أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-05-23
759
التاريخ: 29/11/2022
2423
التاريخ: 2023-05-28
1057
التاريخ: 2024-07-03
528
|
زياد بن المنذر أبو الجارود (1):
تقدّم الكلام مختصراً حول وثاقة أبي الجارود في موضع سابق (2)، وهذا تفصيل الكلام فيها:
إنّ عمدة ما استدل به لوثاقته وجهان:
الوجه الأول: أنّ الشيخ المفيد (قدّس سرّه) قد ذكر في رسالته العددية جمعاً من رواة الأحاديث الدالة على أنّ شهر رمضان يصيبه النقص والكمال، ومنهم أبو الجارود، وقال في حقهم (3): إنّهم من فقهاء أصحاب الأئمة، الأعلام الرؤساء، المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والأحكام، الذين لا يطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم وهم أصحاب الأصول المدونة والمصنّفات المشهورة.
وهذه العبارة تدل على وثاقة الرجل، بل ما يفوق مرتبة الوثاقة، ولا يعارض ذلك بما ورد في بعض الروايات (4) من عّده من الكذّابين لعدم تماميتها سنداً.
ولكن تقدم في موضع آخر (5) أن ما ذكره المفيد (قدّس سرّه) مبني على ضرب من التغليب والمبالغة، ربّما بغرض إضفاء مزيد من الاعتبار على الروايات المشار إليها في مقابل قليل من الروايات الدالة على القول بالعدد تأكيداً على بطلان هذا القول، فإنّ بطلانه وإن أصبح في العصور الأخيرة من الواضحات إلا أنّه لم يكن كذلك في ذلك العصر، إذ كان يذهب إليه عدد من أكابر علماء الطائفة ومنهم المفيد نفسه قبل أن يعدل عنه، فكانت هناك حاجة إلى التمسك بكل وجه لبيان بطلانه وعدم صحة نسبته إلى أئمة أهل البيت (عليهم السلام).
والوجه في تعيّن حمل كلامه على ضرب من التغليب والمبالغة هو أنّ في الجمع الذين ذكرهم - وهم عدد معتد به ـ من هو مرمي بالضعف والغلو، ومن نصّوا على كونه مجهولاً أو مخلّطاً، ومن لا ذكر له في شيء من المصادر، وَمن هو مِن أصحاب المذاهب الباطلة كأبي الجارود المبحوث عنه، فإنّه زيدي بل إليه تنسب إحدى فرق الزيديّة وهي الجاروديّة والسرحوبيّة وفيهم من ليس صاحب كتاب، فلا يمكن أن يوصف الجمع المشار إليهم كلهم بالأوصاف المذكورة في كلامه (قدّس سرّه).
بالإضافة إلى أنّ من البعيد جداً أن يكون جميع من وصلت إليه (قدّس سرّه) نقل رواياتهم في أنّ شهر رمضان يصيبه النقص قد اتصفوا بتلك الصفات العالية وحازوا تلك المزايا العظيمة التي قل من اتصف بها وحازها من أصحاب الأئمة (عليهم السلام)، في حين أنّ مقتضى العادة التي لم نجد تخلّفاً عنها في شيء من الموارد أن يكون حال هذه المسألة حال سائر المسائل التي روى حكمها عن الأئمة (عليهم السلام) الثقة وغيره وصحيح المذهب وغيره والفقيه وغيره وصاحب الكتاب وغيره، وقد وصلت إلى المتأخّرين نماذج من روايات الجميع أو الأكثر.
وأمّا افتراض أنّه (قدّس سرّه) قد انتقى روايات أولئك الأشخاص من مجموعة ما وصلت إليه من الروايات المروية بشأن نقصان شهر رمضان فهو مستبعد تماماً، وإلا لكان لها تميّز من حيث الرواة عن بقيّة الروايات الواردة في هذا الموضوع مع أنّه لا تميز لها أصلاً.
وقد ذكرنا في محله أنّ من أوضح الشواهد على بطلان ما قيل من وثاقة جميع رواة كامل الزيارات هو أنّه لا تميّز لرواته عن رواة سائر الروايات الواردة في الزيارات، ولو كان ابن قولويه (قدّس سرّه) قد اختار لكتابه خصوص روايات الثقات لتميّزوا عنهم من هذه الجهة.
