أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-4-2016
15987
التاريخ: 2024-04-06
1387
التاريخ: 27/10/2022
1762
التاريخ: 31-3-2016
9866
|
إن القرار الإداري الذي يكون محلاً لدعوى الإلغاء يشترط أن يتوافر فيه خصائص محددة ، وبعض هذه الخصائص في الحقيقة هي عناصر يجب توافرها في أي قرار إداري ، والبعض الآخر من هذه الخصائص هي خاصة بدعوى الإلغاء قررها المشرع أو القضاء الإداري أو الاثنين معاً و وتتمثل بأن يكون القرار الإداري صادراً عن جهة إدارية وطنية وان يكون نهائياً .
وسنقوم بتوضيح هذه الخصائص وعلى النحو الآتي :
أولا- أن يكون القرار الإداري صادراً عن جهة إدارية وطنية .
ثانياً- أن يكون عملاً قانونياً .
ثالثاً- أن يكون صادراً عن الإرادة المنفردة للإدارة .
رابعاً- أن يكون القرار نهائياً.
أولا- أن يصدر القرار الإداري من جهة إدارية وطنية :
أ- أن يصدر القرار الإداري من جهة إدارية :
يشترط في القرار الإداري المطعون فيه أن يكون صادراً من جهة إدارية سواء أكانت هذه الجهة الإدارية مركزية أم لا مركزية فالقرار الإداري يمكن أن يصدر من رئيس الدولة كما يمكن أن يصدر من مجلس محلي أو هيئة عامة (1) . فالعامل الحاسم هو صدوره من جهة إدارية ولكن مع ذلك فأن القضاء الإداري الفرنسي ومعه القضاء الإداري المصري قد عد القرارات التي تصدر من هيئات – وان لم تكن جهات إدارية بالمعنى الصحيح – بمثابة قرارات إدارية تصدر عن جهات إدارية وذلك لاعتبارات تتصل بتكوين هذه الهيئات وسلطاتها، وهذه الهيئات مثل النقابات المهنية كنقابات المحامين أو الأطباء وغيرها ، وذلك استناداً إلى أن الدولة تخلت إلى هذه النقابات عن نصيب من سلطاتها العامة لأداء رسالتها في مجال المهن الحرة بوصفها مرافق عامة (2) .
أما في العراق فأن محكمة القضاء الإداري لم تفصح عن موقف معين بالنسبة للاتحادات والتنظيمات المهنية كالنقابات المهنية (3) ، ويلاحظ هنا أن اغلب النصوص القانونية الخاصة بالنقابات المهنية في العراق قد نصت على إمكانية الطعن في القرارات التي تصدر عن هذه النقابات أمام محكمة التمييز ، وبذلك فأنه قد اغلق الباب أمام الطعن في هذه القرارات أمام القضاء الإداري في العراق في هذه الحالات استناداً لنص المادة (السابعة البند خامساً الفقرة جـ)من قانون مجلس شورى الدولة المعدل . أما في الحالات التي لم يحدد المشرع طريقاً للطعن في القرارات التي تصدر عن الاتحادات أو النقابات المهنية في العراق فأننا نرى انه من الأفضل أن يحذوا القضاء الإداري في العراق حذو نظيراه الفرنسي والمصري ، ويقبل الطعن في هذه القرارات ويخضعها لرقابته مادامت المبررات التي يستند إليها القضاء الإداري في فرنسا ومصر يمكن الأخذ بها والاستناد عليها في العراق .
ونشير بصدد شرط صدور القرار الإداري من جهة إدارية وجوب استبعاد الأعمال الصادرة عن السلطة التشريعية والسلطة القضائية من نطاق القرارات الإدارية القابلة للطعن فيها بدعوى الإلغاء . إلا أن هذا الحكم ليس بالمسألة السهلة أو الهينة ذلك لأن الأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات والقائم على وجود ثلاث سلطات في الدولة تشريعية ، وتنفيذية وقضائية لا يعني استقلال كل سلطة من هذه السلطات في ممارسة وظائفها بشكل تام وإنما يوجد تعاون وتداخل بين سلطات الدولة فعضو البرلمان قد يقوم بغير التشريع أي قد يقوم بوظائف ذات طبيعة تنفيذية أو قضائية وكذلك عضو السلطة التنفيذية قد يقوم بوظائف ذات طبيعة تشريعية أو قضائية والشيء نفسه قد ينطبق على أعضاء الهيئات القضائية(4) . كما انه يحصل أن تجتمع سلطات الدولة وخصوصاً السلطتين التشريعية والتنفيذية في يد واحدة ونشاهد هذا خصوصاً بعد نجاح الثورات والانقلابات حيث يتولى في الغالب قادة الثورة أو الانقلاب إدارة كافة شؤون الدولة وممارسة جميع السلطات فيها.
لذلك فان المسألة تدق هنا لدى الفقه والقضاء الإداري في تحديد ما يعد قراراً إداريا وما لا يعد كذلك وهذا ما سنحاول توضيحه .
أ- تميز القرارات الإدارية عن الأعمال التشريعية :
يتركز عمل السلطة التشريعية أساسا في سن القوانين ولكن إلى جانب هذا العمل تقوم هذه السلطة بمهام ووظائف أخرى يطلق عليها الأعمال البرلمانية والتي لا تعد من قبيل القوانين كالقرارات التي تصدر من المجالس النيابية بفصل أحد أعضائها والتوصيات التي تصدر من اللجان المختلفة التي يشكلها البرلمان وكل ما يتعلق بسير أعمال السلطة التشريعية(5) .
وفي فرنسا حدد المشرع وبموجب المرسوم المرقم 1708-45 اختصاص مجلس الدولة الفرنسي بالحكم في الطعون في أعمال السلطات الإدارية وهو بهذا اخذ بالمعيار الشكلي(6) كأساس ومعيار لتميز القرارات الإدارية عن أعمال السلطة التشريعية وقد التزم مجلس الدولة الفرنسي بهذا الموقف فرفض قبول كافة الطعون المتعلقة بأعمال السلطة التشريعية سواء أكانت قوانين شكلاً وموضوعاً أم قوانين من حيث الشكل فقط كقانون اعتماد الميزانية أو قانون تفويض التزام بمرفق عام أم كانت من قبيل الأعمال البرلمانية أو قرارات الهيئات الإدارية في المجالس البرلمانية(7) . وبناءً على ذلك رفض مجلس الدولة الطعون الخاصة بموظفي البرلمان أو بالمسابقات التي يجريها البرلمان لغرض التعيين. إلا أن المشرع الفرنسي تدخل بعد ذلك واصدر في سنة 1958 أمر 17 نوفمبر سنة 1958وقرر بموجبه السماح للأفراد ولموظفي المجالس بالطعن في قرارات البرلمان.
