المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

علي بن سيف النّخعيّ
30-8-2016
اسبـاب تـفويـض السلطـة ومـعوقات التفويـض
12-5-2021
دودة ورق القطن (حشرات القطن)
15-5-2016
آيات الافاق والانفس
2023-09-13
8- سلالة ايسن
19-10-2016
بعد 100 عام العلم يثبت نظرية آينشتاين حول الجاذبية
22-10-2016


دور الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) في التفسير  
  
1730   06:21 مساءاً   التاريخ: 12-10-2014
المؤلف : محمد باقر الحكيم
الكتاب أو المصدر : علوم القرآن
الجزء والصفحة : ص 251-262 .
القسم : القرآن الكريم وعلومه / قصص قرآنية / سيرة النبي والائمة / سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-10-2014 1906
التاريخ: 12-10-2014 1782
التاريخ: 12-10-2014 1501
التاريخ: 11-10-2014 2033

كان من الطبيعي أن يقوم الرسول الأعظم بدور الرائد في التفسير ، فكان هو المفسّر الأوّل يشرح النص القرآني ، ويكشف عن أهدافه ، ويقرّب الناس إلى مستواه كلاًّ حسب قابليّاته واستعداده الخاص ، ويحلُّ للمسلمين ما تعترضهم من مشاكل في فهم النص الكريم ، وتحديد معطياته وما يلتبس عليهم من أحكام ومفاهيم؛ لأنّ النبي بوصفه صاحب الرسالة ، ومهبط الوحي كان قد أُعد إعداداً إلهيّاً لهذه المهمّة كغيرها من مهام الدعوة والرسالة ، وتكفّل الله تعالى له بالحفظ والبيان :

{ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } [القيامة : 17 - 19].

ولا يختلف المسلمون في الدور الرائد الذي قام به النبي الأعظم ، بوصفه المفسّر الأوّل للقرآن إلى جانب دوره الرائد في مجال التطبيق لمفاهيم القرآن ونظرته العامّة إلى الكون والحياة.

ولكن السؤال الذي يُطرح بهذا الصدد عادةً هو السؤال عن حدود التفسير الذي مارسه الرسول الأعظم (صلّى الله عليه وآله) ومداه ، فهل شمل القرآن كلّه بأن كان يفسّر الآيات تفسيراً شاملاً؟

أو اقتصر على جزءٍ منه؟ أو كان يتناول الآيات التي يستشكل الصحابة في فهمها ، ويسألون عن معناها فحسب؟

فهناك من يعتقد أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) لم يفسّر إلاّ آياتٍ من القرآن ، ويستند أصحاب هذا القول في ذلك إلى رواياتٍ تنفي أن يكون رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد فسّر القرآن كلّه تفسيراً شاملاً ، وعلى رأس هؤلاء السيوطي(1).

فمن تلك الروايات ما أخرجه البزّار عن عائشة قال : (ما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يفسّر... إلاّ آياً بعدد..)(2).

وأهمّ ما يُعزّز هذا القول هو طبيعة الأشياء والواقع المشهود؛ لأنّ ندرة ما صح عن الصحابة من التفسير بالمأثور عن النبي (صلّى الله عليه وآله) تدل على أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) لم يكن قد فسّر للصحابة على وجه العموم آيات القرآن جميعاً تفسيراً شاملاً ، وإلاّ لكثرت روايات الصحابة عنه بهذا الشأن ، ولما وجدنا الكثرة الكاثرة منهم أو كبار رجالاتهم يتحيّرون في معنى آية ، أو كلمة من القرآن ويغيب عنهم حتّى المدلول اللفظي للنص ، والعبرة المباشرة التي يستهدفها كما سبق في الروايات والوقائع المتقدّمة.

ولكن توجد في مقابل ذلك أدلّة وشواهد من القرآن الكريم وغيره تُشير إلى أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) كان يقوم بعمليّة تفسيرٍ شاملٍ للقرآن كلِّه ، ولعلّ في طليعة ذلك قوله تعالى :

{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة : 151].

وقوله تعالى :

{... وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل : 44].

