المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
من هم المحسنين؟
2024-11-23
ما هي المغفرة؟
2024-11-23
{ليس لك من الامر شيء}
2024-11-23
سبب غزوة أحد
2024-11-23
خير أئمة
2024-11-23
يجوز ان يشترك في الاضحية اكثر من واحد
2024-11-23



الشاب والحاجة للتوجيه والإرشاد  
  
1306   01:54 صباحاً   التاريخ: 2023-08-28
المؤلف : الشيخ محمد تقي فلسفي
الكتاب أو المصدر : الشاب بين العقل والمعرفة
الجزء والصفحة : ج2 ص286ــ297
القسم : الاسرة و المجتمع / المراهقة والشباب /

إن ما يحتاجه الشاب في مجال الصحبة والصداقة هو التوجيه الصحيح والإرشاد السليم لاختيار الصديق وتحديد أطر الصداقة .

وإذا استطاع الأبوان والمربون تبيان مقتضيات مرحلة الشباب النفسية للشاب وتعريفه على حالته النفسية وإطلاعه على مخاطر رفاق السوء وأضرار التطرف والتسرع في مسألة الصداقة وتحذيره بالمنطق والاستدلال من صحبة المنحرفين والضالين ، لو استطاعوا كل ذلك يكونون قد عملوا بمسؤولياتهم تجاه الشباب في هذا المجال وأناروا له طريق السعادة والفلاح.

والآن سنتطرق في بحثنا إلى الحالة النفسية التي يكون عليها الشاب وهو يختار صديقا له مستندين في ذلك على مصادر دينية ودراسات علمية ، وذلك بهدف توعية الشاب حول مسألة الصداقة وتوجيهه .

دوافع الصداقة:

1- إن أول ما يلفت الانتباه في دراسة موضوع الصحبة عند الشباب ، ويميز صداقة مرحلة الشباب عن صداقة مرحلة الطفولة والكبر ، ويمنحها طابعاً خاصاً ، هو الاختلاف بين دوافع الصداقة لكل مرحلة .

فالصداقة بين الأطفال قبل مرحلة البلوغ ليست سوى حب فطري وتجاذب طبيعي وبسيط مصدره غريزة الأنس والألفة ، وهي عادة ما تتحقق عند الالتقاء بالصدفة. أما الصداقة بين الكبار فهي تقوم على أساس المصالح والضرورات الحياتية ، بينما نجد أن الصداقة بين الشباب مهما كان جنسهم تقوم نتيجة اندفاعات عاطفية وشعور قوي بالحب يبرز مع ظهور الغريزة الجنسية ، وقد تتحول الصداقة أحياناً إلى عشق جارف يسفر في بعض المواقع عن فساد جنسي وانحراف أخلاقي .

الصداقة بين الطفولة والشباب :

«إن الصداقة التي يقيمها الطفل خارج محيط أسرته تكون عادة غريزية عابرة شأنها شأن الألعاب بالنسبة للطفل. ولن تستمر هذه الصداقة التي تكونت نتيجة الجيرة أو ما شابه ذلك بعد الفراق والانفصال، وغالباً ما يكون هذ النوع من الصداقة نابعاً من الميل إلى الاجتماع الذي يظهر عند الأطفال خلال المرحلة الثالثة للطفولة ، فيصبح حب الطفل للطفل أشبه ما يكون بالصداقة ، وحب الطفل لمن هم أكبر منه سناً أشبه ما يكون بحب الولد لأبيه. أما الصداقة في مرحلة البلوغ فتكون إما اختياراً أو تعصباً وغالباً ما تكون غامضة وغير واضحة "(1).

(ثمة علاقة بين ظهور العشق ونمو الغريزة الجنسية خلال فترة البلوغ ، وليس معنى ذلك أن هذه القوة المحركة هي التي تولد العشق ، أو أن أياً منهما يبين ويثبت وجود الآخر ، لأن العشق الإنساني الطبيعي لا يمكن تصوره بعيداً عن تفتح الغريزة الجنسية. أما العاطفة وهياج الحب الذي يتفتح في الفترة ذاتها فهما قرينة ملازمة أخرى لتكون العشق، ولكن لا يمكن تسمية هذه العاطفة بالعشق، والعشق في الحقيقة هو نتاج لازمتين وقرينتين وهو نوع من النشاط المميز الذي يصدر عن عاملي الغريزة الجنسية وهيجان أو فورة الحب ويتغذى منهما.

