أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-08-04
490
التاريخ: 2024-05-05
820
التاريخ: 2024-06-15
750
التاريخ: 2023-09-09
1134
|
والواقع أنه لم يكن موجودًا — في عهد الدولة الحديثة — كتاب كهذا يعرف بذلك الاسم — بل كانت كل لفافة بردي تحتوي على مجموعة — أيًّا كان نوعها من تلك المتون الجنازية على حسب ما يقع تحت يد الكاتب، أو مجموعة من تلك المتون التي كانت سوقها رائجة وقتئذٍ — أي تلك المتون التي كانت تلاقي من الناس أعظم إقبال، حيث كانت توجد لفائف فخمة ذات بهاء يبلغ طول الواحدة منها من 60 إلى 80 قدمًا، وتشتمل على فصول أو رُقًى يتراوح عددها من 75 لغاية 125 أو 130، ولكن كان الكهنة من جهة أخرى ينسخون لفائف صغيرة متواضعة لا يزيد طول الواحد منها عن بضعة أقدام، ولا تحتوي إلا على منتخب صغير من تلك الفصول التي تُعَدُّ أكثر أهمية من غيرها. والواقع أنه لم يُعثر على أكثر من لفافتين تحتوي كل منهما على نفس مجموعة التعاويذ التي تشتمل عليها الأخرى. وقد بقيت الحال كذلك إلى عهد البطالمة (أي بعد القرن الرابع قبل الميلاد بقليل) حينما جُمع منتخب من تلك الفصول وأُدخل استعماله تدريجًا، ثم صار تقريبًا في حكم المتفق على صحة اتباعه. ومن ذلك يتضح — كما ذكرناه فيما سبق — أنه لم يكن هناك كتاب يُعرف باسم «كتاب الموتى» بصحيح العبارة في عهد الدولة الحديثة، بل كانت تُوجد مجاميع متنوعة من الفصول الجنازية فقط تملأ الأوراق البردية الجنازية التي وُجدت في ذلك العصر. وقد بلغ مجموع تلك الفصول أو التعاويذ التي كانت تُؤلَّف منها تلك اللفائف ما يربو على مائتين، وأكبر لفافة منها كانت لا تحتوي على تلك الفصول، وقد كان استقلال كل فصل — أو بعبارة أخرى تمييز كل فصل عن غيره من باقي الفصول — واضحًا في ذلك العهد؛ وذلك بفضل اتباع العادة التي جرت بوضع عنوان لكل فصل قبله. وقد كانت تلك العادة متبعة في كثير من فصول «متون التوابيت»، وتوجد هناك مجاميع من الفصول التي تتألف منها أكبر نواة متداولة لكتاب الموتى وتُسمى تلك الفصول غالبًا: «فصول للصعود في النهار»، وهي تسمية وجدناها مستعملة في «متون التوابيت» أيضًا. وعلى الرغم من كل ذلك لم يكن هناك عنوان شائع عن لفافة كاملة للكتاب «الموتى» باعتباره وحدة شاملة. وعلى الرغم من أن بعض القطع الضئيلة من «متون الأهرام» قد استمرت طويلًا مستعملة في «كتاب الموتى» فإنه يمكننا أن نقول إن تلك المتون قد اختفت على وجه عام تقريبًا. وأما «متون التوابيت» فقد ظهرت ثانية بمقدار عظيم جدًّا، وأسهمت إسهامًا كبيرًا في تكوين المجاميع المتنوعة التي يتألف منها الآن «كتاب الموتى «. وقد حدث تجديد في هذه المتون — في ذلك الزمن — لم نرَ منه إلا إشارات فقط في «متون التوابيت»، وكان ذلك التجديد هو إضافة صور فاخرة (1) في لفائف الموتى التي عُثر عليها في مخلفات الدولة الحديثة، وكان الغرض منها تصوير مدة حياة المتوفى في عالم الآخرة. وقد كان القوم يعتقدون في تأثير مفعولها اعتقادًا عظيمًا وبخاصة — كما شُوهد ذلك موضحًا — فيما سبق ذكره عن منظر المحاكمة في الآخرة الذي