وطبيعة الأشياء حين ننظر إليها من زاويةٍ أُخرى ، غير الزاوية السابقة التي نظرنا من خلالها في إطار القول الأوّل تدل على أنّ النبي قد فسّر القرآن تفسيراً شاملاً كاملاً؛ لأنّنا عرفنا :

من ناحية أنّ الفهم الإجمالي للقرآن لم يكن كافياً لكي يفهم الصحابة القرآن فهماً شاملاً دقيقاً ، ولم يكن انتساب الصحابة غالباً إلى اللُّغة العربية ضماناً كافياً لاستيعاب النص القرآني ، وإدراك معانيه.

ومن ناحيةٍ أُخرى نحن نعرف : أنّ القرآن لم يكن في حياة المسلمين مجرّد نص أدبي أو أشياء تُرتّل ترتيلاً في عباداتهم وطقوسهم ، وإنّما كان الكتاب الذي أُنزل لإخراج الناس من الظلمات إلى النور ، وتزكيتهم وتثقيفهم والارتفاع بمختلف مستوياتهم ، وبناء الشخصية الإسلامية الواعية للفرد والأُسرة والمجتمع.

ومن الواضح أنّ هذا الدور العظيم لا يمكن للقرآن الكريم أن يؤدّيه بصورةٍ كاملةٍ شاملة ، ما لم يُفهم فهماً كاملاً شاملاً ، ويصل المسلمون إلى أهدافه ومعانيه ، ويندمجون بمفاهيمه ، ومصطلحاته.

وأما إذا تُرك القرآن بدون تفسير موجّه توجيهاً رساليّاً ، فسوف يُفهم من قِبَل المسلمين ضمن إطاراتهم الفكرية ، وعلى المستوى الثقافي والذهني الذي كان الناس يعيشونه ـ وقتئذ ـ وتتحكّم في تفسيره كل الرواسب ، والمسبقات الذهنيّة التي كانت لا تزال تتحكّم في كثيرٍ من الأذهان.

وهكذا نجد أنفسنا أمام تناقضٍ بين قولين لكلٍّ منهما شواهده ومعزّزاته ، ويحتاج هذا التناقض إلى حل.

وقد لا نجد حلاًّ منطقيّاً أقرب إلى القبول من القول : بأنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) فسّر القرآن الكريم على مستويين :

فقد كان يفسّره على (المستوى العام) في حدود الحاجة ، ومتطلّبات الموقف الفعلي ، ولهذا لم يستوعب القرآن كلّه.

وكان يفسّره على مستوى خاص ، تفسيراً شاملاً كاملاً بقصد إيجاد من يحمل تراث القرآن ، ويندمج به اندماجاً مطلقاً بالدرجة التي تُتيح له أن يكون مرجعاً بعد ذلك في فهم الأُمّة للقرآن ، وضماناً لعدم تأثّر الأُمّة في فهمها بإطارات فكرية خاصّة ، ومسبقات ذهنيّة ، أو رواسب جاهلية.

ونحن إذا فسّرنا الموقف في هذا الضوء ، وجدنا أنّه يتّفق مع طبيعة الأشياء من كلِّ ناحية.

فندرة ما صحّ عن الصحابة من الروايات عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في التفسير مَرَدّها إلى

أنّ التفسير على (المستوى العام) لم يكن يتناول جميع الآيات ، بل كان يُقصر على قدر الحاجة الفعليّة.

ومسؤولية النبي (صلّى الله عليه وآله) في ضمان فهم الأُمّة للقرآن ، وصيانته من الانحراف يعبّر عنها (المستوى الخاص) الذي مارسه من التفسير ، فقد كان لا بُدّ  للضمان من هذا المستوى الخاص ، ولا يكفي المستوى العام لحصول هذا الضمان حتّى لو جاء التفسير مستوعباً؛ لأنّه يجيء عندئذٍ متفرّقاً ولا يحصل الاندماج المطلق ، الذي هو شرطٌ ضروريٌّ لحمل أمانة القرآن.

ونفس المخطّط كان لا بُدّ من اتّباعه في مختلف الجوانب الفكرية للرسالة ، من تفسيرٍ وفقهٍ وغيرهما*. 

 

المرجعيّة الفكريّة لأهل البيت (عليهم السلام) :

 

وهذا الحلُّ المنطقي للموقف ، تدعمه النصوص المتواترة الدالّة على وضع النبي (صلّى الله عليه وآله) لمبدأ مرجعيّة أهل البيت (عليهم السلام) في مختلف الجوانب الفكرية للرسالة ، ووجود تفصيلات خاصّة لدى أهل البيت (عليهم السلام) تلقّوها عن النبي (صلّى الله عليه وآله) في مجالات التفسير والفقه وغيرهما.