والآن يمكننا أن نقارن من خلال هذه التوضيحات بين الصداقة بين الشباب، وبين العشق، فمصدر هذه الصداقة تلك العاطفة وفورة الحب ، ومن هنا فهي تشبه العشق الذي يصدر عن نفس العاطفة أيضاً)(2).

الصداقة في الكبر :

2- الفرق الآخر الذي يسترعي الانتباه في الصداقة بين الشباب من الناحيتين المعنوية والنفسية ويفصل هذه الصداقة عن الصداقة بين الكبار الأكثر وعياً وتفكراً هو التدبر والتفكير بعاقبة الأمور لدى الكبار والعوامل العاطفية التي لا يحسب لها حساب عند الشباب .

فليس من اليسير أن يختار الكبار أصدقاء لهم ، وإذا ما ارادوا إقامة علاقة صداقة مع أحد ما فإنهم يتفكرون ويتدبرون بعيداً عن الأحاسيس المفرطة والخطوات غير المدروسة. فهم يعاشرون الطرف الآخر في البداية ليختبروه ثم يحاولون معرفة كل شيء عن وضعه الأخلاقي وماضيه الحياتي، وعندما يجدون فيه الكفاءة اللازمة ويطمئنون منه يصادقونه ويصاحبونه. ومن الطبيعي أن تدوم مثل هذه الصحبة القائمة على أساس التعقل والتدبر.

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): من اتخذ أخاً بعد حسن الاختبار دامت صحبته وتأكدت مودته)(3).

الشاب والصداقة الإعتباطية:

أما الشاب فإنه سهل الصحبة وسريع ، لأنه يعتمد في ذلك على أحاسيسه العابرة ودوافعه العاطفية بدل التدبر والتفكر، ومن هنا فإنه قد ينجذب لشخص من لقاء واحد أو لآخر جمعته به الصدفة، فيقيم معه علاقة صداقة دون أن يعرف عن ماضيه أو عن اسرته او حتى عن وضعه الأخلاقي شيئاً.

ومن الطبيعي أن مثل هذه العلاقات غير المدروسة يكون لها نتائج سلبية ، إذ إنها قد تدفع بشاب طيب القلب بسيط إلى معاشرة عنصر فاسد خلافاً لميوله الباطنية فيتحمل ولمدة طويلة أعباء هذه الصحبة الجسيمة. 

قال امير المؤمنين علي (عليه السلام): من اتخذ أخاً من غير اختبار الجَأه الاضطرار إلى مرافقة الأشرار(4).

صداقة دون تفكر:

(غالباً ما تقام علاقات الصداقة بين الشاب والشاب وبين الشاب والشابة في المدارس الصباحية والمسائية مثلاً . فيتم اختيار الصديق بعد ودّ مفاجئ بواسطة قوة محركة خالية من التفكير والتأمل أو نتيجة الصدفة ، وقد تكون هذه الصدفة ناجمة عن عدم الثقة بأحد الأصدقاء فيلجأ الشاب باحثاً عن صديق آخر يأتمنه على أسراره»(5).

3- إن الشيخ الكبير العاقل المتدبر لن يكون متشدداً وعنيداً في مسألة الصحبة ولا يبدي أي إصرار تجاه هذه المسألة. فإذا ما أخطأ رجل كبير وعاقل عن طريق الصدفة وارتبط بعلاقة صداقة مع شخص فاسد مغرض نتيجة تعدد اللقاءات ، وأتاه فاعل خير يخبره بفساد أخلاق ذلك الشخص ، فإنه يقف فوراً عند ذاك الحد من الصداقة ويسارع إلى التحقيق بشأن الشخص ، فإذا ما تبين صحة ما قيل له قطع العلاقة دون أي تردد أو تأخير.

والطفل أيضاً لا يبدي أي تعصب تجاه مسألة الصداقة ، فهو يبادر إلى قطع علاقته بأي من التلاميذ أو الأصدقاء يحذره منه أبواه أو معلموه ويأمرونه بعدم التحدث إليه واللهو معه .