أما في مصر فلم يحدد المشرع معياراً بعينة كأساس لتميز القرار الإداري عن غيره من أعمال الدولة الأخرى إلا أن القضاء الإداري المصري مع ذلك اخذ بالمعيار الشكلي بوصفه أساساً رئيساً لتميز القرار الإداري عن العمل التشريعي ولكنه مع ذلك أورد عليه بعض الاستثناءات فأجاز ومنذ البداية حق موظفي البرلمان الإداريين في الطعن بالقرارات المتعلقة بهم(8).
أما في العراق فان الدكتور ماهر صالح علاوي يرى أن المشرع العراقي وعلى الرغم من انه نص في المادة (7 بند ثانياً الفقرة جـ) من قانون مجلس شؤون الدولة المعدل رقم (65) لسنة 1979 على اختصاص محكمة القضاء الإداري بالنظر في صحة الأوامر والقرارات الإدارية التي تصدر من الموظفين والهيئات في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي ، وان هذه العبارة قد جاءت مطلقة وهو ما يثير اللبس والتساؤل عما إذا كان المشرع العراقي قد أراد إخضاع القرارات التي تدخل ضمن الأعمال التنفيذية للإدارة لاختصاص محكمة القضاء الإداري أم انه قصد بعبارة – دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي – الإدارة العامة العادية والاقتصادية في الدولة . وينتهي الدكتور ماهر صالح علاوي إلى أن المشرع لم يرد بعبارات القرارات الإدارية التي تصدر من الموظفين والهيئات في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي الأخذ بالعيار الموضوعي وعد جميع القرارات التي تصدر من دوائر الدولة التي تمارس الوظيفة التشريعية أو الوظيفة القضائية والمتعلقة بعمل إداري قرارات إدارية إذ لو أمعنا النظر في نصوص القانون رقم (106 ) المعدل لقانون مجلس شورى الدولة لأمكن استخلاص اعتماد المشرع معياراً شكلياً عضوياً في تحديد الجهات الإدارية التي تصدر القرار الإداري (9) .
ومثلما يحصل أن تأتي السلطة التشريعية أعمالا ذات طبيعة تنفيذية فأنه يحصل أن تقوم السلطة التنفيذية في بعض الأوقات العادية أو الاستثنائية بممارسة أعمال ذات طبيعة تشريعية ففي الظروف العادية يمكن أن تصدر السلطة التنفيذية بناء على تفويض البرلمان قرارات لها قوة القانون تسمى باللوائح التفويضية وقد استقر القضاء الإداري في مصر وفرنسا على أن هذه القرارات لا تختلف عن غيرها من القرارات الإدارية من حيث جوز الطعن فيه بالإلغاء وذلك إلى أن تقرها السلطة التشريعية فتأخذ عند ذلك حكم القانون في حالة إقرارها (10) .
أما في الظروف الاستثنائية فأنه قد تواجه حالة من حالات الضرورة التي تفرض عليها التحلل من مبدأ المشروعية والإتيان بأعمال تدخل أصلا في اختصاص السلطة التشريعية فتقوم بإصدار قوانين أو تلغي قوانين قائمة أو تعدلها (11) . وتسمى هذه الأعمال التي تأتيها السلطة التنفيذية بـ (لوائح الضرورة) وهي أما ينص عليها في الدستور أو في تشريعات عادية ، وقد تلجأ إليها السلطة التنفيذية دون الاستناد إلى أي نص دستوري أو عادي وإنما بالاستناد إلى نظرية الضرورة التي اقرها القضاء الإداري في كل من فرنسا ومصر والتي تقوم على فكرة سلامة الدولة أولى من سلامة القانون .
واستقر القضاء الإداري في كل من فرنسا ومصر على بسط رقابته على هذا النوع من اللوائح سواء من حيث التحقق من قيام حالة الضرورة نفسها أم من حيث مراقبة مضمون العمل الذي قامت به الإدارة بوصفها قرارات إدارية وذلك استناداً إلى المعيار الشكلي (12) .
أما بالنسبة للقضاء الإداري العراقي فأننا لا نجد في مسيرته ما يبين موقفه من القرارات التي تدخل ضمن مفهوم اللوائح التفويضية أو لوائح الضرورة ولعل السبب في ذلك أن المشرع العراقي يمنع القضاء الإداري من التعرض إلى طائفة واسعة من القرارات الإدارية ومنها ما يدخل في نطاق اللوائح التنفيذية أو لوائح الضرورة ، ومنها قرارات رئيس الجمهورية التي يمنع المشرع القضاء الإداري من النظر فيها ومراقبتها .
ولابد من الإشارة بهذا الصدد أيضا إلى انه يحدث أن تجتمع السلطتان التنفيذية والتشريعية في هيئة واحدة ويحصل هذا خصوصاً بعد نجاح الثورات أو الانقلابات العسكرية حيث يختفي مبدأ الفصل بين السلطات وتصبح الجهة التي تسن القوانين هي نفسها التي تمارس الوظيفة التنفيذية وتتولى إصدار القرارات الإدارية وهنا تصبح الحاجة ملحة لإيجاد معيار للتفرقة بين ما يعد أعمال تشريعية وبالتالي لا يقبل الطعن فيه بالإلغاء وما يعتبر قراراً إداريا وبالتالي يقبل الطعن فيه بالإلغاء إذ يصبح المعيار الشكلي في هذه الحالة عاجزاً عن تقديم الحل المناسب فالأعمال كلها تصدر عن مصدر واحد ، وقد قيلت عدة معايير لخصوص هذه التفرقة فالبعض اقترح الاعتداد بعنوان النصوص فيعد قانوناً ما تطلق عليه الجهة التي أصدرته صفة القانون ، فيما اقترح آخرون الاعتماد على المعيار الموضوعي أي إذا كان العمل يتولى شأن من الشؤون التي ينظمها التشريع عادة فهو قانون وان كان يتولى تنظيم أمر من الأمور العادية فهو عمل إداري ، ويبدو أن القضاء الإداري المصري قد اخذ بهذا الرأي في الفترة التي أعقبت 23 يوليو (تموز) 1952 (13) .
