أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-07-11
1900
التاريخ: 11-11-2021
2807
التاريخ: 3-4-2017
10310
التاريخ: 2024-04-06
859
|
على الرغم من التسليم بأهمية الحفاظ على الأسرار الوظيفية ودورها في حماية المصلحة العامة، فضلاً عن حماية المصالح الخاصة بالدوائر والمؤسسات الحكومية، إلا إن القول بضرورة حفظ الأسرار الوظيفية إلى حد المبالغة قد يصطدم مع مبدأ الشفافية. ولغرض معرفة مفهوم الشفافية لا بد لنا من بيان التعريف الاصطلاحي لهذا المبدأ.
اختلفت آراء الكتاب بشأن تعريف الشفافية في الاصطلاح، فقد عُرفت بأنها: نقيض السرية فهي تعني كشف الستار عن الأفعال بقصد (1)، وكذلك قيل بأنها تعني تمكين المواطنين من الحصول على المعلومات الحكومية وليس العكس (2).
وعرفها آخر بأنها : مبدأ خلق بيئة تكون فيها المعلومات المتعلقة بالظروف والقرارات والأعمال الحالية متاحة ومنظورة ومفهومة بشكل أكثر تحديداً، ومنهج توفير المعلومات وجعل القرارات المتصلة بالسياسة المتعلقة بالمجتمع معلومة من خلال النشر في الوقت المناسب والانفتاح لكل الأطراف ذوي العلاقة (3) إن الاتجاهات الحديثة للإدارة تنظر إلى السرية في أعمال سلطات الدولة، ولاسيما الإدارية على إنها يمكن تحديدها وتقليصها لصالح الشفافية، لما قد ينجم عن السرية من مساوئ كثيرة منها تعثر التنمية وانتشار الفساد الإداري وضعف الرقابة على أعمال الإدارة وإهدار المال العام وانتهاك حقوق الأفراد كما إن مما يدعو إلى الشفافية والتخفيف من حدة السرية ما شهده العالم من ثورة تقنية هائلة وتطورات علمية مذهلة في شتى المجالات وبخاصة في حقل الاتصالات وفي أساليب جمع وتخزين وتنظيم المعلومات، فضلاً عن الانفتاح الإداري والحكومي على الأفراد (4).
وتتعلق الشفافية في مجال العمل الوظيفي بجانبين: الأول، يتعلق بوضوح الإجراءات وصحة مصداقية عرض المعلومات والبيانات الخاصة بالوحدات الحكومية الخاصة والعامة. في حين يتعلق الجانب الثاني، بعلاقة الموظفين ببقية الجهات الإدارية وهيئات المراقبة وأفراد المجتمع من خلال الخدمات المقدمة لهم وكذلك حقهم في الوصول إلى المعلومات الصحيحة والحصول عليها (5).
أن لمبدأ الشفافية فوائد تتحقق من خلال تقليل الغموض والحد من الفساد ومكافحته وزيادة الثقة بين الرئيس والمرؤوس، فهي ترفع من درجة الرقابة الذاتية لكلا الطرفين في الدوائر الحكومية، فضلاً عن دورها في وجود تعليمات تسمح بالوصول إلى المعلومات أو الوثائق بشكل قانوني منظم بعيداً عن الفوضى (6) ، ويظهر التعارض ما بين إفشاء الأسرار الوظيفية ومبدأ الشفافية إذا كان كتمان المعلومات والوثائق يؤدي إلى تحقق الفساد الإداري، فغياب الشفافية في هذه الحالة في العمل الإداري واحد من أسباب وجود الفساد، وكلما زاد الفساد المتستر خلف حجة حفظ أسرار الوظيفة قلت الشفافية، بينما إذا زادت معايير الشفافية في العمل الإداري قلت نسبة الفساد (7)، وعلى وفق مفهوم الشفافية تعد معرفة ميزانية الدولة متاحة للجميع وكذلك مشاريع الدولة، بشكل يمكن معه محاسبة المسؤولين بعد ذلك عن أية خسائر، فمن منطلق الشفافية قد يُكشف ويتهم وزيـر مـا بالفساد على مسمع من الناس لأن الرقابة والتعامل بالشفافية أمانة وضعها الشعب في أعناق المسؤولين ومن حق الشعب أن يعرف ما قدم له من الخدمات (8)، فكفة الشفافية هنا ترجح على كفة الأسرار بما يمنع التستر على الفساد بمقولة عدم إفشاء أسرار الوظيفة.