الشاب والتعصب في الصحبة :

على النقيض من صحبة الشاب التي تكون مصحوبة بنوع من التعصب والتشدد. فالشاب الذي أخطأ في اختيار صديقه وأقام علاقة صداقة مع شاب فاسد لا يسمح للآخرين قط بانتقاد صديقه هذا أو التحدث عن سيئاته. لأنه يعتبر أن قبول انتقادات الآخرين معناه الاعتراف غير المباشر بجهله وسوء تقييمه للأصدقاء، وهذا ما لا يسمح به غرور الشباب، وإذا ما صادف أن حذره شخص ما من أحد أصدقائه بداعي الخير والمحبة فإنه يغضب وينفعل ويبادر إلى الدفاع عن صديقه ويحمل هذا الانتقاد أو التحذير محمل الجهل وسوء النية غافلاً عن أن هذا العناد والاستبداد لن يغيرا من الواقع شيئاً ولن يجعلا من الصديق السيء صالحاً، والمتضرر الوحيد من هذه الصداقة لن يكون سواه .

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): اللجاج أكثر الأشياء مضرة في العاجل والآجل(6).

الشاب والصداقة المفرطة:

4- المسألة الأخرى التي تفصل من الناحيتين الأخلاقية والنفسية بين الصداقة لدى الكبار العقلاء والصداقة لدى الشباب السذّج عديمي التجربة ، هي أن الصداقة لدى الفريق الأول لها حدودها ومعاييرها أما عند الفريق الثاني فهي مفرطة.

فالصديقان الفاضلان الحميمان والمخلصان لبعضهما إذا ما كانا عاقلين عليهما أن لا يغفلا عن أن هذه العلاقة التي تربط بينهما لا يمكن أن تستمر أو تثبت على حالها إلى الأبد وفي شتى الظروف، إذ قد توتر هذه العلاقة وتنتهي وربما تتحول إلى عداء نتيجة بعض المستجدات والحوادث. لذا يتوجب على الصديقين أن يتجنبا الإفراط في علاقتهما وأن لا يتماديا في الثقة ببعضهما البعض وأن يفكرا بكل ما يودان القيام به وأن يعززا علاقتهما في حدود العقل والمنطق.

قال الإمام الصادق (عليه السلام) لبعض أصحابه: لا تطلع صديقك من سرك إلا على ما لو اطلع عليه عدوك لم يضرك، فإن الصديق قد يكون عدواً يوماً(7).

الشاب والإفراط في الصحبة:

إن الإنسان العاقل وصاحب التجارب لا يمكن أن يغفل عن احتمالات الخصام والخلاف مع صديقه لاسيما في قمة العلاقة بينهما، ومن هنا فإنه يتجنب الإفراط في الصحبة ويرسم حدود العلاقة مع الصديق بعد تفكر وتأمل ، ولا يتجاوز في ذلك حدود العقل والمصلحة. أما الشاب الساذج البسيط الذي ينقاد لأحاسيسه وعواطفه في اختيار الصديق فإنه لا يفكر قط بمستقبل العلاقة معتقداً أن العلاقة التي تربطه اليوم بالصديق هي علاقة أزلية لا يمكن أن تنتهي بأي شكل من الأشكال ، كما أنه يتمادى في هذه العلاقة إلى الحد الذي يصبح وصديقه وكأنهما روح واحدة في جسدين، يقلدان بعضهما بالملابس وتسريحة الشعر ، ويتبادلان الأسرار صغيرها وكبيرها. وتتضح سلبيات هذا الإفراط والتمادي في الصداقة حينما يتخاصمان نتيجة حادث عرضي، وتتحول الصداقة بينهما إلى عداء ، حينها يلجأ كل منهما إلى كشف أسرار الآخر وفضحه انتقاماً منه.

(إن الشاب اذا ارتبط بعلاقة صداقة مع شخص آخر فإنه يثق به ويحاول مدحه ويسعى لأن يكون صديقاً خاصاً به ، يبدي له مشاعره تجاهه من خلال تقديم الهدايا له ، ويسعد عندما يعلم أنه بات صديقاً مخلصاً حميماً بنظر صاحبه».

