بالرغم من أن الشاب يميل بطبعه إلى الحرية المطلقة والتطرف والافراط، إلا أن الاستسلام لهذا الميل ليس في مصلحته بتاتاً. فإذا كان الشاب يحب حياته ويطمح لسعادتها عليه أن يتجنب الافراط في إشباع غرائزه ، ويقتنع بالحرية ضمن حدود المصلحة خلافاً لرغبته. وينبغي عليه أيضاً أن يغض الطرف عن تمنياته التي لا حدود لها وأن يقمع نزواته وإلا فإن النفس الأمارة ستجره إلى واد سحيق حيث لا يعرف طعم السعادة والهناء. 

قال امير المؤمنين علي (عليه السلام) : اقمعوا هذه النفوس فإنها طلقة إن تطيعوها تنزغ بكم إلى شر غاية(1).

الحرية والتفسخ الخلقي:

«إن الدوافع الموجودة فينا أشبه ما تكون بالرياح التي تكون ضرورية جداً لحركة السفن الشراعية ، ولكن هل نستطيع أن نبقي الأشرعة مرفوعة تتلاعب بها الرياح كيفما كان اتجاهها؟، كلا ، لأنها في هذه الحالة ستؤدي إلى إحادة السفينة عن مسيرها.

وهكذا الأمر بالنسبة للدوافع، فإذا ما استسلم لها الإنسان جعلته عبداً لها ذليلاً . وكل منا قد صادف في حياته الكثير من الناس ممن هم عبيد للحرص والطمع والشهوات والعدوانية والقمار وما شابه ذلك. إذن فالحرية المطلقة إذا ما منحت لأي من هذه الدوافع والصفات فإنها ستؤدي إلى تفسخ الخلق والطباع».

«إن غلبة المعرفة على الميل والرغبة هي عين العقل وأساس ضبط النفس وسلاحه، لأن ضبط النفس يعد من أهم عوامل تكوين الخلق والطباع ، فإما أن تؤدبنا الحياة وتعلمنا وإما أن نضبط أنفسنا ونمسك بلجامها»(2).

ضرورة تعديل الغرائز:

وهنا نرى من المفيد جداً أن نتحدث ولو بشكل مختصر في بحثنا هذا عن حدود الحرية وموانعها علنا نستطيع أن نفهم الشاب أنه لا يمكن التمتع بالحرية المطلقة مع وجود الموانع الطبيعية ، وأن الإفراط في إشباع الغرائز يحطم الإنسان ويقضي على سعادته، وأن تعديل الغرائز وتحديد الحرية يشكلان ضرورة حياتية للفرد والمجتمع لا يمكن تجاهلها أو انكارها.

_________________________

(1) غرر الحكم، ص 138.

(2) مباهج الفلسفة، ص 228.