وشهد العراق في الفترة من 30/ 6/2004 ، وهي الفترة التي انتقلت فيها السلطة من الناحية القانونية إلى الحكومة العراقية المؤقتة من قوات الاحتلال الأمريكي – البريطاني بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1511 لسنة 2004 قيام مجلس الوزراء الذي يشكل أحد أركان تلك الحكومة بممارسة الوظيفتين التشريعية والتنفيذية في أن واحد لان المجلس الوطني المشكل بموجب قانون إدارة الدولة العراقية لم يمنح سلطة سن القوانين وإنما منح مجلس الوزراء بموافقة مجلس الرئاسة سلطة إصدار أوامر لها قوة القانون وذلك استناداً لقانون إدارة الدولة العراقية والقسم الثاني من الملحق به ، وقد استمر هذا الوضع إلى أن تم إجراء الانتخابات الخاصة بالجمعية الوطنية في 30/1/2005 والتي تعد السلطة التشريعية التي تتولى سلطة سن القوانين استناداً للمادة (30/أ) من قانون إدارة الدولة العراقية .
وأخيرا تثار في مجال تميز القرار الإداري عن العمل التشريعي مسألة القرارات التفسيرية للقانون وهي القرارات التي تصدرها السلطة التنفيذية تفسيراً للقانون حيث يحصل أن يخول قانون من القوانين الإدارة سلطة إصدار القرارات اللازمة لتفسيره وهذا النوع من القرارات تعد جزءاً لا ينفصل عن القانون الذي يفسره فهي لا تتضمن أصولا أو قواعد ولا تأتي بجديد على القانون الذي تفسره ومن ثم لا يجوز الطعن فيه بالإلغاء بشرط أن يلتزم القرار التفسيري حدود التفسير فإذا ما تعدى هذه الحدود وخلق قاعدة جديدة فأنه يتحول إلى قرار إداري عادي ومن ثم يجوز الطعن فيه بالإلغاء (14) .
ب- تميز القرار الإداري عن الأعمال القضائية :
يعتمد مجلس الدولة الفرنسي المعيار الشكلي كأساس وضابط لتحديد الأعمال القضائية وتميزها عن أعمال سلطات الدولة الأخرى ومن ضمنها القرارات الإدارية واستناداً على هذا لا تخضع الأحكام القضائية للطعن بدعوى الإلغاء كما عد مجلس الدولة القرارات التي تصدر من هيئات إدارية ذات اختصاص قضائي قرارات إدارية يقبل الطعن فيها بالإلغاء رافضاً إضفاء صفة العمل القضائي عليها. مع ذلك فان الأمر لا يبدو بهذه السهولة حيث أن عمل السلطة القضائية لا يقتصر أو يتحدد بإصدار الأحكام القضائية بمعناها الفني، بل تصدر منها أعمالا أخرى كالأعمال الولائية أو بعض الأعمال التي تصدر عن الموظفين الخاضعين للسلطة القضائية ولو كانوا من رجال الإدارة كبعض التصرفات التي تصدر من العمد باعتبارهم رجال الضبط القضائي ، وهذه الأعمال تلحق في الحكم بالأحكام القضائية فلا يقبل الطعن فيها بالإلغاء في فرنسا، ولا يعد قراراً إداريا كذلك الأعمال المتعلقة بسير الدعوى وأعمال الضبط القضائي كأوامر القبض والحجز…. الخ .
إلا أن القضاء الإداري الفرنسي وبالرغم من تبنيه المعيار الشكلي بوصفه قاعدة عامة في مجال تحديد الأعمال القضائية إلا انه مع ذلك يذهب إلى اعتبار الإجراءات المتعلقة بنظام القضاء سواء تعلقت برجال القضاء كتعيينهم أو ترقيتهم أو تأديبهم، أم تعلقت بإنشاء المحاكم وتنظيمها قرارات إدارية يقبل الطعن فيها بالإلغاء ولم يستثنِ من ذلك إلا بعض القرارات الصادرة من وزير العدل بوصفه رئيس القضاة وتتعلق بالتنظيم الداخلي للقضاء(15) .
آما بالنسبة للقضاء الإداري المصري فانه وان كان يساير نظيره الفرنسي في اعتماد المعيار الشكلي كأساس لتحديد العمل القضائي خصوصاً في بداية مسيرته إلا أننا نجده بدأ في مرحلة لاحقة متردد إزاء هذه المسألة فصدرت منها بعض الأحكام والتي تبنا فيها المعيار المختلط في تحديد طبيعة العمل القضائي لا بل أن بعض أحكامه اعتمدت المعيار الموضوعي أساساً للتفرقة بين العمل القضائي والقرارات الإدارية مع كل ما ينطوي عليه هذا الموقف من نتائج شائكة(16) .
وعلى العكس مما هو عليه الحال في فرنسا فان المشرع المصري قرر منع القضاء الإداري المصري من قبول دعوى الإلغاء ضد الإجراءات المتعلقة بتنظيم القضاء وذلك بموجب المادة (3) من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 والقوانين اللاحقة له(17).
أما بالنسبة للعراق فانه وكما هو الحال في تميز القرارات الإدارية عن أعمال السلطة التشريعية إنما يكون بالاعتماد على المعيار الشكلي فان هذا المعيار ذاته هو الذي يركن إليه في تميز القرارات الإدارية عن أعمال السلطة القضائية ويتحدد بالتالي القرار الإداري بالعمل القانوني الصادر من جهة إدارية مع توافر العناصر الأخرى له، ولا يمكن عد أعمال السلطة القضائية سواء أكانت أحكام قضائية أم أعمال ولائية أم إجراءات تتعلق بسير مرفق القضاء و تنظيمه قرارات إدارية وإنما هي أعمال تمارسها السلطة القضائية بمقتضى وظيفتها الأساسية ووفق الشكل والإجراءات المطلوبة لذلك(18) . وقد جاء في قرار لمحكمة القضاء الإداري في العراق (… ومن جهة أخرى وجد أن الطعن في هذه الدعوى ينصرف في حقيقته إلى حكم جزائي واجب التنفيذ ليس للقضاء الإداري ولاية عليه مما يكون طعن المدعيين في هذه الدعوى غير معتبر، عليه واستناداً إلى ما تقدم قرر رد الدعوى …)( 19) .