«وغالباً ما يبرز إلى جانب كل ذلك ميل شديد بينهما لأن يصبح لهما اسم واحد وهوية واحدة، فهما يسعيان لأن يكون لهما ذوق واحد ، يقلدان بعضهما في تصفيف الشعر والخط. وتكشف الرسائل التي يتبادلانها عن وجود حب جارف يشدهما لبعض» .

(ان الشاب اليافع يجعل من الشخص الذي يحبه ويعزه (أنا) مثالياً ، فهو يريد أن يتصور صديقه جزءاً منه لا أن يتصوره شخصاً منفصلاً عنه. ولكن هذا التصور يزول فيما بعد ويمحي ، وإذا ما نشب خلاف جزئي بين هذين الصديقين المثاليين الحميمين فإنه يبيد العلاقة بينهما)(8).

إحترام حقوق الصداقة:

5- إن إفراط الشاب لا ينحصر في العلاقة التي يقيمها مع صديقه وفي مشاعر الحب والود التي يبديها له ، فهو يفرط حتى في إظهار روح العداء تجاه صديقه عندما تتبدد هذه العلاقة .

أما إذا قامت أسس العلاقة بين شابين صديقين حميمين على الفضيلة والأخلاق وضمن حدود العقل والمنطق ، فإنهما سيحترمان حقوق بعضهما ولا يمكن أن يفكر كل منهما بانتهاك حقوق الآخر، ويستحيل أن يعمدا إلى ما من شأنه أن يوتر أجواء الصداقة بينهما.

من وصية لأمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه الحسن (عليه السلام) : ولا تضيعن حق اخيك اتكالا على ما بينك وبينه فإنه ليس لك بأخ من اضعت حقه(9).

التعقل بعد القطيعة:

وهذان الصديقان العاقلان الواعيان إذا ما صادف أن انقطعت عرى الصداقة بينهما يوماً ما ولسبب معين، وانفصلا عن بعضهما، فإنهما يأخذان جانب العقل والمصلحة طيلة فترة الانفصال، ولا يتمادى كل منهما في ملامته وشكواه ضد الطرف الآخر الذي كان بالأمس صديقاً حميماً له ، ولا يمكن أن يقطع كل منهما على نفسه طريق العودة والمصالحة ، لأن كليهما يعلمان ان سبب التوتر والخصام قد يزول يوماً ما وتعود العلاقة بينهما إلى سابق عهدها.

قال الإمام الصادق (عليه السلام): لا تُتبع اخاك بعد القطيعة وقيعة فيه فَتسدّ عليه طريق الرجوع إليك، فلعل التجارب ترده عليك(10).

«بشكل عام لا يمكن الاحتفاظ بدرجة الود على مستوى واحد ، حتى إننا نتألم لسبب ما من شخص نحبه كثيراً وننفر منه رغم الصداقة التي تربطنا به ، فكلما توطدت أواصر الصداقة إزدادت التوقعات وكثرت المعاناة» .

«ولعله من المناسب جداً أن نسمي هذه الحالة الخاصة المركبة من الحب والبغضاء أو الصداقة والخصام بالمودة والقطيعة ، وينبغي أن لا ينخدع الأخوة والأصدقاء بهذه الحالة وأن لا يتجاهلوا أن هناك حباً ومودة بعد كل خصام وجفاء، لأن المودة لا بد وأن تتغلب في نهاية الأمر على القطيعة»(11).

الصديق الكفوء:

يمكن تحديد ومعرفة قيمة العقل والحكمة لدى الأفراد وكذلك درجة وعيهم وكمالهم في الحزن والفرح والغضب والخوف والصداقة والعداوة والفقر والغنى وفي جميع الحالات الانفعالية وغير الطبيعية.

فالذي يهجر صديقه غاضباً وينفصل عنه معاتباً ثم لا يتعدى حدود الحق والفضيلة طيلة فترة الانفصال ولا يخرج عن إطار العدل والإنصاف والعقل والمصلحة يكون إنساناً كفوء وأهلا للصحبة والصداقة.

عن الصادق (عليه السلام): من غضب عليك ثلاث مرات فلم يقل فيك سوء فاتخذه لك خليلا(12).