والحاصل: أنّه يصعب جداً البناء على وثاقة من لم تثبت وثاقته من طريق آخر لمجرد ورود اسمه في العبارة المشار إليها للشيخ المفيد (قدّس سرّه) ومنهم أبو الجارود، ولا سيما مع عدم اتصافه ببعض ما ذكره من الصفات يقيناً، ككونه من (الذين لا يطعن عليهم)، و(لا طريق إلى ذم واحد منهم)، إذ لا ريب في كونه مطعوناً عليه في مذهبه، مذموماً بعد تغيره وترؤسه لفرقة من الزيديّة.
فالنتيجة: أنّ هذا الوجه لا يمكن الاعتماد عليه في البناء على وثاقة الرجل.
وتجدر الإشارة إلى أنّ المذكور في كلام المفيد (قدّس سرّه) كما في سند الرواية المبحوث عنها عنوان (أبي الجارود)، وهو كنية زياد بن المنذر كما تقدّم، وقد نصّ على ذلك علماء الرجال من الفريقين وورد في أسانيد العديد من الروايات.
ومن الغريب جداً ما ذكره المحدّث النوري (6) من أنّ أبا الجارود كنية لفضيل بن الزبير الرسان، مستنداً في ذلك إلى عبارة وردت في نسخته من فرق الشيعة للنوبختي، والعبارة هكذا: (وفرقة قالت: إنّ الإمامة صارت بعد مضي الحسين له في ولد الحسن والحسين لها، فهي فيهم خاصّة دون سائر ولد علي بن أبي طالب، وهم كلهم فيها شرع سواء من قام منهم ودعا لنفسه فهو الإمام المفروض الطاعة.. وهم الذين سمّوا السرحوبيّة وأصحاب أبي خالد الواسطيّ واسمه يزيد، وأصحاب فضيل بن الزبير الرسان وهو الذي يسمّى أبا الجارود، ولقبه سرحوباً محمد بن علي بن الحسين بن علي، وذكر أنّ سرحوباً شيطان أعمى يسكن البحر، وكان أبو الجارود أعمى البصر أعمى القلب).
ولكن في هذه العبارة سقط، والصحيح هكذا (7): (وأصحاب فضيل بن الزبير الرسان وأصحاب زياد بن المنذر وهو الذي يسمّى أبا الجارود) إلا أنّ المحدّث النوري الذي لم يلتفت إلى ذلك تخيّل أنّ ما بنى عليه من كون أبي الجارود لقباً لفضيل بن الزبير دقيقة انفرد بالتنبه لها وبني على ذلك أموراً غير صحيحة، والله العاصم.
الوجه الثاني: قول ابن الغضائري (8) بشأنه: (حديثه في حديث أصحابنا أكثر منه في الزيديّة وأصحابنا يكرهون ما رواه محمد بن سنان عنه، ويعتمدون ما رواه محمد بن بكر الأرحبي).
ومبنى الاستدلال به هو أنّه لولا وثاقة أبي الجارود لم يكن وجه لتفريق الأصحاب بين ما يرويه عنه ابن سنان وما يرويه عنه الأرحبي، فإنّ غير الثقة لا يؤخذ بحديثه على كل حال فالتفريق المذكور دليل على أنّه كان في نفسه ثقة مقبول الرواية، ولكن لمّا كان محمد بن سنان غير موثّق أو أنّ روايته عنه كانت على سبيل الوجادة - كما مرّ - لم يعتمد الأصحاب على ما كان ينقله عنه محمد بن سنان، بخلاف ما كان ينقله الأرحبي.
والملاحظ أنّ هذا الاستدلال لا يتم عند من لم تثبت لديه وثاقة ابن الغضائري - كالعلّامة المجلسيّ الأول (9) - كما لا يتم عند من لم تثبت لديه صحة انتساب الكتاب المعروف إليه - كالسيد الأستاذ (قدّس سرّه) - وأما من لا يأخذ بتضعيفات ابن الغضائري بدعوى تسرّعه في القدح فمن الظاهر أنّه لا يمانع من الأخذ بتوثيقاته.
