أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-09-05
1083
التاريخ: 24-12-2015
7883
التاريخ: 14-9-2016
1748
التاريخ: 22-12-2015
2251
|
أُثر عن أمير المؤمنين علي (عليه السلام) أنّه قال: السخيّ شجاع القلب (1).
وينسب إلى بعض العظماء قوله: جنونان لا أخلاني الله منهما، الشجاعة والكرم! ولعلّ وصفه لهما بهذه الصفة يرجع إلى خروج كل منهما بصاحبه عن حدود المألوف لدى الطبع الإِنساني العام، وهاتان الخصلتان لا تقبلان التكلّف ولا المحاكاة وقد اتصف بهما معظم قادة البشر وعظمائهم وامتاز بهما الأنبياء وأوصياؤهم، فنبي الله إبراهيم (عليه السلام) حين وافته الملائكة ـ بصورة الآدميّين ـ لتبشّره بإسحاق، عمد إلى عجلٍ فذبحه وشواه على الصخر وقدمه إليهم ليأكلوه، وحين غضب عليه نمرود وألقاه في النار لم يخف ولم يرتعد وواجه الأمر بشجاعة (2)، وهكذا ما وصلنا من سير الأنبياء (عليهم السلام) من بعده لم يؤثر عنهم أنّهم جبنوا ولا بخلوا، والرسول (صلى الله عليه وآله) ضرب أكبر مثل في الشجاعة والكرم، ويكفي في شجاعته قول علي ( ع ): «كنّا إذا حمي الوطيس لذنا برسول الله !!» ويكفي في كرمه أنّه أنفق كل ما تحت يده في سبيل نشر الدين، وفي غزوه هوازن أعطى للمؤلفة قلوبهم ما لم يعطِ أحداً مثله، أعطى كل واحد منهم مائة بعير وكان يقول: والله لو كان لي عدد شجر تهامة نِعم لقسمتها عليكم ثم لا تجدوني بخيلاً ولا جباناً ولا كذّاباً (3).
وبعد، فإنّ عمار بن ياسر هو واحد من أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله) الذين نشأوا على يديه ونهلوا من معين تعاليمه فغرس في نفوسهم بذور الفضائل ووهبهم من قدسية العطاء ما يجعلهم أهلاً لكل صفات النبل والخصال الحميدة لذلك كانت الشجاعة سجية من سجاياه، والكرم تابع لها فحيث تكون الشجاعة يكون الكرم.
ويكفي في شجاعته أنّه اشترك في حروب رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعرض نفسه للمهالك ولم يعرف عنه أنّه أدبر في حرب من تلك الحروب، بل العكس هو الصحيح ففي حروب الردة كان يشجّع الناس ويحرّضهم على القتال، قال عبد الله بن عمر: رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين، أمن الجنّة تفرّون!؟ أنا عمار بن ياسر هلموا إليّ.. وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت فهي تذبذب وهو يقاتل أشد القتال (4).
وفي صفّين ـ كما ستقرأ ـ كان عمّار يمثل قطباً من أقطاب تلك الحرب الرهيبة، فكان بالإضافة إلى حملاته يشجّع الأبطال ويحثّهم على الجد في الحرب وعلى التقدّم باللواء محاولاً كسب المعركة في أقرب وقت.
قال نصر بن مزاحم واصفاً وجهاً من وجوه تلك المعركة وموقفاً من مواقف عمار فيها: «وخرجت الخيول إلى القتال واصطفّت بعضها لبعض، وتزاحف الناس وعلى عمّار درع بيضاء وهو يقول: أيّها الناس، الرواح إلى الجنّة، فقاتل القوم قتالاً شديداً لم يسمع السامعون بمثله وكثرت القتلى حتى إنّ كان الرجل ليشد طنب فسطاطه بيد الرجل أو برجله. ونظر عمار إلى راية عمرو بن العاص فقال: والله إنّها لراية قد قاتلتها ثلاث مرات، وما هذه بأرشدهنّ.
ثم قال:
نحن ضربناكم على تأويله
كما ضربناكم على تنزيله
ضرباً يزيل الهام عن مقيله
ويذهل الخليل عن خليله
أو يرجع الحق إلى سبيله
قال الأحنف بن قيس: والله إنّي إلى جانب عمار بن ياسر بيني وبينه رجل فتقدمنا حتى دنونا من هاشم بن عتبة (المرقال) فقال له عمار: احمل فداك أبي وأمي! فقال له هاشم: يرحمك الله يا أبا اليقظان إنّك رجل تأخذك خفة في الحرب..» (5).
ولعل في هذا قدر كافٍ في اطلاعنا على مدى شجاعته وصبره على القتال سيما إذا عرفنا أن عمره في ذلك الوقت كان يناهز التسعين عاماً.
