أقرأ أيضاً
التاريخ: 22-12-2015
2252
التاريخ: 14-9-2016
1749
التاريخ: 19-9-2017
2210
التاريخ: 2023-10-01
1062
|
لقد آن لهذا الفارس أن يترجل بعد أن حاز قصب السبق في ميدان الإيمان، لقد كان أروع مثل للعبقرية التي تنجبها أمة فكان «سابق فارس» نحو الإيمان ورائدها نحو الإسلام، قضى عمره المديد مجداً في طلب الحق حتى كان له ما أراد، وقد شاء الله له أن يعود من حيث أتى، إلى وطنه وأهله وعشيرته دالّاً لهم ومرشداً، وأمير عدل يحكم بينهم بالحق. ومضت سنون أحسبها تنوف على ربع قرن، كان سلمان خلالها ينفض عن نفسه غبار هذه الدنيا الزائفة مزمعاً الرحيل نحو العالم الخالد عالم الآخرة لينعم هناك برضوان الله ورحمته في جنته الخالدة مع الأنبياء والشهداء والصديقين.
قال الأصبغ بن نباته: كنت مع سلمان الفارسي رحمة الله عليه وهو أمير المدائن، فأتيته يوماً وقد مرض مرضه الذي مات فيه.. فلم أزل أعوده في مرضه حتى اشتد به الأمر، فالتفت إلي وقال: يا أصبغ، عهدي برسول الله صلى الله عليه وآله يقول: يا سلمان، سيكلّمك ميت إذا دنت وفاتك (1).
وبينما هو في مرضه إذ دخل عليه سعد بن أبي وقاص يعوده، فبكى سلمان، فقال له سعد: ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنك راضٍ، وترد عليه الحوض.
فقال سلمان: أما أنّي لا أبكي جزعاً من الموت، ولا حرصاً على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وآله عهد إلينا فقال: ليكن بلغة أحدكم مثل زاد الراكب، وحولي هذه الأساود، وإنّما حوله إجانة، وجفنة، ومطهرة (2).
واشتد به المرض، فمر على المقابر ـ وكأنّه أراد أن يستعلم أمره ـ فقال: السلام عليكم يا أهل القبور من المؤمنين والمسلمين، يا أهل الدار هل علمتم أنّ اليوم جمعة وحين عاد إلى مقره استلقى على فراشه، فغفى ونام فأتاه آتٍ فقال: وعليكم السلام يا أبا عبد الله، تكلّمت فسمعنا، وسلّمت فرددنا، وقلت: هل تعلمون أنّ اليوم جمعة، وقد علمنا ما تقول الطير في يوم الجمعة: قدوس.. قدوس.. ربّنا الرحمن الملك (3).
وأفاق سلمان من غفوته، ثم التفت إلى من حوله قائلاً لهم: أسندوني، فلمّا أسندوه رمق السماء بطرفه وقال: يا من بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون، وهو يجير ولا يجار عليه بك آمنتُ، ولنبيك اتبعت، وبكتابك صدّقتُ، وقد أتاني ما وعدتني، يا من لا يُخلف الميعاد اقبضني إلى رحمتك، وانزلني دار كرامتك، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمداً عبده ورسوله (4) والتفت إلى من حوله قائلاً: قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله: إذا حضرك أو أخذك الموت، حضر أقوام يجدون الريح ولا يأكلون الطعام ـ يعني الملائكة ـ ثم أخرج صرةً من مسك . فقال: هبة أعطانيها رسول الله صلى الله عليه وآله ثم بلّها ونضحها حوله، ثم قال لامرأته: قومي أجيفي الباب (5) قالت زوجته: ففعلت، وجلست هنيئة، فسمعت هسهسةً، فصعدت، فإذا هو قد مات وكأنّما هو نائم (6).
تجهيزه ودفنه:
قالوا: وإنّ الذي قام بتجهيزه هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام! وكيفيّة ذلك هو ما رواه الأصبغ بن نباتة، قال: فبينما نحن كذلك ـ منشغلين بموت سلمان ـ إذ أتى رجل على بغلة شهباء متلثماً، فسلم علينا، فرردنا السلام عليه، فقال: يا أصبغ جدّوا في أمر سلمان، وأردنا أن نأخذ في أمره، فأخذ معه حنوطاً وكفناً فقال: هلمّوا، فإنّ عندي ما ينوب عنه، فأتيناه بماءٍ ومِغْسل، فلم يزل يغسِّلُه بيده حتى فرغ، وكفَّنهُ وصليْنا عليه ودفنَّاه ولحدَّه على عليه السلام بيده، فلمّا فرغ من دفنه وهمَّ بالانصراف تعلّقت بثوبه، وقلت له: يا أمير المؤمنين، كيف كان مجيئك؟ ومن أعلمك بموت سلمان؟ قال: فالتفت عليه السلام إليّ وقال: آخذُ عليك ـ يا أصبغ ـ عهدَ الله وميثاقه أنّك لا تحدث به أحداً ما دمتُ حياً في دار الدنيا. فقلت: يا أمير المؤمنين، أموت قبلك؟ فقال: لا يا أصبغ، بل يطول عمرك! قلت يا أمير المؤمنين، خذ علي عهداً وميثاقاً، فإنّي لك سامع مطيع، انّي لا أحدث به حتى يقضي الله من أمرك ما يقضي، وهو على كل شيء قدير. فقال لي: يا أصبغ، بهذا عهدني رسول الله، فانّي قد صلّيت هذه الساعة بالكوفة، وقد خرجت أريد منزلي، فلمّا وصلت إلى منزلي اضطجعت، فأتاني آتٍ في منامي وقال: يا علي، إنّ سلمان قد قضى نحبه! فركبت وأخذت معي ما يصلح للموتى، فجعلت أسير، فقرّب الله لي البعيد، فجئت كما تراني، وبهذا أخبرني رسول الله صلى الله عليه وآله.