أمّا النصوص التي تمثّل مبدأ مرجعيّة أهل البيت (عليهم السلام) في الجوانب الفكرية للرسالة فهي كثيرةٌ ، نذكر عدّة نصوصٍ منها :

الأوّل :

حديث الثقلين ، وقد جاء بصيغ عديدةٍ نذكر منها ما رواه الترمذي في صحيحه ، بسنده عن أبي سعيد والأعمش ، عن حبيب بن ثابت ، عن زيد بن أرقم قالا : (قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم :

(إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف

تخلفوني فيهما))(3).

الثاني :

حديث الأمان ، فقد روى الحاكم في مستدرك الصحيحين بسنده عن ابن عبّاس ، قال : (قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم :

(النجوم أمانٌ لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمانٌ لأُمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلةٌ من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس)).

قال الحاكم هذا حديثٌ صحيح الإسناد ، كما ذكر ابن حجر في صواعقه وصححه(4).

الثالث :

حديث السفينة ، فقد روى الحاكم في المستدرك وغيره كثير ، أنّ النبيَّ (صلّى الله عليه وآله) كان يقول :

(مثل أهل بيتي مثل سفينة نوحٍ من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق)(5).

الرابع :

حديث الحق ، فقد روى الترمذي في صحيحه عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال :

(رحم الله عليّاً ، اللّهم أدر الحقَّ معه حيث دار)(6) ، كما رُوي هذا الحديث بصِيَغٍ أُخرى منها :

(عليٌّ مع الحق والحقُّ مع علي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة)(7).

الخامس :

حديث القرآن ، فقد روى الحاكم في المستدرك وغيره أنّ النبي قال :

(عليٌّ مع القرآن والقرآن مع علي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض)(8).

السادس :

حديث الحكمة ، فقد روى الترمذي في صحيحه وغيره أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال :

(أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها) وقد شرح المناوي في هامش فيض القدير كلمة (علي بابها) : أي علي بن أبي طالب (عليه السلام) هو الباب الذي يُدخل منه إلى الحكمة(9).

السابع :

حديث المدينة ، فقد روى الحاكم في المستدرك وغيره عن ابن عبّاس ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) :

(أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد المدينة فليأت الباب).

قال الحاكم : هذا حديثٌ صحيح الإسناد(10).

الثامن :

حديث الاختلاف ، فقد روى الحاكم في المستدرك وغيره ، أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال لعليٍّ (عليه السلام) :

(أنت تبيِّن لأُمّتي ما اختلفوا فيه بعدي) قال : هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشيخين(11).

التاسع :

حديث السؤال ، فقد روى جماعةٌ من المحدثين منهم المتّقي في كنز العمّال ، وابن سعد في طبقاته وابن جرير في تفسيره ، وابن حجر في تهذيب التهذيب ، وابن عبد البر في الاستيعاب وغيرهم بألفاظٍ مختلفةٍ أنّ علي ابن أبي طالب (واللّفظ للمتّقي في كنز العمّال) ، قال :

(سلوني ، فو الله لا تسألوني عن شيءٍ يكون إلى يوم القيامة إلاّ حدثتكم ، سلوني عن كتاب الله فو الله ما من آية إلاّ أنا ، أعلم أبليل نزلت أم بنهار ، أم في سهل نزلت أم في جبل...)(12).

إضافةً إلى هذه الأحاديث وأمثالها الكثيرة ، نجد أنّ الصحابة في عصر الخلافة الأُولى كانوا يرجعون إلى علي (عليه السلام) في مختلف القضايا المهمّة والمستعصية ، وخصوصاً في مجال تفسير القرآن والقضاء ومعرفة الشريعة ، حيث وردت النصوص الكثيرة والتي صحّحها أصحاب الحديث تؤكّد هذا الموقف العملي من الصحابة وهذه الحقيقة الناصعة.

فقد روى البخاري في كتاب التفسير من صحيحه في باب قوله تعالى : {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا...} [البقرة : 106] بسنده عن سعيد بن جبير ، عن ابن عبّاس ، حديثاً قال فيه : قال عمر (واقضانا علي...) ورواه بقيّة رجال الحديث مثل الحاكم في المستدرك ، وأحمد بن حنبل في مسنده و...(13).