كما جاء في فتوى لمجلس شورى الدولة أن ( قرار الحجز هو قرار إداري تصدره وفقاً للصلاحيات المخولة لها في حين أن العقوبات السالبة للحرية وهي السجن والحبس والإيداع بالنسبة للأحداث هي قرارات تصدر عن المحاكم المختصة وتأسيسا على ما تقدم يرى المجلس أن قرار الحجز الصادر عن وزير الداخلية لا يعد بمنزلة الحكم القضائي ) (20)
2- أن يصدر القرار عن جهة إدارية وطنية :
لا يكتفي القضاء الإداري لقبول دعوى الإلغاء بأن يكون القرار الإداري صادراً عن جهة إدارية بل يضيف لذلك أن تكون هذه الجهة الإدارية وطنية أي غير أجنبية (21) ،وبالتالي فأن القرارات التي تصدر من جهات غير وطنية لا تعد من قبيل القرارات الإدارية التي يمكن الطعن فيها بالإلغاء حيث أن دعوى الإلغاء تعد أداة لرقابة الأجهزة الإدارية الوطنية عند مباشرتها الوظيفة الإدارية ولأن القاضي الاداري قاضي وطني في بلده يختص بنظر الدعاوى الإدارية طبقاً للقوانين الوطنية فأن مجلس الدولة الفرنسي رفض قبول دعوى الإلغاء الموجهة ضد القرارات الإدارية الصادرة عن سلطات الاحتلال الألمانية في فترت الاحتلال النازي أبان الحرب العامية الثانية ،أما فيما يتعلق بالقرارات التي أصدرتها الأجهزة الإدارية الوطنية بناءً على أمر من سلطات الاحتلال ،فان مجلس الدولة فرق بين ما إذا كان القرار صادراً بناءً على أمر من سلطات الاحتلال بحيث لا تملك الأجهزة الوطنية اتخاذ أي موقف تجاهه،وبين ما إذا كان لها سلطة تقديرية في شأن هذا الأمر،فذهب إلى اعتبار القرارات الصادرة في الحالة الثانية قرارات إدارية صادرة عن سلطة وطنية وقبل بالتالي الطعون الموجهة ضدها بالإلغاء وان كان صدورها قد جاء بناءً على توجيهات من سلطات الاحتلال إلا أنه كان بمقدور الأجهزة الإدارية الوطنية أن ترفض هذه التوجيهات أو تعدلها(22) .
أما القضاء الإداري المصري فانه يشترط أيضا أن يكون القرار الإداري صادراً عن جهة إدارية وطنية فقد جاء في قرار للمحكمة الإدارية العليا المصرية (أن من المقرر في الفقه والقضاء الإداريين، أن نشاط اختصاص القضاء الإداري بالفصل في طلبات إلغاء القرارات الإدارية، هو ان يكون القرار الإداري صادراً عن جهة إدارية وطنية تطبق قوانين البلاد وتستمد سلطتها منها ، بحيث يكون معبراً عن الإرادة الذاتية لهذه الجهة بوصفها سلطة عامة وطنية ، وان العبرة في تحديد جنسية الهيئة الإدارية مصدرة القرار ليس بجنسية أعضائها وإنما بمصدر السلطة التي تستمد منها ولاية إصدار القرار والقوانين التي تعمل تطبيقاً لها ، فإذا كانت تعمل بسلطة مستمدة من الحكومة المصرية وحدها كانت جهة إدارية مصرية ولو كان بعض أعضائها أجانب ، أما إذا كانت تعمل بمقتضى سلطة مستمدة من حكومة أو هيئة أجنبية أو دولية فأن قراراتها لا تعد صادرة من جهة وطنية ولو كان أعضاؤها وطنيين ، فالعبرة إذا ليس فقط بكون القرار صادر من جهة إدارية مصرية أو من موظفين مصريين ، وإنما أيضا لصدور القرار معبراً عن الإرادة الذاتية لجهة الإدارة تطبيقاً لقوانين البلاد واستناداً إلى السلطة المصرية ) (23) . وبناءً على وجهة النظر هذه رفض القضاء الإداري المصري قبول دعوى الإلغاء بشأن القرارات التي اتخذها ممثلو مصر نتيجة إشرافهم على إدارة قطاع غزة. في حين قبل القضاء الإداري المصري دعاوى الإلغاء الموجهة ضد القرارات الصادرة من موظفين وطنيين يعملون في خارج بلادهم متى كانت سلطتهم مستمدة من القانون المصري (24).
أما في العراق فإن المادة السابعة من قانون مجلس شورى الدولة المعدل حددت اختصاصات محكمة القضاء الإداري بـ (الأوامر والقرارات الإدارية التي تصدر من الموظفين والهيئات في دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي …) وبالتأكيد فأن عبارة دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي تحدد حصراً بالجهات الإدارية الوطنية ،وإذ كان القضاء الإداري العراق لم يواجه صعوبة في مسألة كون القرار الإداري يجب أن يصدر عن جهة إدارية عراقية لعدم وجود هذه الحالات على ارض الواقع ، فأن الوضع الذي مر به في الفترة ما بين 9/4/2003 ولغاية 30/6/2004 ، والممثل بوقوع العراق تحت الاحتلال الأمريكي البريطاني فعلياً وقانونياً (25) جعلت القضاء الإداري يواجه مثل هذه الحالات ، ويتضح من خلال تتبع أحكام القضاء الإداري خلال الفترة المذكورة انه لم يتعرض في قراراته لهذه المسألة وإنما قبل الطعن بكافة القرارات الإدارية التي صدرت عن الجهات الإدارية المحلية في حالة توافر الشروط المطلوبة لقبول الطعن فيها أمامه ودون تمييز أن كانت تلك القرارات صادرة بناء على توجيهات سلطة الاحتلال أم لا، وسواء كانت تلك التوجيهات ملزمة أم مجرد توصيات ، ومن أحكام القضاء الإداري التي يمكن إيرادها بهذا الصدد ما جاء بقرار مجلس الانضباط العام الصادر في 25/12/2003 (لدى التدقيق والمداولة وجد أن المدعية موظفة في الإدارة العامة لمصرف الرافدين بعنوان ملاحظ أول طابعة ولها خدمة اكثر من عشرين سنة وقرر المدعي عليه / إضافة لوظيفته بأمره الإداري العدد (8) في 30/6/2003 إعفائها من وظيفتها لعدم الحاجة لخدماتها ولإعادة هيكلية مصرف الرافدين على حد ما جاء بالأمر المذكور ، وأضاف وكيل المدعي عليه أثناء المرافعة أن أمر الإعفاء هذا استند على توجيه المشرف العام لقوات التحالف ، وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية أو الخلفيات الأدبية التي دفعت الإدارة إلى إصدار الأمر الإداري المذكور فأن الذي يهم المجلس في مجال هذا الطعن البحث عن مدى مشروعية الأمر الإداري المطعون فيه وأصولية أسبابه وانسجامه مع متطلبات الصالح العام دون إهمال حقوق المدعية التي ضمنها القانون لها ، وفي ظل هذه الظروف الاستثنائية التي يخضع لها العراق فأن القوانين السارية هي القوانين الوطنية بما فيها قوانين الخدمة الوظيفية طبقاً لما جاء بأوامر سلطة الائتلاف المنشورة في الوقائع العراقية مما يتوجب معه ضرورة انسجام الأوامر والقرارات الإدارية التي تصدرها الإدارة مع أحكام القوانين الوطنية بما فيها أحكام قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 وقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع الاشتراكي رقم (14) لسنة 1991 وقانون التقاعد المدني رقم (33) لسنة 1966 والتشريعات الخاصة بالملاك وغيرها من التشريعات الوظيفية التي تتضمن قواعد خاصة تطبق على بعض المؤسسات والدوائر الحكومية ، وحيث أن جميع هذه التشريعات قد رسمت الطرق التي تم بموجبها إنهاء علاقة الموظف من وظيفته سواء تم هذا الإنهاء بإرادة الموظف أو بإرادة الإدارة أو بحكم القانون وفق شروط محددة ، وحيث أن الطريق الذي سلكه المدعى عليه إضافة لوظيفته بأمره الإداري المطعون فيه بإنهاء علاقة المدعية من وظيفتها لديه ليس له سند من جميع هذه التشريعات وحيث أن الأسباب التي استند إليها كذلك في الأمر لا تبرر إعفاء المدعية من وظيفتها ، وحيث أن البت بموضوع تنسيق الملاك (إعادة الهيكلية على ما هو جاء بالأمر الإداري ) لا يقع ضمن اختصاص المدعى عليه على فرض توافر شروطه ومحدداته الغير متوفرة على حالة المدعية مما يكون الأمر الإداري المطعون فيه قد صدر خلافاً للمشروعية ولقواعد الاختصاص وخالياً من أسبابه القانونية وعليه قرر المجلس وبالاتفاق الحكم بإلغائه وإعادة المدعية لوظيفتها …) (26) .