والمختار ـ كما مرّ مراراً - ثبوت وثاقة الرجل، وصحة انتساب الكتاب إليه، وقد استوفينا البحث عن ذلك في موضع آخر فليراجع (10) ومهما يكن، فإنّه يمكن الخدش في دلالة الكلام المذكور على وثاقة أبي الجارود من جهتين:
الأولى: أنّه ليس مقتضى اعتماد الأصحاب على ما رواه الأرحبي عن أبي الجارود هو أنّه كان ثقة، بل أقصى ما يدل عليه هو أنّه لم يكن من الكذّابين الذين لا يعتد برواياتهم أصلاً، فإنّه كثيراً ما لا يكون الراوي ثابت الوثاقة ولكن لا تترك رواياته بل تروى وتكتب؛ لأنّها تصلح أن تكون شاهداً أو أنّها مع غيرها توجب الوثوق.
ومن هنا نجد أنّ بعض علماء الرجال كابن الغضائري يفرّق بين المطعونين، فقد ذكر بشأن جمع منهم أنّه لا يكتب حديثه أو أنّه متروك الحديث أو أنّه لا يلتفت إلى ما رواه كالحسن بن العباس بن الحريش، ومحمد بن فرات، ومحمد بن جمهور، ومحمد بن علي أبي سمينة، وجعفر بن محمد بن مالك، وإسحاق الأحمر وغيرهم، وذكر بشأن جمع آخر أنّه يجوز أن يخرج حديثه شاهداً كإسحاق بن عبد العزيز وإسماعيل بن مهران والربيع بن سليمان وسهيل بن زياد وغيرهم.
إن قيل: ولكن أليس ظاهر قوله: (يكرهون ما رواه.. ويعتمدون ما رواه) هو أنّ أحاديث أبي الجارود المرويّة عن طريق الأول غير معتمدة بخلاف أحاديثه المروية عن طريق الثاني، ومقتضى ذلك كونه معتمد الرواية لكي يفرّق بين القسمين من رواياته؟
قلت: بل ظاهر الكلام المذكور هو عدم الاعتماد على ما رواه الأول في كونه من أحاديث أبي الجارود بخلاف ما رواه الثاني، فلا دلالة فيه على كون أبي الجارود معتمد الرواية في حد ذاته.
وبالجملة: إذا قيل: (يعتمد على ما يرويه زيد عن عمرو دون ما يرويه خالد عنه) لا يعني سوی أنّه يعتمد على نقل زيد في التعرّف على الأحاديث التي رواها عمرو، ولا يعتمد على نقل خالد في ذلك، ولا ذلك يعني بوجه كون أحاديث عمرو معتبرة ليستفاد من ذلك أنّه رجل ثقة.
الثانية: أنّه كما يحتمل أن يكون التفريق بين ما رواه ابن سنان عن أبي الجارود وما رواه الأرحبيّ عنه هو بلحاظ وثاقة الأرحبيّ وعدم وثاقة ابن سنان أو كون رواية الأرحبيّ بالسماع أو نحوه ورواية ابن سنان بالوجادة أو نحوها مع كون أبي الجارود في نفسه ثقة مقبول الرواية، كذلك يحتمل أن يكون التفريق بينهما من جهة اختلاف حال أبي الجارود، فإنّه كان من أصحاب الباقر (عليه السلام) ثم تغيّر لمّا خرج زيد كما ذكر ذلك النجاشي (11)، والملاحظ أنّ الأرحبيّ من الطبقة الخامسة وابن سنان من السادسة، فيجوز أن يكون الأرحبيّ قد تلقّى الحديث من أبي الجارود قبل تغيّره بخلاف ابن سنان الذي لم يكن تلقّيه للحديث منه ـ على تقدير لقائه له ـ إلا بعد ذلك. وعلى هذا يجب التفريق في روايات أبي الجارود بين ما كان قبل تغيّره برواية الطبقة الخامسة عنه وما كان بعد تغيّره برواية الطبقة السادسة عنه.