كما روى ابن ماجة في صحيحه حديثاً بسندين عن أنس بن مالك قال فيه : إنّ النبي قال : (وأقضاهم علي بن أبي طالب) ، وفي روايةٍ أُخرى للحاكم ، صحيحة على شرط الشيخين ، أنّ ابن مسعود كان يقول : (إنّ أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب).

وقد روى أبو نعيم في الحُلية عن ابن مسعود قال :

(إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف ما منها حرف إلاّ له ظهر وبطن ، وإنّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) عنده علم الظاهر والباطن)(14).

وقد كان يعترف بهذه الحقيقة حتّى أعداء علي (عليه السلام) ، أمثال الطاغية الحجّاج بن يوسف الثقفي ، حيث يقول :

(إنّنا لم ننقم على عليٍّ قضاءه ، قد علمنا أنّ عليّاً كان أقضاهم)(15).

وقد رجع أبو بكر وعمر بن الخطّاب وعثمان بن عفّان ، وحتّى معاوية بن أبي سفيان بالرّغم من العداء القائم بينهما ، وكذلك الكثير من كبار الصحابة ، مثل : عائشة زوج النبي (صلّى الله عليه وآله) وعبد الله بن عمر وغيرهما ممّن كان يرجعون ـ أو يدلّون الناس على الرجوع إلى علي (عليه السلام) ـ في عددٍ كبيرٍ من القضايا ذكرها كبار رجال أهل الحديث والتأريخ ، أمثال : البخاري وأحمد بن حنبل ومالك بن أنس وابن داود والحاكم والبيهقي وغيرهم ، وخصوصاً في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطّاب(16).

لقد كانت هذه المرجعيّة حقيقةً قائمةً على مستوى الواقع العلمي لدى الخلفاء وبعض أهل المعرفة من الصحابة ، ولكنّها كانت عند الضرورة ومواطن الإحراج والإشكال ، ولم يتم الاّعتراف بها ـ مع الأسف الشديد ـ على المستوى الرسمي للخلافة والحكم ، لأسباب متعدّدة لا مجال لذكرها في هذا البحث(17) ، الأمر الذي جعل الباب مفتوحاً أمام الصحابة والتابعين أو غيرهم ـ حتّى الأدعياء ـ أن يمارسوا العمليّة التفسيرية للقرآن الكريم ، من خلال المستوى العام لفهم القرآن الكريم.

وقد ظهرت معالم الخلل في هذا الانفتاح الواسع على مرجعيّة الصحابة ، دون التمييز بين هذه الخصائص الفريدة التي كان يختص بها أهل البيت (عليهم السلام) ، وفي مقدّمتهم علي (عليه السلام) وبين بقيّة الصحابة الذين تناولوا القليل من العلم ، فضلاً عن أُولئك الأشخاص الذين لم يكونوا في الحقيقة من أصحاب النبي ، وإنّما كانوا من (الأدعياء) الذين حاولوا أن يتسلّقوا هذا الموقع الروحي المقدّس بعد وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله) فألصقوا أنفسهم به.

ولعلّ خير ما يصوّر لنا بدايات هذا الخلل ، ووجود هذين المستويين من التفسير ما رواه الكليني والصدوق وغيرهما ، عن سليم بن قيس الهلالي ، عن عليٍّ (عليه السلام) ، قال سليم :

( قلت لأمير المؤمنين (عليه السلام) : إنّي سمعت من سلمان والمقداد وأبي ذر شيئاً من تفسير القرآن وأحاديث عن نبي الله (صلّى الله عليه وآله) غير ما في أيدي الناس ، ثمّ سمعت منك تصديق ما سمعت منهم ، ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن ، ومن الأحاديث عن نبي الله (صلّى الله عليه وآله) أنتم تخالفونهم فيها وتزعمون بأنّ ذلك كلّه باطل ، أفترى الناس يكذبون على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) متعمّدين ويفسّرون القرآن بآرائهم؟

قال فأقبل عليٌّ فقال :