ثانياً- أن يكون القرار الإداري عملاً قانونياً صادراً عن الإرادة المنفردة للإدارة :
1- أن يكون القرار الإداري عملاً قانونياً :
إن أهم عنصر يتميز به القرار الإداري هو كونه عمل قانوني والعمل القانوني هو تعبير عن الإرادة بقصد ترتيب اثر قانوني معين وهذا الأثر قد يكون إنشاء مركز قانوني عام أو ذاتي أو تعديلاً لهذا المركز أو إلغاء له ، واشتراط كون القرار الإداري عمل قانوني يعني انه لا يمكن اعتبار الأعمال المادية مثل الأضرار التي يتسبب بها رجال الإدارة أثناء ممارسة أعمالهم الوظيفية قرارات إدارية لأنها لا ترتب أي اثر قانوني ، ولكن الأعمال المادية إذا وقعت تنفيذاً لقرار إداري سابق كإلقاء القبض على شخص باعتباره تدبيراً من التدابير التي اتخذتها الإدارة لاعتبارات تتعلق بالأمن العام وبناء على حالة واقعية كانت قائمة لا يسوغ النظر إليها مستقلة عن القرار الذي وقعت تنفيذاً له إذ هي ذات ارتباط وثيق لأن كيانها القانوني مستمد منه (27) ، ولا يعد قراراً إداريا جميع القرارات التي تشكل إجراءات ذات سمة داخلية وهي التعليمات والمنشورات التي تصدرها الإدارة مثل التعليمات الموجهة من الوزير إلى مدير الشرطة (28) . ولا تعد قرارات إدارية الأعمال التحضيرية والتمهيدية كالإنذارات التي توجهها الإدارة إذ أن القضاء الإداري في كل من فرنسا ومصر يرفض اعتبار هذه الإنذارات من قبيل القرارات الإدارية ، في حين أن القضاء الإداري في العراق قد اتخذ موقف غريب بهذا الصدد حيث قبل دعاوى الإلغاء الموجهة ضد إنذارات وجهتها الإدارة إلى الأفراد وقرر إلغائها وهذا الموقف غير صائب لأن هذه الإنذارات ليست إلا أعمال تحضيرية أو تمهيدية لا يترتب عليه إحداث تأثير في المراكز القانونية وبالتالي لا تعدو أن تكون قرارات إدارية(29) . فالمهم في العمل الذي ينهض به القرار الإداري هو الذي يترتب عليه تأثير في المراكز القانونية ويستوي بعد ذلك أن تكون آثار هذا العمل عامة بحيث يتضمن قواعد موضوعية مجردة تطبق على جميع الأفراد دون تحديد وهو ما يعرف في فرنسا ومصر باللوائح التنظيمية أو أن تكون هذه الآثار تتعلق بفرد أو مجموعة من الأفراد معنيين بذواتهم والتي يطلق عليها بالقرارات الفردية. وقد استقر القضاء الإداري في كل من فرنسا ومصر على قبول الطعن بالإلغاء في كافة القرارات الإدارية تنظيمية كانت أم فردية .
أما في العراق فأن القضاء الإداري كان منذ نشأته والى وقت قريب كان يرفض وبلا مبرر قانوني قبول دعوى الإلغاء الموجهة ضد القرارات الإدارية التنظيمية ومسيرته في هذه المرحلة حافلة بالقرارات الصادرة بهذا الصدد ومنها ما جاء في قرار محكمة القضاء الإداري الصادر في 1/7/1991 (ولما كانت اختصاصات هذه المحكمة هي النظر في صحة القرارات والأوامر ولا علاقة لها بالتعليمات التي تصدر عن دوائر الدولة والقطاع الاشتراكي …)(30) وقد تعرض هذا الموقف للقضاء الإداري إلى انتقادات شديدة ذلك أن القرارات التنظيمية والتي تسمى عادة في العراق بالتعليمات هي قرارات إدارية صرفة . وقد هجر القضاء الإداري أخيرا موقفه هذا وبدأ يقبل دعوى الإلغاء الموجهة ضد قرارات إدارية تنظيمية ومن أحداث قراراته الصادرة بهذا الصدد ما جاء في قرار مجلس الانضباط العام الصادر في 28/12/2003 (… وحيث أن القرار التنظيمي (توجيهات الوزارة) بما حواه من صيغة مطلقة شملت جميع من تعينوا في دوائرها دون التفريق بين وجود فائض في دوائر الوزارة أو إحدى تلك الدوائر أو بخلافه مما يكون القرار التنظيمي المشار إليه مخالفاً لنصوص الأمر التشريعي المذكور وحيث أن الأمر الإداري بإنهاء خدمة المدعي من وظيفته جاء خالياً من أسبابه ولم يذكر عدم الحاجة إلى خدماته مما يكون الأمر الإداري المطعون فيه مخالفاً للأمر التشريعي المذكور فضلاً عن مخالفته لعموم أحكام القانون في هذا المجال وعليه قرر المجلس وبالاتفاق الحكم بإلغاء الأمر الإداري والمطعون فيه وإعادة المدعي إلى وظيفته (معاون ملاحظ) في دائرة اليرموك الطبية …) (31)وهكذا تخلص القضاء الإداري من هذا القيد الذي كان قد فرضها على نفسه دون أي مبرر قانوني صحيح
2- أن يكون القرار الإداري صادراً عن الإرادة المنفردة للإدارة :
