(رابعاً) لمحه تاريخية عن محاسبة التكاليف في المصرف : 

أ) لم تكن المصارف حتى منتصف الستينات، قد تنبهت بعد، إلى أهمية الرقابة على تكلفة العمليات، وحساب تكلفة المنتجات والخدمات وتسعيرها . وكانت قرارات التسعير تستند إما إلى قرارات المصارف المركزية أو إلى ما يتبلور في حلبة المنافسة. غير أن أول باعث على الاهتمام بدراسة التكاليف والعمل على خفضها كان التضخم الكبير في الأسعار وإنعكاساته على تكلفة العمليات والمنتجات والخدمات، وبالتالي توجه المصارف بشكل متزايد نحو رقابة المصروفات، واستعمال تكنولوجيا المعلومات لهذا الغرض. كما لعب "التحرير" من الرقابة (Deregulation) دوراً مهماً في تحمل المصارف مسؤولياتها في مجال تسعير منتجاتها وخدماتها.

ب) على الرغم من أن تكنولوجيا المعلومات قد أدت إلى زيادة التكاليف، إلا أنها أسهمت كذلك، في تحقيق الكفاية في معالجة البيانات التي تعاظم حجمها بسبب العمليات المصرفية المعقدة والمتزايدة. لقد أدى استخدام تكنولوجيا المعلومات المعاصرة، إلى تغيير الهياكل العامة في المصرف، فيما يتعلق بالموارد البشرية، ومهاراتها، وتكاليفها، لانه لم تعد تلك الموارد رخيصة التكلفة. وكانت هناك توجهات واضحة، ومسيرة عامة، نحو إحلال تكنولوجيا المعلومات محل الإنسان في العمليات المصرفية لغرض إختزال الموارد البشرية وخفض تكاليفها.

ج ) مع ذلك، فإن محاسبة التكاليف في المصرف ما تزال في مراحلها الأولى، قياساً بما تحقق في هذا الخصوص، من محاسبة التكاليف في المنشأت الصناعية. وما زال عدد المصارف العربية، الذي يطبق نظم محاسبة التكاليف، ليس كبيراً، ويبقى تطبيق نظم محاسبة التكاليف سمة للمصارف الكبيرة والمعاصرة.

د ) تساعد محاسبة التكاليف الإدارات المصرفية على تحسين ربحية المصرف، وبالتالي تحقيق هدف تحقيق العائد الأعلى من أموال المالكين، إلى جانب رفع مستوى الخدمة المصرفية المقدمة للعملاء. وليست محاسبة التكاليف معزولة عن المحاسبة المالية، بل هي إمتداد لها. فقائمة الدخل لا تعكس تبويب المصروفات، حسب إدارات أو فروع المصرف، أو أنشطته الأساسية في مجالات تجهيز الأموال واستخداماتها، بل تعني بالإجماليات التكاليفة على صعيد المصرف ككل. لذلك، يبقى من المهم إيجاد نظام يمكن بموجبه حساب تكلفة الوحدة الواحدة من المنتجات والخدمات المصرفية (مثلاً، صرف شيك، أو منح قرض ...). مما يساعد على تحديد أسعار ورسوم المنتجات  والخدمات المصرفية، وفي مختلف إدارات المصرف.

هـ) تزايدت أهمية محاسبة التكاليف في المصرف المعاصر بسبب الكثير من المتغيرات التي منها، على سبيل المثال، ما يأتي:

(1) تناقض "الفوارق" (Spreads) بين تكلفة تجهيز الأموال والعائد من استخداماتها.

(2) المنافسة للحصول على الودائع، مما يتطلب القيام بالتسعير المناسب للخدمات المصرفية.

(3) الإنتشار الواسع للخدمات المصرفية غير المستندة إلى الأموال، (او المستندة للرسوم).

(4) تطوير نظم التحويل الالكتروني للأموال.

(5) الاتجاه نحو الودائع الجارية (تحت الطلب) ذات الفائدة.

(و) تحقق محاسبة التكاليف في المصرف العديد من الإيجابيات، من أهمها ما يأتي :

1) تحديد أهداف واضحة "لمراكز التكلفة" في عملية وضع الموازنة، ثم متابعة تلك الأهداف لغرض تقييم الأداء دورياً.

(2) إعداد البيانات اللازمة لتحسين المنتجات والخدمات ، وتسعيرها والمساعدة على تحديد الأنشطة التسويقية التي تنطلق من حسابات التكلفة.

(3) تشجيع العمل بنظم الرقابة العملياتية، مثل رقابة إنتاجية العاملين، وتشخيص مشكلات تدفق العمل وتحسين إدارة مراكز تقديم المنتجات والخدمات.

(4) تشخيص المشكلات المحتملة عند إجراء الرقابة الداخلية لغرض معالجتها دورياً.

(5) وضع إطار شامل للعلاقات المترابطة بين إدارات المصرف، وتوعية المدراء بأهمية القرارات التي يتخذونها، وآثار بعضها على البعض، وعلى مراكز التكلفة في المصرف، حتى لا يكون رفع الكفاية في مركز تكلفة ما على حساب زيادة التكلفة، وخفض الكفاية، في مركز تكلفة آخر.  

(6) حساب التكلفة الصافية للنشاط لغرض حساب العائد من الأموال، ومن حقوق الملكية.

(7) حساب ربحية العميل المصرفي من كل تعاملاته مع المصرف.

(8) حساب تكلفة الوحدة الواحدة من المنتجات والخدمات.

(ز) يمكن رقابة مراكز التكلفة"، وكذلك مراكز الإيراد" و"مراكز الربح" و "مراكز الإستثمار"، من خلال تحديد المسؤولية عنها، والتي تأخذ شكل مراكز المسؤولية. تعرف "مركز المسؤولية Responsibility Center على أنه ذلك النشاط الذي يصبح المدير فيه مسؤولاً عن حسن أداء الفعاليات أو الأنشطة بعهدته يمكن أن يكون مركز المسؤولية متخصصاً بالتكلفة أو الإيراد أو الربح، أو الإستثمار، حسب سعة مسؤولياته المتدرجة في هيكل المصرف، وحسب سياسة المصرف في رقابة الأداء ، وتوفير قاعدة البيانات اللازمة لتحقيق ذلك.