ومن الأول ما رواه عنه الأرحبيّ - وهو قليل في المصادر الموجودة بأيدينا (12) وكذلك ما رواه إبراهيم بن عبد الحميد وأبان بن عثمان وعبد الله بن مسكان وربعي بن عبد الله وعبد الله بن سنان وآخرون.
ومن الثاني ما رواه محمد بن سنان - حسب الفرض - ونفر آخر كعلي بن النعمان وعلي بن إسماعيل الميثمي كما ورد في بعض المواضع.
وحيث إنّ عبد الله بن المغيرة من الطبقة السادسة كما تقدّم آنفاً، فلا يعتمد على ما رواه عن أبي الجارود - كالرواية المبحوث عنها ـ لأنّه ممّا تلقّاه عنه بعد تغيّره وانحرافه والمفروض أنّه يحتمل أن يكون المراد من التفريق المذكور في عبارة ابن الغضائري هو التفريق فيما روي عن أبي الجارود بين ما روته عنه الطبقة الخامسة فيعتمد عليه لأنّها أخذت منه قبل تغيّره وبين ما كان من روايات الطبقة السادسة فلا يعتمد عليه لأنّها كانت مأخوذة منه بعد تغيّره.
ولكن هذا الكلام ليس بواضح، فإنّ شهادة زيد بن علي كانت في عام (122 هـ) أو قبل ذلك، والأرحبي قد مات سنة (171 هـ) وله سبع وسبعون سنة، كما نصّ على ذلك الشيخ (13)، فيستبعد أن تكون رواية الأرحبيّ عن أبي الجارود في أوان شبابه خاصة قبل تغيّر الأخير، ولا سيما مع عدم ظهور كونه ـ أي الأرحبي ـ متحقّقاً بمذهبنا، بل قد يشهد اعتماد أحمد بن عيسى ـ وهو من أئمة الزيديّة - على رواياته وانتشار حديثه من هذا الطريق بين الزيديّة على كونه زيديّاً.
وبالجملة: احتمال أن يكون تغيّر حال أبي الجارود هو الوجه في التفريق المذكور في كلام ابن الغضائري لا يخلو من ضعف بل الأقرب أن يكون بلحاظ الخلل في رواية ابن سنان عنه إما لعدم وثاقته أو لكون رواياته عنه بالوجادة.
ومهما يكن فقد ظهر بما تقدّم أن كلام ابن الغضائري لا يصلح دليلاً على وثاقة أبي الجارود.
وأمّا الاستدلال لوثاقته برواية ابن أبي عمير وصفوان عنه، أو بورود اسمه في أسانيد كامل الزيارات أو تفسير القمي فمردود:
أمّا الأول فللخدش في الصغرى، حيث تقدّم (14) أنّه لم تثبت رواية ابن أبي عمير وصفوان عن أبي الجارود بلا واسطة.
وأمّا الثاني فللخدش في الكبرى لما مرّ مراراً من أنّ ورود اسم شخص في أسانيد الكامل أو في تفسير القمي لا يدل على وثاقته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحوث في شرح مناسك الحج ج: 18 ص: 434.
(2) يلاحظ ج:1 ص: 256.
(3) جوابات أهل الموصل ص: 25.
(4) اختيار معرفة الرجال ج:2 ص: 496.
(5) لاحظ ج: 13 (مخطوط)، ويوجد في قبسات من علم الرجال ج:1 ص: 25.
(6) لاحظ فرق الشيعة ص: 48. وقد حكاه عنه في تهذيب الكمال ج:9 ص: 519.
(7) مستدرك وسائل الشيعة (الخاتمة) ج: 5 ص: 416-417.
(8) رجال ابن الغضائري ص: 61.
(9) لاحظ روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه ج:1 ص: 95.
(10) لاحظ ج 2 ص: 79 وما بعدها.
(11) رجال النجاشي ص: 170.
(12) لاحظ الكافي ج 2 ص : 457، 624 ، وأمالي أحمد بن عيسى ج:1 ص:37، ومقاتل الطالبيّين ص:10، وتاريخ دمشق ج: 33 ص210.
(13) رجال الطوسيّ ص: 278.
(14) لاحظ ج1 ص 63؛ وما سيأتي في ص 475.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|