إن القرار الإداري ليس أي عمل قانوني فحسب وإنما يلزم أن يكون هذا العمل القانوني صادراً بالإرادة المنفردة للإدارة أي أن يكون مصدر القرار طرف واحد هي جهة الإدارة ذلك أن الإدارة تمارس نوعين من الأعمال القانونية الأولى تتمثل بالقرارات الإدارية وتصدر بالإرادة المنفردة للإدارة دون أن تشترك معها جهة أخرى في إصدارها أما النوع الثاني من الأعمال القانونية فهي العقود الإدارية وهذه الأخيرة تتم بالتقاء إرادتين معاً هما إرادة الإدارة الرادة المتعاقد معها .ودعوى الإلغاء إنما توجه ضد القرارات الإدارية دون العقود الإدارية التي تكون محلاً لنوع آخر من الدعاوى الإدارية . ولكن إذا كان العقد الإداري ذاته لا يمكن أن يكون محلاً لدعوى الإلغاء فأن هذا العقد يتميز عن غيره من عقود القانون الخاص بأن عملية إبرامه وتنفيذه تمر بمراحل متعددة وتتدخل في تكوينه عناصر مختلفة منها مالها طبيعة عقدية بحتة ومنها ما تتوفر له صفات وأركان القرار الإداري كالقرارات الصادرة من هيئات الوصايا الإدارية بالترخيص بإبرام العقود أو التصديق عليها وقرارات استبعاد أو حرمان شخص من مناقصة أو مزايدة أو قرار إضافة شروط جديدة أو تعديل شروط العقد السابقة فهذه القرارات وغيرها وان كانت تدخل ضمن العملية التعاقدية إلا أن لها من الاستقلال ما يتيح فصلها عن العملية التعاقدية ويمكن بالتالي الطعن فيها بدعوى الإلغاء ويطلق على هذه القرارات بفكرة الأعمال المنفصلة . وقد بدأت هذه الفكرة بالظهور في قضاء مجلس الدولة الفرنسي منذ سنة 1903 وتبلورت نهائياً ووضحت معالمها في حكم مجلس الدولة الفرنسي الصادر في 4أغسطس – آب- سنة 1905 في قضية (Martin ) فقد قبل المجلس في هذه الدعوى الطعن الموجه ضد القرار الإداري الصادر بالتصريح بمنح امتياز لإحدى الشركات الترام برغم أن هذا القرار يندرج في عقد الامتياز الذي تدخل المنازعة بشأنه في اختصاص مجالس المنازعات(32) .
وقد اخذ القضاء الإداري المصري هو الآخر بفكرة القرارات المنفصلة حيث جاء في قرار المحكمة القضاء الإداري المصري بهذا الصدد (من حيث انه يجب التنبيه من أن العمليات التي تباشرها الإدارة ما قد يكون مركباً له جانبان : أحدهما تعاقدي بحت تختص به المحكمة المدنية ، والآخر إداري يجب أن تسير فيه الإدارة على مقتضى النظام الإداري المقرر لذلك فتصدر بهذا الخصوص قرارات من جانب واحد تتوفر فيها جميع خصائص القرارات الإدارية وتتصل بالعقد من ناحية الأذن أو إبرامه أو اعتماده فتختص محكمة القضاء الإداري بإلغاء هذه القرارات إذا وقعت مخالفة للقوانين أو اللوائح ، وذلك دون أن يكون لإلغائها مساس بذات العقد الذي يظل قائماً بحالته إلى أن تفصل المحكمة المدنية في المنازعة المتعلقة به )(33) .
كما أن القضاء الإداري العراقي يسلم بفكرة القرارات المنفصلة ومن أحكامه بهذا الصدد ما ذهبت إليه محكمة القضاء الإداري في العراق في القضية المرقمة 78/ قضاء إداري / 1994 في 2/5/1996 في قبول الطعن بقرار وزير الداخلية مدير البلديات العامة إلغاء عملية بيع قطعة ارض بالمزايدة العلنية والإعلان مجدداً عن بيعها بالمزايدة العلنية وجاء في هذا الحكم (فأعادة المزايدة ورسوها في المرة الثانية على مشتر جديد غير المدعى وبذات السعر أمر ينطوي على اكثر من سبب من الأسباب المنصوص عليها في المادة 7 ثانياً هـ من قانون مجلس شورى الدولة ومن هذه الأسباب الخطأ في تطبيق القانون وذلك يبدو واضحاً من عدم اعتبار المبلغ المدفوع كتأمينات هو التأمينات القانونية المطلوبة وزيادة عليها وهناك سبب آخر هو التعسف في استعمال السلطة لأن القانون وإن أجاز للموظف الإداري و منحه سلطة في إصدار القرار والمصادقة أو الرفض إلا انه الزم بأن يكون ذلك دون تعسف والتعسف واضح في القرار المطلوب إلغاؤه حيث لم يكن هناك سبب قانوني لإعادة المزايدة في جانب ولان إعادتها لم توفر للدولة أي ربح أو زيادة على المبلغ الذي رست به المزايدة كما أن القرار الإداري المطلوب إلغاؤه لم يكن يستند إلى سبب واضح) (34) .
وتجدر الإشارة أخيرا أن القرار قد يكون إيجابيا أو سلبياً وان دعوى الإلغاء مفتوحة بالنسبة للقرارات الإيجابية والسلبية على حد سواء ، ولكن يشترط بالنسبة لهذه الأخيرة أن لا تكون الإدارة تملك الخيار في إصدار القرار أو عدم إصداره وإنما يقتصر على القرارات السلبية التي يلزم القانون الإدارة إصدارها في حالة توافر شروطها.
ثالثاً- أن يكون القرار الإداري نهائياً (35):
يشترط في القرار الإداري الذي وجه ضده طعن الإلغاء أن يكون نهائياً وتتوفر هذه الصفة للقرار الإداري في حالة توفر شرطين الأول صدوره عن جهة إدارية تملك إصداره دون تعقيب عليها من جهة أعلى أما الثاني فهو صدوره على نحو يكون من شأنه إحداث اثر معين في المركز القانوني للطاعن (36) . وقد استقر القضاء الإداري الفرنسي على وجوب توافر صفة النهائية للقرار الإداري وفقاً للمعنى المتقدم .