صار — إذ ذاك — مصورًا بهيئة متقنة. ويمكن القول عن تلك الإيضاحات التي جاءت في «كتاب الموتى» بأنها ما كانت إلا مثلًا آخر لأحكام تلك الطرق السحرية التي كان يُقصد منها تحسين أحوال الحياة الأخروية. والواقع أن «كتاب الموتى» — نفسه — على وجه عام ليس إلا صورة تفسيرية معقدة بعيدة المرمى لإظهار مدى اعتماد القوم المتزايد على السحر في الحياة الآخرة. وكانت الفوائد المادية التي اجتُنِيَت بتلك الطريقة لا حدَّ لها، ومن الواضح أن ذكاء أولئك الكهنة المرتزقة قد لعب دورًا عظيمًا في التدرج الذي جاء بعد ذلك؛ إذ قد صارت رؤية الآخرة في نظر أشراف الدولة المترفين كما كان يراها الفلاح المصري القديم، ليست بالمستقبل الجذاب، وهي التي كان يمكن المتوفى أن يحرث فيها كما كان يمكنه أن يزرع ويحصد الثمار من حقله. وكما كانت الحبوب أيضًا هي الأخرى تنمو إلى ارتفاع سبعة أذرع (حوالي 12 قدمًا)، فلم يكن يروق في نظر أولئك العظماء المنعمين في عصر يزخر بالثراء والترف؛ أن يُكلفوا القيام بعمل ما، أو أن يُجبروا على الذهاب حتى إلى «حقول المنعمين» ليكدوا وينصبوا هناك؛ ولذلك كانت توجد منذ الدولة الوسطى دُمًى مصنوعة من الخشب تمثل خدم الميت في الحياة الآخرة حيث كانت تُوضع معه في القبر لتقوم بدلًا منه بأداء ما يلزمه القيام به من العمل بعد الموت، كما كان يقوم له بذلك خدمه في الحياة الدنيا. وقد تدرجت تلك الفكرة — إذ ذاك — بعض الشيء في سبيل الرقي والتقدم؛ حيث كانت تُصنع تماثيل صغيرة للمتوفى تحمل كل منها حقيبة وفأسًا ويُطلق عليها التماثيل المجيبة، وكان يُدوَّن على صدور مثل تلك التماثيل رقية خادعة وهي:
يا أيتها (2) الدمى المتخذة لفلان (هنا يكتب اسم المتوفى)، إذا نوديت أو إذا طُلبت اليوم للقيام بأي عمل في العالم السفلي … فإنك تعدِّين نفسك لي في كل الأزمان لتزرعي الحقول، ولتروي الشواطئ، ولتنقلي الرمل من الشرق إلى الغرب، ولتقولي: إنني ههنا (3). وهذه الرقية كانت تضمن الرقى التي كانت مدوَّنة في بردي المتوفى تحت عنوان: «فصل في جعل الدمية تقوم بعمل المرء في العالم السفلي»، وهذه الطريقة الحاذقة قد أُتقنت إتقانًا كثيرًا، حتى إنه قد خُصص لكل يوم من أيام السنة دمية من تلك الدمى الصغيرة الخاصة بالميت التي تُوضع معه في قبره. وقد عُثر على تلك الدمى بمقادير عظيمة في الجبانات المصرية القديمة، حتى إن المتاحف (والمجاميع الخاصة) في كل العالم قد صارت الآن آهلة بها. ولا غرابة إذن إذا كان كهنة ذلك العصر وكتبته قد انتهزوا تلك الفرصة السانحة لابتزاز أموال الناس بالباطل حبًّا في الكسب الذي كان يأتي إليهم بتلك الطريقة السهلة؛ ولذلك تضاعفت أخطار الآخرة وأهوالها إذ ذاك تضاعفًا عظيمًا، إلا أن الكهنة كان في مقدورهم إنقاذ المتوفى لدى كل موقف حرج بالتعاويذ الفعالة التي تنجيه من الخطر حتمًا، هذا بخلاف تعاويذ عديدة تساعد المتوفى على الوصول إلى عالم الآخرة، كما كانت توجد أيضًا تعاويذ تمنع فقدان المتوفى فمه ورأسه وقلبه. وأخرى لتساعده على استذكار اسمه، وكما كان منها ما يساعد على التنفس والأكل والشرب، ومنها ما