أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-11-2021
2177
التاريخ: 24-6-2019
1606
التاريخ: 6-10-2016
2035
التاريخ: 6-10-2016
2175
|
ومنها: المداهنة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأشدّ منه الأمر بالمنكر والنهي عن العروف، والغالب حدوث الأول من ضعف النفس وصغرها، وربما كان باعثه وهو الغالب في الثاني الطمع ممّن يسامح به أو يؤثر بضدّ الواجب إذا علم شوقه إليه، أو الغضب والحسد والحقد على شخص خاص فيسامح في ردع من يغتابه أو يؤذيه مع تمكّنه منه أو بحثّه عليه وهي من المفاسد العامة البلوى الساري أثرها وضرّها إلى جلّ البرايا، ولذا ترى الشرائع مضمحلّة والنبوّة متعطّلة وأحكام الدين ضائعة، والضلالة شائعة والجهالة ذائعة، ورسوم الهداية مندرسة، وآثار الشرع منطمسة، ولأجله خربت البلاد وشاع الفسق والفجور بين العباد، والمنشأ في الحقيقة لفساد حال الرعية فساد حال السلاطين، والباعث له فساد حال العلماء المتردّدي إليهم وخبث طينتهم والطمع في حطامهم، وإن قرع سمعك أنّ في بعض الأزمنة السالفة نهض بعض الأمراء والحكّام بإقامة هذه السنّة في الرعية وردعهم عمّا شاع بينهم منهم المنكرات التي هي رأس كل رزيّة وبلية أو بعض العلماء الذين حصل لهم بسط يد في بعض الأيام ولم تكُ تأخذهم في الله لومة لائم من الأنام فقد سمعت أيضاً أنّه صار سبباً لانحرافهم عن السيّئات وميلهم إلى الخيرات والطاعات، وانفتحت عليهم بسببه أبواب البركات من الأرضين والسماوات، وأمّا في هذه الأيام وما شابهها من الأوقات فقد استرسلوا لتركها والمداهنة فيها في أودية الشهوات وخاضوا بسببه في لجج الهوى، فانمحت أعلام الهدى وانسدّت أبواب التقى واندرس علمه وعمله ولم يبقَ بينهم اسمه ولا رسمه فهم في بيداء الضلالة حيارى وفي أيدي الأبالسة أسارى.
وما ورد في ذمّ ذلك من الآيات والأخبار لا تكاد تحصى.
قال الله تعالى: {لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 63].
وقيل للنبي صلى الله عليه وآله: «أتُهلَك القرية وفيها الصالحون؟ قال: نعم، قيل: بِمَ يا رسول الله؟ قال: سكوتهم وتهاونهم عن المعاصي» (1).
وقال صلى الله عليه وآله: «لتأمرنّ بالمعروف ولتنهنّ عن المنكر أو ليسلطنّ الله عليكم شراركم فيدعو خياركم فلا يستجاب لهم» (2).
وقال صلى الله عليه وآله: «إنّ الله لا يعذّب الخاصّة بذنوب العامّة حتّى يظهر المنكر بين أظهرهم وهم قادرون على أن ينكروا فلا ينكرونه» (3).
وقال: «من ترك إنكار المنكر بقلبه ويده ولسانه فهو ميّت بين الأحياء» (4).
وقال الباقر عليهالسلام: «أوحى الله إلى شعيب النبي أنّي معذّب من قومك مائة ألف، أربعين ألفاً من شرارهم وستّين ألفاً من خيارهم، فقال: ياربّ هؤلاء الأشرار فما بال الأخيار؟! فأوحى الله إليه: داهنوا أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي» (5).
وفي الأخبار النبوية: «انّ أمتّي إذا تهاونوا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليأذنوا بحرب من الله ورسوله» (6).
وورد في الأخبار المنع من حضور مجالس المنكر، فإنّ اللعنة تعمّ من فيها.
ولذا اختار جمع من السلف العزلة حذراً عن مشاهدة المنكرات مع عجزهم عن تغييرها، وإذا كانت المداهنة في ذلك بهذه المثابة فما حال الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف.
قال النبي صلى الله عليه وآله: «كيف بكم إذا فسدت نساؤكم وفسق شبّانكم فلم يؤمروا بمعروف ولم ينهوا عن منكر، فقيل: ويكون ذلك؟ قال: نعم، وشرّ من ذلك، قيل: وكيف ذاك يا رسول الله؟ قال: كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف، فقيل: ويكون ذلك؟ قال: نعم وشرّ منه، [قيل: كيف ذاك يا رسول الله؟ قال:] (7) كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً، وعند ذلك يبتلى الناس بفتنة يصير الحليم فيها حيران» (8).
ومن تتبّع السير والتواريخ والأخبار المشتملة على حكايات الأمم الماضية علم أنّ العقوبات العظيمة الأخرويّة والدنيويّة السماويّة والأرضيّة من القحط والغلاء والطاعون والوباء وحبس المياه والأمطار وتسلّط الظلمة والأشرار بالقتل والنهب والأسر وحدوث الصواعق والزلازل إنّما نزلت عليهم لتركهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكيف يؤاخذ الله غير العاصي بالعاصي، وسيجيئ مزيد تحقيق لهذا الأصل وسائر الأصول الماضية في المقام الثاني إن شاء الله تعالى.
ختام:
الهجرة والاعتزال عن الناس ليس بمذموم مطلقاً، بل من كلام الأخلاق كما عرفت، وأمّا الاعتزال عن شخص معيّن للحقد أو الحسد أو الغضب فهي من رذائل الملكات، وما دلّ على ذمّه كثير.
فعن النبي صلى الله عليه وآله: «أيّما مسلمَينِ تهاجرا فمكثا ثلاثاً لا يصطلحان الا كانا خارجَينِ عن الإسلام ولم يكن بينهما ولاية...» (9).
وقال: «لا يحلّ لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث...» (10).
وقال الصادق عليهالسلام: «لا يفترق رجلان عن الهجران إلا استوجب أحدهما البراءة واللعنة، وربّما استوجبه كلاهما الحديث...» (11).
وبالجملة: فالأخبار كثيرة فلا بدّ من التأمّل فيها والتذكّر لما ورد في ضدّها من الثواب حتّى يحفظ نفسه عن هذه الخلة الذميمة، ولو حصلت له فليكلّف نفسه بالمبادرة على المسالمة والتألّف حتّى يغلب على الشيطان ويفوز بما يرجوه من الأجر الجزيل والثناء الجميل، والله الموفّق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المحجة البيضاء: 4 / 102، وفيه: «بشهادتهم وسكوتهم عن معاصي الله عزّ وجل».
(2) المحجة البيضاء: 4 / 99، وفي: «ولتنهوُنّ» وهو الصحيح.
(3) المحجة البيضاء: 4 / 100.
(4) المحجة البيضاء: 4 / 105، عن أميرالمؤمنين عليهالسلام.
(5) الكافي: 5 / 56، كتاب الجهاد، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح 1.
(6) راجع الكافي: 5 / 59، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ح 13.
(7) في «ج» فقط.
(8) راجع الكافي: 59، والمحجة البيضاء: 4 / 100، والظاهر أنّ المصنّف ركّب بينهما.
(9) الكافي: 2 / 345، كتاب الإيمان والكفر، باب الهجرة، ح 1.
(10) المحجة البيضاء: 3 / 362.
(11) الكافي: 2 / 344، كتاب الإيمان والكفر، باب الهجرة، ح 1.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|