وفي مصر دأب المشرع على النص في قوانين مجلس الدولة المتعاقبة على وجوب أن يكون القرار الإداري المطعون فيه بدعوى الإلغاء نهائياً ، والتزم القضاء الإداري المصري بصفة نهائية القرار الإداري كشرط لقبول دعوى الإلغاء وفسر صفة نهائية القرار الإداري بأن يكون صدوره من جهة إدارية تملك إصداره دون تصديق من جهة أعلى ، وان يؤثر في المراكز القانونية للمعنيين به حيث جاء في قرار للمحكمة الإدارية العليا المصرية أن (…اعتبار القرار الإداري في هذه الحالة نهائياً لأن مجلس النقابة هو المختص دون سواه بالنظر في هذا الأمر ، فهو قرار نهائي في التدرج الرئاسي ، وللقرار فضلاً عن ذلك أثره القانوني بالنسبة إلى المحالين إلى المحكمة التأديبية . وبالنسبة إلى الهيئة المختصة بمحاكمتهم تأديبياً ، ذلك أن الدعوى تنقل بمجرد صدوره من مرحلة التحقيق إلى مرحلة المحكمة ، وهذا هو وجه النهائية في القرار المطعون فيه ، ويترتب على ذلك جواز الطعن فيه بدعوى الإلغاء مستقلاً عن الحكم التأديبي النهائي )(37) .
أما في العراق(38) فأنه وبالرغم من أن المشرع العراقي لم ينص على شرط أن يكون القرار نهائياً فأننا نجد أن القضاء الإداري في العراق يتطلب توافر هذا الشرط وهو إما أن يشير إلى وجوب أن يكون القرار نهائياً بشكل صريح ومن ذلك ما جاء في قرار لمحكمة القضاء الإداري المرقم 11/قضاء إداري 1991 الصادر في 26/1/1991 (… قررت المحكمة رد الدعوى حيث لم يكن قراراً نهائياً وحاسماً وحيث أن القرارات الإدارية التي يطعن فيها أمام هذه المحكمة هي فقط القرارات النهائية الحاسمة )(39) وقد أيدت الهيئة العامة في مجلس شورى الدولة قرار محكمة القضاء الإداري المذكور وذلك بقرارها المرقم 40/إداري – تمييز / 1991 الصادر في 24/12/1991 حيث جاء في قرارها (إذ لم تصدر الجهة الإدارية قراراً نهائياً فأن ذلك لا يجوز الطعن فيه أمام محكمة القضاء الإداري لأن القرارات التي يطعن فيها أمامها هي فقط القرارات النهائية الحاسمة )(40).
وقد يلجأ القضاء الإداري العراقي إلى الاستعانة بألفاظ مشابهة لكلمة النهائية للتعبير عن هذا الشرط وتؤدي الغرض المراد ذاته كاشتراط أن يكون القرار الإداري حاسماً أو بكونه قد احدث أثرا في المراكز القانونية وهذا الأخير هو العنصر الثاني لشروط نهائية القرار الإداري ومن ذلك ما جاء في قرار الهيئة العامة في مجلس شورى الدولة المرقم 27/إداري 1990 في 11/11/1990 (.. القاضي بإعادة الأوراق إلى السلطة المالية لإعادة النظر في الموضوع وإصدار القرار اللازم وتبليغه حسب الأصول وحيث أن هذا القرار لا يعتبر حاسماً لذلك فأن طلب إلزام المدعى عليهما بتنفيذه لا سند له من القانون وكان ينبغي على وكيل المميز انتظار ما ستقرره السلطة المالية ومن ثم الطعن بما تقرر إن جاء مجحفا بحقوقهم أو مخالفاً للقانون …)(41) .
_______________
1- د. ماجد راغب الحلو، القضاء الإداري، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1999 ، ص303 .
2- د. سعد عصفور و د. محسن خليل ، القضاء الإداري ، منشأة المعارف بالإسكندرية ، بدون سنة طبع ، 392 .
3- د. ماهر صالح علاوي الجبوري ، مفهوم القرار الإداري في أحكام القضاء الإداري في العراق ، مجلة العدالة ، العدد الأول ، سنة 1999 ، ص80 .
4- د. القطب محمد طلبة، العمل القضائي في القانون المقارن والجهات ذات الاختصاص القضائي في مصر، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي، 1965، ص6.
5- د. محمد انس قاسم جعفر، الوسيط في القانون العام، القضاء الإداري، دار النهضة العربية ،القاهرة ، 1983 ، ص310 .
6- هناك معياران في تميز القرارات الإدارية عن العمل التشريعي، الأول معيار شكلي ويقوم على الاعتداد بالهيئة التي تصدر العمل دون النظر إلى موضوع العمل وبالتالي فالعمل التشريعي هو العمل الذي يصدر عن السلطة التشريعية وهكذا بالنسبة للعمل الإداري والقضائي ويتزعم هذا المذهب الفقيه كاري دي بالبرج. أما المعيار الثاني فهو المعيار الموضوعي ويقوم على الاعتداد بطبيعة العمل ذاته دون إعطاء أي قيمة للقائم بهذا العمل ويتزعم ديجي هذا المذهب.
7- د. محمد علي آل يأسين، القانون الإداري، المكتبة الحديثة، بيروت، 1973، ص291.
8- د. سعاد الشرقاوي، المنازعات الإدارية، دار النهضة العربية، القاهرة، 1976 ، ص153 .
9- د. ماهر صالح علاوي ، القرار الإداري ، مصدر سابق ، ص23-24 .
10- د. ماجد راغب الحلو ، مصدر سابق ، ص309 .
11- د. عبد الحميد كمال حشيش ، مبادئ القضاء الإداري ، المجلد الأول ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1977 ، ص101 .
12- د. محمد الشافعي أبو راس، القضاء الإداري، مكتبة النصر بالزقازيق، القاهرة، بدون سنة طبع ، ص204 .
13- د. محمود عاطف البنا ، القضاء الإداري ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 1978 ، ص31-32 .
14- مصدر سابق ، ص30 .
15- د. سليمان الطماوي، القضاء الإداري ورقابة الأعمال القضائية، مطبعة الاعتماد، 1955 ، ص150-151.
16- ولمزيد من التفاصيل يراجع د. سليمان الطماوي، القضاء الإداري ، مصدر سابق، ص367 وما بعدها ود. قطب محمد طلبة، العمل القضائي في القانون المقارن والجهات ذات الاختصاص القضائي في مصر، الطبعة الأولى، دار الفكر العربي، 1965، ص99 وما بعدها و د. ماجد راغب الحلو، مصدر سابق، ص311-312.