(قد سألتَ فافهم الجواب : إنّ في أيدي الناس حقّاً وباطلاً وصدقاً وكذباً... وحفظاً ووهماً ، وقد كُذّب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على عهده حتّى قام خطيباً ، فقال : (أيّها الناس قد كثرت عليّ الكذّابة ، فمن كَذب عليّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النار) ، ثمّ كُذّب عليه من بعده ، وإما أتاكم الحديث من أربعةٍ ليس لهم خامس :

رجل منافق يُظهر الإيمان ، متصنّع بالإسلام ، لا يتأثّم ولا يتحرّج أنْ يكذب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) متعمّداً ، فلو علم الناس أنّه منافق كذّاب لم يقبلوا منه ولم يصدّقوه ، ولكنّهم قالوا : هذا صحب رسول الله ورآه وسمع منه ، وأخذوا عنه ، وهم لا يعرفون حاله ، وقد أخبره الله عن المنافقين بما أخبره ، ووصفهم بما وصفهم ، فقال عزّ وجلّ :

{ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ ... } [المنافقون : 4].

ثمّ بقوا بعده ... فهذا أحد الأربعة.

ورجل سمع من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شيئاً لم يحمله على وجهه ووهم فيه ، ولم يتعمّد كذباً ، فهو في يده يقول به ويعمل به ويرويه فيقول : أنا سمعته من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فلو علم المسلمون أنّه وهمٌ لم يقبلوه ، ولو علم هو أنّه وهمٌ لرفضه.

ورجل ثالث سمع من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) شيئاً أمر به ، ثمّ نهى عنه وهو لا يعلم ، أو سمعه ينهى عن شيءٍ ، ثمّ أمر به وهو لا يعلم ، فحفظ منسوخه ولم يحفظ الناسخ ، ولو علم أنّه منسوخٌ لرفضه ، ولو علم المسلمون إذ سمعوه منه أنّه منسوخٌ لرفضوه.

وآخر رابع لم يكذب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مبغضٌ للكذب خوفاً من الله ، وتعظيماً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) لم ينسه ، بل حفظ ما سمع على وجهه ، فجاء به كما سمع ، لم يزد فيه ولم يُنقص منه ، وعلم الناسخ من المنسوخ ، فعمل بالناسخ ورفض المنسوخ ، فإنّ أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) مثل القرآن : ناسخٌ ومنسوخ وخاص وعام ومُحْكَم ومتشابِه ، قد كان يكون من رسول الله الكلام له وجهان ، كلام عام وكلام خاص مثل القرآن.

وقال الله عزّ وجلّ في كتابه :

{...وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا...} [الحشر : 7]

فيشتبه على من لم يعرف ولم يدر ما عنى الله به ورسوله (صلّى الله عليه وآله) ، وليس كلّ أصحاب رسول الله كان يسأله عن الشيء فيفهم ، وكان منهم من يسأله ولا يستفهمه ، حتّى كانوا ليحبّون أن يجيء الإعرابي والطاري ، فيسأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتّى يسمعوا ، وقد كنت أدخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كلّ يومٍ دخلة ، وكلّ ليلة دخلة فيخليني فيها أدور معه حيث دار ، وقد علم أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه لم يصنع ذلك بأحدٍ من الناس غيري ، فربّما كان في بيتي يأتيني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أكثر ذلك في بيتي ، وكنت إذا دخلت عليه بعض منازله أخلاني ، وأقام عني نساءه فلا يبقى عنده غيري ، وإذا أتاني للخلوة معي في منزلي لم تقم عنّي فاطمة ولا أحد من بنيّ ، وكنت إذا سألته أجابني ، وإذا سكتُّ عنه وفنيت مسائلي ابتدأني ، فما نزل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) آية من القرآن إلاّ اقرأنيها وأملاها عليَّ فكتبتها بخطّي ، وعلّمني تأويلها وتفسيرها ، وناسخها ومنسوخها ، ومُحْكَمها ومتشابِهها وخاصّها وعامّها ، ودعا الله أن يعطيني فهمها وحفظها ، فما نسيتُ آيةً من كتاب الله تعالى ، ولا علماً أملاه عليّ وكتبته منذ دعا الله لي بما دعا ، وما ترك شيئاً علّمه الله من حلالٍ ولا حرام ، ولا أمرٍ ولا نهي ، كان أو يكون ، ولا كتاب منزل على أحدٍ قبله من طاعةٍ أو معصية إلاّ علّمنيه وحفظته ، فلم أنس حرفاً واحداً...))(18).