وتسرف الدول ذات النظم الشمولية في إضفاء السرية على الكثير من البيانات والمعلومات إذ تحجب الحقائق عن الشعب بحجة سرية المعلومات، بينما تقل درجة السرية في الدول الديمقراطية في سائر الأنشطة الحكومية بوجه عام. ويرى البعض من الفقه، إن التوسع في سرية الأعمال الإدارية يؤدي إلى بقائها بمنأى عن الرقابة (9) ، ومن المهم الموازنة بين مصلحة الإدارة العامة في سرية الوثائق والمعلومات العائدة لها وبين حرية نشرها بحسب مبدأ الشفافية في التعامل الوظيفي، على أن لا تكون هذه الحرية مطلقة من كل قيد، فمن المهم أن تكون المعلومات صحيحة وغير مخالفة للحقيقة، وكذلك عدم مساس النشر بالمصلحة العامة.
وفي مصر، يحق للموظفين العموميين إبداء الرأي وحق النقد والشكوى، أي حق الموظف في حمايته لأداء واجباته الوظيفية، فليس ثمة تعارض ما بين الشفافية وإفشاء الإسرار الوظيفية إذا ما قام الموظف بنشر كل ما لا يعد سرياً بطبيعته أو التعليمات (10). بموجب أما الأردن، فقد ساير الاتجاهات الحديثة معتمداً مبدأ الشفافية في العمل الإداري، كما في نص المادة (67) من نظام الخدمة المدنية الأردني، التي ألزمت الموظف في الفقرة (و) بـ: ((التحلي بالصدق والشجاعة والشفافية في إبداء الرأي والإفصاح عن جوانب الخلل والإبلاغ عنه...))، إلا إن هناك من الشراح من يرى إن ذلك غير كافٍ، ولاسيما مع وجود قوانين توسع من نطاق السرية كقانون حماية أسرار ووثائق الدولة الأردني رقم 50 لسنة 1971(11). وبالنسبة للعراق، فمن الأمور التي تؤدي دورها في تحقيق الشفافية في العمل الإداري ضمن إطار حكومي عن طريق جهات إدارية مستقلة وبعيداً عن الفوضى في تناول هذا المبدأ، تفعيل دور الأجهزة الرقابية كديوان الرقابة المالية، فضلاً عن الهيئات المستقلة الأخرى، كالمفتشين العموميين وهيئة النزاهة التي تقوم بالتدقيق والكشف عن حالات الفساد المنضوية تحت حجة الأسرار الوظيفية، فديوان الرقابة المالية له صلاحية رقابة نفقات وإيرادات الدوائر والوزارات، وعرض تقاريره على السلطة التشريعية (12) ، ففي مجال التطبيق العملي، غالباً ما يتم تشكيل لجان المشتريات الخاصة بكل دائرة أو وزارة معينة، ويقوم اغلب أعضاء هذه اللجان بالتكتم على ما يحصل من السرقات بواسطتها، لذا فأن قيام ديوان الرقابة بالاطلاع على الأعمال الخاصة بهذه اللجان وتدقيقها بشكل فعال يؤدي الى امكانية سد باب من أبواب الفساد الذي يختبئ خلف ستار السرية، ولا شك للناظر هنا في أن التستر على اعمال هذه الجان تتعارض مع شفافية إتاحة المعلومات والوثائق لهذه الأجهزة والهيئات.
ولا تتعارض الشفافية مع واجب كتمان الأسرار الوظيفية، إذا ما ألزم القانون أو التعليمات المسؤول والموظف بالكشف عن بعض المعلومات والأمور ، كما هو الحال في قانون هيئة النزاهة الذي ألزم المسؤولين في المؤسسات والوزارات والدوائر الحكومية بالكشف عن مصالحهم المالية بموجب لوائح تصدرها هيئة النزاهة (13) ، وأيضاً سمح قانون الهيئة بموجب تعليمات قواعد السلوك الخاصة بموظفي الدولة ومنتسبيها الإبلاغ عن حالات الفساد، ويستنتج من هذه التعليمات أنه إذا كانت الأسرار المتعلقة بالدوائر الحكومية لها شأن في كشف حالات الفساد الإداري أو المالي، يجوز للموظف أن يقوم بالإبلاغ عنها (14).