17- د. فؤاد العطار، دراسة مقارنة لأصول رقابة القضاء وعلى أعمال الإدارة وعمالها ومدى تطبيقها على القانون الوضعي، بدون مكان طبع، بدون سنة طبع، ص505.
18- د. ماهر صالح علاوي، القرار الإداري، دار الحكمة للطباعة والنشر، بغداد، 1991، ص24.
19- قرار محكمة القضاء الإداري العدد 27/2001 في 2/5/2000 منشور في مجلة العدالة، العدد الأول، 2002، ص92.
20- فتوى مجلس شورى الدولة رقم 9 / 2000 في 23/2/2000 المنشورة في مجلة العدالة ، العدد الأول ، 2001، ص145
21- د. السيد خليل هيكل ، رقابة القضاء الإداري على أعمال الإدارة ، دراسة مقارنة ، بدون مكان طبع ، بدون سنة طبع ، ص302 – 303 .
22- د .فؤاد العطار، مصدر سابق ، ص517-518 .
23- د. حمدي يأسين عكاشة، القرار الإداري في قضاء مجلس الدولة، منشأة المعارف، الإسكندرية، 1987 ، ص22 .
24- د. محسن خليل، قضاء الإلغاء، دار المطبوعات الجامعية، الإسكندرية، 1989 ، من 207 .
25- حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بغزو عسكري للأراضي العراقية وإسقاط النظام السياسي فيه في 9/4/2003 ووقع العراق تحت الاحتلال العسكري الفعلي وقد رفضت هاتان الدولتان في البدء الاعتراف بكونهما دولتا احتلال إلى تاريخ 8/5/2003 حيث بعثتا برسالة ومن خلال ممثليهما الدائمين في مجلس الأمن برسالة إلى رئيس هذا الأخير أقرتا فيها بكونهما دولتا احتلال وقد صدر على اثر ذلك قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1483 في جلسته رقم 3761 المعقودة في 22/أيار / مايو 2003 والذي حدد كل من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية بكونهما دولتا احتلال وسلم لها بالصلاحيات والمسؤوليات والالتزامات المحددة بموجب القانون الدولي المطبق على هاتين الدولتين بوصفهما دولتين قائمتين بالاحتلال تحت قيادة موحدة تسمى (السلطة) وقد قامت إدارة الاحتلال بتعيين حاكم مدني أمريكي لإدارة شؤون البلاد في هذه الفترة والذي جمع بيده السلطة التنفيذية والتشريعية بل وحتى القضائية في بعض الأحيان ، وقد انتهت حالة الاحتلال من الناحية القانونية في 30/6/2004 بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1511 وحلت إدارة الاحتلال وتسلمت إدارة شؤون البلد حكومة عراقية مؤقتة .
26- قرار مجلس الانضباط العام المرقم 46/2003 والصادر في 25 /12/2003 غير منشور
27- د. محمد رفعت عبد الوهاب ، و د. احمد عبد الرحمن شرف الدين ، القضاء الإداري ، المكتب العربي للطباعة ، الإسكندرية ، 1988 ، ص414 .
28- Louis Roland , op. Cit , p.340
29- د. غازي فيصل مهدي، الحدود القانونية لسلطات محكمة القضاء الإداري في العراق، مجلة العدالة، العدد الثاني،2001،ص29
30- أوردته نعم احمد محمد ، القرارات التنظيمية في مجال الضبط الإداري ورقابة القضاء عليها ، دراسة مقارنة ، رسالة دكتوراه مقدمة إلى كلية القانون ، جامعة الموصل ، 2003 ، ص83 .
31- قرار مجلس الانضباط العام المرقم 49 / 2003 والصادر في 28/12/2003 غير منشور .
32- د. محمد السناري ، التطورات الحديثة للطعن بالإلغاء في عقود الإدارة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1994 ، ص35 .
33- مصطفى مرعي بك ، القرارات الإدارية ، مجلة مجلس الدولة ، السنة الثانية ، 1951 ، ص605 .
34- د. ماهر صالح علاوي ، مفهوم القرار الإداري في أحكام القضاء الإداري في العراق ، ص81.
35- يرى الدكتور سليمان الطماوي انه من المستحسن الاستعانة عن كلمة النهائية بكلمة (التنفيذية) وذلك لأن القرار قد يكون نهائياً بالنسبة لجهة معينة ولكنه ليس قابلاً للتنفيذ د. سليمان محمد الطماوي، الكتاب الأول، قضاء الإلغاء، دار الفكر العربي، القاهرة، 1986. ص433 .
36- د. سامي جمال الدين ، المنازعات الإدارية ، 175 نقلاً عن د. عمر محمد الشويكي ، القضاء الإداري ، دراسة مقارنة ، الطبعة الأولى ، مكتبة دار الثقافة للنشر والتوزيع ، 2001 ، ص199 .
37- د. فؤاد العطار، دراسة مقارنة لأصول رقابة القضاء وعلى أعمال الإدارة وعمالها ومدى تطبيقها على القانون الوضعي، بدون مكان طبع، بدون سنة طبع ، ص522 .
38- يرى الدكتور ماهر صالح علاوي ومعه الدكتور غازي فيصل مهدي أن وصف القرار الإداري بأوصاف مثل (النهائي) أو (البات) لا تضيف شيئاً للقرار الإداري حيث أن وصف القرار الإداري لا يطلق إلا على العمل الذي اكتملت مراحل إصداره وأصبح قابلاً لإنتاج آثاره حالاً ومباشرة أما الأعمال التمهيدية التي تسبق اتخاذ القرار أو تمهد له فلا تعد قرارات إدارية ولا يمكن الطعن بها أمام القضاء الإداري . انظر في ذلك د. ماهر صالح علاوي ، مفهوم القرار الإداري ، في أحكام القضاء الإداري في العراق ، مصدر سابق ، ص74 وكذلك د. غازي فيصل مهدي ، الحدود القانونية لسلطات محكمة القضاء الإداري في العراق ، مصدر سابق ، ص78 .
39- أورده د. صالح ابراهيم احمد المتيوتي ، شروط الطعن امام محكمة القضاء الاداري في العراق، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون ، جامعة بغداد ، 1994 ، ص26 .
40- أورده صالح ابراهيم احمد المتيوتي ، شروط الطعن امام محكمة القضاء الاداري في العراق، رسالة ماجستير مقدمة الى كلية القانون ، جامعة بغداد ، 1994 ، ص26 .
41- أورده خالد عبد النبي عزوز ، دور القضاء الإداري في الرقابة على أعمال الإدارة ، دراسة مقارنة ، وهو بحث مقدم كجزء من متطلبات الترقية إلى الصنف الأول من القضاء ، جامعة بغداد ، 1991 ، ص136 .
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|