قال الأصبغ: ثم إنّه دفنه وواراه، فلم أرَ صعد إلى السماء، أم في الأرض نزل، فأتى الكوفة والمنادي ينادي لصلاة المغرب (7).
رواية ثانية عن (مناقب ابن شهرآشوب):
روى حبيب بن حسن العتكي، عن جابر الأنصاري قال:
صلّى بنا أمير المؤمنين (عليه السلام) صلاة الصبح، ثم أقبل علينا فقال: معاشر الناس، أعظم الله أجركم في أخيكم سلمان، فقالوا في ذلك ـ أي صاروا بين مصدق ومكذب ـ فلبس عمامة رسول الله صلى الله عليه وآله ودراعته، وأخذ قضيبه وسيفه، وركب على العضباء (8) وقال لقنبر (9): عدَّ عشراً! قال: ففعلت، فإذا نحن على باب سلمان. قال زاذان: فلمّا أدركت سلمان الوفاة قلت له: من المغسّل لك؟ قال: من غسّل رسول الله (يعني علياً). فقلت: انّك بالمدائن وهو بالمدينة! فقال: يا زاذان، إذا شددت لحيي، تسمع الوجبة! فلمّا شددت لحييه سمعت الوجبة، وأدركت الباب، فإذا أنا بأمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال: يا زاذان، قضى أبو عبد الله سلمان؟ قلت: نعم يا سيدي، فدخل وكشف الرداء عن وجهه.. الخ الرواية (10).
وهناك رواية أخرى بنفس المضمون، لكنّها تشير إلى أنّ ذلك حدث في خلافة عمر بن الخطاب، ومن الواضح أن ّهذه الروايات يناقض بعضها بعضاً، فالأولى تقول: أنّه ـ يعني علياً ـ كان في الكوفة، والثانية تقول: أنّه جاء من المدينة، والثالثة: أنّ ذلك تم في خلافة عمر، إلى غير ذلك.
ولكن لنا أن نقول: بأنّ هذا الأمر شائع بين الناس، بل بين الخاصة إلى عصرنا الحاضر، فالمعروف أنّ الذي جهّز سلمان رضي الله عنه هو أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، ولعلّ عدم اثبات المؤرّخين لمثل هذا في كتبهم يرجع إلى تكذيب القصة من أساسها، حيث أنّ أذهانهم لا تتحمل فكرة انتقال الأجسام من مكان إلى مكان بسرعة غير طبيعيّة تفوق سرعة (الحصان والجمل).
أمّا نحن، فعلينا أن ننظر لهذا الأمر من زاوية فكرية متحررة، فنقول:
إنّ حدوث مثل هذا الأمر ممكن عقلاً، بل هو واقع أيضاً في عصرنا الحاضر بفضل التقنية والتقدم العلمي الذي يهيىء الوسيلة لذلك.
إذن، يبقى السؤال: كيف وما هي الوسيلة في ذلك العصر؟
إنّ قدرة الله سبحانه لا يقف دونها شيء، فهو مسبب الأسباب، والقادر على تهيئتها متى يشاء، وقد ورد في كتابه الكريم مثل لما نحن في صدده، في عرضه لقصة «عرش بلقيس» حيث قال تعالى:{قَالَ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ * قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} (11).
وهكذا في طرفة عين كان عرش بلقيس ينقل من اليمن إلى القدس على يد صاحب سليمان (آصف بن برخيا) (12) الذي عنده علم من الكتاب! فما ظنّك بصاحب محمد صلى الله عليه وآله الذي قال فيه: أنا مدينة العلم وعلي بابها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع البحار 22 / 374 والقصة طويلة ومفصلة اقتضبنا منها ما يناسب الموضوع.
(2) نفس المصدر / 381 خبر معروف.
(3) سلمان الفارسي / 138 ـ 139.
(4) البحار 22 / 379.
(5) نفس المصدر / 283 ومعجم رجال الحديث 8 / 195.
(6) سلمان الفارسي / 139.
(7) البحار 22 / 380.
(8) ناقة النبي.
(9) خادم الإمام.
(10) البحار 22 / 373.
(11) النمل / 38 ـ 39.
(12) راجع مجمع البيان 7 / 223.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
المجمع العلمي للقرآن الكريم يقيم جلسة حوارية لطلبة جامعة الكوفة
|
|
|