إن على الدوائر الحكومية والمؤسسات والوزارات أن تسلك طريق التوازن بين الشفافية والسرية، فالشفافية لا تطلب لذاتها بشكل مجرد، ولكن يجب أن تؤدي إلى محاربة حالات الفساد الإداري وتقييم مستوى الخدمات المقدمة بما يحقق النفع لعموم الأفراد، فالشفافية ذات صلة بالوضوح والمصداقية (15)، ومن أجل مواجهة الفساد الإداري أو تعسف السلطة الإدارية في استخدام صلاحياتها، يتم اللجوء إلى تقليص السرية في بعض الأحيان لمصلحة الشفافية وما يترتب على ذلك من حق المواطن في الحصول على المعلومات، ولكن ذلك لا يعني إهدار أسرار الوظيفة بصورة كلية أو السماح لأي شخص بمعرفة أسرار الآخرين، إذ إن لمبدأ الشفافية حدوداً معينة لا يمكن تجاوزها حسب ما أكدت عليه القوانين والمعاهدات بهذا الشأن (16)، كاتفاقية الأمم المتحدة لعام 2003 بصدد مكافحة الفساد التي ألزمت الدول الأطراف فيها وبموجب المادة (13) منها، باتخاذ التدابير المناسبة لحث المواطنين على المشاركة في أنشطة مكافحة الفساد الإداري، وأن تدعم ذلك عن طريق تعزيز مبدأ الشفافية في عمليات اتخاذ القرار، وتأمين حق الناس في الحصول على المعلومات، ولكنها أجازت وضع شروط معينة لتطبيق هذه الحرية تتمثل بعدم التعدي على الأسرار الرسمية المقررة لحماية النظام العام وكذلك الأمن الوطني، وصون حقوق الآخرين وخصوصياتهم (17).
___________
1- الشفافية مقال منشور في شبكة الإنترنت على الموقع:
آخر زيارة للموقع في 2012/4/27
2- Dr. David Chaikin, policy and fiscal effects of swiss bank secrecy bond university, (") revenue law journal, 2005, p95.
نقلاً عن فتاح محمد حسين، النظام القانوني للسرية المصرفية، أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق بجامعة النهرين، 2009 ، ص 63.
3- د. أحمد السيد كردي، مفهوم الشفافية الإدارية، بحث منشور في شبكة الإنترنت على الموقع:
http://www.hrdiscussion.com/hr9089.html
(آخر زيارة للموقع في 2012/4/27).
4- جريمة إفشاء الأسرار والمسؤولية المهنية، بحث منشور في شبكة الإنترنت، سابق الإشارة إليه.
5- جهاز المراجعة المالية الليبية، مفهوم الشفافية ودور الأجهزة العليا للرقابة مقال منشور في شبكة الإنترنت على الموقع:
http://www.shaffaflibya.com/index.php?=308.
(آخر زيارة للموقع في 2012/4/29).
6- المصدر نفسه، سبقت الإشارة إليه.
7- د. جبار محمد علي، ياسر عمار عبد الحميد شفافية الضريبة وآفاق تطبيقها في الهيئة العامة للضرائب، بغداد، 2008، ص 4 ، بحث منشور في شبكة الإنترنت على الموقع:
http://www.iraqfoundation.org/research%203-%20Tax%20Transparence.
(آخر زيارة للموقع في 2012/4/27).
8- د. أحمد السيد كردي، مفهوم الشفافية طبيعتها وأهدافها، مقال منشور في شبكة الإنترنت على الموقع:
http://www.kenanaonline.com/users/ahmedkordy/posts/280899.
(آخر زيارة للموقع في 2012/4/27)
9- د. ماجد راغب الحلو، السرية في أعمال السلطة التنفيذية، بحث منشور في مجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية، مطبعة جامعة الإسكندرية، كلية الحقوق جامعة الإسكندرية، ع 1 ، س ،17، 1975، ص 56 وما بعدها.
10- د. عزت منصور محمد شريف أحمد الطباخ، الموسوعة الحديثة في شرح قانون نظام العاملين المدنيين بالدولة في ضوء القضاء والفقه، ج 3، ط1 ، المركز القومي للإصدارات القانونية، القاهرة، 2006، ص 183.
11- جريمة إفشاء الأسرار والمسؤولية المهنية، بحث منشور في شبكة الإنترنت، سابق الإشارة إليه؛ المادة (67) من نظام الخدمة المدنية الأردني رقم 55 لسنة 2002.
12- إحسان علي عبد الحسين دور الأجهزة الرقابية في مكافحة الفساد ، ص 48 ، بحث منشور في شبكة الإنترنت على الموقع:
http://www.nazaha.iq/5cpdf-up/5c1046/5cp1-k.pdf
آخر زيارة للموقع في 2012/4/14
13- المادة (3/ خامساً) من قانون هيئة النزاهة رقم 30 لسنة 2011.
14- الفقرة (1) من تعليمات قواعد السلوك الخاصة بموظفي الدولة والقطاع العام ومنتسبي القطاع المختلط رقم 1 لسنة 2006.
15- سالم الفرحان، الشفافية الإدارية، مقال منشور في شبكة الإنترنت على الموقع:
http://www.alsharq.net.sa/2012/02/12/120961.
(آخر زيارة للموقع في 2012/4/28)
16- David L. Baumer and j.c.poindexter, legal environment of business in the information age, MC Graw hill Irwin, New York, 2004, p30.
نقلاً عن فتاح محمد حسين، مصدر سابق، ص63.
17- Ibid, p30.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل قائد الفرقة الرابعة الشرطة الاتحادية
|
|
|