أمّا الحديث عن سخائه فلا يقل أهمية عن الحديث عن شجاعته، فسخاؤه كان مشفوعاً بأريحية متناهية وذكاءٍ نادر كما يلوح ذلك من خلال ما حدثنا به جابر بن عبد الله الأنصاري. قال: صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وآله) صلاة العصر، فلما تنفل جلس في قبلته والناس حوله فبينما هم كذلك إذ أقبل شيخ من مهاجرة العرب إليه وعليه سمل قد تهلل وأخلق وهو لا يكاد يتمالك ضعفاً وكبراً، فأقبل عليه رسول الله يستحثه الخبر. فقال الشيخ: يا رسول الله، أنا جائع الكبد فأطعمني، وعاري الجسد فاكسني، وفقير فأرثني. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ما أجد لك شيئاً، ولكن الدال على الخير كفاعله، انطلق إلى ابنتي فاطمة. ثم قال: يا بلال قم فقف به على منزل فاطمة. فانطلق الأعرابي مع بلال فلمّا وقف على باب فاطمة، نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ومختلف الملائكة، ومهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل من عند رب العالمين. قالت: وعليك السلام، ممّن أنت يا هذا؟ قال الأعرابي: من العرب أقبلت إلى أبيك سيد البشر مهاجراً من شقة، وأنا يا بنت محمد عاري الجسد، جائع الكبد، فارحميني يرحمك الله! وكان لعلي وفاطمة ثلاثاً ما طعموا منها طعاماً، فعمدت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقرض كان ينام عليه الحسن والحسين فقالت: خذ هذا أيّها الطارق عسى الله أن يتيح لك ما هو خير منه. فقال: يا بنت محمد، أنا شكوت إليك الجوع فناولتني جلد كبش، فما أنا صانع به مع ما أجد من السغب؟! فعمدت فاطمة (عليه السلام) إلى عقد في عنقها أهدتها إيّاه فاطمة بنت عمها الحمزة، فقطعته من عنقها ونبذته إلى الأعرابي وقالت: خذه وبعه فعسى الله أن يعوضك بما هو خير لك منه. أخذ الأعرابي العقد وانطلق إلى مسجد النبي (صلى الله عليه وآله) والنبي جالس ومعه أصحابه فقال: يا رسول الله، أعطتني فاطمة هذا العقد وقالت: بعه. فقال النبي (صلى الله عليه وآله): بعه، وكيف لا يصنع الله لك به خيراً وقد أعطتكه فاطمة بنت محمد؟ سيدة بنات آدم. فقام عمار بن ياسر وقال: يا رسول الله، أتأذن لي بشراء هذا العقد؟ فقال (صلى الله عليه وآله): اشتره يا عمار، فلو اشترك فيه الثقلان ما عذّبهم الله بالنار !! قال عمّار: بكم تبيع هذا العقد يا أعرابي؟ فقال الأعرابي: بشبعةٍ من الخبز واللحم، وبردةٍ يمانيّة أستر بها عورتي وأصلّي لربّي، ودينار يبلّغني أهلي. فقال عمار: لك عشرون ديناراً، ومائتا درهم هجرية، وبردة يمانيّة، وراحلة تبلّغك أهلك، وشبعك من الخبز واللحم. وكان عمّار قد باع سهمه الذي نفلّه إيّاه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خيبر. فقال الأعرابي: ما أسخاك أيّها الرجل بالمال! وانطلق عمار بالأعرابي فوفّاه ما ضمن له، وعاد الأعرابي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له: أشبعت، واكتسيت؟ فقال الأعرابي: نعم، واستغنيتُ بأبي أنت وأمي. فقال (صلى الله عليه وآله): فأجز فاطمة بصنعها معك خيراً. فرفع الأعرابي يديه نحو السماء متوجهاً بالدعاء، وقال: اللهم أنت إلهٌ ما استحدثناك ولا إله لنا نعبده سواك، وأنت رازقنا، فأعطِ فاطمة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت. فأمّن رسول الله (صلى الله عليه وآله) على دعائه.
وأقبل النبي (صلى الله عليه وآله) على أصحابه وقال: «إنّ الله قد أعطى فاطمة ذلك وأنا أبوها وما في العالمين مثلي، وعليٌّ بعلها ولولا عليٌّ ما كان لها كفؤٌّ أبداً، وأعطاها الحسن والحسين وما للعالمين مثلهما سيدا شباب أسباط الأنبياء، وسيدا شباب أهل الجنّة. وقال: أزيدكم؟ فقال سلمان وعمار والمقداد ـ وكانوا إلى جنبه ـ نعم. قال: أتاني الروح الأمين وقال: إنّها إذا قبضت ودفنت يسألها الملكان في قبرها من ربك؟ فتقول: الله ربي. من نبيّك؟ فتقول: أبي، من وليك؟ فتقول: هذا القائم على قبري، علي بن أبي طالب. ثم قال (صلى الله عليه وآله): ألا أزيدكم من فضلها؟ قالوا: نعم زدنا يا رسول الله. قال: إنّ الله وكّل بها رعيلاً من الملائكة يحفظونها من بين يديها ومن خلفها وعن يمينها وعن شمالها وهم معها في حفرتها يكثرون من الصلاة عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها. يقول جابر بن عبد الله: ثم إنّ عمّاراً عمد إلى العقد فطيّبه بالمسك ولفّه في بردة يمانيّة، وكان له عبد اسمه «أسهم» ابتاعه من سهمه في خيبر، فدفع العقد إلى العبد وقال: انطلق إلى رسول الله بهذا العقد وأنت له مع العقد! فجاء العبد وبيده العقد إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخبره بذلك، فقال له. اذهب إلى ابنتي فاطمة وأنت والعقد لها! جاء العبد إلى فاطمة (عليها السلام) فأعطاها العقد وأخبرها بقول النبي (صلى الله عليه وآله) فأخذت العقد وقالت: اذهب، فأنت حرٌّ لوجه الله تعالى، فضحك العبد، فقالت: مِمَّ تضحك؟ قال: أضحكتني بركة هذا العقد، أشبع جائعاً، وكسا عرياناً، وأغنى فقيراً، وأعتق مملوكاً، ورجع إلى أهله (6).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح النهج 20 / 290.
(2) راجع قصص الأنبياء.
(3) الكامل 2 / 269 ـ 270.
(4) الطبقات الكبرى، ومعظم الكتب التاريخ وفي الاستيعاب على هامش الإِصابة 2 / 477.
(5) صفين 229 ـ 240 ـ 241.
(6) نقلناها عن كتاب عمار بن ياسر للسبيتي ص 52 إلى 56.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|