REY. E: Les Colonies Franques en Syrle aux XII ET XIII siècle Paris 1883. P 172.
3- GLOTZ: Histoire Genérale. Paris 1993 t. IX, P. 485.
4- ابن جبير: الرحلة دار التراث بيروت 1968 ص 249.
5- المرجع السابق ص 234.
6- Documentation Pedagogique No 142 (1967) janvier
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|