___________________________

(1) الإتقان في علوم القرآن 4 : 196 ، 200 للسيوطي ، ط2 ، منشورات الرضي ـ بيدار.

 (2)التفسير والمفسِّرون 1 : 51 ، للذهبي ، دار الكتب الحديثة.

(*)انتهى ما كتبه الشهيد الصدر.

(3) صحيح الترمذي 2 : 308.

وقد رُوي حديث الثقلين بأسانيد وطرق عديدة عن مجموعة من الصحابة والتابعين ، مثل : زيد بن أرقم وزيد بن ثابت وأبي سعيد الخدري وحذيفة بن أسيد الغفاري وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة ، كما جاء هذا الحديث بصِيَغٍ متعدّدةٍ؛ حيث رواه الترمذي ومسلم في صحيحيهما والحاكم في مستدرك الصحيحين ، وأحمد بن حنبل في مسنده ، وأبو نعيم في حُلية الأولياء ، والهيثمي في مجمعه ، وابن حجر في صواعقه ، والمتقي في كنز العمّال ، والطبراني في الكبير ، وابن الأثير الجزري في أُسد الغابة ، وابن جرير في تهذيب الآثار ، والخطيب البغدادي في تأريخ بغداد ، وغيرهم كثيرون ، وقال السمهوري على ما روى عنه المناوي في فيض الغدير : وفي الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة ، وقال ابن حجر في صواعقه : ولهذا الحديث طرق كثيرة عن بضعة وعشرين صحابيّاً لا حاجة لنا ببسطها.

راجع فضائل الخمسة في الصحاح الستّة وغيرها من كتب أهل السنّة 2 : 52 ـ 60.

(4)  مستدرك الصحيحن 3 : 149 ، والصواعق : 140.

(5)  أخرجه الحاكم في المستدرك 2 : 343 ، وقال إنّه حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلم ، ورواه أيضاً بطريقٍ آخر عن حنش ، عن أبي ذر الغفاري في 3 : 16 ، وذكره المتقي في كنز العمّال ، وابن جرير والهيثمى والبزّار والطبراني في الكبير والأوسط والصغير وأبو نعيم في الحُلية ، وأحمد بن حنبل والخطيب البغدادي والسيوطي والمناوي والمحب الطبري وغيرهم ، راجع فضائل الخمسة 2 : 64 ـ 66 .

 (6) الترمذي 2 : 298.

 (7) الخطيب البغدادي ، تاريخ بغداد 14 : 321 ، راجع تفصيل الرواة في الفضائل الخمسة 2 : 122 ـ 124.

 (8) مستدرك الصحيحين 3 : 124 ، وفضائل الخمسة 2 : 126.

 (10) الترمذي 2 : 299 ورواه غيره ، انظر فضائل الخمسة 2 : 279 ـ 280.

 (11) مستدرك الصحيحين 3 : 126 ، انظر فضائل الخمسة 2 : 281 ـ 283.

(11)  المصدر السابق 3 : 122 ، وانظر فضائل الخمسة 2 : 284 ـ 285.

(12)  كنز العمّال : 1 : 228 ، راجع أيضاً فضائل الخمسة 2 : 226 ـ 267.

 (13) راجع فضائل الخمسة 2 : 296 ـ 298.

(14)  حُلية الأولياء 1 : 65.

 (15) راجع فضائل الخمسة 2 : 296 ـ 298.

 (16) المصدر السابق 2 : 306 ـ 344.

 (17) لقد حاول الأُمويّون أعداء أهل البيت (عليهم السلام) بعد ذلك أن يعمّقوا حالة الانحراف في الأُمّة ، من خلال إصرارهم على طرح الأدعياء من الصحابة كمرجعٍ للأمّة في الشؤون الدينية ، في الوقت الذي أخذوا يطاردون كلّ من يذكر عليّاً ، أو يذكر الأخذ من عليٍّ (عليه السلام) ، كما تُشير إلى ذلك الوقائع والأحداث والنصوص التأريخية ، واستجاب لهذا الخط الانحرافي العبّاسيون ، بسبب الشعور بالخوف من غلبة وظهور أبناء علي (عليه السلام) على الساحة السياسية ، إذا ارتبطت الأُمّة بهم فكريّاً ومذهبيّاً.

(18) الكافي 1 : 62. الحديث 1.




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .