أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-11-05
135
التاريخ: 21-6-2017
3299
التاريخ: 24-5-2018
3083
التاريخ: 20-6-2017
4194
|
تكونت الجالية الإسلامية في الصين خلال القرن الأول الهجري / السابع الميلادي، مـــــن التجار المسلمين الذين كانوا يترددون عليها أو يستقرون فيها، ومن الدعاة المسلمين الذين توجهوا إليها بهدف الدعوة إلى دينهم، وكذلك من الصينيين الذين دخلوا في الإسلام. وللتعرف على الأوضاع السياسية للمسلمين في الصين لابد من معرفة الأحداث التاريخية المهمة بين الدولة الإسلامية والصين، وما نتج عنها من سياسات للصين تجاه المسلمين المقيمين فيها، كذلك لا بد من الإطلاع على الأوضاع السياسية داخل الصين وانعكاساتها على المسلمين هناك. استطاعت جيوش المسلمين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب السيطرة على بلاد فارس عام 22هـ / 643م (1) ورغب يزد جرد ملك الفرس، بالاستعانة بملك الصين ليقف بجانبه دفاعاً عن بلاده من جيوش المسلمين (2) فأرسل إليه رسولاً، وقد سأل ملك الصين رسول يزدجرد أن يصف له المسلمين وجيوشهم التي فتحت بلاداً واسعة (3). وبعد سماعه لصفاتهم كتب بكتاب إلى يزد جرد يقول فيه، إنه لم يمنعني أن أبعث إليك بجيش أوله بمـــرو وآخــــره بالصين الجهالة بما يحق علي، ولكن هؤلاء القوم ما داموا على ما وصف لي رسولك صفتهم لو يحاربون الجبال لهدوها ولو جئت لنصرك أزالوني ما داموا على ما وصف لي رسولك فسالمهم وارض من المسالمة (4). لقد نصح ملك الصين يزد جرد بأن يكف عن مقاتلة جيوش المسلمين لتقديره واقتناعه بقدرة وقوة الجيوش الإسلامية. فما كان من يزدجرد إلا أن أرسل بكنوزه وأمواله وميراث أبائه إلى ملك الصين طالباً اللجوء عنده، ويزد جرد لما رأى من غلبة العرب بعث بخزائنه وكنوزه إلــــى الصين (5). لقد اتخذ ملك الصين قرار عدم المشاركة مع الفرس في محاربة المسلمين، واكتفى بالسماح ليزدجرد باللجوء إلى بلاده لأن بلاده لا تحتاج لأعداء جدد، فقد كان مشغولاً، بحروب على حدود إمبراطوريته، ولأن بلاد فارس بعيدة ولا خطر يتهدد بلاده من المسلمين(6) وقد هرب الكثير من الفرس مع عائلة كسرى إلى الصين بعد الفتح الإسلامي لبلاد الفرس فقد سمح ملك الصين للاجئين الجدد ببناء معابدهم من أجل ديانتهم وهي المجوسية وقد عرفت الصين حينذاك العديد من الديانات الأجنبية، حيث وجدت فيها بعض الكنائس النصرانية والمعابد البوذية وحظيت بحماية رسمية من ملك الصين وحكومته(7). استمرت الفتوحات الإسلامية تتجه شرقاً نحو الصين فوصلت جيوش الحجاج إلى الهند والسند، ووصلت خيوله أيضاً إلى قريب من بلاد الصين (8). وكان ظهور القائد الفذ قتيبة بن مسلم الباهلي الذي كلفه الحجاج بن يوسف الثقفي بمهمة الوصول إلى تخوم الصين الغربية، وفي عام (88هـ - 707م) حيث استطاع قتيبة أن يحقق نصراً كبيراً على الجيش الصيني وسط آسيا الذي كان تحت إمرة ابن أخت ملك الصين (9). وقد ذكر ابن الجوزي أنه قد عثر في ديوان معاوية بعد موته على كتاب من ملك الصين، فيه من الصين الذي على مربطه فيل وبنيت داره بلبن من ذهب والفضة ويخدمه بنات ألف والذي له نهران يسقيان الألوة إلى معاوية (10). وهذا يعني أنه في الحقبة الأموية كانت هناك علاقات بين الصين ودمشق مركز الخلافة الإسلامية. فمن سياق النص السابق يبدو واضحاً بأن ملك الصين حرص على إظهار عظمة ملكه واتساع ثرائه لخليفة المسلمين آنذاك. ولعل هذا التبادل الرسمي له أثره على نظرة ملك الصين نحو المسلمين عامة والمسلمين الموجودين داخل مملكته. وفي عام (96هـ 715م) غزا المسلمون تحت قيادة قتيبة بن مسلم الصين، ووصلوا إلى مدينة كاشغر (11). وقد طلب ملك الصين من قتيبة أن يرسل وفداً للتفاوض، ولمعرفة المزيد عن الإسلام، (12) فأرسل قتيبة وفداً كبيراً بقيادة هبيرة بن المشمرج (13). وطلب قتيبة من هبيرة بأن يبلغ ملك الصين رسالته وهي: أني قد حلفت ألا أنصرف حتى أطأ بلادهم وأختم ملوكهم وأجبي خراجهم (14). وصل وفد المسلمين المكون من ثلاثمائة رجل وعلى رأسهم هبيرة إلى عاصمة الصين. وعندما دخلوا على ملك الصين، سألهم عن سبب مجيئهم فأخبروه بأن قتيبة بن مسلم يدعوك إلى الإسلام فإن لم تفعل فالجزية فإن لم تفعل فالحرب (15). وقد غضب الملك وأمرهم بالمكوث في دار المدة ثلاثة أيام (16). وفي اليوم الأخير بعث ملك الصين لهبيرة يهدده وأمره بأن يخبر قائده قتيبة بأن: " ينصرف فإني قد عرفت قلة أصحابه وإلا بعثت إليكم من يهلككم (17). فما كان من هبيرة إلا أن رد عليه قائلاً: " تقول لقتيبة هذا فكيف يكون قليل الأصحاب من أول خيله في بلادك وآخرها في منابت الزيتون، وكيف يكون حريصاً من خلف الدنيا قادراً عليها وغزاك في بلادك (18). ويبدو أن مقولة هبيرة كان لها وقع على ملك الصين، حيث طلب من أعوانه العمل على تلبية شروط قتيبة، فأرسل بتراب من الصين لكي يطأه قتيبة ومعه أربع غلمان من أبناء الملوك ليختمهم وكذلك ذهباً وحريراً (19). ويتضح لنا من ذلك مدى حرص ملك الصين على ألا يستفز الجيش الإسلامي بقيادة قتيبة. وأن الملك كان على معرفة جيدة بقدرات المسلمين القادمين من أقصى غرب آسيا ليدقوا بوابات أقصى شرق آسيا حاملين رسالة مقدسة للإنسانية. لقد عرف عن ملوك الصين قديماً الحكمة والحنكة. ويمكن القول هنا بأن ملك الصين استخدم حكمة بلاده المعروفة لتفادي الاصطدام بجيوش المسلمين، ولو كان ذلك على حساب كرامته وكرامة الصين. فإن مثل هذا الإذلال الذي أصاب ملك الصين يقوم مقام الفتح لهذه البلاد أو يزيد (20). ومما يزيد الدهشة والإعجاب في هذا الموقف، تجرؤ جماعة من المسلمين على تهديد الإمبراطورية الصينية القوية التي تعد الشرق بأسره خاصة في تلك الحقبة التاريخية. فلولا إيمان هؤلاء المسلمين وتوكلهم على الله عز وجل، لما ثبتوا أمام ذلك الملك وبلاده العظيمة. وما كان الملك ليذعن لشروطهم لولا ما رأى أمام عينيه من صلابة إيمانهم. يقول أحد المؤرخين الغربيين المعاصرين معقباً على ذلك الموقف التاريخي للرسل المسلمين أمام ملك الصين: " إنه لشيء عجيب أن يرفض هؤلاء الغرباء الفخورون أداء المراسيم الحاصـــة بالصينيين داخل القصر الملكي والتي يطلق عليها مراسم كوتاو (21). إذ أعلن المسلمون حينها أنهم لا يركعون إلا لله (سبحانه وتعالى) وليس لأي عبد على وجه هذه الأرض، فما كان من الملك إلا أن سمح لهم بالحديث بدون مراسم قصره المعتادة ولكن بأمتعاظ. ويشير المؤرخ الغربي إلى حدث شبيه، ولكنه وقع بعد أكثر من ألف عام، عندما حضر وفد بريطاني أمام ملك الصين الذي أصــــر على الوفد أن ينصاع لمراسيم القصر ومنها الركوع أمام الملك، فانصاعوا لأمره وركعوا (22). ويبدو واضحاً بأن موقف وفد المسلمين مخلداً ليس فقط عند المسلمين ومؤرخيهم بل يذكر ويقارن حتى بعد أكثر من ألف عام من قبل مؤرخين غير مسلمين، ويثير مقارنة تاريخية عجيبة. إن عزة الإسلام ليس بعدها عزة، فوفد هبيرة وقف بكل شجاعة وإباء ليعبر عن رسالة واضحة لا شك فيها وهي رسالة العبودية لله وحده. وكذلك في عهد هشام بن عبد الملك بن مروان وصلت جيوش المسلمين إلى أرض الصين ودعا ملكها إلى الإسلام (23). لقد كان للفتوحات الإسلامية في وسط آسيا وقع مؤثر وكبير على حكام الصين، ولابد أن هذه الفتوحات قد أثرت على تعامل هؤلاء الحكام مع المسلمين بوجه عام، ومع التجار المسلمين المقيمين في الصين والذين يتعاملون معها. لقد ركزت جهود الأمويين بعد قتيبة على تثبيت أقدام المسلمين في آسيا الوسطى ونشر الإسلام فيها (24). وآسيا الوسطى تعني من الناحية التاريخية والجغرافية أجزاء من الصين والمناطق الأصلية للشعوب والقبائل التركية (25). مع بداية القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي، سيطرت أسرة التانغ (Tang) على حكم الصين، وأصبحت الصين خلال هذه الحقبة من أعظم الحضارات وأوسعها نفوذاً وثراء. وأسست أسرة تانغ الحاكمة عاصمة لهم باسم "تشانق "آن" (CHANG'AN)، والتي رجح بأنها كانت أكبر مدينة في زمانها. لقد خطط المصممون والمهندسون لهذه المدينة شوارع عظيمة وطويلة تمتد من الشمال إلى الجنوب (26)، فوصل للعاصمة العظيمة تجارا من جميع أ أنحاء العالم وخاصة من غرب آسيا وعاش الكثير من الأجانب والتجار في هذه العاصمة الحيوية من العرب واليونانيين والهنود والفرس واليابانيين (27). كانت العاصمة الإمبراطورية الصينية آنذاك وغيرها من المدن الصينية الكبيرة مزدحمة بالأجانب ومن ضمنهم المسلمين فحكام التانغ كانوا منفتحين على العالم وأبدوا عهدها اهتماما كبيراً بالأجانب والثقافات المتعددة الموجودة في العاصمة أو في مدن أخرى من الصين. فقد كانت حضارة واثقة من نفسها وخاصة في بداية عهدها (28)، ومن المؤكد أن المسلمين قد استفادوا من هذه السياسة المنفتحة. لقد تميزت العلاقات بين السلطة الحاكمة والجاليات الأجنبية ومنها المسلمين بالسهولة والسلاسة (29). وبذلك ازدهرت علاقات الصين مع العديد من الدول الأخرى فزادت النشاطات التجارية، وقدمت السفارات الأجنبية لعاصمة الصين محملة بالهدايا والأفكار الجديدة. فانتعشت حياة الأقليات الأجنبية (30). ويبدو أن الصين اتبعت سياسة حماية الأجانب ومنهم العرب والمسلمين وغيرهم وحسنت معاملتهم لما يحققه ذلك من فائدة تجارية ومكانة مرموقة بين الدول. كانت الصين في تلك الحقبة تخضع لنظام إداري صارم من قبل الحكومة. فكان هناك أكثر من 18.805 موظف حكومي لإدارة البلاد بمعاشات منتظمة مع تعداد سكاني للصين آنذاك وصل لخمسين مليون نسمة (31). وكان على كل فرد بما فيهم الأجانب المقيمين تسجيل وتوثيق أسمائهم في أماكن إقامتهم من خلال موظفي الحكومة، وكان على المقيمين الأجانب تسجيل أسمائهم في مكان إقامتهم وأن يحملوا معهم وثائق سفر خصصت لهم (32). ومن هذه الحقائق المذكورة سابقاً، نستطيع أن نتصور مدى المدنية التي وصلت إليها الصين خلال عصر التانغ (33). وعلى الأرجح أن وجود المسلمين في الصين آنذاك قد خضع لمعاملات رسمية حكومية بالإضافة إلى الترحيب الرسمي بالمسلمين وغير المسلمين وذلك رغبة من قبل الحكومة باستقطاب التجار الأجانب وتأسيس علاقات رسمية مع دول أخرى لما يعود ذلك بالفائدة على الصين نفسها.
..........................................
1- ابن الجوزي، أبو الفرج عبد الرحمن المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، بيروت، دار صادر، ط1، 1358هـ) ، ج2، ص 320؛ ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، (بيروت، مكتبة المعارف) ، ج7، ص129-130.
2- ابن الأثير، محمد بن عبد الواحد، الكامل في التاريخ، (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1)، ج2، ص434.
3- ابن كثير، البداية والنهاية، ج7، ص129.
4- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج2، ص237.
5- المقدسي، مطهر بن طاهر، البدء والتاريخ، القاهرة، مكتبة الثقافة الدينية)، ج5، ص 183.
6- ! Fitzgeraled, C.P., Flood Tide in China, (London: The Crescent Press, 1958), P.324
27- William , Edward, A short History of China, New York, Harper and Brothers, P. 139
8- اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن جعفر العباسي، تاريخ اليعقوبي، بيروت، دار صادر، ج2، ص289؛ ابن كثير، البداية والنهاية، ج 9، ص 119 ابن خياط، خليفة الليثي العصفري أبو عمر ، تاريخ خليفة بن خياط تحقيق أكرم ضياء العمري، (بيروت، دار القلم، ط2، 1379هـ)، ص301 ؛ ابن الأثير ، الكامل في التاريخ، ج4، ص186؛ الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان بن قيماز، العبر في خبر من غبر، تحقيق: صلاح الدين المنجد، (الكويت، مطبعة حكومة الكويت، ط2، 1948م)، ج 1، ص 103؛ ابن كثير، البداية والنهاية، ج9، ص 74 ؛ ابن العماد عبد الحي بن أحمد العكري، شذرات الذهب في أخبار من ذهب (بيروت، دار الكتب العلمية)، ج1، ص 98 .
9- الألوة هي العود الذي يستخدم للبخور، ينظر: ابن منظور، محمد بن مكرم لسان العرب، (بیروت، دار صادر)، ج4، ص 145.
10- ابن الجوزي، المنتظم، ج5، ص 209.
11- الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري (بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، ج4، ص 30؛ ابن الجوزي، المنتظم، ج 17، ص 12؛ ابن الأير، الكامل في التاريخ، ج 4، ص189؛ ابن كثير، البداية والنهاية، ج9، ص140. هي أدنى مدائن الصين ينظر: ابن الأثير الكامل في التاريخ، ص 290.
12- الطبري، تاريخ الطبري، ج4، ص31.
13- م.ن.، ج4، ص31.
14- الطبري، تاريخ الطبري، ج4، ص 30؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص 290.
15- ابن كثير، البداية والنهاية، ج9، ص 141.
16- م.ن، ج9، ص 141.
17- ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 4، ص 290 .
18- ابن كثير، البداية والنهاية، ج9، ص142.
19- م.ن.، ج 9، ص 142.
20- العاوور، صلاح حسن تاريخ الخلافة الأموية الجهادي والمالي (رفح، مكتبة، إيهاب، ط1، 1994م)، ص72.
Fitzgerald, C.P, Flood Tide in China, P32. -21
3 IBID, P. 326-22
اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص 316؛ ابن كثير، البداية والنهاية، ج1، ص164؛ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج4، ص292.
23- أحمد، محمد حسن الإسلام والحضارة العربية في آسيا، ص 75.
24. الجنابي، هيثم الإسلام في أوراسيا (بيروت، دار المنتدى للثقافة والنشر، ط1، 2003م)، ص 11.
25- Findling, John, Thackeray, Frank, the History of China (Greenwood Press, 2001) P67
326- Bowman, John, Columbia Chronology of Asian History and Culture (Columbia University, 2000) P.102
427- Bowman, John, Columbia Chronology of Asian History and Culture, P.104
28- Findling, John, the History of China P.69
6 29- Holcombe, Charles, Southern Integration: The Sui-Tang (581-907) Reach South. The Historian, 66, No.4, 2004, P.4
7 30- Williams, Edward, A Short History of China, P.156
31- Hugh, Ray, China: A Macro History, (Armok., NY: M.E. Sharpe.), P. 100
32- Holcombe, Charles, southern Integration, P. 1
33- ينظر ملحق 11 خريطة الصين خلال عهد التانغ
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|