يمنعه أكله لبرازه، ومنها ما يمنع الماء الذي يشربه أن يتحوَّل إلى لهيب، ومنها ما يحول الظلام نورًا. كما كان من التعاويذ ما يحجب عن الميت كل الثعابين والوحوش المؤذية، وكما كانت تُوجد أصناف كثيرة أخرى غير تلك من التعاويذ؛ فكذلك ازداد الآن موضع التقمصات التي كان يرغب الميت في أن يتقمصها روحه، وقد وُضع فصل صغير لكل حالة يرغبها الميت ليساعده على أن يتقمص في صورة «صقر من الذهب» أو «صقر إلهي» أو زنبقة أو مالك الحزين (فنكس) أو بَجَعَة أو الثعبان المسمى ابن الأرض أو تمساح أو إله. والأدهى من كل ذلك هو اختراع فصل قوي المفعول يمكن الإنسان باستعماله له من أن يتخذ لنفسه أي شكل يريد. ويتألف من مثل ذلك الإنتاج الذي تقدَّم ذكره الجزء الأعظم من مجموعة المتون التي نسميها الآن «كتاب الموتى». فإذا سميناه إذن بعد ذلك «إنجيل المصريين» كنا قد أسأنا فهم وظيفة هذه اللفائف ومحتوياتها. وذلك الاتجاه الذي نتجت عنه تلك المجموعة من التعاويذ أو الرقى، وهي التي يُطلق عليها عادة اسم «فصول»؛ نجده ظاهرًا بشكل مميز كذلك في كتابين آخرين، يكوِّن كل منهما وحدة متماسكة متصلة. وأولهما «كتاب الطريقين« (4)، ويرجع عهده — كما تقدَّم ذكره — إلى عصر الدولة الوسطى (5)، وقد أسهم ذلك الكتاب من قبل إسهامًا عظيمًا في تأليف «كتاب الموتى» فيما يختص بالبوابات النارية التي كان يمر بها المتوفى حتى يصل إلى عالم الآخرة، وإلى الطريقين اللذين كان يسير فيهما في سياحته. وعلى أساس تلك التصورات أنتج خيال الكهنة أيضًا كتاب «الذين في العالم السفلي أو ما في العالم السفلي». وهذا الكتاب يصف لنا السياحة التي تقوم بها الشمس السفلية خلال الليل حينما تخترق الممرات ذات الكهوف الاثني عشر التي في أسفل الأرض وكل منها تمثل مسيرة ساعة. والاثنا عشر كهفًا تنتهي الشمس منها في آخر مطافها إلى النقطة التي تطلع منها إلى الشرق صباحًا. (راجع مصر القديمة، جزء 3)، (Budge. Ibid. Vol. II)، وأما الكتاب الثاني فيُسمَّى عادة باسم «كتاب البوابات» وهو يمثل كلًّا من الاثني عشر كهفًا على حساب الدخول إلى كل كهف من بوابته وهو خاص باجتياز تلك البوابات، ومع أن تلك التصانيف لم تنتشر الانتشار الذي حظي به «كتاب الموتى» فإنها كانت تُعَدُّ — مع ذلك — كتب إرشاد سحرية ألَّفها الكهنة أيضًا للكسب منها، مثل معظم الفصول التي يتألف منها «كتاب الموتى«. والأمر الذي خلص «كتاب الموتى» من وصمة أنه كتاب سحري يُستعمل خاصة في عالم الآخرة وكفى؛ هو إحكامه للآراء القديمة الخاصة بالمحاكمة الخُلقية في عالم الآخرة، وتقديره الظاهري لمسئولية «الضمير»؛ إذ قد ذكرنا فيما تقدم أن علاقة الإنسان بالإله كانت قد صارت شيئًا آخر أكثر من إقامته للشعائر الدينية الظاهرة، وكان يرجع ذلك إلى ما قبل مجيء العهد الإقطاعي في الحكومات المصرية القديمة؛ حيث صارت — آنئذٍ — علاقة الإنسان بالإله (علاوة على ما ذُكر) أمرًا يتعلق بالقلب والأخلاق. ولقد كان الشعور الخلقي عند المصري قويًّا جدًّا لدرجة أنه لم يجعل قيمة الحياة الفاضلة قاصرة على قبوله عند «أوزير» في عالم الآخرة؛ ومن