ومع الأخذ بعين الاعتبار الوضع النفساني الذي يمر به الإنسان في شبابه وما تتطلبه هذه المرحلة منه ، يبدو من الصعب عليه مراعاة حدود الصداقة واحترام حقوق الصديق ، لأنه أي الشاب لا يقيس هذه الحقوق بمقياس العقل والمصلحة ، ومعياره في ذلك هو تلك العواطف والأحاسيس الحادة .

الشاب والغرور:

إن الشاب غالباً ما يقع أسير حب الذات وأحياناً عبادتها، ومن هنا فإن تقييمه للخير والشرو الحسن والسيء يكون على أساس ميوله الباطنية. فهو يعتقد أن الصديق الجيد والمخلص هو من يستجيب دون قيد أو شرط لرغبات صديقه ويسعى متفانياً لتحقيقها. أما ذلك الذي لا يهتم لرغباته الناجمة عن غروره، فهو برأيه ليس حميماً ويستحق الهجر والنفور وسوء الظن.

إننا أشبه ما نكون أحياناً بالمرضى النفسانيين ، نتصور أن كل الأصدقاء والمحيطين بنا مسخرون لأجلنا ، ندفعهم ما استطعنا لتنفيذ مأربنا ورغباتنا متجاهلين ما قد يصيبهم من آلام وأضرار. كما أننا نعتبر كل من يعمل لمصلحتنا ويطيعنا صديقاً جيداً ومخلصاً ، أما ذلك الذي لا ينفعنا ولا يطيعنا فإننا ننفر منه ونحتقره»(13).

قال أمير المؤمنين علي (عليه السلام): من لم يرض من صديقه إلا بإيثاره على نفسه دام سخطه(14).

الشاب والمحيط:

«عندما تستيقظ الغريزة الجنسية لدى الشاب يبدأ اهتمامه ينصب على باطنه ، ولا يعود لعالم الأشياء أهمية عنده كالمرحلة السابقة ، فهو يلتحق بعالمه الاجتماعي الجديد. ويفقد الشاب في هذه المرحلة الثقة بالنفس التي كان يتمتع بها من ذي قبل، وبسبب ذلك تصبح (الأنا) محور أقواله وفعاله ، وبما أن العالم والمحيط لا يدوران في فلك (الأنا) للشاب ، فهو ليس على ما يرام مع المحيط ويشكو منه على الدوام ويعترض وينتقد، ليس مرتاحاً للأوضاع والأحوال ، فتنهار قواه الفاعلة وتضعف إرادته وكأن هناك علاقة بين هاتين الحالتين أي حالة الاعتراض والانتقاد وحالة الضعف والانهيار. إنه يقيم كل شيء على أساس ميوله ورغباته ، ليس لديه عقيدة ثابتة، ونتيجة لكل هذه الخصوصيات يصبح وبكل سهولة ألعوبة بيد هذا أو ذاك»(15). 

الانقياد للمشاعر الحادة:

يبني الشاب وبدافع عاطفي علاقة صداقة بين ليلة وضحاها دون تريث أو تفكير، ويتعمق في هذه العلاقة ، إلا أن هذه العلاقة سرعان ما تتحول إلى حقد وعداء بالسرعة التي قامت فيها لسبب قد يكون تافها نتيجة شفافية طباعه وحدة مشاعره.

فهو خلال أيام الصداقة يذهب في إظهار حبه وعلاقته بصديقه إلى حد المغالاة وذلك بسبب انقياده لمشاعره الحادة التي لم يقدم على تعديلها ، وخلال فترة القطيعة يذهب في إظهار حقده وعدائه لمن كان صديقه يوماً ما إلى أبعد الحدود، وقد يرتكب جرائم كبيرة لا يمكن تلافي، أضرارها.

«إن شدة العواطف المتغيرة والعابرة خلال فترة البلوغ تؤدي إلى حصول أخطاء كثيرة وتتسبب حتى في وقوع جرائم كثيرة. إن أعمال الإنسان في هذه الفترة وسلوكه يكون لها شكل آني ، فإذا استحصل على النتيجة المرجوة فرح وابتهج ، أما إذا لم يحقق نتيجة تذكر فإنه يتألم ويغضب ويبقى مضطرباً . إن من خصوصيات الشاب الطبيعية أنه يكون محتاجاً لفرصة عمل وصبر ووسيلة لتنميتها، فإذا لم تتوفر الفرصة ولم يكن هناك صبر ووسيلة للبيان ، فإن هذه القوة المستعدة للنمو تسير نحو الانحراف الفردي والاجتماعي»(16).