ذلك يتضح لنا تحديد الأخلاق الأوزيرية التي تأمر الإنسان بالتفكير في العواقب الخلقية فقط في عالم الآخرة. ومع كلٍّ فإن «أوزير» كان إله الموتى كما ذكرنا ذلك كثيرًا فيما تقدم، وقد نادى فلاسفة الاجتماع الأقدمون — في العهد الإقطاعي — بعدالة «رع» إله الشمس، وطالبوا بإرجاع العدالة الاجتماعية إلى ذلك العالم كما طالب «رع» بإرجاعها. ولم يعدم أولئك الفلاسفة أخلافًا لهم في عهد الدولة الحديثة، وهؤلاء الأخلاف رجال رأوا أن عليهم في المذهب الشمسي واجبًا يحتم أن يحيوا حياة حقة في تلك الدنيا، كما أدركوا أنهم ينالهم الثواب الدنيوي إذا عاشوا عيشة طيبة بتلك الكيفية. فإله الشمس لم يكن بوجه خاص إله الموتى، بل كان الإله الذي يحكم في شئون البشر الدنيوية، وقد شعر الناس بالمسئولية الخلقية التي فرضها عليهم «رع» في كل ساعة خلال حياتهم الدنيوية؛ فحوالي سنة 1400ق.م وجَّه أحد مهندسي الملك «أمنحتب الثالث» أنشودة مدح فيها إله الشمس حيث قال: لقد كنت قائدًا مغوارًا بين آثارك، مقيمًا العدل لقلبك، وإني أعلم أنك مستريح للعدالة، وإنك تجعل من يقيمها على الأرض عظيمًا، ولقد أقمتها؛ ولذلك جعلتني عظيمًا. وكذلك حينما كان الفرعون يعقد يمينًا فإنه كان يحلف بحب «رع» لي، وبمقدار عطف والدي «آمون» علي (وقد وحد «آمون» مع «رع» منذ زمن بعيد). وكان الفاتح العظيم «تحتمس الثالث» عندما كان يقسم بذلك القسم توكيدًا لما يقوله وتعظيمًا لاحترامه للصدق عند الإله يشير عند حلفه إلى وجود إله الشمس هكذا:
لأنه يعرف السماء ويعرف الأرض ويرى جميع العالم في كل ساعة. ومع أنه صار من الأمور المسلم بها أن عالم الآخرة السفلي في المذهب الأوزيري كان يصور لنا إله الشمس وهو ينتقل من كهف إلى كهف تحت الأرض مارًّا في عالم «أوزير» السفلي وجالبًا معه النور والفرح إلى الساكنين هناك؛ فإن تلك الفكرة لم تكن معروفة في «اللاهوت الشمسي» كما هو مذكور في «متون الأهرام «. والواقع أن إله الشمس — كما ظهر في عهد الدولة الحديثة — كان يُعتبر قبل كل شيء إله عالم الأحياء من البشر الذين كان حاضرًا معهم نشطًا في شئونهم الدنيوية على الدوام؛ ولذا كان الناس يشعرون بمسئوليتهم أمامه في كل وقت، وكانت سيطرته تلك قد تعمقت، واتسع أمامها المجال باتساع أفق ذلك العهد الإمبراطوري إلى أن انبثق لأول مرة في تاريخ العالم الديني لأعين سكان وادي النيل القدامى فجر رؤية إله عالمي واحد فرد صمد. وسنفصل القول فيه في حينه.
............................................
1- راجع مثلًا ورقة «آني» السالفة الذكر؛ فإنها تُعَدُّ من أحسن البرديات التي عُثر عليها حتى الآن، زُينت بالألوان الجميلة المختلفة.
2- كتاب الموتى، الفصل السادس (راجع Budge, “Book of the Dead”, Text. I, p. 29f).
3- إن الكلمة التي تعبر عن هذه الدمى تُكتب عادة «يوشابتي» أو «شوابتي«.
4- راجع: “Le Livre de ce Qu’il y a dans l’Hadés”, Gustave Jequier (1894) & Budge, “The Egyptian Heaven and Hell”, Vol. I.
5- راجع الجزء الثالث عن هذه الكتب.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|