إن خطر طغيان غضب الشاب وروح الانتقام لديه لا يكمن فقط في حالات الصداقة الزائلة والأصدقاء الذين يصبحون فيما بعد أعداءً ، بل إن هذا الخطر يشمل حتى محيط الأسرة في جميع الحالات ، فإذا ما اشتد غضب الشاب وتصاعدت حدة أحاسيسه فقد يرتكب أعمالاً مهولة وجنونية تنجم عنها خسائر فادحة .

«توفي شاب في الثامنة عشرة من العمر يوم أمس بعد تناوله كمية من مادة الأسيد. وكان هذا الشاب قد قام قبل انتحاره برش كمية من هذه المادة على أمه وشقيقته الشابة ، وقد تم نقلهما إلى المستشفى فوراً للمعالجة»(17).

الاعتدال في الصحبة:

إن الشاب الذي ينشد في حياته السعادة والهناء والنصر والفلاح عليه أن يتغلب على أحاسيسه معتمداً على قوة إيمانه وعقله وأن لا يستسلم أبداً لهذه الأحاسيس الحادة وأن لا يرتكب ما قد يضيّع عليه وعلى الآخرين السعادة والهناء.

كما ينبغي ان يكون معتدلاً في صحبته، لا يغالي إذا اقام علاقة صداقة مع من هم في سنه ، ولا يبدي لهم كامل ثقته واعتماده ، وإذا ما انفصل عنهم يوماً لسبب ما عليه أن لا يتمادى في غضبه ولا يتجاوز في عدائه حدود العقل والمصلحة، وليعمل بوصية أمير المؤمنين علي (عليه السلام) حيث قال : أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يعصيك يوماً ما وابغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما(18).

الشاب والعلاقة المتكافئة:

6- إن العلاقة التي تنشأ بين الأطفال خلال سني الطفولة تنحصر في محيط الأسرة ومن ثم المدرسة ، لكن الأمر يتغير كلياً مع حلول مرحلة الشباب ونضوج العواطف والأحاسيس الخاصة بها ، حيث يبدأ الشاب بالتعرف على من هم من خارج محيط الأسرة والمدرسة ، ويقيم معهم علاقات صداقة ليوسع من علاقاته الاجتماعية.

وعادة ما يختار الشاب أصدقاءه ممن هم في سنه ليرتبط معهم بعلاقات صداقة حميمة. ونادراً ما يقيم الشاب علاقة صداقة مع طفل يصغره سناً أو شخص آخر يكبره في العمر.

فالشاب غير مستعد لإقامة علاقة صداقة مع طفل غير بالغ ، ويعتبر ذلك أنه لا يتناسب وشأنه ، لأنه يعتقد أن مصاحبة من هم أصغر منه سناً تعتبر اعترافاً منه بعدم كفائته ، وهو بذلك يهين شخصيته ويحط من قدره .

____________________________

(1) ماذا أعرف ؟ ، البلوغ، ص 54.

(2) ماذا أعرف ؟ ، البلوغ، 59.

(3) غرر الحكم ، ص 695.

(4) المصدر السابق، ص 695.

(5) ماذا أعرف؟ ، البلوع ، ص 59.

(6) فهرست الغرر، ص 356.

(7) أمالي الصدوق، ص 397.

(8) ماذا اعرف؟، البلوغ، ص 55.

(9) نهج البلاغة، الرسالة 31.

(10) بحار الانور16 ، ص46.

(11) البهجة، ص75.

(12) تاريخ اليعقوبي، ص97.

(13) سلامة الروح، ص 36.

(14) فهرست الغرر، ص204.

(15) تجديد حياة الشباب، ص 26.

(16) تجديد حياة الشباب ، ص 60.

(17) صحيفة إطلاعات، العدد 12565.

(18) تحف العقول، ص 201. 




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.